fbpx
تقارير

انتخابات السيسي: الانتهاكات وتزييف النتائج

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقدمة

اتجهت أنظار الكثيرين في الشهور القليلة الماضية الى متابعة المشهد المصري بشكل مكثف، ولا يرجع هذا الاهتمام فقط الى مجرد مناسبة “الانتخابات الرئاسية” في مصر، لكن يرجع بالأساس الى حجم الانتهاكات والممارسات الاستبدادية والقمعية التي قام بها النظام المصري خلال الفترة التي سبقت العملية “الانتخابية”، والتي دفعت الصحافة العالمية لتسليط الضوء على المشهد السياسي في مصر بشكل مكثف واستعراض وتحليل واقع الحياة السياسية في مصر والممارسة الديمقراطية في ظل النظام المصري الحالي.
نسعى هنا في هذا التقرير إلى إعطاء صورة كاملة عن “الانتخابات الرئاسية” المصرية لعام 2018 من خلال تناول عدة محاور تتعلق بالانتهاكات التي تعرض لها كل من أعلن نيته للترشح في انتخابات الرئاسة والانتهاكات والممارسات التي قام بها النظام أثناء عملية التصويت نفسها، مع تسليط الضوء على سير العملية “الانتخابية” في منطقة سيناء لحساسية الأوضاع هناك وتزامن العملية “الانتخابية” مع العمليات العسكرية للجيش المصري في سيناء، ومن ثم نسعى إلى قراءة وتحليل ارقام المشاركين في عملية التصويت وختاماً بالوصول إلى استنتاجات وخلاصات حول العملية “الانتخابية”.

انتهاكات ما قبل العملية “الانتخابية”

سنشير هنا في التقرير بإيجاز الى أهم الممارسات والانتهاكات التي مارسها النظام المصري بحق كل من أعلن عن نيته الترشح “للانتخابات” الرئاسية. لكن بشكل عام، شكلت الشروط الموضوعة للترشح (تزكية 20 عضو من البرلمان الذي يتحكم فيه نظام السيسي بشكل كامل، أو الحصول على 25000 توكيل من المواطنين باتساع 15 محافظة على الأقل) مع قصر الفترة المتاحة لاستيفاء هذه الشروط (20 يوماً)، عائقاً أمام كل من يسعى للترشح عدا السيسي أو من تسمح الدولة بترشحه (كما حدث مع موسى مصطفي موسي لاحقا). وبالرغم من ذلك تعقبت الدولة جميع المرشحين الجادين بإجراءات شديدة القمعية، ما أدى إلى استبعادهم قسرا (حالات أحمد شفيق وأحمد قنصوة أو سامي عنان التي سيتم استعراضها لاحقا) أو حالات مرشحين أخرين اضطروا للانسحاب يأسا من الأمل في عملية انتخابية نزيهة مثل خالد علي ومحمد أنور السادات.

1- الفريق أحمد شفيق

أعلن الفريق أحمد شفيق المرشح الرئاسي السابق في انتخابات الرئاسة في 2012 وهو قائد بارز سابق في القوات المسلحة ، عن نيته للترشح في “الانتخابات الرئاسية” المقبلة، وقال شفيق في فيديو سجله في دولة الإمارات وقتها “إنني أشرف بأن أعلن عن رغبتي في التقدم “للانتخابات” الرئاسية القادمة في مصر لاختيار رئيسها للسنوات الأربع القادمة”. وقال “شفيق” عن أسباب ترشحه لرئاسة الجمهورية في بيان ترشحه عبر شريط الفيديو الذي أذيع وقتها “إن مصر تصارع كثيرًا من المشاكل التي أثرت على كل جوانب الحياة والتي أدت إلى تدهور جميع الخدمات” ودعا في الفيديو إلى الديمقراطية الحقيقية وحقوق الإنسان وقال “إن أي نجاح سواء كان كبيرا أو صغيرًا لن يتحقق في مصر دون نظام حكم مدني ديمقراطي نموذجي ومستقر جيد قادر على تقبل النقد”.
بعد إعلان ترشحه بيوم واحد فقط قال الفريق أحمد شفيق، في فيديو أخر بثته أحدي القنوات الفضائية أن السلطات في دولة الإمارات منعته من مغادرة البلاد وذلك بعد ساعات من إعلان نيته الترشح في انتخابات الرئاسة المصرية، وبعد إعلان “شفيق” عن التضييقات التي تمارسها معه قيادات دولة الإمارات التي تعتبر الداعم الأهم لعبد الفتاح السيسي، قامت دولة الإمارات بترحيله عبر رحلة خاصة إلى القاهرة، في الوقت نفسه ذكرت وكالة أنباء الإمارات أن شفيق غادر دولة الإمارات متجها إلى مصر لكن أسرته ما زالت موجودة في البلاد. بعد وصول الفريق أحمد شفيق إلى مطار القاهرة اصطحبته المخابرات الحربية إلى أحد الفنادق بالقاهرة، ووضعته تحت الإقامة الجبرية، ومارست عليه ضغوطا كي يتراجع عن ترشحه لرئاسة الجمهورية، وهددته بفتح بعض ملفات فساد تزج به في السجون، وهددته أيضاً ببعض ملفات شخصية كما كشفت بعض المصادر، والتنكيل ببناته واللاتي يتواجدن في دولة الإمارات، كانت محصلة الانتهاكات التي مورست على الفريق أحمد شفيق، إعلانه التراجع عن ترشحه للرئاسة، في بيان على حسابه الشخصي علي موقع “تويتر”، عبر فيه أنه لن يكون الشخص الأمثل لقيادة أمور الدولة خلال الفترة القادمة وأنه قرر عدم الترشح “للانتخابات” الرئاسية. اختار أحمد شفيق التراجع بدلاً من الزج به في السجن الحربي بالإضافة إلى الهجمة الإعلامية التي كان سينالها هو وعائلته. وتتردد الأنباء أنه حتى الان توجد قيود على حركته خارج منزله لكي يعلن صراحة دعمه للسيسي إلا أنه لم يفعل ذلك واكتفى فقط بالمشاركة في التصويت.

2- العقيد أحمد قنصوه

في نفس اليوم الذي أعلن فيه الفريق أحمد شفيق عن نيته للترشح لرئاسة الجمهورية ، أعلن العقيد أحمد عبد الغفار حسن قنصوه وهو دكتور مهندس معماري استشاري خريج الكلية الفنية العسكرية، في بيان عبر قناته على موقع اليوتيوب عن نيته في الترشح “للانتخابات” الرئاسية وعبر من خلال بيان ترشحه عن الأسباب التي دفعته للترشح “للانتخابات” الرئاسة. كان رد الفعل المباشر للنظام هو استدعاء العقيد أحمد قنصوه عبر النيابة العسكرية ووجهت له تهمتي الظهور في مقطع فيديو على موقع للتواصل الاجتماعي بزيه العسكري، وإبداء رأي سياسي وهو لايزال عضوا بالمؤسسة العسكرية، وقضت المحكمة العسكرية بسجنه 6 سنوات مع الشغل والنفاذ، وينفذ الحكم الان بالسجن الحربي.

3- الفريق سامي عنان:

في 20 يناير 2018، أعلن الفريق سامي عنان رئيس أركان الجيش الأسبق عن ترشحه رسميا في انتخابات الرئاسة، وذلك بعد نحو ساعتين من إعلان السيسي ترشحه لولاية ثانية، ودعا عنان في كلمة نشرها على صفحته بموقع فيسبوك، مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية للوقوف على الحياد في السباق الرئاسي. وأرجع عنان قراره بالترشح إلى تردي أوضاع الشعب المصري التي قال إنها تزداد سوءا يوما بعد يوم نتيجة سياسات خاطئة حملت القوات المسلحة وحدها مسؤولية الإدارة، دون تمكين القطاع الخاص من القيام بدوره في تسيير أمور الدولة، ودعي مؤسسات الدولة للوقوف علي الحياد، وبعد أقل من 72 ساعة من إعلان عنان عن ترشحه لرئاسة الجمهورية، اعتقلته قوات الأمن المصرية، وجاء ذلك الاعتقال بعد أن قالت قيادة الجيش المصري في بيان منسوب لها، إن إعلان “الفريق مستدعى” سامي عنان على حد وصف البيان، ترشحه للرئاسة تضمن ما يمثل تحريضا صريحا ضد القوات المسلحة “بغرض إحداث الوقيعة بينها وبين الشعب”، واتهمت القيادة العامة عنان بارتكاب “جريمة التزوير في المحررات الرسمية، لم تكتفي قيادات المؤسسة العسكرية بالتنكيل بسامي عنان فقط، بل امتد الأمر إلى إقالة مدير المخابرات العامة اللواء خالد فوزي على خلفية تواصله مع سامي عنان قبل ترشح الأخير للرئاسة، ولم يكتفي النظام المصري بالانتهاكات التي طالت الفريق عنان نفسه بل استمر في انتهاكات طالت عائلة الفريق عنان، حيث قررت الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا في الإسكندرية، إيقاف نجل الفريق عن العمل وإحالته للتحقيق، كانت المحصلة النهائية لترشح الفريق سامي عنان “للانتخابات” الرئاسية، اعتقاله في السجن الحربي وهي الحادثة الأولى في تاريخ القوات المسلحة المصرية التي يتعرض فيها رئيس أركان الجيش للاعتقال بالسجن الحربي.

4- المحامي خالد علي

بعد الانتهاكات والممارسات التي تمت مع كلاً من الفريق أحمد شفيق والفريق سامي عنان والعقيد أحمد قنصوه، طالبت بعض القوى السياسية المرشح خالد علي الذي قد أعلن نيته للترشح في نوفمبر 2017، بالانسحاب من العملية “الانتخابية” لكشف هزلية المشهد الانتخابي وإحراج النظام المصري، وبالفعل في 24 يناير 2018، وبعد القبض علي الفريق سامي عنان بأيام قليلة، أعلن المحامي الحقوقي خالد علي، أنه قرر عدم خوض سباق “الانتخابات الرئاسية” المصرية، معتبرا أن إمكانية تحويل الاستحقاق الانتخابي إلى فرصة لبداية جديدة قد انتهت . وقال خالد علي، في مؤتمر صحفي، إنه “لم نتخذ قرارنا بالترشح في نوفمبر الماضي إلا رهانا منا على إمكانيات في الواقع رأيناها تظهر أمامنا عام بعد عام وبالتحديد منذ معركة تيران وصنافير وما كشفت عنه من رغبة في التغيير أوسع بكثير مما يظن النظام الحاكم، رغبة في التغيير لهذا المسار السيء الذي تسير فيه بلادنا “. وتابع بالقول إنه “منذ الأمس هناك مطالبات بالخروج من العملية التي تسممت تماما ومن يطالبنا بالاستمرار، ولم يكن من السهل أن نخون ثقة المواطنين”، مؤكدا أن “ما حدث في الأيام الماضية لا يليق بسمعة بمصر”.

انتهاكات اثناء العملية “الانتخابية”

في الوقت الذى حظر فيه قانون تنظيم الانتخابات استخدام المصالح الحكومية والمرافق العامة ودور العبادة والمدارس والجامعات وغيرها من مؤسسات التعليم العامة والخاصة ومقار الجمعيات والمؤسسات الأهلية في الدعاية “الانتخابية”، قام السيسي بمعاونة الجهات الأمنية بخرق كل القوانين خلال فترة الدعاية “الانتخابية”، بالرغم من التضييق على المرشحين السابقين لمنعهم من عقد أي مؤتمرات في الأماكن الخاصة والتي كانت على نفقتهم الشخصية، ونشير هنا إلى حجم المخالفات والانتهاكات التي مارسها النظام المصري أثناء عملية التصويت في أيام 26 و27 و28 مارس.

استخدام المؤسسات الحكومية ودور العبادة في “الانتخابات الرئاسية” 2018

برزت تحركات موظفي الحكومة والقطاع الخاص في “الانتخابات الرئاسية”، عن طريق حشد كل الوزارات والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص للعاملين فيها نحو اللجان “الانتخابية”، عبر التهديد بالفصل من الوظيفة، وظهر على مواقع التواصل الاجتماعي العديد من المقاطع المصورة التي تظهر إجبار الموظفين على التصويت في الانتخابات، هذا بالإضافة إلى إصدار تكليفات رسمية لموظفي الحكومة بتحرير توكيلات للسيسي. وعقدت العديد من النقابات المهنية مؤتمرات حاشدة لدعم السيسي، آخرها مؤتمرا جماهيريا في إحدى المحافظات لإعلان التأييد للسيسي لترشحه لفترة رئاسة ثانية.

استخدام مؤسسات الجيش في إقامة المؤتمرات الصحفية لإعلان حملة السيسي “الانتخابية”

بدأ عبد الفتاح السيسي فى 17 يناير 2018 حملته “الانتخابية” للترشح لفترة رئاسية جديدة بشكل غير مباشر، وذلك قبل بدء فترة الدعاية “الانتخابية” الرسمية بنحو 40 يوماً، حيث عقد مؤتمراً بعنوان “حكاية وطن” في فندق “ألماسة” التابعة للمؤسسة العسكرية، حيث كان الهدف المعلن من المؤتمر هو تفعيل المشاركة الاجتماعية، وتعزيز الحوار مع المواطنين، في حين أن المؤتمر كان استعراض للإنجازات التي تحققت في فترة رئاسة السيسي، وذلك بالرغم أن قانون “الانتخابات الرئاسية” ينص في المادة 49 منه، على غرامة تتراوح قيمتها ما بين عشرة آلاف جنيه إلى خمسمائة ألف جنية، كعقوبة لكل من قام ببدء الحملة “الانتخابية” قبل المواعيد المنصوص عليها وهو ما لم يحدث بطبيعة الحال مع مخالفات حملة السيسي “الانتخابية”.

استخدام الأندية الرياضية في الدعاية “الانتخابية”

في الوقت الذى تم فيه اعتقال وحبس مشجعي الأندية المصرية بسبب بعض الهتافات في المباريات بحجة تداخل الرياضة بالسياسة، أعلن اتحاد الكرة ورؤساء بعض الأندية وأبرزهم رئيس النادي الأهلي المصري، تأييدهم لعبد الفتاح السيسي، حيث نظم اتحاد كرة القدم المصري مؤتمرا لدعم ترشح عبد الفتاح السيسي لفترة رئاسية ثانية وقامت أيضاً اللجنة الأوليمبية بعقد اجتماع بمقرها للإعلان عن حملة لمبايعة وتأييد الرياضيين للسيسي لفترة رئاسية جديدة، حضره رؤساء الاتحادات الرياضية ورؤساء الأندية الرياضية.

الصحف القومية واستغلال منافذ بيع الصحف

تم إصدار كتب تذكارية تتضمن ما تصفه الحكومة بـ”إنجازات السيسي” ، وتم توزيعها في مراكز الشباب ومنافذ بيع الصحف وتم تلخيصها ونشرها في الصحف القومية .

دور الكنيسة في الحشد الانتخابي

أعلن البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، إنه يجب على كل المصريين المشاركة في “الانتخابات الرئاسية”، ليشاركوا في هذه القيمة الوطنية لرفعة اسم مصر أمام العالم الذي ينظر إليها، في نفس الوقت تعددت المشاهد التي صرح فيها بعض رجال الكنيسة بتأييدهم للسيسي. وفي محاولة لمواجهة تراجع حشد الأقباط في “الانتخابات الرئاسية”، دفعت الكنيسة بمسيرات للكشافة الكنسية في بعض المناطق بعدة محافظات، لحث المواطنين على المشاركة في العملية “الانتخابية”.

دور وزارة الأوقاف ودار الإفتاء المصرية في الحشد الانتخابي

حرّمت دار الإفتاء المصرية في 30 يناير 2018 الاستجابة إلى دعوات مقاطعة “الانتخابات الرئاسية” وأكدت الدار في بيان لها وزعته على وسائل الإعلام، أن الممتنع عن أداء صوته الانتخابي آثم شرعا، ومثله من يدفع صاحب الشهادة إلى مخالفة، ودعا مفتي الجمهورية شوقي علام الشعب المصري، في تصريحات صحفية، للمشاركة بكثافة في “الانتخابات الرئاسية”. وأكد وزير الأوقاف مختار جمعة في محاضرة في كلية الشرطة، أن المشاركة في الانتخابات واجب وطني ومطلب شرعي، وبالرغم من التأكيد على عدم استخدام منابر المساجد للدعاية والممارسة السياسية، إلا أن وزارة الأوقاف أعلنت أن الأئمة سيبدأون في الدعوة إلى المشاركة السياسية في الانتخابات عبر المنابر، لأن الانتخابات هي استحقاق وطني.

مخالفات في الجامعات والمدارس

قامت العديد من الجامعات المختلفة بتنظيم عدد من الندوات التثقيفية والفعاليات التوعوية لدعوة الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والعاملين فيها للمشاركة الإيجابية ب”الانتخابات الرئاسية”، وذلك استجابة لوزير التعليم العالي، خالد عبد الغفار، الذي شدد على رؤساء الجامعات بضرورة حث الطلاب بأهمية الخروج إلى صناديق الاقتراع والإدلاء بالأصوات، مستبعدا أن تكون هذه الفعاليات مخالفة لقرار منع العمل السياسي داخل الجامعات.
في حين تم استخدام طلاب المدارس في عمليات الدعاية “الانتخابية”، حيث نظمت مديرية التعليم ببورسعيد جولة قام بها تلاميذ المدراس الابتدائية على عدد من المصالح الحكومية، لحث المواطنين على المشاركة في “الانتخابات الرئاسية” ، وزع التلاميذ أوراقا دعائية تدعو للتصويت في الانتخابات.

إجبار الشباب على التصويت

قامت قوات الشرطة المصرية خلال الأيام “الانتخابية” الثلاثة بإجبار بعض الشباب عن طريق اقتيادهم من المقاهي وإجبارهم على التصويت وتهديدهم بالاعتقال وتلفيق التهم إن لم يتجاوبوا، ووثق أحد الشباب الممارسات التي قام بها رجال الأمن معه من أجل إجباره على التصويت في الانتخابات.

معايير وضوابط العملية “الانتخابية”

بالنظر إلى ما سبق ومن خلال عرضنا في هذا التقرير للانتهاكات التي مارسها النظام المصري في الفترة التي سبقت انتخابات الرئاسة واثناء عملية التصويت نفسها سيكون من السهل استنتاج الى اي مدى كانت “الانتخابات الرئاسية” موافقة لمعايير وضوابط العملية “الانتخابية” من التعددية والتنافسية والنزاهة والشفافية والرقابة الداخلية والخارجية للعملية “الانتخابية” والمساواة في الدعاية بين المرشحين، وسيبدو واضحاً أن أياً من تلك المعايير لم تحقق الحد الأدنى، وهو ما يعني أن العملية “الانتخابية” ربما قد وافقت الإطار الشكلي والإجرائي فقط ولكنها لم تمثل عملية انتخابية حقيقية على أرض الواقع، وهو ما دفع وسائل الإعلام العالمية إلى تسليط الضوء وتوثيق المخالفات التي شابت العملية “الانتخابية” ونسب المشاركة الهزيلة، ذكر تقرير لموقع “مصر العربية” وسائل الإعلام العالمية التي تناولت الانتهاكات والمخالفات التي مارسها النظام المصري في العملية “الانتخابية” ونرصد هنا على سبيل المثال وليس الحصر عدة مقالات وتقارير للواشنطن بوست والتليجراف واتلانتك وبعض الصحف التي اشتركت في وصف العملية “الانتخابية” بالمسرحية الهزلية، مثل وول ستريت جورنال ونيو وركر.

توقعات ما قبل الانتخابات

يقدم هذا الجزء قراءة تحليلية لنتائج الدراسة الميدانية عن المشاركة المحتملة في “الانتخابات الرئاسية” 2018 والتي أعدها المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام ” تكامل مصر” في الفترة ما بين 13 إلى 18 مارس 2018. وقد اكتسبت استطلاعات الرأي التي يجريها هذا المركز على مدار السنوات الماضية مصداقية لا بأس بها، وأظهرت نتائج استطلاعاته درجه جيدة من الاقتراب من الواقع بموضوعية واستقلاليه. وتمكن نتائج هذا الاستطلاع من القيام بتحليل مفيد للتغيرات الحادثة في توجهات الناخبين المصريين.
يشير الاستطلاع (شكل رقم 1) عن نسبة المشاركة المحتملة وأسباب الإحجام عن التصويت في انتخابات 2018 (يسمح الاستطلاع باختيار أكثر من بديل) مع مقارنة لنفس الاستطلاع (شكل رقم 2) لانتخابات 2014، إلى عدة إشارات يمكن أن نلاحظها:

شكل رقم 1
شكل رقم 2

ثمة انخفاض واضح في اعداد المشاركين المحتملة في انتخابات 2018 مقارنة بالأعداد التي توقعتها الدراسة التي أجراها المركز قبل انتخابات 2014، حيث أوضح الاستطلاع أن 2.6% من المجتمع المصري، هي نسبة المشاركة المحتملة في انتخابات 2018، بينما كانت النسبة 10% في انتخابات 2014، أخذاً في الاعتبار أن نسب المشاركة المحتملة تتقلص بعد التصويت الفعلي، حيث تقلصت في 2014 من 10% إلى 6% من المجتمع المصري وهي النسبة الحقيقية التي شاركت في التصويت في الانتخابات والتي رصدتها التقديرات المحايدة خلافا لما تم إعلانه من قبل النظام، وهو ما يعني أن نسبة المشاركة المحتملة في 2018 قد تتقلص إلى ما هو أدنى من 2.6%.
فيما يتعلق بالسؤال عن الأسباب والدوافع الرئيسية للإحجام عن المشاركة في انتخابات 2018، كان اللافت للنظر في الإجابة عن ذلك السؤال هو تسجيل أكثر من عامل لنسب مرتفعة جداً، وهو ما يعني أن ظاهرة الإحجام عن المشاركة هي ظاهرة مركبة، حيث عبر 96% من الممتنعين عن المشاركة في انتخابات 2018 عن أن أحد أسباب امتناعهم عن المشاركة يعود بالأساس إلى شعورهم بعدم أهمية صوتهم الانتخابي وعبر 93% عن عدم مشاركتهم بسبب أن نتيجة الانتخابات محسومة مسبقاً وعبر 87% عن عدم مشاركتهم بسبب عدم اهتمامهم بالانتخابات، وتعكس هذه النسب المرتفعة لعوامل عدم المشاركة في الانتخابات بالرغم من الدعاية “الانتخابية” الهائلة التي استخدمت خلال الايام السابقة، قدراً كبيراً من واقع تقييم المواطن المصري “للانتخابات” وللمشهد السياسي، فمن ناحية لا يبدو مشهد الانتخابات مقنعاً لدى الكثير لاسيما وأن الممارسات التي ارتكبها النظام من اعتقالات وتهديدات وتضييقات على كل من أعلن نيته للترشح “للانتخابات” لم تخفى على أحد وهو ما أعطى انطباعاً لدى الكثير أنه لا يوجد ثمة انتخابات وأن المشاركة في عملية التصويت لانتخابات تبدو نتائجها معلومة للجميع ستكون عديمة القيمة. من ناحية أخرى شكل تقييد المجال العام وغلق كل مسارات التغيير السلمي والذي صاحبته قبضة أمنية وبطش وانتهاكات، عاملاً هاماً في العزوف عن الاهتمام والمشاركة بفاعلية في المشهد السياسي، وهو ما انعكس بشكل مباشر على قطاعات كبيرة لم تعد تهتم بالانتخابات أو بالمشهد السياسي أو بالتغيير الذي يمكن أن يأتي بطريق ديمقراطي سلمي وسليم.
عبر 67% من الممتنعين عن المشاركة في انتخابات 2018 عن عدم شرعية الانتخابات كأحد أسباب امتناعهم عن المشاركة بينما كانت النسبة 58% في انتخابات 2014، تشير هذه المقارنة إلى ارتفاع في نسبة الممتنعين عن المشاركة في الانتخابات لعدم شرعيتها، وتحمل هذه الزيادة دلالات تتخطى عدم الاعتراف بشرعية انتخابات في ظل نظام جاء بانقلاب على نتائج انتخابات ديمقراطية، إلى الممارسات القمعية التي مارسها النظام طيلة سنوات حكمه بحق المواطنين من الاعتقالات والتعذيب والإخفاء القسري والإعدام والتصفيات والتي تتسبب في تآكل شرعية النظام نفسه على المدى البعيد.
في استطلاع (شكل رقم 3) يسمح باختيار أكثر من بديل كان السؤال عن اهم اسباب من سيشارك في انتخابات 2018 مع عقد مقارنة مع انتخابات 2014، نلمس هنا عدة اشارات هامة من خلال الاستطلاع:

شكل رقم 3

مثَّل البحث عن الاستقرار الدافع الأول للمشاركة في الانتخابات في كلا المرتين، حيث عبر 96% من المشاركين المحتملين في انتخابات 2018 عن البحث عن الاستقرار كأحد أهم الأسباب التي ستدفعهم للمشاركة في الانتخابات في حين عبر 93% من الذين شاركوا في انتخابات 2014 عن نفس السبب، الإشارة الأهم في هذا الاستطلاع ان الدافع الأول والاكبر لدى قطاعات داخل المجتمع المصري، ليس اداء او نجاح النظام الحاكم بقدر ما هو تخوف المواطنين من الحالة الامنية وما يظنونه من أثر من أي تغيير على عملية الاستقرار بصرف النظر عن طبيعة هذا الاستقرار. ولاتزال الأوضاع الأمنية تمثل دافعا لدى البعض للتمسك بالنظام لاسيما وأن الأوضاع في سيناء لاتزال مضطربة بشكل كبير، ومن ثم لجؤهم في صناديق الانتخابات الى اختيار صاحب القوة العسكرية بغض النظر عن قدرته الحقيقية على ادارة الملفات الحيوية التي تمس المواطن بشكل مباشر، ولا حتى الملفات الأمنية في واقع الأمر، يدرك السيسي جيدا هذه النظرة من بعض القطاعات داخل المجتمع، ولايزال منذ وصوله الى الحكم حتى “الانتخابات الرئاسية” 2018 وهو يسوق دائما لوجوده على رأس السلطة من خلال توفير الأمان وحماية الدولة من الانهيار والإرهاب حتى وإن كان على حساب الأوضاع الاقتصادية المتردية لتصبح الصورة والانطباع المترسخ لدى المواطن أن غياب السيسي يعني بالضرورة غياب الأمن وانهيار الدولة ومؤسساتها، مستحضراً في عملية التسويق مقارنات مستمرة مع أوضاع أمنية في أقطار أخرى مثل سوريا والعراق.
ثمة انخفاض ملحوظ في شعبية السيسي، حيث عبر 36% من المشاركين المحتملين في انتخابات 2018 عن تأييدهم للسيسي كأحد أهم الأسباب التي ستدفعهم للمشاركة في الانتخابات في حين رأى 83% من الذين شاركوا في انتخابات 2014، أن تأييدهم للسيسي كان من أهم الأسباب التي دفعتهم للمشاركة في الانتخابات، الفارق هنا ليس بالقليل ويعكس مباشرة حجم الانخفاض في شعبية السيسي من عام 2014 ووصولاً حتى توقيت “الانتخابات الرئاسية” في 2018، ويشكل البعد الاقتصادي أبرز العوامل التي تفسر انخفاض شعبية السيسي حيث اقتحمت الازمات الاقتصادية مساحة الاهتمام لدى قطاعات واسعة داخل المجتمع في السنوات الأخيرة وأدت إلى ارتفاع حالة السخط من السياسات الاقتصادية التي انتهجها النظام والتي بدت الى حد بعيد متخبطة ومرتبكة وأدت إلى تأزم الأوضاع الاقتصادية وازدياد في نسب البطالة وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وانتشار الفقر، بالإضافة إلى المشاريع الضخمة وباهظة التكلفة التي قام بها النظام والتي لا يزال هناك تشكك كبير من جدواها الاقتصادية على المواطن.
عبر 41% من المشاركين في انتخابات 2014 عن عدم رغبتهم في عودة حكم الإخوان كأحد أهم الأسباب التي دفعتهم للمشاركة في الانتخابات في حين لم يمثل هذا العامل نسبة تُذكر في اهم الاسباب لدى المشاركين المحتملين في انتخابات 2018، تعكس هذه النسبة أن الخوف من عودة الإخوان للحكم لم يعد يمثل دافعاً كبيراً للمشاركة في الانتخابات مثلما كان يمثل لدى بعض القطاعات في انتخابات 2014، وربما يرجع ذلك الى ضعف فاعلية الاخوان في المشهد السياسي في السنوات الماضية نتيجة الضربات التي تلقتها الجماعة والأزمات الداخلية التي تمر بها، والتي أدت إلى بُعدها عن التأثير في المشهد السياسي، ومن الناحية الاخرى قدرة النظام على إنهاء الحياة السياسية واضعاف وانهاك القوى والاحزاب التي كانت فاعلة بعد ثورة يناير، مع القبضة الأمنية الشديدة التي تحاصر أي فعل سياسي، مما أدى إلى ترسيخ صورة استقرار النظام أمام المواطنين.
استطلاع (شكل رقم 4) عن الانتماءات السياسية للمشاركين المحتملين في انتخابات 2018 ومقارنته بانتخابات 2014، أظهر اشارة اخرى اكثر وضوحا على انخفاض شعبية السيسي، حيث شكلت الكتلة المسيحية المحتمل مشاركتها في انتخابات 2018، نسبة 41% من إجمالي الكتل والتيارات السياسية المختلفة المحتمل مشاركتها في الانتخابات، في حين شكلت الكتلة المسيحية نسبة 48% في انتخابات 2014، وبالنظر لانخفاض نسبة الاقبال المتوقع في 2018 عنها في 2014، فإن هذا يعكس انخفاضا كبيرا في أعداد المسيحيين الذين ينوون المشاركة، وهو انخفاض واضح يشير إلى تمدد تآكل شعبية السيسي إلى أحد الكتل التصويتية التي تعد ثابتة.

شكل رقم 4

قراءة في أرقام المشاركة الفعلية في العملية “الانتخابية”

نستكمل هنا قراءة الأرقام التي أعلنها مركز تكامل عن أعداد المشاركين في الانتخابات والتي تم رصدها فعليا على مستوى محافظات الجمهورية، والتي شملت حصيلة المشاركين في عملية التصويت في أيام 26 و27 و28 مارس 2018، حيث كان الإقبال على عدد اللجان العامة والفرعية (14073 لجنة) بداية من التاسعة صباحاً حتى التاسعة مساءً، عدا اليوم الثالث الذي تم تمديد الوقت فيه حتى الساعة العاشرة مساءً، مع كما يلي:
اليوم الأول: مليون وخمسين ألف ناخب
اليوم الثاني: مائتين وسبعين ألف ناخب
اليوم الثالث: ثلاثمائة وستين ألف ناخب
وبذلك يصبح إجمالي حجم الناخبين خلال أيام الاقتراع الثلاثة: مليون وستمائة وثمانون ألف ناخب من إجمالي الناخبين المقيدين 59 مليونا و78 ألفاً و138 ناخباً، وبذلك يكون نسبة المشاركة في عملية التصويت 2.8 % من حجم من يحق لهم الانتخاب. وتتوافق تلك النتائج مع ما تقديرات استطلاع ما قبل الانتخابات بفارق بسيط جدا يصل إلى 0.2 %، وتتوافق أيضاً مع ما أشرنا اليه في تفسير دوافع الإحجام الكبير عن المشاركة في عملية التصويت وأيضا تفسير دوافع وأسباب من شاركوا في عملية التصويت.

قراءة في الأرقام الرسمية المعلنة

لا يجب أن نغفل ان الارقام الرسمية المعلنة هي أرقام خرجت من مؤسسات تعمل تحت مظلة النظام المصري الذي ارتكب ومارس انتهاكات ضخمة قبل واثناء العملية “الانتخابية” على النحو الموضح تفصيلا في هذا التقرير، وهو ما يعني بطبيعة الحال أن تلك الانتهاكات ستمتد إلى الأرقام المعلنة لنتائج الانتخابات نفسها، يفرض ذلك التصور على من سيقوم بعملية تحليل وقراءة الأرقام الرسمية أن يعي قدر انعدام المصداقية والشفافية التي يمكن أن تتمتع بها تلك المؤسسات التي اشرفت وأعلنت على نتائج الانتخابات.
في حال إذا تعاملنا مع الأرقام الرسمية المعلنة على إنها أرقام صحيحة فسيكون السؤال الذي يمكن ان يتبادر الى الذهن خاصة في تلك الأجواء التي صاحبت عملية التصويت في اللجان “الانتخابية”، هل الأرقام الرسمية المعلنة تعبر عن واقع حقيقي، للإجابة على ذلك التساؤل يكفي أن نشير إلى عمليات الضغط والإجبار والإكراه التي تعرض لها قطاع واسع من العاملين بمؤسسات الدولة والقطاع العام والقطاع الخاص للذهاب إلى اللجان “الانتخابية” والمشاركة في عملية التصويت، تؤكد تلك الممارسات الممتدة في جميع محافظات الجمهورية ان الأرقام الرسمية المعلنة لا يمكن اعتبارها تعبر عن إرادة شعبية حقيقية، خاصة في ظل مشاهد اللجان الخاوية التي رصدها الجميع، مقارنة مثلا بمشهد “الانتخابات الرئاسية” في 2012 التي شارك في كل من مرحلتيها نحو 25 مليون ناخب.
بالنظر إلى الأرقام الرسمية المعلنة لنتائج “الانتخابات الرئاسية” والتي أعلنتها الهيئة الوطنية “للانتخابات”، سنجد أن هناك اختلافا حاداً بين الأرقام الأقرب إلى الواقع والتي تم رصدها من خلال مركز “تكامل” وبين تلك التي أعلنتها الهيئة الوطنية، حيث أعلنت الهيئة أن نسبة المشاركة الجماهيرية في عملية التصويت بلغت 41.05% من إجمالي من يحق لهم التصويت في العملية “الانتخابية” وأن من بين الأصوات الصحيحة للناخبين، صوت 97.08 % لصالح السيسي وصوت 2.92 % لصالح موسى مصطفى موسى، بينما بلغت نسبة الأصوات الباطلة 7.27 %.
نسبة التصويت الرسمية المعلنة بلغت 41.05 % من إجمالي الناخبين المقيدين (59 مليونا و78 ألفاً و138 ناخباً)، وهو ما يعني أن عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم في “الانتخابات الرئاسية” 2018، قد بلغ 24 مليونا و254 ألفاً و152 ناخباً، أي ما يقارب 25 مليون ناخب، وهو نفس الرقم تقريباً الذي شارك في جولة الإعادة بين الدكتور محمد مرسي والفريق احمد شفيق في “الانتخابات الرئاسية” 2012، التشابه بين الرقمين يدفعنا إلى التشكيك بسهولة شديدة في مصداقية نسبة المشاركة المعلنة في انتخابات 2018، من خلال عقد مقارنة بسيطة بين حجم الإقبال على اللجان “الانتخابية” في جولة الإعادة في “الانتخابات الرئاسية” 2012 التي يصعب إنكار حجم المشاركة الضخم والمكثف والذي ظهر بوضوح من خلال اصطفاف المواطنين في طوابير ضخمة والتي امتلأت بها اللجان “الانتخابية” في أيام التصويت، ومقارنة بين حجم الإقبال على اللجان “الانتخابية” في “الانتخابات الرئاسية” 2018 والتي كان واضحاً حجم الإحجام عن المشاركة في عملية التصويت بالرغم من عمليات الإجبار التي مارستها أغلب مؤسسات الدولة وبالرغم من الدعاية الإعلامية الهائلة التي استخدمت من أجل الحشد أمام اللجان “الانتخابية”، ويبقى التشابه بين الرقمين دليل دامغ على زيف الأرقام الرسمية المعلنة في انتخابات الرئاسة 2018.
الأرقام الرسمية المعلنة لعدد من صوتوا بالخارج في انتخابات 2018 هي 157 ألف و60 ناخب ( 157,060 ناخب)، في حين أن الأرقام الرسمية المعلنة لعدد من صوتوا بالخارج في جولة الإعادة في انتخابات 2012 يصل إلى 306 ألف 812 ناخب ( 306,812 ناخب)، وهو ما يعني أن عدد من صوتوا بالخارج في انتخابات 2018 هو تقريباً نصف عدد من صوتوا بالخارج في انتخابات الإعادة في 2012، من المفترض أن تنعكس نفس هذه النسبة تقريباً على عدد من صوتوا بالداخل في انتخابات 2018 وانتخابات 2012، أي يصبح عدد من صوتوا بالداخل في انتخابات 2018 هو تقريباً نصف عدد من صوتوا بالداخل في انتخابات الإعادة في 2012، وبذلك يصبح العدد المنطقي لمن صوتوا في انتخابات 2018 بالداخل هو تقريباً 13 مليوناً (هذا بافتراض أن العدد المعلن للتصويت بالخارج لم يتم التلاعب به أيضا، رغم أن هذا التلاعب هو المنطقي في ظل الممارسات التي صاحبت العملية بأكملها) أخذاً في الإعتبار أن عدد من صوتوا بالداخل في انتخابات الإعادة في 2012 هو تقريباً 26 مليوناً، الفارق بين الرقم المستنتج هنا في التقرير (13 مليون) وبين الرقم الرسمي المعلن لانتخابات 2018 (24 مليون) يظهر حجم الزيف والتلاعب الذي مارسه النظام بنتائج انتخابات الرئاسة 2018.

قراءة في الأصوات الباطلة ودلالتها

حجم الأصوات الباطلة في انتخابات 2018 والذي بلغ مليوناً و762 ألفاً و231 ناخباً (1.7 مليون صوت) يحتاج الى قراءة وتحليل، حيث أن مقارنة بين حجم الأصوات الباطلة بين انتخابات 2014 والتي بلغت حوالي 400 ألف صوت وبين الأصوات الباطلة في 2018 باعتبار أن عدد الأصوات الباطلة في انتخابات 2018 هي أعداد صحيحة حيث من المستبعد أن يكون هناك تلاعب في أرقام الأصوات الباطلة والمرجح هو التلاعب في أرقام الأصوات لصالح السيسي أو لصالح المرشح الآخر، وبفرض أن الأصوات الباطلة التي تمثل عدم معرفة الناخب بقواعد التصويت في العملية “الانتخابية” هي على أقصى حد 400 ألف صوت (عدد الأصوات الباطلة في انتخابات 2014) وهو ما يعني أن عدد الناخبين الذين أبطلوا أصواتهم عن قصد في انتخابات 2018 يصل إلى حوالي مليون و300 الف ناخب، بمقارنة ذلك الرقم بالأرقام التي رصدها مركز “تكامل” عن عدد المشاركين في العملية “الانتخابية” والتي بلغت مليوناً و680 ألفاً، يمكن الوصول إلى أن إجمالي عدد من صوتوا للسيسي يصل تقريباً إلى 300 ألف ناخب فقط.
عملية إبطال الأصوات التي قام بها المواطنون، دون أن يكون هناك توجيه من رموز او تيارات او قوى سياسية نحو إبطال الأصوات، يمكن أن نطلق عليها مصطلح “إبطال ذاتي” من قبل المواطنين وذلك للتعبير عن السخط والاستياء لأكثر من أمر، بداية من الإجبار والإكراه لدفع المواطنين للإدلاء بأصواتهم ومروراً بالعملية “الانتخابية” وما صاحبها من انتهاكات ومخالفات وممارسات قمعية أبعدت العملية “الانتخابية” عن جوهرها الحقيقي وجعلت منها مشهد هزلي أدركه المواطنون مباشرة ونهاية بالأحوال الاقتصادية والمعيشية المتأزمة التي يعاني منها قطاع عريض من المواطنين، المحصلة كانت واضحة أن حجم الانتهاكات التي مارسها النظام للدفع بالناخبين الى صناديق الانتخابات قابله حجم رفض كبير ولكن بطريق غير مباشر وعبر إبطال الأصوات أثناء التصويت، والإشارة هنا لها دلالتها، حيث أن الأصوات الباطلة والسخرية والمقاطعة التي شهدتها انتخابات 2018، ربما ستتحول على المدى القريب إلى معارضة سياسية أكثر صعوبة.

مسار الانتخابات في سيناء

أعلنت القوات المسلحة المصرية عن عملية سيناء الشاملة تزامناً مع “الانتخابات الرئاسية”، نستعرض في هذا التقرير نسب المشاركة في العملية التصويتية داخل محافظة شمال سيناء وتأثرها بالعملية العسكرية الشاملة سيناء 2018، وحقيقة اقبال المواطنين على التصويت وفق البيانات الرسمية المعلنة.
وفق السعة السكانية الخاصة بـ الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يبلغ عدد سكان محافظة شمال سيناء يوم الجمعة 30 مارس 2018 نحو 458 ألفا 123 نسمة، ويبلغ من يحق لهم التصويت داخل محافظة شمال سيناء عدد 250 ألفا و605 مواطن، يصوتون فى 61 لجنة فرعية تشرف عليها 11 لجنة عامة و49 مركزا انتخابيا، والأصوات مقسمة كالتالي (111846 بالعريش، 56844 ببئر العبد، 30794 بالشيخ زويد، 34750 برفح، 13004 بالحسنة، 3367 بنخل).

سير العملية “الانتخابية”:

بتاريخ 25 مارس اتمت قوات الجيش انتشارها لتأمين المقار “الانتخابية” ومقرات استراحات القضاة داخل المحافظة، حيث سبق وأن هدد تنظيم الدولة في إصدار مرئي له بعنوان حماة الشريعة باستهداف العملية “الانتخابية” والمشرفين عليها، حيث له سابقة في استهداف القضاة في انتخابات عام 2014 حيث قتل عدد منهم. بالرغم أن محافظة شمال سيناء قامت بشكل معلن بتوفير أتوبيسات لنقل الناخبين من أهالي الشيخ زويد ورفح المقيمين في مدينة العريش لنقلهم طوال ايام الانتخابات مجانا من العريش حتى مدينة الشيخ زويد مقر لجانهم، إلا أن علمية التصويت شهدت اقبالاً ضعيفاً من المواطنين، وظهر ذلك بوضوح من خلال قيام قوات الجيش والشرطة في بعض المناطق بمركز بئر العبد باعتقال عدد كبير من ابناء القري واجبارهم علي الذهاب إلى اللجان للتصويت، واظهر فيديو لمحافظ شمال سيناء اللواء عبد الفتاح حرحور ومدير الأمن اللواء رضا سويلم، قلة عدد الناخبين، أثناء تفقدهم العملية “الانتخابية” بالمحافظة. في حين استمرت أجهزة الإعلام الرسمية في تصوير الأمر على خلاف ذلك، مثلما فعلت في تغطيتها للعملية “الانتخابية” في جميع محافظات مصر.

الحقيقة بالأرقام:

ذكرت جريدة الوطن التابعة للنظام، أن نسب التصويت في محافظة شمال سيناء قريبة من الـ 40%، ولكن الصحيفة نفسها وفي تقرير آخر ذكرت أن اجمالي عدد الذين أدلوا بأصواتهم في محافظة شمال سيناء بلغ 41769 ناخبا، من إجمالي 250 ألف و605 ناخبين، وهو ما يعني أن نسبة من أدلوا بأصواتهم يقارب الـ 16.6% فقط!
الصور التي تم تداولها حول ازدحام المقار “الانتخابية” في منطقة الشيخ زويد، لا تعكس واقع إقبال المواطنين على المشاركة في عملية التصويت، أخذاً في الاعتبار أنه تم نقل ما يقارب الـ 1300 ناخب من أبناء الشيخ زويد ورفح المقيمين بالعريش للإدلاء بأصواتهم وفق جريدة اليوم السابع، ووفق جريدة الوطن فلقد كان إجمالي الأصوات التي تم فرزها في لجان رفح والشيخ زويد عدد 5372 صوتاً حتى تاريخ 29 مارس، وهو رقم ضعيف جداً لا يعكس كثافة تصويتية إذا علمنا ان إجمالي من لهم حق التصويت في منطقتي الشيخ زويد ورفح يبلغ عدد 65 ألف 544 صوت انتخابي.
وبالرغم من ذهاب جزء من الناخبين للتصويت بمحض إرادتهم، إلا أن البعض الآخر ذهب بدافع الخوف من احتسابه معارضاً للنظام المصري في حالة عدم ذهابه للانتخاب، وهو ما جعل بعض المواطنين يحرصون على التصويت لإثبات تأييدهم للنظام المصري، نتيجة الخوف من عمليات الاعتقال العسكرية التي تتم خلال العملية العسكرية الشاملة سيناء 2018، وبشكل عام بقيت حقيقة واحدة اثناء العملية “الانتخابية” في سيناء، وهي أن المواطنين ينتظمون بكثافة ولكن ليس من أجل الإدلاء بأصواتهم وإنما من أجل الحصول على الخبز الذي بات الوصول إليه عملية شاقة في ظل العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش في سيناء.

خلاصات واستنتاجات

أظهرت متابعة ما سمي بالعملية “الانتخابية” لانتخابات الرئاسة في مصر عام 2018 فشلا ذريعا من النظام الحاكم في تحقيق أية درجة من المشروعية للسيسي، سواء بحرية الترشح والمنافسة مع مرشحين حقيقيين، أو في جذب الشعب المصري لهذه العملية أو إقناعه بمصداقيتها، أو بتحقيق الحشد والمظهر الذي كان يستهدفه، وهو ما يعني بوضوح أن السيسي أصبح معزولاً شعبيا ولا يتمتع إلا بتأييد ودعم من بعض المؤسسات التابعة للدولة (مع اعتبار قوة هذه المؤسسات بالطبع) دون ظهير شعبي واضح، مما قد يجعله في مهب الريح في حالة حدوث متغيرات معينة في مصر أو في الإقليم تدفع هذه المؤسسات الداعمة له للتخلي عنه، دون أي دعم شعبي له، خاصة إذا تزامن ذلك مع انتفاضة شعبية على غرار ما حدث في 2011.
و بالرغم أن الانتخابات المصرية مثلت مادة ثرية للصحافة العالمية للتناول المشهد بكل ما صاحبه من انتهاكات وممارسات قمعية بشكل يومي، وبأن النظام أصبح مفضوحا تماما أمام مؤسسات الإعلام ومراكز الدراسات والمنظمات الحقوقية والمجتمع المدني وبعض البرلمانات، إلا أن ذلك لن يمنع فيما يبدو الكثير من الحكومات الغربية من الاعتراف والترحيب بنتائج الانتخابات (و هو ما قام به ترامب بالفعل فور الإعلان عن النتائج حيث قام بتهنئة السيسي على الحصول على ثقة شعبه!!) في ظل منظومة دولية تقوم العلاقات فيما بينها على المصالح المشتركة وليس على قيم الديمقراطية ومعايير الممارسة السياسية، بل أن الواقع العملي يشير إلى أن القوى الدولية ترحب بنظام فاقد للشرعية الداخلية عن ذلك النظام الذي يستند إلى شرعية داخلية، وهو أمر يمكن فهمه بالنظر إلى حجم التنازلات التي يمكن أن يقدمها نظام فاقد للشرعية الداخلية لتلك القوى الدولية بغض النظر عن تأثير تلك التنازلات على مقدرات الدولة وثرواتها وأمنها القومي، ودون اعتبار لأي مساءلة شعبية بأي شكل من الأشكال.
لماذا سعى النظام المصري إذن الى محاولة الحشد أمام اللجان “الانتخابية”، بالرغم أن الممارسات والانتهاكات التي انتهجها النظام من خلال الأجهزة الأمنية والإعلامية الخاضعة لسيطرته، تؤكد أن نتائج الانتخابات محسومة ولا تحتاج إلى ذلك الحرص الشديد على الحشد أمام اللجان “الانتخابية”، وربما يكون الهدف الرئيسي للنظام من خلال ذلك الحشد الذى سعى إليه بكل الوسائل غير القانونية هو الوصول الى نسب مشاركة مرتفعة في العملية “الانتخابية” قد تؤكد على شرعية ما للنظام، وهي رسالة يسعى النظام لإثباتها في الداخل والخارج، ولا تعني نسب المشاركة المرتفعة في الانتخابات فقط إعطاء شرعية حقيقية للنظام ولكنها أيضاً تعطي انطباع على رسوخ الحياة السياسية والممارسة الديمقراطية وهي بطبيعة الحال صورة يسعى النظام إلى إثباتها في ظل تناول إعلامي دولي مكثف عن ممارسات النظام التي تسببت في تقييد الحياة السياسية وغلق المجال العام في مصر.
ويظل هناك عدد من الأسئلة يحتاج دراسة معمقه مثل: إلى أين ستسير مصر على المدى القصير والمتوسط في ظل الفشل الذريع للنظام في تحقيق أهدافه من هذه “العملية “الانتخابية””، سوى إبقاء السيسي في منصبه بشكل أو باخر؟ وهل سيستمر الدعم الدولي الرسمي له في ظل هذه المعطيات؟ وهل سيحاول السيسي مد هذه العملية على استقامتها المتوقعة بإنهاء أية قيود تمنع بقائه في منصبه مدى الحياة؟ وإلى متى يمكن أن يتحمل الشعب المصري كل هذا دون أن يعود لاعبا رئيسيا في المعادلة؟

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close