fbpx
تقاريراوروبا وامريكا

الإدارة الأمريكية والجنائية الدولية: أمريكا أولاً

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

الإدارة الأمريكية والجنائية الدولية

يعتبر السعي نحو عرقلة تمرير المعاهدات الدولية من السمات والثوابت التي تتبعها وتؤمن بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة بغض النظر عن الحزب الذي ينتمي إليه حاكم البيت الأبيض، وهو سلوك يندرج ضمن مناهضة النظام القانوني الدولي وتطويعه حسب الرؤية الأمريكية المتغطرسة، من أجل خدمة مصالحها الشخصية، وتثبيت هيمنتها على الساحة الدولية.

وقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى نهج هذا السلوك المتعالي أثناء مفاوضات تأسيس المحكمة الجنائية الدولية، سواء من خلال محاولة فرض نظام أساسي يمَكّنها من التحكم في قرارات المحكمة وإحكام سيطرتها عليها. لكن جهودها باءت بالفشل ونتيجة لذلك، وعلى إثر اعتماد نظام المحكمة بالمخالفة لطموحاتها وتوجهاتها، شرعت في شن حملة عدائية ضد المحكمة لتقويض وظائفها لا سيما إزاء رعاياها.

أولا: المنظور الأمريكي للجنائية الدولية: تعارض النظام الأساسي مع السيادة الوطنية:

لقد وقعت الولايات الأمريكية على اتفاقية روما وذلك في أواخر عهد الرئيس الأمريكي بيل كلينتون بتاريخ 31/12/2000 وفي عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن قامت الولايات المتحدة الأمريكية بسحب توقعيها وذلك في 6/5/2002. [1]

ففـي 6 مايو 2002 وجه جون بولتون مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون مراقبة التسلح والأمن الدولي آنذاك رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنـان، يُعلمـه فيهـا “أن الولايـات المتحدة الأميركية لا نية لديها لتكون طرفا في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدوليـة المصادق عليه في 17 يوليو 1998. وعلى هذا الأساس فإن الولايات المتحدة ليس لديها أي موجب قانوني ناشئ عن توقيعها في 31 ديسمبر 2000.

لقد كانت حجة الولايات المتحدة الأمريكية تتمحور دائما في كون  النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لا بل المحكمة في حد ذاتها تشكل مساسًا مباشرًا للأمن القومي الأمريكي والمصالح الوطنية حيث قررت الولايات المتحدة واستنادًا إلى ذلك أن وجود هذه المحكمة له نتائج غير مقبولة على السيادة الوطنية الأمريكية الأساسية لفكرة السيادة والاستقلال الوطني[2]، ولكن من المؤكد أن  هناك أسباباً حقيقية أخرى غير المعلنة وهي أن مثل هذه المواقف المعادية للمحكمة الجنائية هي بسبب ما قامت به الولايات المتحدة في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن من حروب في أفغانستان في 2001 واحتلال العراق في 2003، الأمر الذي يستدعي تواجد القوات الأمريكية في الخارج و بالتالي ارتكابها للجرائم ودخولها تحت طائلة النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية.[3]

وبالرجوع إلى العراقيل التي وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية حتى لا تخرج المحكمة إلى النور نجد أن ديباجة المعاهدة استثنت العدوان (عدوان الدول على غيرها أو اجتياحها)، لأن أمريكا عارضت بقوة إدخال العدوان في اختصاص المحكمة، ومعها عدد غير قليل من الدول، إلا أن هذه المعارضة لم تنجح إلا في تأجيل البحث في العدوان مؤقتا.

وهنا بالفعل نجد بأن واقعة إخراج جرم العدوان من نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية (على غرار اجتياحات إسرائيل المتكررة لأراضي لبنان وفلسطين على سبيل المثال…) تؤدي إلى تقييد يد المحكمة، ولو إلى حين.

كما عارضت الولايات المتحدة على سبيل المثال ما نص عليه مشروع القرار بصدد فتح المدعي العام تحقيقا تلقائيا في الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة، وأكد ديفيد شيفر، المندوب الأمريكي في مؤتمر روما والمسؤول في الخارجية الأمريكية عن جرائم الحرب، على رفض دولته إنشاء نيابة عامة مستقلة باعتبار أن الهدف من إنشاء المحكمة لم يكن البتة استحداث نائب عام جوال للحقوق الإنسانية يتمتع بصلاحية إلقاء التهم الجنائية كيفما شاء.

وبالرجوع إلى تصويت إسرائيل ضد المحكمة، نكتشف من غير لبس كل ما يمثله إعلان روما من مدلولات ذات عمق إنساني، فهذه الدولة التي نشأت على الأراضي الفلسطينية، ودبرت أوسع عملية منظمة لاقتلاع شعب كامل من أرضه وتحويله إلى لاجئين، عندما تقف ضد تأسيس محكمة دولية فهذا يعني أنها دولة خارجة عن القانون وتؤمن الإفلات من العقاب لكل منتهكي القانون الدولي الإنساني وعلى رأسهم مجرم الحرب “أرييل شارون”.[4]

وقد صرح مندوبها بأن حكومته لا يمكنها اعتبار الاستيطان في المناطق المحتلة من كبريات الجرائم التي تقع في نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.

ثانيا: مبررات وإجراءات المناهضة الأمريكية للجنائية الدولية

يمكن أن نرجع مبررات هذه الممانعة إلى كون الولايات المتحدة الأمريكية تخشى أن تشكل المحكمة خطرا على مصالحها الاستراتيجية الكونية، وبأن تصبح أداة سياسية ضد تصرفات جنودها المنتشرين في كل مكان في العالم، أي أن اعتراضات الإدارة الأمريكية على مشروع المحكمة ومعارضة قرار تشكيلها تنبع من حرصها على ضمان تفردها بالهيمنة العالمية، وعلى الاحتفاظ بموازين القوى داخل هيئة الأمم المتحدة التي تترجم هذا التفرد. ومن المفارقة أن الكونغرس والإدارة الأمريكيين كانا قد دعما تشكيل محكمة دولية لمقاضاة مجرمي يوغسلافيا ورواندا.

تعود معارضة الولايات المتحدة الأمريكية لإنشاء المحكمة إلى رغبتها في استثناء المواطنين الأمريكيين من الخضوع للولاية القضائية لمحكمة جنائية دولية تنظر في جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وغيرها من الجرائم التي أوردها نظام روما، واتفاقيات جنيف وغيرهما، وذلك لضمان الحصانة من العقاب لفائدة مواطنيها العاملين بالخارج من خلال تحفظاتها بخصوص ممارسة المحكمة الدولية اختصاصاتها على المواطنين الأمريكيين.[5]

وتعللت أمريكا بعدة أسباب لمعادتها للمحكمة، ومنها:

– عدم توفير الحماية المنصوص عليها في الدستور الأمريكي للمواطنين الأمريكيين.

– أنها تحد من قدرتها على التدخل العسكري.

وربما كان الخوف مما اقترفه جنودها مِن جرائم في عدة دول كالعراق وأفغانستان وغيرهما هو الدافع وراء الانسحاب.

ولعل هذا ما يفسر تهديد جون بولتون لقضاة المحكمة، وسحب تأشيرة فاتو بنسودا، وتهديد الدول التي ترفض توقيع الاتفاقيات الثنائية بالعقوبات الاقتصادية، وقطع المساعدات العسكرية.

علما بأن ترامب أصدر عفوا عن قوات كانت تحاكَم في الولايات المتحدة بتهم ارتكاب جرائم حرب في أفغانستان، حيث أثبت   التحقيق الأولي للمحكمة الدولية، الذي دام أكثر من عقد، بأن جرائم ضد المدنيين والسجن وإعدامات خارج إطار القضاء قد ارتكبت. مع وجود أساس للاعتقاد بأن الجيش الأمريكي مارس التعذيب في مراكز اعتقالات سرية تديرها وكالة الاستخبارات المركزية (سي اي ايه). وذلك بعلم وشراكة مع الحكومة الأفغانية التي مارست التعذيب بحق سجناء. وأن حركة طالبان هي الأخرى ارتكبت جرائم حرب مثل أعمال القتل الجماعي بحق مدنيين.[6]

هذا الاعتراض يبين مدى تجاهل الولايات المتحدة الأمريكية تماما لمبدأ قانوني معروف بمبدأ الاختصاص الذي يعطي الدولة الحق في ممارسة اختصاصها الجنائي على كل الجرائم الواقعة على إقليمها، فإذا ارتكب المواطن الأمريكي جريمة على إقليم دولة أخرى يكون لهذه الدولة الحق في محاكمته أو تسليمه إلى أي دولة أخرى انعقد لها الاختصاص، كما أن لها الحق أيضا في تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية كامتداد للاختصاص الجنائي الوطني للدول الأعضاء بالمحكمة والذي تنعكس ممارسته في الإجراءات اليومية التي تتخذها الدول في شأن قضايا التسليم.

1-القرار 1422 ومنح الحصانة للرعايا الأمريكيين ضد الملاحقة القضائية الدولية:

   أصدر مجلس الأمن في 12 يوليوز 2002 القرار رقم 1422 الذي يطلب من المحكمة الجنائية الدولية وفقا للمادة 16 من النظام الأساسي وقف إجراءات التحقيق أو المقاضاة في الدعاوى المتعلقة بالموظفين السابقين أو الأشخاص الحاليين المنتمين إلى الدول المشتركة في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام إذا كانت تلك الدول ليست بأعضاء في نظام روما، وذلك لمدة 12 شهرا تبدأ في 1 يوليوز 2002 إلا إذا قرر المجلس عكس ذلك. وفي هذا الاتجاه انطوى مجلس الأمن على منح حصانة شاملة إلى مواطني الدول غير الأعضاء بالمحكمة المشتركة في عمليات حفظ السلام والتي تقدر بخمس عشرة عملية في أنحاء العالم بغير إيجاد أي فعل يمثل تهديدا للسلام والأمن.

وبهذا يكون قرار مجلس الأمن مخالفا للمادة 16 من نظام المحكمة، الذي يعطي للمجلس حق طلب وقف الإجراءات بصورة مؤقتة بالنظر إلى كل قضية على حدة، ويمكن القول بأن موافقة الولايات المتحدة على هذا القرار أكبر دليل على اعترافها بالمحكمة الجنائية الدولية.[7]

2-قانون حماية لأفراد الأمريكيين العاملين بالخدمة العسكرية ASPA[8]  :

من جهة أخرى، وقع الرئيس جورج بوش في 2 أغسطس 2002 على القانون الخاص بحماية الأفراد الأمريكيين العاملين بالخدمة العسكرية [9](ASPA)، والذي يحتوي على فقرات خاصة تحرم على الأجهزة والهيئات الأمريكية التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية وأخرى تحد من مشاركة القوات الأمريكية في عمليات الأمم المتحدة المتعلقة بحفظ السلام،[10] بالإضافة إلى فقرة تتعلق بحرمان الدول الأعضاء بالمحكمة من المعونة العسكرية الأمريكية.[11]

وإذ يحظر هذا القانون على المحاكم الأمريكية والحكومات المحلية والحكومة الفيدرالية كل تعاون مع المحكمة الجنائية، يشمل كذلك حظر وقف أي شخص موجود على الأراضي الأمريكية سواء كان مواطنا أمريكيا أو من الأجانب المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية، لإحالته إلى المحكمة وحظر تخصيص موارد الحكومة الأمريكية لتمويل العمليات التي تقوم بها المحكمة لاعتقال أو حبس أو تسليم أو ملاحقة أي مواطن أمريكي أو أجنبي مقيم بصفة دائمة في الولايات المتحدة، وحظر القيام على الأراضي الأمريكية بتنفيذ أية تدابير للتحري بطلب أولي أو عمليات تحقيق أو مقاضاة أو أي إجراء آخر من إجراءات المحكمة.

 3- اتفاقيات الحصانة والإفلات من العقاب:

لم يتوقف عمل الولايات المتحدة عند هذه الإجراءات، بل بدأت تبرم اتفاقيات ثنائية bilateral immunity agreement (BIA)  مع أكبر عدد ممكن من الدول لمنع تسليم المواطنين الأمريكيين إلى المحكمة الجنائية الدولية وتسليمهم للولايات المتحدة  لمحاكمتهم عما قد يقترفونه من جرائم،[12] مما تختص بنظرها المحكمة وذلك استشهادا بالمادة 98 من النظام الأساسي[13]، وحتى تاريخ 16 يناير  2004 قامت 70 دولة بعقد هذا النوع من الاتفاقيات الثنائية مع الولايات المتحدة.[14]

ترفض العديد من الدول التوقيع على أي اتفاق تقترحه واشنطن على أساس أنها لا تريد تقويض معاهدة المحكمة الجنائية الدولية، لا يريدون إضفاء الشرعية على الحصانة، ولا يريدون إنشاء نظام عدالة من مستويين: واحد لمواطني الولايات المتحدة؛ وواحد لبقية مواطني العالم.

وفي هذا السياق قام البرلمان الأوروبي في 25  سبتمبر 2002 بإصدار القرار رقم 1300 والذي عارض فيه الاتفاقيات الثنائية التي تطالب الولايات المتحدة بعقدها مع الدول الأوروبية التي صادقت على اتفاقية روما من حيث مخالفتها للغرض الذي من أجله أنشئت تلك الاتفاقية.[15]

ثالثا: إدارة ترامب والحرب على الجنائية الدولية: من المناهضة الى العقوبات

منذ حملته الانتخابية في عام 2016، أعلن “دونالد ترامب” معارضته للكثير من الاتفاقيات والالتزامات الدولية والثنائية التي عقدها الرؤساء الأمريكيون -الديمقراطيون -السابقون، لأنها -من وجهة نظره-تقوض تحرك الولايات المتحدة دوليًّا، وكذلك مصالحها الاقتصادية والأمنية.

وفقًا لتعبير هانز مورجانثو أستاذ العلاقات الدولية الأمريكي الشهير فإنه: “في الحقل الدولي يكون الخاضعون للقانون أنفسهم هم الذين يشرعون القانون، وهم الذين يمثلـون السلطة العليا لتفسيره، وتبيان المعنى المحدد لما يسنونه مـن تشريعات. ومن الطبيعي أن يفسر هـؤلاء القـانون الدولي، وأن يطبقوا نصوصه على ضـوء مفـاهيمهم الخاصة والمتباينة للمصلحة القومية. ومن الطبيعي أيضا أن يجندوا هذه القوانين في تأييد سياستهم الدوليـة الخاصة، وأن يحطموا من هذا الطريق مـا فيهـا مـن سلطان زاجر يطبق على الجميع”[16].

 وتكشف المتابعة لمواقف ترامب تجاه المنظمات الدولية عن أنه يشن هجوما معلنا على كافة المنظمات لكنه لا يمس وجودها بالأساس؛ ولكنه ينتقد آليات عمل معظمها، ويدعو إلى إصلاحها على نحو ما يراه يحقق المصالح الأمريكية.[17]

في سبتمبر 2017، أعلن مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون أن إدارة ترامب لن تتعاون مع “المحكمة الجنائية الدولية”،[18] مهددا باتخاذ عدة إجراءات انتقامية في حال طالت تحقيقات المحكمة مواطنين من الولايات المتحدة أو إسرائيل أو أي دول أخرى متحالفة معها. أوضح أن أحد أسباب هذا الموقف طلب مدعية المحكمة المعلق فتح تحقيق في أفغانستان[19]، يمكن أن يتضمن جرائم تعذيب يزعم أن الجيش الأمريكي والسي آي إيه ارتكباها. كرر الرئيس ترامب الموقف نفسه في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018.[20]

وقد عبرت الخارجية الأمريكية في بيان لها أن المحكمة الجنائية الدولية ليست مؤسسة قضائية، بل كيان سياسي، وقد تم التأكيد على هذا الواقع المؤسف مرة أخرى من خلال محاولة مدعيها العام تأكيد ولايتها القضائية على إسرائيل التي ليست طرفا في نظام روما الأساسي، مثلها مثل الولايات المتحدة.

أعاد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بتاريخ 30 نيسان/أبريل 2020 التأكيد على محاولتها ممارسة ولايتها القضائية على الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة من خلال قرار جديد. سبق أن أوضحنا أننا لا نعتبر أن الفلسطينيين كانوا مؤهلين كدولة ذات سيادة عندما ادعوا أنهم انضموا إلى نظام روما الأساسي، وبالتالي ليسوا مؤهلين للتمتع بعضوية كاملة أو المشاركة كدولة في المنظمات أو الكيانات أو المؤتمرات الدولية، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية.[21]

تقدمت سبع دول أعضاء في نظام روما الأساسي – ألا وهي أستراليا والنمسا والبرازيل وجمهورية التشيك وألمانيا والمجر وأوغندا – بطلبات رسمية للمحكمة تؤكد على أن هذه الأخيرة لا تتمتع بالولاية القضائية للمضي قدما في هذا التحقيق، ونحن نشاطرها هذا الموقف، فالمحكمة التي تحاول ممارسة سلطتها خارج ولايتها القضائية هي أداة سياسية تسخر من القانون والإجراءات الواجبة.

وقد أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الخميس 11 يونيو 2020، أمرا تنفيذيا[22] يقضي بفرض عقوبات على مسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية،[23] ويأتي هذا الإعلان كرد على قرار استئنافي للمحكمة الجنائية، صدر في مارس 2020، بالسماح بفتح تحقيق في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في أفغانستان برغم معارضة إدارة ترامب، ويتعلق التحقيق الذي تسعى إليه المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا بتجاوزات ارتكبها جنود أميركيون في أفغانستان حيث تقود الولايات المتحدة منذ 2001 أطول حرب في تاريخها. وقُدّمت مزاعم بالتعذيب تستهدف وكالة المخابرات المركزية “سي آي إيه”.[24]

وكان قضاة المحكمة الجنائية رفضوا السماح بالتحقيق في البداية بعد تهديد واشنطن بفرض عقوبات، مع العلم أن الولايات المتحدة ليست عضوا في المحكمة.

وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو وصف المحكمة بـ “محكمة الكنغر” وأنها لن تهدد الولايات المتحدة. وعادة ما يستخدم مصطلح “محكمة الكنغر” للإشارة إلى محكمة غير رسمية تعمل على نحو لا يلتزم بمعايير القانون.

وأضاف بومبيو أن العقوبات الجديدة التي أقرها الأمر التنفيذي قد تطال أيضاً أفراد عائلات الموظفين في المحكمة لمنعهم من زيارة الولايات المتحدة.

وحصلت انتقادات بومبيو على دعم من وزير العدل الأمريكي ويليام بار الذي قال، دون تقديم أي دليل، إنّ “قوى أجنبية مثل روسيا.. تتلاعب بالمحكمة الجنائية الدولية سعيا لتحقيق أجنداتها الخاصة”.[25]

خلاصة:

يذكر ترامب في استراتيجية الأمن القومي التي قدمها في ديسمبر عام 2017 أنه يعبر عن الواقعية حيث يعترف بالدور المركزي للقوة في السياسات الدولية، ويؤكد أن الدول ذات السيادة هي الأمل الأفضل لعالم يسوده السلام، فضلا عن أنه يحدد المصالح الأمريكية على نحو واضح. من ناحية أخرى، فهو يعني بتعزيز المبادئ الأمريكية بنشر السلام والازدهار حول العالم.

 إن يأس المجتمع الدولي ونكوصه عن الوفاء بالتزاماته وواجباته الدولية بشأن إعمال قواعد المسئولية الدولية، عند ارتكاب الجرائم الدولية، يفضي في النهاية إلى سيادة شرعية الغاب، وتغول وتجبر قوى البغي والظلم والعدوان، حينما لا تجد ثمة رادعا أو مانعا. إن تفاوت القوي على الساحة العالمية لا ينبغي أن يفضي إلى تفاوت المراكز القانونية، لأن ذلك يتنافى ومعني وأساس وجوهر القانون. وفي النهاية، نقول إن النظام العالمي العادل لن يتحقق إلا حينما تعم العدالة جميع بني البشر، دونما تفرقة أو تمييز[26].

إن المحكمة الجنائية الدولية تترنح بفعل الضربات المتتالية التي تلقتها في الآونة الأخيرة وتمثلت في انسحابات عدد من الدول من عضويتها مما ألقى ظلالا من الشك بشأن مشروعيتها وقدرتها على البقاء.


الهامش

[1]– الفقرة (ب) من المادة 13 من نظام روما الاساس للمحكمة الجنائية الدولية.

[2]– كنوت دورمان، أركان جرائم الحرب، المحكمة الجنائية الدولية، المواءمات الدستورية والتشريعية، منشورات الصليب الأحمر الدولي، القاهرة، 2004، ص40.

[3] -ان الولايات المتحدة لا ترغب ان تصبح طرفاً في معاهدة رومـا، وبالتـالي فأنـه لا تفرض عليها اية التزامات قانونية قد تنتج عن توقيع 31/12/2000 وسبب ذلك انها طرف في اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لعام 1969 الذي اشارت اليه المادة 18 منها الى ضرورة امتناع الدول، ولو التزمت فقط بالتوقيع على المعاهدة عن الاعمال التـي تستهدف افساد الغرض من هذه المعاهدة.

[4] – محمد بوبوش: مستقبل المحكمة الجنائية الدولية، السياسة الدولية، العدد 212، أبريل 2018، ص: 47.

[5] – محمد بوبوش: مستقبل المحكمة…ص: 47

[6]– د. طلعت مرزوق وتامر نادي: أمريكا بين الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية وقانون قيصر، ملتقى الباحثين السياسيين العرب، 12 يونيو 2020 على الرابط

[7]-محمد بوبوش: تطور مركز الفرد في القانون الدولي العام، أطروحة لنيل الدكتوراه في العلاقات الدولية والقانون الدولي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية-أكدال-جامعة محمد الخامس-الرباط، السنة الجامعية 2012-2013، ص: 281.

[8] -American Service Members Protection.

[9] -A new law passed by Congress – the American Service members’ Protection Act (ASPA) – obliges the Bush administration to halt military aid if certain countries refuse to sign a bilateral agreement.

[10] -The ASPA exempts the following countries from the prohibition on military assistance: all NATO members, other strong allies (including, Australia, Egypt, Israel, Japan, Jordan, Argentina, the Republic of Korea, and New Zealand), and Taiwan.

[11]-Elise Keppler, The United States and the International Criminal Court: The Bush Administration’s Approach and a Way Forward Under the Obama Adm, Human Rights Watch August 2, 2009 available at:  http://bit.ly/2Za7cMV

[12] -See Human Rights Watch, Bilateral Immunity Agreements, (June 20, 2003) , visited June. 14, 2009, ICC, available at:  link

[13] -Article 98 was designed specifically to allow a country like the U.S. to obtain an exemption from ICC jurisdiction.

Human Rights Watch says: This is false. Article 98 was included in the Rome Statute to provide an orderly and rational process for the handling of suspects among states cooperating with the Court. It was not intended to allow a state that has refused to cooperate with the Court to negotiate agreements that secure exemption for its citizens or otherwise undermine the effective functioning of the Court.

[14] – أنظر بتفصيل: عادل حمزة عثمان: المحكمة الجنائية الدولية بين الشرعية الدولية والهيمنة الأمريكية، مجلة الكوفة، العدد 7، مركز الدراسات الدولية، ص: 81 على الرابط

[15] – On 25 September 2002, the Parliamentary Assembly of the Council of Europe adopted a resolution (selected excerpts from the resolution are included as Annex II to this paper). The Parliamentary Assembly stated that it was “greatly concerned by the efforts of some States to undermine the integrity of the ICC Treaty and especially to conclude bilateral agreements aiming at exempting their officials, military personnel and nationals from the jurisdiction of the Court” and that it considered that these “exemption agreements” [were] not admissible under the international law governing treaties, in particular the Vienna Convention on the Law of Treaties, according to which States must refrain from any action which would  not be consistent with the object and the purpose of a treaty”,

See: Council of Europe, Parl. Ass. Res. 1300 (2002) [1] (Risks for the integrity of the Statute of the International Criminal Court), 25 September 2002, para. 9.

See: INTERNATIONAL CRIMINAL COURT The need for the European Union to take more effective steps to prevent members from signing US impunity agreements, Amnesty International, AI Index: IOR 40/030/2002, October 2002, p:07.avaimable at:  https://bit.ly/3e1OHSQ

[16] -هانز مورجانثو: السياسة بين الأمم : الصراع من أجل الـسلطان والسلام، الجزء الثاني، تعريب وتعليق خيري حماد، الـدار القوميـة للطباعة والنشر، القاهرة، 1965 ،ص 84-85

[17] -رضوى عمار: المنظمات الدولية في عهد ترامب، رؤى مصرية، نوفمبر 2019، ص: 31.

[18]-Elizabeth Evenson: US Takes Aim at the International Criminal Court: Bolton Tirade Prompted by Looming Afghanistan Investigation ,HRW, September 11, 2018 ,available at: http://bit.ly/34RoYI9

[19]-Afghanistan: ICC Prosecutor Asks to Open Inquiry, Could Bring Victims Long Overdue Path to Justice, HRW, November 20, 2017, available at: link

[20]Matthew Kahn, National Security Adviser John Bolton Remarks to Federalist Society, The Lawfare Institute,  Monday, September 10, 2018, available at link

See also : Remarks by President Trump to the 73rd Session of the United Nations General Assembly | New York, NY, The White house, September 25, 2018, available at: http://bit.ly/2JZK0h7

[21]-MICHAEL R. POMPEO, SECRETARY OF STATE, The International Criminal Court’s Illegitimate Prosecutions, Department of state, PRESS STATEMENT, MAY 15, 2020, available at:  https://bit.ly/37zIPh9

[22]-Executive Order on Blocking Property of Certain Persons Associated With The International Criminal Court, The White house, June 11, 2020, at: link

[23]-Elliot Setzer ,Trump Signs Executive Order Authorizing Sanctions Against International Criminal Court, lawfareblog, Thursday ,June 11, 2020, available at: link

[24]-Owen bowcott,  Senior ICC judges authorize Afghanistan war crimes inquiry, The Guardian, Thursday, March 5, 2020, available at:  https://bit.ly/2AZXSV9

[25] -دونالد ترامب يفرض عقوبات على مسؤولين بالمحكمة الجنائية الدولية يحققون في جرائم حرب أمريكية محتملة في أفغانستان، هيئة الإذاعة البريطانية BBC بتاريخ 12 يونيو 2020 على الرابط: https://bbc.in/2MO6BfM

[26] – د. أيمن سلامة: المحكمة الجنائية اللبنانية ذات الطابع الدولي…نظام قانوني أم مشروع سياسي؟ السياسة الدولية، العدد 171، يناير 2008، ص:102.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close