تقديرات

الإخوان المسلمون في دولة الإمارات: التحديات والآفاق

مقدمة

شهدت علاقة الإمارات بجماعة الإخوان المسلمين تدهوراً واضحاً بفعل موجة التغيير التي شهدتها المنطقة وفي ظل وجود حساسيات في العلاقة مع الجماعة سبقت حتى ثورات الربيع العربي، وإزاء ذلك خاضت الحكومة الإماراتية مواجهة قوية مع الإخوان المسلمين، ليس فقط داخل الدولة، ولكن أيضاً على الصعيد الإقليمي، لم تحل دونه تأكيدات الإخوان عدم نيتهم المنازعة على الحكم، واستهدافهم فقط تعديل المواد الدستورية ذات الصلة بالمجلس الوطني الاتحادي بما يكفل له الصلاحيات التشريعية والرقابية الكاملة وانتخاب جميع أعضائه من قِبل المواطنين، الأمر الذي تزداد الحاجة إليه لتحقيق الرقابة اللازمة على موارد الدولة، وإصدار التشريعات اللازمة للحفاظ على هوية المجتمع.

ولكن رغم ذلك استمرت مخاوف الحكومة الإمارتية قائمة بفعل النفوذ القوي الذي يتمتع به الإخوان المسلمون داخل الدولة، واعتبارهم الجماعة المنظمة الرئيسة في البلاد، والتي كان يمكن لها بسهولة الحصول على الأغلبية المريحة في حال تنظيم أية انتخابات تمثيلية، وبما يكفل للجماعة إمرار القوانين التي تراها مهمة، مع تحفظ النظام في الإمارات على روابط البيعة التي تجمع عناصر الإخوان والمركز الرئيسي للتنظيم في مصر، انطلاقاً من اعتبار النظام الإماراتي أن روابط البيعة هذه قد تعني في جانب منها ضعف الولاء للدولة وللنظام القائم فيها، ودون إغفال تأثير صدام الإخوان والإمارات إقليمياً على خلفية تباين مواقف الطرفين إزاء عدد من القضايا وفي المقدمة منها القضية السورية، فضلاً عن ما أثاره صعود الإخوان ومشاريعهم الإقليمية من تأثيرات قد تطال الوضع الاقتصادي للإمارات.

في إطار هذه الاعتبارات يتناول هذا التقدير محددات العلاقة بين النظام السياسي في الإمارات وجماعة الإخوان المسلمين، وأبعادها وسيناريوهات المستقبل، وذلك على النحو التالي:

أولاً- الربيع العربي وتنامي المطالب الإصلاحية لإخوان الإمارات:

في عام 1974، تأسست رسمياً في دولة الإمارات العربية المتحدة، جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي، التي حرصت في طلب الإشهار الخاص بها التأكيد على كونها حركة إماراتية دعوية اجتماعية خيرية، ذات توجه سياسي إسلامي مقربة من الإخوان المسلمين تنتهج أسلوباً دعوياً سلمياً إصلاحياً وسطياً. ومن خلال هذا التعريف، وبجانب النشاط الخيري والاجتماعي المرتبط بالإخوان المسلمين، أولت جمعية الإصلاح اهتماماً واضحاً بالجانبين السياسي والتربوي، ونجحت في إطار ذلك فى الحصول على دعم حكام الإمارات، والمشاركة في الحكومات الإماراتية خلال الفترة من 1971 وحتى عام 1983.

وخلال الفترة من التأسيس وحتى عام 1994 كانت الرئاسة الفخرية للجمعية لكل من محمد بن خليفة آل مكتوم والحاج سعيد لوتاه صاحب فكرة أول مصرف إسلامي في العالم الحديث بنك دبي الإسلامي، فيما تبرع الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم بإنشاء المقر الرئيسي للجمعية بدبي، تلاه إنشاء فرعين للجمعية في إمارتي رأس الخيمة والفجيرة، وقد تبرع الشيخ راشد آل مكتوم أيضاً بتكاليف إنشائهما1.

وقد شارك الإخوان المسلمون بوزير واحد في أول تشكيل حكومي عام 1971، حيث تم تعيين سعيد عبد الله سلمان (وهو من الإخوان المؤسسين لجمعية الإصلاح فيما بعد) وزيراً للإسكان بترشيح من نائب رئيس الدولة الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وفي عام 1977 أصبح محمد عبد الرحمن البكر وزيراً للعدل والشئون الإسلامية والأوقاف، بترشيح من الشيخ راشد بن سعيد أيضاً، ليكون ثاني وزير من جمعية الإصلاح يتولى وزارة حكومية، وفي التشكيل الحكومي الثالث في يوليو 1979 تولى سلمان وزارة التربية والتعليم ومنصب رئيس جامعة الإمارات بعد تأسيسها بعامين.

غير أن ذلك لم يحل دون وقوع صدام مبكر بين النظام والإخوان المسلمين في الإمارات، كانت أولى المؤشرات عليه قرار الحكومة في أكتوبر 1988 وقف مجلة الإصلاح الناطقة باسم الجمعية عن الصدور مدة ستة أشهر وحتى أبريل 1989، وبعد عودتها للصدور مرة أخرى أصبحت معظم القضايا التي تتطرق إليها المجلة هي ترشيد السياحة وضوابطها الأخلاقية، وخطر الأجانب على الثقافة والهوية الإماراتية، والعودة إلى ملف التعليم ولجنة مراجعة المناهج التي كانت سبباً رئيسياً في الخلاف بين الجانبين، في ظل وجود تحفظات رسمية على سيطرة الإخوان على هذا الملف، ونفوذهم القوي في المجال التربوي والتعليمي العام2.

واستمر ذلك النهج حتى عام 1994، مع قرار الحكومة حل مجلس إدارة جمعية الإصلاح، والتي تعرضت فروعها في دبي والفجيرة ورأس الخيمة إضافة إلى جمعية الإرشاد في عجمان لتقليص أنشطتها الداخلية والخارجية، وقامت الحكومة بإسناد الإشراف عليها إلى وزارة الشئون الاجتماعية، ماعدا فرع رأس الخيمة، حيث رفض حاكم الإمارة الشيخ صقر بن محمد القاسمي هذا القرار ووجه ولي عهده حينها الشيخ خالد بن صقر، بأن يشرف على فرع الجمعية وتعيين أعضاء من أبناء الإمارة لإدارة أنشطتها(3)، وتسبب ذلك القرار في تقليص الدعم المالي الموجه إلى رأس الخيمة من قِبل إمارتي دبي وأبوظبي(4).

وفي إطار ذلك الوضع، وتأثراً برياح التغيير التي حملها الربيع العربي، لم يكن غريباً أن يتبنى الإخوان في الإمارات -مع تيارات سياسية أخرى- عريضة عرفت بـعريضة الثالث من مارس 2011، طالب الموقعون عليها من أكاديميين وصحفيين وناشطين حقوقيين بـانتخاب جميع أعضاء المجلس الوطني الاتحادي من قِبل المواطنين كافة كما هو مطبق في الدول الديمقراطية حول العالم، وطالبوا أيضاً بتعديل المواد الدستورية ذات الصلة بالمجلس الوطني الاتحادي بما يكفل له الصلاحيات التشريعية والرقابية الكاملة.

وشدد الموقعون على العريضة أنهم يرفعونها إلى رئيس الدولة في ضوء الحاجة الملحة لتطوير مسيرة المشاركة الوطنية، أخذاً في الاعتبار التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة، مؤكدين في الوقت ذاته تمسكهم بنظام الحكم في الإمارات، ومعتبرين أن المشاركة في صنع القرار تعتبر جزءً من تقاليد وأعراف هذا الوطن5.

وربما يكون سبب اهتمام الإخوان بتحقيق الإصلاح في الجانب التشريعي، هو حاجة المجتمع إلى تحقيق الرقابة اللازمة على موارد الدولة ومجالات الإنفاق الداخلية والخارجية، فإن كان هناك رضا داخلي على الوضع الاقتصادي والتنموي في الدولة، لكن هناك قلق أيضاً من كون المواطنين الإماراتيين أقلية في بلادهم، فلا يشكلون سوى أقل من 10% من سكان البلاد البالغ عددهم ثمانية مليون نسمة والباقي عمال أجانب، ويمثل ذلك قلقاً للمحافظين من أن تقاليدهم المحلية وقيمهم الإسلامية باتت في خطر، وإحدى المؤشرات على ذلك ارتفاع نسبة استهلاك الخمور في البلاد، بجانب أن اللغة العربية لم تعد اللغة الرئيسية في الحديث، مما يستدعي معه إنجاز عدد من القوانين المنظمة للأعراف الاجتماعية داخل الدولة6.

وأيضاً فهناك ملاحظات على مجال الإنفاق الخارجي والسياسات التي تتبناها الدولة اقليمياً، وفي إطار تعاونها الوثيق مع القوى الغربية. ويشار هنا إلى اتفاقية التعاون الدفاعي الموقعة بين الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية في عام 1994، وهي أساس العلاقة الأمنية الثنائية بين البلدين، حيث تسمح الاتفاقية للولايات المتحدة ببناء قواعد للقوات والمعدات العسكرية داخل الحدود الفيدرالية للإمارات.

والإمارات كذلك هي إحدى ثلاث دول في العالم، والدولة العربية الوحيدة، التي شاركت مع الولايات المتحدة في خمسة من أعمال التحالف طوال العشرين عاما الماضية، في أفغانستان، وليبيا، والصومال، والبوسنة– كوسوفو، وحرب الخليج عام 1990. إذ يعد أفراد القوات الخاصة الإماراتية العرب الوحيدون الذين قاموا بعمليات واسعة النطاق في أفغانستان بالتزام استمر لعشرة أعوام، وأيضاً أرسلت الإمارات العشرات من الطائرات المقاتلة للقيام بمهمات قتالية تحت قيادة الناتو أثناء الصراع الليبي وخلال اسقاط نظام القذافي، ودون إغفال تمويل الإمارات لاحقاً للعمليات الفرنسية في مالي مطلع عام 20137.

ثانياً: تشدد النظام الإماراتي في مواجهة المطالب الإصلاحية وملاحقة الإخوان المسلمين:

بالرغم من التطمينات التي حاول الموقعون على عريضة الثالث من مارس 2011 ايصالها إلى النظام الحاكم باستهدافهم فقط إجراء إصلاحات تشريعية وعدم نيتهم المنازعة على الحكم، غير أن موقف السلطة الإماراتية جاء حازماً ومباشراً بحق الإخوان المسلمين على نحو خاص، وعلى ثلاث مستويات.

المستوى الأول: ملاحقة الإسلاميين داخل الدولة:

1ـ في ديسمبر 2011 تم سحب الجنسية من سبعة إماراتيين مجنسين ينتمي معظمهم للإخوان المسلمين، بعد اتهامهم بممارسة أفعال تهدد الأمن القومي للإمارات، والارتباط بمنظمات وشخصيات مدرجة في قوائم الإرهاب8.

2ـ إعلان السلطات الإماراتية في منتصف يوليو 2012 عن تفكيك مجموعة سرية قالت إنها كانت تعد مخططات ضد الأمن وتناهض دستور الدولة وتسعى للاستيلاء على الحكم، واعتقلت في إطار تلك القضية أكثر من تسعين شخصاً معظمهم ينتمي إلى جمعية الإصلاح.

3ـ أعلنت الإمارات في ديسمبر 2012 عن تفكيك ما وصفتها بخلية إرهابية تضم مواطنين إماراتيين وسعوديين كانت تخطط لشن هجمات في كلا البلدين9.

4ـ أصدرت الإصلاح بياناً في أكتوبر 2012 ترد فيه على التهم الموجهة إلى أعضائها، مشددة على أن أعمال العنف بكل أشكالها، ومنها العمل المسلح، يتعارض كلياً مع مبادئها وأهدافها10.

5ـ أعلنت النيابة العامة الإماراتية في 27 يناير 2013 إحالة الإسلاميين الإمارتيين المقبوض عليهم في إطار التنظيم السري إلى المحكمة الاتحادية العليا ليحاكموا بتهمة التآمر على نظام الحكم والاستيلاء عليه، والتواصل مع التنظيم العالمي للاخوان المسلمين لتحقيق أهدافهم.

6ـ أصدرت المحكمة في الثاني من يوليو 2013، أحكاماً متفاوتة تقضي غيابياً بسجن 8 من أعضاء التنظيم لمدة خمس عشرة سنة، وحضورياً بسجن 56 من أعضاء التنظيم مدة عشر سنوات، وعلى خمسة أعضاء مدة سبع سنوات، فيما برأت 25 متهماً منهم ثلاث عشرة إمرأة. وقررت المحكمة في جلستها مصادرة مليون و490 ألف درهم إماراتي من بعض المتهمين والشركات المشتركة، إضافة إلى مصادرة قطع أراض سكنية وتجارية تعود ملكيتها للبعض الآخر، كما قررت المحكمة إغلاق عدد من المراكز الاستشارية في إمارة عجمان وبعض المواقع الإلكترونية التابعة للإخوان المسلمين11.

والملاحظ هنا أن استهداف النيابة العامة الإماراتية كان مقصوداً به الإسلاميين دون غيرهم، فلم يتم ملاحقة العناصر الأخرى الموقعة على عريضة الثالث من مارس، وحتى مع إعلان السلطات في 25 ابريل 2011 اعتقال خمسة أشخاص احتياطياً من الليبراليين والإصلاحيين على خلفية اتهامات بالتحريض على أعمال من شأنها تعريض أمن الدولة للخطر والمساس بالنظام العام والخروج على نظام الحكم وإهانة رئيس الدولة ونائبه وولي عهد أبوظبي، ولكن في مستهل احتفالات الدولة بالعيد الوطني الأربعين أصدر الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان عفواً عن النشطاء الخمسة12.

المستوى الثاني: استهداف المصريين من عناصر الإخوان:

بجانب المحاكمات الواسعة التي طالت الإسلاميين داخل الإمارات، فقد تم أيضاً استهداف المنتمين إلى الإخوان المسلمين من المصريين العاملين في الدولة، في ظل ما يراه النظام من علاقات وثيقة جمعت بين الإسلاميين والتنظيم العام للإخوان المسلمين، وفي إطار ذلك:

1ـ أعلنت السلطات الإماراتية في الأول من يناير 2013، توقيف أكثر من عشرة أشخاص من قيادة تنظيم الإخوان المسلمين المصري وجهت إليهم اتهامات بعقد اجتماعات سرية في مختلف مناطق الدولة وتجنيد أبناء الجالية المصرية في الإمارات للانضمام إلى صفوف التنظيم، وتأسيس شركات وواجهات تدعم التنظيم على أرض الدولة، وجمع أموال طائلة تم تحويلها إلى التنظيم الأم في مصر بطرق غير قانونية وأيضاً جمع معلومات سرية بشأن أسرار الدفاع عن الدولة، وتقديم العديد من الدورات والمحاضرات لأعضاء التنظيم السري عن الانتخابات وطرق تغيير أنظمة الحكم في الدول العربية13.

في مقابل تأكيد جماعة الإخوان المسلمين على لسان المتحدث الرسمي باسمها محمود غزلان، أن الجماعة لا تتدخل في شئون الدول الأخرى وأنها حريصة على العلاقة الطيبة بين مصر والإمارات، وحيث أوضح غزلان أن عناصر الجماعة في الإمارات يعملون بحثاً عن الرزق.. ليس أكثر أو أقل مثلهم في ذلك كأي مواطن مصري يعمل هناك، مؤكداً أن الجماعة بعيدة تماماً عن هذه الافتراءات14.

2ـ في يناير 2014، أدانت المحكمة الاتحادية العليا الإماراتية 30 إماراتياً ومصرياً بتهمة إنشاء خلية للإخوان المسلمين، ضمّت عشرة إماراتيين وعشرين مصرياً بينهم ستة هاربين، اتهموا بمحاولة تأسيس حزب سياسي في الإمارات وجمع تبرعات للتنظيم من دون الحصول على موافقة الجهات المختصة، ونشر معلومات أمنية خاصة بالدولة، واختلاس وثائق وصور وخرائط متعلقة بجهاز أمن الدولة15.

المستوى الثالث: اعتبار الإخوان المسلمين جماعة إرهابية:

1ـ أشادت الإمارات بقرار السعودية في الثامن من مارس 2014، بإدراج مجموعة من المنظمات من بينها الإخوان المسلمين على قائمتها للجماعات الإرهابية، وأعربت وزارة الخارجية الإماراتية في بيان عن تأييد الدولة ووقوفها بقوة مع التوجه الذي انتهجته الرياض، والتأكيد أن الدولة لن تألو جهداً في سبيل تعزيز التعاون مع الأشقاء في السعودية لمواجهة هذه الجماعات الإرهابية بما يحقق الأهداف المرجوة، وعلى رأسها حظر تقديم أي شكل من أشكال الدعم المادي أو المعنوي لها تحت أي ظرف، بحسب ما تضمنه البيان، الذي جاء اتساقا أيضا مع اعتبار النظام المصري الإخوان جماعة إرهابية16.

2ـ أدرجت الإمارات رسمياً في منتصف نوفمبر 2014، جماعة الاخوان المسلمين وجماعات محلية تابعة لها على لائحة المنظمات الإرهابية، في إطار تصنيفها لـ83 منظمة بأنها إرهابية، من بينها 12 رابطة للمسلمين في أوروبا وأمريكا، ومنظمة حقوقية، ومنظمتان إغاثيتان17.

3ـ قرار حكومة الإمارات في يناير 2015، حلّ وتصفية جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي ومصادرة جميع أموال وموجودات الجمعية وضمها إلى دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي، وهو ما اعتبره المراقبون قرار سياسي بامتياز يستهدف مسح مآثر جمعية الإصلاح من ذاكرة الإماراتيين، بعد عشرين عاماً من قرار حل مجالس إدارتها في عام 1994، واتساقاً مع القرار الذي سبق أن اصدرته الحكومة بتضمينها جمعية الإصلاح ضمن قائمة الــ83 منظمة التي اعتبرتها إرهابية18.

4ـ الدور الذي قامت به الإمارات في اسقاط حكم الإخوان المسلمين في مصر، فالإمارات كانت على رأس الدول العربية التي أيدت الثورة المضادة هناك (وهو ما أثبتته التسريبات التي نشرتها القنوات المملوكة للإخوان المسلمين في الفترة الأخيرة)، وبادرت بتقديم مساعدات مالية وعينية بقيمة 3 مليار دولار للنظام القائم بعد 30 يونيو، مع توقيع اتفاقية مساعدات خلال شهر أكتوبر 2013، بقيمة 4 مليار و900 دولار19. وهناك معلومات أيضاً عن دعم إماراتي سخي تم توجيهه للواء خليفة حفتر في ليبيا لمقاتلة التيارات الإسلامية هناك، وخصوصاً المتربطة منها بالإخوان المسلمين20.

ثالثاً: أسباب التصعيد بين النظام والإخوان المسلمين في الإمارات:

مع التضييق الذي مورس بحق الإخوان المسلمين في معظم الأقطار العربية، وخصوصاً بعد نجاحهم في الوصول إلى الحكم في مصر من خلال انتخابات ديمقراطية، ولكن يمكن اعتبار أن المواجهات التي خاضتها الحكومة الإمارتية كانت الأشد على الساحة الإقليمية في مواجهة الإخوان المسلمين، ويمكن رد ذلك لعدد من الأسباب المرتبطة بالسياقين الداخلي والخارجي في علاقة الدولة بالجماعة.

علي الصعيد الداخلي:

كانت هناك مخاوف إماراتية مرتبطة بالنفوذ القوي للإخوان في الدولة، فالسلطات الإمارتية تعي جيداً أن الإخوان المسلمين هم الجماعة المنظمة الرئيسية في الدولة والتي تملك القدرة على الحشد بين السكان، وحتى بافتراض أن أهدافهم تتحدد فقط في إيجاد برلمان منتخب وليس تغيير نظام الحكم، ولكنها تبقى الجماعة التي يمكن لها الاستئثار بالأغلبية المطلقة لمقاعد البرلمان في حال إجراء أي انتخابات تشريعية مباشرة، وستعمد في تلك الحالة إلى إنجاز تعديلات واسعة في القوانين وفقاً لرؤاها الإسلامية، والتي تتعارض إلى حد كبير والسياسات التي يسير عليها النظام لجهة الانفتاح الكبير على الأنماط الغربية21.

ويشار هنا إلى أن الإخوان في الإمارات، والممثل معظمهم في جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي، كانوا قد نجحوا منذ تأسيس الجمعية في الحصول على دعم ثقة الطلاب والناشئة من خلال الاتحادات الطلابية في المدارس والجامعات، وكان للجماعة خلال عقد الثمانينيات التأثير الأكبر في قطاع التعليم العام وإدارة المناهج، عبر إصدار 120 مقرراً دراسياً اعتبرها الإخوان أحد أكبر إنجازاتهم، ولكن سعى النظام الحاكم منذ ذلك الحين في تقليص نشاط جمعية الإصلاح وإبعاد عدد من المعلمين والموظفين في قطاع التعليم من المرتبطين بالإخوان المسلمين.

وحتى مع وجود محاولة للحوار بين الطرفين في عام 2001، ولكن الحوار أخفق في تحقيق التهدئة المطلوبة، وحيث انتهى في عام 2003 ببدء عملية نقل واسعة داخل وزارة التربية والتعليم لأكثر من 170 من المشكوك في انتمائهم إلى الإخوان المسلمين وتحويلهم إلى دوائر حكومية أخرى، في محاولة للقضاء على تأثير الجماعة في قطاع التربية والتعليم22.

المستوى الاقليمي:

وفي سياق الربيع العربي تتحدد مخاوف النظام الإماراتي في الآتي.

  • رفض بيعة الولاء:

تعتبر بيعة الولاء، التي تأخذها جماعة الإخوان المسلمين على أتباعها، إحدى أكبر المسائل التي سببت خلافاً كبيراً بين الإسلاميين والحكومة الإماراتية، التي رأت في البيعة اصطداماً بالقوانين والتشريعات الاتحادية واعتداءً على سيادة الدولة. ورغم أن القيادات الإخوانية تؤكد أنها بيعة عامة تتضمن الولاء للدعوة، وبذل الجهد في المنشط والمكره، وتأكيد قيادات الإصلاح في الإمارات أن الجماعة أقرت إيقاف أخذ البيعة من أعضائها منذ عام 2003، بعد سلسلة اللقاءات التي جمعت كوادر الإخوان والشيخ محمد بن زايد ولي العهد، ولكن يبدو أن هدف الحكومة أوسع، ويتعلق بإيقاف النشاط التنظيمي لجمعية الإصلاح في الداخل، وقطع العلاقات مع تنظيم الإخوان المسلمين في الخارج، وحيث تربط السلطات تشابه الهيكل التنظيمي لـجمعية الإصلاح بهيكل جماعة الإخوان المسلمين في الدول العربية، لوجود منسق عام، ومكتب تنفيذي، ومجلس شورى، وإدارة القواعد للجان فرعية على مستوى كل إمارة في الدولة23.

وكان قائد عام شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان، قد وجّه اتهاماً إلى المرشد العام للإخوان المسلمين محمد بديع بالتدخل في الشأن الداخلي لدول الخليج العربي.

وقال خلفان -في مقابلة مع إحدى الصحف المصرية في نوفمبر 2012- لدينا إثباتات على التدخل، فالمرشد يستقبل عناصر إخوانية إماراتية في مصر الآن، ويبايعونه على السمع والطاعة، وهذا ليس من حقه فهم ليسوا رعاياه. وهذا يعني أن الجماعة ومرشدها في مصر تربي كوادر وعناصر وجماعات في دولنا لأهداف وأغراض وغايات تختلف عن غاياتنا، بحسب ما جاء في تصريحه24.

  • الخلاف مع الإخوان اقليمياً:

البارز هنا كان التصعيد في مارس 2012 بين الشيخ يوسف القرضاوي، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والزعيم الروحي لجماعة الإخوان المسلمين، وقائد شرطة دبي ضاحي خلفان، على خلفية طرد الإمارات نحو 30 سورياً رفضوا التفرق بعد احتجاج نظموه ضد الرئيس بشار الأسد خارج قنصلية بلادهم في دبي، حيث ندد القرضاوي كذلك بقرار سحب جنسية عدد من الإسلاميين في الإمارات.

وأثار هذا رد فعل سريع من خلفان الذي قال إن على القرضاوي ألا يتدخل في شئون الإمارات، مهدداً إياه بالحبس وبالمتابعة الدولية عبر الانتربول. وقد استنكرت جماعة الإخوان المسلمين في مصر تصريح قائد شرطة دبي، وجاء ردها عبر محمود غزلان المتحدث الرسمي للجماعة، والذي هدد بـتحريك العالم الإسلامي بأسره وليس جماعة الإخوان فحسب ضد الإمارات في حال اعتقال القرضاوي، مؤكداً اعتزازه بأن يكون الشيخ القرضاوي أحد أبناء الجماعة25.

وقد يكون ردّ الفعل الإماراتي الشديد على تلك التصريحات، مردّه مخاوف الإمارات من تأثير الإخوان المسلمين اقليمياً، الأمر الذي اتضح بجلاء خلال الخطاب الصريح الذي ألقاه خلفان في مؤتمر الأمن الوطني والأمن الإقليمي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.. رؤية من الداخل، والذي نظمه مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة في 17- 18 يناير 2012، وقال فيه صراحة: اسمحوا لي أن أنأى بعيداً عن الدبلوماسية، أنا رجل أمن.. الإخوان المسلمون هم أحد مهددات الأمن في الخليج، ولا يقلون خطراً عن إيران، بحسب ادعائه.

كذلك فقد انتقد وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد، في أكتوبر 2012، جماعة الإخوان المسلمين، مدعياً أنها لا تحترم السيادة الوطنية، وتعمل على اختراق هيبة الدول وقوانينها، بحسب تصريحه الذي أثار مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين بمصر. وبحسب مصادر صحفية، فإن خيرت الشاطر نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، كان ينوي التوجه للإمارات حاملاً ملفاً خاصاً بأسماء قيادات إخوان مصر وأماكن إقامتهم في دول العالم والخليج، خاصة الإمارات، لإثبات براءة الجماعة من التهم الأخيرة في قضية قلب نظام الحكم بالدولة، والتأكيد على أن جماعة الإخوان في مصر ملتزمة بقوانين ودستور الإمارات، لكن الحكومة الإماراتية رفضت مقابلة الشاطر رغم جهود الوساطة التي بذلها مرشد الجماعة الدكتور محمد بديع لإنجاح اللقاء26.

  • التداعيات الاقتصادية على الإمارات:

لم يكن الهجوم الإماراتي على الإخوان المسلمين بعيداً عن مخاوف مرتبطة بالتداعيات الاقتصادية للمشروعات التي تبنتها الجماعة في مصر على اقتصاد الإمارات، الأمر الذي يفسر دعمها لانقلاب الثالث من يوليو ، وحيث أثارت العديد من التقارير العربية والدولية الحديث عن التأثيرات المرتبطة بمشروع قناة السويس الذي تبناه الرئيس محمد مرسي على اقتصاد الإمارات، مشيرة إلى وقوف أبوظبي بشدة ضد المشروع لتأثيره السلبي على أهم موانئ الخليج، ألا وهو ميناء دبي.

وقد ترددت الأنباء بعد انقلاب الثالث من يوليو 2014 عن أن الإمارات حصلت على حق امتياز أراضي مشروع تنمية قناة السويس، في خطوة تعني أن هذا المشروع ربما كان السبب الرئيسي لضلوع الإمارات في مخطط الثورة المضادة في مصر، وخصوصاً أن هذه الأنباء أعادت إلى الأذهان المكالمة الشهيرة لأحمد شفيق، للمرشح الرئاسي المنافس لمرسي، قبل يومين من الانقلاب على الأخير، والتي شدد فيها شفيق على ضرورة توقف المشروع، وكأن مظاهرات 30 يونيو لم تخرج إلا لإلغاء مشروع محور تنمية قناة السويس، الذي كان من المفترض، وفقاً لخبراء وباحثين، أن يجلب لمصر ما يربو على 100 مليار دولار سنوياً27.

وما يؤكد تلك الاستنتاجات تصريح المفكر الأمريكى نعوم تشومسكي، فى ندوة بجامعة كولومبيا الأمريكية عن الثورة المصرية عقدت في ديسمبر 2012، حيث قال أن هناك عدد من الأسباب التي تجعل دولة مثل الإمارات تعادى نظام الرئيس مرسى، ومنها: أن مشروع تطوير اقليم قناة السويس الذي تبناه كان سيصبح أكبر كارثة لاقتصاد الإمارات، وخاصة دبي إذ أن اقتصادها خدمي وليس انتاجي قائم علي لوجستيات الموانئ البحرية، وأن موقع قناة السويس هو موقع إستراتيجى دولى أفضل من مدينة دبى المنزوية فى مكان داخل الخليج العربى الذى يمكن غلقه إذا ما نشب صراع مع إيران.

وأضاف أن حقول النفط في الإمارات تتركز في إمارة أبوظبي، وأن كل امارة في الدولة تختص بثرواتها الطبيعية، وأن دبى هى أفقرها موارداً طبيعية لذلك فهى تعتمد إعتماداً كلياً على البنية الأساسية الخدمية التى تقدمها للغير، ومشروع تطوير قناة السويس كان سيؤثر على هذه الإمارة إقتصادياً خلال 20 سنة28.

رابعاً: مستقبل علاقة الإمارت بالإخوان المسلمين:

في ظل تعقد علاقة الإخوان المسلمين بالنظام القائم في الإمارات، وتعدد أسباب الخلاف بين الجانبين، فإن التساؤل يثار عن السيناريوهات المستقبلية لوضع الجماعة في الدولة، وفي إطار ذلك يمكن القول أن هناك عوائق حقيقية لمباشرة الجماعة لدورها وتأثيرها في الإمارات على المدى القريب لعدد من الأسباب:

الأول: أن المواجهة التي خاضتها الدولة ضد الجماعة وأنشطتها السياسية والخدمية كانت قوية خلال الفترة التي تلت ثورات الربيع العربي، وهذا الأمر لم يقتصر على الملاحقة القضائية الواسعة للعناصر المرتبطة بالإخوان المسلمين من الإماراتيين والمصريين العاملين في الدولة، ولكن امتد أيضاً إلى محاصرة نشاط جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي وفروعها المختلفة، ليس فقط بالتحكم في مجالس إدارات هذه الفروع –كما كان الحال خلال عقد التسعينيات- ولكن أيضاً بحلّ وتصفية الجمعية ومصادرة جميع أموالها وموجوداتها وضمها إلى دائرة الشئون الإسلامية والعمل الخيري في دبي، وهو القرار الذي اتخذ في يناير 2015 على النحو السابق الإشارة إليه29.

الثاني: على الرغم من قسوة الأحكام الصادرة بحق عناصر الإخوان المسلمين في الإمارات، ولكن ردّ فعل المواطنين داخل الدولة على تلك القرارات لم يكن قوياً، وخصوصاً أنه ليس لدى الإماراتيين تقاليد في تنظيم مظاهرات حاشدة، وعلى عكس الوضع في البحرين والكويت -حيث خرجت أعداد غفيرة إلى الشوارع لتأييد المحتجزين والنشطاء خلال الفترات الأولى للربيع العربي- لم تشهد الإمارات سوى القليل من مظاهر إظهار الدعم للمعتقلين، والعديد من الأفراد المتضامنين كان من بينهم أفراد من أسر المتهمين وآخرين اعتقلوا بعد ذلك وهم من بين الخاضعين للمحاكمات الأخيرة.

الثالث: أن بعض الخطوات التي اتخذتها الحكومة أضعفت القدرة على التعبير السياسي في الإمارات، فعلى سبيل المثال فإن تشديد الرقابة على استخدام الإنترنت الذي أُعلن في نوفمبر 2012 قد أثر على كيفية استخدام الإماراتيين لوسائل التواصل الاجتماعي للتعبير السياسي، ونتيجة لذلك كانت ردود الفعل على الإنترنت على الأحكام الصادرة بحق المعتقلين محدودة، فضلاً عن كونها غير متوازنة بل ومتحيزة ضد جمعية الإصلاح ومنتسبيها من الإخوان المسلمين30.

الرابع، أن الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين تساعد على الجانب الآخر في تقليص الحركات الاحتجاجية في المجتمع حتى مع وجود تحفظات على الوضع الثقافي القائم في الدولة ومظاهر التأثر بالقيم الغربية. ولا يقتصر الأمر هنا على نجاح الحكومة في الارتفاع بمستوى معيشة المواطن الإمارتي، ولكن أيضاً فإن نظام الرعاية الاجتماعية المتكامل الذي توفره الدولة للمواطنين يساعد في تقليص حجم المعارضة الذي قد يواجهه النظام حتى مع السياسات المتبعة بحق الإسلاميين31.

غير أن ما سبق لا يعني عدم وجود مجال لتحرك الإخوان المسلمين لرفع الظلم الواقع عليهم، ولكن الخطوات التي قد تتخذ في هذا الإطار ربما ترتبط بالسياق الإقليمي العام أكثر من ارتباطها بتحركات جادة على الساحة الإماراتية، وبحيث يتم الاستفادة هنا من الملاحظات الآتية:

الملاحظة الأولى:

أن التحركات الإماراتية لمواجهة الإخوان المسلمين على الصعيدين الإقليمي والدولي بدأت تفقد الزخم الذي كانت عليه، ومن مؤشرات ذلك ما تؤكده مصادر غربية بأن الإدارة الأمريكية أبلغت السلطات المصرية وعدداً من الأنظمة الخليجية الداعمة لها بأنها لا تعتبر الإخوان المسلمين بأي حال مثل تنظيم داعش، وأنها ترى أن الإخوان لا يدعمون العنف ولا الإرهاب، وذلك رداً على محاولات السلطات المصرية ومعها الإماراتية إقناع الإدارة الأمريكية بأن الإخوان المسلمين مناظرين لـداعش ومساندين لها، إلا أن الإدارة الأمريكية لم تقبل بهذا المنطق، وردّت باستقبال وفد من الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، بحسب ما نقلت وكالة آكي الإيطالية في 20 فبراير 2015.

وأضافت المصادر أن الإدارة الأمريكية أبلغت السلطات المصرية وأيضاً الأنظمة الخليجية الداعمة لها، أنها ترى أن الحل في مصر يكمن بحوار مصري داخلي يتم من خلاله استيعاب الإخوان المسلمين في المعادلة السياسية المصرية، وتابعت المصادر ذاتها أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما طلب من العاهل السعودي الجديد الملك سلمان بن عبد العزيز في زيارته الأخيرة إلى المملكة السعودية في يناير 2015، المساعدة في إقناع السلطات المصرية بهذا الموقف وما إذا كان بالإمكان أن تتوسط السعودية ما بين السلطات الحكومية المصرية والإخوان المسلمين، وفق تأكيدها .

الملاحظة الثانية:

لا يستبعد البعض تغيراً محتملاً في السياسة السعودية تجاه الإخوان المسلمين، في ظل تنامي نفوذ التيارات السنية المتطرفة (والمثال عليها تنظيم داعش) من جهة، وتنامي نفوذ التيارات الشيعية المدعومة من إيران (والمثال عليها جماعة الحوثيين في اليمن) من جهة أخرى33.

الملاحظة الثالثة:

وجود تبدل محتمل في الأحلاف المرنة التي تشهدها المنطقة العربية منذ أحداث الربيع العربي، والدليل عليه مؤشرات التقارب النسبي بين الجانبين السعودي والتركي على خلفية زيارة الرئيس رجب طيب اردوجان للمملكة خلال الفترة من 28 فبراير وحتى 2 مارس 2015، للتباحث حول المستجدات القائمة في المنطقة، وبما قد يحمل في طياته محاولة للتقريب بين النظام السعودي والإخوان المسلمين34، في مقابل التأثير السلبي المتوقع على التسريبات التي أعلنتها عدد من القنوات الفضائية المرتبطة بالإخوان المسلمين على العلاقات المصرية مع المملكة السعودية، نظرا لما تضمنته هذه التصريحات المسربة لقائد الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي وعدد من القيادات العسكرية المصرية من إساءة واستهزاء بالدول الخليجية وشعوبها، وابتزاز النظام القائم في مصر لدول الخليج من الناحية المادية35.

يضاف إلى ما سبق المردود الشعبي السلبي على ما كشفته آخر التسريبات في الأول من مارس 2015، عن دور الإمارات في دعم حركة 30 يونيو والإضرار بالأمن القومي لمصر، الأمر الذي يؤثر على الصورة الإقليمي لدولة الإمارات، ويفقد المصداقية في سياساتها الداخلية والخارجية، وخصوصاً بحق الإخوان المسلمين36.

خامساً: خلاصات تنفيذية:

وضعاً في الاعتبار أبعاد الخلاف القائم بين النظام في الإمارات والإخوان المسلمين، والصعوبات التي تواجه الجماعة على الصعيد الداخلي، وآفاق العلاقات المحتملة بين الجانبين، فقد يكون من الأفضل للجماعة أن تركز في معالجتها للخلاف مع النظام في الإمارات على السياق الإقليمي، لصعوبات العمل على الصعيد الداخلي وضيق الأفق المطروحة أمام الجماعة في ظل المواجهة القوية التي تخوضها الدولة ضد الإخوان المسلمين، ولذلك قد يكون من بين البدائل المتاحة أمام الجماعة:

1ـ استغلال تطورات الوضع الإقليمي لمحاولة اثبات الدور الذي يمكن للجماعة القيام به في حل مشكلات المنطقة، وخصوصاً في اليمن وسوريا وليبيا، بموزانة دور التنظيمات المتطرفة وبما يساعد على مواجهة أنشطتها، ذلك أن الوضع في هذه الدول مع تراجع الدور السياسي للإخوان المسلمين، بات له تداعيات خطيرة على الأمن الإقليمي العام، بل وعلى الدول المناهضة للإخوان. وقد لا يكون بعيداً عن ذلك التوجه الزيارة التي قام بها الرئيس التركي إلى المملكة السعودية في 28 فبراير 2015 وعلى مدار ثلاثة أيام، لمحاولة تحقيق تقارب بين الحكم في السعودية والاخوان المسلمين.

2ـ العمل على حل الحلف الإقليمي المناهض للإخوان المسلمين، وفي القلب منه تحالف عدد من الأنظمة مع النظام الإماراتي، واستغلال توجهات القيادة السعودية الجديدة في حال أثبتت حسن النية تجاه الإخوان، لكن مع أهمية الحذر ووضع البدائل لأي تغير محتمل في السياسات والتوجهات. بعبارة أخرى: فإن مدى وحجم الانفتاح المحتمل في ظل القيادة الجديدة مع الإخوان يعتمد على مدى إدراك الحاجة إلى التعاون المشترك في الأجندات الإقليمية، وسرعة هذا التعاون تعتمد على مدى قدرة الطرفين على التركيز على الملفات التي تتقاطع فيها المصالح بشكل مباشر وعلى مدى القدرة على تحييد أو ربما حل الملفات التي تحمل رؤى أو مواقف مختلفة. ولاشك أنّ التفاهم مع السعودية يساعد على حلحلة التحالف مع الإمارات من جهة، ويمكن أن يؤدي إلى توسيع دائرة التفاهمات الإقليمية مع الإخوان المسلمين بحيث تنضم سريعاً إلى هذا التفاهم دول مثل الكويت والبحرين من جهة أخرى.

3ـ الاستمرار في الجهود التي تبذلها الجماعة على الصعيد الدولي للتأكيد على سلمية الإخوان المسلمين وكونهم عنصر مساعد على تحقيق الاستقرار المنشود في الشرق الأوسط، والتركيز إعلامياً على الظلم الواقع على عناصر الجماعة في الإمارات وفي غيرها من دول المنطقة، والتواصل مع المنظمات الدولية المعنية، التي قد يكون لتقاريرها ومنشوراتها دور في إلقاء الضوء على الأبعاد السلبية المرتبطة بالسياسة الإماراتية تجاه الإخوان المسلمين في داخل الدولة وخارجها.

4ـ التركيز من خلال وسائل الإعلام المملوكة للإخوان المسلمين، على إظهار الأبعاد السلبية للسياسات التي تتبعها الإمارات، على الصعيدين الداخلي والإقليمي، ودورها السلبي في زعزعة استقرار دول المنطقة والتماهي مع السياسات الغربية، وبما يفقد النظام الدعم الشعبي الذي لايزال يحظى به من جانب بعض الفئات في الداخل، ويؤثر في صورة الدولة اقليمياً كنموذج للحداثة والتحضر.

——————————-

الهامش

(1) يشير البعض إلى أن رئيس الإمارات الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان تبرع بأرض لإنشاء فرع لجمعية الإصلاح في أبوظبي نهاية السبعينيات، ولكن قرار إنشاء الفرع جُمّد لاحقاً، أما إمارة الشارقة فلم تسمح بافتتاح فرع للجمعية، ويعيد البعض السبب في ذلك إلى غلبة المزاج القومي والعروبي على مفاصل الثقافة في الإمارة، وفي عجمان لم تؤسس جمعية الإصلاح فرعاً لها، واكتفى الإخوان بتبعية لجنة الإرشاد والتوجيه الاجتماعي لهم.

(2) في تفاصيل العلاقة التاريخية للإخوان المسلمين بالدولة الإماراتية، انظر: الامارات والاخوان المسلمين…وتاريخ من المواقف الحاسمة، بوابة الحركات الاسلامية، http://www.islamist-movements.com/5997 ، 15/11/2014. جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي، http://ar.wikipedia.org/wiki/

(3) كان للشيخ صقر القاسمي حاكم رأس الخيمة دور كبير في الاستقلال النسبي الذي يتمتع به فرع جمعية الإصلاح في إمارته، خلافاً لباقي الفروع، ويثار أن الشيخ صقر أجبر قبل وفاته بأن يعين الشيخ سعود ولياً للعهد، وأنه تم احتجاز الشيخ خالد إجبارياً في أحد القصور ثم نفيه إلى خارج البلاد بعد تعيين الشيخ سعود القاسمي حاكماً للإمارة، وكان الهدف الاستمرار في السياسات المناهضة للإخوان المسلمين.

(4) أبعاد قرار الإمارات حلّ جمعية الإصلاح بعد نحو 14عاما من تطبيقه فعليا، النص متاح على الرابط 26/1/2015

(5) جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي، مرجع سابق

(6) بوابة الفجر الالكترونية، 23/6/2012

(7) العلاقات الأمنية بين الإمارات العربية والولايات المتحدة، http://raqeb.co/2012/03 ، 22/3/2012. الإمارات تمول فرنسا في الحرب على مالي، http://www.hour-news.net/index.php/international/item/452 ، 15/1/2013

(8) صحيفة الشرق الأوسط، 13/11/2012

(9) الإمارات العربية ترفض الإفراج عن 11 إسلاميا مصريا، http://www.france24.com/ar ، 5/1/2013. موقع الجزيرة. نت، 26/12/2012

(10) الاحتجاجات الإماراتية 2011، موقع ويكبيديا، الرابط.

(11) أحمد قنديل، التنظيم السري في الإمارات: من جذور التآمر على النظام حتى النطق بالحكم، موقع ايلاف الالكتروني، 2/7/2013

(12) الاحتجاجات الإماراتية 2011، مرجع سابق

(13) الإمارات ترفض إطلاق عناصر خلية إخوانية، موقع الجزيرة. نت، 5/1/2013

(14) وفد من الإخوان المسلمين في دبي غداة الإعلان عن تفكيك خلية تابعة للتنظيم بالإمارات، http://www.france24.com/ar ، 2/1/2013

(15) موقع الجزيرة. نت، 21/1/2014. صحيفة الشرق الأوسط، 22/1/2014

(16) صحيفة الشرق الأوسط، 9/3/2014

(17) الامارات والاخوان المسلمين…وتاريخ من المواقف الحاسمة، مرجع سابق

(18) أبعاد قرار الإمارات حلّ جمعية الإصلاح بعد نحو 14عاما من تطبيقه فعليا، مرجع سابق

(19) كيف ساهمت الإمارات في دعم الاقتصاد المصري بعد 30 يونيو؟، http://www.dotmsr.com/details ، 17/1/2015

(20) موقع قناة العالم الاخبارية، http://www.alalam.ir/news/1626148 ، 25/8/2014

(21) سلطات الإمارات العربية تواصل تضييق الخناق على الإسلاميين، http://www.france24.com/ar19/4/2012

(22) منصور النقيدان، الإخوان المسلمون في الإمارات التمدد والانحسار، مركز المسبار للدراسات والبحوث، http://www.almesbar.net ، 16/9/2013

(23) جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي، مرجع سابق.

(24) خلفان يهاجم المرشد العام للإخوان، موقع الجزيرة. نت، 22/11/2012

(25) سلطات الإمارات العربية تواصل تضييق الخناق على الإسلاميين، مرجع سابق

(26) الامارات والاخوان المسلمين…وتاريخ من المواقف الحاسمة، مرجع سابق. عبد الله الرشيد، الإخوان المسلمون في الإمارات.. القصة الكاملة، صحيفة الشرق الأوسط، 1/2/2013

(27) شبكة رصد الإخبارية، 7/8/2013

(28) http://www.muslm.org/vb/archive/index.php/t-502590.html 1/2/2013

(29) أبعاد قرار الإمارات حلّ جمعية الإصلاح بعد نحو 14عاما من تطبيقه فعليا، مرجع سابق

(30) لوري بلوتكين بوغارت، قراءة الأحكام ضد جماعة «الإخوان المسلمين» في دولة الإمارات العربية المتحدة، معهد واشنطن، 1 يوليو 2013، الرابط.

(31) في التفاصيل انظر: الرابط.

(32) شبكة رصد الإخبارية، 21/2/2015. مصر والإمارات تفشلان في اقناع الإدارة الأمريكية بأن الإخوان هم داعش و داعش هي الإخوان، https://www.watan.com/reports/4619 ، 21/2/2015

(33) يشار هنا إلى تصريحات أحمد التويجري، العضو السابق في مجلس الشورى السعودي، عندما قال في فبراير 2015، أنه من غير المعقول اعتبار جماعة الإخوان منظمة إرهابية، في تعارض وما أعلنته الرياض في مارس 2014. وقال التويجري أن التصنيف عبارة عن قائمة لأسماء منظمات تتخذ العنف مسلكاً لنشر الرعب فى المجتمع، وأن هذا التصنيف جاء ليضم جميع من ينطبق عليهم استخدام العنف أو ينوون نشر الرعب.. لأخذ هذا المفهوم وتطبيقه بشكل عام علي منظمة كبيرة تمتد من إندونيسيا إلى المغرب ويتم اتهامها بالإرهاب فهذا أمر غير مقبول من شخص عاقل، مُستشهداً بتصريح سابق لوزير الخارجية سعود الفيصل الذي قال فيه إنه لا توجد مشكلة مع جماعة الإخوان المسلمين. وتشير المصادر إلى أن التويجري وثيق الصلة في الوقت الحالي بالملك سلمان، ويقدم له النصيحة والمشورة بشكل غير رسمي، مما يشير إلى أن تعليقاته ربما تعكس وجهات النظر التي تدور الآن داخل بيت آل سعود، الرابط. https://www.watanserb.com/reports/7002 ، 15/2/2015

(34) السيسي وأردوغان في السعودية.. مصادفة أم مصالحة ؟، موقع روسيا اليوم الالكتروني، 1/3/2015

(35) تسريبات منسوبة للسيسي ومساعديه تفجر الغضب في الشارع الخليجي، صحيفة القدس العربي، 8/2/2015

(36) في تفاصيل التسريبان، انظر: بعد التسريبات.. الإمارات تقسم مصر بين هاشتاجين، شبكة رصد الاخبارية، 1/3/2015

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى