ترجمات

ويتني ويب من وراء اختيار ترامب لمن سيشغل منصب نائب الرئيس


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


نشر موقع أن ليميتد هانج أوت (دردشة مرئية لا محدودة)، وهو موقع إخباري مستقل يتبنى صحافة استقصائية مستقلة وغير خاضعة للرقابة، ويبحث بعمق في مواضيع مثل الحرب البيولوجية، والدولة العميقة وأجهزة المخابرات، والابتزاز، وغيرها، في 18 يوليو 2024 تقريراً هاماً بعنوان: “الرجل الذي يقف وراء اختيار ترامب لمنصب نائب الرئيس: الأمر أسوأ مما تعتقد”، للصحفية الاستقصائية “ويتني ويب”.

ويتني ويب هي كاتبة وباحثة وصحفية استقصائية محترفة منذ عام 2016، حيث كتبت لعدة مواقع إلكترونية، ومن عام 2017 إلى عام 2020، كانت كاتبة ومراسلة استقصائية كبيرة في مينت برس نيوز. وهي محررة مساهمة في موقع أن ليميتد هانج أوت ومؤلفة كتاب “أمة واحدة تحت الابتزاز”. كما أنها تستضيف بودكاست مستقل باسم “أن ليميتد هانج أوت”، حيث تتناول الحريات المدنية وتقوم بتسليط الضوء على القضايا التي لا تحظى بالتغطية الكافية وإيجاد أرضية مشتركة بين الأشخاص من مختلف الانتماءات السياسية فيما يتعلق بالفساد، والتجاوزات الحكومية، وانعدام مساءلة الجيوش ووكالات الاستخبارات، والمجمع الصناعي العسكري.

توطئة

لهذا التقرير أهمية كبيرة، فهو، ليس فقط يشرح خلفية اختيار جي دي فانس كمرشح لمنصب نائب الرئيس، ولكنه يوضح جوانب هامة في كيفية تحكم “الدولة العميقة”، أو “دولة المراقبة” كما تطلق عليها ويب، في إدارة الشئون السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية، وكيفية توظيف أدوات الدولة، ثم المنظومة المالية الخاصة العملاقة في مراقبة كافة الأمريكيين والتحكم في خياراتهم المختلفة، وذلك بدراسة حالة من يقف وراء اختيار الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الرئاسي الحالي عن الحزب الجمهوري دونالد ترامب، للسيناتور الأمريكي من ولاية أوهايو جي دي فانس، صغير السن، والذي لايزال في منتصف دورته الأولى في مجلس الشيوخ، ليشغل منصب المرشح لنائب الرئيس. ترى ويتني ويب أنه “على الرغم من أن لدى جي دي فانس قضاياه الخاصة المثيرة للجدل، إلا أن علاقته الوثيقة بالملياردير المثير للجدل بيتر ثيل، الذي من المتوقع أن يكون له تأثير كبير على إدارة ترامب الجديدة، نظرا لعلاقته الوثيقة بترامب نفسه، وبالدور المتوقع منه في اختيار الفريق المعاون له، يجب أن تزعج بشدة كل أمريكي يهتم بالحرية والخصوصية وكبح جماح دولة المراقبة”.

وتشير ويتني ويب إلى أن الملياردير ثيل (وهو أول مستثمر خارجي في الفيسبوك عند تأسيسه، كما كان أحد مؤسسي منصة الباي بال) هو من قام بالأساس “باستقطاب فانس بينما كان فانس لا يزال طالباً في كلية الحقوق بجامعة ييل. وبعد ذلك بوقت قصير، انضم فانس إلى شركة ثيل الاستثمارية، ميثريل كابيتال، حيث عمل لمدة عامين قبل انضمامه إلى شركة ريفليوشن فنشرز”. وتقول إن “فانس لعب دوراً رئيسياً في صندوق “رايز أوف ذا رست” التأسيسي التابع لشركة ريفليوشن فنشرز والذي كان من بين كبار المستثمرين فيه جيف بيزوس من أمازون وعائلة والتون من وول مارت، الذين يتمتعون بعلاقات قوية وطويلة مع عائلة كلينتون”.

وتُضيف أنه حتى عندما أطلق فانس لاحقاً شركته الخاصة برأس المال الاستثماري، “ناريا كابيتال”، في عام 2020، فإنه قد “تم تمويلها بشكل كبير من قبل ثيل، وكذلك الرئيس التنفيذي السابق لشركة جوجل إريك شميدت”. و تقول إن شميدت وثيل هما عضوان قياديان رئيسيان في اللجنة التوجيهية لمؤتمر بيلدربيرج المثير للجدل (والذي يصفه أصحاب نظرية المؤامرة بأحد المجموعات التوجيهية لما يقال أنه “مجلس إدارة العالم”). وكانت مجلة نيوزويك قد وصفت شميدت وثيل بأنهما “الشخصيتان الأكثر تأثيراً” في بيلدربيرج.

وتقول ويب إن ثيل قد قدم تبرعات ضخمة لفانس خلال مسيرته السياسية، حيث “قدم 15 مليون دولار لمحاولة فانس الناجحة للوصول إلى مجلس الشيوخ في الدورة الانتخابية لعام 2022، حيث كان آنذاك أكبر تبرع يتم تقديمه على الإطلاق لمرشح واحد في مجلس الشيوخ”. كما أن “ثيل اصطحب فانس، الذي لم يكن أبداً “مؤيداً لترامب” في السابق، في زيارة إلى منتجع مارالاجو الخاص بترامب، حيث نجح فانس في الحصول على مباركة الرئيس السابق”. وقام ثيل أيضاً بـ “ربط فانس بأعضاء آخرين مما يسمى مافيا “باي بال“، مثل ديفيد ساكس الذي تبرع بمليون دولار لفانس واستضاف حملة لجمع التبرعات له”.

وأضافت ويتني ويب أن هناك تقارير بأن ديفيد ساكس، جنباً إلى جنب مع إيلون ماسك، المؤسس المشارك لـ “باي بال“، كانا عاملاً رئيسياً في اختيار ترامب لفانس لمنصب نائب الرئيس حيث أداروا “حملة ضغط سرية” لصالح فانس والتي ضمّت أيضاً الإعلامي الأمريكي البارز تاكر كارلسون (والذي يقوم حاليا بدور بارز في حملة ترامب وتوجيه خطابها الإعلامي).

ويبرز التقرير كيفية تطور “دولة المراقبة” منذ فترة الرئيس الأسبق دونالد ريجان، وكيف تطورت مشاريعها المختلفة بين النجاح والفشل، وصولا إلى مرحلة التحكم التي هي عليه الأن، بسبب جهود “ثيل” لإعادة تأطير بعض التوجهات الشمولية وغير الدستورية لاستهداف المعارضة الداخلية من قِبل مجتمعات الاستخبارات، والتي استفادت من التطور الحادث في التكنولوجيا القائمة على الذكاء الإصطناعي، والتعرف على الوجه، وغيرها، وعن الدور الذي تقوم به مؤسسة بالانتير PALANTIR العملاقة في هذا الأمر، وغيرها من الشركات المدعومة من ثيل، وتكشف دور المليادير بيتر ثيل (اليهودي الأصل، والمثلي الجنس) في هذه المنظومة، وفي التحكم في السياسة الأمريكية عن طريق دعمه لكلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري على أعلى المستويات.

كما تكشف ويتني ويب كيف أن إسرائيل ضالعة في هذا المنظومة، مما يكشف أن التأثير الإسرائيلي على السياسة الأمريكية يتجاوز مجرد جماعات الضغط، ولكن يتداخل بشكل عضوي في مفاصل الدولة العميقة بما يشكل تداخلا إسرائيليا صهيونيا أصيلا في مفاصل إدارة الدولة في الولايات المتحدة.

وتوضح ويب في النهاية، كيف يمكن أن يكون هناك خداع لمؤيدي ترامب من الشعبويين الذين لا يدركون هذه الأبعاد، بينما سياسات المؤسسات الداعمة لترامب والتي يقودها ثيل وأمثاله، هي بالأساس لا تصب في مصلحة رغبات مؤيدي “جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى MAGA” بل في مصلحة الدولة العميقة التي تعمل ضد توجهاتهم، بل وتوجهات الليبراليين والأقليات على الجانب الأخر أيضا، وتكرس الهيمنة والسيطرة التامة على المجتمع من قوى “دولة المراقبة”.

هذا بالإضافة إلى العديد من التفاصيل الأخرى الدقيقة التي وردت في هذا المقال الهام، الذي جاء على النحو التالي:

بعد الكشف مؤخراً عن اختيار دونالد ترامب لجيه دي فانس للترشح لشغل منصب نائب الرئيس، لم يتجه انتباه الرأي العام نحو فانس فحسب، بل أيضاً إلى الملياردير بيتر ثيل. حيث كان فانس واحداً من العديد من أتباع ثيل البارزين الذين برزت صورتهم في السنوات الأخيرة، مع أتباع آخرين للمؤسس المشارك لموقع ” باي بال” PayPal، موقع تحويل الأموال عبر الإنترنت؛ بما في ذلك سام ألتمان من مؤسسة “أوبن أيه آي” OpenAI، المهتمة بأبحاث الذكاء الاصطناعي؛ و بالمر لوكي من شركة “أندوريل” Anduril، المتخصصة في الصناعات العسكرية والتي تركز على دمج البرمجيات المتطورة مع العتاد العسكري.

وأشارت تقارير صدرت مؤخراً أيضاً إلى أن ثيل قام أولاً باستقطاب فانس في نطاق دائرته بينما كان فانس لا يزال طالباً في كلية الحقوق بجامعة ييل. وبعد ذلك بوقت قصير، انضم فانس إلى شركة ثيل الاستثمارية ميثريل كابيتال، حيث عمل لمدة عامين قبل انضمامه إلى شركة ريفليوشن فنشرز. ولعب فانس دوراً رئيسياً في صندوق “رايز أوف ذا رست” التأسيسي التابع لشركة ريفليوشن فنشرز والذي كان من بين كبار المستثمرين فيه جيف بيزوس من أمازون وعائلة والتون من وول مارت، الذين يتباهون بعلاقاتهم العميقة طويلة الأمد مع عائلة كلينتون. وأطلق فانس لاحقاً شركته الخاصة برأس المال الاستثماري، “ناريا كابيتال“، في عام 2020، والتي تم تمويلها بشكل كبير من قبل ثيل وكذلك الرئيس التنفيذي السابق لشركة جوجل إريك شميدت.

كان شميدت، أحد كبار المانحين الديمقراطيين، هو اليد الموجِّهة وراء سياسة العلوم والتكنولوجيا لإدارة بايدن، والذي هيمن على تطوير سياسات الذكاء الاصطناعي للجيش الأمريكي ومجتمعات الاستخبارات الأمريكية، إلى حد كبير من خلال قيادته لـ “لجنة الأمن القومي للذكاء الاصطناعي” NSCAI. وكما ذكر موقع “أن ليميتد هانج أوت” سابقاً، فقد روّجت لجنة الأمن القومي بقيادة شميدت لسياسات مثل نهاية تملك السيارات الخاصة والتسوق الشخصي في الولايات المتحدة، لتعزيز اعتماد الأمريكيين للذكاء الاصطناعي باعتباره ضرورة أمنية قومية مفترَضة في الفترة التي سبقت الإغلاقات المصاحبة لتفشي فيروس كورونا. ويُعدّ كل من شميدت وثيل عضوين رئيسيين في اللجنة التوجيهية لمؤتمر بيلدربيرج المثير للجدل والمغلق والعولمي بشكل علني. ووصفت مجلة نيوزويك ذات مرة شميدت وثيل بأنهما الشخصيتان الأكثر تأثيراً في بيلدربيرج.

وتبرع ثيل بشكل كبير لمسيرة فانس السياسية، حيث قدم 15 مليون دولار لمحاولة فانس الناجحة للوصول إلى مجلس الشيوخ في الدورة الانتخابية لعام 2022 فيما كان آنذاك أكبر تبرع يتم تقديمه على الإطلاق لمرشح واحد في مجلس الشيوخ. واصطحب ثيل فانس، الذي لم يكن أبداً “مؤيداً لترامب” في السابق، في زيارة إلى منتجع مارالاجو الخاص بترامب حيث نجح فانس في الحصول على مباركة الرئيس السابق. وقام ثيل أيضاً بربط فانس بأعضاء آخرين مما يسمى مافيا “باي بال”، مثل ديفيد ساكس الذي تبرع بمليون دولار لفانس واستضاف حملة لجمع التبرعات له. ويُزعم أن ساكس، جنباً إلى جنب مع إيلون ماسك، المؤسس المشارك لـ “باي بال”، كانا عاملاً رئيسياً في اختيار ترامب لفانس لمنصب نائب الرئيس حيث أداروا “حملة ضغط سرية” لصالح فانس والتي تضمنت أيضاً الإعلامي البارز تاكر كارلسون.

كان “ثيل” مانحاً رئيسياً لحملة ترامب الرئاسية لعام 2016 وعمل في فريق ترامب الانتقالي، مع شخصيات أخرى مرتبطة بـ “ثيل” مثل تراي ستيفنز التي أثرت بشكل كبير على تعيينات ترامب في البنتاجون. كما ساعد نفوذ ستيفنز في البنتاغون ترامب على تطوير علاقة الجيش مع شركة أندوريل الممولة من “ثيل”، والتي شارك في تأسيسها ستيفنز وزميل “ثيل”، بالمر لوكي. وقبل “أندوريل”، قام لوكي بتطوير نظام الواقع الافتراضي “أوكيلوس ريفت”، وهو جهاز واقع افتراضي عبارة عن شاشة تركّب على الرأس، والذي تم بيعه لاحقاً إلى فيسبوك، حيث عمل “ثيل” بعد ذلك في مجلس الإدارة. وتقوم شركة أندوريل الآن ببناء “جدار حدودي افتراضي” للحكومة الفيدرالية، وقد تخلى ترامب، الذي قام بحملة طويلة لبناء حاجز مادي على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، عن هذا الوعد الذي قطعه على نفسه خلال فترة ولايته الأولى ويدعم الآن الحل الدقيق الذي تروج له أندوريل.

كما لعبت طائرات أندوريل بدون طيار دوراً رئيسياً في العمليات العسكرية الأوكرانية خلال الصراع الروسي الأوكراني، كما فعلت شركات أخرى مثيرة للجدل وممولة من “ثيل” مثل “بالانتير PALANTIR” (المتعاقدة مع وكالة المخابرات المركزية) و “كلير فيو
إيه آي”، التي استخدمت بشكل أساسي الصور المنشورة على فيسبوك (وهي شركة أخرى مدعومة من “ثيل”) لتطوير قاعدة بيانات للتعرف على الوجه. وقد تؤثر العلاقات الوثيقة بين هذه الشركات والجيش الأوكراني على سياسات إدارة ترامب الثانية فيما يتعلق بالدعم الأمريكي لأوكرانيا، خاصة إذا قُدّر لـ “ثيل” أن يتمتع بنفوذ كبير آنذاك. أما خارج أوكرانيا، فتعمل هذه الشبكة من شركات الدفاع التي يمولها “ثيل” على إعادة تشكيل وجه الحروب وتستبدل عملية صنع القرار البشري بالذكاء الاصطناعي ببطء ولكن بثبات.

وعلى الرغم من أن هذه العلاقات يمكن أن تكون مقلقة في حد ذاتها، إلا أن التأثير المحتمل لـ “ثيل” على إدارة ترامب القادمة يجب أن يثير قلق كل أمريكي، بغض النظر عن موقعهم في الطيف السياسي الأمريكي، وذلك بسبب جهود “ثيل” لإعادة تأطير بعض التوجهات الشمولية وغير الدستورية لاستهداف المعارضة الداخلية من قِبل مجتمعات الاستخبارات.

“ثيل” للتوعية المعلوماتية

وبينما قام “بيتر ثيل” بتسويق نفسه منذ فترة طويلة باعتباره ليبرالياً، إلا أن سجلّه الحافل من “باي بال“ كشف أنه بدلاً من ذلك كان مهندس دولة المراقبة الحديثة وخليفة لعصابة المحافظين الجدد التي حاولت ذات يوم (لكنها فشلت) أن تفعل الشيء نفسه. فخلال الأيام الأولى لـ “باي بال“، ذهب ثيل وزملاؤه إلى مختلف الوكالات الحكومية، بما في ذلك وكالات الاستخبارات، لمعرفة كيف يمكنهم تصميم منتجاتهم على أفضل وجه للفوز بالدعم الحكومي (والعقود) لمنتجاتهم وخدماتهم. وبعد ترك “باي بال“، اتبع ثيل مساراً مشابهاً في إنشاء شركة أخرى، وهي “بالانتير”، حيث تُعتبر “بالانتير” هي المحرك الذي تعمل عليه دولة المراقبة. وبعد فترة وجيزة من الإعلان عن اختيار ترامب فانس لترشيحه نائباً له، تواردت تقارير بأن جو لونسديل، المؤسس المشارك لشركة “بالانتير”، وكذلك شركة “بالانتير” نفسها كانا يدعمان لجنة العمل السياسي الفائقة الخاصة بترامب-فانس والتي تسمى “أميركا باك”.

وقام موقع “أن ليميتد هانج أوت” بإعداد تقارير مكثفة عن ثيل و بالانتير لعدة سنوات. وكما تمت الإشارة إليه في تقارير سابقة، فقد تم إنشاء الشركة لتكون النسخة المخصخصة من برنامج مراقبة ما بعد 11 سبتمبر الذي حلم به مجرمو إيران كونترا المسؤولون عن قاعدة البيانات الأساسية غير الدستورية. خلال إدارة ريغان، قام الأفراد الذين كانوا في قلب فضيحة إيران-كونترا بتطوير قاعدة بيانات تسمى النواة الرئيسية (Main Core)، والتي وضعت بقوة دولة الأمن القومي الأمريكية على مسارها الحالي الذي تغذيه التكنولوجيا لسحق المعارضة. صرح مسؤول حكومي كبير حاصل على تصريح أمني رفيع المستوى وخدمة في خمس إدارات رئاسية لمجلة “رادار” في عام 2008 أن النواة الرئيسية كانت “قاعدة بيانات للأمريكيين، الذين غالباً ما يعتبرون غير ودودين، لأسباب بسيطة وتافهة، والذين، في كثير من الأحيان، قد يتم سجنهم وقت التوترات. حيث يمكن لقاعدة البيانات تحديد أشخاص ومواقع “أعداء الدولة” بشكل فوري تقريباً.

وتم تطوير “النواة الرئيسية” بشكل صريح للاستخدام في برنامج “بروتوكولات استمرارية الحكومة”  Continuity of Government(COG) من قبل الشخصية الرئيسية في إيران-كونترا أوليفر نورث وحلفائه الذين أداروا جهاز استخبارات “خارج السجلات” بمشاركة مباشرة من وكالة المخابرات المركزية المعروفة باسم “المؤسسة”. واستخدم نورث ورفاقه “بروتوكولات استمرارية الحكومة” و “النواة الرئيسية” لتجميع قائمة بأسماء المعارضين الأمريكيين و”مثيري الشغب المحتملين” ليتم التعامل معهم إذا تم استدعاء “بروتوكولات استمرارية الحكومة”. ومن المثير للقلق أن هذه البروتوكولات يمكن الاستناد إليها لمجموعة متنوعة من الأسباب، بما في ذلك المعارضة الشعبية الواسعة النطاق وغير العنيفة للتدخل العسكري الأمريكي في الخارج، أو المعارضة الداخلية واسعة النطاق، أو لحظة محددة بشكل غامض من “الأزمة الوطنية” أو “وقت الذعر”. وفي وقت لاحق، هاجم نورث إدارة ترامب، وانضم إلى مؤسس شركة بلاك ووتر السابق إريك برينس في محاولة للضغط على الإدارة لإنشاء وكالة مخابرات مركزية خاصة “خارج السجلات”. وقد حاول عضو الكونجرس جاك بروكس سؤال أوليفر نورث عن “بروتوكولات استمرارية الحكومة” خلال جلسات استماع إيران-كونترا عام 1987، لكن تم منعه من القيام بذلك.

واستخدمت “النواة الرئيسية” برنامج “بروميس”، الذي تمت سرقته من مالكيه في شركة “إنسلو”. من قبل كبار مسؤولي المخابرات الأمريكية ريجان ومسؤولي المخابرات الأمريكية بالإضافة إلى رئيس المخابرات الإسرائيلية رافي إيتان. كما شارك بشكل وثيق في فضيحة “بروميس” بارون الإعلام و”الجاسوس الخارق” الإسرائيلي روبرت ماكسويل، والد جيسلين ماكسويل والذي يُقال إنه الرجل الذي جلب جيفري إبستاين إلى فلك المخابرات الإسرائيلية. ومثل “بروميس”، فقد ضمت “النواة الرئيسية” المخابرات الأمريكية والإسرائيلية على حد سواء، وكانت بمثابة نهج بيانات كبير لمراقبة المعارضين المحليين.

وتم الكشف عن فضائح إيران-كونترا و “بروميس”، ولكن تم التستر عليها في وقت لاحق، إلى حد كبير من قبل المدعي العام الأمريكي آنذاك ويليام بار، الذي سيعود للعمل في نفس المنصب خلال إدارة ترامب. واستمر استخدام “النواة الرئيسية” من قبل الحكومة الفيدرالية واستمرت في جمع البيانات. ولم يكن من الممكن استغلال هذه البيانات واستخدامها بشكل كامل من قبل مجتمع الاستخبارات إلا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، الأمر الذي أتاح فرصة ذهبية لاستخدام مثل هذه الأدوات ضد السكان المحليين في الولايات المتحدة، وكل ذلك تحت ستار مكافحة “الإرهاب”. وعلى سبيل المثال، ففي أعقاب أحداث 11 سبتمبر، تم تداول تقارير بأن مسؤولين حكوميين رصدوا الوصول إلى “النواة الرئيسية” بواسطة أجهزة كمبيوتر البيت الأبيض.

كما تم استخدام أحداث 11 سبتمبر كذريعة لإزالة “جدران الحماية” المعلوماتية داخل دولة الأمن القومي، وتوسيع “تبادل المعلومات” بين قواعد بيانات الوكالات، وبالتالي توسيع كمية البيانات التي يمكن الوصول إليها وتحليلها بواسطة الأجهزة الأساسية الرئيسية و نظائرها. وكما أشار “آلان ويد”، الذي كان حينها يشغل منصب كبير مسؤولي المعلومات في وكالة المخابرات المركزية، بعد فترة وجيزة من أحداث 11 سبتمبر: “إن أحد أهم موضوعات ما بعد 11 سبتمبر هو التعاون وتبادل المعلومات. نحن نبحث عن الأدوات التي تسهل التواصل بطرق غير متوفرة لدينا اليوم”.

وفي محاولة للبناء على هذين الهدفين بعد أحداث 11 سبتمبر في وقت واحد، حاولت وزارة الأمن القومي الأمريكية إنشاء برنامج مراقبة “عام-خاص” شديد التدخل لدرجة أن الكونجرس أوقف تمويله بعد أشهر فقط من إنشائه بسبب مخاوف من أنه سيدمر بالكامل الحق في الخصوصية في الولايات المتحدة. وسعى البرنامج، الذي أطلق عليه اسم الوعي المعلوماتي الشامل” (TIA)، إلى تطوير جهاز مراقبة “يرى كل شيء” تديره “وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية” (DARPA) التابعة للبنتاجون. وزعم أنصار “الوعي المعلوماتي الشامل” أن المراقبة المشددة لكامل سكان الولايات المتحدة كانت ضرورية لمنع الهجمات الإرهابية، وأحداث الإرهاب البيولوجي، وحتى تفشي الأمراض التي تحدث بشكل طبيعي (مثل الأوبئة) قبل أن تحدث.

كان مهندس برنامج “الوعي المعلوماتي الشامل”، والرجل الذي قاده خلال فترة وجوده القصير نسبياً، هو جون بويندكستر، الذي اشتهر بكونه مستشار الأمن القومي لريجان أثناء فضيحة إيران كونترا وإدانته بخمس جنايات فيما يتعلق بتلك الفضيحة. وقد ادعى بويندكستر، خلال جلسات الاستماع الخاصة بإيران-كونترا، أنه كان من واجبه حجب المعلومات عن الكونجرس.

وفيما يتعلق بـ “الوعي المعلوماتي الشامل”، فقد كان أحد حلفاء بويندكستر الرئيسيين هو كبير مسؤولي المعلومات في وكالة المخابرات المركزية، آلان ويد. فقد التقى ويد مع بويندكستر فيما يتعلق بـ “الوعي المعلوماتي الشامل” عدة مرات وأدار مشاركة ليس فقط مع وكالة المخابرات المركزية ولكن جميع وكالات الاستخبارات الأمريكية التي وقّعت لإضافة بياناتها كـ “عقد” إلى “الوعي المعلوماتي الشامل”، وفي المقابل، تمكنت من الوصول إلى أدواتها. وكان ويد، أثناء وجوده في وكالة المخابرات المركزية، قد تشارك سابقاً مع كريستين ماكسويل، ابنة روبرت ماكسويل، في برنامج للأمن القومي يسمى “تشيلياد”، والذي كان يشبه برنامج “الوعي المعلوماتي الشامل” (وكذلك بالانتير) ولكنه لم يرقَ إلى مستوى نطاق البرنامج المقترح وطموحه. وكانت كريستين قد انخرطت سابقاً في جهود والدها لتسويق برمجيات “بروميس” المقرصنة للمختبرات الوطنية الأمريكية.

شعار “الوعي المعلوماتي الشامل” (TIA) الأصلي، المصدر

وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلها بويندكستر وحلفاؤه مثل ويد، اضطر برنامج “الوعي المعلوماتي الشامل” في النهاية إلى الإغلاق بعد انتقادات وغضب شعبي كبير. وعلى الرغم من وقف تمويل البرنامج، فقد تبين لاحقاً أن برنامج “الوعي المعلوماتي الشامل” لم يتم إغلاقه فعلياً، حيث تم تقسيم برامجه المختلفة سراً بين شبكة من الوكالات العسكرية والاستخباراتية التي تشكل دولة الأمن القومي الأمريكي. وفي حين أن بعض برامج “الوعي المعلوماتي الشامل” هذه قد اختفت تحت الأرض، بدأ تطوير برنامج البانوبتيكون الأساسي الذي كانت “الوعي المعلوماتي الشامل” تأمل في استخدامه من قبل الشركة المعروفة الآن باسم “بالانتير”، بمساعدة كبيرة من وكالة المخابرات المركزية و “آلان ويد”، وكذلك “بوينديكستر”.

وفي الوقت الذي تم إطلاقه رسمياً في فبراير 2003، كان برنامج “الوعي المعلوماتي الشامل” TIA مثيراً للجدل على الفور، مما أدى إلى تغيير اسمه في مايو 2003 إلى التوعية بمعلومات الإرهاب في محاولة واضحة ليبدو بشكل أقل كنظام مراقبة محلي شامل وبشكل أكثر كأداة تستهدف “الإرهابيين” على وجه التحديد. وتم إغلاق برنامج “الوعي المعلوماتي الشامل” بحلول نهاية عام 2003.

وفي نفس الشهر الذي تغير فيه اسم برنامج “الوعي المعلوماتي الشامل” قام بيتر ثيل بتأسيس شركة “بالانتير”. ومع ذلك، بدأ ثيل في إنشاء البرنامج الخاص بـ “بالانتير” قبل أشهر، على الرغم من أنه يدعي أنه لا يستطيع أن يتذكر متى حدث بالضبط. وتشير بعض التقارير إلى أن “بالانتير” بدأ كخوارزمية لمكافحة الاحتيال في “باي بال“ التابعة لـ “ثيل”. وادعى ثيل وكارب وغيرهما من مؤسسي شركة بالانتير لسنوات أن الشركة تأسست في عام 2004، على الرغم من أن الأوراق الخاصة بتأسيس شركة “بالانتير” من قبل ثيل تناقض بشكل مباشر هذا الادعاء.

وفي عام 2003، أيضاً، وبعد فترة وجيزة من قيام “ثيل” رسمياً بإنشاء شركة “بالانتير”، اتصل “ريتشارد بيرل”، مهندس حرب العراق في عهد بوش، بـ “بويندكستر”، قائلاً إنه يريد تقديم مهندس “الوعي المعلوماتي الشامل” لاثنين من رواد الأعمال في وادي السيليكون، بيتر ثيل وأليكس كارب. ووفقاً لتقرير نُشر في مجلة نيويورك، كان بويندكستر “بالتحديد هو الشخص” الذي أراد “ثيل” و “كارب” مقابلته، ويرجع ذلك أساساً إلى أن “شركتهم الجديدة كانت مماثلة في الطموح لما حاول “بويندكستر” إنشاءه في البنتاجون”، أي برنامج “الوعي المعلوماتي الشامل” من جديد. وخلال ذلك الاجتماع، سعى “ثيل” و “كارب” إلى “انتقاء عقل الرجل الذي يُنظر إليه الآن على نطاق واسع على أنه الأب الروحي للمراقبة الحديثة”، مما أدى إلى تشكيل شركة “بالانتير” لترقى إلى ما يكافئ “الوعي المعلوماتي الشامل”.

وبعد فترة وجيزة من تأسيس شركة “بالانتير”، على الرغم من أن التوقيت الدقيق وتفاصيل الاستثمار تظل حتى الآن مخفية عن الجمهور، أصبحت “إن كيو تيل” التابعة لوكالة المخابرات المركزية الداعم الأول للشركة، بعد “ثيل” نفسه، حيث منحها ما يقدر بنحو 2 مليون دولار. ولم يتم الإعلان عن حصة “إن كيو تيل” في “بالانتير” حتى منتصف عام 2006. وبالإضافة إلى ذلك، قال أليكس كارب مؤخراً لصحيفة نيويورك تايمز إن “القيمة الحقيقية لاستثمار “إن كيو تيل” هي أنها منحت شركة “بالانتير” إمكانية الوصول إلى محللي وكالة المخابرات المركزية الذين كانوا عملاءها المستهدفين”. وكان أحد الشخصيات الرئيسية في صناعة استثمارات “إن كيو تيل” خلال هذه الفترة، بما في ذلك شركة “بالانتير”، هو كبير مسؤولي المعلومات في وكالة المخابرات المركزية في ذلك الوقت، “آلان ويد”.

أليكس كارب (على اليسار) وبيتر ثيل (على اليمين)مؤسسا بالانتير
خلال مؤتمر “صن فالي” لعام 2009، والذي استضافته شركة ألان أند كومباني،
المصدر

وبعد استثمار “إن كيو تيل”، احتلت وكالة المخابرات المركزية مكانة فريدة كونها العميل الوحيد لشركة “بالانتير” حتى عام 2008. وخلال تلك الفترة، كان اثنان من كبار مهندسي “بالانتير” –آكي جاين وستيفن كوهين– يشدان الرحال إلى مقر وكالة المخابرات المركزية في لانجلي، فيرجينيا كل أسبوعين. ويتذكر جاين أنه قام بما لا يقل عن مائتي رحلة إلى مقر وكالة المخابرات المركزية بين عامي 2005 و 2009. وخلال تلك الزيارات المنتظمة، كان محللو وكالة المخابرات المركزية “يختبرون “برنامج بالانتير” ويقدمون الملاحظات، وبعد ذلك يعود كوهين وجين إلى كاليفورنيا لإجراء التعديلات اللازمة طبقاً لذلك”. وكما هو الحال مع قرار شركة “إن كيو تيل” بالاستثمار في شركة “بالانتير”، لعب “آلان ويد”، كبير مسؤولي المعلومات في وكالة المخابرات المركزية في ذلك الوقت، دوراً رئيسياً في العديد من هذه الاجتماعات وبالتالي في “تعديل” منتجات شركة “بالانتير”. ولا ينبغي أن يكون مفاجئاً إذن أن يكون هناك تداخل بين منتجات بالانتير والرؤية التي كان يحملها ويد و بوينديكستر لبرنامج برنامج “الوعي المعلوماتي الشامل” الفاشل. ويُذكر أنه قد تم تفصيل التداخل الواسع بين الاثنين في تحقيقات سابقة على موقع أن ليميتد هانج أوت.

إن الفوائد المترتبة على إعادة تحويل “الوعي المعلوماتي الشامل” “العام والخاص” إلى كيان خاص بالكامل بعد تفكيك البرنامج (الوعي المعلوماتي الشامل) علناً واضحة تماماً. فعلى سبيل المثال، ونظراً لأن شركة “بالانتير” هي شركة خاصة وليست برنامجاً حكومياً، فإن الطريقة التي تستخدم بها الحكومة والعملاء من الشركات برمجياتها تستفيد من “الإنكار المعقول” وتحرر شركة “بالانتير” وبرامجها من القيود التي قد تكون موجودة إذا كان ما لديها أصبح مشروعاً عاماً.

وقد أشار ملف تعريفي نشرته صحيفة نيويورك تايمز عام 2020 عن شركة بالانتير إلى ما يلي: يتم التحكم في البيانات، التي يتم تخزينها في خدمات سحابية مختلفة أو في أماكن عمل العملاء، من قبل العميل، وتقول شركة “بالانتير” إنها لا تراقب استخدام منتجاتها. كما أن ضوابط الخصوصية ليست مضمونة؛ فالأمر متروك للعملاء ليقرروا من يمكنه رؤية ماذا ومدى اليقظة التي يرغبون في أن يكونوا عليها.

وسائل الاعلام الاجتماعية

لم يمض وقت طويل بعد أن ساعد “ثيل” في إعادة إحياء برنامج “الوعي المعلوماتي الشامل” باسم “بالانتير”، حتى كان برنامج آخر من برامج DARPA (مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية التابعة للبنتاجون) بعد أحداث 11 سبتمبر يسعى أيضاً إلى تحولات للقطاع الخاص. حيث تم تطوير برنامج “لايف لوج” LifeLog بواسطة دوجلاس جيج، وهو صديق مقرب لـ “بوينديكستر” ومدير وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية DARPA، والذي سعى إلى “بناء قاعدة بيانات لتتبع وجود الشخص بشكل كامل” والتي تتضمن علاقات الفرد واتصالاته (المكالمات الهاتفية والبريد وما إلى ذلك)، واستهلاكه لوسائل الإعلام وعاداته ومشترياته وغير ذلك الكثير من أجل بناء سجل رقمي “لكل ما يقوله الفرد أو يراه أو يفعله“. وبعد ذلك، يأخذ “لايف لوج” هذه البيانات غير المنظمة وينظمها في “حلقات سرية” أو لقطات بينما يقوم أيضاً “برسم العلاقات والذكريات والأحداث والتجارب”.

ومن شأن برنامج “لايف لوج”، وفقاً لـ “جيج” ومؤيدي البرنامج، إنشاء مذكرات إلكترونية دائمة وقابلة للبحث عن حياة الشخص بأكملها، والتي جادلت “DARPA” بأنه يمكن استخدامها لإنشاء “مساعدين رقميين” من الجيل التالي وتزويد المستخدمين “بذاكرة رقمية شبه مثالية”. وأصر “جيج”، حتى بعد إغلاق البرنامج، على أن الأفراد سيكون لديهم “السيطرة الكاملة على جهود جمع البيانات الخاصة بهم” حيث يمكنهم “أن يقرروا متى يقومون بتشغيل أو إيقاف تشغيل أجهزة الاستشعار وتحديد من سيشارك البيانات”. وفي السنوات التي تلت ذلك، بذل عمالقة التكنولوجيا في وادي السليكون وعوداً مماثلة بالتحكم في المستخدم، ولكن تم انتهاكها مراراً من أجل التربح ولتغذية جهاز المراقبة المحلية التابع للحكومة.

وكان من المقرر دمج المعلومات التي اكتسبها برنامج “لايف لوج” من كل تفاعلات الفرد مع التكنولوجيا، مع المعلومات التي تم الحصول عليها من جهاز إرسال جي بي إس الذي يتتبع ويوثق موقع الشخص، وأجهزة الاستشعار السمعية والبصرية التي تسجل ما رآه الشخص وقاله، بالإضافة إلى أجهزة المراقبة الطبية الحيوية التي تقوم بقياس صحة الشخص. وكما هو الحال مع برنامج التوعية المعلوماتية الشاملة TIA، فقد تم الترويج لـ “لايف لوج” بواسطة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية التابعة للبنتاجون DARPA باعتباره يدعم “الأبحاث الطبية والكشف المبكر عن الأوبئة الناشئة”.

وسارع النقاد في وسائل الإعلام الرئيسية وفي أماكن أخرى إلى الإشارة إلى أن البرنامج سيتم استخدامه حتماً لبناء ملفات تعريف عن المعارضين وكذلك الإرهابيين المشتبه بهم. وإلى جانب مراقبة برنامج التوعية المعلوماتية الشاملة TIA للأفراد على مستويات متعددة، ذهب برنامج “لايف لوج” إلى أبعد من ذلك من خلال “إضافة معلومات مادية (مثل ما نشعر ونحس به) وبيانات الوسائط (مثل ما نقرأه) إلى بيانات المعاملات هذه.” وحذر أحد النقاد، وهو “لي تيان” من مؤسسة الحدود الإلكترونية، في ذلك الوقت من أن البرامج التي كانت وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية تتبعها، بما في ذلك “لايف لوج”، “لديها مسارات واضحة وسهلة لنشر قوى الأمن الداخلي”.

في ذلك الوقت، أصرت وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية (DARPA) علناً على أن “لايف لوج” و تحويل “الوعي المعلوماتي الشامل” غير متصلين ببعضهما البعض، على الرغم من أوجه التشابه الواضحة بينهما، وأن “لايف لوج” لن يستخدم في “المراقبة السرية”. ومع ذلك، أشارت وثائق DARPA الخاصة على “لايف لوج” إلى أن المشروع “سيكون قادراً على … استنتاج إجراءات المستخدم وعاداته وعلاقاته مع الأشخاص والمنظمات والأماكن والأشياء الأخرى، واستغلال هذه الأنماط لتسهيل مهمتها”، وهو ما أقر باستخدامه المحتمل كأداة للمراقبة الجماعية.

ومع ذلك، فعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها مؤيدوه، فقد تم إغلاق برنامج “لايف لوج” تماماً مثل برنامج التوعية المعلوماتية الشاملة TIA. ونظراً لما حدث مع TIA، فقد شكك البعض في أن برنامج “لايف لوج” سيستمر وإن كان تحت اسم مختلف. فعلى سبيل المثال، قال “لي تيان” من مؤسسة الحدود الإلكترونية لمجلة “فايس” VICE في وقت إلغاء برنامج “لايف لوج”: “لن أتفاجأ عندما أعلم أن الحكومة استمرت في تمويل الأبحاث التي دفعت هذا المجال إلى الأمام دون تسميته بـ ’لايف لوج‘.” وإلى جانب منتقديه، كان أحد الباحثين الذين كانوا يعملون على لايف لوج، ديفيد كارجر من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، على يقين أيضاً من أن مشروع “DARPA” سيستمر في شكل مُعاد تجميعه. وقال لمجلة “وايرد“: «أنا متأكد من أن مثل هذه الأبحاث سيستمر تمويلها تحت عنوان آخر. . . لا أستطيع أن أتخيل انسحاب “DARPA” من مثل هذا المجال البحثي الرئيسي. ويبدو أن الإجابة على هذه التكهنات تقع على عاتق الشركة التي أُطلقت في نفس اليوم الذي أغلق فيه البنتاجون “لايف لوج”، ألا وهي: شركة فيسبوك.

الأصول العسكرية لـ “فيسبوك”

إن الدور المتنامي الذي تلعبه شركة “فيسبوك” في جهاز المراقبة المتوسع باستمرار و برنامج “استباق الجريمة” التابع لوزارة الأمن القومي يتطلب تدقيقاً جديداً لأصول الشركة ومنتجاتها فيما يتعلق ببرنامج مراقبة سابق مثير للجدل تديره وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة (DARPA) والذي كان مشابهاً بشكل أساسي لما يُعَدّ حالياً أكبر شبكة اجتماعية في العالم: فيسبوك.

فبعد بضعة أشهر من إطلاق “فيسبوك”، في يونيو 2004، قام مؤسسا فيسبوك، مارك زوكربيرج و داستن موسكوفيتز، بإحضار شون باركر إلى الفريق التنفيذي لفيسبوك. باركر، الذي كان معروفاً سابقاً بالمشاركة في تأسيس شركة “نابستر”، قام لاحقاً بربط فيسبوك مع أول مستثمر خارجي له، وهو: “بيتر ثيل”. وكما تمت مناقشته أعلاه، كان “ثيل”، في ذلك الوقت، بالتنسيق مع وكالة المخابرات المركزية، يحاول بدأب إحياء برنامج “DARPA”، وهو برنامج كان على الأقل مثيراً للجدل وتم تفكيكه في العام السابق على ذلك. والجدير بالذكر أن شون باركر، الذي أصبح أول رئيس لفيسبوك، كان له أيضاً تاريخ مع وكالة المخابرات المركزية، التي سعت إلى تجنيده في سن السادسة عشرة بعد وقت قصير من إلقاء القبض عليه من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي بتهمة اختراق قواعد بيانات الشركات والجيش. وبفضل باركر، استحوذ “ثيل” في سبتمبر 2004 رسمياً على ما قيمته 500 ألف دولار من أسهم فيسبوك وتم ضمه إلى مجلس إدارة الشركة. وحافظ باركر على علاقات وثيقة مع “فيسبوك” وكذلك مع “ثيل”، حيث تم تعيين باركر كشريك إداري في صندوق مؤسسي “ثيل” في عام 2006. وفي عام 2022، قد ترك “ثيل” مجلس إدارة فيسبوك، الذي كان قد انضم إليه في عام 2005، للتركيز على دعم “المرشحين المتحالفين مع ترامب“، بما في ذلك جي دي فانس.

وأصبح “ثيل” و “موسوكفيتز”، المؤسس المشارك لفيسبوك، منخرطين في أنشطة خارج الشبكة الاجتماعية بعد فترة طويلة من صعود “فيسبوك” إلى الصدارة، حيث أصبح صندوق المؤسسين لـ “ثيل” مستثمراً مهماً في شركة “أسانا” التابعة لموسكوفيتز في عام 2012. وتمتد علاقة “ثيل” التكافلية الطويلة الأمد مع مؤسسي فيسبوك إلى شركته “بالانتير”، حيث تنتهي البيانات التي يعلنها مستخدمو فيسبوك دائماً في قواعد بيانات “بالانتير” وتساعد في دفع محرك المراقبة الذي تديره “بالانتير” لأقسام الشرطة الأمريكية والجيش ومجتمع الاستخبارات. وتغذي بيانات فيسبوك أيضاً شركة أخرى مدعومة من “ثيل”، وهي “كلير فيو آر”.

والجدير بالذكر أن دوجلاس جيج، مهندس برنامج “لايف لوج”، علق علناً على أوجه التشابه بين “فيسبوك” والبرنامج الذي كان يأمل في قيادته ذات يوم. وفي عام 2015، قال لمجلة “فايس” إن “فيسبوك هو الوجه الحقيقي لبرنامج “لايف لوج” الزائف في تلك المرحلة”. وأضاف بشكل واضح: “لقد انتهى بنا الأمر إلى تقديم نفس النوع من المعلومات الشخصية التفصيلية للمعلنين وسماسرة البيانات دون إثارة نوع المعارضة التي أثارتها شركة لايف لوج”، وعلى وجه التحديد لأنها أصبحت الآن شركة خاصة وليست مشروعاً مقره البنتاجون (DARPA).

“بالانتير” وأجندة المراقبة في عهد ترامب

خلال إدارة ترامب، تمتعت شركة بالانتير بوضعٍ أكثر امتيازاً مما كانت تتمتع به في ظل الإدارات السابقة، حيث حصلت شركة “بالانتير” على العديد من العقود المربحة الجديدة، خاصة مع الجيش والاستخبارات، خلال فترة ولاية ترامب الأولى. ومن المحتمل أن يكون هذا متأثراً بوجود “ثيل” في فرق ترامب الانتقالية ودور شركاء “ثيل” المقربين في اختيار المعينين الرئيسيين في البنتاجون.

دونالد ترامب وبيتر ثيل في عام 2017، المصدر

ليس هذا فحسب، بل إن الأجندة الأوسع وراء شركة “بالانتير” – الجهود التي استمرت لعقود من الزمن لإنشاء نظام مراقبة يعمل بالذكاء الاصطناعي قبل الجريمة في الولايات المتحدة – حصلت أيضاً على تعزيزات كبيرة خلال فترة ولاية ترامب الأولى. فعلى سبيل المثال، قام المدعي العام لترامب، ويليام بار، بهدوء بإضفاء الشرعية على إجراءات استباق الجريمة في الولايات المتحدة تحت ستار الكشف عن مطلقي النار الجماعيين المحتملين قبل ارتكاب أي جريمة. حيث يمكّن البرنامج، المسمى “ديب  DEEP”، وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي من العمل مع “شركاء من القطاع الخاص” لمراقبة الأشخاص المعنيين الذين لم يرتكبوا أي جريمة، ولكنهم “يروجون للعنف”. وفي نفس الوقت تقريباً الذي تم فيه الإعلان عن البرنامج، كان ويليام بار أيضاً يضغط بشدة من أجل فتح باب خلفي حكومي لتطبيقات وأجهزة المستهلك، خاصة تلك التي تستخدم التشفير. كما وقّع أيضاً اتفاقية الوصول إلى البيانات مع وزيرة الداخلية البريطانية آنذاك بريتي باتيل والتي سمحت لكلا البلدين “بالمطالبة ببيانات إلكترونية عن المستهلكين من شركات التكنولوجيا الموجودة في البلد الآخر دون أي قيود قانونية”.

وخلال إدارة ترامب أيضاً، بدأ تثبيت شركة إسرائيلية مرتبطة بالاستخبارات تسمى “كاربين 911” في جميع أنحاء الولايات المتحدة في مراكز اتصال الطوارئ وانتشرت منذ ذلك الحين في جميع أنحاء البلاد. وتم تمويل “كاربين 911” بشكل كبير من قبل صندوق مؤسسي “بيتر ثيل”، و “تراي ستيفنز”، العضو في مجلسها الاستشاري، إلى جانب “مايكل تشيرتوف”، رئيس وزارة الأمن الداخلي في عهد جورج دبليو بوش، وكيرستين نيلسن، رئيسة وزارة الأمن الداخلي في عهد ترامب. وتم تمويل كاربين أيضاً بشكل كبير من قبل جيفري إبستين و ليزلي ويكسنر، وفي معظم تاريخها المبكر، كانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً برئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك، وهو نفسه شريك حميم لـ “إبستين”.

وتقوم شركة “كاربين 911″والشركات المماثلة باستخراج جميع البيانات من الهواتف الذكية الاستهلاكية لمجرد إجراء مكالمات الطوارئ ثم استخدامها “لتحليل السلوك الماضي والحاضر للمتصلين بها، والرد وفقاً لذلك، والتنبؤ بالأنماط المستقبلية في الوقت المناسب”، مع الهدف النهائي المتمثل في الذكاء الاصطناعي. وتقوم الأجهزة – مثل مصابيح الشوارع “الذكية” – بإجراء مكالمات الطوارئ إلى السلطات، بدلاً من البشر.

وتتم مشاركة البيانات التي تم الحصول عليها من هذه المنتجات البرمجية، والتي من المقرر اعتمادها على الصعيد الوطني كجزء من نظام كاربين 911 الوطني الجديد “الجيل القادم”، مع نفس وكالات إنفاذ القانون التي تنفذ الآن برنامج “الاضطرابات الداخلية والتدخل المبكر” المصمم من قبل “ويليام بار” من أجل استهداف الأفراد الذين تم وضع علامة على أنهم يحتمل أن يكونوا عنيفين بناءً على معايير غامضة. وذلك إلى جانب إطار “الإرهاب الداخلي” الذي صدر خلال إدارة بايدن، والذي يشمل تعريف “الإرهابيين المحليين” الآن بأنهم أولئك الذين يعارضون تجاوزات الحكومة الأمريكية وأولئك الذين يعارضون أي شكل من أشكال الرأسمالية، بما في ذلك “رأسمالية أصحاب المصلحة” التي يفضلها المنتدى الاقتصادي العالمي، و/أو “عولمة الشركات”!

كما فكرت إدارة ترامب، خلال هذه الفترة نفسها، في إنشاء وكالة جديدة تركز على الصحة، واقتُرح بأن يُطلق عليها HARPA على غرار وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية التابعة للبنتاجون (DARPA)، والتي تم الترويج لها على نطاق واسع لصالح ترامب من قبل صهره جاريد كوشنر وابنته إيفانكا بالإضافة إلى صديق ترامب المقرب ورئيس “إن بي سي يونيفرسال” السابق “بوب رايت”. البرنامج الرئيسي المقترح لـ “HARPA” – “المنزل الآمن” (إيقاف الأحداث المميتة الشاذة من خلال المساعدة في التغلب على التطرفات العقلية) – سوف يستخدم “تقنيات متقدمة ذات خصوصية وحساسية عالية للتشخيص المبكر للعنف العصبي النفسي”، وعلى وجه التحديد “أدوات تحليلية متقدمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلات”. وقد “كان من المفترض أن يتكلف البرنامج ما يُقدر بنحو 60 مليون دولار على مدار أربع سنوات، وسيستخدم بيانات من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي للأمريكيين بالإضافة إلى “ساعات آبل، و فيتبيتس، و أمازون إيكو، و جوجل هوم” وغيرها من الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية. وسيقوم البرنامج أيضاً بجمع المعلومات المقدمة من مقدمي الرعاية الصحية لتحديد من قد يشكل “تهديداً”.

وعلى الرغم من أن مشروع HARPA لم يتم إنشاؤه في ظل إدارة ترامب، إلا أنه تم تداول تقارير بأن ترامب كان رد فعله “إيجابياً للغاية” على الاقتراح و “تم إقناعه بالمفهوم”. وبالإضافة إلى ذلك، فقبل الإعلان عن الاقتراح علناً، دعا ترامب شركات التكنولوجيا الكبرى، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، إلى التعاون مع وزارة العدل لإنشاء برنامج يوقف جرائم القتل الجماعي قبل حدوثها من خلال الكشف عن مطلقي النار المحتملين قبل أن يتمكنوا من التصرف والفعل. ومع ذلك، وافق ترامب في النهاية على تأسيس HARPA، والذي تم إنشاؤه في نهاية المطاف خلال إدارة بايدن باسم “”ARPA-H، مما يؤكد طبيعة التوافق بين الحزبين حول هذه الأجندة.

هل متعاقدو الاستخبارات المدعومين من “ثيل” نشطاء لحركة “اجعل أمريكا عظيمة من جديد” MAGA”؟

على الرغم من أن العديد من الشركات التي يدعمها “ثيل” أو التي أسسها “ثيل” تصف نفسها بأنها من مؤيدي حركة “أمريكا أولا” وكمدافعة عن “القيم الغربية”، فإن الفحص الدقيق لتلك الشركات يشير إلى أن الأمر ليس كذلك. فأحد الأمثلة الأقل شهرة على ذلك هو الدور المبكر الذي لعبته شركة “بالانتير” في تطوير طريقة للحكومة الأمريكية لاستهداف جوليان أسانج، والصحافة القائمة على التسريبات من أجل المصلحة العامة، وما أسمته آنذاك بـ “تهديد ويكيليكس“. وبالنظر إلى الشركات الأخرى المرتبطة بـ “ثيل”، فمن الواضح تماماً أن بعضها على الأقل أكثر استعداداً لاستهداف الأمريكيين على جانبي الانقسام السياسي نيابة عن أكبر عملائهم، فيما يسمى بـ “الدولة العميقة” التي يكرهها أنصار ترامب. ولنأخذ على سبيل المثال نظام “كلير فيو إيه آي” المدعوم من “ثيل”، والذي يدعي أنه قادر الآن على تحديد هوية كل شخص في العالم باستخدام نظام التعرف على الوجه المتقدم الخاص به.

وكما أشار “ستافرولا بابست”، أحد المساهمين في موقع “أن ليميتد هانج أوت”، في تقرير حديث: عندما سئل في مقابلة مع “إن بي سي” حول التداعيات السلبية المحتملة لـ “كلير فيو إيه آي” على المجتمع، قال الرئيس التنفيذي للشركة، هوان تون-ذات، “تغيرت آراء الكثير من الناس بشأن تقنية التعرف على الوجه في السادس من يناير تقريباً، عندما حدث التمرد (في مبنى الكابيتول بالولايات المتحدة). لقد كان مفيداً للغاية في القدرة على تحديد الهوية بسرعة.

وكما ذكر مديرها التنفيذي، تم استخدام برنامج “كلير فيو إيه آي” على نطاق واسع في السادس من يناير وتفاخر لاحقاً “بقدرته على تحديد مثيري الشغب في هجوم 6 يناير على مبنى الكابيتول”. وفي مقابلة له عام 2023، أضاف مراسل صحيفة نيويورك تايمز “كشمير هيل” أنه لم يتم استخدام “كلير فيو إيه آي” في مبنى الكابيتول في ذلك اليوم فحسب، بل أيضاً في الأيام والأسابيع التي تلت ذلك لتحديد مثيري الشغب المزعومين:

“كان لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي صور لكل هؤلاء الأشخاص لأن العديد منهم كانوا يصورون أنفسهم على وسائل التواصل الاجتماعي وينشرون الصور عبر الإنترنت، ولم يكونوا يرتدون أقنعة. وبدأت العديد من أقسام الشرطة في تدقيق صورهم من خلال “كلير فيو آي” للتعرف عليهم”.

وبعد أحداث 6 يناير 2021، أبلغت شركة “كلير فيو إيه آي عن استيعاب خدماتها بنسبة 26% من جهات إنفاذ القانون، بعد أن استخدمت دورها في استهداف مؤيدي ترامب كمروج للمبيعات.

ليست “كلير فيو إيه آي” هي الشركة الوحيدة المرتبطة بـ “ثيل” التي ترغب في استهداف قاعدة ترامب، حيث أن المؤسس المشارك لشركة بالانتير والرئيس التنفيذي الحالي “أليكس كارب” لديه هوس منذ فترة طويلة من أن “اليمين المتطرف” سوف يقتله بسبب خلفيته العرقية. وهذا الخوف، بحسب كارب، “يدفع لاتخاذ الكثير من القرارات” في شركة “بالانتير”. وقال كارب لمراسل صحيفة نيويورك تايمز مايكل شتاينبرجر في عام 2020: “ما زلت لا أصدق أنني لم يُطلق النار عليّ وأُلقى من النافذة”. وأضاف شتاينبرجر أن “كارب” قال، “إذا وصل اليمين المتطرف إلى السلطة، فمن المؤكد أن يكون هو من بين ضحاياه. “من هو أول شخص سيتم شنقه؟” قم بإعداد قائمة، وسأريك من سيُجهزون عليه أولاً؛ إنه أنا. فلا يوجد مربع لا أضع علامة عليه، في هذا الخصوص.”

وبعد ذلك، صرح “كارب” في عام 2023 خلال مقابلة في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي قائلاً: “لقد بنينا برنامج بي جي PG، الذي أوقف بمفرده صعود اليمين المتطرف في أوروبا”. وبالنظر إلى أن تسميات “اليمين المتطرف” وكذلك “اليسار المتطرف” غالبا ما يساء استخدامها لوصف أولئك الموجودين على جانبي الطيف السياسي الذين لا يؤيدون أو يدعمون الروايات الرسمية، فمن المفيد أن نتساءل عما إذا كان “اليمين المتطرف” الذي يدعي كارب أنه أوقفه، يشير إلى الأشخاص الذين يستحقون بالفعل هذا التصنيف، أو الشعبوية ذات الميول اليمينية، نظراً لأن الشعبوية بأي شكل من الأشكال تشكل تهديداً للمستفيدين من شركة “بالانتير” في عالم الشركات وفي مجتمع الأمن القومي الأمريكي.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن على مؤيدي ترامب الذين لم يشتركوا في الروايات الرسمية حول سياسات عصر كوفيد-19 أن يكونوا على دراية بدور شركة “بالانتير” في استجابة إدارة ترامب لفيروس كوفيد وكذلك في إطلاق التطعيمات ضد كوفيد. فخلال فترة كوفيد، قامت شركة “بالانتير” بتطوير برنامج تيبيريوس، والذي استخدمته وزارة الصحة والخدمات الإنسانية “لمساعدة الحكومة الفيدرالية على تخصيص كمية اللقاح التي ستتلقاها كل ولاية” وأيضاً “لتحديد أين ستذهب كل جرعة مخصصة – من مكاتب الأطباء المحلية إلى المراكز الطبية الكبيرة.” وقام “تيبيريوس”، وبالتالي “بالانتير”، بجمع جميع بيانات كوفيد-19 والرعاية الصحية من الوكالات الحكومية الأمريكية والحكومات المحلية وحكومات الولايات وشركات الأدوية ومصنعي اللقاحات والشركات المتعاقدة للعمل كموزعين للقاحات. كما تم تزويد شركة “بالانتير” أيضاً بالمعلومات الصحية الحساسة للأمريكيين من قبل وزارة الصحة والخدمات الإنسانية في عهد ترامب، بالإضافة إلى “مجموعة واسعة من البيانات الديموغرافية والتوظيف والصحة العامة” من أجل “المساعدة في تحديد المجموعات السكانية ذات الأولوية العالية” لتلقي اللقاح أولاً. وخلال فترة كوفيد، كانت شركة بالانتير أيضاً عضواً في التحالف الصحي ضد كوفيد-19 ، الذي كان من بين أعضائه الآخرين شركة “إن كيو تل” التابعة لوكالة المخابرات المركزية، والتي كانت أول ممول لشركة “بالانتير”، بالإضافة إلى أمازون و مايكروسوفت و جوجل.

وقامت “بالانتير” أيضاً بإدارة قاعدة بيانات (HHS Protect)، وهي قاعدة بيانات سرية تخزن (ولا تزال) المعلومات المتعلقة بانتشار كوفيد-19 والتي تم جمعها من “أكثر من 225 مجموعة بيانات، بما في ذلك الإحصاءات الديموغرافية والاختبارات المجتمعية ومجموعة واسعة من البيانات المقدمة من الدولة.” وفي ذلك الوقت، تعرضت “HHS Protect” لانتقادات من قبل العديد من خبراء الصحة العامة وعلماء الأوبئة، من بين آخرين، بسبب القرار المفاجئ الذي اتخذته وزارة الصحة والخدمات الإنسانية في عهد ترامب بإجبار المستشفيات الأمريكية على تقديم جميع البيانات المتعلقة بحالات كوفيد-19 ومعلومات المرضى مباشرة إلى قاعدة بيانات “HHS Protect”، وبالتالي إلى شركة “بالانتير”. وتعرضت المستشفيات للتهديد بفقدان تمويل ميديكير أو ميديكيد إذا رفضت تقديم جميع بيانات مرضى كوفيد-19 ونتائج الاختبارات بشكل منتظم في قاعدة بيانات “HHS Protect”. ورفضت شركة “بالانتير” تقديم معلومات عن أي ضمانات وضعتها لحماية البيانات الصحية للأمريكيين في أي من برامجها المتعلقة بوزارة الصحة والخدمات الإنسانية، على الرغم من طلبات القيام بذلك من أعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء الكونجرس.

كما قامت قاعدة بيانات “HHS Protect” لاحقاً بدمج HHS Vision بها، وهو مُكوّن تنبؤي يعتمد على الذكاء الاصطناعي، والذي “يستخدم خوارزميات مكتوبة مسبقاً لمحاكاة السلوكيات والتنبؤ بالنتائج المحتملة”. تشترك جوانب برنامج “HHS Protect” في أوجه تشابه ملحوظة مع برنامج “الوعي المعلوماتي الشامل” الفرعي الذي تم إلغاؤه والمعروف باسم “المراقبة البيولوجية”.

ومن المقرر أن تستخدم شركة استخراج البيانات المثيرة للجدل، والتي ارتبط تاريخها وصعودها بشكل لا ينفصل مع وكالة المخابرات المركزية ووزارة الأمن القومي، الآن برمجياتها لتحديد وترتيب أولويات نفس مجموعات الأقليات التي اضطهدتها منذ فترة طويلة، نيابة عن الجيش الأمريكي وأجهزة الاستخبارات في الولايات المتحدة.

ليس هذا فحسب، بل كانت أفريل هاينز، مستشارة شركة “بالانتير” منذ فترة طويلة، عنصراً أساسياً في “محاكاة” الوباء المثيرة للجدل في أواخر عام 2019 والتي كانت مرتبطة بأحداث الأمن البيولوجي السابقة المرتبطة بالاستخبارات مثل هجمات الجمرة الخبيثة عام 2001. وعملت هاينز، نائبة مدير وكالة المخابرات المركزية السابقة، بشكل وثيق جداً مع رئيسها، جون برينان، في وكالة المخابرات المركزية، بما في ذلك خلال الوقت الذي قام فيه برينان بمراقبة شركاء ترامب بشكل غير قانوني خلال الدورة الانتخابية لعام 2016 وساعدت في نشر وتطوير رواية “روسيا جيت”، التي تعيد هاينز الآن إحياءها بشكل كبير. وانضمت هاينز، بعد وقت قصير من مشاركتها في الحدث 201، إلى إدارة بايدن وتشغل منصب كبير مسؤولي المخابرات في الإدارة – مدير المخابرات الوطنية – منذ تولى بايدن منصبه في يناير 2021.

كما أن شركة “بالانتير” مثيرة للجدل أيضاً بين اليسار الأمريكي لدورها في استخدام البيانات الضخمة لتسهيل مداهمات وكالة الهجرة والجمارك على المهاجرين وقرارها بتجربة “الشرطة التنبؤية“، أي وظيفة استباق الجريمة في مجتمعات الأقليات ذات الدخل المنخفض. وفي نهاية المطاف، فإن شركة “بالانتير” – مثل العديد من المتعاقدين العسكريين/الاستخباراتيين الآخرين الذين تربطهم علاقات وثيقة بـ “بيتر ثيل” – هي مجرد أداة في يد وزارة الأمن القومي، التي تعمل على تكثيف نشاط جهاز “الحرب على الإرهاب الداخلي” الذي سيستهدف – وفقاً للوثائق الحكومية – المعارضة من اليسار واليمين وأي شخص يحاول الوقوف، أو حتى التحدث، ضد تجاوزات الحكومة وإجرامها.

ومع قيام شركة “ثيل” و “بالانتير” و “جو لونسديل”، المؤسس المشارك لـ “بالانتير”، بضخ الملايين في حملة ترامب-فانس بعد إعلان نائب الرئيس الأخير، يبدو من المحتم تقريباً أن يكون لدى شركة “بالانتير” والمتعاقدين العسكريين الآخرين المرتبطين بـ “ثيل” تأثير أكبر في إدارة ترامب الثانية عما كان عليه الحال خلال فترة ولايته الأولى.


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى