fbpx
دراسات

التدخل الإنساني والمبادئ العامة للقانون الدولي

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

لما كان الأساس الذى يقوم عليه القانون الدولى، هو الرضا العام للدول، أصبح من الطبيعي أن تتعدد مصادر هذا القانون بتعدد وسائل التعبير عن الرضا. والتعبير عن الرضا والإرادة إما أن يكون صريحاً، وإما أن يكون ضمنياً.. فالدول إما أن تعبر عن توافق إرادتها صراحة، ويكون هذا التعبير عن طريق إنشاء المعاهدات، وإما أن تعبر عنه ضمناً، ويكون ذلك عن طريق العرف.

وتطبيقا لذلك نصت المادة 38 من النظام الأساسى لمحكمة العدل الدولية على أن: “وظيفة المحكمة أن تفصل فى المنازعات التى ترفع إليها وفقاً لأحكام القانون الدولى وهى تطبق فى هذا الشأن: الاتفاقات الدولية العامة والخاصة التى تضع قواعد تقر بها الدول المتنازعة صراحة، والعرف الدولى المقبول بمثابة قانون، كما دل عليه التواتر. ومبادئ القانون العامة التى أقرتها المم المتمدينة. وأحكام المحاك ومذاهب مبار المؤلفين فى القانون العام فى مختلف الأمم، ويعتبر هذا أو ذاك مصدراً احتياطياً لقواعد القانون…”.

فمصادر القانون الدولى، وفقاً لهذا النص، تنقسم قسمين: مصادر أصلية، وهى المعاهدات والعرف والمبادئ العامة فى النظم القانونية المختلفة، ومصادر احتياطية أو مصادر استدلال، وهى أحكام القضاء وآراء الفقهاء[1].

وقد نصت الفقرة (ج) من المادة 38، من النظام الأساسى لمحكمة العدل الدولية، على مبادئ القانون العامة التى أقرتها الأمم المتحضرة، ضمن أحكام القانون الدولى، التى تطبقها المحكمة للفصل فيما يعرض عليها من المنازعات الدولية. ويوجد ثمة ارتباط بين حكم هذه الفقرة، والحكم الوارد فى المادة التاسعة من النظام الأساسى للمحكمة، ذلك الحكم الذى يقضى بأنه: عند تأليف هيئة قضاة المحكمة “ينبغى للهيئة فى جملتها، أن يكفل تأليفها تمثيل المدنيات الكبرى والنظم القانونية الرئيسية فى العالم”.

ومفاد الفقرة (ج)، أنه إذا عرض على المحكمة نزاع ما، ولم يوجد فى المعاهدات أو فى العرف نص يحكم موضوع هذا النزاع، فعلى المحكمة أن تطبق مبادئ القانون العامة التى أقرتها الأمم المتحضرة، أى المبادئ القانونية العامة المقررة فى النظم القانونية الرئيسية فى العالم، التى يكفل تمثيلها فى محكمة العدل قضائها المنتخبون. والأصل فى المبادئ العامة للقانون أن تسود دائرة القانون الداخلى، ولذلك يبدو غريباً أن تمتد دائرة تطبيقها إلى حكم العلاقات بين الدول. غير أنه يمكن القول بأن هذه المبادئ العامة تنطبق فى الدائرة الدولية فى حالة فقدان كل قاعدة قانونية دولية منصوص عليها فى المعاهدات أو يقضى بها العرف. فهى بمثابة قواعد تقضى بها العدالة، عند الأمم المتحضرة.

ومن الأمور الجديرة بالذكر أن محكمة العدل لم تلجأ إلى تطبيق مبادئ القانون العامة إلا فى حدود ضيقة[2].

ولبيان موقف المبادئ العامة للقانون من التدخل الإنساني، تم تقسيم هذه الدراسة علي النحو التالي:

المبحث الأول: ماهية المبادئ العامة للقانون الدولي

المبادئ العامة للقانون الدولي، في إطارها العام، هي المبادئ التي تتقاسمها كل الشعوب[3] والتي إذا استقرت وتدعمت فإنها ستكون لهم مجتمعا يسوده القانون. وقد جرت عادة الدول على اعتبار مبادئ القانون العامة مصدرا من مصادر القانون الدولي العام الأساسية[4] تلجأ إليها لاستنباط القواعد والأحكام اللازمة لتسوية خلافاتها وتنظيم علاقاتها إذا لم يجدوا في المعاهدة والعرف ما يعينهم على إصدار الحكم المطلوب[5].

وكان طبيعيا أن ينص النظام الأساسي للمحكمة الدائمة للعدل الدولي ومن بعدها محكمة العدل الدولية[6] علي اعتبار المبادئ العامة للقانون، مصدراً أساسياً من مصادر القانون الدولي بجانب المعاهدات والعرف الدوليين، حيث نصت المادة 38 /1 (ج)  من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية علي أن “وظيفة المحكمة أن تفصل في المنازعات التي ترفع إليها وفقا لأحكام القانون الدولي، وهي تطبق هذا الشأن: (أ) الاتفاقات الدولية، (ب) العادات الدولية (ج) مبادئ القانون العامة التي أقرتها الأمم المتمدنة”.

وقد جاء هذا النص عاما وخاليا من كل قيد سوي القيد بأن تكون مبادئ القانون العامة معترف بها من قبل الأمم المتمدنة، وهذا الوصف لم يعد له محل لان المجتمع الدولي المعاصر لم يعد يعرف تفرقة بين أمم متمدنة وأخري غير متمدنة .[7]

ويستفاد من النص الوارد في المادة (38/1/ج) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، انه إذا عرض على المحكمة نزاع ما، ولم يوجد في المعاهدات أو في العرف نص يحكم موضوع هذا النزاع، فعلى المحكمة أن تطبق المبادئ العامة للقانون التي أقرتها الأمم المتمدنة.[8]

ويذهب غالبية الفقهاء، إلى أن المقصود بالمبادئ العامة للقانون هي مجموعة المبادئ التي تستمد من الأنظمة القانونية الوطنية للدول المختلفة[9] والتي يمكن تطبيقها في مجال العلاقات الدولية [10].

ولكن المبادئ العامة للقانون المطبقة في دائرة العلاقات الدولية لا تحمل كلها نفس الطابع، فالبعض منها يستخلص من النظام القانوني الداخلي. والبعض الآخر يكون أساس النظام القانون الدولي, حيث يذهب جانب من الفقه إلى أن المادة 38/ج تتضمن القواعد العامة للقانون الدولي والقواعد العامة للقانون الداخلي، ويقرر الفقيه، شارل روسو، أن هذا التفسير حتمي بحكم عمومية اصطلاح، القانون، الوارد في النص، بل ويري الفقيه، أنزولوتي، أن المادة تعني أساسا مبادئ النظام القانون الدولي، وبصفة ثانوية المبادئ العالمية المقررة في التشريعات الداخلية.[11]

كما يري الفقيه، شول، أنه توجد مبادئ عامة للقانون ليس مصدرها في إرادة الدول،وإنما تنبع من حقيقة وجود العلاقات الدولية وتفرض نفسها علي الدول بصرف النظر عن رضاها[12].

وكلا النوعين من المبادئ يلعب دورا هاما في تحديد وتطوير قواعد القانون الدولي. ومن أمثلة النوع الأول مبادئ حسن النية والتعسف في استعمال الحق والالتزام بالتعويض علي من تسبب بفعلة في إلحاق ضرر بالغير، ومن أمثلة النوع الثاني مبدأ الملوث يدفع، ومبدأ الموافقة المسبقة، وكلا النوعين من المبادئ العامة القانون كثيرا ما يتم إدراجها في معاهدات عامة وجماعية تقوم بصياغتها وتجسيدها، وإيضاحها وتأكيدها.

ولاشك أن تلك المبادئ تكتسب قوة إضافية من الاعتراف لها بهذه الصفة بصورة رسمية من نصوص المعاهدات خاصة العامة والمتعددة الأطراف. وأن مثل هذه المعاهدات المثبتة والمؤكدة لمبادئ القانون الدولي المعترف بها عامة لا تقتصر أثارها علي أطرافها وإنما تمتد إلى الدول الغير التي لم تشارك في إبرامها بل والي كافة الدول، وخاصة حيث يتعلق الأمر في الواقع بمبادئ قانونية تكونت عبر التطور التاريخي وتقيد الدول في علاقاتها المتبادلة بصرف النظر عن روابط المعاهدات المبرمة فيما بينها، ويحدث نفس الأمر في معاهدات جماعية أخري كثيرة، حيث لا تخلق المعاهدة قواعد قانونية جديدة ولكنها تحدد وتصوغ بالكتابة المبدأ القائم من قبل، ويري الفقيه، شيرمرز، أن الأساس القانوني لالتزام الدول والمنظمات الدولية بهذه المعاهدات الشارعة لا يرجع إلى المعاهدة ذاتها وإنما إلى المبادئ القانونية العامة التي قامت المعاهدة بتقنينها . [13]

وفي إطار هذه الاتجاهات، نجد أنه برغم أن فكرة “المبادئ العامة للقانون” كمصدر للقانون الدولى، قد أشير إليها فى اتفاقية لاهاى الثانية عشرة، وأيضاً فى العديد من اتفاقيات التحكيم السابقة عليها، فقد شجر خلاف فقهى منذ ظهور النظام الخاص بالمحكمة الدائمة للعدل الدولى، عام 1920 متضمنا هذه الفكرة.

ورغم ما ثار فى مؤلفات الفقه من جدل حول هذا الموضوع، فقد كان الأمر خلافاً لذلك فى القضاء، سواء ما صدر عنه سابقاً أو لاحقاً على عام 1920، حيث لم يشر صراحة إلى طبيعة هذه المبادئ. ومن غير المشكوك فيه أن واضعى نظام المحكمة الدائمة للعدل الدولى قد أضافوا هذه المبادئ إلى المعاهدات وإلى العرف، من أجل تأكيد حرية القاضى والحيلولة بينه، بقدر الإمكان، وبين أن يحصر نفسه فى مشكلة “النقص فى القانون”، عندما لا يجد حلاً للنزاع المعروض أمامه، لا فى معاهدة ولا فى عرف دولى.

وتتكون عبارة “المبادئ العامة للقانون، المعترف بها فى الأمم المتمدينة” من ثلاث مفاهيم رئيسية هى: “المبادئ العامة للقانون؛ المعترف بها؛ الأمم المتمدينة”[14]، يمكن تناول مضمون كل منها علي النحو التالي:

أولاً: المبادئ العامة للقانون:

يتحدد مفهوم “المبدأ” بالقياس إلى “القانون” أو “قاعدة القانون” فى أن فكرة المبدأ تنطوى على معان كلية تصورية عامة، تتسم بالتجريد والإطلاق، كمبدأ حجية الشيء المحكوم فيه ومبدأ حسن النية بينما ينصرف مفهوم “القاعدة القانونية” إلى معنى التحديد للمبدأ، ووضعه فى إطار قابل للتطبيق. بمعنى أن القاعدة هى التطبيق التفصيلى للمبدأ على الأشخاص القانونية التى سيتوجه بالخطاب إليه.

فالمبدأ هو فكرة غير محددة سلفاً، على من تطبق، وإلى أى مدى، وفى أى ظروف، مكانية أو زمانية، بينما القاعدة، هى نقل هذا المبدأ من مجرد كونه فكرة تتسم بما سبق من صفات، إلى ميدان التطبيق العملى عن طريق تحديد من تطبق عليهم، وإلى أى مدى، وفى أى ظروف [15].

ومؤدى هذا أنه يمكن تصور “مبدأ” واحد، تؤمن به كل الشعوب أو الدول، كمبدأ حسن النية. إذ يتصور أن تؤمن شعوب أو دول بمبدأ عكس، هو سوء النية، لكن، تطبيق هذا المبدأ ووضعه فى قاعدة قانونية، فى الشكل المحدد فى كل دولة، قد يختلف من مكان لآخر، وقد يختلف معناه من زمن إلى آخر، لكنه فى الزمن الواحد والذى يصعب تحديد بدايته ونهايته، يتسم بخاصية الثبات.

ويترتب على “عالمية” هذه المبادئ، إن تتوافر لها خاصية القدرة على التطبيق فى كل مكان، فى زمن معين، بصرف النظر عن أن تكون هذه المبادئ قد صبت فى قوالب محلية أو دولية.

فإذا صبغ هذا المبدأ فى شكل “قواعد قانونية” محلية، فلا يطعن على تطبيقه فى مجال القانون الدولى، كمصدر من مصادره، أنه ذو طابع محلى لأن الطابع المحلى هنا، هو طابع “تطبيق” لا طابع “إنشاء”.. ومعنى ذلك أن الخلاف بين الفقهاء، حول ما إذا كان المقصود “بالمبادئ العامة للقانون” هو المبادئ العامة للقانون الوطنى، أو المبادئ العامة للقانون الدولى، أنما ينتج من الخلط بين معنى “المبدأ”، ومعنى “قاعدة القانون”.

فلا يمكن إن تكون المبادئ العامة للقانون الدولى هى المقصودة، لأن المبادئ العامة للقانون الدولى هى، أصلاً، فى المعاهدات والعرف، فإذا أضفنا إلى ذلك أن المادة 38 تحدد وظيفة المحكمة بأنها: “إن تفصل فى المنازعات الدولية وفقاً لأحكام القانون الدولى”، وهى تطبيق فى هذا الشأن: “المعاهدات، العرف، المبادئ العامة للقانون…”.

ولا يمكن أن يكون المقصود “بالمبادئ العامة للقانون” أن تكون هى ذاتها “المبادئ العامة للقانون الدولى”، لأنها تساوى “أحكام القانون الدولى”، فيكون ذلك تكراراً فى المعنى وتزايد لا لزوم له فى المبادرات، كما يكون ذلك معبراً صارخاً عن سوء الصياغة، الذى يفسر “أحكام القانون الدولى”، بالمبادئ العامة للقانون الدولى، أو هو من قبيل تفسير الماء بعد الجهد بالماء.

وهذا المصدر الثالث قد أضيف باعتباره مصدراً يختلف تماماً عن المعاهدات، ويختلف عن العرف، وتكشف الأعمال التحضيرية وسوابق هذا النص، عن أن الباعث على أدراجه سواء فى اتفاقية لاهاى الثانية عشرة أو فى نظام محكمة العدل الدولى 1920، أو فى نظام محكمة العدل الدولية 1945، إنما يرجع إلى احتمال نشوء منازعات لا يجد القاضى الدولى حلاً لها فى المعاهدات أو العرف. فكأنه مصدر فعلى ثالث، يختلف فى طبيعته، عن المصدرين السابقين عليه، ولا ينطبق إلا فى حالة خلو المصدرين السابقين عليه من حكم يفصل فى النزاع المعروض.

ولا يمكن أيضاً، أن تكون المبادئ العامة للقانون الوطنى هى المقصودة؛ إن هذا المعنى يتنافى مع المقصود من هذا النص، وبيان ذلك أن المبدأ إذا اتصف بوصف المحلية فقط، أى إذا كان مقرراً فى نظام قانونى بعينه ودون غيره، فإنه يفتقر إلى باقى شروط النص، وهى أن يكون “معترفاً به من الأمم المتمدينة”، أى أن يكون مبدأ “عالمى” الاعتناق[16].

ثانياً: المعترف بها:

الاعتراف لغة، هو الإقرار بصحة ما يدعيه الآخر، سواء كان ما يدعيه الآخر هذا، هو نفى وجود شيء ما، أو إثبات وجود هذا الشيء. ولا يختلف معناه فى القانون عن معناه اللغوى كثيراً، إذ لا ينطوى الاعتراف بالضرورة على معنى تطبيق الشيء المعترف به، إذ أنه قد يقتصر على أن يكون مجرد حالة سلبية، هى الإقرار بما يدعيه الآخرون. ومعنى ذلك أن مصطلح “المعترف به” يعنى أنه يشترط لتمتع هذه المبادئ العامة بوصف المصدر أن تعترف بها الأمم المتمدينة، وقد يتخذ هذا “الاعتراف” صورة إيجابية، هى “إثبات” هذه المبادئ فى شكل قواعد قانونية، بالنص عليها فى القوانين وقد يتخذ هذا “الاعتراف” صورة سلبية، هى “عدم إنكار” هذه المبادئ بعدم النص على خلافها[17].

ويندر أن يكون هناك مبدأ فى القانون الدولى العام ليس له أصل فى القوانين الوطنية. وعلة ذلك أن القانون الوطنى قد نشأ قبل أن ينشأ القانون الدولى. وكانت أول خطوة لفصل القانون الوطنى عن القانون الدولى، هى قانون الشعوب الرومانى.

فقد تطورت حركة التفنين، منذ أول قانون صدر فى روما، فى منتصف القرن الثانى قبل الميلاد، والمعروف باسم “قانون ايبوتيا”، ثم تطورت قواعد القانون الرومانى بمرور الزمن، واتساع نطاق إمبراطورية الرومانية وامتداد سيادتها على مناطق شاسعة، نشأ قانون الشعوب، من أجل حكم العلاقات الناشئة بين شعوب الإمبراطورية، وأهم مصادر هذا القانون هى منشورات “البريتور”[18].

وعندما نشأت الدول فى صورها الحديثة تطورت القواعد القانونية، المستمدة من المبادئ العامة للقانون الوطنى، وطوعت لخدمة هذه الفكرة الجديدة، وهى “الدولة”. ولم يكن من المتصور أن هذه المبادئ ستصب فى الشكل ذاته، الذى انصبت فيه، وهى تتعلق بالأفراد. فكان من الطبيعى أن تطوع هذه المبادئ، عن طريق التغيير فى أشكال القواعد القانونية التى يتخذها، لتناسب حكم العلاقات بين الدول.

إن القانون الدولى ليس جزءاً من القانون الوطنى، ولكنه بلا شك فرع من فروع القانون، نما وتطور وأصبحت له سماته الخاصة به، والتى لا يمكن معها فى نفس الوقت، إنكار أن أصلها منذ البداية، مستمد من القانون الخاص. وربما يكون هذا المنشأ التاريخى، هو الأصل فى الخلاف الفقهى، الناشئ حول أى هذه المبادئ تقصد المادة 38، هل هى مبادئ القانون الدولى العام أم القانون الخاص.

إن هذا الخلاف الفقهى يتجاهل أن “القانونين ينهلان من ينبوع واحد لا غنى، وهو ليس ينبوعاً دولياً، ولا داخلياً، وإنما ينبوع قانونى. ولكن هذا النهل، لا يستتبع حتماً أن يكون التطبيق واحد للمبدأ الواحد فى القانونين، فقد يختلف التطبيق فى أحداهما عن الآخر لاختلاف الظروف والاعتبارات”[19].

وهذا يتفق مع ما يقول به “والدوك”، من أن المبادئ العامة للقانون الوطنى قد اخترقت مجال القانون الدولى منذ نشأة القانون الدوى لأسباب تاريخية، ترجع إلى عهد القانون الرومانى.. فقد درج رؤساء الدول، قبل نشوء القانون الدولى فى صورته التقليدية، على استشارة فقهاء القانون الوطنى، المدنى منه بصفة خاصة، فى تنظيم علاقاتهم الدولية، وكان هؤلاء الفقهاء من المشتغلين أصلاً بالقانون الرومانى، فكان من الطبيعى أن تتسلل أفكار القانون الخاص ومبادئه عن هذا الطريق، إلى نطاق القانون الدولى العام حيث ذاع الأخذ بها فى العلاقات الدولية، وكان من أهم المبادئ التى اخترقت مجال القانون الدولى عن طريق القانون الوطنى، مبدأ المسئولية الدولية، والتعويض عن خرق الالتزامات الدولية، وحسن النية والتعسف فى استعمال الحق، والمبادئ الخاصة بقوة الإثبات[20].

ومن هنا يمكن القول، إن مفهوم المبادئ العامة للقانون، ليس هو مفهوم المبادئ العامة للقانون الدولى، ولكنه المبادئ العامة للقانون الوطنى، بشرط أن تتمتع بخاصية الانتشار والذيوع العالمى، نتيجة اعتراف الأمم المتمدينة بها.. فهى من هذه المثابة، مبادئ “محلية” اكتسبت طابعهاً “عالمياً”، فى جانب منها، و”مبادئ” عالمية، اكتسبت طابعاً “محلياً” فى جانب آخر، إذا أخذنا فى الاعتبار التفرقة بين مفهوم “المبدأ” ومفهوم “القاعدة”.

ثالثاً: الأمم المتمدينة:

كان القانون التقليدى، مسيحى المبدأ، أوروبى التطبيق، فقد نشأ فى دول أوروبا المسيحية، لتنظيم وضبط العلاقات الدولية بينها. واعتبرت هذه الدول، أنها الدول المتمدينة، وأن ما يخرج عن نطاق أوروبا من دول، هي دول أو جماعات همجية. وهذه الفكرة، ذات مفهوم شائع، فى العقيدة اليهودية وفى التلمود، وتمتد بجذورها إلى العصور الأولى وما سادها من مفاهيم تعتبر بموجبها، الأجانب ـ شيئاً ـ غير مستحق لأى حق من الحقوق.

وظلت هذه العبارة، عالقة بالأذهان فى القرن العشرين، عند وضع ميثاق الأمم المتحدة فى عام 1945، بعد أن أنفسح السبيل أمام كافة دول العالم، للانضمام إلى عضوية الأمم المتحدة، وبعد أن بدأت فكرة “الانغلاق الأوروبى المسيحى” فى الأفول التدريجى، نتيجة اعتراف الدول الأوروبية المسيحية، بالدول العثمانية “المسلمة” فى معاهدة باريس 1856.

وصفة التمدن، ليست صفة تمنحها دول لأخرى وتمنعها عن غيرها، فضلاً عن مخالفة ذلك للطبيعة الإدارية للقانون الدولى العام، وقيامه على أساس التراضى بين الدول، فأنه يخالف مبدأ عدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول الأخرى، إذ أن نعت دولة بأنها متمدينة وأخرى بأنها غير متمدينة، إنما يعتبر تدخلاً فى صميم الشؤون الداخلية للدول.

فمعيار “التمدن”، مع التمسك بحرفية النص، هو الذى يقبل المرونة وفقاً للتطور الطبيعى للمجتمعات. فالأمم المتمدينة، فى رأينا، هى الأمم التى تخضع لنظام قانونى بحكم العلاقات بين الأفراد وبين بعضهم البعض، وبينهم وبين السلطة القائمة عليهم، والتى تستهدف شرعيتها من هذا النظام القانونى. فإذا أخذنا معيار التمدين من هذه الوجهة، كانت عبارة “الأمم المتمدينة” تزيداً لا لزوم له، حيث أن مجرد وجود مبادئ قانونية داخل مجتمع من المجتمعات، يكفى وحدة، دليلاً على تمدين هذا المجتمع.

وطبقاً لهذا المعيار، فإن كل الدول الموجودة فى المجتمع الدولى، هى دول متمدينة، إذ تقوم كلها على أساس نظام قانونى يحكم العلاقات بين أفرادها وبينهم وبين السلطة القائمة عليهم والتى تستمد من النظام القانونى نفسه. وطبقاً لهذا المعيار أيضاً، فإن القبائل وما فى حكمها لا ينطبق عليهم وصف الأمم المتمدينة المشار إليه[21].

وفي إطار هذه المكونات، يمكن التمييز بين مدرستين فكريتين كبيرتين، في إطار الموقف من المبادئ العامة للقانون الدولي، هما المدرسة الغربية، والمدرسة الماركسية:

1ـ الفقه الغربى والطبيعة القانونية للمبادئ العامة للقانون:

انقسم الرأى فى الفقه الغربي بشأن تحديد الطبيعة القانونية للمبادئ العامة، إلى رأيين:

الرأي الأول: يقوم على أساس إنكار اتصاف هذه المبادئ بوصف القانون، برغم النص عليها فى المادة 38، فهى ليست إلا وسائل تكميلية، يلجأ إليها القاضى، إذا افتقد حكم النزاع فى المعاهدات أو فى العرف. ولما كانت المعاهدات والعرف، هما فى رأى هذا الفريق، المصدران الوحيدان للقواعد القانونية الدولية، فإن القاضى عندما يولى وجهه شطر المبادئ القانونية، إنما يعلن أنه قد عجز عن إيجاد قاعدة قانونية، تفصل فى النزاع العروض أمامه، ومن ثم يلجأ إلى المبادئ العامة للقانون، غير المتصفة بوصف القاعدة القانونية.

ويقوم هذا الرأى على تحليل أساس القوة الملزمة للقانون الدولى، حيث يسند هذه القوة، إلى الرضا الدولى بقواعد القانون، سواء كان هذا الرضا صريحاً فى معاهدة أو ضمنياً فى قاعدة عرفية. وترتيباً على ذلك فقد رأى بعض الفقهاء؛ إن ما ورد بالمادة 38 من النص على المبادئ العامة للقانون، ليس إلا استثناء لما جرى عليه العمل فى القضاء الدولى.

ولأن الرضا هو أساس القوة الملزمة للقانون فى رأيهم، فقد حاولوا تقليص دور المبادئ العامة بالقول بأنها، وقد تضمنتها معاهدة عامة، هى النظام الأساسى لمحكمة العدل الدولية، فإن النتيجة المنطقية لذلك، فى رأيهم، أن حكمها لا يسرى إلا مواجهة الدول الأعضاء فى نظام محكمة العدل، حيث لا تلتزم الدول إلا برضائها.

الرأي الثانى: يقوم على أساس مغاير لما سبق، إذ يعترف للمبادئ العامة بوصف القانون، وتمتعها بالقدر على النفاذ فى دائرة العلاقات الدولية، لكن عند تفسير هذا الرأى انقسم الفقهاء إلى فريقين:

الفريق الأول: يري إن هذه المبادئ ليست فى حقيقتها إلا قواعد عرفية وأنها لا تكتسب وصف القانون إلا لكونها عرفاً دولياً. فقد أوضح بعض الفقهاء؛ إن المادة 38 لم تأت بجديد، لأنها لم تفعل شيئاً إلا مجرد إقرار أوضاع سابقة على إنشاء المحكمة الدائمة للعدل الدولى عام 1920، ذلك أن هذه المبادئ سبق أن تضمنتها كثير من المعاهدات واتفاقيات التحكيم وأحكام المحاكم الدولية، باعتبارها مصدراً للقاعدة القانونية، وإذ يعدو الأمر كذلك، فإن دور المادة 38 ليس دوراً “منشئاً” لقاعدة قانونية جديدة، وإنما هو دور “كاشف” عن قواعد قانونية تبث لها وصف القاعدة العرفية بتوافر تطبيقها.

إلا أن هذا الرأى قد جانبه الصواب، لأنه لو كانت هذه المبادئ قواعد عرفية، لاكتفى واضعو النص، بالنص على العرف فقط. وإذ لم يفعلوا ذلك فقد ابتغوا من وراء هذا النص، إقرار مصدر ثالث للقانون الدولى يلجأ إليه القاضى عندما لا يجد حكماً فى قاعدة عرفية أو فى معاهدة، حتى لا يواجه بحالة “نقص فى القانون”.

أما الاحتجاج بأن أحد المشتركين فى وضع نظام المحكمة، قد ذكر، إن المادة 38 لا تعطى للقضاء سلطة جديدة، “لأن تطبيق هذه المبادئ أمر جرى عليه العرف باستمرار فى القضاء الدولى”، فهو حجة مردود عليها بالقول، بأن ما جرى عليه “العرف المستمر للقضاء الدولى” هو بالتحديد، ما جرى عليه “التطبيق المستمر للقضاء الدولى”.

وهذا “التطبيق المستمر” اتصفت به المعاهدات واتصف به العرف الدولى، قبل النص عليه فى اتفاقية لاهاى الثانية عشرة، وفى نظام محكمة العدل الدولية عام 1920، ومحكمة العدل الدولية 1945، وإن ما يقصده رئيس المشرعين، إن هذه المادة، لم تخلق مصدراً جديداً للقانون الدولى، إذ سبق إقراره وتطبيقه بمعرفة القضاء الدولى.

الفريق الثانى: يرى أن هذه المبادئ ذات طبيعة قانونية محلية وإنها لا تكتسب وصف القواعد الدولية مطلقاً، وإنما تطبق فى دائرة العلاقات الدولية عن طريق الاستقبال. وأياً كان الاتجاه فى تكييف الطبيعة القانونية للمبادئ العامة، فمن الثابت أن الرجوع إلى هذه المبادئ أصبح أمراً لازماً، بعد النص عليه صراحة فى النظام الأساسى لمحكمة العدل الدولية، والذى يعد جزءاً من ميثاق الأمم المتحدة ذى الطبيعة الدستورية العامة[22].

2ـ الفقه الماركسي والطبيعة القانونية للمبادئ العامة للقانون:

القاعدة القانونية على وجه العموم ليست إلا انعكاساً للوسط الاجتماعى الذى ينشأ فيه. ولما كان الوسط الاجتماعى للنظام الفردى، يقوم على الحرية الفردية وعلى تحكم رأس المال كأصل عام، بينما يقوم فى النظام الماركسى على تحكم طبقة العمال، فإن الاختلاف الواضح فى الوسط الاجتماعى، ينتج عنه بالضرورة اختلاف فيما ينتج عن كل وسط من قواعد قانونية، تعبر عن مصالح الطبقة المسيطرة.

وينبنى على ذلك، إن التسليم باعتبار المبادئ العامة للقانون المعترف بها فى الأمم المتمدينة، حتى بالنسبة للنظم الماركسية، مصدراً للقانون الدولى يعنى إفساح المجال لتسرب الأفكار الرأسمالية القائمة على الحرية الفردية، إلى المجال الماركسى القائم على حكم الطبقة الواحدة، وهى الطبقة العاملة، مما يهدد النظام الماركسى.

وتبعاً لذلك فإن الفقه الماركسى ينكر على المبادئ العامة، إن تكون مصدراً من مصادر القانون الدولى، وإنما يعترفون فقط بأن مصادر القانون الدولى العام هى المعاهدات والعرف، ولا يسلمون للمبادئ العامة بوصف المصدر المستقل، وإنما يقبلوها إذا تضمنتها معاهدة أو قاعدة عرفية، حتى يكون للاتحاد السوفيتى رقابة على ما ينفذ داخل بنيانه القانونى من أفكار.

وتقوم هذه الوجهة على أساس أن القاعدة القانونية بوجه عام، ليست إلا تعبيراً عن إرادة طبقة معينة، هى الطبقة الحاكمة التى تملك وحدها الإرادة الشارعة المعبرة عن مصالحها الحقيقية. وهذه الإرادة المسيطرة لهذه الطبقة هى المصدر الحقيقى للقاعدة القانونية، أو هى أساس الإلزام فيها.

وترتيباً على ذلك فإن أى قاعدة قانونية، تنطبق فى هذا المجتمع، لابد أن تعبر عن مصالح الطبقة المسيطرة عليه، لا يتم ذلك إلا بطريق فرض الرقابة على طريقة نفاذ القواعد القانونية الأخرى، ويكون ذلك بإشراك الاتحاد السوفيتى فى معاهدة يقر بها هذه المبادئ، إذ ارتأى أنها لا تتعارض مع مصالحه، أو أن يكون طرفاً فى قاعدة عرفية يلتزم بها.

وهو ما يعتبر تضيقاً لا لزوم له، فمع التسليم بأهمية المصالح الاقتصادية فى التأثير على القواعد القانونية إلا أن هناك من المبادئ العامة للقانون لا صلة له بأى اتجاه اقتصادى، ويلقى قبولاً من المجتمعات الإنسانية، لأنه يستهدف مصلحتها المجردة، مثل مبدأ “البينة على من أدعى” ومبدأ “حسن النية”، فلا علاقة لهذه المبادئ المجردة، وغيرها بمصالح طبقة من الطبقات، وإنما تتعلق فى الأساس بالمصلحة العامة للمجتمع بأسره[23].

المبحث الثاني: التدخل الإنساني في ضوء المبادئ العامة للقانون الدولي

يعد ممارسة التدخل من جانب سلطة سياسية على أخرى، أمراً قديماً قدم التاريخ نفسه، والتطور هنا هو فى اختلاف طرقه، ولكن دائماً كان الحكام الأقوياء يتدخلون ليفرضوا إرادتهم على جيرانهم أو للتأكيد من استمرار صداقة جيرانهم. وتعددت وسائلهم فى ذلك من التدخل بالهجوم العسكرى المباشر أو غير المباشر، عن طريق مساعدة الثوار فى الداخل، أو حتى مساعدة أعداء هذه الدولة فى الخارج، واستخدموا أيضاً وسائل غير عسكرية، وهذه الوسائل غير العسكرية أثارت ومازالت تثير صعوبة التمييز بين ما يدخل فى مفهوم التدخل بالمعنى الواسع، وما هو من قبيل الممارسات العادية الدبلوماسية، مثل التأثير على الآخرين لتبنى مصلحة الدولة المؤثرة.

وإذا كان التدخل لأغراض إنسانية، مفهوم قديم، فقد تم بعث الحياة فيه بنهاية الحرب الباردة عن طريق السوابق التى تمت منذ نهاية الحرب الباردة.

وقد تعاظمت أهمية المفهوم فى إطار ما عرف بحماية حقوق الأقليات وبعض الجماعات العرقية الأخرى، ومن ثم تم النظر إليه باعتباره قديماً كأحد الضمانات الأساسية التى ينبغى اللجوء إليها لكفالة الاحترام الواجب لحقوق الأفراد الذين ينتمون إلى دولة معينة، ويعيشون ـ على الرغم من ذلك ـ على أقاليم دولة أخرى، أى أن المفهوم كان يرتبط بمهام إنقاذ رعايا الدولة المتدخلة فى الأرض الأجنبية؛ أما الآن فقد أضحت المسألة الخاصة بالحماية الدولية لحقوق الإنسان، بصرف النظر عن الانتماءات الوطنية أو العرقية أو الدينية أو السياسية أو غيرها ـ تمثل أحد المنطلقات الأساسية التي يرتكز عليها مفهوم التدخل [24].

وفي إطار المبادئ العامة للقانون الدولي، يمكن التمييز بين اتجاهين بارزين، فيما يتعلق بالموقف من التدخل، هما التدخل في الفكر الغربي، والتدخل في الفكر الإسلامي:

1ـ التدخل فى الفكر الغربى:

ارتبط التدخل منذ بداية تطور مفهومه فى الفكر الغربى بالنظرية المسيحية فى الحرب العادلة، والتى فيها تعد الحرب عادلة إذا ما شنت لسبب يستحق ذلك، ومن ثم تكون الحرب لتحقيق هذا السبب، وتعد حرباً عادلة شرعية إذا ما كان خيار الحرب هو الملجأ الأخير، ومادامت القوة تستخدم فقط عندما تكون ضرورية وبشرط تناسبها مع الفعل، وعندما لا يضار غير المحاربين بسوء، ويعد هذا الاتجاه هو الاتجاه السائد فى الكنيسة إلى الآن، وهو اتجاه لا يحبذ الحرب ويضع أمامها العراقيل سياسياً وعسكرياً.

وفى مقابل هذا الاتجاه ظهرت آراء أخرى لبعض المفكرين مثل “ميكافيللى” و”هوبز”، اللذان يؤكدان أن الحرب أمر لا يمكن تجنبه، فالحرب أو التهديد بالحرب هى أداة هامة من أدوات الدولة لا تستطيع أن تتخلى عنها.

إلا أن تطور مفهوم التدخل واستقلاليته استدعى أولاً تطوير مفهوم السيادة التى هى ظاهرة حديثة نسبياً، فلا يمكن تصور وجود سيادة فى ظل السلطة الدينية الطاغية لروما على مواطنى أوروبا فى القرون الوسطى، ومن ثم كان تبلور مفهوم السيادة مع انكسار السلطة الدينية واستقلالية الدول، ولقد استمرت حالات التدخل بعد ذلك، فلقد تميز القرن السادس عشر، بتدخل الدول الكبرى فى الدول والإمارات الصغرى المجاورة، خاصة من قبل إنجلترا وفرنسا.. وتعد الحروب الدينية فى فرنسا، فى النصف الأخير من القرن السادس عشر، هى أول تدخل لاعتبارات إنسانية في تاريخ أوربا الحديث.

ومن أهم المفكرين الذين تناولوا مفهوم التدخل في الفكر الغربي، المفكر “جروتيوس” الذى سعى لتضيق مساحة استخدام القوة استخداماً شرعياً لما فى استخدامها من تناقض مع السيادة، ويعد جروتيوس من الآباء المؤسسين للتفكير القانونى الحديث فى العلاقات الدولية، والذى ظهر على يده “مبدأ التدخل لاعتبارات إنسانية”، وأن السلطان الداخلى لأى دولة هو أمر جدير وواجب الاحترام، ولكن هذا الاحترام ينتهى عندما يثور الحديث عن الإنسانية، ويؤكد جروتيوس على قانونية التدخل من قبل دولة ما نيابة عن مواطنين آخرين تعرضوا للتعذيب مع إدراكه إمكانية إساءة استخدام هذا المبدأ. كما كان أول من ربط التدخل لاعتبارات إنسانية وحق محاكمة من يرتكب جرائم وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، والذي يراه حقاً متضمناً فى حق شن الحرب لاعتبارات إنسانية.

وقد بدأت المجادلات بين أنصار ومؤيدى السيادة المطلقة ومع معارضيها، مثل “جروتيوس”، فنجد أنصار عدم التدخل مثل “فرانسيسكو سوارز” الذى يسمح بالتدخل إلا فى حالة وجود اتفاق متبادل بين دولتين على أن يتدخل كل منهما ـ تبادلياً ـ فى شئون الأخرى، أى بخلق علاقة موضوعية بين الطرفين، فهذا فى رأيه يحد من إساءة استخدام حق التدخل لاعتبارات إنسانية، وقد سمح بالتدخل فقط فى حالة مواطنين مسيحيين على التحول عن دينهم لعبادات وثنية.

وقد أثار “جروتيوس” مسألة هل من حق دولة ما أن تشن حرباً دفاعاً عن رعايا دولة أخرى لحمايتهم من حكامهم؟، حيث يري أن الأفراد لا يهرعون لإثارة حرب من أجل آخرين لا ينتمون إليهم، ثم أنه ما أن يتكون مجتمع مدنى حتى يكون لحكامه سلطات خاصة على الأفراد فى هذا المجتمع.

وبنظرة سريعة على أنواع التدخلات لاعتبارات إنسانية على مر التاريخ، حسب التبرير المعلن، وفق الرؤية الغربية، التي شكلت الجانب الأكبر من المبادئ العامة للقانون الدولي المعاصر، نجدها تتمثل فى ثلاثة أنواع: تدخل لحماية أقليات “أثنية أو دينية أو …الخ”. وتدخل لإنهاء عدوان داخلى، أو أعمال وحشية تمس الحقوق الأساسية للإنسان، وأهمها حق الحياة. وتدخل لحماية أو إنقاذ مواطنين للدولة فى الخارج، وهو ما تم فصله عن هذا المفهوم فى كثير من الكتابات، على أساس أن تبريره وأساسه القانونى هو حق الدفاع الشرعى عن النفس أو حتى المساعدة الذاتية.

وهكذا نجد أن مفهوم التدخل فى تطور قانونياً وسياسياً، وإن القانون الدولى التقليدى كنظام للسيطرة على ممارسات التدخل من قبل الحكومة ـ لم يضع أبداً قواعد تستطيع السيطرة على الحكومات وتمنعها من التدخل الصريح السافر “بالتدخل العسكرى”، ولا أن تسيطر على أنواع التدخل المستتر، مثل الضغوط الاقتصادية والدعاية… الخ.

وقد رصد شوارتز بعض ملامح لتطبيقات مفهوم التدخل عبر تطورها التاريخى فى نقاط أهمها:

ـ إن أى عمل تدخلى غالباً ما يدعمه مبدأ أو قاعدة سياسية أو أخلاقية أو قانونية، ومن ثم يتم هذا العمل باسم ودفاعاً عن مبادئ عليا.

ـ إن علاقات القوى بين المتدخل والدولة المستهدفة من التدخل لابد أن تكون فى مصلحة المتدخل بدرجة كبيرة، لأنه لو وجد تساو بينهما لاعتبرت المسألة حالة مواجهة أو صراعاً دولياً أو حرباً.

ـ إن سلوك الدول المتدخلة يختلف تماماً بعد التدخل عن سلوكها قبله، لأن التدخل يضع قواعد جديدة فى التعامل، فالتدخل يضيف شيئاً جديداً “دخل” فى هذه العلاقة.

ـ إن التدخل يكون محدوداً فى نطاقه وفى وقته وفى هدفه، فإذا ما هدف التدخل للاستمرار الدائم والسيطرة، فإن المتدخل يتحول لغاز أو مستعمر وليس مجرد متدخل.

ـ إن التدخل عادة ما يهدف إلى السلطة السياسية لهذا المجتمع أو الدولة، ومن ثم فالتدخل يركز على القوى السياسية، التى قد يتم تغيرها فى عملية التدخل أو على الأقل يجعل قراراتها فى صالح الدولة المتدخلة [25].

وقد برز من يدافع وبشدة عن التدخل المبرر باعتبارات إنسانية، وحتى بدون قيد أو شرط ومن منطلقات أخلاقية وطبيعية على أساس أن الدول الأخرى ليسو بغرباء عن المجتمع الدولى الذى هو اتحاد للجنس البشرى. وتوالت المجادلات، حتى أنه فى القرن التاسع عشر كان التدخل الأجنبى فى الشئون الداخلية لأية دولة، لا يعد فقط عملاً عدائياً، ولكن يعد أيضاً إقلالاً واستخفافاً بحق مواطنى هذه الدولة فى حكم أنفسهم وفى تقرير مصيرهم، أى أن مبدأ السيادة أصبح هو المسيطر منذ القرن التاسع عشر.

2ـ التدخل فى الفكر الإسلامى:

هناك شبه إجماع ه بين المفكرين الإسلاميين، على جواز بل وأحياناً، وجوب التدخل الخارجى فى بعض الحالات، وأكثر التدخلات من ناحية المبدأ يهدف إلى وقف انتهاكات حقوق الإنسان، معبراً عنها بوقف المظالم وإقامة العدل. حيث يري البعض أنه ليس فى الشريعة الإسلامية ما يعترض به مبدئياً على مبدأ التدخل وخرق سيادة الدول من أجل إزالة المظالم المسلطة على الشعوب وإقامة العدل، فذلك جوهر رسالة الإسلام، أي الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بمختلف الوسائل المكافحة لإزالة الظلم، وإعلان الجهاد ليس إلا صورة من صور الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

والمشكلة، هنا، ليست فى مضامين القانون الدولى وإعلان حقوق الإنسان، فهى على رغم الاعتراضات الجزئية عليها من الجانب الإسلامى مقبولة كإطار لتنظيم العلاقات بين الدول فيما بينها وبين الدول والشعوب، وبين الأفراد والمجموعات داخل كل مجتمع، فالمشكلة الأساسية فى نظره هى القائمون على هذه الحكومة العالمية أولاً، ومع البنية التنظيمية لمؤسسات هذه الحكومة العالمية، أى آلية اتخاذ القرار فيها[26].

وفي إطار مقارن بين أسس التدخل الدولى الإنسانى فى القانون الدولى، وفى الشريعة الإسلامية، نجد التالي:

1ـ فى القانون الدولى: أساس التدخل الدولى الإنسانى يكمن فى التوفيق بين اعتبارين أساسيين، وهما: الضرورات الحربية، واعتبارات الإنسانية.

2ـ فى الشريعة الإسلامية: أكدت السنة النبوية المشرفة على هذا الأساس المزدوج الذى استقر عليه التدخل الدولى الإنسانى: التوفيق بين الاعتبارات الحربية والاعتبارات الإنسانية، فى قوله “صلى الله علية وسلم”: “أنا نبى المرحمة، أنا نبى الملحمة”.

وهكذا للحرب فى السنة النبوية المشرفة جانبان يقترن كل منهما بالآخر اقتراناً لا يقبل الانفصام، وهما جانب الملحمة، وجانب الرحمة.. فإذا انتهينا من شرحهما فحقيق بنا أن نتحدث عن أثر ذلك الحديث:

ـ جانب الملحمة “الضرورات العسكرية”: وفقاً للسنة النبوية ـ والقانون الدولى الحالى كما سبق بيانه ـ تهدف الحرب إلى تحقيق النصر العسكرى على العدو، ولذلك لأى طرف اللجوء إلى الوسائل القتالية المشروعة لتحقيق ذلك.. وقد أكد ذلك القرآن الكريم، بقوله تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم). (فإما تثقفنهم فى الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون) [الأنفال 57][27].

وشدة الحرب والقتال أكدها أيضاً “صلى الله علية وسلم” بقوله: “الآن حمي الوطيس”[28].

يقول الرافعى: “والوطيس هو التنور ومجتمع النار والوقود، فمهما كانت صفة الحرب، فإن هذه الكلمة بكل ما يقال فى صفتها، وكأنما هى نار مشوبة من البلاغة تأكل الكلام أكلاً، وكأنما هى تمثل لكل دماء نارية أو ناراً دموية”[29].

كذلك فشجاعة الرسول “صلى الله علية وسلم” واضحة منذ صغره، فقد حضر حرب الفجار، أخرجه أعمامه معهم. يقول صلى الله علية وسلم: “كنت أنبل على أعمامى”: أى أرد عليهم نبل عدوهم إذا رموهم بها.

ـ جانب المرحمة “مراعاة حقوق الإنسان وقت الحرب”: يتفق قوله صلى الله علية وسلم: “أنا نبى المرحمة” مع طبيعة الشريعة الإسلامية. ذلك أن الإسلام دين الرحمة، لذا كان التواصى بها بين المؤمنين، بقوله تعالى: (ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة)( سورة البلد: 17 ـ 18). كذلك يقول تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة بالعالمين). ويقول أيضاً: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك).

يؤيد ذلك أيضاً قوله “صلى الله علية وسلم”: “إن الله تعالى جعلنى عبداً كريماً ولم يجعلنى جباراً عنيداً”.. “إنما يرحم الله من عباده الرحماء”.. “إنما أنا رحمة مهداه” صدق رسول الله صلى الله علية وسلم.

أي أن مرد قواعد القانون الدولى الإنسانى، واحترام حقوق الإنسان وقت الحرب، وكذلك التدخل لاعتبارات إنسانية، ترجع إلى مبدأ إسلامى أصيل، هو مبدأ “الرفق فى الأمر كله”، والذى أكده قوله صلى الله عليه وسلم: “إن الله يحب الرفق فى الأمر كله”، وقوله: “إن الرفق لا يكون فى شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شأنه”، وقوله: “إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف” صدق رسول الله صلى الله علية وسلم.. وفى حديث أبى الدرداء: “من أعطى حظه من الرفق فقد أعطى حظه من الخير”.. ولاشك أن الرفق فى الحرب يعنى أمور كثيرة، منها: “عدم الانتقام، وعدم استخدام الأسلحة التى تسبب أوجه معاناة غير مفيدة؛ عدم المثلة؛ عدم الاعتداء على المقاتلين”.

وأساس ذلك يرجع إلى قاعدة العدالة التى أمر الإسلام بتطبيقها حتى مع من يبغضه المسلمون، يقول تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا هو أقرب للتقوى) (سورة المائدة: آية 8).

ـ أثر قوله صلى الله عليه وسلم: “أنا نبى المرحمة أنا نبى الملحمة”: لهذا الحديث، فى نظرنا، أثران إيجابى، وسلبى:

ـ الأثر الإيجابى: مراعاة الجوانب الإنسانية فى الحروب الإسلامية: هذا هو الأثر العملى لقوله صلى الله عليه وسلم “أنا نبى المرحمة، أنا نبى الملحمة”. فالحديث ذكر المرحمة قبل الملحمة، إشارة إلى أهميتها وتذكيراً بضرورة مراعاتها. إذ حتى إذا حمى الوطيس، فإن جانب الرحمة يجب تطبيقه دائماً.. ولعل خير مثال عملى يؤيد ذلك، ما حدث بعد هزيمة قريش، قال الرسول صلى الله علية وسلم: “ما تظنون أنى فاعل بكم”، قالوا: “أخ كريم وابن أخ كريم”. فقال صلى الله عليه وسلم: “أقول ما قال أخى يسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لى ولكم وهو أرحم الراحمين اذهبوا فأنتم الطلقاء”[30].

وقد طبع هذا الحديث أثره على سلوك المسلمين وقت الحرب أثناء حياته “صلى الله عليه وسلم” وبعد وفاته، وهو ما دفع “لوبون” إلي القول: “الحق أن الأمم لم تعرف فاتحين متسامحين مثل العرب ولا دينا سمحاً مثل دينهم”[31].

ـ الأثر السلبى: منع من لا يراعون الاعتبارات الإنسانية من قيادة الجيوش الإسلامية؛ ولعل خير مثال على ذلك ما حدث حينما قال سعد لأبى سفيان: “اليوم يوم الملحمة ؛ اليوم تستحل الحرمة”.. فشكا أبو سفيان إلى رسول “الله صلى الله عليه وسلم” فعزله عن راية الأنصار وأعطاها للزبير بن العوام، فدخل بها من أعلى مكة، ودخل خالد بن الوليد من أسفل مكة.. يقول ابن كثير أن النبى “صلى الله عليه وسلم” أمر بالراية أن تؤخذ من سعد “كالتأديب له”[32].

وفي إطار هذه الاعتبارات يمكن القول أن فقهاء المسلمين، قد اهتموا بقواعد القانون الدولى الإنسانى، ولهم فى هذا الخصوص باع طويل، بل قيل أنهم كانوا أسبق من غيرهم فى التنبيه إلى ضرورة مراعاة تلك القواعد.

ولم يغفل فقهاء المسلمين ضرورة التنبيه على ترسيخ قواعد القانون الدولى الإنسانى، وضرورة معرفة المقاتلين، خصوصاً، بها عند التدخل الخارجي، فى هذا المعنى يقول الإمام الشيزرى “توفى عام 589هـ”، إن من واجبات الملك[33]: “إن يلزم جيشه بما أوجبه الله تعالى من حقوق وبما أمره الله تعالى من مراعاة حدوده، لأنه من جاهد عن الدين كان أحق الناس بالتزام أحكامه، والفصل بين حلاله وحرامه، وقد قال رسول الله صلى الله علية وسلم: “انهوا جيوشكم عن الفساد، فإنه ما فسد جيش قط إلا قذف الله تعالى فى قلوبهم الرعب”.

أي أن الشريعة الإسلامية وضعت القواعد الآتية بخصوص قواعد القانون الدولى الإنسانى، ذات الصلة بالتدخل الدولي:

ـ إلزام الجيش بالحدود والأحكام واجبة المراعاة وقت الحرب. ولاشك أن ذلك يتضمن القواعد الخاصة بالقانون الدولى الإنسانى، التى وضع الإسلام العديد من مبادئها.

ـ نهى الجيش عن الفساد “كما جاء فى حديث الرسول صلى الله علية وسلم”. ولاشك أن النهى عن الفساد، يعنى عدم انتهاك القواعد واجبة المراعاة، ومنها عدم ارتكاب ما يخالف قواعد القانون الدولى الإنسانى.

ـ إن النهى عن الفساد وضرورة التزام القيود واجبة المراعاة يعد “قيوداً أخلاقية وشرعية”، يجب على كل مقاتل أن يراعيها، نظراً لأن مصدر النهى وارد فى حديثه “صلى الله علية وسلم”.

ـ إن ذلك يشكل واجباً دينياً على عاتق المسلمين، لأن الالتزام بالأحكام، والتمييز بين الحلال والحرام، أمر واجب فى شريعة الإسلام.

3ـ النظرية الأمريكية فى التدخل:

فى عام 1796م، وجه رئيس جمهورية الولايات المتحدة الأمريكية “جورج واشنطون” إلى شعوب أمريكا، رسالة وداع، أكد فيها علي عدم التدخل فى الشئون الأوروبية، وسارت الولايات المتحدة علي ذلك أكثر من قرن من الزمان، وكانت تقف فى وجه كل محاولة من دول أوروبا للتدخل فى شئون القارة الأمريكية. وفى عام 1823م قامت الثورة فى المستعمرات الأسبانية فى أمريكا الجنوبية وأعلنت هذه المستعمرات استقلالها عن أسبانيا، فحاولت هذه الدولة الاستعانة بدول أوروبا العظمى المكونة من للتحالف المقدس لاسترداد مستعمراتها، وعندها تصدت الولايات المتحدة لهذا التدخل برسالة حازمة من رئيسها فى ذلك الوقت “جيمس مونرو” وجهها إلى المؤتمر الأمريكى فى واشنطون بتاريخ 2 ديسمبر 1823، وضمنها ذلك التصريح الشهير المعروف باسم تصريح مونرو، والذى لخص فيه السياسة الأمريكية إزاء دول القارة الأوروبية.

ويقوم هذا التصريح على المبادئ الآتية[34]:

ـ إن القارات الأمريكية قد وصلت إلى درجة من الحرية، والاستقلال لا تجعل هناك محلاً لأى احتلال أو استعمار لإقليم من أقاليمها من جانب إحدى الدول الأوروبية.

ـ إن كل محاولة من الدول الأوربية لفرض نظمها السياسية على جزء من أجزاء القارة الأمريكية تعتبر خطراً على أمن وسلامة الولايات المتحدة، وإن الولايات المتحدة لا تسمح إطلاقاً بحصول أى تدخل من الدول الأوروبية فى الشئون الداخلية أو الخارجية للدول الأمريكية.

ـ إنه ليس للولايات المتحدة أن تتدخل فى الشئون الخاصة بدول أوروبا ولا شأن لها بالحروب التى تقوم بين هذه الدول. إنما ينفى هذا حقها فى الدفاع عن نفسها إذا وقع اعتداء على حقوقها أو أصبحت مصالحها مهددة تهديداً جدياً أو وجهت إليها إهانة من إحدى الدول الأوروبية.

وقد لقى تصريح مونرو وقت صدوره ترحيباً من دول أمريكا المختلفة، إذ كان فى مظهره بمثابة عمل دفاعى ضد كل تدخل أجنبى فى شئون هذه الدول. ولما كانت الولايات المتحدة هى أقوى هذه الدول، فقد أخذت على عاتقها مهمة الدفاع عنها جميعاً ضد أى اعتداء أوروبى، ثم تدرجت من ذلك إلى أن نصبت نفسها قيمة على شئون دول أمريكا، لا فى علاقاتها مع دول أوروبا فحسب، بل أيضاً فى علاقاتها مع بعضها، وأخذت تتدخل فى شئون هذه الدول كلما وجدت فرصة لذلك، مما أدى ببعض الفقهاء إلى القول أن تصريح مونرو، رغم أنه فى ظاهره إقرار لمبدأ عدم التدخل، ما هو فى الواقع إلا وثيقة أعطت الولايات المتحدة لنفسها بمقتضاها الحق فى التدخل فى شئون دول أمريكا الأخرى[35].

ولا يعتبر تصريح مونرو فى ذاته قاعدة جديدة من قواعد القانون الدولى، فما هو فى وضعه الأصلى إلا تطبيق لمبدأ عدم التدخل، الذى قال به فقهاء القارة الأوروبية من قبل. لذا لم يلاق اعتراضاً فعلياً من دول هذه القارة، وقد أخذت تكف يدها شيئاً فشيئاً عن التدخل فى شئون دول أمريكا وتعدل عن ادعاءاتها الإقليمية فى أجزاء القارة الأمريكية التى كانت واقعة فى وقت ما تحت سيطرتها أو نفوذها.

وقد بادرت هذه الدول بعد حوالى قرن من صدور تصريح مونرو، إلى الاعتراف رسمياً بشرعيته فى وثيقة دولية عامة هى عهد عصبة الأمم، الذي نص فى المادة 21 منه على أن “الاتفاقات الدولية كمعاهدات التحكيم والقواعد الإقليمية كمبدأ مونرو التى يكون الغرض منها المحافظة على السلم، لا تعتبر متنافية مع أى نص من نصوص هذا العهد”.

ولكن لم تعد لتصريح مونرو فى الوقت الحالى الأهمية التى كانت له وقت صدوره. وإن كانت الولايات المتحدة ظلت تعتبره إلى عهد قريب فى حكم دستور لسياستها الخارجية، فقد أخذت حدتها فى التماسك بتطبيقه بكافة جزئياته تخف فى الواقع شيئاً فشيئاً، بعد أن اطمأنت إلى أن القارة الأمريكية لم تعد لقمة سائغة للدول الاستعمارية الأوروبية[36].

أما من ناحية التدخل الأمريكى فى شئون أوروبا وغيرها فقد قدمت الولايات المتحدة نفسها الأمثلة على إمكان حصوله[37]. إلا أن موقف الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية، واهتمامها اهتماماً جدياً بكثير من المسائل البعيدة كل البعد عن شئون القارة الأمريكية، وسعيها إلى السيطرة على السياسة الدولية العالمية، وفرض رغباتها على كثير من الدول الأوروبية وغيرها، باستعمال مختلف وسائل الضغط الاقتصادى. دليل على أنها قد طرحت تصريح مونرو جانباً، وإن مظهره الوحيد فى الوقت الحالى ما تدعيه الولايات المتحدة لنفسها من حق الإشراف على الشئون العامة للقارة الأمريكية، وما لدول هذه القارة من الحق فى حل مشاكلها المشتركة دون تدخل من جانب الدول الأخرى الواقعة خارج هذا الجزء من العالم[38].

4ـ النظرية الآسيوية فى التدخل:

كان من آثار صدور تصريح مونرو فى أمريكا، إن نبه بعض الأفكار فى آسيا إلى ضرورة إقرار مبدأ مماثل فى الشرق الأقصى، يلزم الدول الأجنبية بعدم التدخل فى الشئون الآسيوية، وتصبح بمقتضاه آسيا للآسيويين، وقد برزت هذه الفكرة بشكل جدى فى اليابان، فأثارها الفقهاء والساسة. واتجهت السياسة اليابانية بالفعل إلى تنفيذها، بتدخلها فى شئون الصين، لوضع حد للسيطرة الأجنبية وللنفوذ الأوروبى والأمريكى فى هذه البلاد، وبمحاولتها أن تجعل من الجزء الممتد من الصين وجنوبى شرقى آسيا حتى المحيط الهندى منطقة نفوذ يابانية، بعيدة عن كل تدخل أجنبى.

وقد أثارت هذه السياسة منازعات مستمرة بين اليابان من جهة وروسيا وإنجلترا والولايات المتحدة من جهة أخرى، ورفضت هذه الدول إقرار السياسة اليابانية الجديدة، وأصرت على الاحتفاظ بما اكتسبته من حقوق فى هذا الجزء من القارة الآسيوية، وعلى التدخل فى شئونه لرعاية مصالحها فيه، وأصرت اليابان من ناحيتها على سياستها، وأخذ النزاع يزداد حتى انقلب إلى حرب شعواء، احتلت اليابان فى بدايتها جميع المناطق، التى أدعت لنفسها حق الاستقلال بالنفوذ فيها واحتفظت بها زهاء عامين[39].

ومن خلال استعراض هذه الاتجاهات الفكرية، حول التدخل الإنساني في ضوء المبادئ العامة للقانون الدولي، يتضح أن هناك قواعد ومبادئ وقوانين واجبة التطبيق خلال المنازعات المسلحة، الدولية أو غير ذات الطابع الدولى، وتتميز قواعد القانون الدولى الإنسانى بأمرين أساسيين: أنه يجب التفكير فى أى سلوك حربى يتم اتخاذه، كما أنه لا يجوز اتخاذ أى تصرف حربى دون تفكير فى عواقبه، خصوصاً آثاره الإنسانية، وإلا ترتب على ذلك الكارثة أو ما لا يحمد عقباه.

كذلك فإن مجال “التطبيق الشخصى”، لقواعد القانون الدولى الإنسانى يتسع ليشمل طوائف وفئات كثيرة يجمعها ضابط أساسى: تأثرها بويلات النزاع المسلح أو انخراطها فيه. ومن المعلوم أن حماية “ضحايا” أى نزاع مسلح، وكذلك “حقوقهم” يشكلون “الغاية النهائية” التى يطمح إلى تحقيقها القانون الدولى الإنسانى، خصوصاً بالنسبة للأشخاص الذين يقعون فى أيدى العدو، أو يكونون تحت سيطرته أو ينتمون إلى الطرف الآخر. ويسرى ذلك أيضاً، ومن باب أولى، على الأعيان والممتلكات المشمولة بحماية قواعد القانون الدولى الإنسانى.

وبخصوص الفئات المحمية، تتميز قواعد القانون الدولى الإنسانى بأنها: يجب تطبيقها بغض النظر عن الأسباب التى أدت إلى وقوع النزاع المسلح، وتحتم عدم التمييز بين الضحايا، وبالتالى تطبيقها بحياد، كما أنها تشكل حداً أدنى للحماية لا يمكن الاتفاق على النزول عنه، “المواد 1، 6، 7 من اتفاقيات جنيف الأربع”.

كذلك فإن تطبيقها منوط بأطراف النزاع المعنيين “وإن كان مجلس الأمن فى قراراته ضد العراق ويوغوسلافيا قد غير من ذلك بعض الشيء بنصه على استخدام القوة إذا كان ذلك ضروريا للوصول إلى تحقيق الأهداف الإنسانية؛ ومن ذلك حماية قوافل الإغاثة عن طريق القوة المسلحة بطريقة مستمرة، مع أنها قبل ذلك كانت تشكل إجراء استثنائياً فى ظل القانون الدولى الإنسانى التقليدى”.

كذلك يمكن القول أن “الشخص المحمى” فى إطار القانون الدولى الإنسانى، هو ذلك الشخص الذى تحميه قواعد ذلك القانون، باعتباره “كأنناً حياً”، وجدت قواعد القانون الدولى الإنسانى من أجله وبسببه، بل إن قاعد ذلك القانون تحميه، حتى بعد مماته، وذلك بوضع قواعد تحمى رفاته. ولاشك أن كفالة تلك الحماية تتطلب، بين أمور أخرى، ضرورة التوعية بقواعد القانون الدولى الإنسانى، الخاصة بالفئات المحمية عن طريق نشرها وتدريسها، ويلعب الإعلام خصوصاً دوراً هاماً فى هذا المجال.

فالجانب الشخصى لقواعد القانون الإنسانى، احتل لدى فقهاء المسلمين وفى الشريعة الإسلامية مكاناً عالياً، شمل أموراً عديدة، منها: “مبدأ مراعاة القواعد الإنسانية فى معاملة الأعداء، ومبدأ النهى عن التمثيل بالأعداء، ومبدأ التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين، وعدم الانتقام، وعدم استخدام الأسلحة التى تسبب أوجه معاناة غير مفيدة”. وهذه المبادئ تشكل “صمام الأمان” الضابط لكل قواعد القانون الدولى الإنسانى الحالى الخاصة بالفئات المشمولة بحمايته.

كما أن الإسلام وجد أن الحرب تحتاج إلى تهذيب فكرتها فى النفوس، وحصرها فى أضيق الحدود الإنسانية و”المادية” باعتبار ذلك هو غاية ما تحتمل الفطرة البشرية. ويلاحظ أن العصور السابقة مباشرة على ظهور الإسلام، كانت عصوراً مظلمة انتشرت فيها القسوة والتعذيب، دونما تمييز بين المحاربين وغير المحاربين أو بين الرجال والنساء والأطفال والكهول.

وإذا كان الحال كذلك بالنسبة للكائن البشرى، فإن الأموال والأشياء المادية لم تكن تخضع، فيما يتعلق بتدميرها، لأى قيد. فكل شيء مباح لا يضبطه قيد ولا يحده رابط. ومن هنا كان مجيء الإسلام ضروريا لينشئ ما لم يكن موجوداً من قواعد قانونية تتفق مع الكرامة الإنسانية، تلك كانت ومازالت وظيفته المدنية.

وجاءت القواعد والمبادئ الإسلامية عكس ذلك تماماً، فقد قرر الإسلام للعدو حقوقاً قبل الصديق، ووضع كرامة الإنسان قبل كل شيء. أي أن مرد قواعد القانون الدولى الإنسانى، ترجع إلى مبدأ إسلامى أصيل، هو مبدأ “الرفق فى الأمر كله”، والذى أكده قوله صلى الله عليه وسلم: “إن الله يحب الرفق فى الأمر كله”.. وقوله: “إن الرفق لا يكون فى شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شاته”.. وقوله: “إن الله رفيق يجب الرفق، ويعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف”.

وأساس ذلك يرجع إلى قاعدة العدالة التى أمر الإسلام بتطبيقها، حتى مع من يبغضه المسلمون، يقول تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للقوى) (المائدة: 8) [40].

وفي إطار ما سبق يمكن القول إن الخطوط العامة للفكر الإسلامي، فيما يتعلق بالتدخل مقارنة بالمدارس الفكرية الكبرى في العالم، هو الرفض المطلق لمبدأ التدخل فى ضوء التقسيم الدولى، الذى يسيطر على أنظمة العلاقات الدولية الراهنة، وفى ضوء آليات عمل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وارتباطهما بمصالح الدول الكبرى.

فالموقف الغالب في الفكر الإسلامي، فيما يتعلق بالتدخل يقوم علي:

ـ عدم معارضة، من ناحية المبدأ أو التأصيل الشرعى، وجود “سلطة عالمية عليا”، تتدخل فى أى قطر من الأقطار لوقف انتهاكات حقوق الإنسان و”رفع الظلم وإقامة العدل”، بل يرون ذلك واجباً فى كثير من الحالات.

ـ رفض مبدأ التدخل الخارجى، بالآليات والمؤسسات الدولية الموجودة فى العصر الحاضر، لأن هذه “السلطة العالمية العليا لا تتمتع بالمصداقية التى تؤهلها للاضطلاع بتلك المهمة، فهى متهمة من قبل الإسلاميين بانحيازها إلى الدول الكبرى، وبأنها أداة لتحقيق مصالح تلك الدول صاحبة المعايير المزدوجة.

ـ أن التدخل الخارجى بشكله الحالي يصاحبه ضرر أكبر من ضرر عدم التدخل، وعليه ليس ممكناً أن يزال المنكر “انتهاكات الحكومات”، بمنكر أشد منه “تدخل الدول الكبرى”، وبتطبيق نظرية ـ أهون الضررين ـ فإن رفض التدخل الخارجى هو الموقف النهائى[41].


الهامش

[1]  د. حامد سلطان، القانون الدولى العام فى وقت السلم، القاهرة، دار النهضة العربية، 1968، ص 45.

[2] مثال ذلك ما قضت به المحكمة الدائمة للعدل الدولى، فى حكمها الصادر فى 26 من يوليو عام 1927، من أنه: “يترتب على مخالفة الالتزام واجب التعويض”.. وكذلك فى الحكم الذى أصدرته محكمة العدل الدولية فى قضية القروض النرويجية، الصادر فى 6 يوليو 1957.. والحكم الذى أصدرته المحكمة ذاتها، فى النزاع الخاص بحق المرور، بين الهند والبرتغال فى 26 نوفمبر 1957. (راجع: د. حامد سلطان، القانون الدولى العام فى وقت السلم، مرجع سابق، ص45ـ58).

[3] تعتبر محكمة العدل الدولية من أقدر الهيئات الدولية علي استخلاص المبادئ العامة للقانون، ذلك أن المادة (9) من نظامها الأساسي تنص علي أنه: “يجب علي مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة أن يرعوا أن يكفل تشكيل هيئة قضاة المحكمة تمثيل المدنيات الكبرى والنظم القانونية والرئيسية في العالم. (د. مفيد شهاب، المبادئ العامة للقانون بوصفها مصدر للقانون الدولي، المجلة المصرية للقانون الدولي، القاهرة، الجمعية المصرية للقانون الدولي، المجلد 23، عام 1967، ص 7 وما بعدها).

[4] نصت العديد من أحكام واتفاقيات التحكيم المبرمة بين الدول صراحة على حق المحكمين في الرجوع إلى مبادئ القانون العامة المستمدة من الأنظمة القانونية الداخلية وتطبيقها على المنازعات المعروضة عليها إذا لم يجدوا في المعاهدة والعرف ما يعينهم على إصدار الحكم المطلوب، ومن الأمثلة على ذلك، ما ورد بقرار مجلس الاتحاد الفيدرالي الألماني فى 26 يونيو عام 1817، والخاص بإنشاء محكمة دولية للفصل في المنازعات بين الدول الألمانية الأعضاء فى الاتحاد، واتفاقية لاهاى لعام 1907 الخاصة بالتسوية السلمية للمنازعات، اتفاقية التحكيم والتوفيق المبرمة بين ألمانيا وسويسرا في 3 يناير عام 1921 (م 5)، وحكم محكمة التحكيم الصادر في النزاع الإنجليزي الأرجنتيني في عام 1870، وحكم محكمة التحكيم الصادر في النزاع الروسي التركي عام 1912. (د. صلاح الدين عامر، مقدمة لدراسة القانون الدولي العام، مرجع سابق، ص 214).

[5] علي الصعيد الوطني، يمكن ألا تجد المحكمة نص في دستور أو قانون أو تشريع، أو عرف يعينها على الفصل في الدعوى المعروضة عليها، حينئذ يجب على القاضي أن يقوم باستنباط قاعدة من المبادئ العامة، وهذا الموقف يعد اكثر احتمالا في أن يظهر في القانون الدولي بسبب عدم تطوره أو التخلف النسبي لنظامه في مواجهة الاحتياجات التي تواجهه.

[6] النظام الأساسي للمحكمة الدائمة للعدل الدولي التي أنشئت عام 1920، اتخذته الدول أساسا عندما أرادت وضع نظام أساسي لمحكمة عدل دولية جديدة عام 1945، ولكن كان منصوصا على المبادئ العامة للقانون في الفقرة الثالثة من المادة 38 من النظام الأساسي للمحكمة الدائمة للعدل الدولي، وأصبحت اليوم مدرجة تحت الفقرة 1/ج منها. (راجع: د. مفيد شهاب، المبادئ العامة للقانون بوصفها مصدر للقانون الدولي، مرجع سابق، ص 2).

[7] الوصف الذي اقترن بالمبادئ العامة للقانون “التي أقرتها الأمم المتمدينة” يعد من آثار الحقبة الاستعمارية، والطابع الأوربي، الذي اصطبغ به القانون الدولي عند نشأته، وأضحت الكثرة من الفقه تشير إلى هذه المبادئ دون أن تردفها بالوصف الذي أوردته المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. إلا أن هناك جانب من الفقه ما زال يحتفظ بذلك الوصف ويصر علي ضرورته. (د. صلاح الدين عامر، مقدمة لدراسة القانون الدولي العام، مرجع سابق، ص 211).

[8] راجع د. صلاح الدين عامر، مقدمة لدراسة القانون الدولي العام، مرجع سابق، ص 216.

[9]  لا يشترط لاعتبار المبدأ العام مصدرا من مصادر القانون العام، أن تعترف به الدول كلها، بحيث يفقده هذا الوصف، عدم وجوده في النظام القانوني لدولة أو دولتين، حيث يكتفي الفقه الغالب بأن يكون المبدأ من المبادئ المسلم بها في الأنظمة القانونية الرئيسية في العالم، وهى النظام اللاتيني، والنظام الأنجلوسكسونى،والنظام الماركسي، والشريعة الإسلامية. (د. صلاح الدين عامر، مقدمة لدراسة القانون الدولي العام، مرجع سابق، ص 215).

[10] لا يجوز الأخذ بمبدأ من المبادئ العامة للقانون، المتفق عليها في كافة الأنظمة القانونية الرئيسية، إذا كان ينطوي في ذاته على تعرض أو مساس بأحد القواعد العرفية الدولية الرئيسية. (د. صلاح الدين عامر، مقدمة لدراسة القانون الدولي العام، مرجع سابق، ص 215).

[11] د. مفيد شهاب، المبادئ العامة للقانون بوصفها مصدر للقانون الدولي، مرجع سابق، ص 5 .

[12] د. محمد مجدي مرجان، أثار المعاهدات بالنسبة للدول غير الأطراف، رسالة دكتورة، كلية الحقوق جامعة القاهرة، سنة 1981، ص 285.

[13] د. محمد مجدي مرجان، مرجع سابق، ص 286 وما بعدها.

[14] د. محمد سامى عبد الحميد، مرجع سابق، ص 229.

[15] ينبنى على ذلك، إن مبدأ “حسن النية” مثلاً، هو فى حد ذاته فكرة مجردة، لكن إذا حدد المخاطبون بها، وتحدد كذلك مدى تطبيقها. وظروف ذلك التطبيق، من حيث الزمان والمكان، لنتج عن ذلك تحول هذا المبدأ، إلى “قاعدة قانونية” بعد إتباع الوسائل القانونية المعروفة، ونتج عن ذلك أيضاً، جواز أن تطبق على أشخاص القانون الخاص، أو العام، وفى النطاق المحلى أو النطاق الدولى، وذلك بحسب الإطار الذى ستفرغ فيه.

[16] د. محمد إسماعيل على، مبادئ القانون الدولى العام، القاهرة، دار النهضة العربية، 1984، ص 109 ـ 112.

[17] من المبادئ التى تمتعت باعتراف الأمم المتمدينة على هذا النحو: “مبدأ عدم جواز الإثراء بلا سبب، ومبدأ عدم جواز التعسف فى استعمال الحق، ومبدأ حسن النية، ومبدأ المسئولية أو التقصيرية، ومبدأ حجية المحكوم فيه، مبدأ احترام العهد، مبدأ السكوت علامة الرضا، مبدأ ما ليس محظوراً فهو مباح، مبدأ ليس لأحد أن يأخذ حقه بنفسه، مبدأ البينة على ما أدعى، مبدأ الدفاع عن النفس،…”. وغير ذلك العديد من المبادئ العامة فى النظم القانونية المختلفة.

[18] د. عبد المنعم بدر ود. عبد المنعم البدراوى، مبادئ القانون الرومانى، القاهرة، دار الكتاب العربى، 1952.

[19] د. محمد طلعت الغنيمى، مرجع سابق، ص 96 ـ 97.

[20] د. عبد العزيز سرحان، مرجع سابق، ص 200 ـ 202.

[21] د. محمد إسماعيل على، مبادئ القانون الدولى العام، القاهرة، 1984، ص 109 ـ 118.

[22] د. محمد إسماعيل على، مبادئ القانون الدولى العام، القاهرة، 1984، ص 119 ـ 121

[23] د. محمد إسماعيل على، مبادئ القانون الدولى العام، القاهرة، دار النهضة العربية، 1984، ص 121 ـ 123.

[24] د. صادق محروس، “المنظمات الدولية والتطورات الراهنة فى النظام الدولى”، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عدد 122، أكتوبر 1995، ص 17.

[25] خالد الحروب، “الإسلاميون ومسألة التدخل الخارجى وجهات نظر”، مرجع سابق، ص 85.

[26] عبير بسيونى، مصدر سابق، ص 30 ـ 36.

[27] لفظ “فشرد”: أى افعل بهم من القتل ما تفرق به من وراءهم من أعدائك. وقيل: سمع بهم . وقيل: نكل بهم عظة لمن وراءهم. (أنظر: ابن التركمانى، بهجة الأريب فى بيان ما فى كتاب الله العزيز من الغريب، ج1، القاهرة، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، 2002، ص 239).

[28] يقول الشريف الراضى أن قوله صلى الله علية وسلم: “الآن حني الوطيس”، هو يعنى حمس الحرب وعظم الخطب، مجازاً لأن الوطيس فى كلامهم حفيرة تحتفر فيوقد فيها النار للاشتواء، وتجمع على وطس، فإن احتفرت للاجتياز، فهى إرة وتجمع على إرين، ولا وطيس هناك على الحقيقة، وإنما المراد ما ذكرنا من حر القراع وشدة المصاع، والتفاف الأبطال، واختلاط الرجال، ومن هنا قالت العرب: أوقدت نار الحرب بين آل فلان وآل فلان، وقال الله سبحانه وتعالى مخرجاً للكلام على مطارح لسانهم ومعارف أوضاعهم: (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله). وتشبيه الحرب بالنار يكون من وجهين: “أحداهما” لحر مواقع السيوف، وكرب ملابس الدروع، وحمى المعترك وكثرة الحركات. “والوجه الآخر” إن يكون إنما شبهت بالنار لأنها تأكل رجالها، وتفى أبطالها كما تأكل النار شعلها وتحرق حطبها. (أنظر: الشريف الراضى، المجازات النبوية، القاهرة، مطبعة البابى الحلبى، 1967، ص 46 ـ 47).

[29] مصطفى صادق الرافعى، إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، القاهرة، مطبعة الاستقامة، 1956، ص363.

[30] محمد رشيد رضا، الوحى المحمدى، القاهرة، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، 2000، ص 280.

[31] غوستاف لوبون، حضارة العرب، ترجمة عادل زعيتر، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2000، مقدمة الكتاب.

[32] ابن كثير، صفوة السيرة النبوية، القاهرة، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ج3، ص 239 ـ 244.

[33] د. أحمد أبو الوفا، أثر أئمة الفقه الإسلامى فى تطوير قواعد القانون الدولى والعلاقات الدولية، القاهرة، دار النهضة العربية، 1997، ص 288.

[34] د. على صادق أبو هيف، القانون الدولى العام، القاهرة، دار نشر الثقافة بالإسكندرية، ط2، 1948، ص 186 ـ 187.

[35] أثار هذا التدخل مخاوف دول أمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى، ودفع بالكثير منها إلى التصريح، برغبتها فى أن توليها الولايات المتحدة ما تظهره نحوها من اهتمام بشئونها الخاصة، وقد عبرت الأرجنتين عن هذه الرغبة صراحة، فى مؤتمر هافانا عام 1928، وطلبت إلى الولايات المتحدة أن توقف تدخلها فى شئون دول أمريكا، وأن تحترم سيادتها واستقلالها.

[36] بدا ذلك خلال الحرب العالمية الأولى، عندما اشتكت إنجلترا وفرنسا من خروج كولومبيا وإكوادور على قواعد الحياد بالسماح لألمانيا بإقامة منشئات حربية على إقليميهما، فردت الولايات المتحدة على هذه الشكوى بتصريحها، أنها لا تستطيع القيام بعمل شرطي فى أمريكا اللاتينية، وأنها لا ترى مانعاً من أن تقوم الدول المشتكية، بإنزال بعض قواتها على أرض الدولتين المشكو منهما، لإتلاف منشآت العدو، بشرط ألا يؤدى هذا إلى احتلال دائم. أي أن الولايات المتحدة لا تعارض تدخل أوروبى مشروع فى أمريكا، وأنها لا تمانع فيه إلا إذا كان يرمى إلى احتلال إقليم أمريكى بصفة دائمة.

[37] من ذلك مساهمتها فى إنشاء جمهورية ليبيريا فى أفريقيا عام 1847م، واشتراكها فى مؤتمر برلين عام 1885م، وفى مؤتمر لاهاى عامى 1899 و1907م، هى والكثير من الدول الأمريكية الأخرى، ثم فى حرب عام 1914م وفي مفاوضات الصلح عام 1919.

[38] د. على صادق أبو هيف، القانون الدولى العام، مرجع سابق، ص 188 ـ 189.

[39] د. على صادق أبو هيف، مرجع سابق، ص 189 ـ 190.

[40] د. أحمد أبو الوفا، النظرية العامة للقانون الدولى الإنسانى “فى القانون الدولى وفى الشريعة الإسلامية”، القاهرة، دار النهضة العربية، ط1، 2006، ص 217 ـ 224.

[41] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close