النيل وسد النهضة رحلة عبر التاريخ والجغرافيا الجزء الرابع
في 19 يونيو2013 حذرت التقارير والدراسات الصادرة عن المجلس العالمي للتغيرات المناخية التابع للأمم المتحدة من احتمالات نضوب مصادر مياه الأمطار فى أفريقيا خلال الأعوام القادمة. وقال ريتشارد بيلفوس أستاذ الهيدرولوجيا فى جامعة وسيكنسون الأمريكية للهندسة، إن دراسات مشتركة أجراها مع أساتذة وباحثي جامعة موزمبيق الوطنية أكدت حدوث انخفاض نسبته 15% فى معدلات هطول الأمطار فى منطقة زمبيزي الموزمبيقية وهو ما يهدد بشكل مباشر مستويات المياه النهرية فى القارة ويهدد مشروعا لإنتاج الكهرباء من سد بقدرة 13 ألف ميغاوات يقام على نهر زمبيزي.
ونبهت الدراسات والتقارير إلى تداعيات الإفراط فى مشروعات بناء السدود فى أفريقيا، داعية الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى مراجعة مبادرته التي عنوانها “الكهرباء للجميع” والتى تهدف إلى تعظيم بناء سدود الكهرباء فى أفريقيا بهدف إيصال الكهرباء لنحو 1. 3 مليار نسمة على أرض القارة بحلول العام 2030، فإلى جانب فورة بناء السدود التي فى إثيوبيا وتنزانيا وأوغندا والكونغو، شرعت غينيا فى بناء سد على نهر النيجر باعتبارها دولة منبع بمساعدة من بلجيكا، وحذرت مؤسسة ويتلاند إنترناشيونال من مغبة هذا المشروع، مؤكدة أنه سيهدد وجود 1. 5 مليون من سكان منطقة دلتا نهر النيجر الصغرى التي تقع فى غينيا.
وفى جنوب أفريقيا، بدأ العمل فى إقامة سد على نهر باتوكا جورج لتوليد 1600 ميغاوات على مساقط مياه فيكتوريا على نهر زيمبابوي بجنوب القارة، وبعد أن عارض البنك الدولي الإسهام فى تمويل هذا المشروع عاد وأيد إقامته وفقا لتقارير صحفية من جوهانسبرج، وفى موزمبيق وافق بنك الصين للتصدير والاستيراد على مساعدة موزمبيق فى إقامة سد ينتج 1500 ميغاوات على مصب النهر وهو المشروع الذى سيحمى الأراضي الموزمبيقية من أخطار الفيضانات العارمة ويقام على غرار سد كاهورا باسا المنشأ بمعرفة شركات بناء سدود برتغالية فى منطقة دلتا نهر زامبيا.
وبدأت سلسلة تحالفات تمويلية لإقامة السدود فى منطقة جنوب أفريقيا فى التشكل تضم البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي وبنك التنمية لجمهورية جنوب أفريقيا ومن بينها سد نهر اينجا– 3 فى الكونغو الديمقراطية وفى الوقت ذاته تسعى بنوك صينية للانضمام إلى هذا التحالف والى جانبها شركات تشييد ومقاولات صينية عملاقة تسعى للدخول بقوة فى مشروعات بناء السدود فى القارة، ويقول الخبراء إن الصين تسعى بقوة لدعم قدرات البلدان الأفريقية على توليد الكهرباء لان ذلك سيخدم المصالح الصينية فى مشروعات التعدين فى القارة والتى تحتاج إلى كميات متعاظمة من الطاقة.
مصادر المياه في الوطن العربي
في يوليو 2010 صدر تقرير يقول ان العالم علي شفي حرب المياه وأن الدول العربية هي الأكثر تضرراً تزداد كل يوم مشكلة أو ازمه المياه تفاقما وتعاني اغلب دول العالم ذات الأزمة وهي النقص الحاد في منسوب المياه وتضاؤل كل فرد أو شخص من كميات المياه المحدودة وتتخوف دول وحكومات العالم اليوم من قيام حرب إقليمية أو دولية لا يحمد عقباها بسبب المياه والنزاع على مصادر المياه ومنابع الأنهار والأمثلة كثيرة.
وقد نبه العلماء في اكثر من مناسبة من خطورة الوضع المائي ومن احتمالية حدوث حرب بسبب نقص المياه، والتي ستدفع الشعوب الضعيفة والفقيرة ثمنها، وناشدوا دول العالم وحكوماته إلى اعتماد خطوات جادة من اجل تلافي حدوث مثل هذه الحروب أو الكوارث الطبيعية التي قد تنجم بسبب نقص المياه الصالحة للاستهلاك أو الاستخدام الآدمي. .
غير ان دولاً أخرى خاصة في عالمنا العربي مازالت تواجه ذات المشكلة حيث تقع الدول العربية ضمن المناطق المناخية الجافة وشبه الجافة، وهي من المناطق ذات الموارد المائية الشحيحة بالمقارنة مع بقية المناطق في العالم من حيث نصيب الفرد منها. وتتوزع الموارد المائية في الدول العربية بين المياه السطحية المتجددة والمخزون المائي الجوفي الذي يتجدد بكميات قليلة سنوياً وتقدر جميعها بحوالي 338 مليار م 3 في السنة، بالإضافة إلى كميات الموارد المائية غير التقليدية والتي تقدر بحوالي 10. 6 مليار م 3 في السنة.
إن قضية المياه أصبحت الشغل الشاغل لمختلف بلدان الكرة الأرضية وعلى مختلف المستويات الاقتصادية الاجتماعية. وسوف تفوق في أهميتها كافة القضايا. وقد أشارت الأبحاث والدراسات الحديثة إلى أن صحة الإنسان وأمنه الغذائي وتنميته ستتعرض جميعها للخطر ما لم تتم إدارة الموارد المائية بشكل علمي وصحيح آخذة بعين الاعتبار كافة المعايير. لذلك أضحت قضية المياه تأخذ طابعاً عالمياً وأصبحت القناعة كاملة بأن المياه هي المشكلة الأولى التي ستواجه أجيالنا القادمة ومن الطبيعي إن من يملك الماء يملك النفوذ ويهدد السلم مع تناقص العرض وتزايد الطلب على هذا العنصر.
ولقد حذّرت الأمم المتحدة بأن العالم مهدد بخطر حروب المياه بسبب نقص الماء واستناداً إلى التقارير فان سبعة مليارات من البشر في 60 بلداً قد يعانون من نقص الماء مع منتصف القرن الحالي.
وفي ظل التغيرات المناخية فإن أزمة المياه تعد هي الأخطر بكثير وخاصة إذا ما علمنا بأن الزراعة هي أكبر مستهلك للمياه حيث تستنزف %93 من المياه العذبة ويحلوا للبعض المقارنة بين النفط والمياه باعتبار أن كلاً منهما سلعة مهمة واقتصادية تسعى الدول الكبرى إلى التحكم بها وشتان بين النفط والمياه فالحياة يمكن أن تقوم بدون نفط لأنها كانت كذلك في التاريخ البعيد ولكن ليس بوسعنا الحياة بدون ماء فالأشجار تبقي هي مفتاح بقاء الماء والغذاء.
إن كيلو جرام واحد من الحبوب يحتاج من 1000 إلى 2000 لتر من الماء، وإنتاج كيلو لحم بقر يحتاج إلى 16000 لتراً من الماء، إنتاج لتر من غاز الإيثانول يحتاج إلى 4560 لتر من الماء.
وأمام هذه المؤشرات لجأت الحكومات إلى أساليب الري الحديثة لمعالجة المشاكل المائية المتفاقمة إلا ّ أنه بالرغم من كل الجهود لم يتم تحويل سوى %13 فقط رغم أنه ثبت من خلال البحوث والدراسات أنه باستخدام الري الحديث على محصول القطن مثلاً يمكن توفير %58 من الماء. ويشكل سوء استخدام الموارد المائية بهدرها أو تلويثها إحدى أهم أسباب المشكلة المائية وذلك بسبب محدودية الوعي والثقافة باستخدام المستثمرين للمياه لذلك تصبح الحاجة ملحة لتنظيم حملة قومية لترشيد استهلاك المياه وتعميق الوعي بأهميته.
أسباب تدهور الموارد المائية في الوطن العربي
أما عن أسباب تدهور الموارد المائية في الوطن العربي، فإن ذلك يعود إلى عدة عوامل:
1ـ طبيعة المنطقة حيث تقع أغلب البلدان العربية في مناطق جافة وشبه جافة
2ـ المناخ والتصحر: تشكل الصحاري حيزا كبيرا من مساحة البلدان العربية 14 مليون كم2 وفيما الأراضي الصالحة للزراعة لا تتعدى %11 وباقي المساحات %89 تعتبر أراضٍ صحراوية.
3ـ التضخم الديموجرافي نتيجة للتطور الحضاري العالمي والصحي حدثت ثورة سكانية وخصوصا في العالم العربي حيث تزايد عدد السكان: ففي عام 1970 كان عدد السكان 122 مليون، ثم في عام 2009 بلغ 320 مليوناً، وهذا التزايد يعتبر تحديا كبيراً، حيث أن معدل النمو 2. 5 – 3. 8% وهو معدل مرتفع بالقياس إلى الموارد الطبيعية المتاحة، ومن المتوقع أن يرتفع الطلب على المياه لكافة الاستخدامات إلى حوالي436 مليار م 3، ويصبح حجم الطلب على المياه للأغراض الزراعية حوالي 378 مليار م 3 في عام 2030.
4ـ مصادر المياه تشكل مجموعة من الأنهار ذات الأهمية الكبيرة مثل النيل، الفرات، دجلة، بالإضافة إلى أنهار أخرى تنبع من خارج حدود الوطن العربي تحدياً مهماً وكبيرا أمام الأمة العربية.
5ـ تطور القطاعات الاقتصادية والصناعية.
6ـ ارتفاع مستوى المعيشة والتقدم الحضاري والصحي والتكنولوجي.
7ـ عدم معرفة المزارعين للنتائج السلبية الناجمة عن الإفراط في استخدام المياه وعدم الإلمام بالمقننات المائية، مما يزيد من حاجة الفرد إلى المياه على جميع الصعد،
8ـ كما أن اتساع الفجوة الغذائية يعمل على تهديد الأمن الغذائي وهذه الفجوة توسعت بشكل كبير ولا يمكن تقليص هذه الفجوة إلا من خلال التوسع في الزراعة واستهلاك المزيد من المياه، كما أن التوسع الكبير والسريع الذي شهدته المراكز الحضرية العربية سبب خللا في حالة التوازن البيئي في المدن والمناطق الزراعية المجاورة ومن أهم هذه التأثيرات التأثير على نوعية المياه وتلوثها تلوث المياه السطحية نتيجة طرح المياه بدون معالجة وتلوث ناجم عن الأسمدة والمبيدات الزراعية.
9ـ تحويل مساحات واسعة من الأرض إلى كتل إسمنتية بالإضافة إلى التوسع في مساحات الطرق والمصانع.
10ـ ضعف مستوى مردود البحث العلمي.
خطوات على طريق المواجهة:
تعد مشكلة المياه من أكثر المشكلات إثارة للجدل خاصة إذا أدركنا الدور الاقتصادي والسياسي والبعد الأمني والاستراتيجي المتعلق بمياه الدول في وطننا العربي ويشكل الماء العنصر الحساس في تلبية الحاجات الإنسانية كافة وعلى ضوء العجز المائي لابد من التفكير بالبدائل التي تعمل على سد العجز. ويمكن تعريف المصادر المائية غير التقليدية بأنها المياه التي يتم تأمينها نتيجة معالجات تكنولوجية معينة لمياه غير صالحة للاستعمال وذات نوعية متدنية بحيث يمكن استخدامها بشكل آمن بيئياً بعد معاملتها للحصول على مواصفات قياسية محدودة تتوافق مع الجوانب التشريعية والقانونية لنوعية للمياه. علماً بأن هذه المصادر تأخذ حيزاً كبيراً من اهتمام مختلف الدول للتغلب على محدودية المصادر المائية التقليدية وتلبية الطلب المتزايد على الماء كخيارات مهمة في سد العجز المائي في البلدان الفقيرة بالمصادر المائية العذبة.
وتقدر كمية المياه غير التقليدية الحالية في الوطن العربي بحوالي 8 مليار م3 من جملة الموارد المائية الكلية والتي تقدر بحوالي 247 مليار م3 أي بنسبة تقدر بـ %3 ورغم قلة هذه النسبة مقارنة بالموارد المائية الكلية يمكن استخدام الموارد المائية غير التقليدية كمخرج مهم لتأمين جزء من المتطلبات المائية المستقبلية ولاسيما وأن المنطقة العربية تعتبر من أفقر المناطق في العالم حيث أن نسبة الموارد المائية المتاحة لا تتعدى %0. 6 من المياه المتاحة في العالم علماً بأن الدول العربية تستخدم حاليا حوالي %75 من جملة الموارد المائية المتاحة في حين أن المناخ المداري الجاف الذي يسود المنطقة العربية يرفع وتيرة متطلبات الفرد من المياه.
غير أن تلوث هذه المياه يشكل تلوثاً عاماً له أضراره وانعكاساته على كافة الكائنات الحية.
وأمام تفاقم ازمه المياه العالمية التي تجاوزت الحدود وسيادة الدول وهدد بالعطش والمجاعات خاصة مع توالى إصدار التقارير والدراسات العلمية من قبل منظمات دولية متخصصة في المياه ولها باع طويل في هذا الجانب، فقد يكون على دول العالم اليوم اعتماد استراتيجية عاجلة لتلافي عجز المياه المؤكد ومواجهة حروب المياه القادمة، استراتيجية تتضمن:
1ـ تقوية وتعميق دور المنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع الأهلي في خلق البيئة المناسبة للحوار مع المؤسسات الرسمية لتنفيذ الإستراتجية المتفق عليها في مجال المياه.
2ـ أهمية إدخال مناهج ومقرارات حديثة حول موارد المياه واستخدامها في التعليم الأساسي والجامعي وتشجيع مراكز الأبحاث والدراسات لخلق كوادر علمية مؤهلة للعمل على قضايا المياه.
3ـ التعاون بين المؤسسات الرسمية للأمة العربية في بناء قاعدة بيانات قومية تتعلق بمصادر المياه المشتركة واستخدامها لحقوق العرب منها سواء تاريخية أو قانونية وتبادل البيانات مع مؤسسات البحث العلمي والمؤسسات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني في الدول المختلفة
4ـ إعطاء الأولوية لمعالجة المناطق التي تظهر فيها بوادر تدهور نوعية المياه ودعم البحث العلمي لاستنباط تكنولوجيا تحقق في التلوث وتأثيراته ووضع التشريعات الملائمة لحماية الموارد المائية منه.