fbpx
قلم وميدان

الغرب يتعامى عن العنف في الشرق الأوسط ويخاطر بمصالحه

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

نشرت صحيفة الجارديان البريطانية مقال رأي للدكتور عمرو دراج، مؤسس ورئيس المعهد المصري للدراسات باسطنبول والذي عمل وزيراً للتخطيط والتعاون الدولي في حكومة الدكتور محمد مرسي، بعنوان: ” الغرب يتعامى عن العنف في الشرق الأوسط ويخاطر بمصالحه”، وجاء فيه:

باخفاقه في محاسبة مصر والسعودية على جريمة مقتل جوليو ريجيني وجمال خاشقجي، فإن الغرب يجلب على نفسه الكثير من المتاعب في المستقبل.

في الأسبوع الماضي وجه والدا جوليو ريجيني – طالب الدكتوراه الإيطالي الذي قتل في القاهرة قبل ثلاثة أعوام – خطاباً مشحوناً بالعاطفة إلى عبد الفتاح السيسي في مصر، حيث قالا فيه: “طالما بقي هذا التوحش بلا عقاب، وإلى أن تقام محاكمات عادلة في إيطاليا لجميع المذنبين بغض النظر عن مواقعهم ورتبهم، فإن أحداً في هذا العالم لا يمكنه أن يقيم في بلدكم وهو يشعر بالأمن”.

وكانت جثة ريجيني قد عثر عليها في شهر فبراير من عام 2016 في حفرة على بعد حوالي 2 كم من المقر الرئيسي لجهاز الأمن الوطني. وكان جسده، الذي وُجد عارياً من خاصرته إلى قدميه، يحمل علامات واضحة لتعرضه لتعذيب وحشي. ويقول والدا ريجيني اللذان لم يتعرفا على نجلهما إلا من خلال طرف أنفه إنه لا توجد أي دلائل على أن تحقيقاً قد تم في هذه الجريمة حتى الآن وأنهما يريدان تسليم المسؤولين عن الجريمة إلى إيطاليا لمحاكمتهم.

وبعد ذلك بعامين، تم احتجاز جمال خاشقجي في مكتب القنصل السعودي في اسطنبول، حيث تشير التسجيلات الصوتية إلى تعرض الصحفي السعودي لتعذيب شديد، وأن أصابعه قد تم بترها قبل قطع رأسه وتقطيع جسده إلى أشلاء.

ولم يكن من قبيل المصادفة ذلك التشابه الكبير بين جريمة قتل ريجيني وجريمة قتل خاشقجي، فكلاهما قُتلا بسبب تأديتهما لعملهما. أما التوحش والسادية في الحالتين فلا يدلان فقط على جنون الغضب وعدم القدرة على تحمل أدنى درجات المعارضة، بل تدلان أيضاً على قناعة القتلة بأنهم لن يخضعوا لأي نوع من المحاسبة.

ومنذ الانقلاب العسكري في عام 2013، تعرض مئات الأشخاص للاختفاء القسري والتعذيب، بينما كان يتم العثور على جثثهم بعد ذلك. ووفقاً لمشروع الإنذار المبكر، فإن هناك دولتين فقط بالإضافة إلى مصر يُتوقع أن تقع بها حوادث قتل جماعي في عام 2019.

وقد رفضت مصر لمرتين حتى الآن طلباً من المدعين العامين الإيطاليين بتسمية المشتبهين في مقتل ريجيني، على الرغم من أن محامي الأسرة قد كشف عن معلومات حول 20 ضابطاً آخرين يُزعم تورطهم في مقتله. وقد فشلت الحكومة الإيطالية في أن تتابع بنفس الوتيرة رد الفعل القوي الذي أبدته على الجريمة في بداية الكشف عنها، وذلك على الرغم من تأكيد باولو جنتيلوني، وزير الخارجية الإيطالي آنذاك، على أنه لن يتم قبول أي شيء سوى الحقيقة الكاملة.

وبالتالي لم يتحمل السيسي ولا ولي العهد محمد بن سلمان المسؤولية. وسرعان ما تحول تهديد دونالد ترامب بـ “العقوبة المشددة” في أعقاب مقتل خاشقجي إلى إنكار غاضب لما توصلت إليه وكالة المخابرات المركزية الأمريكية من استنتاجات (بضلوع ولي العهد السعودي في الجريمة)، ودفاع عن “الحليف الكبير للولايات المتحدة وامتنانه الشديد (المقزز) لدوره  في خفض سعر النفط”

يعرف السيسي وبن سلمان جيداً ما الذي يمثلانه، اقتصادياً وسياسياً، بالنسبة للحكومات الغربية التي تواصل دعمهما.

فالسيسي يعرف أن مصر بالنسبة للحكومة الإيطالية، تُمثل القوة التي تضمن الأمن و “مكافحة الإرهاب” في المنطقة، فضلاً عن كونها حائط صد في مواجهة المهاجرين غير المرغوبين الذين يحدوهم الأمل في عبور البحر الأبيض المتوسط ​​إلى أوروبا منطلقين من شواطئ ليبيا. وكانت مصر بالفعل قد هددت “بإغراق” إيطاليا بالمهاجرين – وهذا احتمال لا تجرؤ الحكومة الإيطالية على المخاطرة به. ولذلك فإن صرخات والدي ريجيني كانت في واقع الأمر تواجه آذاناً صماً من الحكومة الإيطالية.

وبالمثل، فإن بن سلمان يفهم قيمة المملكة العربية السعودية بالنسبة للولايات المتحدة كشريك تجاري، ويتطلع إلى استغلال جهل ترامب المطبق وسذاجته، حيث قال ترامب عندما سُئل عما إذا كان سيوقف مبيعات الأسلحة إلى الرياض: “لا أريد أن أضر بالوظائف”، “أفضل الإبقاء على المليون وظيفة، وسأجد حلاً آخر للأمر.”

كما نجح السيسي وبن سلمان في إقناع ترامب بتغيير موقف الولايات المتحدة بشأن ليبيا ودعم خليفة حفتر، الأمر الذي سيكون له آثار سلبية كبيرة على استقرار البلاد.

لقد أبدت مصر والسعودية مراراً وتكراراً أنهما لا يعيران الديمقراطية أدنى اهتمام، وينتهكان بشكل سافر حرية الرأي والتعبير. وقد احتلت أخبار مقتل ريجيني وخاشقجي العناوين الرئيسية في الصحافة الغربية فقط بسبب صلاتهما بالغرب، لكن مثل هذه الحوادث كثيرة الشيوع في كلا البلدين. تعتقد القوى الغربية التي تتسامح مع هذا السلوك – أو تتجاهله – أن هؤلاء الحكام الأقوياء يلعبون دوراً في تعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة. وبينما تمر جرائمهم التي تتم بشكل شبه يومي دون عقاب تتردى المنطقة بشكل أكبر إلى مزيد من الفوضى.

ويبدو أن العالم الآن قد بدأ يركز اهتمامه من جديد على الشرق الأوسط، وأن أولئك الذين لم يفهموا أهمية المنطقة بدأوا يُدركون أهميتها الآن، وأن أولئك الذين كانوا يعتقدون يوماً أن النظام العالمي الليبرالي يمكن أن يظل على حاله، وأن سلطته الأخلاقية يمكن أن تستمر حتى وهم يواصلون دعم الطغاة أوالتورط معهم، قد أخذوا يُفتضحون ويتعرى نفاقهم.

وإذا تُركت الأمور هكذا دون حلول، فإن عنف الدولة السائد في منطقة الشرق الأوسط ضد أولئك الذين يؤدون وظائفهم كصحفيين أو باحثين سوف يستمر بشكل أشد وبوتيرة أكبر، وستستمر السلطوية التي تجتاح العالم العربي في الانتشار. إن القوى الغربية التي لديها الإمكانات اللازمة لتقديم الحلول ستحكم بالموت على نظامها الليبرالي الذي أسسته من قبل في حال فشلت في الدفاع عن الديمقراطية وإدانة الطغيان وإذا واصلت التعامي عن الدول التي تقتل مواطنيها أو منتقديها.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close