تقارير

السياسة المصرية تجاه حماس بعد انقلاب 2013

تمهيد

منذ تفجر ثورة ٢٥ يناير في مصر، وضعت غرفة كامب ديفيد التي تضم ممثلين عن الجيش المصري ودوائر أمنية في تل أبيب وأخري إقليمية مخططاً لشيطنتها، وفي ذات السياق إتبعت سياسة فرق تسُد بين الثوار، ولكون أن التيار الإسلامي يمثل للثورة عمودها الفقري، فإن هذه الغرفة خططت لكسر هذا العمود عبر حصر ما تصورت أنه نقاط ضعف فيه، وأعدت خارطة طريق تمضي علي أساسها لإنجاز هذا الكسر، وبعد ذلك خطتت لإلتهام بقية الثوار، وهو ما حدث بالفعل، وفي إطار هذا المخطط بدأت فضائيات جديدة وصحف تظهر للعلن إلى جانب الفضائيات المتوارثة منذ عهد مبارك.

وحظيت تلك الفضائيات والصحف برعاية من قبل تلك الغرفة الصهيونية المشار اليها، وبدأت تلك الفضائيات والصحف إلى جانب دوائر قضائية تتلقي تعليمات من قبل عناصر في المجلس العسكري وقيادات الإنقلاب، وبالتالي أخذت تروج أحاديث الأفك حول دور مزعوم لحركة حماس وحزب الله والحرس الثوري الإيراني في إقتحام السجون والإفراج عن معتقلين إسلاميين ومحبوسين، وتم تخصيص عناصر قضائية منتقاة في الخدمة لتحويل الإتهامات المستندة علي أدلة غير حقيقية إلى أحكام. وتطورت رسالة الصحف والقنوات الإعلامية السوداء إلى إتهام حركة حماس بتهديد الأمن القومي لمصر، وقتل جنود وضباط مصر في سيناء تارة، وإختطافهم تارة أخري، وعن أطماع لحماس في أرض سيناء.

ومع تولي الرئيس محمد مرسي الحكم تطورت مخططات غرفة عمليات كامب ديفيد وبدأت سلسلة هجمات دموية متوالية تتعرض لها عناصر من الجيش والشرطة بسيناء، ورأينا لأول مرة في تاريخ مصر الجيش يُعلن الحرب علي شريحة من الشعب ويتهمها بالإرهاب ويستبيحها كغنائم بالتنسيق مع دوائر أمنية إسرائيلية. وفي هذا المناخ وجه الإنقلاب الاتهامات لجماعة الأخوان وحركة حماس بالوقوف خلف الإعتداءات الدموية علي القوات المصرية في سيناء. وقتها تصور بعض الإسلاميين أن ما يحدث هو إجتهادات من قبل صحف ووسائل إعلام مصرية، لكن الحقيقة كما كشفت عنها تسريبات اللواء عباس كامل مدير مكتب السيسي كان كل ما يحدث مخططا له ويستهدف تهيئة المناخ والأجواء للإنقلاب العسكري.

ومن الملاحظ أنه فور وقوع الإنقلاب في ٣ يوليو عام ٢٠١٣ ركزت خطة الغرفة الصهيونية علي عدة محاور في التعامل مع حركة حماس منها محور أمني يتعلق بإحكام الحصار علي قطاع غزة ، والتحرش بقوات الأمن الفلسطينية علي الحدود والتنسيق مع تل أبيب في ذات السياق، وذلك يحدث إنطلاقا ً من حجة الحرب علي تنظيم الدولة في سيناء(1). ومحور إستخباراتي من خلاله يوظف القضاء المصري في اتهام حماس وكتائب القسام بالإرهاب، واتهام الرئيس مرسي وعدد من انصاره بالتخابر مع حماس وحزب الله والحرس الثوري الإيرني(2). إلي جانب محور سياسي من خلاله يصدر للعالم فكرة أن الرئيس مرسي نسق مع حركة حماس من أجل إقامة الخلافة الإسلامية وتهديد أمن إسرائيل ووجودها وتهديد المصالح الأمريكية والأوروبية في المنطقة(3). أما المحور الأخير، فيتعلق باحتواء حركة حماس، وإدماجها والفصائل المقاومة الاخري في عملية تسوية شاملة يتم من خلالها تصفية القضية الفلسطينية ورسم خرائط جديدة للمنطقة(4).

وفي ذات السياق رصدنا أن الجانب الصهيوني يحتوي من جهته قوي التطرف لديه في حكومة وحدة وطنية شكلت مؤخراً، وبات ليبرمان اليميني المتطرف رئيس ما يسمي بحزب إسرائيل بيتنا وزير الدفاع بحكومة نتنياهو.

مبادرة السيسي لإسرائيل

في ظل تواصل الإتصالات الأمنية المصرية مع حركة حماس ممثلة لتيار التشدد الفلسطيني في مواجهة التسوية مع “إسرائيل”، إلى جانب جهود تقوم بها القاهرة أيضاً إلى جانب اطراف إقليمية ـ منها دولة قطر ـ لتحقيق مصالحة الفلسطينية(5)، أعلن في تل أبيب عن تشكيل تلك الحكومة اليمينية الإسرائيلية التي تضم تيار التشدد الإسرائيلي الذي يقوده ليبرمان، والملفت للإنتباه هنا أن ليبرمان أكد تحمسه لمبادرة السلام العربية، وقال “إن فيها جوانب ايجابية للغاية”.

وحسب وكالة الأنباء الفرنسية ـ والتي بثت لقطات لليبرمان وهو يتحدث في مؤتمر صحفي بجوار نتنياهو فور أدائه اليمين كوزير للحرب في الكيان الصهيوني، واستبق إعلان ليبرمان وزيراً أنه يقبل بالتسوية السلمية من خلال المبادرة طرحها قائد الإنقلاب بالقاهرة عبد الفتاح السيسي بتوجيه رسالة لما أسماه بالشعب الإسرائيلي بثها التليفزيوني الصهيوني يطالب خلالها بتسوية القضية الفلسطينية.

اللافت أن السيسي وجه رسالته من قاعة صُممت علي شكل علم دولة الكيان الصهيوني، خلال زيارة السيسي لمدينة أسيوط(6). وتزامنت تحركات السيسي ـ نتنياهو مع ترويج واسع النطاق للمبادرة العربية وعدم الممانعة في إدخال تعديلات عليها، وتحركات في العاصمة الفرنسية باريس لتسوية القضية الفلسطينية، تعارضها الحكومة الإسرائيلية وتفضل عليها المفاوضات الثنائية مع السلطة الفلسطينية.

وفي ذات السياق قال الخبير في الشئون الإسرائيلية محمد علي حسن “إن الكيان الصهيوني يؤيد المبادرة المصرية التي طرحها السيسي لأنه يتوافق حولها كل من السلطة الفلسطينية وحركة حماس، ولأنها أوضح من المبادرة الفرنسية، وتتضمن بندا لا يوجد في أي مبادرة من قبل وهو المصالحة بين فتح وحماس”.

وحول ليبرمان أشار “حسن” إلى أن العرب تعودوا من إسرائيل دوما أن تجلس على طاولة المفاوضات وتوافق على البنود، وبعد ذلك تقوم بطرح التعديلات، في إشارة إلى ترحيب ليبرمان بإقامة دولة فلسطينية وهو الذي يعرف عنه بمعاداته لفلسطين منذ سنوات. وتوقع “حسن” نجاح المبادرة العربية هذه المرة بنسبة لا تتخطى ال ٧٠ ٪ في حال كان الرد العربي قويا والعكس صحيح(7).

وفي إطار ترتيب الأوضاع في المنطقة من أجل تصفية القضية الفلسطينية وتمرير مبادرة السيسي أفاد الموقع الاخباري الخاص بالشرق الاوسط (ميدل ايست، أي) أن اسرائيل أجرت اتصالات مع عدد من الدول العربية عن طريق دولة الامارات بشأن تنحية رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبومازن واستبداله بمحمد دحلان. وبحسب الموقع فإن ممثلين من ٣ دول (الامارات والأردن ومصر) يعكفون على إعداد هذه الخطة لاستبدال أبو مازن، وأنهم سيطرحونها بعد بلورتها على العربية السعودية لنيل موافقتها على ذلك. وأن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد هو الذي بادر إلى اطلاق هذه الخطة بعد أن توصلت الدول الثلاث وإسرائيل إلى الاستنتاج بأن أبو مازن لن يستقيل من منصبه بمحض ارادته.

كما يعمل المبادرون إلى هذه الخطوة بأن تنصيب دحلان في منصب رئيس السلطة سيتيح الفرصة أمام ترحيب الفصائل المختلفة في فتح ويدفع للمصالحة بين السلطة الفلسطينية وحماس مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى مفاوضات واتفاق مع اسرائيل. وذكر الموقع أن دحلان يفضل تنفيذ هذه الخطة تدريجيا وتعيينه في المرحلة الأولى رئيسا للمجلس التشريعي ثم سيقوم بترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية.

ويشير الموقع إلى وجود عدد من العوامل التي قد تعرقل ترشيح دحلان لمنصب الرئيس، منها: الشبهات بالفساد التي تحوم حوله وعلاقاته المزعومة مع الاستخبارات الاسرائيلية وشعبيته الضئيلة في صفوف الشعب الفلسطيني(8).

التقارب المصري مع حماس

قد يتساءل البعض ما الذي جعل نظام ٣ يوليو الإنقلابي في مصر يحاول التفاوض مع حركة حماس وتصفية الخلافات معها والعودة لممارسة الدور الذي كانت تلعبه المخابرات المصرية مع حماس سنوات حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك الطويلة؟

وتجيب علي السؤال قيادة فلسطينية رفيعة المستوي التقيناها مؤخراً (نحتفظ باسمها) قالت أنه: “في أعقاب العدوان الصهيوني الأخير علي غزة وما حققته المقاومة من بطولات وصمود، تدفق دبلوماسيون أوروبيون رفيعي المستوى علي قيادات حماس في الداخل والخارج وطرحوا العديد من المبادرات، أبرزها: مبادرة المبعوث السابق لعملية السلام توني بلير، والمبعوث الحالي نيكولا ميلادينوف اللتين لم تقبل حماس بأي منهما”.

القيادية أوضحت أن :”هذه التحركات دفعت الإدارة المصرية إلى إعادة التفكير في طبيعة علاقتها مع حركة حماس، كونها القوة المسيطرة على قطاع غزة، فلجأت إلى إرسال رسائل، وعقد لقاءات مع حماس، ومن ثم فتح معبر رفح، وإدخال مواد بناء للقطاع الخاص، بعد أن كانت هذه الخطوات من المحرمات المصرية وتمت بتأييد من الرئيس عباس أيضاً”.

وأشارت إلى أن: “من دوافع مصر للتحرك تجاه حماس أيضاً تردي الحالة الأمنية في شمال سيناء، مع تزايد الهجمات على الجيش والشرطة، وعدم قدرة مصر على بسط سيطرتها هناك، وعودة حضور المخابرات العامة بالملفات الأمنية المصرية، وتراجع دور المخابرات الحربية(9).

ويكشف ورقة أعدها “حمزة إسماعيل” أنه ” في الثلث الأول من عام ٢٠١٥ زار مدير المخابرات المصرية اللواء خالد فوزي الدوحة، وخلال الزيارة نقل رسالة لحركة حماس، عبّر فيها عن حرص مصر على إعادة العلاقات الثنائية مع حماس، واستعداده للقاء قادتها، وعلى رأسهم خالد مشعل في القاهرة، مقدما بعض المطالب المصرية في سبيل لذلك، والتي تتلخص في ضبط الحدود لمنع العناصر المتشددة من التنقل بين سيناء وغزة، والتعاون الأمني وتبادل المعلومات في ما يتعلق بالحالة الأمنية المتدهورة في سيناء”.

وحسب حمزة: “لم يكتف الجانب المصري بنقل الرسائل عبر قطر، بل أعطى الضوء الأخضر لدحلان لنقل المطالب السابقة لحماس، حيث نٌقلت عبر مساعديه في لقاء جمعهم بحماس في تركيا، ثم لم تجد مصر بدا من الجلوس مع حركة حماس بصورة مباشرة، مستغلة عودة اثنين من أبرز مهندسي العلاقات الخارجية لحماس: الدكتور موسى أبو مرزوق، والمهندس عماد العلمي، إلى قطاع غزة، مؤكدة لهما الحرص المصري على إعادة العلاقات الثنائية مع حركة حماس”.

ثم تلا ذلك لقاء جمع أبو مرزوق ووزير المخابرات المصرية خالد فوزي، وهو الأول من نوعه منذ عام، واتفق الجانبان على وقف التراشق الإعلامي، وتكثيف الجهود لضبط الحدود من الجانب الفلسطيني، وتخفيف الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، كما سبقت ذلك خطوات مصرية، كإلغاء الأحكام الصادرة ضد حماس باعتبارها منظمة “إرهابية”.

وتشير نفس الورقة إلى أن” تلك الإتصالات المصرية مع حماس تجي عقب فشل كافة المحاولات للقضاء على حركة حماس، وتراجع الحرب الإقليمية على جماعة الإخوان المسلمين، بسبب التطورات المتسارعة في المنطقة العربية. وشعور القيادة المصرية بـ”جدية” الخطوات الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، وعدم الرغبة في الدخول في مواجهة جديدة”.

وأن: “النظام العسكري في مصر كان قد بحث عن أولوية تسويق انقلابه فور حدوثه على حساب أمنه القومي، فوجد ضالته في التعاون المكثف مع الاحتلال الإسرائيلي، وشن حربا بلا هوادة، لمنع تطوير قدرات المقاومة في قطاع غزة، وذهب الانقلاب إلى تجريم حماس وذراعها العسكري، وإصدار أحكام بالإعدام ضد عدد من أبرز قادتها، وتلفيق التهم لهم كاقتحام السجون، والتدخل في الشأن المصري، رغم الحديث من قبل المخابرات المصرية لحماس بأنها تعلم ألا علاقة لها بالأوضاع الداخلية”.

ويضيف “ربما تكون الخطوات المصرية لنزع فتيل التوتر مع حماس تعيدها إلى مشهد الملفات الفلسطينية، كالمصالحة، والتهدئة، لكنها ليس من السهل أن تكون وسيطا مقبولا في مفاوضات تبادل الأسرى. ورغم ثناء كتائب القسام على دورها في صفقة شاليط، فإن خطوات ما بعد الانقلاب تعقد قبول مصر مرة أخرى وسيطا نزيها، ويتطلب الأمر منها إعادة بناء الثقة مع القسام”.

وحسب ابو شنب “تلك مهمة لا تتم إلا بإجراءات مصرية واضحة، ترتبط برفع الحصار عن المقاومة في غزة، فنظرة القسام للأمور ربما تكون مختلفة عن النظرة السياسية والإنسانية. وتشترط القسام للقبول بمصر وسيطا في الملفات المتصلة بها: اتخاذ مصر خطوات جريئة بإسقاط حكم المحكمة اعتبار القسام منظمة “إرهابية”، وإسقاط الأحكام ضد قياداته الأحياء والشهداء، ووقف الحرب ضد المقاومة أمنيا وميدانيا”.

ويخلص “بموجب ذلك وفي ظل تلك الاشتراطات ستكون السلطات المصرية أمام خيارين: إما الأمن القومي المصري، وهو ما يتعلق بتعاونها مع المقاومة ولو بالحد الأدنى، أو تأمين الاحتلال الإسرائيلي الداعم لانقلابها العسكري(10).

الحصار والإعلام

لعب الاعلام المصري الموالي للانقلاب، دورا ضد الامن القومي العربي والمصري وبموازاة العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، شنت وسائل إعلام مصرية حملات عنيفة من الكراهية ضد الفلسطينيين في القطاع مع تحميل حركة حماس مسؤولية الحرب (11).

وفي ذات السياق اتهم رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، خالد مشعل، وسائل الإعلام المصرية بارتكاب جريمة بحق الحركة. وقال مشعل، خلال حوار تلفزيونى نشره موقع وكالة فلسطين برس “إن الإعلام المصرى خاض معركة ضد الإخوان خلال فترة حكمهم من خلال استخدام حركة حماس كمادة للتشويه بحكم ارتباطها بالجماعة”. وبيّن مشعل أن حركته “لم ترهن قرارها لطرف عربى ضد آخر”. مشيرًا إلى أن “هدف حماس يكمن فى تحرير فلسطين، وليس التدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية”. وكان الاعلام المصري الرسمي والخاص وقف مؤيدا لتل أبيب في حربها علي غزة ولفق لحماس اتهامات ثبت انها مختلقة ولا أساس لها من الصحة(12).

ولرؤية اوجه التناقض بين الاعلاميين وتغييرهم لوجهات نظرهم حسب مواقف الدولة من حركة حماس، ففي أعقاب الاجتماعات التي تمت بين قيادات في حماس وقادة المخابرات المصرية والإتفاق علي وقف الحملات الإعلامية علي الحركة، بدأ الإعلاميين يغيرون وجهات نظرهم تجاه حماس(13). وصاحب الحملات الإعلامية ضد حماس التي بلغت أوجها في اعقاب الإنقلاب تحركات من قبل سلطات الإنقلاب من أجل إحكام الحصار حول القطاع عبر تدمير الأنفاق وإغلاق المعابر وإنشاء قناة مائية علي الحدود مع غزة بعد تدمير الشطر المصري من مدينة رفح والذي يبلغ تاريخه الألفي عام.

وهنا يكشف التقرير السنوي لوزارة الاقتصاد الوطني الفلسطينية لعام ٢٠١٥ أن عدد أيام عمل المعابر بين الكيان الصهيوني وغزة خلال عام ٠١٥ ٢ بلغ حوالي ٢٤٣ يوماً من أصل ٣٦٥ يوم أي بنسبة تشغيل ٦٦.٦٪ مع معدل يومي ٩ ساعات بدلاً من ١٢ ساعة بنسبة ٧٥٪ من عدد الساعات المتاحة يوميا، وذلك في معبر كرم ابو سالم، وهو الوحيد الذي يعمل من ٦ معابر بين غزة والكيان الصهيوني.

أما معبر رفح فقد فتح مع الجانب المصري من أجل سفر الطلاب والمرضي أصحاب الاقامات لمدة ١٨ يوماً فقط علي مدار عام ٢٠١٥ مقارنة مع ٤٥ يوماً عمل في ٢٠١٤ ومع ١٦١ يوم خلال نفس الفترة من عام ٢٠١٣ مسجلا بذلك انخفاض يقدر ب٨٨.٨٪ من عدد أيام العمل عام ٢٠١٣ وانخفاض وقدره ٦٠٪ عن عام ٢٠١٤ من حيث عدد ايام العمل.

وأدي إغلاق معبر رفح إلى توجه اللجنة القطرية لاعمار غزة إلى الحصول علي إحتياجاتها من المواد الانشائية من خلال المعابر مع الاحتلال الصهيوني ضمن الآلية الدولية لادخال مواد البناء إلى قطاع غزة (14).

القناة والانفاق

وحول القناة المائية التي تم حفرها علي الحدود مع غزة قال مصدر أمني فلسطيني: إن “آليات تابعة للجيش مددت أنابيب مياه عملاقة يصل قطرها إلى 60 سم داخل خندق ضيق في باطن الأرض يمتد على طول الحدود المصرية مع قطاع غزة”. وأوضح المصدر أن الجيش المصري “ضخ كميات هائلة من مياه البحر المتوسط داخل هذه الأنابيب التي يضم كل واحد منها مئات الثقوب، مما تسبب في تفكك التربة الرملية، ووصول المياه إلى داخل الأنفاق وانهيارها”.

ويقول مسؤولون مصريون بأن وجود الأنابيب المائية التي ستغذيها مياه البحر المتوسط، سيجعل من التربة المحيطة بالحدود رخوةً وغير قابلة للحفر بعد أن تتشبع بالمياه المالحة.

وأكد رئيس بلدية رفح الفلسطينية صبحي أبو رضوان، أن “الخطورة الكبيرة تكمن في ضخ مياه البحر لتلك الأحواض، وما ستسببه من كوارث بيئية وصحية كبيرة على السكان الفلسطينيين داخل قطاع غزة، وعلى الأخص سكان المنطقة الحدودية والمجاورة لرفح المصرية”. وأضاف: “إن وصول مياه البحر إلى المياه الجوفية الفلسطينية، يعني تلوثها بشكل كبير، وتصبح غير صالحة للشرب والاستخدام الآدمي، ما يعني خلق حالة من التوتر والنقص في مياه الشرب، التي تعاني غزة أزمة كبيرة منها خلال السنوات الماضية”.

وتابع “إضافة لما تم ذكره، فضخ مياه البحر لتدمير الأنفاق، يعني عملياً انهيار كافة المنازل والمباني الفلسطينية الموجودة على طول الشريط الحدودي مع مصر، وتشريد آلاف العائلات الفلسطينية منها”.

وفي ذات السياق، قالت مجلة “فرونت بيج” الأمريكية إن الجيش المصري قد يلجأ إلى نشر تماسيح في الخندق المائي أو أي عناصر طبيعية أخرى للقضاء على أي فرصة لحفر أنفاق بين قطاع غزة والجانب المصري من الحدود. واعتبر رئيس بلدية رفح ما نشرته المجلة الأمريكية “سابقة خطيرة وأمر غريب جداً، ويدلل على إصرار مصر على السيطرة بكل قوة على المنطقة الحدودية، وانعدام أي فرصة لحفر الأنفاق”.

وقالت سلطة المياه في قطاع غزة، إن ضخ الجيش المصري، لكميات من مياه البحر، أسفل الحدود الفلسطينية المصرية لتدمير أنفاق التهريب، تسبب بانهيارات كبيرة في التربة.

وأوضحت سلطة المياه في بيانها، أن الخطوة تعرض “المساكن القريبة من تلك المنطقة للخطر”، مشيرة إلى أن مياه البحر تتسبب في زيادة نسبة الملوحة في التربة، ما يجعلها “غير قابلة للزراعة”. ومنذ أكتوبر 2015، تعمل السلطات المصرية على إنشاء منطقة خالية من الأنفاق في الشريط الحدودي مع قطاع غزة، وتحديدا في مدينة رفح(15). وذلك في إطار مخطط أمريكى إسرائيلى لإنشاء منطقة عازلة فى سيناء بطول 200 كيلومتر(16).

اتهامات متبادلة

في محاولة منها لتخريب التنسيق الأمني بين القاهرة وحماس زعمت تل أبيب دخول عناصر من تنظيم الدولة إلى غزة عبر الأنفاق لإجراء تدريبات، وقالت الإذاعة العامة الإسرائيلية أن التعاون العسكرى بين تنظيم الدولة وحماس تم بعلم وموافقة قادة الحركة فى غزة، وإن نشطاء حماس، قاموا أيضا بتقديم العلاج لجرحى من عناصر تنظيم الدولة الذين دخلوا القطاع من شبه جزيرة سيناء، وفى المقابل، نفت حركة “حماس” هذه الإدعاءات الإسرائيلية، حيث نفى المتحدث الرسمى باسم الحركة سامى أبو زهرى، دخول أى ناشط من التنظيم إلى القطاع لإجراء تدريبات عسكرية. وأوضح أبو زهرى، أن تصريحات مردخاى باطلة وتستهدف التحريض على قطاع غزة وتبرير أى هجوم جديد عليه (17). واتهم المتحدث باسم حماس عناصر في السلطة الفلسطينية و”إسرائيل” بتدبير مخطط لإغتيال قائد الإنقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي، وإتهام حماس بإرتكاب العملية لتخريب علاقتها مع مصر(18).

وفي خضم التدهور الأمني المتواصل في سيناء قالت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” أن اختطاف ٤ من المواطنين الغزيين في سيناء كسرُ لكل الأعراف الدبلوماسية والأمنية للدولة المصرية؛ بحيث يبدو أنه انقلابٌ أمني وخروجٌ على التقاليد”، مؤكدة أنه حدث خطير لا يمكن تجاوزه(19)، وهو أمر نفت السلطات المصرية أي دور لها فيه متهمة جماعات سلفية بسيناء باختطاف العناصر الأربعة لمقايضتهم بمعتقلين لها في سجون غزة.

وكانت محكمة مصرية قضت بتصنيف حماس “منظمة إرهابية ” في “28 فبراير 2015، وهو الحكم الذي أعتبرته حماس إنقلابا على المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. ووصفت حماس الحكم بأنه “مسيس… وهروب من الأزمات الداخلية” في مصر. وشملت قائمة الاتهامات أيضا ضلوع حماس في اقتحام سجن وادى النطرون وتهريب أعضاء جماعة الإخوان والمشاركة في قتل المتظاهرين في ميدان التحرير أثناء ثورة 25 يناير 2011(20). ومن جهتها اتهمت حماس عناصر من الجيش المصري بإطلاق نار على قوات الأمن الوطني الفلسطيني يوم ٣ فبراير ٢٠١٥(21).

والملفت للإنتباه، والذي يؤكد أن الأحكام التي صدرت ضد حركة حماس مسيسة، أن ممثلين عن الحركة بمجرد أن توصلوا لتفاهمات مع عناصر أمنية مصرية، قررت محكمة الأمور المستعجلة بمصر إلغاء حكم اعتبار حماس منظمة إرهابية وذلك في يوم 6 يونيو 2015، ونقل موقع التلفزيون المصري الرسمي أن المحكمة “قبلت الطعن المقدم من هيئة قضايا الدولة على الحكم الذي أصدرته محكمة الامور المستعجلة باعتبار حركة حماس الفلسطينية كمنظمة إرهابية وعدم الاختصاص النوعي، وإلغاء حكم أول درجة(22).

خلاصة

ثمة مخطط يجري ترتيب تفاصيله وخطواته منذ شهور طويلة، هذا المخطط يُنفذ لصالح المشروع الصهيوني في المنطقة، من أجل شرق أوسط يتم فيه تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، وتتسيده تل أبيب، ومن هذا المنطلق تتفشي الخلافات العرقية والعقائدية والطائفية والقومية في المنطقة، وهذا المخطط بدأت خطواته بالإنقلاب علي النظام الديمقراطي بمصر في ٣ يوليو عام ٢٠١٣م، ثم ظهور تنظيم الدولة أداة لتنفيذ هذا المخطط. والذي أمتدت محاوره لتحكم شباكها حول دوائر الأمن القومي المصري التي تمتد من سد النهضة في الحبشة، وحتي معارك سيناء التي تتم بمساحة ١٦٠٠ كيلو متر شمال شرقها بهدف تنظيف تلك المنطقة من سكانها وتسليمها لتل ابيب علي طبق من ذهب ضمن هذا المخطط، بعد تحييد بقية ارض سيناء وتفريغ جزرها من خطورها بإخراجها عن سيادة مصر.

وهذا المخطط يحدث في ظل حروب متواصلة تنهك الامن القومي العربي في الشام والعراق واليمن وليبيا، واشغال تركيا بحوادث ارهابية. وبداية مواجهة هذا المخطط وهزيمته تنطلق من نقطة انهاء الإنقلاب الذي تعرضت له مصر والسيطرة علي ما خلفه من تداعيات، وتوعية أبناء الشعب في مصر والعالم العربي بأبعاد هذا المخطط، مع العلم أن الوقت لم يعد في صالحنا، ففي كل يوم يمر ويستمر فيه الانقلاب يترسخ هذا المخطط وتكتمل مراحله، وما تطورات العلاقة بين حماس وقادة الانقلاب إلا مجرد جانب من هذا لمخطط يستهدف تركيع المقاومة ليتحقق الإستسلام لهذا التخطيط الشيطاني ().

—————————————

الهامش

(1)مصر: الجيش يضخ المياه في القناة بين سيناء وغزّة، العربي الجديد، 18 سبتمبر 2015

(2)تفاصيل “قضية التخابر الكبرى” في مصر، سكاي نيوز عربية، الثلاثاء 16 يونيو 2015

(3)صحف العالم: سد الجوع قبل الديمقراطية في مصر، سي إن إن عربية، الثلاثاء، 03 سبتمبر 2013

(4)مصادر إٍسرائيلية: السيسي يقترح دولة فلسطينية بسيناء – الجزيرة نت، ٥ ابريل 2016.

(5)عواصف دحلان تصل القاهرة.. 3 ملفات تفتحها الزيارة المفاجئة لقيادى فتح المفصول، صحيفة اليوم الجديد، 30/5/2016.

(6) خطاب السيسي الاخير خلال افتتاح محطة كهرباء أسيوط الجديدة 17/5/2016

(7) محلل سياسي يوضح أهم ما يميز المبادرة المصرية للسلام، 31/5/2016

(8) إسرائيل تجري اتصالات مع عدد من الدول العربية بشأن تنحية عباس واستبداله بدحلان، الاذاعة العربية الإسرائيلية، 28 مايو 2016.

(9)مباشر مع د. محمود الزهار حول مفاوضات حماس مع مصر، 25 مارس 2016

(10)حمزة إسماعيل أبو شنب، حماس ومصر واللغز التائه في سيناء، الجزيرة نت، 1 يوليو 2015، تاريخ الزيارة 8/6/2016.

(11)فاطمة التريكي، حملات تحريض وتشف بالاعلام المصري ضد حماس وغزة، تقرير إخباري قناة الجزيرة الإخبارية، 14 يوليو 2014، تاريخ الزيارة 8/6/2016.

(12)قناة الجزيرة، الإعلام المصري يشيد ويؤيد الهجوم الإسرائيلي على غزة لتخليصهم من حماس، 4/7/2014.

(13)الابراشى بعد تصالح حماس مع المخابرات المصرية: على الاعلام المصرى التوقف عن الهجوم على حماس، 16/3/2016

(14) وزارة الإقتصاد الفلسطينية، تقرير المعابر لعام ٢٠١٥

(15)القنوات المائية في الشريط الحدودي برفح… الأملاح التي ستزيد طين غزة بلّة ودماراً ـ موقع افاق البيئة والتنمية

(16)مخطط أمريكى إسرائيلى لإنشاء منطقة عازلة فى سيناء بطول 200 كيلومتر ـ موقع صحيفة الوطن ٢٦ـ ١٢ـ ٢٠١٢

(17)إذاعة إسرائيل العربية

(18)المتحدث باسم حماس يصدم الابراشي ويكشف له مخطط اغتيال السيسى، يوتيوب، 18/5/2016.

(19)تفاصيل جديدة حول مختطفي القسام الأربعة، الأحد, 23 أغسطس, 2015

(20) حكم قضائي يوصم حماس بالارهاب

(21) عناصر من القوات المصرية تطلق النار علي الامن الوطني الفلسطيني ـ بي بي سي ـ – ٣ فبراير ٢٠١٥

(22)مصر محكمة الأمور المستعجلة تقضي بإلغاء حكم اعتبار حماس منظمة إرهابية مصر، السبت 06 يونيو 2015

(23) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

صلاح بديوي

كاتب وصحافي وناشط مصري، من مؤلفاته “الاختراق الإسرائيلي للزراعة المصرية”، عضو نقابة الصحفيين المصريين، عضو سابق في المجلس الأعلى للصحافة في مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى