تقاريرسياسة

ملامح تأسيسية لبناء مشروع سياسي لحلّ الأزمة المصرية

تعيش الثورة المصرية حال من التراجع تكاد تقترب من الموت السريري بفعل ضعف قوى المعارضة في الداخل والخارج وتوحش النظام في استخدام القمع تجاه معارضيه بكل السبل الممكنة والتدخل الإقليمي والدولي في المشهد المصري، فضلا عن عزوف الشعب عن الثورة نتيجة الشعور بالإحباط واليأس من التغيير وافتقاد المشروع الجامع والقيادة الفاعلة المؤثرة.

لذا كانت هذه الورقة الموجزة التي نحاول فيها أن نرسم ملامح لمشروع سياسي لحل الأزمة المصرية مع مراعاة الوضع القائم بكل تفاصيله بما فيه الفاعلين المحليين والإقليميين ومدى تأثيرهم في الصراع وشبكات العلاقة بينهم والأوزان النسبية لكل منهم.

وسنتجاوز في هذه الورقة نقاط قد تكون هامة وحيوية ولكن لاعتبارات الإيجاز التي هي هدف لدينا حتى يمكن أن تكون سهلة التناول قريبة من جيل الشباب والذين هم عماد أي تغيير مستقبلي في الحالة المصرية.

فسنتجاوز على سبيل المثال لا الحصر التوصيف الدقيق للواقع المصري حاليا والأطراف الفاعلة فيها والتشابكات المختلفة بينهم ولن نستعرض كذلك السيناريوهات المختلفة التي يمكن أن تؤول اليها الحالة المصرية رغم أهميتها وحتمية الإعداد لكل سيناريو.

وسنكتفي هنا بتحديد المعالم الرئيسية الضابطة لإدارة الصراع حاليا ومستقبلا بإذن الله، إيمانا من أن أي حل لا يرتكز على منظومة أفكار جامعة تمثل البوصلة الضابطة لحركته هو حالة من التيه والتشتت والضياع، وهو أشبه ما يكون بالحرث في الماء.

كما أنوّه إلى ملحوظة فنية، أنني تعمدت أن أبتعد عن التوصيفات الإدارية قدر المستطاع وفضّلت استخدام التوصيفات الشائعة والدارجة حتى يسهل على القارئ غير المتخصص استيعاب المعنى بسهولة ويسر.

الرؤية والرسالة:

لا يمكن أن يكون هناك مشروع سياسي أو حتّى تجاري لا يمتلك رسالة واضحة له يتشرّبها جميع القائمين عليه، ورؤية محددة قابلة للقياس لإدارة الأزمة تراعي الإمكانيات والممكنات لدى القائمين على المشروع.

ونجاح العسكر في بداية الثورة في سرقتها واختطافها من القوى الثورية يرجع إلى غياب الرؤية الواضحة لإدارة الصراع فكانت حركة القوى الثورية أو السياسية هي رد فعل للنظام وليس وفق تصور واضح للمعركة وأبعادها، فكانت القوى الثورية بكل أجنحتها مفعول بهم أكثر منهم فاعلين ولذلك انتصرت الثورة المضادة في النهاية على الأقل في هذه الجولة من المعركة حتى الآن[1].

إنّ أي رؤية مقترحة لابد أن يكون هدفها النهائي هو بناء دولة ديمقراطية حديثة لا تتصادم مع قيم المجتمع وثوابته، في إطار صياغة جديدة للعلاقات بين الأطراف الأساسية داخل الدولة والمجتمع، ضمن رسالة تستهدف بناء الدولة العادلة والقائدة والرائدة.

وحتى نصل الى هذا الهدف النهائي لابد أن تكون هناك أهداف مرحلية تتناسب مع الظروف والمعطيات الحالية لدى القائمين على المشروع والبيئة التي سيعمل فيها، فقد يكون الهدف المرحلي فقط هو الملف الحقوقي والمعتقلين[2] وقد يكون الذي يليه هو الاصطفاف مع قوى تختلف معها جذريا ولكنك تتفق معها في التخلص من عبد الفتاح السيسي فلا يتصور وجود أي حل سياسي في وجود هذا الطاغية، هذه أمثلة فقط لطريقة التفكير المطلوبة بغض النظر عن صواب المثال من عدمه.

وهكذا تضع أهدافك المرحلية وفق ضابط استراتيجي وهام هو القدرة على الإنجاز والتحقق، فالهدف الذي يمكن بالعمل والسعي تحقيقه على أرض الواقع هو فقط ما يجب أن يكون هدفا وبرنامج عمل.

ولكنّك في نفس الوقت لا تفقد في أي لحظة ولا تحت تأثير الظروف اليومية الضاغطة بوصلة الحركة ولا يغيب عن عينك رؤيتك ورسالتك النهائية.

الأهداف الاستراتيجية:

وهي جملة الأهداف التي تسعى لتحقيقها حتى تصل إلى هدفك النهائي أو تحقيق رؤيتك الكلية للصراع وفق رسالتك كما أسلفنا، وبحسب النموذج التخطيطي أو التنفيذي الذي سيعمل عليه القائمين على المشروع قد يتحول كل هدف استراتيجي الى رؤية مرحلية أو غير ذلك من التسميات الإدارية التي لا نركز عليها هنا.

ووفقا للحالة المصرية فجملة الأهداف الاستراتيجية المطلوب تحقيقها تتاليا أو توازيا لن تخرج عن هذه الأهداف:

١- إحياء الحالة الثورية أو الاحتجاجية بكل وسيلة ممكنة والعمل على تصاعدها ولو على مطالب جزئية.

٢- إعادة الثقة بين القيادة السياسية للمشروع والشعب إما بإيجاد قيادة جديدة للمعرضة أو الثورة أو إعادة انتاج القديمة على أسس جديدة، بحيث تكون القيادة ذات تأثير ومصداقية لدى الجمهور الثوري والشعبي.

٣- فضح كافة جرائم النظام وفتح كافة ملفات الفساد المتعلقة برموزه في الداخل والخارج.

٤ – التعاون مع المختلفين مع النظام من داخله أو أطرافه إذا كان على أرضية الحفاظ على الوطن وعدم انهياره وليس تقوية لهم على حساب المصالح العليا للوطن.

٥- زيادة المشروعية الأخلاقية والسياسية لرفض الانقلاب في مصر خارجيا بكل الطرق الممكنة٠

٦- تعظيم شبكة الحلفاء للثورة من معسكر رافضي “السيسي” في الداخل والخارج وتوطيد العلاقات معهم وفق آليات تضمن الحفاظ عليهم.

٧- تقديم البديل الملائم والموثوق لإدارة الدولة خلال الفترة الانتقالية، مع مراعاة أن من يقود الثورة ليس بالضرورة من يقود الدولة.

٨- طمأنة الخائفين من سقوط النظام الحالي من مؤسسات الدولة وشرائح المجتمع والقوى الخارجية خصوصا الغربية بما يكفي لتحييدهم على الأقل وإدارة نقاش واسع معهم حول تأمين مصالحهم بل زيادتها كذلك إن أمكن في حالة اختفاء السيسي من المشهد وبشرط جوهري عدم التنازل في مصالح الوطن العليا أو المساومة عليا وهذه ستكون معضلة كبيرة لتحقيق هذه المعادلة ولكن النقاش حولها جزء مهم وضروري للتقارب و التفاهم حتى لو لم يفض إلى اتفاق كلي أو حتى جزئي ولكن النقاش نفسه هدف ضروري في إدارة صراع من موقعين غير متكافئين.

٩ – الحفاظ على سلمية الحراك في المجمل مع تأكيد مشروعية الدفاع عن النفس لأن تسليح الثورة معركة خاسرة استراتيجيا بغض النظر عن المشروعية الدينية والأخلاقية لذلك وذلك لأسباب كثيرة ليس مكانها هنا وتحدثت عنها بشكل مفصّل في دراسة سابقة.

وممكّنات الفعل الميداني واسعة وعريضة ومعارك حرب اللاعنف فيها ما يكفي لتحقيق الحد الأدنى إن لم نستطع تحقيق الحد الأقصى المطلوب.

١١-التحرك على كافة المستويات خارجيا حقوقيا وإعلاميا وقانونيا وسياسيا لمواجهة الانقلاب ومحاصرته ونزع مشروعيته.

١٢- تحييد المؤسسة العسكرية أو تقليل نطاق المواجهة معها.

١٣- تكوين حكومة ظل محترفة تكون جاهزة لإدارة الدولة في أعقاب الإسقاط.

القيادة المطلوبة لإدارة الصراع

حين نتحدث عن قيادة لمشروع يعمل على حلّ الأزمة المصرية فنحن نتحدث عن مستويين من القيادة:

١- قيادة فكرية:

هو مجموعة من العقول التي تحترف التفكير الاستراتيجي بكل أبعاده ومدارسه ومهمتهم الأساسية هي كتابة المشروع ذاته وتأطيره فكريا وفلسفيا، كما تكون مهمتهم الإجابة عن الأسئلة التأسيسية للثورة والدولة و المجتمع بل حتى الإقليم والعالم.

فعلى سبيل المثال لا الحصر مهمة هذا المستوى من القيادة هو أن يعرّف الثورة المنشودة بشكل لا يحتمل اللبس أو التأويل، ما هي هويتها وملامحها وأفكارها، ما الهدف النهائي الذي تريد أن تصل إليه؟، ما علاقة الثورة بمحيطها الإقليمي والدولي وكيف تتفاعل معه؟

مهمتهم كذلك الإجابة عن الأسئلة الشائكة للثورة مثل:

ما هو شكل الدولة المنتظرة؟

هل ستكون إصلاح للقديم أم بناء جديد خالص؟

العدالة الانتقالية كيف ستُطبق و ما شكلها و حدودها؟

السلاح والثورة أين موقعه منها، غير موجود أم متقدم أم متأخر؟

مهمة هؤلاء ليس وضع إجابات تفصيلية ولكن وضع أطر عامة واضحة لما ينبغي أن تسير عليه الأمور، حتى تسير الثورة والسائرين في ركابها على بصيرة ولا تحرفهم التفاصيل اليومية والأحداث الضاغطة عن الهدف الذي يسعون إليه أو الإطار الذي يجب عليه أن يسيروا فيه لتحقيق الرؤية والرسالة التي أسلفنا الحديث عنها.

ليس مهمة هؤلاء أن يقودوا الثورة ولا ينبغي لهم ذلك، هم فقط موجهون ومرشدون وضابطون للحركة، وأقترح أن يكون المعهد المصري للدراسات بإسطنبول هو الحاضن لهذا المستوى من القيادة بما لديه من قدرات بحثية كبيرة ومتنوعة تؤهله للقيام بهذا الدور.

٢- قيادة سياسية

وهم مجموعة من محترفي العمل السياسي والإداري معا ومهمتهم أن يحوّلوا المشروع الفكري الذي أنتجته القيادة الفكرية إلى برامج وخطط ومشاريع قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، تراعي نقاط الضعف والقوة والفرصة المتاحة والإمكانيات والموارد والبيئة المحيطة والتهديدات المحتملة وغير ذلك من أدبيات التخطيط المعروفة ووفق الرسالة والرؤية والأهداف الاستراتيجية التي تحدثت عنها سابقا.

ونتيجة لتجارب طويلة معاشه داخل المعارضة المصرية عاشها كاتب هذه الورقة لن يتسنّى بشكل عملي إيجاد أو ظهور هذه القيادة إلا في حالة توافر عدة شروط حيوية ولازمة منها:

١- الكفاءة والأمانة لدى هذه القيادة، وليس هذا فحسب بل يجب أن يصل الإحساس بتوفر هاذين العنصرين لدى جموع المعارضة وخاصة الشباب، لأن هذين العنصرين يترتب عليهما رابط مهم وهو الثقة في قدرة هذه القيادة السياسية على إدارة الصراع وبالتالي يكون لدى المؤمنين بهذه القيادة القدرة على البذل والتضحية لإنجاح المشروع.

فالمشروع يعتمد في نجاحه بعد الله على تبنيه من قبل شرائح واسعة من النخب والشعب ولن يحدث تبني دون توفر الثقة الكافية فيمن يقود هذا المشروع.

وهذه القيادة لا يوجد في رأيي سوى ثلاث طرق عملية لإيجادها:

أ) الطريقة الأولى:

إمّا ستفرض نفسها فرضا على المشهد كما فعل محمد علي مثلا [3]مع الفارق طبعا بين النموذجين، ولكنها حتّى تنجح في فرض نفسها لابد أن تتوافر لديها ثلاث نقاط حيوية:

١- المشروع في مستواه الفكري كما تحدثنا عنه فسيكون دورهم هنا أن يتحول المشروع لفكرة ملهمه يتبناها الشعب ويلتف حولها ويؤمن بقدرتها على تحقيق الخلاص ولو نسبيا.

٢- الموارد المالية والبشرية الكافية للترويج للمشروع ولنفسها كقيادة وللدفاع عن نفسها أمام خصومها وهم كُثر.

٣- حالات نجاح صغيرة ومتتالية تبني بها الثقة والمصداقية بينها وبين النخبة والشعب.

ب) الطريقة الثانية:

لإيجاد هذه القيادة هي أن تُزّكيها مجموعة من الرموز التي لا يزال الناس يثق فيها ويعتبرها ملهمة له داخل مصر وفي عالمنا العربي والإسلامي بحيث يقولوا للناس أننا نثق في قدرة هؤلاء على إدارة الأزمة فتعاونوا معهم وابذلوا معهم كل ما تملكون لإنقاذ الوطن.

هذه الطريقة ستوفر الكثير من الجهد والوقت وحتى المال لظهور هذه القيادة وبدء قيادتها للمشروع في شقه السياسي لأنّ الثقة ستنتقل بطبيعة الحال من هذه الرموز الملهمة للناس إلى القيادة السياسية الجديدة وبالتالي ستتوافر بقية العناصر الضرورية كالمال والموارد البشرية وغير ذلك.

ج) الطريقة الثالثة:

أن تصطف مجموعة من كيانات المعارضة الحالية معا ولكن كلمة “الاصطفاف” هذه أصبحت كلمة سيئة السمعة نظرا للفشل في تحقيقها خلال السنوات السابقة، كما أنّ الشعب أصبح لا يثق نهائيا في الغالبية العظمى من هذه الكيانات وشخوصها وبالتالي ما الحل حتى يمكننا إيجاد قيادة سياسية من وسط هذه البيئة الصعبة؟؟

الحل من وجهة نظري يكون في الخطوات التالية:

١- أن يتفقوا أولاً على الجهة أو المجموعة التي سيُسند إليها كتابة المشروع فكريا وهذه نقطة الخلافات فيها ستكون محدودة فلا يوجد هنا حديث عن تكليفات أو أدوار سياسية أو توازنات يراعيها كل طرف.

٢- بعد كتابة المشروع (فكريا) يبدأ النقاش حوله ضمن مدى زمني محدد حتى يتفق على صورته النهائية التي سيلتزم الجميع “كتابيا” بالعمل وفق ما فيه من سياسات أو أفكار ولا يخرج عنها ومن لم يعجبه سينسحب من البداية وبالتالي تقلّ الخلافات المنهجية والفكرية بين كيانات المعارضة أو شخصياتها.

٣- نصل إلى النقاط الأهم والمحورية وهي اختيار لجنة للرقابة والتحكيم لا تشارك في أعمال القيادة السياسية أو التجمع الجديد للمعارضة ولا حتّى تبدي رأيها في أعماله.

ويكون دورها هو توثيق محاضر الاجتماعات ومواقف كل طرف أو شخص في هذا التجمع وفي حالة حدوث خلاف أو إشكالية داخلية يكون من حقها وحدها التحقيق وإصدار الحكم وفرض العقوبة بما فيها التشهير بالمخطئ والمقصّر في أداء دوره.

وطبعا يجب على كل كيان أو شخص منضوٍ في التجمع الجديد أن يوقّع على قبوله التام بأحكام هذه اللجنة وما يصدر عنها من قرارات.

هذه اللجنة بطبيعة الحال يجب أن يتوفر لديها كافية الموارد والصلاحيات التي تعطيها استقلاليتها وفاعليتها لأداء عملها.

كل من لديه أسباب موضوعية لعدم الاشتراك أو غير موضوعية وينوي العبث بالتجمع الجديد أو تحركه الأجهزة الأمنية أو لديه حسابات ليست بريئة سيخاف أن يفتضح أمره ويتم التشهير به وبالتالي في الغالب لن يدخل في هذا التجمع وإن دخل سينسحب بهدوء ودون ضجيج أو إحداث فتنة وبالتالي تقل الخلافات ولن تنعدم بطبيعة الحال ولكن على الأقل يتوفر جوّ صحي لتحقيق الاصطفاف الذي تنتظره الجماهير منذ سبع سنوات عجاف.

وبذلك يكون التجمع المعارض الجديد قد نجح في أهم نقطتين يحتاجهما لتحقيق النجاح وضمان استمراره؛ أولاً، توافر المشروع الفكري الذي يمثل خارطة طريق واضحة له للعمل والحركة؛ وثانياً، طريقة عملية لإدارة خلافاته ومنع تفجره من داخله ويتبقى أداؤه الفعلي الذي سيكسبه ثقة الجماهير ويمكّنه من قيادتها مرة أخرى لإنجاح المشروع وإنقاذ الوطن.

وعند هذه النقطة نكون قد وضّحنا رسالة المشروع ورؤيته وأهدافه الاستراتيجية ثم تحدثنا عن القيادة التي ستعنى بتنفيذه في شقيها الفكري والسياسي وكيفية إيجادها والآن نتحدث عن أطر (الحركة) الاستراتيجية لإدارة الصراع كجزء أصيل من الجانب الفلسفي والفكري للمشروع المنشود.

أطر الحركة للمشروع المنشود:

١) يعمل داخل النظام العالمي ويلتزم بخطوطه الحمراء وحتى إذا تقاطعت معه فستكون بمستوى “المناكفة” وليس “الإفناء” وهو أمر حتمي لإنجاح المشروع.

وعدم مصادمة النظام العالمي قد تستفز كثيراً من الشباب وأصحاب العواطف الجياشة ولكن وفق عوامل الضعف والقوة وبيئة الصراع يصبح الصدام تحدياً، ولا يوجد نموذج في المنطقة تبنّى الصدام المباشر و”بقي” ولا يوجد نموذج كذلك تجنّب الصدام و”نجح” وحاليا قد يكون “البقاء” مع تحقيق سٌلّم أهداف منخفض عن المأمول أفضل من “الإفناء” مع عدم تحقيق أي شيء؛ فإدارة الضعف غير إدارة القوة.

٢) لا يعتمد على فصيل سياسي بعينه فهي يتحرك بشكل احترافي متناغم مع الجميع وللجميع، بل يعتبر وجود فصيل معين يسيطر عليه هو إعلان وفاة له قبل بدايته.

٣) ينقل ثقل الحراكي الثوري من الداخل إلى الخارج بحيث يكون الحراك في غالبه الأعم في الخارج في مراحله الأولى لتجاوز عقبة التضييق الأمني في الداخل ثم ينتقل إلى الداخل تدريجيا مع تحقق أهداف كل مرحلة، فالتغيير سيصنع في الداخل في النهاية.

٤) المشروع قائم على العمل المؤسسي المحترف المرخصّ قانونا في الدول التي ينفذ فيها ويلتزم بإطارها القانونية حتى يكتب له ولأصحابه الاستمرار.

٥) المشروع يعتبر القوى الناعمة بأذرعها المختلفة السياسية والإعلامية والقانونية والحقوقية هي أداته الرئيسية لتحقيق أهدافه.

٦) المشروع في جانبه الفكري يجب أن يعالج كل الشبهات المطروحة ونقاط الضعف ويقدم له حلولاً عملية.

٩) المشروع يعمل على توظيف الجميع فلكل من يريد المساعدة في تنفيذه له مكان ودور.

١٠) المشروع عمليا لا يمكن إفشاله من قبل النظام، ولكن يمكنهم فقط مهاجمته ومناكفته دون وقفه أو تعويقه ما دام القائمون عليه حريصين على عدم الصدام مع النظام العالمي وكذلك على تقنين آليات عمله.

١١) التوظيف الأمثل للشباب في الداخل والخارج وإكسابهم الكفاءة والمهارة اللازمة.

١٢) توظيف تكنولوجيا المعلومات بشكل احترافي سواء في الإدارة أو التوجيه والتأثير، فاستخدام التكنولوجيا لم يعد رفاهية بل حتمية في إدارة الصراعات.

تصوّر إجرائي مقترح للبدء في المشروع:

١- تتضافر مجموعة مخلصة متجردة صغيرة للقيام بالحركة وفق مسارين:

المسار الأول: إقناع مجموعة أو جهة تتوافر فيها كفاءة إنتاج المشروع (فكريا) خلال مدى زمني محدد.

المسار الثاني: هذه المجموعة إمّا تعتبر نفسها (القيادة السياسية) شرط أن يتوافر فيها العناصر التي تحدثنّا عنها في الطريقة الأولى والثانية لمؤهلات هذه القيادة. وإمّا تعتبر نفسها في مهمة البحث عن “نواة” لهذه القيادة السياسية وفق نفس الشروط مرة أخرى. أو تعتبر نفسها محفزّة لكيانات معارضة لتبنّي الطريقة الثالثة لصناعة القيادة السياسية بكافة ضوابطها حتى يكتب لها النجاح والاستمرار.

٢- خلال هذه الفترة التي يجب ألا تزيد عن ثلاثة أشهر من العمل الجاد سيكون مهما أن يتوفر خلالهم موارد مالية وبشرية في حدّهما الأدنى للترويج للمشروع الفكري وللقيادة السياسية التي ستنشأ وفق إحدى الطرق الثلاثة السابقة.

ولحل هذه الإشكالية ستحتاج هذه “المجموعة المحفّزة” إلى التشبيك مع الكيانات الإعلامية لتقليل النفقات؛ فالمورد المالي سيذهب غالبه للعمل الإعلامي والعلاقات العامة في الأشهر الأولى وكلما نجحت هذه المجموعة المحفّزة في التنسيق مع المؤسسات الإعلامية كلّما وفّرت وقت وجهد كبيرين، وكلّما كان المشروع الفكري ناضجا والقيادة السياسية على مستوى التحدي كلّما حُلت مشكلة الموارد المالية والبشرية تدريجيا.

٣- يجب أن يكون الهدف المرحلي لعامين على الأقل هو ملف المعتقلين أو حقوق الإنسان عموما في مصر لأنّ هذا هو الهدف الذي لا اختلاف عليه كما أنّه يمكن من خلاله فتح قنوات مهمة مع المجتمع الدولي من خلاله دون حساسيات.

وأعتقد أنه مفهوم بالضرورة أنّ هذا ليس الهدف الوحيد للقيادة السياسية خلال هذه المرحلة ولكنه الهدف “الممكن” البدء به وبناء خبرات وصلات من خلاله، فضلا عن إعطاء الوقت الكافي لبناء “القدرة” و”الفاعلية” لكافة مراحل المشروع وأهدافه.

٤- بهذا سيكون لدينا خلال فترة ليست كبيرة مشروع للتغيير في مصر وقيادة على مستوى التحدي تتبنى هذه المشروع وتعمل على إنجازه.


الهامش

[1] – نشرت دراسة سابقة تحت عنوان “إشكاليات المعارضة المصرية: البحث عن حلول “بالمعهد المصري للدراسات، و فيه تشخيص لواقع المعارضة المصرية في الداخل و الخارج.

[2] -أظهرت الإحصاءات والأرقام التي أوردها تقرير ل(الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان) التوسع في إنشاء السجون لتصل لقرابة ٦٧ سجنا إضافة إلى مراكز الاحتجاز غير القانونية و أكد التقرير أن المعتقلين والمحتجزين١٠٩ آلاف مسجون منهم ٦٠ألف مسجون سياسي، مقابل ٤٩ ألف جنائي ، المصدر : شكاوى من عدم اتساع سجون مصر لمعتقلي المظاهرات ، الجزيرة مباشر ، تاريخ التصفح ٢٠/١٢/٢٠٢٠.

[3] – يمكن الرجوع للورقة التي كتبتها حول حراك محمد علي لمزيد من التفاصيل حول الموضوع تحت عنوان “حراك محمد علي: جدل الفرضيات والتفسيرات ” المعهد المصري للدراسات .

د. ممدوح المنيّر

· رئيس الأكاديمية الدولية للدراسات و التنمية ، · مدير المركز العربى للدراسات ( القاهرة – مصر الجديدة ) ، · مدير تحرير مجلة منبر الشرق ( للشئون السياسية و الإستراتيجية ) ، · خبير و مدرب دولى بدرجة ( أستاذ ) فى مجالة التنمية البشرية ب ( منظمة اليونيسكو الدولية ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى