دراسات

فقه الخلاف بين المشروعية والمنع

مقدمة

إن قواطع الحقائق قليلة في الكون والحياة والإنسان، غالب المعلومات قائم على النظريات النسبية التي تحتمل الصواب والخطأ، أو الصواب والأصوب، أو تكون تحت الاختبار إما أن تثبت أو تنهار.

الأحكام الشرعية المتعلقة بفقه العبادات والمعاملات غالب نصوصها ظني الدلالة، لأن غالبها مأخوذ من الألفاظ التي وردت في القرآن والسنة، والألفاظ يعتريها الأمر والنهى والحقيقة والمجاز والإضمار والإفراد والتركيب والاشتراك والصريح والكناية والإطلاق والتقييد ومع كل هذه الاحتمالات يستحيل القطع في الأحكام الشرعية العملية.

حتى مسائل التوحيد والإيمان والعقيدة منها ما هو قطعي الثبوت قطعي الدلالة وهذا لا خلاف فيه محمود أبدا، ومنها ما هو ظني الدلالة وإن كان قطعي الثبوت والاختلاف فيه وارد، فالمتفق عليه عند العلماء أن قضايا العقيدة منها الأصول والثوابت التي ثبتت بطريق القطع، ومنها الفروع المختلف فيها بين الإثبات من البعض والإنكار من البعض الآخر.

الكون والحياة والإنسان والأحكام غالبها قائم على التنوع والتعدد، هذه سنة الله في خلقه وحكمه وقدره، فلم لا نستمتع بنعمة الاختلاف التي أقام الله عليها كونه وملكه، فالجماد والنبات والحيوان والإنس والجن والملائكة أشكال وألوان مختلفة، تجلت عظمة الخالق في قدرته سبحانه وتعالى على اختلاف وتنوع خلقه في مفردات كونه.

الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الدالة على سنة الاختلاف كثيرة، هي آية من آيات الله في بديع صنعه ((وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) ﴿٢٢﴾الروم

أقوى أسباب الاختلاف في الآراء والأفكار والتوجهات كامن في قدرة العقول المتنوعة في التفكير الدلالي، والنظر المحصل للعلوم والثقافات.

من هنا أباح الله الجدل بالتي هي أحسن، بل أمر به في قوله تعالى: ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِه وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)) ﴿١٢٥﴾النحل

والمحمود منه القائم على محاولة إدراك حقائق الأشياء أو أحسنها أو أقربها إلى الصواب مع الإخلاص وحسن النية، والمذموم منه ما كان القصد منه مجرد المراء وطمس الحقائق، أو تلبيس الباطل ثوب الحق أو العكس.

أكثر مظاهر الاختلاف السياسي كامن في تقدير المصالح والمفاسد التي يرتكز عليها علم السياسة والاجتماع والاقتصاد وباقي العلوم الإنسانية، فطبيعة الأشياء التي خلقها الله سبحانه وتعالى مفطورة على تنوع المصلحة والمفسدة فيها، فليس هناك مصلحة محضة ولا مفسدة محضة في جانب السياسة والحركة.

الاختلاف المحمود والموصوف بالمشروعية سمته وصفته الاستماع والاستمتاع بآراء الغير، فهو في الحقيقة متعة العقلاء، إذ كثرة الآراء في مسائل الاختلاف سعة وقدرة ومكنة للعقل في تعدد الطرح وتنوع القول، وبهذا ميزنا الله سبحانه وتعالى وفضلنا عن بقية خلقه.

الطغاة والمستبدون وأصحاب العقول القاصرة والقلوب المريضة يرون تنوع الآراء والأفكار مفسدة، وحمل الناس على رأي الطواغيت والصعاليك من البشر أحمد وأفضل من اختلاف الآراء وتنوعها، منطق فرعوني قديم ذكره القرآن في قوله تعالى حكاية عنه ((يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)) ﴿٢٩﴾غافر

فقهاء الأمة مارسوا التنوع في الأقوال والآراء بصورة مذهلة رائعة لا نظير لها في تاريخ الأمم، فالشافعي رضي الله عنه قال: ما ناظرت أحدا إلا وتمنيت أن يجرى الله الحق على لسانه[1].

ولما اختلف مع قرين له من العلماء ورأي أن قلبه تغير ذهب إليه وقال له: إن كنا اختلفنا في مسألة فنحن متفقون في مسائل، وكان أبو حنيفة يعرض المسألة أو النازلة على تلامذته ليسمع آراءهم، فإذا قال لهم قيسوا أحسَنوا القياس، وإذا قال لهم استحسنوا لم يحسنه إلا هو، روعة في التمرين والتدريب في استنباط الأحكام.

استقر في عقول ووجدان الأمة منذ عهدها الأول أن الاختلاف سعة ورحمة، فالصحابة اختلفوا والتابعون كذلك، والأئمة الأربعة وغيرهم من أهل الرأي والعلم، ذكر ابن العربي المالكي صاحب التفسير أن أحد أقطاب الحنفية من العلماء دخل مسجدا كان شيخه مالكيا، ودار حوار بين الشيخين الحنفي والمالكي حول مسألة من مسائل الفقه يقول ابن العربي: وكنا نستمع إلى الحوار والمناظرة وقد أفدنا الخير الكثير.

لماذا يصر البعض على أحادية الرأي ورؤية المصلحة من وجهة نظره هو، وهو يعلم أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان أكثر الناس مشورة واستماعا بل ونزولا على آراء أصحابه رضي الله عنهم، ففي بدر نزل على رأي الحباب بن المنذر[2]، وكذا في أحد على رأي الشباب في الخروج خارج المدينة[3]، والسعدين في الأحزاب[4]، وأم سلمة في الحديبية[5]، كل ذلك وغيره خير دليل على صحة الاختلاف.

الوحدة نعمة كبرى نعم، لكنها تبني على تفاعل الآراء والأفكار، ووحدة الصف والكلمة تأتي بعد نعمة ومتعة الاختلاف، هكذا كان الصحابة في الأزمات الكبرى والنوازل السياسية تختلف آراؤهم ثم يجتمعون على رأي واحد، لا يمكن أن تتوحد الكلمة إلا باحترام الآراء أولا ثم احترام القرار ثانيا.

الوحدة المأمور بها في القرآن والسنة والاعتصام بحبل الله وعدم التفرق فيما ثبت من أحكام بيقين وليس للاختلاف فيه مجال، كأصول العقائد والأخلاق والعبادات والمعاملات، فمورد الأمر والنهى فيه، وما عدا ذلك فالتنوع والاختلاف فيه واجب أو مندوب أو مباح حسب المسألة أو النازلة، وقد ثبت عند الفقهاء أن الفقه مبني على الظنون، وأن العمل بالظن واجب، والظن صورة من صور الاختلاف.

غلب على كثير من السلفية الجدد التعصب للرأي الواحد في مسائل الفقه، بل بعضهم حرم الاختلاف فيه، وجعل من باب البدع تعدد المذاهب والآراء في المسألة الواحدة، بل بعضهم يستخدم في الفقه ألفاظ القطع واليقين، وأن ما عدا رأيه هو الباطل بيقين.

أغلب من استمعت إليهم من السلفية ليسوا علماء، ولم يدرسوا علم الفقه وأصوله بإتقان، غالبهم ينتمي إلى أهل الحديث ويأخذ من ظواهر الأحاديث ما يستدل به على رأيه، أغلب الأشرطة والمقالات التي تكلمت عن أخطاء المسلمين في الصلاة أو الزكاة أو الحج والتشنيع على المخالف ووصفه بأوصاف لا تليق هي من مسائل الفقه المختلف فيها، والخلاف فيها معتبر وقائم على أدلة من الكتاب أو السنة أو بعض الآثار، بعضهم سمي الإمام أبو حنيفة ـ رضي الله عنه ـ “أبو ليفة” لقوله بالقيمة في زكاة الفطر.

هؤلاء طواغيت الفقه، مثلهم في الجهل مثل طواغيت الاستبداد السياسي، فالكل حرم نفسه من متعة الاستفادة بأقوال الغير، وكلام السابقين من أهل التخصص والعلم، نفوس مهووسة بذاتها، وتجعل من الدين مطية للظهور والتعالم أمام الناس.

متعة الاختلاف المحمود لا تحصل إلا بين أهل الأدب والسعة من العلم، فيزداد المسلم من المناظرة والحوار علما من غيره على علمه، وخبرة في الاستدلال قد تكون غائبة عنه إلى خبرته، أما الحوش ممن لبسوا لبس العلماء وتزيوا بزي الفقهاء وعند أدنى اختلاف يعلو صوته ويتهم من يخالفه فهم أقرب إلى سقط المتاع الخلق الذي تمسح به الأقدام.

أخي طالب العلم مارس بحقٍّ متعة الاختلاف المحمود واستمع إلى من يخالفك بكل حب وإنصات، وكن شجاعا إذا كان رأيه أصوب من رأيك أن تنزل إليه، مع نفسك اختلف. قَلِّبِ المسألة واقرأها من جميع زواياها، مع زوجك استمع واختلف، مع ولدك مع جيرانك مع أصحابك وخلانك، فما خاب من استشار وما ندم من استخار.

مشكلة البحث:

الواقع خير شاهد على خوض كثير من متصدري الفتوى والعلم والإعلام والمنابر في قضية الاختلاف دون دراية بمفهومه وأنواعه وأسبابه وكيفية التعامل معه عند حدوثه والتحلي بآدابه، ولذا يقع الخلط والخطأ في كثير من التصورات والأحكام، وجاء هذا البحث ليجيب عن أسئلة كبرى، أهمها:

أولا: ما مفهوم الاختلاف؟ وما الفرق بين الاختلاف والخلاف؟

ثانيا: هل الاختلاف نوع واحد وكله مذموم أم أنه يتنوع إلى عدة أنواع منها المحمود والمذموم؟

ثالثا: الخلاف العقدي ما أنواعه؟ وما أسبابه؟ وبيان كيفية التعامل معه عند وقوعه.

رابعا: الخلاف السياسي متى يحمد ومتى يذم؟ وما القواعد الحاكمة له حتى لا يقع تحت عدم المشروعية؟

خامسا: الخلاف الفقهي ما مدى مشروعيته؟ وما أسبابه؟ وما آدابه؟

سادسا: بيان الموقف الشرعي من المذاهب الفقهية، وكيفية التعامل معها.

سابعا: هل للاختلاف العرقي واللوني أثر في وحدة الأمة وتشيد حضارتها، أم أنه معول هدم لها؟

أهمية البحث:

أهمية البحث كامنة في معالجة التخبط الفكري والمنهجي في التعاطي مع قضية الاختلاف، إذ التصورات متشعبة، فهناك المنكر للاختلاف والتنوع في الأحكام والتصورات، وبخاصة العقائد، وهناك المستبيح للحرمات باسم مشروعية الاختلاف، البحث عالج عدة إشكالات في مقدمتها: كيفية التعاطي والتعامل مع الاختلاف العقدي في اًصول العقيدة حالة وقوعه، وكذا ناقش غالب أسباب الاختلاف العقدي والسياسي والفقهي والعرقي، ومن المعلوم أن أهمية البحث تنبع من موضوعه ومدى إجابته عن الإشكالات المتعلقة به.

الدراسات السابقة:

لا شك أنه توجد عشرات الأبحاث والرسائل المتعلقة بقضية الاختلاف، والتي بينت الأسباب التي أدت إلى حدوثه بصورة تفصيلية، لكن هذا البحث ناقش القضية بصورة جامعة لأنواعه العقدي والسياسي والفقهي والعرقي بصورة تلتقي مع الواقع وتحدياته، مبينا كيفية التعاطي مع قضية الاختلاف بصورة مختصرة مفيدة.

منهج البحث:

هذا البحث ثمرة دراسة متأنية أقرب للعمق والدقة لقضية الاختلاف، كتبت فيه خلاصة فهمي وإدراكي ووعي لهذه القضية المهمة، فهو عصارة جهد لقراءة غالب المصادر التي عنيت بهذه القضية، وخلاصة استقراء لآراء السابقين مع توصيف وتحليل لها وبيان المفيد منها، ولذا جاءت مادته من مخزون العقل، ونظر الفكر، وتأمل الواقع، ومعالجة بعض تحدياته المتمثلة في كثرة الأقوال والأفكار، ووضع العلاج المناسب للاختلاف حالة حدوثه، وكيفية التعامل مع اختلاف السلف والخلف الكائن في العقيدة والفقه والسياسة.

الفصل الأول: تعريف الاختلاف وبيان الفرق بينه وبين الخلاف

أولًا: تعريف الاختلاف في اللغة والاصطلاح:

الخلاف في اللغة: مصدر للفعل “خالف”، أما الاختلاف فمصدر للفعل “اختلف”

الخلاف: المضادة، تقول: تخالفا الأمران، واختلفا: لم يتفقا

وكل ما لم يتساو فقد تخالف، واختلف[6].

((وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)) ﴿١٤١﴾ الأنعام

أي: حال كوته مختلفًا أكله من الطعم، والجودة، والرداءة.

((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ)) ﴿٢٧﴾فاطر

والاختلاف كما ذكر الراغب الأصفهاني في مفرداته أعم من الضد، فمثلًا: السواد والبياض ضدان مختلفان، وكذا الليل والنهار، والحركة والسكون، أما الحمرة والصفرة فمختلفان، وليسا ضدين[7].

إذًا لفظ الخلاف يشمل الضد، وغير الضد، فيطلق على مطلق المغايرة بين الأشياء. هذا معنى كلامه في المفردات.

الاختلاف في الاصطلاح:

عرفه البعض فقال: “أن يأخذ كل واحد طريقًا غير طريق الآخر في حاله، أو قوله[8]

وعرفه آخر فقال: “منازعة تجري بين متعارضين لإحقاق حقٍ أو إبطال باطل[9]

وهذا التعريف لا شك قاصرٌ، وغير مانع؛ فإن الاختلاف قد يجري في المنازعات والمخاصمات التي تحتاج إلى دليل قطعي لإحقاق حقٍ أو إبطال باطل، ويجري أيضًا في صورٍ أخرى ليس بالضرورة أن يكون فيها إحقاق حقٍ، أو إبطال باطل، وإنما قد يكون الاختلاف في الأقوال، أو الأحوال لبيان الصواب من الخطأ، أو بيان الصواب والأصوب.

ولذلك فالتعريف الصحيح للاختلاف في الاصطلاح هو: “مطلق المغايرة في الخبر أو الرأي أو الحالة أو الهيئة أو الموقف[10]

فقد يختلف اثنان في إيراد خبرٍ واحد، أو في الرأي، ويختلف الناس في أحوالهم بين الصحة والمرض، والقوة والضعف، أو في المواقف الصعبة يختلف فيها الناس بين مستمسكٍ بالحق، أو آخذٍ بالرخصة إلى غير ذلك مما يدلّ على أن الاختلاف أوسع من مجرد إحقاق الحق، أو إبطال الباطل.

وهذا التعريف الاصطلاحي يناسب تمامًا التعريف اللغوي الذي قدّمناه سابقًا، فقد قلنا: إن الاختلاف في اللغة يطلق على مطلق المغايرة بين الأقوال، والأحوال.

ثانيًا: الفرق بين لفظي الخلاف والاختلاف:

الإمام أبو البقاء الكفوي في كتابه الكليات[11] فرّق بين الخلاف والاختلاف من عدة وجوه، أهمها:

الأول: الاختلاف ما اتحد فيه القصد، واختلف في الوصول إليه، والخلاف ما اختلف فيه القصد مع الطريق الموصل إليه.

الثاني: الاختلاف يطلق على ما يستند إلى دليل، أمّا ما ليس له دليل فلا يسمى اختلافًا.

الثالث: الاختلاف يطلق على المحمود من الآراء المتعددة فهو من آثار الرحمة، أما الخلاف فيطلق على المذموم من الآراء المتعددة التي قد تؤدي إلى الفرقة، أو البدعة، أو النزاع والفشل.

الرابع: الاختلاف لو حكم به القاضي لا يجوز فسخه من غيره، أما الخلاف فيجوز فسخه.

والتفرقة التي ذكرها أبو البقاء الكفوي وغيره من العلماء بين الاختلاف والخلاف لا دليل عليها من القرآن الكريم أو اللغة أو الاستقراء الفقهي أو العرف.

أما القرآن الكريم فقد استعمل لفظ الاختلاف في المذموم من الآراء، والأقوال، والأحوال، والمواقف، ومن ذلك: قوله تعالى: ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴿١٧٦﴾البقرة

فلو كان كلام أبي البقاء صحيحًا لكانت الآية بهذا اللفظ: (وإن الذين خالفوا) بدل اختلفوا، حيث استعمل القرآن الكريم لفظ الاختلاف في المذموم، حيث الشقاق البعيد، فدلّ ذلك على حواز استعمال لفظ الاختلاف في المذموم من الأقوال، والأحوال كما يجوز استعماله في المحمود منها.

وقوله سبحانه: ((كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)) ﴿٢١٣﴾البقرة

وقوله عز شأنه: ((تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)) ﴿٢٥٣﴾البقرة

وغير ذلك كثير في القرآن الكريم مما يدل دلالة قاطعة على استعمال لفظ “الاختلاف فيما هو مذموم، أو فيما ليس عليه دليل.

وأما من حيث اللغة: فقد ذكرنا في التعريف اللغوي أن مادة الاختلاف والخلاف على معنى واحد، اختلف الأمران وتخالفا: لم يتفقا، كما أن جذر المادة وهي “خلف” واحد.

وعليه فما قاله أبو البقاء من الناحية اللغوية غير مستقيم، حيث فرّق بين الاختلاف والخلاف في المعنى، واللغة تدلّ على عكس ذلك.

وأما الاستقراء الفقهي فمن المعلوم أن الفقهاء لم يفرقوا في بيان المسائل التي حصل فيها نوع من تعدّد الأقوال بلفظ الاختلاف فقط، وإنما جاء في كتبهم أنهم اختلفوا في المسائل، وعبّروا بلفظ الاختلاف أو الخلاف، فلا فرق في الاستعمال الفقهي بين لفظي الاختلاف والخلاف[12].

وهذا يردّ على أبي البقاء في التفرقة بين الاختلاف فيما له مستندٌ من دليل، والخلاف فيما ليس له مستندٌ من دليل. وكذا الاستعمال العرفي؛ فإن العرف جارٍ بين الناس على التعبير بلفظ الخلاف أو الاختلاف في المحمود أو المذموم من الأقوال أو الأحوال.

الفصل الثاني: الخلاف العقدي “أنواعه – أسبابه – كيفية التعامل معه”

المتفق عليه عند جميع أهل العلم الثقات، أن نصوص القرآن والسنة منها ما هو قطعي الدلالة ومنها ما هو ظني الدلالة وكذا الثبوت، فالقرآن الكريم قطعي الثبوت، وأما السنة النبوية فالمتفق عليه أن منها ما هو قطعي الثبوت ويسمى بالمتواتر، ومنها ما هو ظني الثبوت ويسمى بخبر الآحاد.

والمتفق عليه أيضا: أن النص القطعي من حيث الثبوت والدلالة سواء في المسائل المتعلقة بالإيمان بالله تعالى واليوم الآخر وبقية مسائل العقيدة لا اجتهاد فيها، وسماها العلماء بأصول العقائد[13].

والمتفق عليه أيضا: أن هناك مسائل متعلقة بالعقيدة وإن كانت قطعية الثبوت إلا أنها ظنية الدلالة، وهذه يجوز الاجتهاد فيها، ومن لوازم جواز الاجتهاد فيها الاختلاف، وسماها العلماء بفروع العقيدة[14].

إذاً الخلاف العقدي على نوعين: منه ما هو متعلق بأصول العقيدة كمن أنكر وجود الله تعالى، أو الملائكة، أو كفر باليوم الآخر، فالخلاف في ذلك من أعظم المنكرات التي تؤدي إلى الكفر أو الشرك والخروج من الملة، والآيات القرآنية التي نهت عن الاختلاف والفرقة جاءت غالبها في النهي عن الاختلاف والتفرق عن العقيدة الصحيحة والإيمان السليم الذي جاءت به النصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة.

ومن ذلك قوله تعالى: ((تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)) ﴿٢٥٣﴾ البقرة

وقوله تعالى: ((وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)) ﴿١١٣﴾ البقرة

وقوله تعالى: ((وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) ﴿١٠٥﴾ آل عمران

وقوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)) ﴿١٥٩﴾ الأنعام

وترجع أسباب هذا الاختلاف المذموم إلى عدة أسباب منها:

“أولا: تحكيم طوائف من الناس للعقل في باب العقائد، وتقديمه على النقل في كثير من المواطن، كما فعلت المعتزلة.

ثانيًا: تأثر بعض المسلمين بشبه اليهود والنصارى في جانب العقائد من جهة، وبفلسفة المجوس والصابئين وكلامهم من جهة أخرى.

ثالثا: الكيد الخفي لهذا الإسلام الذي ظهرت آثاره أيام الفتنة، حيث دخل في الإسلام مع المسلمين الأوائل أصناف من الناس منهم:

1-بعض الأعراب الذين دخلوا فيه تبعا لغيرهم، ولما يحسن إسلامهم، ولما يدخل الإيمان في قلوبهم.

2-ومنهم بعض أهل الشرائع الأخرى، وبالأخص (اليهودية والمجوسية) وذلك أيام الفتوح، الذين بقيت في صدورهم بعض الأحقاد والضغائن على المسلمين من جهة، ولا يزال يشدهم الحنين إلى دينهم من جهة أخرى.

3- ومنهم: جماعة من دهاة أهل الملل المنحرفة الذين تظاهروا بالدخول في الإسلام، وأضمروا في نفوسهم الكفر، وأخذوا يتحينون الفرصة للانقضاض على هذا الدين، الذي بسط سلطانه ونفوذه على غالب رقعة الأرض، ويعملون في الخفاء لإيجاد هذه الفرصة إن لم تأتي من تلقاء نفسها، ويهيئون أذهان الطائفتين السابقتين وقلوبهم وجهودهم للقيام معهم فيما يعتزمون القيام به، وما يزالون يفتلون بالذروة والغارب، حتى تتهيأ لهم الفرصة، فَيلْبَسون للناس مُسوح الصلاح تارة، ومسوح الحرص على تعاليم الدين تارة أخرى، ثم يَلْبَسون لهم مُسوح محبة الرسول وآل بيته الطاهرين حين وجدوا من آل البيت قوما يذكرون هضم حقوقهم، وانصراف بعض الناس عنهم ، فقد عمل هؤلاء على إثارة الفتنة بين المسلمين، وتعميق الخلاف في صفوفهم حتى أصبحوا فرقا متعددة، ومذاهب شتى[15]“.

كيفية التعامل مع الخلاف العقدي في الأصول:

لا شك أن الخلاف العقدي في الأصول مذموم وغير مشروع، لكنه واقع صعب وأليم، ومتحقق وموجود في حياة المسلمين منذ القرون الأولى، حيث الخوارج والشيعة والمعتزلة والمرجئة والقدرية وغير ذلك من الفرق التي انحرفت عن أصول العقيدة الصحيحة.

وبالرغم من ذلك إلا أن التعامل مع هذه الأفكار الضالة والآراء المنحرفة لا يعالجه إلا الفكر والحوار، فقد أرسل الإمام علي – رضي الله عنه – ابن عباس لمناقشة الخوارج وحوارهم، وبين لهم خطأهم، ورجع عن هذا الفكر بسبب الحوار والنقاش آلاف من الخوارج إلى عقيدة أهل السنة[16]، وكذا فعل أهل السنة مع كل الفرق المنحرفة عن جادة العقيدة الصحيحة، فلم تقم أي معارك بالسلاح بين أهل السنة والمعتزلة، وإنما كان الحوار والحكمة وبيان الحق من الباطل بواسطة أهل العلم، فكان السبب الأول في دحض هذه الشبهات وإبعاد هذه الترهات عن المسلمين.

والحوار والتفاهم والنقاش هو الأصل ما لم تمتد أيدي هؤلاء بالعدوان على الأمة، فإذا خرجوا بسلاحهم وقتلوا وسرقوا فهنا يأتي دور الدولة في رد عدوانهم، لأن دور العلم انتهى عند العدوان بالبغي أو الظلم البين.

أما الاختلاف في فروع العقيدة والذي أساسه الدلالة الظنية للنص الشرعي، فهو مشروع، وأسبابه التي أدت إلى ذلك نفس الأسباب التي أدت إلى اختلاف الفقهاء التي سنذكر بعضها عند الكلام على الاختلاف الفقهي “مشروعيته وأسبابه وآدابه” فكما اختلف الصحابة رضوان الله عليهم في كثير من المسائل الفقهية، اختلفوا في بعض المسائل الاعتقادية

كاختلافهم في تفسير قوله تعالى: ((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴿١٧٢﴾الأعراف

واختلافهم في تعريف الكرسي، وفي أيهما أسبق الميزان أو الحوض يوم القيامة؟ وفي الإسراء هل كان بالروح فقط؟ أو بالروح والجسد معا، واختلافهم في فهم حديث: (الميت يعذب في قبره بما نيح عليه[17])، إلى غير ذلك من مسائل تعرف بتتبع كتب العقيدة والأحكام.

فمثلًا الاختلاف في رؤية الرسول لربه عز وجل ليلة الإسراء والمعراج، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لمسروق حين سألها: هل رأى محمد ربه؟ فقالت: لقد قَفَّ شعري مما قلت، ثم قالت: من حدثك أن محمد رأى ربه فقد كذب[18]).

وحكى القاضي عياض في كتابه “الشفا”، اختلاف الصحابة رضوان الله عليهم ومن بعدهم في رؤيته، وإنكار عائشة رضي الله عنها.

وذكر أن جماعة قالوا: بقول عائشة رضي الله عنها، وهو المشهور عن ابن مسعود وأبي هريرة.

وقال بإنكار هذا وامتناع رؤيته في الدنيا جماعة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين[19]، وعن ابن عباس: أنه رآه بعينه[20].

الفصل الثالث: الخلاف السياسي بين المشروعية والمنع

الخلاف السياسي بمفهوم المعارضة السياسية التي تمثل جزأ من مكونات الحياة السياسية للدولة لا غبار عليه، فأساس الحياة السياسية قائم على المصالح والمفاسد، وتقدير المصالح والمفاسد تختلف فيه الأقوال والآراء، فطبيعة العمل السياسي أنه متعدد الزوايا والرؤى، ومن المعلوم أنه ليس هناك مصلحة محضة أو مفسدة محضة، وقد مارس الصحابة رضوان الله عليهم هذا الخلاف بآدابه وضوابطه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن ذلك:

1-نزوله على رأي الحباب بن المنذر في معركة بدر فقال له الحباب: أمنزل أنزلكه الله فلا نتقدم عنه ولا نتأخر أم هو الرأي والحرب والمشورة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو الرأي والحرب والمشورة، فقال الحباب: ليس هذا بمنزل[21].

2-نزوله صلى الله عليه وسلم على رأي الشباب في غزوة أحد، حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرى ألا يخرج من المدينة[22].

3-رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب أن يعطي غطفان التي كانت تمثل ثلث جيش الكفار ثلث ثمار المدينة وعرض ذلك على السعدين، فقالا: يا رسول الله -إن كان وحيا أمضيناه وإن كنت تفعل ذلك ردا للكيد عنا فوالله لا نعطيهم شيئا من ثمارها، وليس بيننا وبينهم إلا السيف-فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيه لرأي السعدين[23].

أما الخلاف السياسي المذموم والذي لا مشروعية له: هو الذي يخالف المبادئ والقيم الأساسية التي قامت عليها الدولة، من الشورى والمؤسسية وإقامة العدل، والخروج على الحاكم المنتخب من قبل الأمة، فلا شك أن النصوص الشرعية حرمت هذا الاختلاف.

فالقرآن الكريم حذرنا من الفرقة، وأمرنا بالاعتصام بحبل الله تعالى: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)) ﴿١٠٣﴾آل عمران

وتأتي أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي نهت عن شق الصف، والخروج على الحاكم في هذا الإطار، “من أتاكم وأمركم جميع يريد أن يشق عصاكم فاقتلوه كائنا من كان.

وهنا يأتي الفرق الدقيق بين الاختلاف السياسي المحمود الذي ينحاز إلى المبادئ والأسس التي جاءت بها الشريعة في إطار الضوابط الشرعية والآداب المرعية للاختلاف وبين الاختلاف المذموم الذي يؤدي إلى الفرقة والنزاع والفشل قال تعالى: ((وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)) ﴿١٥٢﴾ آل عمران

جاء هذا بيانا لغزوة أحد حيث إن بعض الصحابة رضي الله عنهم خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلوا من على الجبل فكان القرح الذي ذكره القرآن الكريم وكاد أن يقتل النبي صلى الله عليه وسلم وقتل سبعون من خيار الصحابة على رأسهم حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله [24]صلى الله عليه وسلم.

وحتى لا يحدث مثل هذا النزاع لا بد من مراعاة الآتي:

أولًا: لا بد وأن نعلم أن اختيار الحاكم حق من حقوق الأمة، وليس ملكًا لأحد، حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم مات ولم يول أحدا، بالرغم من اطلاعه على قلوب الصحابة ومعرفته بهم، وفي مقدمتهم أبي بكر الصديق رضي الله عنه وإنما ترك الأمر للمسلمين يتشاورون فيه حتى اختارت الأمة وبايعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه.

ومن هنا تنهار كل الوسائل التي يأتي بها الحكام إلى سدة الحكم ولم يكن للأمة اختيار في بيعته وانتخابه، كنظرية التغلب، والحاكم المستبد العادل، فإذا أردنا أن نجنب الأمة شر الاختلاف السياسي فلنعطي الشعوب حقها الشرعي في اختيار من يحكمها.

ثانيا: اتفق العلماء أن تصرفات الحكام منوطة بالمصلحة والذي يقدر المصلحة ليس الحاكم نفسه، وإنما لابد من المؤسسات ذات الخبرة التي تهتم بالأمر وتحيط به من جميع جوانبه، ويُلزم الحاكم برأي المؤسسات ذات الخبرة في المسألة المعروضة، وخلاف ذلك يؤدي إلى النزاع والشقاق، والاستبداد بالرأي، فعصمة الأمة من الانحراف السياسي متوقف على مدى تصرف حكامها بناء على مصلحة الأمة، ووجوب نزولهم على اختيار المؤسسات ذات الخبرة والكفاءة.

ثالثا: الوحدة السياسية واجتماع الآراء نعمة كبرى لا شك، مأمور بها في القرآن والسنة، وأساس ذلك احترام تعدد الآراء والأفكار فليس هنا وحدة إلا بعد عرض المسألة على أهل الرأي والمشورة، وتعدد الآراء في القضية المعروضة ثم يأتي القرار بعد تعدد الآراء بما فيه المصلحة، أما جعل الأمر في يد شخص واحد فهو منطق فرعوني يقول: ((مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)) ﴿٢٩﴾غافر

فيحدث النزاع والشقاق والفشل، فاحترام الآراء سبيل إلى الوحدة.

وبهذا اتسمت الخلافة بكونها راشدة، لأنها راعت تنوع الآراء والأفكار، وجمعت بين المخلصين من أبناء الأمة وأهل الكفاءة والخبرة فعمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا حزبه أمر جمع له الصحابة وتشاور معهم ثم ينزل على ما يختارونه، فكان النجاح والفلاح والفتح المبين، وصور الاختلاف المحمود في عصره لا تحصر من كثرتها، ثم أخذ الرأي الملزم للأمة بعد ذلك.

ومن أكبر صور النزاع المذموم الذي حدث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكاد يعصف بالدعوة والدولة من خالفوا في إعطاء الزكاة لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتداد كثير من قبائل العرب، فحاربهم الصديق رضي الله عنه وانتصر عليهم.

الفصل الرابع: الاختلاف الفقهي: مشروعيته – أسبابه – آدابه

أولًا: مشروعية الاختلاف الفقهي:

تباين الأقوال والآراء فيما هو ظني الدلالة أو ظني الثبوت أمر لا خلاف في مشروعيته، إذ الاتفاق قائم على أن الأدلة منها ما هو قطعي الثبوت قطعي الدلالة، وهذا بلا شك لا خلاف فيه، وأما ظني الثبوت ظني الدلالة، فمحل اتفاق بين العلماء على مشروعية النظر وإعمال العقل للذي توافرت فيه شروط الاجتهاد، وأدلة المشروعية على ذلك لا تحصى من القرآن والسنة وعمل الصحابة رضوان الله عليهم، نذكر منها على سبيل المثال:

أولًا: القرآن الكريم حكى لنا اختلاف نبيين في مسألة فقهية متعلقة برجل له غنم، فأكلت زرع الجار، فحكم فيها داود عليه السلام بحكم ظاهره العدل بين الطرفين، وحكم سليمان ولده عليه السلام بحكم آخر أكثر فهمًا وأوقع عدلًا، والقرآن الكريم مدح كلا النبيين إذ ((وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ﴿٧٨﴾فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ….)) ﴿٧٩﴾الأنبياء

فدل ذلك على مشروعية الاختلاف في المسائل الفقهية المتعلقة بالمعاملات وكيفية الضمان.

ثانيًا: اختلاف الصحابة في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – وحديث بني قريظة[25] لا يخفى على طالب علم، حيث إن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يعنف أحد الفريقين، ولم يقل لهما لم اختلفتم، ومن الممكن الرجوع إليَّ، لكنه – صلى الله عليه وسلم – أقر بمشروعية الخلاف، وبين صوابه بإقراره.

ثم إنه – صلى الله عليه وسلم – لم ينكر على من تيمما وصلّيا ثم وجدا الماء، فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة، ولم يعد الآخر، فقال للذي لم يعد: “أصبت السنة”، وقال للذي أعاد: “لك الأجر مرتين[26]“. فدل ذلك على مشروعية الاختلاف الفقهي، إذ المسألة متعلقة بأمر عبادي محض وهو الصلاة.

بل إن الاختلاف وقع بحضرته – صلى الله عليه وسلم – ولم ينكره، في مسألة أسرى بدر، إذ قال أبو بكر الصديق فيها بقول، وعمر بن الخطاب بقول آخر، واختار المصطفى – صلى الله عليه وسلم – قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ونزل القرآن على قول عمر رضي الله عنه[27].

والمسألة متعلقة بالجهاد في سبيل الله وما يتبعه من أسرى للكفار، ولا شك أن ذلك من مسائل الفقه، إذ الجهاد وتوابعه من مسائل المعاملات التي هي أحد شقي المسائل الفقهية.

ثالثًا: الاختلاف بعد وفاته – صلى الله عليه وسلم – بين الصحابة في المسائل الفقهية أكثر من أن يحصى، والأقوال مختلفة كل يجتهد حسب وسعه وطاقته وعلمه، فاختلفوا في حرب المرتدين وجمع القرآن الكريم وقتل الجماعة بالواحد وزيادة حد المسكر بداية ثم يجمعون فيها على قول واحد بعد ذلك.

رابعًا: من الأدلة القاطعة على مشروعية الاختلاف الفقهي مشروعية الاجتهاد، إذ الاجتهاد فيما لا نص فيه أو فيما يحتمل وجوهًا عدة أو في المصالح المرسلة قائم وكائن ولا ينكره إلا جاحد، والقول بعدم مشروعية الاختلاف الفقهي يعني أن مشروعية الاجتهاد غير موجودة، وهذا باطل بيقين، إذ الاجتهاد في المسائل الفقهية التي تقبل الاختلاف فرض كفاية، وهو قائم إلى يوم القيامة لم ينسخه ناسخ أو يجحده جاحد، ومن أغلقه كان باجتهاد منه، فدل على مشروعيته وامتداده؛ فالقول بحسم الخلاف ورده إلى قول واحد في المسائل الفقهية يتنافى ومشروعية الاجتهاد كما قلنا ودللنا.

خامسًا: الاختلاف الفقهي مشروع إذ فيه توسعة على الأمة، وهذا ما نطق به السلف الصالح – رضي الله عنهم-فالسلف أنفسهم اختلفوا، ولا يعمل العامل بعلم رجل منهم إلا كان ذلك سعة ورحمة به، ولا ضير في ذلك، فقد روي عن عمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه: “ما أحب أن أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم – لا يختلفون، لأنه لو كان قولًا واحدًا؛ لكان الناس في ضيق وإنهم أئمة يقتدى بهم، فلو أخذ رجل بقول أحدهم كان سنة[28]“.

ولا تعارض البتة بين كون الاختلاف سعة ورحمة وبين ذم التفرق في القرآن والسنة، ودليل ذلك من وجوه:

الأول: ان ذمَّ التفرق في القرآن والسنة ليس محله ومناطه الاختلاف الفقهي، إذ دللنا على مشروعيته، وإنما مناطه في أصول العقيدة، أو المخالفة فيما أجمعت عليه الأمة، أو في الخروج على الحاكم المنتخب منهما، كل ذلك مناط الاختلاف فيه مذموم، أما الاختلاف الفقهي فإن أسبابه التي سأذكرها تبين أنه مقصود شرعًا بل هو حتمي ولازم.

الثاني: يذم الاختلاف الفقهي ويكون مصدرًا للتفرق إذا قام على غير علم واجتهاد، فمناط السعة في الاختلاف الفقهي فيمن يحسن النظر وتوافرت فيه أدواته وشروطه، أما قول من لم يحسن النظر في المسألة الفقهية فهو عبث وفرقة وضيق ومشقة، لأنه اختلاف مبني على جهل، وهنا يأتي التحذير من الشرع بأن القول على الله بغير علم من أشد المنكرات وأكبر الجرائم التي قد تكون أعظم من الشرك بالله سبحانه وتعالى.

وبهذا يفهم كلام بعض الأئمة الذين ذموا السعة في الاختلاف الفقهي.

الثالث: أيضًا يذم الاختلاف الفقهي ويكون مصدرًا للضيق والمشقة إذا كان فيه نوع تعصب للأقوال أو الأشخاص حتى ولو صدر الاختلاف من علماء مجتهدين، إذ الأصل في الاختلاف الفقهي أنه مبني على الصواب والخطأ أو الصواب والأصوب، وليس فيه نظرية الحق المطلق أو الباطل المطلق، فذلك مناطه في أصول العقائد، فلو تعصب مجتهد لقول أو رأي لنفسه أو لإمامه مع علمه بأن الدليل مع غيره، يكون الاختلاف مذمومًا، وأصبح من باب المراء والجدل المذموم الذي نهى عنه المصطفى – صلى الله عليه وسلم – ومن هنا كان قول السلف أن رأيهم في المسألة صواب يحتمل الخطأ ورأي الآخر خطأ يحتمل الصواب[29].

ثانيًا: أسباب الاختلاف الفقهي كثيرة، منها:

أولًا: اختلاف العلماء في بعض المصادر التي تكون مصدرا للأحكام الشرعية، فمنهم من قال بحجية الاستحسان كالسادة الحنفية ومنهم من منعه، ومنهم من قال بالمصالح المرسلة ومنهم من منع الاحتجاج بها، وكذا سد الذرائع وشرع من قبلنا وقول الصحابي وغير ذلك.

ثانيا: طبيعة النص، فمنه ما هو قطعي الدلالة ومنه ما هو ظني الدلة، فقد اختلفوا في دلالة العام بين القطعية والظنية والأمر بين الوجوب والندب، والنهي بين التحريم والكراهة إلى غير ذلك.

ثالثا: تفاوت العقول أدى إلى تعدد اجتهاداتهم في تفسير وتأويل وفهم بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، التي هي من قبيل ما يسمى عند أهل العلم: ظني الدلالة.

رابعا: اختلاف المكان والزمان: والمعني به اختلاف البيئة، فالمكان والزمان والأعراف له تأثير كبير في تغير الفتوى، فمن المعلوم أن كثيرًا من الاجتهادات الفقهية تغيرت بتغير الزمان والمكان والعادة.

ثالثًا: آداب الاختلاف الفقهي:

أولا: القصد الحسن والنية الصادقة عند الاختلاف مع مراعاة لين الجانب واختيار أفضل وأرق الكلمات التي تدل على حسن الخلق

ثانيا: حسن الانصات للمخالف مهما كان كلامه بعيدا عن الحقيقة والواقع وفي رسول الله قدوة لكل مناظر، حيث استمع إلى عتبة بن ربيعة حتى فرغ من كلامه، وقال له: “أفرغت يا أبا الوليد[30]” وهذا في أمر عقدي فما بالنا في الاختلاف الفقهي الذي ذكرنا مشروعيته وأسبابه.

ثالثا: عدم التعصب للرأي أو الشخص معين، فالتعصب معناه: أن تعتقد أنك على الصواب المطلق، وقول غيرك في المسألة الفقهية غير صحيح وغير معتبر، وأنك على الحق المبين، وغيرك على الباطل[31]، فهذا ليس من أدب الفقهاء والعلماء، فقد جاء عن سلفنا الصالح أقوالا مأثورة تكتب بماء الذهب في حسن الاختلاف وبيان صواب الأقوال من خطأها، فمنهم من قال: “رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب” ولما سألوا أبا حنيفة عن رأيه في مسألة بأنه الصواب المطلق، فقال: وما يدريني أنه الخطأ المطلق.

فالأئمة الأربعة وغيرهم أمروا بعدم تقليدهم، في أقوالهم لمن بلغ رتبة الاجتهاد في العلم والفكر والنظر في الأدلة، لأن أقوالهم غير معصومة، وقد يأتي مجتهد بأفضل مما أتى به الأئمة رضي الله عن الجميع.

رابعا: الاختلاف الفقهي أدبه كامن في التعاون للوصول إلى الأصوب في ظل الحب في الله، والتعاون للوصول إلى الحقيقة وليس من شأنه الجدال بالتي هي أخشن، أو المراء المذموم الذي يؤدي إلى فساد القلوب، فالأصل في الاختلاف الفقهي أنه لا يؤدي إلى المراء المذموم أو التعصب، لأن حقيقته مبنية على السعة والرحمة وتعدد الآراء، وثراء الأقوال والأفكار.

الفصل الخامس: الموقف الشرعي من المذاهب الفقهية

أولا: ذكرنا أن الاختلاف الفقهي مشروع ودللنا على ذلك.

ثانيا: المسلم الذي لم يبلغ درجة النظر “الاجتهاد” يجب عليه أن يتبع إماما من أئمة الدين، كأبي حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد رضى الله عن الجميع أو من بلغ رتبة الاجتهاد من أهل العلم، ولا يجوز له أبدا أن يأخذ الأحكام الشرعية من ذات النصوص، لأنه ليس عنده المكنة والقدرة على استخراج الاحكام منها[32].

ثالثا: المذاهب الفقهية معتبرة لكنها ليس متعبدا بأحدها فيجوز أن نأخذ من الشافعي أو من أبي حنيفة أو من أحد غيرهما[33]، فالتعبد بالمذهب الواحد مشروع لكنه ليس واجبا، فيجوز للمسلم أن يتعبد بمذهب وينتقل منه إلى مذهب آخر، أو أن يأخذ من أي مذهب المسألة المعروضة عليه.

رابعا: تحريم التلفيق بين المذاهب في المسألة الواحدة: وهو الإتيان بكيفية لا يقول بها المجتهد، ومعناه: أن يترتب على العمل بتقليد المذاهب، والأخذ في مسألة واحدة بقولين أو أكثر: الوصول إلى حقيقة مركبة لا يقرها أحد، سواء الإمام الذي كان على مذهبه، والإمام الذي انتقل إليه، فكل واحد منهم يقرر بطلان تلك الحقيقة الملفقة[34]. ويتحقق ذلك إذا عمل المقلد في قضية واحدة بالقولين معا، أو بأحدهما مع بقاء أثر الثاني.

من صور التلفيق الممنوع لمخالفته الإجماع: أن يتزوج رجل امرأة بغير صداق ولا ولي ولا شهود، مقلدا كل مذهب فيما لا يقول به الآخر، فهذا من التلفيق المؤدي إلى محظور، لأنه يخالف الإجماع، فلم يقل به أحد[35].

ومن صور التلفيق الممنوع أيضا: أن يطلق شخص زوجته ثلاثا، ثم تتزوج بابن تسع سنين بقصد التحليل، مقلدا زوجها في صحة الزواج للشافعي، فأصابها، ثم طلقها مقلدا في صحة الطلاق، وعدم الحاجة إلى العدة للإمام أحمد، فيجوز لزوجها الأول العقد عليها فورا، فهذا التلفيق ممنوع لأنه يؤدي إلى التلاعب بقضايا الزواج، لذا قال الشيخ الأجهوري من الشافعية: هذا ممنوع في زماننا ولا يجوز ولا يصح العمل بهذه المسألة، لأنه يشترط عند الشافعي أن يكون المزوج للصبي أبا له، أو جدا، وأن يكون عدلا، وأن يكون في تزويجه مصلحة للصبي، وأن يكون المزوج للمرأة وليها العدل بحضرة عدلين، فإذا اختل شرط لم يصح التحليل لفساد النكاح.[36]

الفصل السادس: الاختلاف العرقي وأثره على وحدة الأمة بين البناء والهدم

المعلوم من ديننا أنه عالمي، ليس خاصا لجنس دون جنس أو جاء للون دون آخر، وإنما طبيعة أحكامه وشرائعه أنها للناس كافة، ودليل ذلك لا يحصى من القرآن والسنة والواقع

أما القرآن فقوله تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)) ﴿٢٨﴾سبأ

وقوله تعالى: ((تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا)) ﴿١﴾الفرقان

وقد نبه في القرآن الكريم أن هذا القرآن قد خاطب الأنس والجن ودعاهم إلى عبادة الله وحده قال تعالى: ((وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ)) ﴿٢٩﴾ الأحقاف

وفي القرآن الكريم سورة كاملة باسم الجن، دلت على تكليفهم بهذا الدين العظيم.

وأما من السنة فقد تواترت الأحاديث حول بعثته إلى الناس كافة ومن ذلك قوله (كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة[37])

وأما من حيث الواقع، فقد جمع مجتمع الرسول بين صاحب البشرة البيضاء والسوداء، والفارسي والرومي والحبشي والقرشي، فهذا سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي وعمر القرشي، كل ذلك عاش تحت راية الإسلام مدافعا عنه بكل قوته وإمكاناته.

فسلمان ـ رضي الله عنه ـ أشار على الرسول بحفر الخندق في غزوة الأحزاب واستجاب النبي لمشورته واستحسنها، ومدح النبي صهيب الرومي عند هجرته وقد ترك ماله للمشركين فقال له: “ربح البيع أبا يحيى[38]” وجعل بلال الحبشي مؤذنا للصلاة لجمال صوته[39]، وغضب من أبي ذر الغفاري العربي لما عير بلالا بأمه وقال له “يا ابن السوداء” فقال له: “أعيرته بأمه، إنك امرؤ فيك جاهلية[40]“.

ومن هنا نعلم أن الاختلاف العرقي واللوني الأصل فيه التعارف والتفاهم والتكامل، تحقيقا لقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) ﴿١٣﴾الحجرات

ومن المعلوم أن كل عرق ولون له ما يميزه عن غيره، وهو آية من آيات الله تعالى: ((وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ)) ﴿٢٢﴾الروم

فكل إنسان مهما كان عرقه أو نسبه له ما يختص به ويتكامل مع غيره، فالخيرية في أمتنا ليست خيرية جنس أو لون أو ثقافة محددة، وإنما خيرية قيم ومبادئ قال تعالى: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)) ﴿١١٠﴾آل عمران

فالإيمان بالله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أقوى سمات هذه الخيرية، من قام بهذه الوظيفة بغض النظر عن عرقه أو لونه تمثلت فيه الخيرية، ولو كان عبدا حبشيا أو رجلا صينيا أو أمريكيا أو غير ذلك من الأجناس المختلفة، بخلاف الامبراطوريات الأخرى التي قامت على الجنسية أو العرقية، حاولت أن تفني غيرها من الأمم وتستعلي عليها بالقوة والطغيان، ومن هنا تأتي الوحدة التي تبني الأمة، الوحدة القائمة على القيمة والمبدأ، لا على اللون أو الجنس، فأبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا بلال رضي الله عنهما ، وهذا سبب انتشار الإسلام في جميع بقاع الأرض، فالحضارة الفارسية لما دخل أبناؤها في الإسلام أبدعوا، وكذا الرومية والتترية

فالنسيج الحضاري المعرفي والثقافي القائم على الكتاب والسنة، متنوع العرق واللون والجنس، فأئمة التفسير غالبهم وكذا الحديث والعربية ليسوا أصلا من العرب، ومن أجناس مختلفة، لكنهم سخروا إمكاناتهم لخدمة الكتاب والسنة وأبدعوا لما علموا أن الإسلام لم يأت لجنس معين، فالإمام البخاري ومسلم والترمذي وأبو داوود وغالب أئمة الحديث لم يكونوا عربا، وإنما عربهم الإسلام بقيمه ومبادئه، وأصبحت العربية ليست مجرد لغة يتكلم بها، وإنما دين ولسان من آمن به ونطق بها ولو كان من غير أهلها فهو مسلم عربي مهما كان جنسيته أو لونه أو عرقه.

أما في هذا العصر فقد لعب الكفار المستعمرون بالأمة على وتر الاختلاف العرقي وأصبحت الأمة ممزقة بين مصري وشامي وكردي وعربي وعجمي، بل البلد الواحد يلعب الاستعمار على التنوع العرقي فيه، فيحصل الهدم والقتل، وسبب ذلك كله أن الأمة تخلت عن مصدر قوتها وعزتها وجامع رابتها وهو الإسلام، فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، فالاستعمار تارة يلعب بالقومية أو الوطنية أو غير ذلك من الشعارات الجوفاء التي مزقت الأمة إلى أشلاء، والقيادة الراشدة هي التي تعيد للأمة مصدر عزتها وكرامتها، وتجمع جميع أبنائها تحت لواء واحد، لا فضل فيه لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح، فمراعاة التنوع العرقي وأثره في بناء معرفي وحضاري يرتفع بالأمة إلى سالف عهدها ومجدها أصبح ضرورة وفريضة وبدونه يحدث التمزق وتأتي الفرقة التي هي منبع الفشل.

خاتمة

لقد قصدت من هذه النظرات بيان المقاصد الآتية:

أولا: لا فرق بين لفظي الاختلاف والخلاف في اللغة والاصطلاح والاستعمال الفقهي والعرفي، فالبعض يفرق بينهما ليس على أساس صحيح.

ثانيا: بينت أن الخلاف العقدي في الأصول مذموم، وأن غالب الذم القرآني فيه وأن أسبابه كثيرة على رأسها تحكيم العقل فيما ورد به الوحي، كما بينت طريقة التعامل مع هذا النوع من الاختلاف المذموم من الحوار والنقاش والتفاهم لدحض الشبهات.

ثالثا: بينت أن الاختلاف السياسي المذموم هو القائم على الاستبداد بالرأي وعدم اختيار الحاكم بطريقة دستورية وعدم الالتزام بآراء المؤسسات ذات الخبرة، كما بينت أن الاختلاف السياسي المحمود هو الذي يدور في فلك قيم الأمة وعلو مبادئها، فالوحدة المنشودة تقوم أولا على تعدد الآراء واختلاف الأفكار.

رابعا: بينت في هذا البحث أن الخلاف الفقهي له من المشروعية والاعتبار وأسبابه كثيرة منها طبيعة النص ذاته، وتفاوت العقول، كما ذكرت بعض الآداب التي يجب أن يتحلى بها العلماء عند اختلافهم.

خامسا: بينت كذلك الموقف الشرعي من المذاهب الفقهية وأن التعبد بكل المذاهب جائز، وأن التعصب لأحدها مذموم شرعا.

سادسا: تكلمت عن الاختلاف العرفي وأن الأصل فيه أنه للتعارف وتكامل الطاقات التي تنتج حضارة ليست ذات لون أو جنس معين، وإنما يشارك فيها الجميع كل بحسب ما وهبه الله من سمات وخصائص [41].


الهامش

[1] أخرجه أبو نعيم الأصبهاني، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، بلفظ “سَمِعْتُ أَبَا الْوَلِيدِ مُوسَى بْنَ أَبِي الْجَارُودِ يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، يَقُولُ: “مَا نَاظَرْتُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا أَحْبَبْتُ أَنْ يُوَفَّقَ وَيُسَدَّدَ وَيُعَانَ، وَيَكُونَ عَلَيْهِ رِعَايَةٌ مِنَ اللَّهِ وَحِفْظٌ. وَمَا نَاظَرْتُ أَحَدًا إِلَّا وَلَمْ أُبَالِ بَيَّنَ اللَّهُ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِي أَوْ لِسَانِهِ”، 9/ 118

[2] ينظر: ابن حبان، أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد، الثقات، الهند: دائرة المعارف العثمانية ‍ 1393 ه‍ ـ 1973م، 1/ 161.

الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد، تاريخ الطبري، بيروت: دار التراث، 1387هـ، 2/ 440.

[3] أصله حديث أخرجه: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، مسند الإمام أحمد بن حنبل، مؤسسة الرسالة، 1421 هـ -2001م، مسند المكثرين من الصحابة، مسند جابر بن عبد الله،14787، 23/ 99.

[4] وأصل هذا أخرجه البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي، معرفة السنن والآثار، كراتشي – باكستان: جامعة الدراسات الإسلامية، دمشق -بيروت: دار قتيبة، حلب – دمشق: دار الوعي، المنصورة – القاهرة دار الوفاء، 1412هـ -1991م، كتاب الجزية، مهادنة من يقوى على قتاله، 18674، 13/ 412.

[5] أصله حديث طويل أخرجه أحمد بن حنبل، مسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند الكوفيين، حديث المسور بن مخرمة الزهري، ومروان بن الحكم، 31/ 206، موطن الشاهد: 31/ 251.

[6] ينظر: الفيروز آبادي، مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1426 هـ -2005 م، باب الفاء، فصل الخاء، “خلف”، 1/ 808.

[7] ينظر: الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، دمشق: دار القلم، دار الشامية،1412هـ، كتاب الخاء، ” خلف” 294.

[8] المصدر السابق، 294.

[9] البركتي، محمد عميم الإحسان المجددي، قواعد الفقه، كراتشي: الصدف ببلشرز، 1407هـ ـ 1986م، 280.

[10] طه جابر فياض العلواني، أدب الاختلاف في الإسلام، 23.

[11] ينظر: أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي، الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، بيروت: مؤسسة الرسالة، .61

[12] ينظر: محمد الروكي، نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختلاف الفقهاء ” أطروحة”، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، الدار البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة، 1414هـ 1994م، 180.

[13] ينظر: السمعاني، أبو المظفر، منصور بن محمد بن عبد الجبار، قواطع الأدلة في الأصول، بيروت ـ لبنان، دار الكتب العلمية، 1418هـ ـ 1999م، 2/ 326

[14] ينظر: المصدر السابق ذاته.

[15] محمد أبو الفتح البيانوني، مفهوم أهل السنة والجماعة بين التوسيع والتضييق، الكويت: دار اِ قرأ، 1431هـ ـ 2011م، 17.

[16] أصل هذا أثر أخرجه عبد الرزاق أبو بكر بن همام بن نافع الصنعاني، المصنف، الهند: المجلس العلمي، 1403هـ، كتاب اللقطة، باب ما جاء في الحرورية، 18678، 10/ 157.

[17] أخرجه البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه المعروف بصحيح البخاري، دار طوق النجاة، 1422هـ، كتاب الجنائز، باب ما يكره من النياحة على الميت، 1292، 2/ 80

[18] أخرجه البخاري، صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: “وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب”، 4855، 6/ 140.

[19] ينظر: القاضي عياض، أبو الفضل بن موسى اليحصبي، الشفا بتعريف حقوق المصطفى، دار الفكر، 1409 هـ -1988م، 1/ 195، 196.

[20] أخرجه الترمذي، أبو موسى محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، سنن الترمذي، مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1395 هـ -1975م، أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة النجم، 3278، 5/ 394.

[21] سبق تخريجه في ص 4.

[22] أصله حديث أخرجه أحمد بن حنبل، مسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند المكثرين من الصحابة، مسند جابر بن عبد الله، 14787، 23/ 99.

[23] سبق تخريجه في ص 5.

[24] ينظر: البغوي، أبو محمد الحسين بن مسعود، معالم التنزيل في تفسير القرآن المعروف بتفسير البغوي، دار طيبة، 1417 هـ -1997م، سورة آل عمران، الآية “وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)”، 2/ 110.

[25] أخرجه البخاري، صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب، وخروجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم، 4119، 5/ 112.

[26] أخرجه أبو داوود، سليمان بن الأشعث بن إسحاق، سنن أبي داود، دار الرسالة العالمية، 1430 هـ -2009 م، كتاب الطهارة، باب المتيمم يجد الماء بعد ما يصلي في الوقت، 338، 1/ 253.

[27] ينظر: الطبري، أبو جعفر محمد بن يزيد بن جرير، جامع البيان في تأويل القرآن المعروف بتفسير الطبري، مؤسسة الرسالة، 1420 هـ -2000م، سورة الأنفال، الآية ” 67″ (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض………)،14/ 60.

[28] أخرجه ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد، جامع بيان العلم وفضله، المملكة العربية السعودية، دار ابن الجوزي، 1414 هـ -1994م، باب جامع ما يلزم الناظر في اختلاف العلماء ….1689، 2/ 901.

[29] ينظر: ابن نجيم، زين الدين بن إبراهيم بن محمد، الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان، بيروت ـ لبنان: دار الكتب العلمية، 1419 هـ -1999م، 330.

والعبارة بنصها كما نقلها ابن نجيم عن النسفي كالتالي: إذَا سُئِلْنَا عَنْ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ مُخَالِفِينَا فِي الْفُرُوعِ، يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُجِيبَ بِأَنَّ مَذْهَبَنَا صَوَابٌ يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ وَمَذْهَبَ مُخَالِفِينَا خَطَأٌ يَحْتَمِلُ الصَّوَابَ؛ لِأَنَّك لَوْ قَطَعْت الْقَوْلَ لِمَا صَحَّ قَوْلُنَا إنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ. وأخطأ من نسبها للشافعي.

[30] أخرجه البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي، دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، بيروت: دار الكتب العلمية، 1405هـ، جماع أبواب المبعث، باب اعتراف مشركي قريش بما في كتاب الله تعالى…، 2/ 204.

[31] ينظر: محمد إلياس محمد أنور، التعصب المذهبي في التفسير أسبابه وآثاره، مجلة تبيان للدراسات القرآنية، العدد 24، 1437هـ، 81.

[32] ينظر: الجويني، أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف، البرهان في أصول الفقه، بيروت ـ لبنان: دار الكتب العلمية، 1418 هـ -1997م، 2/ 177.

[33]ينظر: وهبة بن مصطفى الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، سورية ـ دمشق: دار الفكر،1/ 94.

[34] ينظر: المصدر السابق، 7/ 5214

[35] ينظر: الرجراجي، أبو عبد الله الحسين بن علي بن طلحة، رَفْعُ النِّقَابِ عَن تنقِيح الشّهابِ، الرياض -المملكة العربية السعودية، 1425 هـ -2004م، 6/ 50.

[36] الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، 1/ 112

[37] أخرجه البخاري، صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: “جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً”، 438، 1/ 95.

[38] أخرجه الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب، المعجم الكبير، القاهرة، مكتبة ابن تيمية، باب الصاد، صيفي عن صهيب، 7308، 8/ 36.

[39] أصله حديث أخرجه أحمد بن حنبل، مسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند المدنيين، حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه صاحب الأذان عن النبي صلى الله عليه وسلم، 16478، 26/ 402.

[40] أصله حديث أخرجه البخاري، صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب المعاصي من أمر الجاهلية……، 30، 1/ 10.

[41] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

د. مجدي شلش

استاذ الفقه الاسلامي أكاديمي مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى