fbpx
تقديرات

حدود الدعم الإسرائيلي للسيسي في ظل التطورات الراهنة

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تمهيد

تبدي إسرائيل حماساً منقطع النظير لإبقاء نظام السيسي حاكماً لمصر حتى إشعار آخر، وقد لا يكون من المبالغة القول أن تل أبيب وحدها تقريبا من بين عواصم العالم مجتمعة، التي تمنح السيسي شيكاً على بياض بدون تحفظات، في ضوء ما يقدمه من خدمات أمنية وعسكرية كبيرة، لم تكن يحلم بها صناع القرار الإسرائيلي في أشد أحلامهم تفاؤلاً منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد أواخر سبعينات القرن الماضي.

يعتقد الإسرائيليون أن الإبقاء على السيسي، رغم ما تعانيه مصر من مشاكل متلاحقة، وأزمات متفاقمة، يعتبر ركناً مفصلياً في أركان الأمن القومي الإسرائيلي في الفترة الحالية، لاسيما فيما يتعلق بحماية الحدود الجنوبية لإسرائيل في شبه جزيرة سيناء، حيث ترى فيها الأوساط الأمنية الإسرائيلية خاصرة رخوة، ليس هناك من سبيل لحفظ أمنها لولا وجود السيسي ومنظومته الأمنية.

أولا: التطورات الإقليمية وتداعياتها:

شهدت الأسابيع الأخيرة جملة من التطورات المحلية والإقليمية والدولية، منحت التحالف القائم بين مصر السيسي وإسرائيل جرعات إضافية، يمكن التطرق إليها في النقاط التالية:

1ـ تحطم الطائرة الروسية في سيناء:

الكثير من التحليلات تحدثت عن الأبعاد الأمنية والعسكرية لهذا الحادث، واختلفت الآراء في طبيعة ما حصل، والجهة التي تقف خلفه، بغض النظر عن إعلان تنظيم الدولة الإسلامية لمسئوليتها المباشرة عن إسقاطها، لكن هناك معطيات لم تأخذ حقها في التناول حول هذه المسألة، وأهمها ما له علاقة بالعلاقة بين مصر وإسرائيل.

أعلنت إسرائيل أنها كانت الجهة الأولى التي زودت السلطات المصرية بنبأ استهداف الطائرة الروسية في سماء سيناء أوائل نوفمبر 2015، من خلال سلاح الجو الإسرائيلي المنتشر على حدود وداخل الأراضي المصرية، بموافقة الطرفين، وهو ما يشير إلى وجود شبه سيطرة أمنية واستخبارية إسرائيلية داخل الأجواء والأراضي المصرية، في تغييب واضح لأي سيادة مصرية عليها، حتى لو كان ذلك ضمن اتفاق خاص بينهما، بزعم ملاحقة المخاطر التي تمثلها المجموعات الجهادية على الجانبين.

الحادث رغم ما شابه من حصول تغير في العلاقات المصرية الروسية، في ظل اتهامات موسكو للقاهرة بالإهمال والتسبب بتمكن عناصر تنظيم الدولة من اختراق الإجراءات الأمنية، لكنه شكل محطة جديدة لتوثيق عرى التحالف بين القاهرة وتل أبيب، في ضوء أن خطر تنفيذ مثل هذه العمليات بات يطرق أبواب إسرائيل الجنوبية، وهو ما يدفعها للتعمق أكثر في مهمة تبادل المعلومات الأمنية مع السلطات المصرية، وانتزاع موافقات إضافية لتوثيق تواجدها بعمق داخل الأراضي المصرية.

الإسرائيليون يتبعون مع مخاطر التنظيمات المسلحة غير الدولانية نموذج الحروب الاستباقية، والقيام بجهود وقائية مسبقة دون انتظار تحقق عمليات مسلحة ضدها، ثم البحث خلف المنفذين، وهو ما تقوم به بصورة حرفية في الضفة الغربية، حيث تجري تنسيقاً أمنياً حثيثاً تفصيلياً دقيقاً مع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، إلى الدرجة التي جعلت بعض الفلسطينيين يؤكدون أن جهاز الحاسوب المتواجد في رام الله وتل أبيب هو واحد، مع اختلاف اسم مستخدمه من “محمد” إلى “موشيه”.

إسرائيل لا تخفي سعيها لاستنساخ نموذج التنسيق الأمني منقطع النظير مع السلطة الفلسطينية، إلى السلطات المصرية، في ضوء وجود مخاطر جدية باتت تهدد حدود إسرائيل الجنوبية من منطقتي سيناء وإيلات، ولا يبدو أن المصريين لديهم كثيرا من الرفض لهذا التوجه الإسرائيلي، في ضوء توفر قناعات سياسية لدى صناع القرار في القاهرة، أن تل أبيب وحدها تقريباً، من تمنحهم الغطاء السياسي لدى دوائر صنع القرار الغربي، ولذلك فيحق لتل أبيب ما لا يحق لسواها في الموضوع الأمني، ولعل هذا أحد أهم إفرازات تحطم الطائرة الروسية فوق أجواء سيناء.

2ـ هجمات باريس الدامية:

كأن الهجمات الدامية التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس أواسط نوفمبر الماضي، جاءت هدية على طبق من ذهب للسيسي ورفاقه، الذين يواجهون علاقات فاترة مع الدول الأوروبية، وحملات إعلامية تشكك بشرعية نظامه، في ظل تواجد كبير للجالية المصرية في العواصم الأوروبية، وهو ما دفعه لإبداء تضامنه مع الفرنسيين في محنتهم الأخيرة، وإظهار نوع من المحاكاة في المخاطر التي تهدد الجانبين من قبل تنظيم الدولة الإسلامية.

المتابع للتغطية الإعلامية التابعة للسيسي يلحظ بوضوح أن هناك استغلالاً لا تخطئه العين لأحداث باريس، ومحاولة للتماهي مع هذه العمليات، وإرسال رسائل ضمنية وصريحة للأوروبيين أن السياسة التي تتبعها مصر مع الإسلاميين هي الأكثر جدوى وفعالية، بعدم منحهم فرصة لرفع رؤوسهم، والضغط عليهم باستمرار، لأنه في ذات اللحظة التي تتوقف فيها الملاحقة الأمنية لهم، سيذهبون فورا للعبث بالأمن الداخلي للبلدان.

الملفت أن الأداء المصري والإسرائيلي في التعامل مع هجمات باريس كان متشابهين إلى حد بعيد، فقد ظهر السيسي ونتنياهو يقدمان دروساً لنظرائهم الأوروبيين في كيفية التعامل مع هذه الظواهر المسلحة، السيسي مع الإخوان المسلمين وباقي الجماعات الإسلامية، ونتنياهو مع الفلسطينيين في انتفاضتهم الحالية، وقد تجلى ذلك أكثر في حضور الاثنين لقمة المناخ في باريس قبل أيام، واستغلا هذه المناسبة الدولية بحضور أكثر من مائة زعيم عالمي لإعطاء محاضرات في كيفية “نجاحهما” في ملاحقة الإرهاب.

كما برز وجود حرص مصري إسرائيلي مشترك لمحاولة الانخراط في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة، ولكل منهما أهدافه الحقيقية، فالسيسي يسعى بكل ما أوتي من قوة، لتثبيت أركان حكمه المهتزة تحت أقدامه، وهو بذلك ليس لديه مشكلة في “توظيف” الدماء الفرنسية لإظهار نفسه شريكا لباريس في حربها ضد الإرهاب، وذات الأمر ينطبق على نتنياهو الذي يواجه انتقادات أوروبية في تعامله مع الفلسطينيين، ويحاول “حشر” إسرائيل في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، ولو من زاوية ضيقة، وهو ما يعني أن هجمات باريس قربت السيسي وإسرائيل خطوات إضافية.

3ـ التدخل الروسي في سوريا:

منذ الانقلاب الذي نفذه السيسي في مصر يوليو 2013، وإجهاضه لأول تجربة ديمقراطية مدنية، بدا أن لديه عداءً مستحكماً تجاه الثورات العربية الباحثة عن الحرية والانعتاق من العبودية، ولذلك جاء موقفه من الثورة السورية استمراراً لهذه القناعة، حيث شهدت مصر في عهده تضييقاً على السوريين، سواء اللاجئين الهاربين من الموت المحقق، أو أطراف المعارضة التي واجهت سلوكاً أمنياً موجهاً ضدها داخل الأراضي المصرية.

الموقف المصري الذي مثله السيسي من الثورة المصرية أخذ أبعاداً متلاحقة حين أبدى رفضه لتنحي نظيره الأسد عن الحكم، بل واتهامه للثورة السورية بأنها مجموعة مسلحين “إرهابيين”، وتحدثت التقارير عن تعاون أمني استخباري بين أجهزة الأمن في القاهرة ودمشق ملاحقة عناصر من المعارضة السورية.

لكن التدخل الروسي في سوريا في سبتمبر 2015 شكل للسيسي فرصة سانحة لإظهار نفسه جزء من محور قديم جديد مع موسكو، ويظهر نفسه كما لو كان عبد الناصر جديد يدير ظهره للمنظومة الغربية، وينخرط في الكتلة الشرقية التي لم تعد قائمة أصلاً، فلا بوتين هو بريجنيف، ولا روسيا هي الاتحاد السوفيتي، لكن السيسي ألقى بنفسه في أحضان الدب الروسي، وأظهر تأييداً لعله الوحيد من الدول العربية للتدخل الروسي في سوريا، وبدون تحفظات، عله يبقى محافظاً على هذه المظلة الروسية الوحيدة في العالم، بجانب إسرائيل، اللتان يستظل بهما الرجل أمام الرفض الداخلي والضغط الخارجي.

التأييد الواضح من السيسي للتدخل العسكري الروسي في سوريا، فضلا عن كونه استمرارا للتدخل الإسرائيلي في سيناء، فهو يعبر عن قناعات الرجل التي لا تمنح مفاهيم السيادة الوطنية على البلاد معاني كثيرة، بقدر ما تحقق استقرارا للحكم.

وقد تطرف السيسي في موقفه أكثر حين طالبت أوساط سياسية وإعلامية مقربة منه باستدعاء تدخل روسي شبيه للعمل في سيناء، وملاحقة المجموعات المسلحة، وكأن الجيش المصري العرمرم والأجهزة الأمنية ذات الخبرة الطويلة في هذا المجال منذ عقود طويلة لا تكفي، لكن الأغراض السياسية في هذا الطلب تتغلب كثيرا على الاعتبارات الأمنية والعملياتية، بحيث يحول مصر إلى محمية روسية في المنطقة.

السيسي كان سباقاً عن جميع الرؤساء العربي حين تحدثت تقارير إعلامية غربية عن استعداده لإرسال قوات عسكرية برية إلى سوريا لمحاربة تنظيم الدولة، وهو جهد تطوعي مجاني للتضحية بجنود مصريين في معركة ليس لمصر فيها ناقة ولا جمل، باستثناء إظهارها جزء من تحالف دولي يضحي بدماء أبنائه في معركة خارج أراضيهم من جهة، ولا تهدد أمنهم الداخلي بصورة مباشرة.

4ـ الانتفاضة الفلسطينية:

يمكن القول أن الموقف المصري الذي يقوده السيسي اليوم من الانتفاضة الفلسطينية لا يختلف كثيرا عن مواقف سابقة لنظام مبارك المخلوع، من حيث عدم تفضيله للمسار العملياتي ضد الإسرائيليين، والاستمرار في دوامة المفاوضات معهم حتى إشعار آخر، لكنه أضاف جرعة جديدة تمثلت بممارسة ضغوط حقيقية على الفلسطينيين لوقف انتفاضتهم.

أوساط فلسطينية نافذة تحدثت عن مطالبات واضحة أعلنها السيسي أمام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بضرورة وقف الانتفاضة، ووضع حد لها للهجمات الفلسطينية ضد الإسرائيليين، على اعتبار أن استمرار الانتفاضة سيعني تقديم هدية مجانية لغريم السيسي المتمثل بحركة حماس، وإظهار أن الفلسطينيين يستطيعون تحقيق إنجازات سياسية من الإسرائيليين دون وجود داعم لهم من النظام العربي الرسمي.

كما أن استمرار الانتفاضة من شأنها تعكير صفو العلاقة الإستراتيجية القائمة بين تل أبيب والقاهرة، لأنه سيبدو صعباً على الأخيرة مواصلة العلاقة الصريحة الفجة مع الإسرائيليين في وقت يواصلون فيه سفك دماء الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.

حتى أن التغطية الإعلامية التابعة للسيسي لأحداث الانتفاضة تظهر عدم وجود دوافع وطنية عروبية تقف خلفها، بل إن العمليات والهجمات الفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي صورها بعض المقربين من السيسي على أنها شبيهة بما يحصل في فرنسا وأوروبا من عمليات دامية، وطالب بعضهم الفلسطينيين بالتوقف عنها.

ثانياً: السيناريوهات المتوقعة:

لا يبدو أن إسرائيل مقدمة في قادم الأيام على إبداء تنازل عن ورقة السيسي في رئاسة مصر، فهي كأنبوب الأوكسجين الذي تتنفس منه، وإسرائيل لا تخفي انزعاجها من بعض الأحاديث التي تتناول إمكانية تنحي السيسي، واستبداله بجنرال آخر، في ضوء متانة العلاقات الشخصية التي جمعت بينهما خلال العامين الماضيين، ولذلك يقدم الرجل بصورة سخية قرابين البقاء أمام إسرائيل، لاسيما من النواحي السياسية والأمنية.

وليس أدل على ذلك من التصويت غير المسبوق لمصر لصالح إسرائيل في انضمامها لمنظمة الفضاء الدولية، في حين كان بإمكانها الانسحاب من التصويت، أو التغيب، أو عدم التصويت أصلا، لكن لا يبدو أن الأمر عفوياً، بل مقصوداً بقوة، وهو زيادة التقرب من إسرائيل، وإظهار حجم التحالف بينهما.

يمكن الإشارة إلى جملة من الشواهد التي تعزز مثل هذا السيناريو، المتمثل باستمرار التحالف بين السيسي وإسرائيل:

تكثيف التعاون الأمني والعسكري المؤسستين الأمنية والعسكريةـ المصرية والإسرائيلية، واعتبار ذلك حجر الزاوية في التحالف القائم، سواء من خلال استباحة الجيش الإسرائيلي للأراضي المصرية، وتحديدا في سيناء، أو تبادل المعلومات الاستخبارية فيما يخص مواجهة التطورات الأمنية في المنطقة.

زيادة الضغط الإسرائيلي المصري على حركات المقاومة الفلسطينية: من خلال مبادرة الجيش المصري لإغراق الحدود الفلسطينية جنوب قطاع غزة بالمياه، والتسبب بانهيارات ترابية كبيرة على طول الحدود، تسببت بكوارث طبيعية للفلسطينيين القاطنين على حدود غزة وسيناء، وكل ذلك في محاولة مصرية للقضاء على ما تبقى من الأنفاق التي تستخدمها المقاومة الفلسطينية للتزود بالعتاد.

توظيف الجهود الإسرائيلية الدبلوماسية، وتحديداً في الخارج لدى دوائر صنع القرار العالمي، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لمنح نظام السيسي “شبكة أمان”، في محاولة للتخفيف من الانتقادات الحقوقية الموجة إليه بسبب الانتهاكات المتلاحقة لحقوق الإنسان.

ثالثاً: إدارة القوى المصرية لهذا الملف:

قد لا تكون القوى الثورية المصرية بحاجة لمزيد من المعلومات حول تزايد التعاون بين السيسي وإسرائيل، وربما تمتلك معلومات أضعافاً مضاعفة عما ورد في هذه السطور، لكنها مطالبة أكثر بكشف أواصر هذا التعاون، وإظهاره للرأي العام المصري، وتبيان حقيقة أن السيسي لا يمتلك من أوراق البقاء إلا الدعم الإسرائيلي، وهي يفترض أن تكون سبة بحقه، وليس ميزة يجاهر بها.

ويمكن في هذا السياق اتخاذ جملة من الإجراءات التي تمنح القوى الثورية المصرية أدوات فاعلة للضغط على السيسي ونظامه السائد في مصر، من خلال:

رصد ما ينشر ويكتب في مؤسسات الفكر الإسرائيلي ووسائل الإعلام، حول تواصل التعاون بين القاهرة وتل أبيب، وتعرية هذا النظام بإظهاره شريكاً للاحتلال الإسرائيلي في مشاريعه المعادية للأمة والمنطقة.

التواصل الدائم مع القوى الفلسطينية المتضررة من الإجراءات العسكرية الأخيرة المصرية على حدود غزة، وتبيان تعارضها مع الموقف الرسمي التاريخي المساند للقضية الفلسطينية، مما يظهر هذا النظام خارجاً عن النسق المصري المتعارف عليه بين الأشقاء الفلسطينيين والمصريين.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close