fbpx
مختارات

الكنيسة القبطية والسياسة في مصر

 

كانت الكنيسة، على مدى عقود، وثيقة الصلة بالنظام وبمثابة الصوت السياسي الوحيد للطائفة القبطية المصرية التي تشكّل أكبر أقلية دينية في البلاد. غير أن ذلك الصوت تشتّت عقب إطاحة الرئيس السابق حسني مبارك، حيث بدأ الأقباط بالانخراط في ميدان السياسة بأنفسهم.

في الفترة المضطربة التي أعقبت انتخاب محمد مرسي رئيساً للبلاد في حزيران/يونيو 2012، أصبح قادة الكنيسة أيضاً أكثر نشاطاً في ميدان السياسة. بيد أن الأهم من ذلك هو أن بطريرك الكنيسة، البابا تواضروس الثاني، أيّد تدخّل الجيش، في تموز/يوليو 2013، ضدّ مرسي ونظامه المدعوم من جماعة الإخوان المسلمين. ومنذ ذلك الحين، اعتبرت جماعة الإخوان وأنصارها الأقباط جزءاً مما يقولون إنه كان مؤامرةً ضد مرسي. وبالتالي، هاجم المحتجّون المؤيّدون لمرسي، الذين شعروا بالغضب إزاء دعم الكنيسة لاستيلاء الجيش على السلطة، الكنائس والممتلكات القبطية.

مع انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيساً للبلاد في حزيران/يونيو 2014، حاولت الكنيسة إعادة ترسيخ نفسها باعتبارها الصوت الموحّد للأقباط في مصر. بيد أن هذا الدور ينطوي على بعض المخاطر أيضاً. فبدلاً من محاولة توحيد المسيحيين في مصر تحت قيادتها، ينبغي على الكنيسة الانسحاب من المجال السياسي، والسماح للأقباط بالدفاع عن مصالحهم بأنفسهم من خلال الانضمام إلى الأحزاب والحركات السياسية. وينبغي على الكنيسة أن تركّز على كونها إحدى مؤسّسات المجتمع المدني التي تدافع عن المُثُل العالمية، مثل حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وعلى دعم المشاريع التنموية لكلٍّ من المسلمين والمسيحيين.

الدور المتغيّر للكنيسة

كان للكنيسة القبطية مصلحتان رئيستان في المجال السياسي، تتمثّل أولاهما في الحفاظ على استقلالها المؤسّسي في مواجهة مؤسّسات الدولة، في حين تتمثّل الثانية في احتكار الحق بالتحدّث باسم الأقباط. وقد دافع نظام مبارك عن كلا المصلحتين لصالح زعامة الكنيسة. ففي عهد مبارك، تم التعاطي مع الكنيسة باعتبارها الممثّل الوحيد لأقباط مصر. كما حمى النظام الاستقلالَ المالي للكنيسة، وسمح لهذه الأخيرة بتجاهل أحكام القضاء فيما يتعلّق بالشؤون الشخصية للأقباط، التي لم تكن معتمدة من جانب زعامة الكنيسة.

على سبيل المثال، في حزيران/يونيو 2010، رفض البطريرك آنذاك، البابا شنودة الثالث، تطبيق حكم صادر عن المحكمة الإدارية العليا، ينصّ على وجوب أن تسمح الكنيسة بالزواج مرة ثانية للأقباط الذين حصلوا على حكم بالطلاق من القضاء. أعلنت الكنيسة أنها تحترم القانون، ولكن لايمكنها أن تقبل الأحكام التي تناقض تعاليم الكتاب المقدس.

كما رفضت الكنيسة طلب السماح للمؤسّسات الرسمية بالإشراف على ميزانياتها وأنشطتها. وقد دعا طارق البشري، وهو قاضٍ سابق، في كتاباته إلى أن تشرف الدولة على ميزانية الكنيسة، مشيراً إلى ضرورة أن تراقب الدولة الكنيسة باعتبارها مؤسّسة عامة. غير أن الكنيسة رفضت، وتجاهل نظام مبارك تلك المطالب.

إضافة إلى ذلك، تعامل نظام مبارك مع البابا شنودة الثالث باعتباره الممثّل الوحيد للطائفة القبطية. في المقابل، أمّنت الكنيسة دعم الأقباط لنظام مبارك وسياساته من خلال تصريحاتها العلنية في وسائل الإعلام. كما ضغطت الكنيسة على الأقباط المقيمين خارج مصر كي لا يتظاهروا ضد مبارك، وخصوصاً خلال زياراته للولايات المتحدة.

مع ذلك، بدأت الكنيسة تفقد السيطرة على بعض الشباب القبطي في السنوات الأخيرة من حكم مبارك. فقد دفع استمرار التمييز ضد الأقباط، الذي مارسته في بعض الأحيان مؤسّسات الدولة نفسها، بعض الشباب الأقباط إلى الاعتقاد بأن نظام مبارك كان السبب في المشاكل التي يواجهونها، ولذا طالب بعضهم الكنيسة بالكفّ عن دعمه. كما وفّر صعود حركات سياسية جديدة معارضة لنظام مبارك، مثل “حركة 6 أبريل” و”شباب من أجل العدالة والحرية”، و”الحركة المصرية من أجل التغيير” التي تشتهر بشعارها “كفاية”، لبعض الشباب الأقباط إطاراً جديداً للدفاع عن حقوقهم خارج الكنيسة.

ومع أن الشباب انخرطوا في البداية في النشاط السياسي بهدف الدفاع عن حقوق الأقباط، دفعهم تفاعلهم مع الجماعات السياسية الأخرى إلى توسيع آرائهم. وقد وصل بعض الشباب الأقباط إلى نتيجة مفادها أن المسيحيين لن يحصلوا على حقوق متساوية إلا في إطار نظام ديمقراطي يقوم على مبدأ المواطنة لجميع المصريين.

في خضمّ الدعوات إلى التظاهر ضد نظام مبارك في 25 كانون الثاني/يناير 2011، طلبت الكنيسة القبطية من أتباعها عدم المشاركة في الاحتجاجات. ومع ذلك، رفضت شريحة من الشباب القبطي إطاعة أوامر الكنيسة وانضمّت إلى المحتجّين الآخرين. وبعد تنحّي مبارك في شباط/فبراير 2011، أصدرت الكنيسة بياناً يحيّي الشباب المصري على قيادة الثورة، والجيش على حماية البلاد.

بعد سقوط مبارك، أصبح المجال السياسي في مصر أكثر انفتاحاً، ما اضطرّ الكنيسة إلى تغيير استراتيجياتها من أجل تأمين مصالحها. فلم يواصل الشباب نشاطهم على الصعيد السياسي وحسب، بل أن العديد من الشخصيات المسيحية أيضاً أسّست أحزاباً سياسية أو انضمّت إليها. فقد أسّس رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس “حزب المصريين الأحرار”، وكان مثقفون مسيحيون، مثل عماد جاد وحنا جريس، من بين مؤسّسي “الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي”. وجدت الكنيسة وهذه النخبة السياسية المسيحية الجديدة أن تعاونهما ينطوي على منفعة متبادلة. فقد كانت الكنيسة في حاجة إلى الساسة المسيحيين للتعبير عن مطالبها في المجال السياسي المتغيّر، في حين سعى الساسة المسيحيون، في المقابل، إلى التنسيق مع الكنيسة لتأمين الأصوات القبطية خلال الانتخابات.

بعيداً عن النخبة السياسية، قرّرت شريحة من الشباب الأقباط الذين شاركوا في الانتفاضة ضد نظام مبارك، تأسيس حركة شبابية للدفاع عن حقوق الأقباط، تُدعى “اتحاد شباب ماسبيرو” (تيمّناً بمنطقة ماسبيرو في القاهرة، حيث نظّم الشباب القبطي اعتصامات للاحتجاج على التمييز على أساس الدين). وخلافاً للسياسيين الأقباط، رفضت الحركة وضع الكنيسة بصفتها الممثّل السياسي الوحيد للطائفة القبطية. ودانت الحركة الاجتماعات غير الرسمية التي عقدها بعض الأساقفة مع مسؤولين من مؤسّسات الدولة في عهد مبارك وخلال الفترة الانتقالية. ووفقاً لأعضاء في الحركة، غالباً ماكانت تلك الاجتماعات تهدف إلى تهدئة التوترات بين المسيحيين والمسلمين في البلاد، من دون معالجة الأسباب الحقيقية التي تقف وراءها.

وقد نظرت الكنيسة إلى حركة شباب ماسبيرو وأهدافها بعين الشكّ. كما أثار وجود اثنين من الكهنة داخل الحركة حفيظة بعض الأساقفة، الذين اعتبروا الحركة منافسة لسلطتهم، وحاولوا احتواء أنشطتها.

الكنيسة وجماعة الإخوان المسلمين

في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، وبعد خمسة أشهر على انتخاب مرسي رئيساً لمصر، خلف البابا تواضروس الثاني البابا شنودة الثالث كزعيم للأقباط الأرثوذكس في مصر. بدأ البابا تواضروس بخطاب مختلف عن خطاب سلفه، حيث أكّد على ضرورة ألا تتدخّل الكنيسة في السياسة، وأن تركّز بدل ذلك على الأنشطة الدينية والتنموية.

مع ذلك، تبيّن أن من الصعب على البابا الجديد أن يقنع أساقفته، الذين كان بعضهم قد انخرطوا سابقاً في مفاوضات سياسية، بتغيير استراتيجياتهم. علاوة على ذلك، دفعت البيئة السياسية المستقطبة للغاية بين الإخوان المسلمين والمعارضة في عهد مرسي، الكنيسةَ إلى الاضطلاع بدور سياسي متزايد.

في الوقت نفسه، فشلت جماعة الإخوان المسلمين في التعاطي مع مخاوف الأقباط حول الحرية الدينية وتهميشهم في مؤسّسات الدولة. فصحيح أن مرسي عيّن سمير مرقص، وهو شخصية مسيحية بارزة، مساعداً له للانتقال الديمقراطي، إلا أن مرقص استقال بعد بضعة أشهر عندما اكتشف أنه لم يتم إشراكه في عملية اتخاذ القرارات، واحتجاجاً على ممارسات الإخوان المسلمين الاستبدادية في السلطة.

في إطار هذه الأجواء، عاد المسيحيون إلى الكنيسة طلباً للحماية، وعاد البابا الجديد إلى استراتيجية سلفه، حيث تصرّف بوصفه الممثّل الوحيد للأقباط في المجال السياسي. فاعتمد البابا تواضروس الثاني لهجة ناقدة نحو جماعة الإخوان المسلمين، متّهماً إياها بتهميش الأقباط. كما ذهب أبعد من ذلك، فاعترض على بعض سياسات مرسي الأخرى، بما في ذلك محاولته إقالة عدد من القضاة.

في غضون ذلك، انتهزت جماعة الإخوان المسلمين فرصة انخراط الكنيسة في السياسة لحشد الدعم لسياساتها في أوساط بعض المسلمين المحافظين دينياً. وخلال الجدل حول الاستفتاء الدستوري في كانون الأول/ديسمبر 2012، اتّهم الإخوان الكنيسة بتعبئة الراهبات للتصويت ضد مشروع الدستور. وقد سهّلت المزاعم القائلة بأن المعارضة قبطية في الأساس، على الإخوان إقناع المسلمين المحافظين بالتصويت بالموافقة على الدستور، ولاسيّما في صعيد مصر. كما اعتُمِدَت الاستراتيجية نفسها لتشويه الدعوة إلى احتجاجات ضد مرسي في 30 حزيران/يونيو 2013. وطالبت أصوات إسلامية مقرّبة من جماعة الإخوان المسلمين الكنيسة بألا تعرّض حياة المسيحيين إلى الخطر، مُلمِّحةً إلى أن المسيحيين سيشكّلون غالبية المتظاهرين في ذلك اليوم بهدف ثني المسلمين عن الانضمام إليهم.

الواقع أن الكنيسة أدّت دوراً مهماً في إطاحة مرسي. فبعد الاحتجاجات الواسعة التي جرت في 30 حزيران/يونيو، دعا الجيش ممثّلين عن السلطة القضائية والحركات الشبابية والمعارضة السياسية والكنيسة القبطية والأزهر، المؤسسة الدينية الرائدة في مصر، يوم 3 تموز/يوليو، إلى البحث في إيجاد حلٍّ للأزمة السياسية. وافق المشاركون، بمَن فيهم البابا تواضروس الثاني، على ضرورة عزل مرسي وعقد انتخابات رئاسية مبكرة. وألقى البابا تواضروس الثاني خطاباً عبّر فيه عن تأييده لتدخّل الجيش وللعملية السياسية الجديدة التي أعلن عنها السيسي، الذي كان وزيراً للدفاع آنذاك.

كما شاركت الكنيسة في اللجنة التي كُلِّفَت بصياغة نسخة معدّلة من دستور العام 2012 الذي تم اعتماده خلال فترة حكم الإخوان المسلمين. فضلاً عن ذلك، أيّد البابا تواضروس الثاني مشروع الدستور الجديد، وكتب مقالاً في صحيفة الأهرام المملوكة للدولة يدعو فيه المصريين إلى الموافقة عليه في الاستفتاء المُقرَّر إجراؤه في كانون الثاني/يناير 2014. كما شجّع السيسي على خوض انتخابات الرئاسة، واصفاً ترشيحه بالواجب الوطني

زادت استراتيجيات جماعة الإخوان المسلمين والكنيسة في هذه الفترة من مستوى الاستقطاب الديني بين المسلمين والمسيحيين المصريين. فكانت النتيجة دوّامةً من العنف الطائفي، حيث اتّهم كل طرف الطرف الآخر بشنّ هجمات على أتباعه

اتّهمت جماعة الإخوان المسلمين الكنيسة بأنها جزء من المؤامرة ضد الرئيس السابق مرسي. ففي آب/أغسطس 2013، اتّهم الموقع الرسمي لجماعة الإخوان الكنيسة بإطلاق النار على متظاهري جماعة الإخوان المسلمين في الجيزة.

بعد تفريق اعتصامات جماعة الإخوان المسلمين في صيف العام 2013 في القاهرة والجيزة، هاجم متظاهرون غاضبون الكنائس والممتلكات القبطية، وألقى العديد من الأقباط بمسؤولية العنف على عاتق جماعة الإخوان. فوفقاً لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، تعرّضت 42 كنيسة على الأقلّ إلى الهجوم خلال أقلّ من عشرة أيام في آب/أغسطس 2013، حيث أُحرِق أو تضرّر 37 منها.

مستقبل العلاقات بين الكنيسة والدولة

دعم الكنيسة للمسار السياسي بعد تدخّل الجيش في العام 2013 منحها مكانةً متميّزةً في النظام الجديد، ما دفع الكنيسة إلى محاولة إحياء الاتفاق القديم الذي كانت عقدته مع نظام مبارك. وساعدت التغييرات التي قامت بها الدولة الكنيسةَ على استعادة مكانتها باعتبارها الممثّل الوحيد للطائفة القبطية.

فبعد إحكام السلطة السياسية الجديدة قبضتها على المجال العام، فقَدَت الحركات الشبابية، بما فيها “اتحاد شباب ماسبيرو”، قدرتها على التعبئة. كما فقَدَ الساسة الأقباط نفوذهم، إذ يبدو أن النظام الجديد لا يرى دوراً يُذكَر للأحزاب، فلم يعقد الرئيس السيسي أي اجتماعات مع الأحزاب السياسية إلى الآن.

مع ذلك، جلبت استراتيجية الكنيسة السابقة معها العديد من المشاكل، وفي ظل البيئة الحالية من الاستقطاب السياسي والمجتمعي، قد تكون للعودة إلى هذا النهج عواقب ضارّة على الطائفة القبطية:

1ـ غالباً ما فشل هذا النهج القائم على قنوات الاتصال الجانبية بين الكنيسة والسلطة السياسية، في تسوية المظالم القبطية في الماضي. كما حرم الأقباط من حقوقهم باعتبارهم مواطنين مصريين، لأن الكنيسة والنظام حاولا في كثير من الأحيان التوصّل إلى تسويات خارج إطار القانون. وغالباً ما كانت هذه الحلول تهدف إلى احتواء التوتّرات الدينية، لا إلى معالجة أسبابها. ولذا، يتعيّن على الكنيسة أن تنسحب من هذا النوع التفاوض، وتطالب بتطبيق القانون على جميع المشاكل المتعلّقة بالمسيحيين. وإذا ما وضعت الحكومة مبادئ المواطنة وسيادة القانون موضع التنفيذ بصورة كاملة، فستُتاح الفرصة للأقباط للمطالبة بحقوقهم الدينية والسياسية باعتبارهم مواطنين مصريين، بدلاً من انتظار أن تتفاوض الكنيسة مع النظام السياسي بالنيابة عنهم.

2ـ يعمّق هذا النهج عزلة الأقباط ويثنيهم عن الانضمام إلى الأحزاب أو الحركات السياسية، وذلك من خلال تشجيع أعضاء الكنيسة على الاعتماد على الزعماء الأقباط لإيصال مطالبهم السياسية والاجتماعية. وهذا يعيق تفاعلهم مع القوى السياسية الأخرى واندماجهم في المجتمع المدني والسياسي، ويتسبّب بعدم مشاركة الأقباط إلا في الأنشطة التي تنظّمها الكنيسة. ولذا، يجب على الكنيسة الامتناع عن تمثيل الأقباط سياسياً، والسماح للجهات الفاعلة العلمانية القبطية، بدلاً من ذلك، بالدفاع عن مصالحهم في المجال السياسي. وحتى في ظل القيود الجديدة المفروضة على المجتمع المدني والسياسي في مصر، ينبغي على الجهات الفاعلة القبطية أن تنضمّ إلى الأحزاب والحركات السياسية الأخرى في نضالها من أجل إرساء نظام ديمقراطي.

3ـ تعزّز استراتيجية الكنيسة السابقة الاعتقاد بأن الأقباط طرف متجانس واحد. فقد عملت الكنيسة على توحيد صوت الطائفة القبطية في المجال السياسي بهدف زيادة التأثير القبطي في المناقشات السياسية إلى أقصى حدّ ممكن. وهذا يفضي إلى وضعٍ يمكن أن تعرِّض فيه قرارات الكنيسة حياة أي قبطي وممتلكاته إلى الخطر، حتى لو لم يشارك فعلياً في اتخاذ خيار سياسي. وبالتالي، ليس ثمّة حاجة للأقباط إلى أن يتحدّثوا بصوت واحد. فالواقع أنه سيكون من المفيد والمجدي للأقباط أن يشاركوا في الجماعات والحركات المختلفة وفقاً لميولهم السياسية.

خاتمة:

احتفل البابا تواضروس الثاني بالذكرى الثانية لترسيمه بطريركاً في تشرين الثاني/نوفمبر 2014، ولذا من الضروري أن يعيد النظر الآن في دور الكنيسة في المجال العام. يتعيّن على الكنيسة القبطية أن تتحوّل من الاعتماد على الدولة إلى الاعتماد على المجتمع المدني. وهذا التحوّل يمكن أن يحدث على مستويَين: مستوى الخطاب، ومستوى الأنشطة.

فيما يتعلّق بالخطاب، ينبغي أن تميّز الكنيسة بين الدفاع عن القيم العالمية في المجال العام، وبين المشاركة في صفقات مع الدولة أو الأحزاب السياسية. ففي حين أن الدفاع عن القيم العالمية ضروري ويحسّن الصورة العامة للكنيسة في نظر المصريين، قد تكون للمشاركة في الصفقات عواقب وخيمة لأنها تجعل الكنيسة جزءاً من النظام السياسي. يجب أن تُدمَج مُثُل الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان في خطاب الكنيسة. فلن يحصل الأقباط على حقوقهم الاجتماعية والسياسية الكاملة، جنباً إلى جنب مع المصريين كافة، إلا عبر النضال من أجل إرساء نظام سياسي يحترم هذه المبادئ.

أما فيما يتعلّق بالأنشطة، فيتعيّن على الكنيسة أن توسّع عملها، الذي يقتصر حالياً على الأعمال الخيرية الموجَّهة إلى المسيحيين المعوزين، ليشمل المشاريع التنموية التي تخدم كلاً من المسلمين والمسيحيين. ومن شأن هذا النهج أن يساعد على سدّ الفجوة بين المجموعتين الدينيّتين ويخفّض مستوى الاستقطاب الديني، ولاسيما في صعيد مصر، حيث تبدو مؤسّسات الدولة ضعيفة، والانتماءات الدينية هي المهيمنة.

يمكن للكنيسة القبطية، من خلال تعديل خطابها وإعادة تعريف رسالتها، أن تضطلع بدور إيجابي في العملية الانتقالية في مصر، فتساهم في ضمان الحقوق الكاملة للأقباط ضمن نظام ديمقراطي، وتخفّض مستوى الاستقطاب الديني في البلاد (1).

——————————–

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”، والمقال كتبه: جورج فهمي، منشورات كارنيجي، 22 ديسمبر 2014، تاريخ زيارة الموقع 23 سبتمبر 2016.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close