fbpx
قلم وميدان

زيارة الملك سلمان للولايات المتحدة

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

كانت زيارة الملك سلمان لواشنطن، هي أبرز الأحداث التي يمكن إطلاق مصطلح “حدث الأسبوع” عليها، فالإعلام الورقي السعودي؛ ركز على حسن الوفادة التي أبداها أوباما للملك سلمان، وكذلك “ثقل” المملكة، وكيف أن الزيارة أثبتت قدرة السعودية على التأثير على القرار الدولي وما إلى ذلك. لكن كانت افتتاحية “الاقتصادية” يوم 6 سبتمبر، ذكرت بعض الأمور المهمة التي تلخص الموقف من الزيارة؛ حيث قالت:

حصلت المملكة والمنطقة على التأكيدات الرسمية الأمريكية حيال هذا الأمر، وهذا يعني أن الاتفاق سيمر بمرحلة اختبار ضرورية، بالنظر إلى نيات إيران حيال كل دول المنطقة. ولعل من أهم النقاط اللافتة أن الإدارة الأمريكية متفقة مع المملكة حول الملفات الأخرى في المنطقة، ولا سيما اليمن وسورية. وهذا يعني أنه يجب على الإدارة الأمريكية أن تمضي قدماً نحو حل أكثر سرعة للأزمة في سورية، خصوصاً في ظل الويلات المتعاظمة التي يشهدها هذا البلد، من دون أن ننسى أيادي إيران التخريبية في ملفي اليمن وسورية.

ولكنها عادت وأكدت في ختام الحديث:

هناك أرضية سعودية – أمريكية مشتركة صلبة حيال الكثير من الملفات المطروحة، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، وهذه الأرضية توفر بالفعل الأدوات المطلوبة لحل القضايا العالقة، ولا سيما تلك التي تفرز مآسي ومصائب بصورة يومية. ومحورية كل من المملكة والولايات المتحدة على الساحة الدولية، توفر أيضا تحركا أكثر فاعلية، والأهم تحركا يقود إلى حلول يطلبها المجتمع الدولي، باستثناء بعض الدول الخارجة عن السياق.

كما حظي الجانب الاقتصادي بنصيب كبيرٍ من الزيارة؛ حيث تم تقديم العديد من الفرص الاستثمارية للمستثمرين الأمريكيين في مجالات التعدين والنفط والغاز، وقطاع التجزئة، بمبالغ تقارب 500 مليار دولار، وتم بحث مجالاتٍ أخرى تتعلق بالتعاون العسكري والتعاون في مجال الصحة ومكافحة القرصنة وحماية البيئة وغيرها، مع توقيع 18 اتفاقية في مجالات مختلفة بين البلدَيْن.

واهتمت “الشرق الأوسط” اللندنية، ومصادر أخرى، يوم 6 سبتمبر، بتصريات الملك سلمان حول قوة الاقتصاد السعودي في مواجهة الأزمات، ومنها انخفاض أسعار النفط/ وذلك خلال كلمته التي ألقاها في حفل عشاء منتدى الاستثمار الذي أقامه مجلس الأعمال السعودي – الأمريكي في العاصمة واشنطن، يوم 4 سبتمبر؛ حيث أكد الملك سلمان أن الاقتصاد السعودي “يتمتع بمقومات يستطيع بها مواجهة الظروف الاقتصادية والأزمات الإقليمية والدولية، ومن أهمها التغلب على التحديات التي يفرضها انخفاض أسعار النفط على اقتصادنا”.

وبدا الهاجس الأمني واضحًا في حديثه، في صدد تأثيراته على الاقتصاد السعودي؛ حيث أكد الملك سلمان أن الرياض وواشنطن “عملتا خلال الـ70 عامًا المنصرمة، جنبًا إلى جنب لمواجهة كل التحديات التي تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة”، ودعا الشركات الأميركية إلى الاستثمار بفعالية في السعودية.

كما أعلن سلمان خلال المنتدى عن إصداره حزمة توجيهات إلى وزارة التجارة والصناعة، والهيئة العامة للاستثمار بدراسة كل الأنظمة التجارية والاستثمارية بغرض تسهيل عمل الشركات العالمية، وتقديم الحوافز بما فيها العمل المباشر في الأسواق السعودية.

أبرز التغطيات للزيارة جاءت في مقال مهم للغاية للكاتب اللبناني، سليم نصار، بعنوان: “زيارة تصحيح إزدواجية مسار أوباما”، نشرته “الحياة” اللندنية، في نسختَيْها الورقية والإلكترونية، يوم 5 سبتمبر؛ حيث تناول فيه نصار بوضوح وموضوعية كاملتَيْن، واقع العلاقات بين الطرفَيْن، وأوجه الأزمة فيها، وموقف الإعلام الأمريكي والأطراف السياسية النافذة في الكونجرس والإدارة الأمريكية من الملفات العالقة بين الرياض وواشنطن.

يبدأ فيشير إلى بدء الرياض في مراجعة عمليات التسلح، ويقول إن المملكة العربية السعودية اعتمدت في هذا المجال على سياسة تنويع المصادر منذ صفقة الصواريخ الصينية في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز. وتضمنت الصفقة الأولى في حينه امتلاك منصات عدة لصواريخ يبلغ مداها 1600 ميل، من طراز “CSS-2″، بسبب رفض إدارة الرئيس رونالد ريجان في حينه تزويد المملكة بصواريخ مماثلة، بسبب ضغوط اللوبي الإسرائيلي على الكونجرس؛ حيث كانت رفض الكونجرس الموافقة على بيع صواريخ للمملكة يصل مداها إلى إسرائيل.

المهم، ان صفقة الصواريخ الصينية دشنت طريق توسيع منظومة الصواريخ؛ حيث وقعت الرياض مع موسكو عقودًا عدة، بينها شراء أنظمة صواريخ متطورة للدفاع الجوي من نوع “إس- 400”.

وقبل وفاة الملك عبد الله بن عبدالعزيز، بفترة قصيرة، عززت السعودية مشترياتها من شركات الأسلحة الأمريكية بإبرام صفقة كبيرة شملت 84 طائرة مقاتلة ومروحيات من مختلف الأنواع بقيمة ستين مليار دولار. وذكِر في حينه أن فترة التسليم قد تمتد الى أكثر من 15 سنة، الأمر الذي يعني استمرار شراء قطع الغيار ومواصلة التدريب.

ويرى العسكريون في الولايات المتحدة أن مراعاة هذه المفاضلة في التعامل لم تعد تخضع للمعايير الجديدة التي ستطبقها السعودية بعد إبرام الاتفاق مع ايران.

والسبب أن الرئيس باراك اوباما هو الذي اختار إلغاء الاتفاق التاريخي الذي عقِد عام 1945م، بين مؤسس المملكة، الملك عبد العزيز، والرئيس الأمريكي فرانكلن روزفلت على متن الباخرة “كوينسي”.

وتضمنت تلك المحادثات إعلان رغبة الطرفين في فتح صفحة جديدة من التعاون والتشاور حيال كل خطوة تقوم بها واشنطن بالنسبة الى فلسطين.

ولكن حرب 1948م، وحاجة المرشح هاري ترومان الى المال اليهودي لتغذية حملته الانتخابية، شكلتا العامل المؤثر الذي ألغى ذلك التعهد.

أما في عهد باراك اوباما فإن اكتشاف النفط الصخري، وإعلان الاكتفاء الذاتي، والقدرة على التصدير، كل هذه المستجدات شجعت الرئيس الأمريكي على اعتماد مسار سياسي – اقتصادي يقربه من إيران.

مطلع السنة الماضية تحدث أوباما عن مستقبل الشرق الأوسط وإيران أثناء مقابلة أجرتها معه مجلة “نيويوركر”، وقال ما خلاصته إن هاجسه الكبير يرتكز على ضرورة إرساء قاعدة توازن جغرافي – سياسي جديد، يمكن أن يمثل عامل استقرار لمنطقة مزقتها الحروب الأهلية ونشاطات الإرهابيين والمعارك الطائفية، ملمحًا في حديثه أيضًا الى إمكان التعاون مع ايران في مجالات أخرى غير الملف النووي.

وكان من الطبيعي أن يستنفر هذا التحول السياسي كبار المحللين والمعلقين الذين اكتشفوا في عبارات الرئيس بداية نهج يقود الى تغيير خريطة المنطقة.

ويتساءل مايكل دورن، المدير السابق لشؤون الشرق الأوسط في المجلس الأمني، عن “اللعبة الكبرى” التي تتكلم عنها إدارة أوباما، وكتب في مجلة “موزاييك”، مقالة يقول فيها إن اوباما يحلم بتقارب مع ايران شبيه بتقارب ريتشارد نيكسون مع صين ماو تسي تونج، معتبرًا الرسائل الشخصية المتبادَلة منذ العام 2009م، بين أوباما ومرشد النظام علي خامنئي، مؤشرات يصعب الاستهانة بها.

كما اعتبر أيضًا أن المفاوضات الثنائية السرية مع الرئيس حسن روحاني كانت بمثابة اتفاق ضمني مع طهران على بقاء الأسد في منصبه.

ووفق معلومات صحيفة الوول ستريت جورنال، فإن أوباما وجه رسالة إلى علي خامنئي يبلغه فيها أن قواته لن تستهدف قوات الأسد أو القوات الإيرانية في حملتها على “داعش”.

ومع دنو موعد الاتفاق، كثرت الآراء التي توجّه سهام الانتقاد إلى مشاريع أوباما الإيرانية، واشترك في هذه الحملة هنري كيسنجر، الذي أعرب عن قلقه من الاستعداد لقبول دور طهران الإقليمي على حساب أدوار الحلفاء السابقين.

وشاركه في هذا القلق مارتن إنديك، الديلوماسي اليهودي الذي عمل وسيطًا في إدارة أوباما الأولى، للخليج، والذي توقع من خامنئي عدم التنازل عن الطموحات الإيرانية.

وقد أكد خامنئي في إحدى خطبه أمام الجماهير بأن الاتفاق لم يشِر الى تغيير الأهداف السياسية والجيو – استراتيجية لإيران في المنطقة، بل العكس، وقال إن هذا الاتفاق يساعد إيران على الحفاظ على قوتها الإقليمية.

ومعنى هذا أن ايران ستشعر بقوة إضافية نتيجة الإفراج عن أموالها المجمدة، ومن المحتمل أن يكون التعبير عن ذلك المنحى بممارسة مزيد من التدخل في اليمن والعراق وسورية ولبنان، خصوصًا أن الغاية المتوخاة من تحريض الحوثيين على إرباك الجار السعودي هي التوصل الى إعلان “الجمهورية الإسلامية اليمنية” فوق جزء من اليمن الشمالي، وهي ربما من بين أهم فقرات مقال نصار.

وكان أمين عام مجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف الزياني، قد أبلغ وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، أن مخاوف الخليجيين ليست محصورة بالبرنامج النووي الإيراني، وإنما بالسعي الدائم، منذ ثورة الخميني، إلى السيطرة على المنطقة عبر مجموعات مذهبية موالية لها، في اليمن والبحرين ولبنان والعراق وسوريا.

لهذا السبب، حرص الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، على زيارة الملك سلمان في طنجة، والاتفاق معه على ضرورة إثارة هذه المسألة الخطيرة خلال محادثاته مع اوباما.

وحول المبررات الأمريكية للاتفاق مع إيران، نقل نصار تصريحات لكيري، قال فيها إن بلاده تقف إلى جانب السعودية في حربها ضد “داعش” ومختلف المنظمات الإرهابية في المنطقة، ولكنه قال ما معناه إن أوباما كان مضطرًا إلى اعتماد خيارَيْن لا ثالث لهما: إما إقناع ايران بالطريقة الدبلوماسية، وإما تهديدها بالحرب، ولكن هذا الرهان واجه قلق أوباما من نتائج الحروب التي افتعلها الإدارات الجمهورية في العراق وأفغانستان وأماكن أخرى، لذلك قرر سحب قواته من مختلف المواقع على أمل نشر سلام مستديم يحل محل الحرب بمشاركة دول المنطقة وموافقتها.

ويصف نصار ذلك بأنه “تصور ساذج”، يماثل معاهدة فرساي التي عقدت في باريس في مايو من العام 1919م، “ويعتقد اوباما أن باستطاعته تقليد تلك المعاهدة لإنهاء ما خلفه “الربيع العربي” من حروب وكوارث وعمليات تهجير غير مسبوقة”، ولكن ذلك وفق نصار، سوف يقود إلى تغيير بنية النظام الإقليمي بالكامل.

والثابت أن هذه الطموحات كانت تفتقد لرؤية استراتيجية ليست متوافرة لدى أوباما، لذلك اعتمد على مستشار خاص، هو الأمريكي ذو الأصول الهندية، فريد زكريا، المعروف بعدائه للعرب.

النصيحة الأولى التي قدمها فريد زكريا لأوباما كانت ترمي إلى تقليد نتائج الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر للصين الشعبية عام 1972م، وبما أن تلك الزيارة كانت المدخل لتغيير طبيعة النظام المتحجر، بحيث فتحت أمام ماو تسي تونج كل الأبواب الغربية الموصدة.

هكذا توقع زكريا في مقالة نشرها في مجلة “التايم”، في 14 أكتوبر 2013م، أن يحدث الانفتاح الأمريكي – الأوروبي، على ايران تغييرًا في بنية النظام وطموحاته الإقليمية.

النصيحة الثانية التي أسداها زكريا لأوباما ظهرت من خلال أسوأ مقالة كتبت عن السعودية، وقد نشرها في المجلة في 11 نوفمبر 2013م، وفيها قال إن العقيدة الوهابية مسؤولة عن انتشار “الإسلام الراديكالي الذي يغذي الحركات السلفية”، ووصف شيعة الإيرانيين بأنهم “جماعة يمكن التعاطي معها بحرية في الشأنين الديني والسياسي”، وكل ذلك يشير إلى صعوبة المسار المزدوج الذي اختطه أوباما، وفق نصار.

كان هناك تناولاً لجانب آخر من مسألة دور الاتفاق النووي الإيراني في توسيع نطاق الفوضى الإقليمية، من خلال إطلاق يد إيران في الإقليم، في مقال لجمال خاشقجي، نشرته “الحياة” اللندنية كذلك، يوم 5 سبتمبر، في نسختَيْها الورقية والإلكترونية لطبعتها الدولية، بعنوان: “هل نستطيع العيش بجوار سورية الإيرانيّة؟”،

أشار فيه إلى الهيمنة الإيرانية على سوريا.

وقال إن:

سورية الإيرانية الطائفية ستكون الخنجر الثاني، والتي أسماها بشار الأسد “سورية المفيدة” ستبقى معنا لعقود، ندخل معها في حرب تلو أخرى، نهزمها أو تهزمنا ولكنها تبقى، ربما تحظى بحماية دولية ليس بالضرورة من الروس وحدهم، حتى إسرائيل مستعدّة أن تحميها، فهي أيضاً تريد دويلات طائفية من حولها، هي دولة يهودية، لذا ستشعر بالأنس بجوار دويلات طائفية وعرقية أخرى في محيطها، جمهورية شيعية – علوية، وأخرى كردية، ثالثة درزية، هل هناك اقتراحات أخرى؟

وأوضح ذلك بنموذج يتعلق بإدارة إيران لمفاوضات وقف إطلاق النار التي تمت في إسطنبول بينهم مع ممثلين لـ”حزب الله” اللبناني، وبين “أحرار الشام” بشأن الزبداني، من دون أي ممثلين للنظام السوري أو مسئول من الحكومة السورية.

وقال في تفاصيل ذلك:

غريب أمر العرب، لم ينتبهوا إلى ما حصل في 2 آب (أغسطس) الماضي في اسطنبول، على رغم أن الاستخبارات التركية وفّرت للمعنيين منهم كل التفاصيل. هناك وفي قاعة جانبية بأحد الفنادق، اجتمع 3 شباب سوريين من تنظيم «أحرار الشام»، القوة الصاعدة في الثورة السورية، مع إيرانيين أربعة، أو بالأحرى ثلاثة، رابعهم تبيّن أنه مندوب من «حزب الله»، وظلّ صامتاً طوال الاجتماع، الإيرانيون قادوا المفاوضات بالكامل كأن «سورية ملكهم»، كما قال أحد السوريين لاحقاً لزميليه.

ثمة رمزية مهمة حصلت في ذلك الاجتماع تهمّ العرب، وتمسّ أمنهم القومي، فالإيراني يفاوض سوريًّا على رسم مستقبل سورية المقبلة، كأنها بلادهم.

المفاوضون السوريون كانوا متألمين غاضبين، أن يصبح وطنهم محلّ تفاوض، كانوا يتمنون لو كانت المفاوضات مع ممثلين عن النظام الذي يحتقرونه ويريدون إسقاطه، لكن ما حصل في ذلك اليوم في اسطنبول كشف حقيقة الوضع في سورية، والأخطر كشف احتمالات المستقبل. إنه مشروع طائفي صرف، فالإيرانيون كانوا يساومون «أحرار الشام» (السورية) على تهجير مواطنين سوريين شيعة إلى مناطق تحت سيطرتهم، مقابل انسحاب المقاتلين السوريين من الزبداني التي يبغون السيطرة عليها.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close