فيروس كوروناملفات

ما بعد كورونا: مستقبل النظم الصحية ـ الفرص والتهديدات

تسعى هذه الدراسة إلى استشرف الفرص المستقبلية المتاحة أمام تطور النظم الصحية، وكيف يمكن أن تستفيد النظم الصحية من تجربة وباء كورونا من خلال تعظيم قدرتها على التكيف والاستجابة، والمبادرة ولاستباق نحو بناء استراتيجية قوية تمكنها من التنبؤ بالأوبئة، ومحاصرتها في بؤرها الأولية، وزيادة قدرة النظام الصحي على استيعاب كثرة عدد الإصابات، وعدم التعرض للانهيار، كذلك زيادة قدرته على الحفاظ على حياة العاملين في القطاع الصحي، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية التهديدات المستقبلية التي يمكن أن تواجه النظم الصحية في مرحلة ما بعد كورونا:

المبحث الأول: ما بعد كورونا – الفرص المستقبلية للنظم الصحية

أولاً: الفرص المستقبلية الخاصة بمكونات النظام الصحي

عرفت منظمة الصحة العالمية النظام الصحي بأنه مجموع المنظمات والمؤسسات والموارد الرامية أساساً إلى تحسين الصحة، ويحتاج ذلك النظام إلى موظفين وأموال ومعلومات وإمدادات ووسائل نقل واتصال وتوجيهات واتجاهات عامة ولابد لذلك النظام من توفير خدمات تلبّي الاحتياجات القائمة بأسعار منصفة والسعي في الوقت ذاته إلى معاملة الناس على نحو لائق، والنظام الصحي الجيد هو ذلك الذي يسهم في تحسين حياة الناس بشكل ملموس يوماً بعد يوم.

وتقع المسؤولية الأولى فيما يخص الأداء الإجمالي للنظام الصحي الوطني على عاتق الحكومة، كما أكدت المنظمة أن تعزيز النُظم الصحية وجعلها أكثر إنصافاً يعد من الاستراتيجيات الأساسية لمكافحة الفقر وتعزيز التنمية [1].

في رأي الباحث أن هذا التعريف يرتكز على المكون العلاجي فقط من حيث توافر وإتاحة إمكانية العلاج من الأمراض وفق آليات الشمول والعدل والإنصاف، كما أنه يؤكد على مركزية دور الدولة في الرعاية الصحية، والباحث يعتقد أن هذا التعريف لم يعد كافيا لتحديد ملامح إصلاح النظام الصحي بعد تفشي وباء كورونا، ويجب أن يتضمن التعريف الجديد، إلى جانب المكون السابق، دعم المكون الوقائي من خلال تعزيز نظم مكافحة العدوى بالمؤسسات الصحية، تشجيع مؤشرات دعم التثقيف الصحي والسكاني والبيئي، تطوير نظم إنذار مبكر لاكتشاف الأوبئة، التخلص الآمن من النفايات الطبية، والاعتناء بتطوير عادات الشعوب الغذائية خصوصا في الصين، والتي كانت سببا في تفشي العديد من الأوبئة، وجعل مفهوم الصحة العامة نمط حياة مستقبلي لتحصين المناعة ضد الفيروسات والأوبئة.

1_ زيادة الاستثمار في القطاع الصحي

أدى تفشي وباء كورونا إلى تأثيرات عنيفة على النظم السياسية والاقتصادية، وحركة السفر والتنقل، وعلى مستوى الضحايا، فقد تجاوزت ضحايا كورونا في الولايات المتحدة في يوم 29 أبريل الماضي عدد القتلى في حرب فيتنام، حيث بلغ عدد الضحايا 58 ألفا و355 شخصا، وبهذه الحصيلة من الضحايا، تكون الولايات المتحدة قد تخطت حصيلة الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا المستجد، أعداد الجنود الأمريكيين الذين قُتلوا على مدى عقدين في حرب فيتنام وحصدت حرب فيتنام (1955-1975) أرواح 58 ألفا و220 عسكريا أمريكيا[2]، ومع بداية سبتمبر تضاعف العدد أكثر من مرة، وقارب على ال200 ألف حالة وفاة.

وفي أقل من تسعة أشهر منذ الإعلان عن ظهور أول حالة مصابة بفيروس كورونا في يوم 7 يناير 2020، وحتى يوم 19 ديسمبر، بلغ عدد الإصابات 31 مليون حالة إصابة تقريبا على مستوى العالم، فيما بلغ عدد الوفيات 950 ألف حالة تقريبا[3].

وقد ساهمت تلك المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى نمو مفهوم مجتمع المخاطر، وانتقال المرض عبر الحدود، وتأثيراته العنيفة على الشعوب والحكومات، إلى تغيير مكانة النظام الصحي، ووضعه على قمة جدول الأولويات، باعتباره ضمانة لمواجهة الأوبئة، وضمانة لتحقيق الاستقرار والحفاظ على المجتمع والاقتصاد، وهو ما يؤسس لحتمية توسيع الاستثمار في القطاع الصحي بوصفه أهم ركائز استقرار الدولة والحفاظ، والحفاظ على أنشطتها الاقتصادية المختلفة.

2_ المؤسسات الصحية الآمنة

أدى ظهور جائحة كورونا إلى بروز مفهوم المستشفيات والعيادات والمراكز الطبية الآمنة، وهو ما سيترتب عليه التوسع في استخدام إجراءات مكافحة العدوى، قيام الجهات الرسمية بإحكام الرقابة على المؤسسات الصحية العامة والخاصة، سعي أصحاب المؤسسات الصحية لإقناع المرضى بأمان مؤسساتهم الصحية، كذلك تطوير البنية التحتية للمؤسسات الصحية لكي يتم إتاحة المجال أمام تطبيق سياسات التباعد الاجتماعي، وتطوير تكنيكيات التعامل مع الحالات المشتبه فيها، بما يساهم في تقليل انتشار العدوى[4].

فقد أدت أزمة كورونا إلى إحجام المرضى عن التردد على المؤسسات العلاجية لغرض العلاج، واكتفوا بالتعامل معها في حالات الطوارئ فقط أو من خلال التواصل الإلكتروني، وهو ما وضع المؤسسات العلاجية مثل عيادات الكشف العادية عن الأمراض، أو الذهاب للطبيب بغرض الاستشارة، وعيادات الأسنان، والعيون، ومراكز التجميل، تواجه نقصا كبيرا في أعداد المترددين عليها، وبالتالي فإن تحويل تلك المؤسسات العلاجية لمؤسسات آمنة، ومكافحة لانتشار العدوى، يعد من أهم الفرص التي أتاحتها أزمة كورونا لتطوير المؤسسات العلاجية.

3_ تطوير البنية التحتية الصحية

أدى انتشار وباء فيروس كورونا إلى تعرض نظم صحية عديدة للانهيار، وأظهرت الأزمة عدم تصميم النظم الحالية على استقبال أعداد كبيرة للإقامة داخل المستشفيات لمدة طويلة، فالثقافة الحديثة للمستشفيات قائمة على جراحات اليوم الواحد والعلاج المنزلي، والحجز يكون في حالات الطوارئ ، والتي تتطلب توفير أسرة عناية مركزة بتكلفة مالية مرتفعة جدا، وبعد أن نشبت أزمة كورونا ظهر عجز بالمستشفيات، وعدم القدرة على التعاطي مع الموقف، كما ظهر ضعف العاملين في القطاع الصحي على استيعاب فكرة اكتظاظ المستشفى بالمرضى، ورعايتهم على مدار الـ 24 ساعة يوميا.

وبالتالي فإن تصميم الفرص المستقبلية يتطلب أن تقوم الدول بالتوسع في توفير الأماكن والإمكانات لإنشاء مستشفيات ميدانية، أو ما يمكن أن نطلق عليه المستشفيات المحمولة، والتي يسهل إنشاؤها في مدة تتراوح ما بين أسبوع إلى أسبوعين، ويمكن تفكيكها بالكامل ونقلها إلى مكان آخر، وتساهم فكرة المستشفيات المحمولة في محاصرة الفيروس في مهده والقضاء على بؤرة الفيروس قبل انتشارها، وهو ما حدث في الصين بحصار الفيروس في ووهان والقضاء عليه[5].

4_ الارتقاء بمستشفيات الصدر والحميات

تعتبر مستشفيات الصدر والحميات الجهة المناسبة والمصممة لاستقبال وعزل الحالات المصابة بأمراض مرتبطة بالجهاز التنفسي[6]، وارتفاع درجة الحرارة، كذلك من المفترض أن تكون تلك المستشفيات مصممة لإجراء الفحوصات، والمسحات والأشعّات المرتبطة بالفيروسات، كما أن تجهيز مستشفيات الصدر والحميات بالأطقم الطبية المدربة، والإجراءات الوقائية اللازمة لمنع انتشار العدوى بين المرتادين والعاملين الصحيين، بالإضافة إلى تجهيزها بأجهزة التنفس الصناعي، والتوسع في إنشاء غرف العزل وغرف العناية المركزة، يساعد في استيعاب الإصابات المتزايدة، كما يخفف الضغط على المستشفيات والمراكز العلاجية المتخصصة، مما يتيح أمامها القيام بمهامها في علاج الأمراض المزمنة وغير المعدية، ويقلل الإصابة بالعدوى داخل تلك المستشفيات، التي لن يتردد عليها حالات الاشتباه بكورونا.

ثانيا: الفرص المستقبلية المرتبطة بمكافحة الأوبئة

أشرنا إلى أن تصميم النظم الصحية ما بعد كورونا سيتطلب وضع استراتيجيات وآليات للاكتشاف المبكر للأوبئة، والتدخل السريع للسيطرة على البؤر، واستخدام التكنولوجيا الذكية في تتبع نشاط الفيروسات، وزيادة البحث العلمي في مجال علوم الأوبئة، وفيما يلي اهم الفرص المستقبلية المرتبطة بمكافحة الأوبئة:

1_ الاهتمام بتطوير سياسات الصحة العامة ” Public Health”

يعرف مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الأمريكي” CDC” الصحة العامة بأنها العلم الذي يهتم بتحسين ووقاية صحة الأفراد والمجتمعات بشكل عام من خلال تعزيز أنماط الحياة الصحية “promoting healthy lifestyles”، كذلك البحث في مجال الوقاية من الأمراض المعدية، والاكتشاف المبكر للأمراض، وتعمل الصحة العامة أيضا على الحد من الفوارق الصحية، وتعزيز المساواة والجودة في الرعاية الصحية للجميع، ويعد الفرق الجوهري بين مفهوم الصحة العامة والتعامل السريري من قبل الأطباء والتمريض، هو أن الأطباء يتعاملون مع حالة مرضية وقعت بالفعل ويقدمون لها التدخل الطبي فقط، أما الصحة العامة فهي تهتم بكل الجوانب الصحية والبيئية والمجتمعية التي أدت لحدوث المرض، وتبحث في كيفية تلافي حدوث تلك المشكلات مستقبلا من خلال تعزيز مفاهيم ثقافية ووقائية مرتبطة بنمط الحياة الصحي[7] .

2_ تعزيز برامج مكافحة الأمراض المعدية

تؤكد منظمة الصحة العالمية أن الغرض من مجال برنامج الوقاية من الأمراض المرتبطة بالرعاية الصحية ومكافحتها هو إنشاء وتعزيز نهج وطني شامل للوقاية من الأمراض المعدية في الإقليم ومكافحتها من خلال توفير الموارد المناسبة، إن الأنشطة الحالية للبرنامج تشمل تقييم البرامج الوطنية للوقاية من الأمراض المعدية في الإقليم ومكافحتها بغية توجيه البلدان ونصحها في مجال بناء سياساتها وبرامجها للوقاية من الأمراض المعدية ومكافحتها وفقاً لممارسات، ومن الأنشطة الرئيسية الأخرى: “بناء قدرة الموارد البشرية للوقاية من الأمراض المعدية ومكافحتها في مجال الرعاية الصحية – وضع سياسات وإستراتيجيات مناسبة بشأن تدابير التحصين الشخصي لكافة مقدمي الرعاية الصحية- بما في ذلك سياسات بشأن التمنيع، حسب الاقتضاء توحيد طرق وتقنيات الترصد لإيجاد تقديرات موثوقة لعبء الأمراض المُعدية المرتبطة بالرعاية الصحية ولمقاومة الميكروبات للأدوية

إعداد توصيات بخصوص أفضل ممارسات الوقاية من الأمراض المعدية ومكافحتها، والمرتبطة بالرعاية الصحية للمرضى الأكثر عرضة للإصابة بعدوى المستشفيات[8]“.

فيما ينبغي النهوض بمستوى التزام العاملين في مجال الرعاية الصحية بالممارسات المعيارية لمكافحة العدوى في أماكن تقديم الرعاية الصحية، ومقاومة الممارسات السلوكية الخطرة للمرضى والزوار في أماكن تقديم الرعاية الصحية، وتطوير مستوى فهم وتنفيذ برامج الوقاية من العدوى ومكافحتها في مجال الرعاية الصحية، والعمل على تقديم خدمات تعزيز الصحة العامة.

3_ رفع كفاءة الجهاز المناعي للسكان

يعد رفع كفاءة الجهاز المناعي لسكان أي إقليم من أهم فرص المقاومة الاستباقية التي ينبغي أن تتوفر في عالم ما بعد كورونا، فلقد أثبتت التجارب أن الأشخاص الذين يعانون من ضعف في المناعة، وأصحاب الأمراض المزمنة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر عرضة للوفاة بفيروس كورونا، ويساعد رفع كفاءة الجهاز المناعي في تقليل عدد الوفيات، تقليل عدد الحالات الخطرة التي تتطلب أجهزة تنفس صناعي، وغرف عناية فائقة، وبالتالي إتاحة الفرصة أمام اتباع سياسات الحجر المنزلي، وتخفيف العبء على النظام الصحي.

ويتطلب رفع جهاز المناعة قيام النظام الصحي بسياسات التثقيف الصحي والسكاني، ورعاية الحوامل والأطفال والأمهات، والتشجيع على العادات الغذائية السليمة، وممارسة الرياضة، وعمل سجل مرضي لكل طفل لكي يتم تحديد تطور الحالة الصحية للإنسان عبر مراحل تطوره العمرية، ومراقبة كبار السن ورعايتهم صحيا ونفسيا.

4_ تطوير نظم الإنذار المبكر

تُعد أنظمةُ الإنذار المبكر الصحية بشكل عام هي أنظمة مراقبة تعتمد فعاليتها على تجميع المعلومات حول الأمراض والفيروسات المحتمل تطورها لوضع الوباء، وعرضها في التوقيت المناسب من أجل تحفيز التدخلات الصحية العاجلة من قبل أجهزة الصحة العامة، فهي أداة لدق جرس الإنذار. ولتحقيق ذلك الهدف، تستخدم أنظمة الإنذار المبكر العديد من الأساليب الإحصائية التي تُعد ضرورية للكشف عن التغيرات في اتجاهات انتشار الأمراض والأوبئة، أو الأحداث المحفزة، سواء كانت مناخية أو مرتبطة بموجات انتقال للأفراد، والتي تتطلب التدخل العاجل في معظم الحالات. كما يتم اللجوء إلى الوسائل الإحصائية لتحديد أولويات مراجعة البيانات بشكل منتظم، بما يسمح لأخصائيي الأوبئة بالتركيز على البيانات الأكثر أهمية. وكذلك دعم القرارات المستندة إلى الأدلة من قبل صانعي السياسات.

تمر عملية الإنذار المبكر للأوبئة بعدة مراحل رئيسة تعكس دورة الرصد والاستجابة وتصحيح المسار والمرونة والارتداد للوضع الطبيعي بعد انحسار الوباء، وتتمثل أبرز هذه المراحل في “

الترصد الوبائي epidemiological surveillance – الملاحظة البيئية- تقييم مواطن الضعف- تحليل المخاطر- التأهب والاستجابة- الاتصال الفعال بالمواطنين”

تأسيس نظام فعال للإنذار المبكر بالأمراض المعدية والأوبئة، وتفعيل ذلك النظام من خلال توفير التمويل المناسب له، وتعزيز عمليات مراقبة الصحة العامة وإدارتها، والحرص على تعزيز جهود البحث والتطوير بما يُعزز من القدرة على المتابعة المستمرة لتطور الفيروسات وتحورها. وهو ما يعد المحك الأساسي في تحقق الوصول إلى البيانات في الوقت الحقيقي، ونشر المعلومات السريرية وتحليلها لتتبع ديناميكيات الوباء، والكشف عن كيفية انتشاره، ودراسة إجراءات التدخل اللازمة لإبطاء انتشاره، وتطوير الاختبارات التشخيصية وخوارزميات العلاج، وتحديد تدابير الصحة العامة للسيطرة على انتشار الوباء. وبناءً عليه، يحتاج العالم في أعقاب تلك الجائحة إلى وقفة لإصلاح منظمة الصحة العالمية، والإقرار بأنه من مصلحة الجميع تعزيز قدرات المراقبة الصحية العالمية بشكل كبير، وذلك بالتزامن مع جهود أكبر لتعزيز المساواة الصحية، وتحسين التدريب الأساسي على التعامل مع الأمراض المعدية والتخصص في علم الأوبئة[9].

5_ حصار البؤر الوبائية

أشرنا سابقا إلى أهمية نموذج الخبرات السابقة، والذي ساهم في نجاح تجربة الصين في حصار المرض وتحويل مساره والقضاء على الفيروس في مهده، ويعتبر حصار الوباء من خلال ترصد البؤر الوبائية والذهاب إليها، هو التكتيك الملائم للمرحلة القادمة في المواجهة، وهو ما أكده الدكتور غوادين غاليا، ممثل منظمة الصحة العالمية بالصين،حيث قال: ” إن النتيجة التي يمكن أن نتوصل إليها هي أن الصين أظهرت أنه بالإمكان تغيير مسار المرض، ففي الوضع الطبيعي يعد انتشار مرض كهذا ينمو بشكل كبير ويصل إلى ذروته ثمّ ينخفض بشكل طبيعي بمجرد إصابة جميع الأشخاص المعرّضين للإصابة أو تطور المرض، إلا أن ذلك لم يحدث في الصين لأن عدد الحالات لم يكن طبيعيا، إنه وباء تم القضاء عليه أثناء نموه وتوقف مساره، ويتضح ذلك في المعطيات الموجودة بحوزتنا، إضافة إلى مراقبتنا للمجتمع بشكل عام، لذا فإنه درس كبير بأن المسار الطبيعي للمرض لا يكون بالضرورة عالي الذروة، ومرهق الخدمات الصحية، الدرس في الاحتواء، وهو درس يمكن للدول الأخرى أن تتعلم منه وتتكيف بحسب الظروف[10]“.

6_ استخدام تطبيقات ذكية CORONA WARN APP

من أهم الفرص التي أتاحها ظهور فيروس كورونا هو استخدام التطبيقات الذكية لمواجهة الفيروس، فقد قامت ألمانيا بإتاحة تطبيق إلكتروني يساعد على تتبع سلاسل العدوى بفيروس كورونا المستجد بخمس لغات، وقالت وزيرة الدولة للشؤون الرقمية، دوروته بير، في تصريحات لصحيفة “راين يشه بوست” الألمانية الصادرة اليوم الثلاثاء (4 أغسطس/آب 2020): “يُجرى حالياً تطوير التطبيق باللغات العربية والبولندية والبلغارية والرومانية والروسية”، وقالت بير إن ألمانيا صاحبة أكثر تنزيلات لتطبيقها مقارنة بالتطبيقات المختلفة في كافة أنحاء أوروبا، حيث قام بتنزيله حتى الآن 16.4 مليون مستخدم .

وتم تصميم التطبيق للمساعدة في تتبع وكسر سلاسل العدوى. فإذا حدث لقاء مع شخص أثبت في وقت لاحق أنه مصاب بفيروس كورونا، يصل على الهاتف الذكي إخطار عبر التطبيق للشخص المخالط، ويمكن للتطبيق أيضا مساعدة الأشخاص في الحصول على نتائجهم بشكل أسرع عقب الخضوع لاختبار الكشف عن الإصابة بفيروس كورونا المستجد[11] .

الباحث في مجال الأوبئة في جامعة هومبولت ومعهد روبرت كوخ، ديرك بروكمان، يؤكد لـ DW أن التطبيق سيساعد ألمانيا في التنبؤ بالتطورات والتغلب على الموجة الثانية: “أصبح بمقدورنا حساب العملية بحيث نستطيع توقع منحنى كورونا يومياً، وتقوم تقوم استراتيجية وزارة الصحة في مواجهة الموجة الثانية على اكتشاف البؤر واحتواءها في المناطق التي تظهر فيها. ومن هنا لن يتم توزيع أسرة العناية المركزة في كل أنحاء البلاد، بل وفق الحاجة وحسب تطورات الوضع[12] .

ثالثا: الفرص المستقبلية المرتبطة بسياسات الإنفاق الصحي

لا شك أن مفاهيم عدالة توزيع الخدمات الطبية، ومركزية دور الدولة في توزيع الخدمات الصحية، والحفاظ على التغطية التأمينية الشاملة لجميع المواطنين، لم تعد مفاهيم قيمية أو أخلاقية فقط ، لكنها تحولت إلى مفاهيم واقعية، وهناك حتمية للتوجه نحوها، وذلك نظرا لأنها من العوامل الحاسمة في مواجهة الوباء، والتي تساعد على سرعة اكتشاف المبكر للحالات المصابة، وتحديد آليات عادلة للتعامل مع حالات الاشتباه، وسهولة تحديد بؤر الانتشار، وإتاحة الخدمات الصحية، وبالتالي القدرة على مواجهة الفيروس وفق نظرية تسطيح المنحنى البياني الحالات المصابة، وفيما يلي أهم الفرص المتاحة فيما يخص سياسات الإنفاق الصحي:

1_ مركزية دور الدولة في الإنفاق الصحي

أعادت أزمة فيروس كورونا الدولة من جديد إلى مربع المساءلة بوصفها المسؤول الأول عن صحة المواطنين وعن توفير الخدمات العلاجية، وصعدت الخدمات الصحية إلى أولوية الخدمات التي تم المناداة بن تتحملها الدولة، وإذا كان هناك نظما متعددة للإنفاق في النظم الصحي العادية، فإن النظم الصحية ما بعد كورونا ستتحمل فيها الدولة حصة كبيرة من الإنفاق، نظرا لأن الإنفاق في مجال الصحة العامة والإجراءات الوقائية مختلف عن النظام السابق القائم على الشق العلاجي فقط، والذي يمكن أن يتحمله المواطن أو شركات التامين، نظرا لأنه ممكن التنبؤ به وعداد الخطط الاستثمارية وفقا لمؤشرات موضوعية، أما الإنفاق في القطاع الوقائي واتخاذ إجراءات استباقية، وبرامج تثقيفية، إضافة إلى مواجهة الأوبئة نفسها في حال حدوثها، يتطلب إنفاقا باهظا عالي التكاليف لا يمكن أن يتحمله المواطن أو شركات التأمين، وهو ما يجعل الدولة مضطرة لتعظيم الإنفاق في ظل النظام الصحي الجديد، كما أن الإنفاق الجديد يهتم بجوانب تثقيفية تتطلب الإنفاق لعشرات السنين، ولا يظهر أثرها إلى على المدى البعيد، وذلك مثل الإنفاق في مجال تعديل النظام الغذائي والحصول على الغذاء الصحي، أو اكتساب مهارات التباعد الاجتماعي والحصول على النظافة الشخصية، وتقوية جهاز المناعة، والإنفاق على مثل هذه المجالات يتطلب توفير عنصر بشري كيف ومدرب من العاملين بالخدمات الصحية، وبالتالي فعودة الدولة لفاعل مركزي ورئيس في عملية الإنفاق الصحي من أهم الفرص المتاحة التي فرضتها أزمة فيروس كورونا، ويعتقد الباحث أن محور الخدمات الصحية يكون على سلم أولويات البرامج الانتخابية للدول الديموقراطية المتقدمة.

2_ استدامة مصادر التمويل

عرضنا العديد من أشكال التمويل للنظم الصحية في دراسات سابقة، والتي إما تعتمد على الدولة بشكل مباشر أو تعتمد على المواطن بشكل كامل، أو شراكة بين الدولة والمواطن، إلا أن هناك نظما مثل النظام المصري ومعظم النظم الصحية في الدول النامية تعتمد ميزانيات ضعيفة للإنفاق الصحي، ومصادر تمويل غير ثابتة وغير مستديمة، وهو ما ينعكس بدوره على ضعف النظم الصحية وبالتالي ضعف الخدمات المقدمة للموطن، وقد أتاحت أزمة كورونا الفرصة أمام الحكومات لتوفير مصادر دائمة وقوية لتمويل النظم الصحية، سواء كان من خلال الموازنة العامة للدولة، أو من خلال اشتراكات المنتفعين من منظومة التأمين الصحي الشامل لجميع المواطنين.

3_ التغطية التأمينية الشاملة لجميع المواطنين

هناك ضرورة لتطوير أطر قانونية على المستوى الدولي تلزم الدول بالتغطية التأمينية الشاملة لجميع المواطنين ضد الأمراض والأوبئة، كذلك إدراج الأمراض المترتبة على انتشار الأوبئة داخل دائرة التغطية التأمينية التي تلتزم شركات التأمين بتحمل نفقات علاج المصابين بالأوبئة والفيروسات، والتزام الدولة بتحمل نفقات علاج الأفراد غير المؤمن عليهم من ميزانيتها، كذلك دعم شركات التأمين في حال عجزها عن الوفاء بالتزاماتها نتيجة لاتساع بؤرة الإصابة بالأوبئة وارتفاع تكلفة التحاليل والعلاج، وبالتالي تحمل الشركات تكلفة باهظة في مدة زمنية قصيرة، قد تدفعها للإفلاس[13].

وقد ظهرت ضرورة توفير غطاء شامل للخدمات الصحية لجميع المواطنين، بعد أن ساهم ضعف نظام التأمين الصحي بالولايات المتحدة وعدم تغطيته لجميع المواطنين، في زيادة تفشي الوباء في الولايات المتحدة نتيجة لعدم حصول أكثر من 10% من المواطنين على تغطية تأمينية للخدمات الصحية، في ذات الوقت نجحت كل من ألمانيا وتركيا في مواجهة الوباء بسبب شمول التغطية لجميع المواطنين، ومجانية مسحات الـ PCR المقدمة للمواطنين.

4_ عدالة توزيع الخدمات الصحية

لقد أدت أوجه عدم المساواة التاريخية والحالية إلى تقليل سنوات العمر المتوقعة في السكان الذين يعانون من الحرمان المزمن “الأقليات العرقية / الإثنية هي أمثلة رئيسة “، تتطلب العدالة تجنب السياسات التي تزيد من عدم المساواة[14]، وقد حدد ايزيجيل مانويل في مقالته بعنوان ” التخصيص العادل للموارد الطبية النادرة في زمن كورونا” أربع مؤشرات خاصة بالقيم الأخلاقية المرتبطة بعدالة توزيع الموارد الطبية وقت الأزمات، والتي تمثلت في ” معاملة المرضى على قدم المساواة دون النظر لمن هو قادر على الدفع ومن هو غير قادر، إعطاء الأولوية للحالات الحرجة بهدف إنقاذ الأرواح، الاختيار العشوائي للأشخاص الذين لديهم أعراض متشابهة واستبعاد فكرة من يأتي أولا يحصل على الخدمة أولا، تعظيم الفوائد من استخدام التكنولوجيا في تسهيل تلقي الخدمة الطبية[15]“.

رابعا: الفرص المستقبلية المرتبطة بكفاءة النظم الصحية

أثارت أزمة كورونا تساؤلات كبيرة حول قدرة النظم الصحية على الاستجابة، وكان أهم تلك التساؤلات مرتبط بتعرض النظم الصحية للانهيار، وبالتالي عدم قدرتها على تقديم الخدمات الصحية، واستقبال المرضى، وتركهم يموتون بلا علاج، كما لوحظ أن الدول التي تمتلك نظما صحية قوية مثل ألانيا واليابان وكوريا الجنوبية استطاعوا السيطرة على الفيروس وتقليل عدد الوفيات[16]، وأهم الفرص المستقبلية التي أتاحها انتشار فيروس كورونا فيما يخص كفاءة النظم السياسية يتمثل في:

1_ زيادة أسرّة العناية المركزة بالمستشفيات

أثبتت تجارب مواجهة فيروس كورونا أن الدول التي كانت تمتلك قدر كاف من أسرّة العناية المركزة استطاعت أن تقلل من معدلات الوفاة، واستطاعت أن تحسن من استجابتها في مواجهة الأزمة، وعلى سبيل المثال استطاعت ألمانيا زيادة عدد أسرة العناية المركزة، ففي يناير 2020 كان لدى ألمانيا 28 ألف سرير فقط مجهزة بأجهزة تتنفس صناعي، استطاعت ألمانيا بحلول أبريل أن ترفع عدد أسرة العناية المركزة بها إلى 40 ألف سرير مزودة بأجهزة عناية مركزة، أو 34 سرير لكل 100 ألف من السكان، فيما بلغت النسبة 12 سرير لكل 100 ألف من السكان في إيطاليا، و7 أسرة فقط لكل 100 ألف من السكان في هولاندا[17] ، وتعد ألمانيا من أهم خمس دول على مستوى العالم استطاعت التعامل مع أزمة فيروس كورونا بفضل كفاءة نظامها الصحي[18].

2_ تدريب العاملين في القطاع الصحي

ساهمت أزمة كورونا في ارتفاع معدلات الإصابة والوفيات بين العاملين الصحيين، ويعتبر العاملون الصحيون هم خط المواجهة الأمامي للأوبئة، كما أن تعرضهم للإصابة والوفاة يساهم في حدوث عجز كبير في الموارد البشرية المكلفة برعاية المرضى، وهو ما يساعد في زيادة الضغط على المنظومة الصحية وزيادة عدد الإصابات والوفيات، ولكى نضمن حقوق العاملين فى القطاع الصحي على الدولة والتنفيذيين فى المرافق الصحية تحمل المسئولية الشاملة لضمان اتخاذ جميع التدابير الوقائية اللازمة لتقليل مخاطر الإصابة وذلك عن طريق: ” توفير المعلومات والتدريب على السلامة والصحة المهنية لجميع العاملين بالقطاع الصحي، توفير تدريب لتجديد المعلومات حول الوقاية من العدوى، التدريب على استخدام معدات الحماية الشخصية، وكيفية ارتدائها وخلعها والتخلص منها، توفير ما يكفى من إمدادات معدات الوقاية الشخصية “الأقنعة والقفازات والنظارات ومعقم اليدين والصابون والماء ولوازم التنظيف” بكميات كافية للعاملين فى القطاع الصحي الذين يرعون مرضى كوفيدــ19 المشتبه بهم أو المؤكدين، تعريف الموظفين بالتحديثات التقنية عن كوفيدــ19 وتوفير الأدوات المناسبة لتقييم المرضى وفرزهم واختبارهم وعلاجهم[19].

3_ توطين صناعة أجهزة التنفس الصناعي في الدول النامية

أدى تزايد معدلات الإصابات والوفيات بفيروس “كورونا” على مستوى العالم إلى تصاعد الطلب بشكل غير مسبوق على المعدات الطبية بما في ذلك أجهزة التنفس الاصطناعي، وتتجه الشركات العالمية المنتجة لأجهزة التنفس الاصطناعي إلى إنتاج كميات كبيرة وبأسعار زهيدة للوفاء باحتياجات المستشفيات على مستوى العالم لإنقاذ آلاف الأرواح[20].

وقد دفعت أزمة كورونا الدول الكبرى إلى مضاعفة طاقة المستشفيات من أجهزة التنفس الصناعي، واتجهت العديد من الدول إلى تزويد الدول النامية بأجهزة تنفس صناعي علي شكل منح، أو بأسعار ميسرة ومؤجلة الدفع، فعلى سبيل المثال شجع دونالد ترامب الشركات الأمريكية على التوسع في إنتاج أجهزة التنفس الصناعي ، وأطلق على الولايات المتحدة لقب “ملك أجهزة التنفس الصناعي”، وكذلك باقي معدات الوقاية، وفي مايو أعلن الرئيس الأمريكي أن الولايات المتحدة بصدد تصدير 8000 جهاز تنفس صناعي بنهاية يوليو الماضي، وأكد ترامب أن الولايات المتحدة لديها تسعة مصانع تنتج أجهزة التنفس الصناعي بكثافة، وأشار إلى ان الولايات المتحدة تقوم بتجديد المخزون الذي تمتلكه وزارة الصحة من أجهزة التنفس الصناعي، وقال كوشنير ، صهر ترامب ومستشاره، أن الولايات المتحدة صنعت 30000 ألف جهاز تنفس صناعي العام الماضي، وصنعت 150 ألف جهاز في أربعة أشهر فقط من العام الحالي[21] .

4_ توسيع دائرة البحث العلمي في مجال إنتاج الأدوية واللقاحات

جعلت أزمة كورونا البحث العلمي في حالة يقظة دائمة، وأنتجت سباقا محمودا بين كبريات شركات الدواء على مستوى العالم بهدف الوصول إلى اللقاح المنشود الذي سيساهم في القضاء على فيروس كورونا، وبالرغم من أن بعض شركات دواء سعت بشكل أو بآخر إلى تعظيم استفادتها من خلال الترويج لإمكانية استخدام الأدوية التي سبق لها تطويرها وإنتاجها لمعالجة فيروسات أخرى، وبعضها تقدمت بمبادرات جادة لتطوير لقاح جديد، ومحاولة المرور بالمراحل المختلفة لإجراء التجارب السريرية، إلا أنه لم يتم التوصل للقاح فعال يساهم بشكل آمن وفعال في القضاء على فيروس كورونا[22].

خلاصة المبحث الأول

لقد أثارت أزمة كورونا فرصا عديدة أمام دول العالم للنهوض بالأنظمة الصحية وتطويرها، وتحقيق العدالة الاجتماعية في مجال تقديم الخدمات الصحية، وزيادة مقبولية الإنفاق في القطاع الصح وإعطائه الأولوية على القطاعات الأخرى خصوصا قطاعات الأمن والدفاع والقضاء ، إلا أن تلك الفرص تظل مرتبطة بقدرة كل دولة المادية والفنية، كذلك رغبة الأنظمة السياسية في إعادة ترتيب أولويات الإنفاق وسياسات التعليم والتوظيف لديها، وإيمانها بأهمية التطور العلمي والثقافي لمواجهة الأوبئة وليس الاعتماد على الدعاية الإعلامية، وحجب المعلومات وعدم الشفافية.

المبحث الثاني: ما بعد كورونا ـ التهديدات المستقبلية للنظم الصحية

أولا: التهديدات المستقبلية الخاصة بماهية ومكونات النظام الصحي.

هناك مجموعة من التهديدات المرتبطة بماهية النظام الصحي، ومستقبل أولويات العمل داخل المنظومة الصحية، ومحورية الطب الوقائي، كذلك هناك مخاطر محتملة على مكونات النظام الصحي، وفيما يلي أهم تلك المخاطر:

1_ عالمية المخاطر الصحية

نتج عن انتشار فيروس كورونا، وتصنيفه كوباء عالمي نشوء ظاهرة جديدة في العلاقات الدولية الصحية، وهي أن ظهور وباء في مكان قد يتحول إلى وباء عالمي ويتم تصديره إلى جميع دول العالم، وهو ما طرح تساؤلات عدة حول حركة النقل، والطيران، كذلك جاهزية النظم الصحية لاحتواء الوباء في بداياته، والاحتياج إلى نظام إنذار مبكر يتيح اتخاذ إجراءات سريعة تمكن من احتواء الوباء وعدم انتشاره على مستوى العالم بشكل يصعب التعامل معه.

2_ انهيار النظم الصحيةHealth System Collapse

هو عدم قدرة النظام الصحي على القيام بوظائفه سواء بشكل جيد أو بشكل ضعيف، كذلك عدم قدرة المستشفيات على استقبال المرضى وتقديم الرعاية الصحية خصوصا في مجال غرف العناية المركزة، وأيضا عدم القدرة على توفير الأجهزة والمستلزمات الطبية وخصوصا أجهزة التنفس الصناعي.

وينتج عن ذلك توقف النظام الصحي عن القيام بمهامه الأساسية، ويترتب على ذلك ترك المرضى بدون الحصول على رعاية صحية وهو ما يعرض حياتهم للخطر، وقد حدثت عدة انهيارات للنظم الصحية جراء أزمة كورونا كما حدث في الإكوادور وتراكمت الجثث في المستشفيات والشوارع[23]، وكما حدث في مصر حيث ترك الكثير من المرضى يموتون في منازلهم دون استجابة من الدولة التي اتبعت مؤخرا سياسة العزل المنزلي للمرضى[24]، وتوقفت عن التوسع في عمل المسحات للكشف المبكر على فيروس كورونا بين المخالطين للحالات المصابة[25].

ولم يقتصر تهاوي النظم الصحية على اللدان النامية، بل طال دولا كبيرة مثل إيطاليا، ولاحق الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصا النظام الصحي لولاية نيويورك الذي تعرض للانهيار[26].

وبالتالي فإن خطر انهيار النظم الصحية وعدم قدرتها على القيام بوظائفها الأساسية في حماية حياة المرضى، ورعاية حالتهم الصحية يعد من أهم المخاطر والتحديات المستقبلية التي تواجه النظم الصحية سواء في حال حدوث موجات جديدة من فيروس كورونا، أو ظهور أوبئة جديدة.

3_ تأخر الحصول على عقار مناسب

بعد مرور تسعة أشهر من تفشي وباء كورونا، ووفاة أكثر من مليون شخص على مستوى العالم، وإصابة 33 مليون آخرين، لم تنجح المؤسسات البحثية وشركات الدواء العالمية في إيجاد عقار مناسب للقضاء على فيروس كورونا بشكل فعال وآمن ومجرب، وبالرغم من تنافس شركات الأدوية سواء في الترويج للأدوية الموجودة لديها والتي أثبت بعضها قدرًا من الفعالية في التخفيف من حدة أعراض فيروس كورونا، أو السعي لتطوير اللقاحات الجديدة أو المنتجات الأخرى اللازمة للاستجابة لتفشي الفيروس، إلا أنها جميعها فشلت حتى الآن في الوصول إلى مستحضر دوائي معتمد لعلاج فيروس كورونا.

وتؤكد مؤسسة مايو كلينيك أنه من الممكن أن يستغرق تطوير اللقاحات عدة سنوات. ويُلاحَظ هذا الأمر خصوصًا عند تطوير لقاحات باستخدام تقنيات جديدة لم تَخضع سابقًا لاختبارات السلامة أو لم تُهَيَّأ للتصنيع بكميات ضخمة، حيث يتم اختبار اللقاح على الحيوانات لمعرفة ما إذا كان فعالًا وآمنًا أم لا، والتقيد بإرشادات مخبرية صارمة، وتستغرق هذه الاختبارات عمومًا ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر، كما يجب التقيد بممارسات الجودة والسلامة خلال تصنيع اللقاحات.

الخطوة التالية هي اختبار اللقاح على البشر، في المرحلة الأولى، تُجرى تجارب سريرية مصغرة لاختبار سلامة اللقاح على البشر. وخلال المرحلة الثانية، يتم ضبط تركيبة اللقاح وجرعته للتحقق من فعاليته، وأخيرًا وخلال المرحلة الثالثة، يجب التأكد من سلامة وفعالية اللقاح من خلال اختباره على مجموعة أكبر من الناس، ونظرًا لخطورة كوفيد 19، قد تقوم الجهات الرقابية المسؤولة عن اللقاحات بتسريع بعض هذه الخطوات، ولكن من غير المحتمل أن يتوفر لقاح لكوفيد-19 خلال مدة تقل عن ستة أشهر بعد بدء التجارب السريرية. واقعيًا، يستغرق تطوير اللقاح واختباره في التجارب السريرية البشرية من 12 إلى 18 شهرًا. ولا نعرف حتى الآن ما إذا كان من الممكن أصلًا تطوير لقاح فعال لهذا الفيروس أم لا[27].

4_ مخاطر مرتبطة بحياة العاملين الصحيين

تمثل الأوبئة خطرا مباشرا على حياة العاملين في القطاع الصحي بشكل عام، وقد أدى تفشي وباء كورونا على مستوى العالم إلى إحداث معدل إصابات ووفيات مرتفع للغاية بين العاملين في الحقل الصحي بوصفهم أكثر الفئات عرضة للإصابة، وعلى سبيل المثال فقد نشرت الجارديان في أغسطس الماضي أن الوفيات الناجمة جراء كوفيد – 19 تخطت ألف حالة وفاة بالولايات المتحدة الأمريكية[28].

أما بالنسبة لمصر والتي يغيب عنها مفهوم العاملين بالقطاع الصحي، والتي لم تصدر أي بيانات رسمية عن العدد الفعلي للإصابات والوفيات بفيروس كورونا بين العاملين بالقطاع الصحي، ولا يمتلك الباحثون سوى تتبع برقيات العزاء على موقع نقابة الأطباء لمحاولة تتبع العدد الحقيقي لوفيات الأطباء، فقد أعلنت النقابة العامة لأطباء مصر أن عدد الشهداء من الأطباء جتى يوم 19 سبتمبر 2020 قد بلغ 171 شهيدا[29].

وتتطلب حماية العاملين في القطاع الصحي العديد من الوسائل أهمها من وجهة نظر الباحث عمل مسحات PCR بشكل دوري، واستبعاد العاملين الصحيين من كبار السن والحوامل وأصحاب الأمراض المزمنة، تدريب العاملين على استخدام معدات الحماية الشخصية، وكيفية التخلص منها، والتدريب على السلامة المهنية ومكافحة العدوى.

5_ المؤسسات الصحية غير الآمنة

أدت أزمة كورونا إلى إحجام المرضى عن التردد على المؤسسات العلاجية لغرض العلاج، واكتفوا بالتعامل معها في حالات الطوارئ فقط، أو من خلال التواصل الإلكتروني، وهو ما وضع المؤسسات العلاجية مثل عيادات الكشف العادية عن الأمراض، أو الذهاب للطبيب بغرض الاستشارة، وعيادات الأسنان، والعيون، ومراكز التجميل، تواجه نقصا كبيرا في أعداد المترددين عليها، وبالتالي فإن تحويل تلك المؤسسات العلاجية لمؤسسات آمنة، ومكافحة لانتشار العدوى، يعد من أهم التحديات والتهديدات التي تواجه المؤسسات العلاجية بمختلف أنواعها في الحالات العادية.

وقد برزت الحاجة إلى ضرورة تطوير المستشفيات والعيادات والمراكز الطبية لتصبح أكثر أمانا، وأصبحت القدرة على إقناع المرضى بأمان مؤسساتهم الصحية من أكبر التحديات التي تواجه أصحاب المؤسسات الصحية، حيث يتطلب ذلك تطوير البنية التحتية للمؤسسات الصحية، لكي يتم إتاحة المجال أمام تطبيق سياسات التباعد الاجتماعي، وتطوير تكنيكيات التعامل مع الحالات المشتبه فيها، بما يساهم في تقليل انتشار العدوى[30].

ثانيا: التهديدات المستقبلية المرتبطة بمكافحة الأوبئة

لعل مكافحة الأوبئة هي التحدي الأهم والأكبر الذي ستواجهه النظم الصحية في الفترة القادمة، وستكون مكافحة الأوبئة وتتبع العدوى من أهم مؤشرات تقييم النظم الصحية في المستقبل، وفيما يلي أهم التحديات التي ستواجه النظم الصحية في مجال مكافحة العدوى:

1_ عدم القدرة على التنبؤ

التفشي الوبائي العالمي هو انتشار التفشي الوبائي الإقليمي داخل عدة دول ثم الانتشار بجميع قارات العالم[31]، وبالتالي فإن الـ pandemic يتم تعريفها في أبسط صورها بأنها global epidemic، وهناك عدة أمثلة مهمة لتفشيات وبائية عالمية مثل الحمى الصفراء هام 1793 والتي قتلت 5000 إنسانا، الكوليرا، كذلك فيروس سي يعتبر جائحة لأنه قتل 36 مليون مواطن على مستوى العالم منذ 1981 وحتى الآن، بالإضافة إلى الإنفلونزا الإسبانية التي ظهرت عام 1818 وأصابت أكثر من 500 مليون شخص حول العالم.

وما يميز التفشي الوبائي العالمي هو عدم القدرة على التنبؤ بظهور الوباء، أو تحديد درجة تأثيره، أو امتداد نطاقه الجغرافي، أو قوة تأثيره على صحة الإنسان، وعدم القدرة على التنبؤ يعد من أكبر التحديات التي تواجه النظم الصحية وتجعلها عاجزة عن التوقع وتحديد المسار، وبالتالي اتخاذ القرارات المناسبة.

2_ صعوبة تطوير نظم الإنذار المبكر

انتشار الفيروس بتلك الوتيرة التي جعلت منه وباءً حصد أرواح ما يقرب من مليون شخص؛ إن دلّ على شيء فإنما يؤكد نقاط الضعف التي تنطوي عليها أنظمة الإنذار المبكر لاكتشاف الأوبئة، والحاجة الملحة إلى نهج منظم وقائي يهدف إلى منع انتشار الأمراض والفيروسات المعدية، أو تحجيمها بمجرد الظهور الأولي، والتدخل الاستباقي من خلال دعم وتطوير البحوث في مجال الفيروسات والأوبئة. فالإنذار المبكر يلعب دورًا محوريًّا في التقييم السريع لحالات انتشار الأوبئة، وتقديم الاستجابة الفعالة للأحداث التي تشكل تهديدًا للصحة العامة، بما يُمكّن صانع القرار من اتخاذ تدابير الاستجابة في الوقت المناسب لمنع التطور إلى مرحلة الوباء، ومن ثمّ تقليل درجة الضرر قدر الإمكان، ومن الملاحظ أن الدول التي تمكنت من الاستعداد الجيد لوباء كورونا كانت هي الأكثر نجاحًا في مواجهته، وأهم هذه النماذج كلٍّ من “سنغافورة، وألمانيا، وتايوان، وكوريا الجنوبية”[32].

3_ تحور الفيروسات

من أهم التهديدات المستقبلية المرتبطة بالأوبئة بشكل عام هي إشكالية التحور الجيني للفيروس، والذي يأخذ أحيانا أشكالا أكثر شراسة وفتكا بالبشر، وسرعة في الانتشار، وقد نشرت الإندبندنت في مايو الماضي دراسة تشير إلى اعتقاد علماء في كاليفورنيا بأنهم حددوا تحوّراً “تغيير في التركيبة الجينية” جديداً في فيروس كورونا، أعطى نسخة منه باتت مهيمنة وتتميّز بأنها أكثر عدوى من الفيروس الذي انطلق من “ووهان”، وتسبب في انتشار الجائحة في وقت مبكر من هذا العام.

ووضع فريق في “مختبر لوس ألاموس الوطني” نظرية مفادها أن السلالة الجديدة ظهرت في أوروبا في فبراير (شباط)، قبل أن تهاجر إلى الساحل الشرقي الأميركي، وفق التقرير المؤلَّف من 33 صفحة الذي كتبه الفريق. وأصبح الفيروس “السريع” شكلاً سائداً للوباء منذ منتصف مارس (آذار)، حسب التقرير.

ويحذّر التقرير من أن الفيروس المتحوّر ينتشر بسرعة أكبر بكثير من نسخته السابقة، وفي غضون أسابيع صار عدد المصابين به أكبر بكثير مقارنة مع السلالة التي أُبلِغ عنها للمرة الأولى في “ووهان” بالصين، ويشير التقرير إلى تلك السلالة كانت الوحيدة التي اكتُشِفَت بأجزاء كثيرة من العالم[33].

فيما أكد، مستشار البيت الأبيض وخبير الأمراض المعدية أنطوني فاوتشي، في يوليو الماضي أن فيروس كورونا المستجد تحور بطريقة تجعله أكثر قدرة على الانتشار، وذكر فاوتشي الذي يترأس المعهد الوطني للحساسية والأمراض المُعدية التابع لوزارة الصحة الأميركية أن هناك أبحاثا تجري في الوقت الحالي لتحديد الطفرة المحتملة وتداعياتها[34].

4_ تخليق الفيروسات والحرب البيولوجية

أعاد انتشار فيروس كورونا احتمالية تورط بعض الدول الكبرى في حروب بيولوجية، والعمل على تخليق أنواعا جديدة من الفيروسات تساعدها في حروبها مع الدول الأخرى المعادية لها، وذلك نظرا للاتهامات التي لا تزال قائمة حتى الآن، فقد تم تداول الاتهامات بين الولايات المتحدة والصين حول نشأة الفيروس وهل هي نشأة طبيعية بانتقال الفيروس من حيوان إلى إنسان أم أنه فيروس مصنّع، كما أن الاتهامات امتدت لتشمل إيران التي اعتبرت أن الولايات المتحدة أعلنت عليها حربا بيولوجية.

فقد جاءت أولى الاتهامات على لسان دبلوماسي صيني، ليجان زاو، والذي وجه الاتهامات للولايات المتحدة بأن الجيش الأمريكي من المحتمل أن يكون هو من أتى بفيروس كورونا إلى الصين، حيث نشر الدبلوماسي الصيني مقطع فيديو، قال فيه روبرت ريدفيلد، مدير المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)، في جلسة استماع في الكونجرس أنه تم اكتشاف بعض الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا في الولايات المتحدة، وذلك قبل أن تعلن الولايات المتحدة رسميا ظهور حالات ووفيات جراء فيروس كورونا بها، وهو ما دفع زاو لتوجيه عدة تساؤلات لروبرت ريدفيلد متمثلة في السؤال عن متى وقعت أول حالة إصابة بالفيروس بالولايات المتحدة؟، كم عدد الأشخاص الذين أصيبوا بالعدوى؟، ما أسماء المستشفيات التي استقبلت المصابين بفيروس كورونا؟[35].

وبعد أن انتشر الفيروس بالصين تعددت الاتهامات الأمريكية بأن لديه أدلة تثبت أن فيروس كورونا الجديد تم تصنيعه بمختبر ووهان بالصين[36].

5_ صعوبة تعزيز برامج مكافحة الأمراض المعدية بالدول النامية

الأمراض السارية ” المعدية” تمثل تحديا كبيرا خصوصا في الدول النامية أو الدول التي تعاني من هشاشة نظمها الصحية، والاضطرابات والنزاعات السياسية الداخلية، فقد أشار تقرير خاص بمنظمة الصحة العالمية عن الوضع الوبائي لدول إقليم شرق المتوسط في الفترة من 2012 إلى 2016 إلى أن الأمراض السارية لا تزال مسؤولة عن ثلث الوفيات وثلث الأمراض تقريباً في الإقليم، مما يشكِّل عقبة كبيرة أمام التنمية الصحية والاجتماعية الاقتصادية في بعض البلدان.

وشهد الإقليم ارتفاعًا في عدد الأمراض السارية سواء المستجدة منها أو التي تعاود الظهور، بما في ذلك إنفلونزا الطيور، والحمى المالطية، والكوليرا، وحمى الضنك، وسائر أمراض الحمى الفيروسية النزفية، والدفتيريا، والحصبة والحمى الصفراء، والفيروس التاجي (فيروس كورونا) المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وفيروس غرب النيل، والتهاب الكبد‎ A وقد واجهت برامج مكافحة الأمراض التي يمكن توقِّيها باللقاحات تحديات هائلة في العديد من البلدان، مما أدى إلى ارتفاع معدلات انتشار هذه الأمراض والإصابة بها، وقد واجهت الجهود المبذولة لتحقيق الهدف الإقليمي للتخلص من الحصبة انتكاسة نتيجة انخفاض مستوى تغطية السكان المعرضين للإصابة بخدمات التطعيم[37].

ثالثا: التهديدات المستقبلية المرتبطة بسياسات الإنفاق الصحي

هناك تكلفة مالية مرتفعة تواجهها النظم الصحية حاليا جراء أزمة فيروس كورونا، كما أن الاهتمام بتطوير القطاع الوقائي، وتنمية مفهوم الصحة العامة ستتطلب ميزانيات مرتفعة، وسيؤدي ذلك إلى ارتفاع تكلفة الخدمة الطبية، كذلك إلقاء أعباء كبيرة على الحكومات، وفيما يلي أهم التحديات التي ستواجهها النظم الصحية في مجال الإنفاق الصحي:

1_ ارتفاع تكلفة الإنفاق على الخدمات الوقائية

تعاني العديد من النظم الصحية من نقص الخدمات الوقائية، كذلك ضعف المكون الثقافي بأهمية اتخاذ الإجراءات الوقائية، كما أن بناء نظما وقائية قوية يتطلب تكلفة مالية مرتفعة، وارتقاء بالمستوى التعليمي والتدريبي للعناصر البشرية العاملة في القطاع الصحي، وتنمية الوعي السكاني بأهمية المكون الوقائي، وهو ما يتطلب إلى جانب التكلفة المرتفعة سنوات طويلة لتصبح الإجراءات الوقائية أسلوب حياة ونمط سلوكي للعاملين في القطاع الصحي والمواطنين على حد سواء.

كما تشكل الفحوص المخبرية عنصرا حيويا في استجابة النظم الصحية لأزمة كورونا، وتتباين التكاليف المصاحبة لإجراء الفحوص حسب نوع الفحص المستخدم، وتتجاوز تكلفة مجموعات أدوات الفحص، وتمتد لتشمل تكلفة طاقة المختبرات ومعداتها، وعمليات نقل العينات، وهيئات العاملين المجهزة على النحو الملائم لإجراء الفحوص على نطاق واسع، وتشير البيانات المستمدة من “أداة التنبؤ بالإمدادات الأساسية” التي أعدتها منظمة الصحة العالمية إلى أن تكلفة مجموعة أدوات الفحص تصل إلى حوالي 260 دولارا أمريكيا بالنسبة للفحوص التي تتطلب تحاليل مخبرية، بينما تبلغ تكلفة المعدات المخبرية الإضافية للحصول على نتائج الفحوص حوالي 1200 دولارا أمريكيا[38].

2_ التحديات التي تواجه الإنفاق الحكومي

لقد تراجع دور الدولة في الإنفاق الصحي العلاجي لصالح مستشفيات القطاع الخاص، أو نظم التأمين الصحي الممولة من اشتراكات المنتفعين، لكن دور القطاع الحاص ونظم التأمين الصحي يظل مرتبطا في جوهره بالخدمات العلاجية، حتى في التعامل مع أزمة كورونا، فدور المستشفيات الخاصة هو استقبال الحالات والتعامل معها والعمل على استشفائها، لكن الدولة منوطة بعمل إجراءات احترازية، وتوفير الكواشف السريعة، وعمل مسحات الـ PCR وتكثيف إجراءات مكافحة العدوى، وتوسيع نطاق عمل فرق الترصد الوبائي، ومراقبة إجراءات مكافحة العدوى بالمستشفيات العامة والخاصة، وتحمل تكلفة علاج جميع الفئات غير المؤمن عليها، وبناء نظاما قويا للإنذار المبكر، وبالتالي فإن الإنفاق الحكومي سيواجه تحديات كبيرة في حال عدم مضاعفته، وتحمله لعملية تطوير نظام الطب الوقائي والصحة العامة بشكل عام.

ويقول الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية: “إن زيادة الإنفاق المحلي أمر ضروري لتحقيق التغطية الصحية الشاملة وبلوغ أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالصحة[39]“، كما أن الإنفاق الحكومي الوسيلة الأهم للحدّ من أوجه الإجحاف في الإتاحة عند التخطيط بعناية لاعتماد مخصصات تضمن إمكانية حصول السكان بأكملهم على الرعاية الصحية الأولية.

3_ تراجع الاستثمار في القطاع الصحي

هناك تهديد محتمل لتراجع الاستثمار في القطاع الصحي نتيجة لإحجام الناس عن الحصول على الخدمات الصحية الأساسية، وذلك خوفا من التعرض للعدوى والإصابة بفيروس كورونا، وهو ما يعرض العديد من المجالات الصحية لتراجع مؤشرات الاستثمار الخاصة بها، مثل مراكز الأسنان، ومراكز التجميل، ومستشفيات العيون، ومعامل التحليل، ومعامل الأشعة، والعيادات الخاصة، ولا يؤثر ذلك فقط على مستقبل الاستثمار في تلك القطاعات، لكنه يؤثر سلبا على الأرباح، وهو ما يؤدي إلى خسائر كبيرة محتملة، وتسريح للعمالة، أما القطاعات التي ستشهد استقرارا فهي القطاعات المرتبطة بطب الطوارئ ، والعمليات، والعناية المركزة، والتدخل الجراحي السريع، لكنها على الرغم من أهميتها تظل قطاعات محدودة بالنسبة للمكونات الكلية لمنظومة الخدمات الطبية.

4_ التكلفة البحثية وإتاحة اللقاحات

من التحديات الكبيرة التي تواجهها النظم الصحية هي قدرتها على الموازنة بين التكلفة البحثية المرتفعة التي تتحملها الشركات، بالإضافة إلى سعيها للحصول على أرباح جراء بيع اللقاحات التي ستقوم بإنتاجها، وبين عدالة توزيع اللقاحات، وإتاحتها للجميع بأسعار بسيطة، وأحيانا مجانية إذا اقتضى الأمر[40].

هناك عدة تحديات تواجه شركات الأدوية في الوقت الراهن، وتلك التحديات تتمثل في صعوبة الحصول على المواد الخام اللازمة للتصنيع في ظل توقف حركة التجارة وإغلاق الحدود، أو تعثر عمليات الإنتاج والحاجة إلى المزيد من الوقت لإنتاج اللقاحات المضادة واختبارها ثم رفع القدرات الإنتاجية لتلبية الطلب المرتفع ومواجهة عمليات الاستحواذ على الأدوية من جانب بعض الدول[41].

وبالتالي فإنه من غير المتوقع أن تحقق شركات الأدوية أرباحا كبيرة جراء تطوير لقاح للقضاء على فيروس كورونا، لكنها ستتمكن من تحقيق علامة تجارية قوية تحقق لها أرباحا أخرى بطرق غير مباشرة، كما أن البحث الأرباح التي ستحققها شركات الأدوية مرتبطة بمدة بقاء الفيروس، وبالتالي فإن الشراكة في المجال البحثي مهمة بين شركات الدواء والمؤسسات البحثية والحكومات والجهات المانحة.

رابعا: التهديدات المستقبلية المرتبطة بكفاءة النظم الصحية

هناك عدة تهديدات مستقبلية مرتبطة بكفاءة النظم الصحية، وقدرتها على الاحتفاظ بالمكتسبات التي حققتها في مجال الحفاظ على صحة الإنسان وتخفيف الألم، ومقاومة الاعتلال، والارتقاء متوسط عمر الإنسان، وحماية أصحاب الأمراض المزمنة والأمهات الحوامل والأطفال، كذلك قدرة المؤسسات الصحية على القيام بمهامها الأساسية دون التعرض للانهيار أو تراجع القدرة على تأدية الخدمات، وفيما يلي أهم التحديات التي تواجه كفاءة النظم الصحية:

1_ تراجع متوسط عمر الإنسان

يمكن أن تصيب عدوى كوفيد 19 الأشخاص من جميع الأعمار، حتى الأطفال، ولكنه يؤثر بشكل أكبر على البالغين متوسطي العمر ومن هم أكبر سنا، ويزداد احتمال الإصابة بأعراض خطيرة مع تقدم العمر، حيث أن الأشخاص بعمر 85 عامًا أو أكبر هم الأكثر عرضة للإصابة بأعراض خطيرة، في الولايات المتحدة، كانت حوالي 80% من الوفيات المرتبطة بهذا المرض بين من تبلغ أعمارهم 65 عامًا وأكثر، وتزداد الخطورة أكثر من ذلك بالنسبة لكبار السن إذا كانت لديهم حالات صحية كامنة[42].

واستهداف فيروس كورونا لكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة من شأنه أن يؤدي إلى تراجع متوسط عمر الإنسان بشكل عام، وإلى تراجع متوسط عمر الأفراد في الدول المتقدمة بشكل خاص، حيث أن تطور الخدمات الصحية قد ساهم في زيادة متوسط عمر الأفراد، وتشير الأرقام إلى أن عدد من هم فوق ال65 عاما في مختلف أنحاء العالم عام 2018 يربو على 705 ملايين نسمة، وهو ما يعني في التحليل الأخير أن هناك خطورة مباشرة على حياة أكثر من 700 مليون إنسان بسبب فيروس كورونا[43].

2_ تعرض العاملين الصحيين للمخاطر

جددت أزمة فيروس كورونا المخاوف بشأن مستقبل العاملين في القطاع الصحي، وذلك نتيجة لما تعرض له العاملون في القطاع الصحي من تأثيرات نفسية وضغوط اجتماعية جراء العمل لساعات طويلة دون راحة والتعرض لخطر الإصابة بالفيروس، كذلك حدوث بعض حالات التنمر تجاه العاملين في القطاع الصحي بوصفهم ناقلين محتملين للمرض، بالإضافة إلى زيادة عدد الإصابات والوفيات بين العاملين في القطاع الصحي بسبب تعرضهم للإصابة بفيروس كورونا، وتؤكد الأمم المتحدة أن مستويات انتقال فيروس كورونا بين العاملين في مجال الصحة قد دقت أجراس الإنذار، حيث تشير البيانات إلى أن معدل الإصابة بين العاملين الصحيين بلغت نسبته 9% في إيطاليا، و14% في إسبانيا[44].

3_ تراجع مؤشرات أداء المؤسسات الصحية

هناك تهديدات وتأثيرات عديدة على المؤسسات الصحية بشكل عام ممثلة في نقص الأدوات والمستلزمات الطبية، ونقص الإمدادات وأدوات التعقيم والمطهرات، ونقص أجهزة التنفس الصناعي، ونقص مولدات الأكسيجين بالمستشفيات[45]، ونقص الكوادر الطبية والتمريض، وضعف القدرة على التخلص من النفايات الطبية الخطرة، ونقص غرف العناية المركزة والأسرة بالمستشفيات، وقد ساهم هذا النقص بشكل عام في تزايد اعتماد الدول على بعضها البعض، وانتشار ظاهرة المساعدات الطبية، ولم يقتصر الأمر على الدول النامية فقط، بل امتدت ظاهرة المساعدات الطبية لتصل إلى الدول الكبرى التي عانت بشكل كبير جراء الموجة الأولى من فيروس كورونا.

4_ تراجع الأهداف الإنمائية للألفية

المرامي الإنمائية للألفية هي ثمانية مرام اتفقت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 191 دولة على السعي من أجل بلوغها بحلول عام 2015، ويُلزم إعلان الأمم المتحدة للألفية، الذي وُقّع في أيلول/سبتمبر 2000، القيادات العالمية بمكافحة “الفقر، الجوع، تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، خفض وفيات الأطفال، تحسين صحة الأمهات، مكافحة الإيدز والعدوى بفيروساته والملاريا وغيرها من الأمراض، حماية البيئة، قامة شراكة عالمية من أجل التنمية[46]“.

يقول الدكتور تيدروس أدحانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، : “الخبر السار هو أن الناس حول العالم ينعمون بحياة أطول وأوفر صحة. ولكن الخبر السيئ هو أن وتيرة التقدم أبطأ من أن تحقق أهداف التنمية المستدامة في أوانها وأن الأمر يتفاقم سوءاً في ظل جائحة كوفيد-19[47]

وبالتالي هناك تهديدات حالية ومستقبلية ناجمة عن التعرض لوباء كورونا تجعل ما تم تحقيقه من نجاحات في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية مثل خفض معدلات وفيات الأطفال والأمهات الحوامل، ومكافحة العدوى والفيروسات مهددا بالتراجع، وتضاعف من مشكلة الفئات الأكثر احتياجا والأكثر عرضة للخطر جراء التعرض للفيروسات الوبائية.

خاتمة

زادت أزمة وباء كورونا من التهديدات المحتملة على حياة الإنسان، ووضعت النظام الصحي أمام معضلة كبيرة نظرا للإخفاق في التعامل مع الأزمة، وعدم قدرته على القيام بمهامه الأساسية في تخفيف الألم ومواجهة المرض والحفاظ على حياة الإنسان، بالإضافة إلى تعرض نظم صحية كثيرة للانهيار، وهو ما فتح المجال أمام البحث عن التهديدات المستقبلية التي ستتعرض لها النظم الصحية في حال استمرار فيروس كورونا أو حدوث أوبئة جديدة، وذلك لعمل استراتيجيات وآليات مواجهة، وشراكات دولية تساهم في تقليل المخاطر والقدرة على التعامل معها، بالإضافة إلى تحديد الأولويات المرتبطة بتطوير النظام الصحي ليكون قادرا على الاكتشاف المبكر للأوبئة، ولديه التكتيكات المناسبة لاحتواء الفيروسات في مهدها وتوجيه ضربات استباقية تحد من قدرة الفيروسات على الانتشار.

وفيما يلي أهم النتائج التي وصلت إليها الدراسة:

1_ هناك تهديدات وتحديات مرتبطة بماهية النظام الصحي ومكوناته الأساسية، وتتمثل تلك التهديدات في تحول العالم إلى مجتمع المخاطر، وانهيار النظم الصحية التقليدية، وعدم القدرة على إنتاج عقار دوائي مناسب للقضاء على الفيروس، وتحول المؤسسات الصحية لمؤسسات غير آمنة، وتعرض حياة العاملين الصحيين للخطر.

2_ أما بالنسبة للتحديات المرتبطة بمكافحة الأوبئة، فقد أظهرت أزمة كورونا عدم قدرة النظم الصحية على التنبؤ بحدوث الأوبئة، وصعوبة تطوير نظم الإنذار المبكر، وصعوبة تعزيز برامج مكافحة العدوى خصوصا في الدول النامية، بالإضافة إلى التحديات المرتبطة بتحور الفيروسات، والحروب البيولوجية المحتملة وتخليق الفيروسات.

3_ وبالنسبة للتحديات المرتبطة بالإنفاق الصحي، فهناك تحديات مرتبطة بارتفاع تكلفة الإنفاق في القطاع الوقائي، واحتمالات مرتبطة بتراجع الاستثمار في القطاع الصحي نظرا لتراجع المواطنين عن الحصول على الخدمات الصحية الأساسية، والاكتفاء بالخدمات الطارئة، كذلك ارتفاع التكلفة البحثية، وتكلفة إجراء الفحوصات، بالإضافة إلى الأعباء التي ستتحملها الحكومات لزيادة الإنفاق على الخدمات الوقائية وخدمات الصحة العامة.

4_ وفيما يخص كفاءة المؤسسات الصحية، فإن هناك تحديا محتملا مرتبط بتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، كذلك تراجع متوسط عمر الإنسان نظرا لخطورة الفيروسات على كبار السن، تراجع مؤشرات الأداء المرتبطة بتوفير الخدمة الصحية اللائقة وتوفير المستلزمات وأجهزة التنفس الصناعي وغرف العناية المركزة.


الهامش

[1] – منظمة الصحة العالمية، الرابط

[2] – فرانس 24، 29 أبريل 2020، وفيات كورونا في الولايات المتحدة تتخطى حصيلة القتلى الأمريكيين في حرب فيتنام، الرابط

[3] – worldometers, link

[4]Frank Diamond, 19 June 2020, How Healthcare Will Change After COVID-19, link

[5] – أخبار الأمم المتحدة، 16 مارس 2020، كورونا: الصين تجربة فريدة في مواجهة المرض واحتوائه، فكيف يمكن لبقية دول العالم استقاء الدروس؟، الرابط

[6] – منى زيدان، 6مايو 2020، مصادر بالصحة: خطة لإحلال مستشفيات الحميات والصدر بدلا من العزل لعلاج مصابي كورونا، الرابط

[7] – CDC Foundation, LINK

[8] – منظمة الصحة العالمية، المكتب الإقليمي للشرق الأوسط، الرابط

[9] – سارة عبد العزيز سالم، 30 أبريل 2020، مبادرات عالمية لتفعيل أنظمة الإنذار المبكر للأوبئة، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، الرابط

[10]– أخبار الأمم المتحدة، 16 مارس 2020، كورونا: الصين تجربة فريدة في مواجهة المرض واحتوائه، فكيف يمكن لبقية دول العالم استقاء الدروس؟، الرابط

[11]– دويتش فيله، 4 أغسطس 2020، منها العربية.. إضافة خمس لغات لتطبيق ألماني لكسر تفشي كورونا، الرابط

[12]– دويتش فيله، 7 أغسطس 2020، هكذا تواجه ألمانيا الموجة الثانية من كورونا، الرابط

[13] – N p r, June 19, 2020, Insurers May Only Pay For Coronavirus Tests When They’re ‘Medically Necessary, link

[14] – John R. Stone, 11 June 2020, Social Justice, Triage, and COVID-19, Ignore Life-years Saved, from NCBI, link

[15] – Ezekiel Emanuel, 21 May 2020, Fair Allocation of Scarce Medical Resources in the Time of Covid-19, from New England Journal of Medicine, link

[16] – ليندسي غالاوي، 22 أبريل 2020، فيروس كورونا: تعرف على افضل خمس دول في نظم الرعاية الصحية في العالم، من بي بي سي عربي ، الرابط

[17]-Katrin Bennhold, “A German Exception? Why the Country’s Coronavirus Death Rate Is Low,” The New York Times, published April 4, 2020, link

[18] – ليندسي غالاوي، 22 أبريل 2020، فيروس كورونا: تعرف على افضل خمس دول في نظم الرعاية الصحية في العالم، من بي بي سي عربي ، الرابط

[19] – علاء غنام، 6 يوليو 2020، حماية العاملين بالقطاع الصحي، من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، الرابط

[20] – مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 15 أبريل 2020، الأبعاد السياسية لاقتصاديات أجهزة التنفس الاصطناعي في المنطقة العربية، الرابط

[21]– By KEVIN FREKING and DEB RIECHMANN, 8 May 2020, White House: US planning to ship 8,000 ventilators abroad, FROM apnews, LINK

[22] – سارة عبد العزيز، 19 أبريل 2020، مستقبل اقتصاديات صناعة الدواء في ظل أزمة كورونا، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، الرابط

[23]– Tomas Castanheira, 16 April 2020,With the collapse of health care system, Ecuador is the epicenter of the coronavirus crisis in Latin America, from wsws.org, link

[24]– موسى الظريف، 2 يونيو 2020، فيروس كورونا: جدل بشأن استقبال المستشفيات مرضى الوباء في مصر، بي بي يس نيوز، الرابط

[25]– بي بي سي نيوز، 13 أغسطس 2020، فيروس كورونا: مقامرة في مصر، الرابط

[26]– Kimberly Hickok, 4 April 2020, New York has been crushed by CODID-19, Will other US cities be spared?, from livescience, link

[27]– Mayoclinic, COVID-19 (coronavirus) vaccine: Get the facts, link

[28]– Danielle Renwick and Shoshana Dubnow, 26 Aug. 2020, Over 1,000 US health workers died of Covid-19. Many were immigrants and minorities, link

[29]– موقع النقابة العامة لأطباء مصر، الرابط

[30]Frank Diamond, 19 June 2020, How Healthcare Will Change After COVID-19, link

[31]-Trisha Torrey, 5 may 2020, Difference Between an Epidemic and a Pandemic, Very Well Health, link

[32]– سارة عبد العزيز، 30 أبريل 2020، مبادرات عالمية لتفعيل أنظمة الإنذار المبكر للأوبئة، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، الرابط

[33]– أليكس ود وارد، 14 مايو 2020، دراسة مقلقة عن تحور فيروس كورونا لنوع أكثر عدوى، إندبندنت العربية، الرابط

[34]– الحرة، 3 يوليو 2020، مستشار البيت الأبيض.. كورونا تحور وأصبح أكثر قوة، الرابط

[35]– Joyce Huang, March 13, 2020, Chinese Diplomat Accuses US of Spreading Coronavirus, from voanews, link

[36]– Maanvi Singh , Helen Davidson and Julian Borger, Fri 1 May 2020, Trump claims to have evidence coronavirus started in Chinese lab but offers no details, from The Guardian, link

[37]– منظمة الصحة العالمية، المكتب الإقليمي لشرق المتوسط، الرابط

[38]– إيغناتيوس دو بديغان، وباولو دودين، وكالوس هلويغ، وسمير جهان، وجنفييف فيردييه، صندوق النقد الدولي، معالجة آثار فيروس كورونا: إرشادات حول سياسات الإنفاق على الصحة _ سلسلة خاصة عن السياسات المالية.

[39]– منظمة الصحة العالمية، الرابط

[40]– الحرة، 20 يوليو 2020، التكلفة والأمان.. أسئلة عن لقح كورونا المنتظر، الرابط

[41]– سارة عبد العزيز، 19 أبريل 2020، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، مستقبل اقتصاديات صناعة الدواء في ظل أزمة كورونا، الرابط

[42]– Mayoclinic,COVID-19: Who’s at higher risk of serious symptoms?, link

[43]– فيرناندو دوراتي، 11 أبريل 2020، الشيخوخة قنبلة موقوتة تؤرق دول العالم، من بي بي سي عربي، الرابط

[44]– أخبار الأمم المتحدة، الرابط

[45]– يورونيوز العربية، 25 يونيو 2020، منظمة الصحة العالمية تحذر من نقص في مولدات الأكسجين في المستشفيات حول العالم، الرابط

[46]– منظمة الصحة العالمية، الرابط

[47]– منظمة الصحة العالمية، الرابط

أمجد حمدي

باحث مصري متخصص في السياسات العامة

اعمال اخرى للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى