fbpx
ترجمات

بروجيكت سنديكيت: أفريقيا في حاجة إلى طفرة في ريادة الأعمال

نشرت بروجيكت سنديكيت، وهي مؤسسة صحفية دولية، في 19 ديسمبر 2023 مقالاً بعنوان: “أفريقيا في حاجة إلى طفرة في ريادة الأعمال”، لـ “هيبوليت فوفاك”، كبير الاقتصاديين ومدير الأبحاث السابق في البنك الأفريقي للاستيراد والتصدير والخبير الاقتصادي السابق للبنك الدولي، حيث يقول إنه “لطالما كان ندرة رواد الأعمال حجر عثرة أمام التنمية الاقتصادية لأفريقيا. ولعلاج ذلك، فإن على الحكومات الأفريقية أن تُعزز بيئات العمل التي تضمن وجود مجالات متكافئة للتشغيل وتنسيق أعمالها على المستوى الإقليمي والقاري.”

وقد جاء المقال على النحو التالي:

كانت إفريقيا، لعقود من الزمن، القارة الأكثر اعتماداً على شراء السلع في العالم. وفي الوقت الذي أصبحت فيه  القارة تعتمد بشكل مفرط على الواردات من بقية العالم، تمثل التجارة البينية (بين دول القارة) 15% فقط من إجمالي التجارة الأفريقية، مقارنة بنسبة 60% في آسيا و 70% في الاتحاد الأوروبي. ومما يثير القلق، أن واردات البضائع المصنَّعة إلى الدول الأفريقية تصاعدت بأكثر من 25% على مدار العِقد المنتهي في عام 2022.

ويمكن تفسير تبعية الاستيراد في القارة بشكل أساسي من خلال ندرة رواد الأعمال الصناعيين الأفارقة. ويشير النمو السكاني المتوقع في أفريقيا والطبقة الوسطى المزدهرة إلى أن هذه التبعية ستنمو فقط على المدى المتوسط، مع آثار كبيرة على استقرار الاقتصاد الكلي، ما لم تبدأ الجهات الفاعلة المحلية في قيادة الابتكار وإنشاء منتجات وخدمات جديدة لتلبية احتياجات ورغبات السكان المحليين.

ولكن المشكلة لا تكمن في النمو المستدام للواردات في حد ذاته، وخاصة عندما يؤدي صعود سلاسل القيمة العالمية وزيادة تجزئة الإنتاج إلى تقليص قوة الصادرات كمحرك للطلب على المدى القصير. وبدلاً من ذلك، فإن القضية الرئيسية هي أن الدول الأفريقية تشارك في سلاسل القيمة العالمية إلى حد كبير من خلال الأنشطة “المتخلفة”، وتصدير الموارد الطبيعية بشكل منهجي والسلع الأولية واستيراد البضائع المصنعة، وهو اختلال التوازن الذي يستنزف الثروة بعيداً عن القارة.

وبالنسبة للدول المنتجة للوقود الأحفوري في أفريقيا، كان نموذج التدوير، أي “التصدير والاستيراد” المكثَّف للكربون، من حيث تصدير النفط الخام واستيراد البترول المكرَّر، كان ذلك مكلفاً جداً، مما أدى إلى خسائر هائلة غير قابلة للتعويض بالإضافة إلى التسربات في النقد الأجنبي. وفي نيجيريا، على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي فتح مصفاة النفط التي طال انتظارها إلى توفير البلاد لمبلغ 26 مليار دولار سنوياً.

وبالإضافة إلى ذلك، ففي عصر العولمة المفرطة عندما تمثل البضائع الوسيطة 50% من التجارة العالمية، فإن المستوى العالي من المشاركة في سلاسل القيمة العالمية قد أدى إلى حدوث احتمالات للتحول الهيكلي وتقليص حصة القارة من التجارة العالمية إلى حوالي 3%. وقد أدى ذلك أيضاً إلى إدامة العلاقة غير الصحية بين دورات النمو ودورات أسعار السلع، مما نتج عنه زيادة التعرض للتقلبات العالمية و العجز البنيوي المستمر في الحساب الجاري.

وبينما يتم الإشارة إلى الوصول المحدود إلى التمويل باعتباره قيداً ملزماً على التنمية الاقتصادية الأفريقية، فماذا لو كان العجز المزمن لرواد الأعمال مُعيقاً بنفس القدر؟ والخلاصة أن ريادة الأعمال، التي تعمل على تحسين القدرة التنافسية وكفاءة العمل لخفض أسعار المستهلكين، قد أصبحت محركاً رئيسياً للابتكار والنمو في العديد من البلدان في العقود الأخيرة. ولكن إفريقيا تتخلف في هذا المجال: ففي الإصدار الأخير للتصنيف الذي تصدره شبكة “يو إس نيوز آند وورلد ريبورت”، جاءت أفضل دول القارة في ريادة الأعمال، وهي جنوب إفريقيا، في المرتبة الرابعة والأربعين فقط.

وكانت واحدة من أهم بلدان في تلك القائمة، والتي تشمل بعضاً من اقتصادات العالم الأكثر ثراءً والأكثر تعقيداً، هي سنغافورة. ففي الآونة الأخيرة، تابعت الشركات التي تتخذ من تلك الدولة مقراً لها فرص نمو رئيسية عبر القطاعات والصناعات التي لا تعد ولا تحصى في إفريقيا، مما أبرز عجز ريادة الأعمال في القارة. حيث أنشأت مجموعة تولارام جروب، على سبيل المثال، أسواق النودلز الفورية سريعة التحضير في نيجيريا، وأنتجت 4.5 مليار باكيت سنوياً وتولد ما يقرب من مليار دولار من الإيرادات السنوية.

إن زيادة ريادة الأعمال في القارة ستولد الثروة بشكل أكثر استدامة، وستعمل على توسيع نطاق العمل، وتقليل تدفقات الهجرة. وفي العديد من البلدان الأفريقية، يمكن أن يساعد رواد الأعمال الصناعيين، على وجه الخصوص، في تنويع مصادر النمو، وتحسين ميزان الحساب الجاري، وتوسيع القاعدة الضريبية. وهذا بدوره سيوسع المساحة المالية للبلدان، ويحسن استدامة الديون، ويخفف تدريجياً من القيود المرتبطة بندرة رأس المال.

وبالإضافة إلى ذلك، فعندما يتم الانتهاء من قواعد المنشأ في منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، ستكون هي بمثابة “جواز سفر التصنيع” الذي يتيح للسلع المصنوعة في أفريقيا أن يتم تداولها وهي معفاة من الرسوم. وهذا من شأنه أن يوفر لأصحاب المشاريع المحليين دفعة هناك حاجة ماسّة إليها لتشغيل تكامل التجارة القاري وتعزيز الديناميكية الاقتصادية لأفريقيا.

ولكن للاستفادة الكاملة من وُفُورات الحجم وفرص النمو التي توفرها منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية – وأبرزها التخفيض الحاد للمخاطر المرتبطة بالاستثمار في الأسواق الأصغر – يحتاج رواد الأعمال الأفارقة إلى دعم دول ريادة الأعمال. إن تعزيز بيئات الأعمال التي تضمن ساحة عمل متساوية لجميع المشاركين، إلى جانب تنسيق السياسة على المستوى الإقليمي والقاري، من شأنه أن يقطع شوطاً طويلاً نحو زيادة الاستثمار المباشر في إفريقيا وتحفيز تطوير سلاسل القيمة الإقليمية القوية.

وعلى صانعي السياسات الأفريقية أيضاً تنفيذ الإصلاحات المالية للقضاء على تقنين الائتمان الذي قوض منذ فترة طويلة ريادة الأعمال. فالتمويل هو شريان الحياة للأعمال. ومع ذلك، فقد ظل الائتمان المحلي، الذي تم تحديده كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، المتاح للقطاع الخاص منخفضاً للغاية في جميع أنحاء إفريقيا، خاصة في أفريقيا إلى جنوب الصحراء الكبرى، حيث بلغ متوسطه 37.1% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022. وعلى النقيض من ذلك، تتراوح حصة الناتج المحلي الإجمالي من الائتمان المحلي للقطاع الخاص في بعض البلدان العشرة التي تصنفها “يو إس نيوز آند وورلد ريبورت” كأفضل الدول في ريادة الأعمال من 83.6 % في ألمانيا و 129.5% في سنغافورة إلى 175.9% في كوريا الجنوبية و 216% في الولايات المتحدة.

وبالإضافة إلى توفير سهولة الوصول إلى رأس المال، تشترك الدول الأكثر نجاحاً والمغامِرة في مجال ريادة الأعمال في سمات مهمة أخرى: الخبرة التكنولوجية، والعمالة عالية المهارة، والبنية التحتية المتطورة (المادية والرقمية)، والممارسات التجارية الشفافة، والأطر القانونية الشاملة. كما أنها متصلة عالمياً ومدمجة بالكامل في سلاسل القيمة، وغالباً ما تكون كقوى تصنيعية.

ووفقا لمَثَل أفريقي، يتطلب الأمر قرية كاملة لتربية طفل واحد. وبالمثل، فإن الأمر سيستغرق مجموعة من رواد الأعمال الصناعيين وحكومات ريادة الأعمال الاستباقية لتحويل الاقتصادات الأفريقية وتحسين مشاركتها العالمية مع بقية العالم. ويُعَدّ دعم ريادة الأعمال المحلية هو الطريق إلى قارة مزدهرة وأكثر اعتماداً على النفس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close