fbpx
اقتصاد

اقتصاد مصر2017: التعويم

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، قرر البنك المركزي المصري تعويم سعر صرف الجنيه ليتم تحديده وفقا لآليات العرض والطلب في السوق، ويُعتبر قرار التعويم أحد أهم القرارات التي أثرت على الاقتصاد المصري في مختلف المجالات منذ صدوره وحتى الان، خاصة في ظل ما تبعه من انخفاضات متتالية في سعر الجنيه في مقابل الدولار.

وعقب القرار سادت الأسواق حالة من الاضطراب الشديد الناتجة عن الانخفاض المستمر في قيمة الجنيه، وهو ما أثر بشدة على أسعار الواردات التي تشكل النسبة الكبرى من السلع الأساسية للمواطنين، هذا بالإضافة الي ضعف السيطرة الحكومية على الأسواق، مما تتسبب في ارتفاع مستمر للأسعار، زاده حدة مجموعة من القرارات الحكومية مثل قانون القيمة المضافة وخفض دعم الوقود ورفع أسعار الكهرباء والخدمات الحكومية المختلفة أكثر من مرة، وذلك في إطار برنامج شامل اشترطه صندوق النقد الدولي للحصول على القرض.

حالة الاضطراب الشديد التي سببها قرار التعويم اضطرت السلطة النقدية إلى التدخل غير المعلن بتعديل النظام الي التعويم المدار، للسيطرة على سعر الجنيه الذي تهاوي الي عشرين جنيها لكل دولار، وذلك بهدف إحداث حالة من السيطرة على الأسواق.

تزامن التعويم المدار مع مجموعة من القرارات مثل تحديد سعر للدولار الجمركي وتثبيته لمدة شهر علي الأقل ، مع إحلال البنوك المحلية محل شركات الصرافة في التعامل بالدولار ، مع وضع أسقف للسحب والايداع الدولاري، ومجموعة قرارات أخري متعلقة بالتعامل بالبطاقات الائتمانية، وبذلك حلت البنوك المحلية محل السوق السوداء واستقر سعر الجنيه إداريا بقرار من المركزي ، وعلي الرغم من حزمة القرارات هذه الا أن الثمار التي أعلن عنها المركزي عند صدور القرار والتي روج لها برنامج صندوق النقد لم تتحقق علي أرض الواقع  وهو ما يمكن بيانه كما يلي:

1- الرفع المتوالي لأسعار الفائدة:

  • اضطر البنك المركزي خلال عام على تعويم الجنيه لرفع أسعار الفائدة تدريجيا بحوالى 700 نقطة (7%) حتى الآن، وهو ما جاء اتساقا مع الموجة التضخمية الناجمة عن حزمة القرارات والقوانين الاقتصادية، وقد ترتب على هذا القرار مجموعة من التداعيات من أهمها:
  • ارتفاع العائد على الادخار لم يستطع أن يمتص أثر ارتفاع تكلفة الطاقة والوقود والكهرباء المتزامن مع ارتفاع معدل الضريبة على القيمة المضافة، ولذلك استمر متوسط معدل التضخم في حدود 30%.
  • تزايدت تنافسية العوائد على أدوات الدين المحلية، وخاصة أذون الخزانة لارتفاع عائدها وسيولتها، وقد شهدت السوق المصرية تدفقات أجنبية – وإن كانت تعتبر أموالاً ساخنة في نهاية الأمر- خاصة بعد تزايد العائد عليها حتى تخطي اجمالي استثمار الأجانب فيها 19مليار دولار.
  • مع تزايد مدفوعات الفوائد، ومع افتراض أن الارتفاع الحالي في أسعار الفائدة هو ارتفاع مؤقت حتى 2018، فإن مراجعة التوقعات تشير لزيادة عجز الموازنة خلال العام المالي الحالي 18/2017 من 418 مليار جنيه (10.1% من الناتج المحلي الإجمالي)، إلى حوالي 431 مليار جنيه (10.5% من الناتج المحلي الإجمالي)، ويعتبر هذا هو الأثر السلبي الأكبر لرفع أسعار الفائدة، حيث أن الحكومة هي المقترض الأكبر من الجهاز المصرفي، ويؤدي تزايد مدفوعات الفوائد إلى ابتلاع ما يتم ترشيده من منظومة الدعم وغيره، وهو أثر سلبي يعاكس أي أثر إيجابي محتمل على التضخم.
  • ارتفعت تكلفة الاستثمارات الخاصة مما دفع المستثمرين إلى تفضيل الادخار عن الاستثمار لتفادي تكلفة التمويل المرتفعة ومخاطر الاعمال.

2- خسائر الشركات:

شكل قرار التعويم أثاراً كارثية على معظم شركات القطاعين العام والخاص، ونتجت الخسائر من ارتفاع أسعار الواردات من مدخلات الإنتاج والمواد الخام المستوردة كنتيجة لانخفاض قيمة الجنيه، وكذلك ارتفاع أسعار الآلات والمعدات وقطع الغيار المستوردة، وهو ما اضطر الشركات الي رفع أسعار المنتجات فانخفض الطلب عليها، مما شكل عبئا على المنتج المحلي.

  • لم تستطع الشركات أن ترفض كليا الاستجابة لمطالب العمال برفع الأجور اتساقا مع الظروف السوقية السائدة، ورغم الاستجابة المتدنية الا أن رفع الأجور ساهم في الضغط على جانب التكاليف في موازنة هذه الشركات.
  • ما أعلنته الحكومة عن أرباح لشركات القطاع العام يحتاج لتفصيل موسع، وعموما تلك الأرباح لا تتناسب كلية مع رؤوس أموال الشركات وحجم قدراتها الإنتاجية، وبالتالي فان تحقيق الربح يعكس رغبة حكومية تتوافر لها الإمكانات بعيدا عن الظروف الاقتصادية.
  • بالطبع الشركات المرتبطة بالسلع التصديرية حققت أرباحا معتبرة في ظل انخفاض قيمة الجنيه، ولكن يمكن لفت الانتباه الي أمرين، أولهما استدامة تلك الأرباح في حال تحسن قيمة الجنيه (ونعني بذلك ان الربح لم يتولد من ظروف وإمكانات الشركة الذاتية بقدر ما خضع لعوامل خارجية)، وثانيهما أن قيمة الربح ذاتها تتآكل في حال استيراد الشركة لأية مدخلات أجنبية، إضافة لما تواجهه من تحديات داخلية.
  • يدلل على التحليل السابق تراجع مؤشر مدير المشتريات الرئيسي التابع لبنك الإمارات دبي الوطني في مصر طيلة 25 شها الماضية وحتى نوفمبر الماضي الذي شهد تحسنا طفيفاً، وبرر صناع المؤشر التحسن الأخير بوصول الطلب الأجنبي على السلع والخدمات المصرية إلى مستوى قياسي مرتفع، لافتين إلى بدء تراجع تضخم أسعار كلٍ من مستلزمات الإنتاج والمنتجات لأقل من متوسطها على المدى الطويل.

3- أثر التعويم على الصادرات والواردات:

– سوقت الحكومة السيطرة على عجز الميزان التجاري من بين أهم مبررات التعويم، وبالفعل سجلت الواردات تراجعا خلال النصف الأول من العام الجاري بنسبة 30%، لتصل إلى 24 مليار دولار، مقابل 34 مليار دولار خلال نفس الفترة العام الماضي، وفي المقابل ارتفعت الصادرات 8 % إلى أكثر من 11.1 مليار دولار، مقابل نحو 10.2 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي، وانعكس ذلك على الميزان التجاري الذي سجل تراجعا بنسبة 46 % ليصل إلى 13 مليار دولار، مقابل 24 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي.

– عموما يمكن التأكيد على أن تراجع الواردات خلال العام الفائت هو تراجع مرحلي ومؤقت، ثم من المتوقع أن ترتفع مرة أخرى تأثرا بالزيادة المتوقعة في الأجور، ومرتبات الأفراد، وهو أمر طبيعي سبق وأن شهدته العديد من الدول التي سبق وأجرت تجربة لخفض قيمة عملتها المحلية، مثل لبنان وتركيا والبرازيل، وكذلك في ظل عدم زيادة الانتاج المحلى بما يغطى نمو الطلب المنكمش بفعل تآكل القوة الشرائية والدخول.

– الصادرات المصرية زادت خلال النصف الأول من العام 2017، مقارنة بنفس الفترة من العام 2016، حيث سجلت 11 مليارا و130 مليون دولار، مقابل 10 مليارات و295 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام 2016، بزيادة نسبتها 8%.

– يمكن القول بأن ما تحملته الدولة من زيادة في تكلفة الواردات على الموازنة العامة للدولة ومعيشة الأفراد، فاق ما جنته من أرباح الزيادة الطفيفة في الصادرات، فالواردات الرسمية وغير الرسمية توازى 100 مليار دولار، سنويا، وقد تنخفض لـ 80 مليار دولار هذا العام ، وبالتالي فإن زيادة سعر الدولار من 8.88 جنيه لقرابة 18 جنيها، سيكون أثره على التكلفة الإضافية للواردات حوالى 800  مليار جنيه،  مقابل 32.4 مليار جنيه ربحتها الدولة من زيادة الصادرات، لو افترضنا حفاظ الأخيرة على نسب النمو التي حققتها خلال النصف الأول من العام، حيث اقتربت من 900 مليون دولار.

– الزيادات في مؤشر الصادرات، زيادة “طفيفة”، وناجمة عن زيادة صادرات شركات إلكترونيات شهيرة مثل “إل جى”، و “سامسونج”، مستفيدة من اتفاقية الكوميسا التي تعفى مصر من الجمارك مع عدة دول أفريقية، وذلك يعني استفادة محدودة للاقتصاد جراء هذه الزيادة سواء من حيث عدد المشتغلين، أو حتى من الانتشار التكنولوجي.

– الحكومة خفضت الواردات وخلقت مقابلها أربعة أزمات، تمثلت في التضخم، وما نتج عنه من ركود وخفض سرعة دوران رأس المال، وتسريح العمالة لتقليص النفقات، فضلا عن تسبب بعض القرارات مثل القرار 991 و43 في الإساءة لصورة مصر بالخارج، إذ يشترطان للاستيراد تسجيل المصانع المصدرة لمصر، وتتعنت الوزارة في مرحلة التسجيل لتقييد الاستيراد، وهذا له تداعيات على تراجع جاذبية السوق المصرية للاستثمار.

– الزيادة في قيمة الواردات البترولية تبتلع معظم الوفر في مدفوعات الواردات الأخرى، وحيث أنه لا يوجد توقعات بانخفاض قوي بل هناك ارتفاعا في الأسعار في الآونة الأخيرة، لذا نتوقع استمرار هذا الوضع لفترة، حتى تعكس الواردات البترولية بشكل كاف التحسن المرتقب في إنتاج مصر من الغاز الطبيعي.

– جزء من الوفر البالغ 2 مليار دولار في الواردات غير البترولية هو مصطنع بشكل أو بآخر، حيث أنه يعد ناتجاً عن “صدمة” أكثر منها استجابة طبيعية أو تدريجية من السوق بإحلال الواردات ونحوه، فقد ساهمت بعض الإجراءات – كزيادة الجمارك على بعض الواردات، وحصر الحصول على العملة الأجنبية على السلع الضرورية – في تقييد حجم الواردات غير البترولية، ومع تخفيف بعض تلك الإجراءات قد تعود بعض الواردات للارتفاع مجدداً، خاصةً أن الطلب على بعض الواردات ذو طبيعة غير مرنة للأسعار.

الخلاصة هناك صعوبة في وصف سياسات الحكومة تجاه خفض عجز الميزان التجاري “بالناجحة”، وسط النتائج السلبية الأخرى على حركة السوق، مثل الكساد، وزيادات الأسعار، ونقص معروض السلع، واستمرار سعر صرف عند مستويات قريبة من 18 جنيها، كذلك إنه لا يمكن الاشادة بالإنجازات، مثل افتتاح مصانع جديدة (علي قلتها) دون الالتفات لآلاف المصانع التي تغلق أبوابها، في عدة مناطق صناعية، ومنها العاشر من رمضان، وبدر، و6 أكتوبر، نتيجة لارتفاع أسعار الخامات، وزيادة الأجور والخدمات، بالإضافة إلي الاجهاز علي البيئة الانتاجية والصناعية لصالح كبار المحتكرين شركاء الجهات السيادية أو لصالح الجهات السيادية ذاتها.

4- أثر التعويم على الاستثمار الأجنبي:

ساهم قرار التعويم في تزايد التدفق النقدي بشقيه، غير المباشر، والمتمثل في تزايد استثمارات الأجانب في سندات الدين الحكومي والبورصة، علاوة على الاستثمار الأجنبي المباشر، الموجه بالأساس لقطاع النفط والغاز الطبيعي.

وتشير البيانات الرسمية الي ان العام المالي 2016 – 2017 شهد ارتفاع المؤشرات الخاصة بالاستثمار، حيث ارتفع صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى نحو 6.6 مليار دولار خلال الفترة من يوليو 2016 إلى مارس 2017، من العام المالي 2016- 2017، مقارنة بنحو 5.9 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام 2015- 2016 بنسبة زيادة بلغت 11.9%.

كما أوضحت أنه من المتوقع أن يبلغ صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر نحو 8.7 مليار دولار خلال العام المالي 2016- 2017، مقارنة بنحو 6.9 مليار دولار خلال العام المالي 2015 -2016 بنسبة زيادة تقدر بنحو 26%، ووفق المؤشرات من المتوقع أن تتجاوز تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خلال العام المالي الجاري 2017- 2018 أكثر من 10 مليارات دولار.

كما قفزت تدفقات الأجانب في الأوراق المالية المصرية إلى 19 مليار دولار بنهاية نوفمبر 2017، الا انه يجب التحذير من خطورة الأموال الساخنة” الباحثة عن الربح السريع بفضل ارتفاع أسعار الفائدة، وتخارجها سريعا، كما أن أي ارتفاع مفاجئ وقصير الأمد في قيمة الجنيه قد يدفع الاستثمار الأجنبي للخروج من أدوات الدين المحلي، خاصة في ظل تنافسية عوائد البورصة المحلية.

عموما يمكن القول أن اصدار تشريع جديد للاستثمار ، ولائحته التنفيذية والمؤتمرات واللقاءات لا يحسن المناخ الاستثماري، وأنه حتى الآن الاستفادة المحققة  من التعويم هي ضخ عملة أجنبية من خلال الاموال الساخنة في ظل الوضع السياسي المحلي والاقليمي، وجذب المؤسسات المالية الكبرى للاستثمار في السندات الخارجية، وهو ما انعكس على زيادة احتياطي العملة الصعبة، وكذلك أدي الي رفع الدين الخارجي إلى 80 مليار دولار، إلا أن التعويم حتي الان لم يستطع اجتذاب استثمارات أجنبية مباشرة في قطاعات إنتاجية بخلاف قطاعي البترول والغاز، أما التوسع في باقي القطاعات الاستثمارية وتحقيق طفرة تسهم في استقرار الدولار، فيتطلب استقرارا في السياسات المالية والنقدية وتحجيم السيطرة على عجز الموازنة والتضخم ووقف عمليات طباعة النقود العشوائية التي قد تدفع العملة المحلية لمزيد من التدهور خلال سنوات، ويمكنني التأكيد أن كل ما تم حتى الآن لا يكفى لجذب الاستثمارات طويلة الأجل والجادة.

5- التضخم بعد التعويم

سجل التضخم في مصر في أغسطس الماضي أعلى مستوياته منذ يونيو 1986، عندما بلغ 35.1 بالمئة، كما أنه ثاني أعلى مستوى على الإطلاق منذ بدء تسجيل بيانات تضخم المدن عام 1958.

كان التضخم بدأ موجة صعود حادة عندما بدأ التعويم، وكان تراجع المعدل لشهر نوفمبر الماضي إلى 26.7%، خلال شهر نوفمبر مؤشرا اعتبرته الحكومة دليلاً على تحسن الأداء وبداية موجة من الانخفاض التدريجي.

– كان انخفاض قيمة الجنيه والقرارات الاقتصادية وعلي رأسها التخفيض التدريجي لشرائح الدعم العناصر الأهم في ارتفاع معدل التضخم باضطراد، لكن هناك عوامل هيكلية أخرى ساهمت في زيادة التضخم.

– الأثر المباشر لارتفاع أسعار السلع المستوردة يسهم بنسبة ضئيلة في ارتفاع معدلات التضخم، لكن الزيادة الأكبر تمر بصورة غير مباشرة؛ نتيجة زيادة أسعار السلع نصف المصنعة التي تؤثر على مدخلات الإنتاج، ومن ثم أسعار المستهلكين، وهذا الانتقال ليس فورياً، ويستمر على مدى فترة سنتين أو أكثر، كما أن الزيادة لا يجب أن تنعكس بالكامل على الأسعار، نظراً إلى وجود العديد من السلع التي يتم التحكم في أسعارها، عدد قليل من المصنعين المحليين الكبار في قطاعات السلع الاستهلاكية.

– انخفاض حدة المنافسة على مستوى السلع الاستهلاكية، وبالتحديد تجارة المواد الغذائية، التي هي المحرك الرئيسي للتضخم، فالغذاء باستثناء الفواكه والخضروات المتقلبة موسمياً تمثل حوالي 34% من متوسط إنفاق الأسرة، و31% من سلة التضخم.

ـ ضعف التنافسية في السوق المحلى يمكن المنتجين من تنفيذ هذه الاستراتيجية، فوفقاً للتقرير الأخير الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي عن التنافسية حلت مصر في المرتبة 112 من أصل 138 دولة من حيث كفاءة السوق للسلع وفى المرتبة 127 من حيث شدة المنافسة المحلية. المنافسة المحدودة في سوق التجزئة للمستهلكين تفسر استمرار التضخم المرتفع على مدى فترة طويلة في السنوات السابقة، رغم دعم استخدام الطاقة الإنتاجية بشكل كامل.

كذلك يمكن أن نأخذ بعض العوامل الأخرى في الاعتبار ومنها:

  • التضخم بطبعه ظاهرة لها قصور ذاتي inertial inflation ، إذ من الممكن أن تستمر الأسعار في اتجاه مرتفع حتى مع زوال الأسباب التي أدت لارتفاعها من البداية، وإن اختلفت حدة الأمر في الاقتصاديات المختلفة، فكلما زادت مخاطر وتوقعات التضخم في دولة ما، ارتفعت حدة القصور الذاتي في رفع معدلات التضخم.
  • هذه الظاهرة تُفسر بقيام الأطراف المختلفة في الاقتصاد بالتعامل وفقا للتضخم المتوقع، وتوجيه الأسعار بناء عليه، ما يؤدى لارتفاعه بالفعل، وهو نوع من بطء الاستجابة أو ما يسمى بالجمود rigidity في الاقتصاد، إذ تستجيب بعض المتغيرات للعوامل المختلفة بشكل أبطأ من سواها، وتم قياس حدة القصور الذاتي في مصر عبر بعض الدراسات، منها دراسة قام بها صندوق النقد الدولي على سبيل المثال، ووجدت أن حوالى 40% من التضخم يعود لعوامل مستمرة منذ أكثر من عام، أي أن بعض العوامل استمرت في التأثير على معدلات التضخم لفترة تجاوزت حتى وجود السبب ذاته.
  •  تحليل مشابه للبيانات الشهرية للتضخم خلال الفترة الزمنية 2000 – 2017، أوضح أن وزن العوامل بطيئة الاستجابة يمثل 27.7% من تفسير التضخم في مصر.
  • العوامل الهيكلية لها أثر كبير، فرغم تبني البنك المركزي سياسة نقدية تستهدف التضخم، إلا أنه استمر في الارتفاع بشكل مضطرد خلال العقدين الأخيرين، ويعود ذلك جزئيا لأسباب في تركيب الاقتصاد نفسه وأداء السياسة المالية، إذ إن استمرار وتفاقم عجز الموازنة لسنوات أدى لارتفاع مزمن في المعروض النقدي، بما انعكس بدوره على معدلات التضخم، فخلال الفترة من أكتوبر 2015 حتى مايو 2017 بلغ معامل الارتباط correlation بين المعروض النقدي M1 ومعدلات التضخم السنوي حوالي 88%.
  • الصدمات: تشير الدراسات أن حوالي 45 إلى 50% من هيكل معدلات التضخم خلال الشهور السابقة يعود إلى أثر تحرير سعر الصرف، أو ما يطلق عليه pass-through effect ، إضافة إلى قرارات الإصلاح المالي وخفض الدعم، فبافتراض غياب القرارات المذكورة، قد نجد أن معدلات التضخم كانت ستستقر عند مستويات تقارب الـ13%.
  • التحليل السابق يوضح أن التضخم في مصر يعود في مجمله لمجموعة من العوامل النسبة الكبرى منها قرار التعويم وما تبعه من قرارات اقتصادية، وبعضها الاخر هو عوامل خلل هيكلية تتعلق بطبيعة الاقتصاد المصري، وبناء علي ذلك فانه قد يستمر انخفاض معدلات التضخم خلال الفترة القادمة، ولكن مع ملاحظة وجود حدود لهذا الانخفاض خاصة في ظل آثار التعويم والقرارات الاقتصادية المستمرة والتي يتوقع موجة جديدة منها عقب الانتخابات الرئاسية، وكذلك فان احتمال الارتداد العكسي قائما بشدة في ظل تدهور الوضع الإنتاجي المحلي والتزايد المحتمل للواردات خلال الفترة القادمة مع استيعاب الأجور لصدمة انخفاض قيمة العملة،  كما أن الفساد والتراجع التنافسي في السوق المصري يدعم اتجاه الارتفاع مرة أخري لمعدلات التضخم (1).

————–

الهامش

1 الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close