ترجمات

تشاثام هاوس: شراء مصر لطائرة مقاتلة صينية يُذكّر بعودة تكتيكات الحرب الباردة


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


نشر معهد تشاثام هاوس البريطاني، المعروف رسمياً باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية في 18 أكتوبر 2024 مقالاً بعنوان: ” شراء مصر لطائرة مقاتلة صينية يُذكّر بعودة تكتيكات الحرب الباردة إلى الشرق الأوسط ” لـ “أحمد أبو دوح”، الزميل المشارك بالمعهد ضمن برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يقول أبو دوح إن شراء مصر لطائرة مقاتلة صينية هو بمثابة تذكير بعودة تكتيكات الحرب الباردة إلى منطقة الشرق الأوسط. ويقول أبو دوح إن الجيش المصري قوة هائلة، ولكنها تفتقر إلى قدرات التفوق الجوي التي تتناسب مع حجمها وطموحاتها، الأمر الذي أدركته جمهورية الصين الشعبية وبادرت بعرض المساعدة على القاهرة بهذا الخصوص.

وقد جاء مقال المعهد الملكي للشؤون الدولية على النحو التالي:

يُعَدّ الاتفاق الذي تم الإعلان عنه حول شراء مصر للطائرات الصينية المقاتلة من طراز تشنغدو جيه-10 سي من الجيل الرابع والنصف جزءاً من تحول أوسع نطاقاً من التركيز على تحديث القوات البرية إلى تعزيز القوات الجوية.

وعلى الرغم من أنه لم يتم نشر تفاصيل هذه الصفقة بعد، إلا إنها تكشف عن وجود دافعين اثنين لمصر يتجاوزان دعم ترسانتها بطائرات مقاتلة أخرى (غير ما بحوزتها من أنواع أخرى).

لكن إدراك تقلص الفرص في الحصول على التكنولوجيا الغربية يُعَد هو الدافع الأكثر أهمية وراء استراتيجية التنويع العسكري الذي بدأت تنتهجه مصر (وهو المصدر الأكبر للإحباط أيضاً).

إن التفحص السريع للخريطة المحيطة بمصر يُظهر أن التهديدات الأكثر أهمية التي يُنظر إليها على أنها تهدد أمنها القومي تقع في أماكن نائية حيث لا تتمتع مصر تقليدياً بوجود قوات برية. وتشمل هذه إثيوبيا وجنوب البحر الأحمر وليبيا والضعف الذي قد تخلقه حرب إقليمية محتملة بين إسرائيل وإيران. ومن وجهة نظر الجنرالات في القاهرة، فإن هذه القائمة من الأسباب هي أكثر من مجرد حافز لبناء ذراع طويلة حديثة وقادرة.

بدأ السباق في عام 2015 بعد أن أوقفت إدارة أوباما تصدير الأسلحة إلى القاهرة في عام 2013 والتي شملت أربع طائرات مقاتلة من طراز F-16C Block 52 بسبب (الانقلاب الذي أدى إلى) الإطاحة بحكومة الإخوان المسلمين. وأدى التأثير النفسي لقرار واشنطن في القاهرة إلى زيادة قدرة مصر على تحمل المخاطر فيما يخص تحدي علاقاتها العسكرية مع الولايات المتحدة من خلال تنويع مصادر السلاح بعيداً عنها.

حيث طلبت مصر طائرات مقاتلة من طراز MiG-29M2 من روسيا وطائرات رافال من فرنسا في نفس العام. وفي عام 2018، تفاوضت مصر على صفقة بقيمة 2 مليار دولار مع روسيا لشراء طائرات مقاتلة من طراز Su-35، وهي الخطوة التي اعتبرتها واشنطن تجاوزاً للخط الأحمر وأثارت إصدار تحذير لمصر بأنها ستفرض عليها عقوبات بموجب قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات (CAATSA). حيث تسبب ذلك في انهيار الصفقة.

يُعد العامل الرئيسي للمبيعات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط هو التمسك بمبدأ التفوق العسكري النوعي لإسرائيل على جيرانها. حيث يتطلب هذا المبدأ من الولايات المتحدة ضمان تفوق إسرائيل على القدرات العسكرية الاستراتيجية للدول الإقليمية الأخرى، وخاصة في القوة الجوية.

وكان هذا يُعتبر منذ فترة طويلة نقطة ضعف استراتيجية بالنسبة لمصر. فقد رفضت الولايات المتحدة طلبات متعددة من مصر لشراء صاروخ أييم-120 أمرام (AIM-120 AMRAAM) بعيد المدى الذي يعمل بالرادار النشط والذي يمكن إطلاقه من طائرات إف-16 المقاتلة، القوة الضاربة الرئيسية في ترسانة مصر الجوية.

و على عكس دول الخليج ودول أخرى (مثل الأردن وتركيا)، سُمح لمصر فقط بشراء صواريخ AIM-7 Sparrow وAIM-9 Sidewinders القديمة، والتي هي أقصر في المدى وأقل تطوراً من الناحية التكنولوجية من مثيلاتها. كما يُزعم أن إسرائيل ضغطت على إدارة ترامب لرفض طلب مصر لشراء طائرات إف-35 الشبحية المقاتلة في عام 2019.

وبحسب تقارير متداولة، فقد مارست الولايات المتحدة وإسرائيل ضغوطاً على فرنسا لعدم بيع صاروخ جو-جو ميتيور 100 كم من إنتاج شركة إم بي دي إيه لمصر مع مقاتلات رافال. وبدلاً من ذلك، حصلت مصر على صاروخ ميكا 80 كم كجزء من صفقة شراء 30 طائرة رافال في عام 2021. ومن المرجح أن يكون الحصول على نظام الرادار المتقدم والصواريخ بعيدة المدى وراء صفقة القاهرة لشراء 24 طائرة يوروفايتر تايفون من إيطاليا في عام 2022. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تأتي مع الحزمة الكاملة.

ولذلك اعتقدت مصر أن مقاتلة جيه-10 سي فيجوروس دراجون الصينية قد تحل هذا المأزق. تتمتع المقاتلة الصينية برادار AESA خارج المدى البصري ويمكنها حمل صاروخ جو-جو PL-15 200 كم، على غرار صاروخ ميتيور من طائرات رافال. ويُعتبر سعر طائرات جيه-10 سي الصينية جذاب بالنسبة لمصر، حيث يُقدر سعر الطائرة بـ 40-50 مليون دولار، وهو أقل بكثير من طائرات إف-16 وكذلك طائرات رافال.

كما تشكل المقاتلات الصينية وسيلة للتحوط ضد المقاتلات الروسية الخاضعة للعقوبات، والتي كانت تقليدياً الخيار الثاني للقوات الجوية المصرية.

ولكن هذا لا يعني أن مصر في طريقها إلى التخلي عن مشترياتها من الأسلحة من شركائها الغربيين. ذلك أن سياسة شراء الأسلحة بالنسبة لمصر لا تنطلق من اعتبارات تقنية فحسب، بل إنها تخدم أيضاً أهدافاً سياسية. فما زالت مصر تتلقى 1.3 مليار دولار سنوياً في هيئة مساعدات عسكرية واقتصادية من واشنطن. وأمن النظام ودعمه هما هدفان مهمان من المرجح أن يدفعا القاهرة إلى الاعتماد على أنظمة الأسلحة الغربية لعقود من الزمان.

ومع ذلك، فمن منظور مصر العسكري، ربما حان الوقت للجوء إلى تكتيكات الحرب الباردة المتمثلة في التنويع والموازنة. فالاضطرار إلى قبول التكنولوجيا القديمة أثناء التحديث الكبير الذي تشهده قواتها الجوية يخلق ضرورة تقنية وعملياتية للبحث عن هذه التكنولوجيا في مكان آخر.

إن حالة عدم اليقين التي تسود منطقة الشرق الأوسط منذ هجوم حماس في السابع من أكتوبر على المستوطنات في غلاف غزة والحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة في أعقاب ذلك بالإضافة إلى حربها على جنوب لبنان والمواجهات المتقطعة بين إسرائيل وإيران، تجعل من الضروري للمخططين الاستراتيجيين المصريين القيام بمناورات محفوفة بالمخاطر في حين يستهدفون الحصول على قدرات محدَّدة يبدو أنهم يائسون من الحصول عليها (من الغرب).

إن تهديد الولايات المتحدة لمصر في عام 2019 بتطبيق عقوبات قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات يجعل صفقة J-10C مع الصين دراسة حالة مثيرة للاهتمام لجميع حلفاء الغرب في الشرق الأوسط. كما يُظهر كذلك ارتفاعاً في قدرة مصر على تحمل المخاطر للتغلب على معضلة التكنولوجيا. كما أنه يسمح للدول الأخرى التي تفكر في شراء المقاتلات الصينية (وخاصة المملكة العربية السعودية) بقياس رد فعل واشنطن وتصميم نهجها المستقبلي وفقاً لذلك.

وهناك دافع آخر يتمثل في الضغط على الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وحلفائهما لإعادة النظر في حظرهم الضمني على بعض التكنولوجيا المتقدمة من خلال إظهار أن القاهرة لديها الآن بدائل أخرى يمكنها الحصول عليها. ويبدو أن هذا التكتيك قد نجح؛ حيث قال الجنرال فرانك ماكنزي، رئيس القيادة المركزية الأميركية السابق، خلال جلسة استماع بالكونجرس في عام 2022، إن واشنطن ستزود مصر أخيراً بمقاتلة التفوق الجوي الثقيلة من طراز إف-15، وهو مطلب قديم من القاهرة.

إن طائرة المقاتلة J-10C تلبي جميع الشروط المطلوبة: فهي تلبي استراتيجية القاهرة للتنوع والاحتياجات التكنولوجية. وهي تحت عتبة العقوبات لأنها أقل براعة من الناحية التكنولوجية من مقاتلات الجيل الخامس J-20 الأكثر إثارة للجدل، والتي تعادل طائرة SU-35 الروسية. وهي بذلك تأخذ الشراكة العسكرية بين مصر والصين إلى مستوى جديد.

إن الشائعة التي تقول إن المقاتلات الصينية يتم شراؤها لتحل محل الإصدارات القديمة من أسطول مصر الكبير من طائرات إف-16 هي مصدر فخر لبكين منذ أن بدأت تكنولوجيتها العسكرية تُعامل على أنها منافس للتكنولوجيا الغربية. إن حقيقة اعتماد قوة عسكرية كبيرة مثل مصر على المقاتلات الصينية من شأنها أن تعزز على الأرجح من حصة الصين في سوق الأسلحة الإقليمية، تماماً كما عزز شراء القاهرة لطائرة رافال شعبيتها عالمياً.

على الولايات المتحدة وحلفائها أن يقوموا بمراجعة شاملة لسياساتهم في بيع الأسلحة إلى مصر للسماح بتبادل تكنولوجيا القوة الجوية المتقدمة مع الجيش المصري؛ فمن غير المرجح أن تشكل مصر تهديداً عسكرياً لإسرائيل في أي وقت قريب، حيث يبدو أن كلا البلدين مصممان على الحفاظ على السلام والتعاون الأمني ​​فوق كل الاعتبارات الأخرى.

إن هذه السياسات، التي كانت مصمَّمة لحقبة الأحادية القطبية التي أصبحت في الواقع من الماضي، لم تترك للمصريين أي خيار سوى الاقتراب كثيراً من احتمالات فرض العقوبات عليهم لاختبار صبر واشنطن. وإذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها جادين فعلاً في منع التوغلات العسكرية المتزايدة للصين ولا يريدون خلق باكستان أخرى (كحليفة سابقة تحولت إلى الصين) في الشرق الأوسط، فينبغي التعامل مع احتياجات مصر العسكرية بقدر أكبر من الجدية.


لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى