fbpx
دراسات

حقوق الإنسان وفعالية العدالة الجنائية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تتحقق فاعلية العدالة الجنائية من خلال التطبيق الصارم لقانون العقوبات حماية للمصالح الاجتماعية العامة والخاصة، أي أنه حماية للنظام العام برمته، وفاعلية العدالة الجنائية هي بالأساس موجهة لشكل وكيفية إدارة العدالة الجنائية في حد ذاتها، وبالتالي فالتطبيق الصارم لقانون العقوبات هو من صميم عملها، لكن حتى يكون لقانون العقوبات الفعالية المنشودة، ينبغي أن تكون الإجراءات المتخذة في هذا الشأن صحيحة وسليمة، حتى يمكن للعدالة الجنائية أن تلحق العقاب المناسب بالجاني وتقضي لصالح الضحية  وترجع لها كامل حقوقها بما في ذلك التعويض المناسب.[1]

و قد جاء في قرار للمجلس الأعلى أنه لإيقاع العقوبة ينبغي احترام الإجراءات الجزائية حيث أن المطعون ضدهم المتهمون بارتكاب جريمة الفعل المخل بالحياء مع العنف ضد قاصرين، صدر في حقهم حكم من محكمة الجنايات خالف نص المادة 305 ق إ ج، حيث تم طرح سؤال واحد كما يلي: هل أن المتهم مدان في يوم كذا أنه قام بارتكاب جريمة الإخلال بالحياء مع العنف على الضحيتين الفعل المعاقب عليه بالمادة 355/2 ق ع، ولم يُشر في السؤال إلى الظرف المشدد وهو حالة القصر عن طرق توجيه سؤال مستقل يتميز عن السؤال المتعلق بالواقعة مما أدى إلى نقض وإبطال الحكم المطعون فيه.[2]

و المجلس له الحق في الحكم بتشديد العقوبة، فبموجب المادة 433 ق إ ج فإنه يجوز للمجلس بناء على استئناف النيابة العامة أن يقضي بتأييد الحكم أو إلغائه كليا أو جزئيا لصالح المتهم أو لغير صالحه.[3]

فالعدالة الجنائية إذا اتصفت بالإنصاف والمسؤولية الأخلاقية والفعالية فإن ذلك يعتبر عاملا هاما في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية  وأمن الإنسان.[4]

ونجد أن من غايات الأمم المتحدة انفاذ القانون وإدارة شؤون العدالة بكفاءة وفعالية كبيرتين مع ضرورة إيلاء أكبر عناية لاحترام حقوق الإنسان، لذا فكل دولة مسؤولة على إقامة نظام للعدالة الجنائية يكون من صفاته الإنصاف والمسؤولية الأخلاقية والكفاءة.[5]

وبالرغم من تكامل جناحي القانون الجنائي والمتمثلين في قانون العقوبات وقانون الاجراءات الجزائية اللذان يعتبران وجهان لعملة واحدة، إلا أن البعض اعتبر أن قانون الاجراءات الجزائية هو الذي ينقل الحقوق والسلطات من حالة السكون إلى التطبيق على أرض الواقع، واعتبروا بذلك قانون الاجراءات الجزائية أكثر تفوقا من نظيره قانون العقوبات، لكن المؤكد أن قانون الاجراءات الجزائية هو الذي ينقل قانون العقوبات من حالة السكون إلى الحركة، وبالتالي فأي خلل أو علة في قانون الاجراءات الجزائية يؤدي إلى تعطيل التطبيق السليم والفعــــــال لقانــون العقوبات، وإضعاف كل حمــاية يوفرها هذا الأخيــــر لحقوق الإنســـان وحرياته الأساسية.[6]

و نظرا لأهمية قانون الاجراءات الجزائية باعتباره من مرتكزات العدالة الجنائية وفاعليتها إضافة إلى حمايته لحقوق الإنسان فإننا سوف نتناوله من خلال المطلب الأول فيما المطلب الثاني سيركز على أهم الضمانات القضائية للمتقاضي، وذلك كما يلي:

المطلب الأول: حقوق الإنسان المتعلقة بالعدالة الجنائية

لا يمكن تناول موضوع العدالة الجنائية وعلاقتها بحقوق الإنسان بغير الولوج إلى قانون الإجراءات الجزائية بصفته حاميا للحقوق والحريات الفرع الأول، وكذلك تفصيل أركان الشرعية الإجرائية الفرع الثاني، وحق التقاضي أمام القاضي الطبيعي الفرع الثالث.

الفرع الأول: قانون الاجراءات الجزائية بصفته حاميا للحقوق والحريات

قانون الاجراءات الجزائية هو من القوانين المنظمة لأعمال القضاء، ومثلما سبقت الإشارة إليه فإنه يهدف إلى ضمان فاعلية العدالة الجنائية، لأنه هو الذي يحدد الإجراءات الواجب إتباعها من لدن السلطة القضائية ممثلة في المحاكم لأجل تحقيق العدالة، فهو الذي يحدد الوسائل المنظمة اللازمة لسير القضاء الجنائي من خلال إتباع مبادئ ثابتة ومعروفة لارتباطها الوثيق بالحريات الشخصية وحقوق الإنسان.[7]

و بهذا نصت المادة 2/2 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بأن الدول الموقعة والمصادقة عليه تتعهد بأن توائم إجراءاتها التشريعية وغير التشريعية إذا كانت لا توفر الحماية اللازمة لحقوق الإنسان، لأجل إعمال أكثر فاعلية لهذه الحقوق عند تطبيق القانون عليها.

فكل دولة مطالبة بأن تحدث كلما اقتضت الحاجة نظاما لمنع الجريمة والعدالة الجنائية بشرط أن يبقى فعالا ومنصفا ويراعي حقوق الإنسان ويخضع للمساءلة كأشخاص وكنظام.[8]

ويختلف قانون الإجراءات الجزائية عن قانون المرافعات قانون الإجراءات المدنية والإدارية في الهدف، فقانون الاجراءات الجزائية لا يهدف إلى حل النزاع بين المتقاضين بإعطاء حق لأحدهما في مواجهة الآخر، مثلما هو الحال في قانون المرافعات، وإنما يهدف إلى محاولة ضمان التطبيق السليم لقانون العقوبات مع ضمان حقوق الفرد في مواجهة الإجراءات الجزائية التي تباشر ضده، وبالتالي فقانون الاجراءات الجزائية يتناول الحريات الأساسية للإنسان وذلك بضمان حرية المتهم، كما يهتم بإيجاد العقوبة اللازمة لأية جريمة قد تخل باستقرار المجتمع ومصالحه العليا، وهذا بخلاف قانون المرافعات فهو يتولى الحقوق الشخصية للأفراد قبل بعضهم البعض وبالتالي فهو يحمي المصالح الشخصية في هذا النزاع لا غير، كما أن الحريات الشخصية غير متداولة باعتبارها بوابة لحماية حقوق الإنسان ومن ورائه حماية المصالح العامة للمجتمع وحقوقه الأساسية.

والأصل في هذا الاختلاف هو أن الدعوى المدنية تعتبر عملا من أعمال الأفراد فيما الدعوى الجنائية تعتبر عملا من أعمال الدولة، لأن تحريك الدعوى الجنائية ومباشرتها واجب على الدولة عن طريق سلطتها في الادعاء وهي النيابة العامة كما لا يجوز لها التنازل عنها، والدولــــة هي طرف في الدعوى حتى لـــو حركها المجني عليه عن طـريق الادعـــاء المبــــاشر،

وحتى لو تنازل عنها المجني عليه فإن النيابة العامة هي طرف في الدعوى ولا تتنازل عنها، بل لا تتقيد بما يقدمه الخصوم حيث تتحرى بنفسها عن الحقيقة كاملة.[9]

و بالرغم من هذا الاختلاف إلا أنه يوجد جانب من الفقه يرى بأن قانون المرافعات المدنية هو القانون العام في المسائل الجنائية، يجب الاعتماد عليه إذا وجد نقص في قانون الإجراءات الجزائية.

و بخصوص الدعوى المدنية التبعية، فإن قانون الاجراءات الجزائية ينظم إجراءاتها لاعتبار خاص وهو الحماية الاجتماعية، فالحماية بالإضافة إلى تجليها في شكل توقيع العقاب، فإنها تكون أيضا بإقرار الحقوق المدنية للمتضرر الضحية من الجريمة في أسرع وقت.

لكن في المقابل اعتبر جانب من الفقه أنه في حال لم ينص قانون الاجراءات الجزائية على نص بخصوص مسألة إجرائية تتعلق بالدعوى الجنائية أو الدعوى المدنية التبعية، فإنه لا يحق له الرجوع إلى قانون المرافعات المدنية باعتباره الأصل العام، وذلك نظرا لاختلاف هدف ودور كل من القانونين بل يجب على القاضي أن يبحث عن حل قانوني وفقا لمبدأ الشرعية لما يوفره من ضمانات كبيرة لحقوق الإنسان في مواجهة السلطة العامة، وللقاضي في ذلك أن يستعين بجميع طرق التفسير، وقد جاء في حكم لمحكمة النقض الفرنسية: “أن القاضي الجنائي لا يمكنه الالتجاء إلى قانون المرافعات إلا في حدود ما يتضمنه من قواعد ذات صبغة عامة تمتد إلى كافة الموضوعات وتتلاءم مع نصوص قانون الاجراءات الجنائية وتعتبر مكملة لها “.[10]

و يعتبر قانون الاجراءات الجزائية المعبر عن واقع الحرية ومدى احترام حقوق الإنسان في أي بلد، فإذا كان هدف قانون الاجراءات الجزائية البحث عن الحقيقة والكشف عنها تحقيقا لمصلحة الدولة في تطبيق العقوبة مع تغييب الحرية الشخصية للمتهم، فإن الدولة في هذه الحالة تكون متسلطة وهذا الحال في أغلب الأنظمة غير الديمقراطية، أما الأنظمة الديمقراطية فإن أي تنظيم إجرائي فيها مهمته الأساسية هي تحقيق التوازن بين سلطة الدولة ومصلحة الفرد، لأن قانون الاجراءات الجزائية في حقيقته ليس مجرد وسائل فنية بحتة، بل هي أعمال تمس حقوق الإنسان وحرياته الشخصية لا سيما في حالة الشبهة والاتهام، وفي حالة جمع الأدلة، فمن خلال هذه الاجراءات قد تكون حرية الإنسان وحقوقه الأساسية محلا للاعتداء.[11]

فالمسؤولية الأولى تقع على عاتق الدولة في منع الجريمة وإقامة العدالة الجنائية، لكن هذه المسؤولية لا تعطي الحق للدول في أثناء منع الجريمة انتهاك حقوق الإنسان، بل هي ملزمة باحترام هذه الحقوق لأن ذلك سيسهم في صون السلم والأمن.[12]

و من خصائص قانون الإجراءات الجزائية أن قواعده ذات طبيعة عامة مجردة وملزمة، وإن كان عنصري العمومية والتجريد ينطبق عليهما نفس الشروط في كل القواعد القانونية فإن عنصر الإلزام لا يشترط فيه دائما توقيع الجزاء كما هو الحال بالنسبة للقواعد القانونية الأخرى، لكن قد يكون الإلزام إما عن طريق القهر المادي أو الجزاء الإجرائي أو الجزاء العقابي أو الجزاء المدني أو الجزاء الإداري.

و يتمثل القهر المادي في القواعد المنظمة لضبط المتهم وإحضاره أمام المحقق بالقوة إذا رفض من تلقاء نفسه، أما الجزاء الإجرائي فإنه يتمثل في إسقاط كل أثر قانوني للإجراء المخالف للقاعدة الإجرائية وقد يتخذ أشكالا عدة كالسقوط وعدم القبول والبطلان، ومثال الجزاء العقابي هو النص في القانون على معاقبة الشاهد عند الامتناع عن الإدلاء بشهادته.

و يشمل الجزاء المادي في الأحكام الصادرة والمتضمنة مصادرة مبلغ الكفالة الذي يودعه الطاعن بالنقض في حال لم يقبل طعنه.

أما الجزاء الإداري فهو العقوبة التي تلحق بالموظفين الإداريين عند مخالفتهم لقانون الاجراءات الجزائية وهم المكلفون بتطبيقه.[13]

فكل موظف مكلف بإنفاذ القانون هو جزء من نظام القضاء الجنائي وسلوك أي موظف يؤثر لا محالة في كل هذا النظام، وهو ما جاء في مدونة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، فقد ورد تعريف هؤلاء بموجب المادة الأولى من مرفق هذه المدونة والتي جاء في التعليق عليها ما يلي:”

  • يقصد بعبارة الموظفون المكلفون بإنفاذ القوانين جميع موظفي القانون، سواء أكانوا معينين أم منتخبين، الذين يمارسون صلاحيات الشرطة، ولا سيما صلاحية الاعتقال والاحتجاز.

ب- في البلدان التي تتولى صلاحيات الشرطة فيها السلطات العسكرية، سواء أكانت بالزي الرسمي أم لا، أو قوات أمن الدولة، يعتبر تعريف ” الموظفون المكلفون بإنفاذ القوانين” شاملا لموظفي تلك الأجهزة”.

و تنص المادة 2 من مرفق المدونة أن هؤلاء الموظفون ملزمون باحترام الكرامة الإنسانية أثناء قيامهم بمهامهم مع ضرورة حماية حقوق الإنسان.

وقد جاء في قرار للمحكمة العليا أنه ونظرا لعدة شكاوى ضد ضابط الشرطة القضائية ق ف لارتكابه جنح العنف والشتم والتهديد، الحبس التعسفي ورفض تنفيذ أوامر النيابة العامة، حيث وبموجب المادة 207 ق إ ج قدم النائب العام ملفا يخص الضابط مع طلبات كتابية تهدف إلى نزع صفة ضابط شرطة قضائية منه إلى غرفة الاتهام، وهو ما حدث فعلا بموجب قرار من هذه الأخيرة بما يتوافق وصلاحياتها الإدارية الخاصة بمراقبة أعمال الضبطية القضائية طبقا للمواد 206 وما يليها من قانون الإجراءات الجزائية، حيث أنه لا يجوز الطعن في هذه المقررات التي تصدرها غرفة الاتهام في هذه الحالة وهو ما أدى إلى رفض طعن ضابط الشرطة القضائية.[14]

كما يتميز قانون الاجراءات الجزائية بالتبعية لقانون العقوبات باعتبار أن قانون الاجراءات الجزائية هو أداة تطبيق قانون العقوبات، لكن ليس معنى هذا أن هذه التبعية تعطي أفضلية لقانون على آخر، لكن هي مجرد تلازم بين قانونين مع افتراض أسبقية قانون العقوبات في الوجود قبل قانون الاجراءات الجزائية.[15]

1

كما تتميز قواعد قانون الاجراءات الجزائية بطابع النسبية ذلك أن المشرع لا يستهدف من خلاله تحقيق نتائج مطلقة ولا يخاطب به الكافة، مثلما هو الأمر بالنسبة لقانون العقوبات، بل لا يعدو أن يخاطب به الأشخاص الذين اصطلح على تسميتهم بالأشخاص الإجرائيين، فالقواعد التي تنظم سلطات النيابة العامة مثلا في الاتهام والتحقيق الابتدائي هي قواعد لا تخاطب إلا الأشخاص المكلفين بمباشرة هذه الإجراءات.

كما أنه يتميز بطبيعته الإجرائية، فهي قواعد تنظم العلاقات التي تنشأ ضمن العملية الإجرائية والتي تهدف لتطبيق قانون العقوبات، بخلاف قواعد قانون العقوبات والتي تنظم سلوك الناس بصفة عامة داخل المجتمع.[16]

الفرع الثاني: أركان الشرعية الإجرائية

ترتكز الشرعية الإجرائية على أركان ثلاثة مهمة وهي:

1- قرينة البراءة.

2- القانون كمصدر وحيد للإجراءات الجزائية.

3- الضمان القضائي في الإجراءات الجزائية.

وما يهمنا هما الركنان الأول والثاني أما الركن الثالث فقد تم الإشارة إليه في بداية الأطروحة.

أولا- قرينة البراءة

يقضي هذا المبدأ بأن كل متهم مهما بلغت جسامة الجريمة التي اتهم فيها، ينبغي معاملته معاملة الشخص البريء إلى أن تثبت إدانته بحكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به أو تبرئته، ويعتبر هذا المبدأ من الضمانات بالغة الأهمية في القضاء الجنائي بصفة خاصة وفي القانون بصفة عامة.[17]

و عرف هذا المبدأ تطورا كبيرا عبر مختلف العصور فقد جاء النص عليه في الشريعة الإسلامية لقول النبي محمد ص: ” ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم للمسلم مخرجا فخلوا سبيله، فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة “.

لكن في المقابل يختلف توصيف وتكييف هذا المبدأ باختلاف النظم الإجرائية للدول وهو ما يؤثر بدوره على الحريات الأساسية في قوانين تلك الدول، ففي ظل النظام الاتهامي كانت الحرية الشخصية مقدسة وتوجيه الاتهام يعتبر مساسا بهذه الحرية، ويجب على من يوجهها إقامة الدليل والمتهم بريء في هذه الحالة حتى تثبت إدانته، واستمر التطور إلى أن جاء نظام التحري والتنقيب بدءا من القرن13م والذي اكتملت أركانه في القرن 17م، وتم استخلاف قرينة البراءة بقرينة الجرم، وهذا تغليبا لمصلحة المجتمع على مصلحة الفرد، وكان عبء الإثبات يقع على عاتق النيابة العامة والقاضي، أما المتهم فلا يثبت براءته إلا في حالة الجرائم الجسمية كالسحر والشعوذة، ولكن في ظل هذا النظام لم تكن الحرية الفردية مقدسة، حيث كان التحقيق لا يتم إلا بالقبض على الشخص، واعتباره مجرما لأن قرينة البراءة غير مفترضة في جانبه.

وقد ربط البعض بين قاعدة شرعية الجرائم والعقوبات وبين احترام مبدأ قرينة البراءة واعتبروا الثانية تفسيرا للأولى، وذلك بمناسبة تعليقهم على الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وهو الأمر ذاته الذي أكده مؤتمر الجمعية الدولية لرجال القانون نيودلهي 1959.[18]

وتعتبر الإباحة هي الأصل في الأشياء أما التجريم والعقاب فهو الاستثناء، وهو ما يعتبر ترجمة حقيقية لقاعدة شرعية الجرائم والعقوبات، ويعتبر الإنسان في رحاب هذه القاعدة بريئا، والذي يعطي لفعله توصيف الجريمة هو الحكم القضائي لا غير، فالقضاء هو من يقدر طبيعة عمل المتهم وهو الذي يقيد الحرية أو يتركها كما هي حرة طليقة إذا ثبتت براءة المتهم، ولهذا تعتبر قرينة البراءة الأساس القانوني في المحاكمة القانونية والتي تؤدي بدورها إلى احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.[19]

و يبقى بالرغم من كل ذلك مبدأ قرينة براءة المتهم، قرينة قانونية بسيطة وطبيعة القرينة هي استنتاج مجهول من معلوم، فالمعلوم هو الإباحة في الأشياء ما لم يستثن بمقتضى حكم قضائي أو نص قانوني، أما المجهول فهو الوصول إلى براءة الشخص المتهم بمقتضى الحكم القضائي، وهذه القرينة يمكن إثبات عكسها بخلاف القرينة القاطعة التي لا يمكن إثبات عكسها، وبالرغم من تقديم العدالة الجنائية لأدلة قوية فإنها تظل قرينة قائمة إلى أن يثبت عكسها بمقتضى حكم قضائي بات يقضي بإدانة المتهم.[20]

حيث ورد في قرار للمحكمة العليا أنه تم إدانة المتهم بحكم قضائي بناء على المحاضر المحررة من طرف أعوان مصالح المنافسة والأسعار طبقا لأحكام المادة 87 من الأمر 65/06 المتعلق بالمنافسة، حيث لم يقم المتهم بإشهار الأسعار على المجوهرات الذهبية المعروضة للبيع بالمحل التجاري لكن قضاة الموضوع بالمجلس القضائي برؤوا المتهم لانعدام الدليل ودون مناقشة الحكم الأول الذي أدانه مما أدى بالمحكمة العليا إلى إبطال ونقض القرار وإحالة الدعوى حيث تم إلغاء حكم البراءة بحكم بات.[21]

كما نقضت المحكمة العليا قرار قضاة المجلس القضائي الذين أسسوا قرارهم فقط على نقض محضر المعاينة الجمركي لأجل تبرئة المطعون ضده وهو ما اعتبرته المحكمة العليا غير كاف ولا أثر له على القوة الثبوتية لمحضر الحجز.[22]

و مما جاء في قرار آخر للمجلس الأعلى أن محاضر الجمارك تعتبر قرينة قانونية قاطعة لجريمة محاولة التهريب ولا يمكن نفيها إلا بإثبات وجود الحالة القاهرة.[23]

و قد جاء في توصيات الحلقة التمهيدية للمؤتمر الدولي الخامس عشر لقانون العقوبات والتي تناولت موضوع حركات إصلاح الإجراءات الجنائية وحقوق الإنسان اسبانيا- ماي 1992، أن قرينة البراءة تفقد معناها الحقيقي إذا تمت المحاكمة بواسطة إجراءات لا تحترم فيها مبادئ حقوق الإنسان،[24] أما حجم العقوبة ونوعها فهي بعيدة كل البعد عن مبدأ قرينة البراءة، فبعد ثبوت إدانة المتهم يمكن للقاضي أن يحدد العقوبة بناء على شخصية المجرم كسمعة المتهم السيئة وتكرار ارتكابه للجرائم، علما أن هذه الاعتبارات لا تصلح قبلا لإثبات الإدانة لكنها تصلح كما سبقت الإشارة إليه في تقدير حجم العقوبة ونوعها بعد ثبوت الإدانة، وفي كل الأحوال تعتبر هذه القرينة أحد مرتكزات العدالة الجنائية مثلما أكده المؤتمر الثاني عشر لقانون العقوبات هامبورغ 1979.[25]

حيث جاء في المبدأ الاجتهادي الذي خلصت إليه المحكمة العليا ضرورة مراعاة السوابق القضائية للمتهم عند تحديد العقوبة الأصلية الحبس في جريمة إصدار صك بدون رصيد مراعاة للمادة 55 ق ع.[26]

كذلك نص على قرينة البراءة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 11/1، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية من خلال المادة 14/2  واعتبره بمثابة حق للمتهم، ونفس هذا الحق اعترف به لكل طفل متهم بموجب المادة 40/2/ب/1 من اتفاقية حقوق الطفل، كما نص الدستور الجزائري على هذا المبدأ بمقتضى المادتان 45 و46 من دستور 1996، وهما على التوالي المادتان 56، 58 بمقتضى التعديل الدستوري لعام 2016.

ثانيا- القانون كمصدر وحيد للإجراءات الجزائية

المشرع يملك وحده السلطة المطلقة للحد من حريات المواطنين بهدف حماية النظام العام بأن يضع حدودا لا يمكن تجاوزها، وإلا فإن المصير هو إلحاق العقوبة بالفرد ويتمثل ذلك في قانون العقوبات تطبيقا للمبدأ الفقهي المعروف “لا جريمة ولا عقوبة بغير نص قانوني”، كما ينظم المشرع السبل اللازمة والتي يتعين اتخاذها في حال محاولة كشف الحقيقة وإقرار العقاب من خلال قانون الإجراءات الجزائية، هذا الأخير يتولى تحديد الإجراءات اللازمة منذ تحريك الدعوى الجنائية وحتى صدور حكم نهائي فيها وتطبيق العقوبة، وأداة المشرع كما سبقت الإشارة إليه هو القانون لا غير.

فالمشرع وحده من يملك الحق في المساس بحرية الأفراد كما جاء في قضاء محكمة النقض الفرنسية، وأساس هذه الثقة في المشرع كونه يمثل إرادة المجتمع وسيادته.[27]

و قد جاء في الدستور الفرنسي لعام 1793 ما يفيد معنى القانون بنصه على أن: ” القانون هو التعبير الحر والرسمي للإرادة العامة، وهو واحد للجميع سواء من يحميهم أو من يعاقبهم ولا يمكن أن يأمر إلا بما هو عدل ومفيد للمجتمع، ولا يمكن أن ينهى إلا عما هو ضار”.[28]

و العدل القائم على سيادة القانون هو عماد المجتمع المتحضر، ونظام العدالة الجنائية المتسم بالإنسانية والكفاءة هو أداة للإنصاف وإحداث التغيير الاجتماعي البناء وإحقاق العدل الاجتماعي.[29]

وإرساء نظام عدالة جنائية فعال ومنصف يرتكز بالضرورة على تعزيز حماية حقوق الإنسان بالأساس وفي المقام الأول.[30]

و هذا يؤدي إلى عدم اختصاص السلطة التنفيذية بإصدار أية لائحة أو تنظيم فيما يخص استحداث إجراءات جزائية جديدة أو تعديل القائم منها، وإذا لم يتناول التشريع أمرا معينا فإنه لا يحق للسلطة التنفيذية إلا إصدار اللوائح التي تحترم حقوق الإنسان من خلال القانون القائم وعلى رأسه الدستور، وأي تنظيم إجرائي يصدر بلائحة مهما كان وجهه أو في أي مرحلة من مراحل الخصومة الجنائية يعتبر مخالفا لقاعدة الشرعية الإجرائية.[31]

و قد يمنح للسلطة التنفيذية وبمقتضى القانون إصدار لوائح تنظيم بعض قواعد التجريم والعقاب، لكن بصفة محدودة وبعيدا عن تنظيم الخصومة الجنائية، وقد ثار خلاف في هذا الشأن في فرنسا حول مدى دستورية تفويض قانون الإجراءات الجزائية للسلطة القضائية في تحديد اختصاص المحكمة، حيث خولت المادة 398/1 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي رئيس المحكمة الابتدائية تحديد المحكمة التي تحال إليها الدعوى، وكذلك يمكنه تحديد شكل المحكمة من بين تلك المشكلة من ثلاثة قضاة والمشكلة من قاض واحد، وهو الأمر الذي أدى إلى طعن 69 عضوا من مجلس الشيوخ الفرنسي في دستورية هذا النص لمخالفته مبدأ المساواة أمام القانون والقضاء، ومبدأ محاكمة المواطنين أمام محكمة متعددة القضاة، وقد صدر حكم المجلس الدستوري بعدم دستورية نص المادة 398/1 السالفة الذكر، وذلك بتاريخ 23 جويلية 1975، وحجة المجلس في ذلك هو مخالفة النص لمبدأ اختصاص المشرع وحده في تحديد قانون الإجراءات الجزائية طبقا للمادة 24 من الدستور الفرنسي.[32]

الفرع الثالث: حق التقاضي أمام القاضي الطبيعي

العدالة الجنائية تقتضي أن يحاكم الإنسان أمام قاضية الطبيعي،[33] ويعتبر مبدأ القاضي الطبيعي متمما لمبدأ استقلال القضاء وحياده، كما يعتبر نتيجة من نتائج مبدأ المساواة أمام القانون والتي من متطلباتها أن يحاكم كل المواطنين أمام قضاء واحد وهو القضاء الطبيعي.[34]

و يقصد به محاكمة الفرد أمام المحكمة التي عينها له القانون سلفا قبل وقوع الفعل محل المحاكمة، وأن يكون تحديد المحكمة وفقا لمعايير موضوعية ومجردة، ولا تتوقف على إرادة أي سلطة أخرى غير القضاء مع احترام كافة ضمانات استقلال القضاء وحياده وتساوي جميع الأطراف في ضمانات الدفاع المناسبة،[35] وقد ظهر هذا المبدأ لأول مرة في العهد الأعظم في انجلترا عام 1215، وفي خلال النصف الأول من القرن 13 تميز بضرورة انتماء القاضي إلى نفس طبقة المتقاضين، حيث يحاكم رجال الكنيسة أمام نظرائهم من الكنيسة والإقطاعيون يحاكمون أمام المحاكم الإقطاعية، وفي فرنسا نصت على هذا المبدأ المادة 17 من دستور 1790 واعتبرته بمثابة إحدى ركائز الحقوق والحريات.[36]

2

ويهدف القضاء الطبيعي بشكل أساسي إلى حماية الحقوق الفردية واحترام الحريات الجماعية،[37] واحترام هذا المبدأ يتناقض مع انشاء محاكم ذات طابع خاص واستثنائي بلا شك.[38]

ولكي يتوفر احترام مبدأ القضاء الطبيعي يشترط توفر مجموعة شروط أساسية لا مفر منها:[39]

أولا- إنشاء المحكمة وتحديد اختصاصها

القانون وحده من ينشئ المحكمة ويحدد اختصاصها وباعتباره أداة تنظيم الحرية فهو مصدر لقواعد اجتماعية ومن بينها قواعد التنظيم القضائي وقواعد الاختصاص.

و هو ما ذهبت إليه المحكمة العليا في تحديد تشكيل المحكمة الجنائية بموجب المادة 258 ق إ ج فهي من النظام العام ولا يجوز مخالفته.[40]

و كذلك الأمر بالنسبة لتشكيلة غرفة الاتهام فهي من النظام العام وينبغي احترام العدد الفردي في تشكيلتها حتى يتمكن من إبراز الأغلبية في أي قضاء ولا ينبغي بأي حال مخالفة نص المادة 500/3 ق إ ج.[41]

و أيضا ذهب قرار المجلس الأعلى سابقا إلى أن الحدث المتهم الطاعن بالمشاركة في القتل العمد وهي جناية قد حوكم فيها من طرف محكمة الجنح العادية، والاستئناف تم على مستوى الغرفة الجزائية، وهو خرق للنظام العام ذلك أن محاكمة هذا الحدث في الأصل تتم أمام قسم الأحداث بمحكمة مقر المجلس واستئنافها يكون أمام الغرفة الجزائية للأحداث بنفس المجلس.[42]

ثانيا- إنشاء وتحديد اختصاصات المحكمة بقواعد عامة ومجردة

يجب أن يعرف كل مواطن مسبقا من هو القاضي الذي سيمثل أمامه بقواعد مجردة، ولا يجوز بعد وقوع الجريمة تحويل المتهم من قاضيه الطبيعي إلى محكمة أنشئت لدعاوى بعينها ودون مراعاة للقواعد العامة المجردة، فإنشاء محكمة بشكل طارئ وتحديد اختصاصها بالنسبة لدعوى جنائية معينة يكون عملا مشوبا بعيب انحراف السلطة التشريعية لأنه فقد عنصر التجريد، ويعتبر إدخال جرائم سابقة في نطاق عمل المحكمة الجديدة تعارضا مع استقلال القضــــاء حتى لو كــــانت العقوبة المقررة في الجريمة لم يمسهـــا تغيير في ظـــل القــــانون الـــــجديد،

 وحتى ولو كانت الإجراءات موحدة بين المحكمة الأصلية السابقة والمحكمة الجديدة الاستثنائية.

لكن إذا كان القانون الجديد الصادر يجعل الدعوى من اختصاص محكمة توفر ضمانات أكثر للمتهم فإن ذلك الأمر يعتبر مقبولا مثل ما حدث في فرنسا في قضية “دريفوس”، فقد رفعت أسرة دريفوس طلب إعادة النظر إلى الدائرة الجنائية لمحكمة النقض باعتبارها المختصة بالفصل في هذا الطلب، لكن بصدور قانون 1/3/1899 أصبحت الدوائر المجتمعة لمحكمة النقض تملك حق الفصل في دعاوى إعادة النظر، والهيئة الجديدة بحكم تشكيلها توفر أكثر ضمانات للمتهم سواء من خلال كفاءة القضاة أو عددهم، درجة المحكمة في السلم القضائي، وفتح طريق الطعن في أحكامها أمام جهة قضائية أعلى، حيث اعتبر تدخل المشرع الفرنسي في هذه الحالة تدخلا حميدا.

ثالثا- أن تكون المحكمة دائمة

حيث تنشأ المحاكم العادية لنظر الدعاوى دون تحديد فترة زمنية لها ولا يتعلق بأي ظرف مؤقت كحالة الطوارئ أو الحروب، لأن المحاكم المؤقتة لا تعتبر من عداد القضاء الطبيعي، فالدعاوى الجنائية هي من اختصاص المحاكم العادية.

واحترام مبدأ القاضي الطبيعي يوفر ضمانات كبرى لحق الفرد في التقاضي لأنه حق من الحقوق الإنسانية الطبيعية، فلكل فرد حق الالتجاء إلى القضاء بمجرد الاعتداء عليه دون طلب إذن أو تصريح بشأن رفع الدعوى، وليس لأي سلطة الحق في صد الأفراد عن ممارسة هذا الحق ومصادرتهم إياه،[43] لكن قد تطرأ ظروف استثنائية تجعل هذا الحق محل مصادرة ومنازعة.

و قد نص المبدأ5 من المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية على ضرورة أن يحاكم الشخص أمام المحاكم العادية المنظمة بموجب قانون سابق على ارتكاب الفعل المجرم.[44]

و في حال طرأت ظروف استثنائية فإنه قد تنشأ محاكم ذات اختصاص استثنائي وتقابلها المحاكم ذات الاختصاص الخاص كما سيأتي:

-1الظروف الاستثنائية

يحدث في تاريخ الدول أن تأتي فترات عصيبة لا يمكن معها بأي حال تطبيق القوانين بصفة عادية، ونظرا لكون النظام العام مهدد وبقاء الدولة في حد ذاته مهدد، تلجأ الدول إلى فرض قيود على الحريات والحقوق العامة وهو ما يحتم الخروج عن قواعد المشروعية لأجل حماية الدولة، فلا يعقل التضحية بالغاية في سبيل الوسيلة، لأن الدولة هي الغاية والمشروعية هي وسيلتها،[45] والخلاف هو بين حالة الضرورة وحالة الظروف الاستثنائية، فبعض الفقه اعتبرهما وجهان لعملة واحدة، بينما ذهب اتجاه فقهي آخر إلى اعتبارهما مختلفان عن بعضهما البعض، حتى وإن جمع بينهما مواجهتهما لظروف غير عادية، حيث اعتبروا أن نظرية الظروف الاستثنائية أخص من نظرية الضرورة وأن هذه الأخيرة أسبق في وجودها من نظرية الظروف الاستثنائية، كما اعتبر مجلس الدولة الفرنسي أن الأساس الذي تقوم عليه الظروف الاستثنائية أيسر في شروطه ومداه من الأساس الذي تقوم عليه نظرية الضرورة،[46] علما أن نظرية الظروف الاستثنائية هي من إنشاء مجلس الدولة الفرنسي.[47]

بينما جاء رأي فقهي ثالث واعتبر الاثنين نظرية واحدة لا أكثر، مع تغليب مصطلح “الضرورة” على “الاستثنائية”، واعتبروا المصطلح الأصح هو نظرية الضرورة لأنها تمثل الظروف غير العادية التي أدت إلى خروج سلطات الإدارة العامة عن المشروعية، حتى وإن كان التمييز داخلها بين ظروف الحرب والظروف الاستثنائية، فإن هذا لا يؤدي إلى أن تستقل كل نظرية بذاتها، لأن الخاصية المشتركة فيها أنها خروج عن الظروف العادية وعن الوضع العادي، وهو ما يؤدي بالسلطات أن تتخذ إجراءات لا تتلاءم مع المشروعية العادية بل تتلاءم مع المشروعية غير العادية.[48]

و إن كنا نؤيد هذا الرأي الثالث لأنه أكثر حجة، وكذلك لأن الحجج التي أتى بها أنصار الرأيين السابقين ضعيفة، حتى أن أصحاب رأي استقلال كل نظرية بذاتها في أثناء تبرير رأيهم أخلطوا بين الضرورة والاستثناء وعجزوا عن إعطاء مفهوم واضح وغير ملتبس لكل نظرية، بل أنهم لم يستطيعوا حتى إبراز الحدود الفاصلة بينهما.

و بالرغم من ذلك فإننا نؤيد استعمال مصطلح نظرية الظروف الاستثنائية لأنه الأكثر تعبيرا ودقة والأكثر استعمالا من جانب الفقه الحديث.[49]

و باعتبار الضرورة العامل الحاسم والمهم في هذه النظرية،[50] فإنها قد بدأت في المجال الجنائي أولا لتمتد لاحقا إلى القانون المدني ثم إلى بقية الفروع الأخرى من القانون، لكن كان لها بالغ الأثر في ظل القانون العام وبالخصوص في ظل القانونين الدستوري والإداري.

و اختلف الفقه في شأن اعتبار الظروف الاستثنائية الضرورة نظرية واقعية أو سياسية لذلك انتقد جانب من الفقه ما قامت به الجمعية الوطنية الاتحادية السويسرية عام 1914 في بداية الحرب العالمية الأولى، والتي أعطت تفويضا للمجلس التنفيذي لاتخاذ أي إجراء يراه مناسبا وبدون أي قيد للحفاظ على سلامة الدولة، واعتبر الفقهاء هذا التفويض الكامل للسلطة هو بمثابة تنازل الهيئة التشريعية عن ولايتها وهو ما يخالف الدستور، لأنه حسبهم فإن الضرورة تأخذ بما هو موجود على أرض الواقع لا القانون، فشرط الضرورة هو وجود خطر حقيقي داهم، والذي لا يستطاع مواجهته باستعمال الوسائل العادية، أما الجانب الفقهي الآخر فيمثله الفقهاء الألمان وجانب من الفقه الفرنسي والذي يرى أن الضرورة هي نظرية قانونية وأن كل ما يتخذ من إجراءات في ظلها هي إجراءات مشروعة، لأن القانون حسب بعض الفقه هو المعبر عن مشيئة الدولة وإرادتها أو ما يعرف بالسيادة فهي لا تلتزم إلا بإرادتها في الحدود والوقت اللذين تريدهما حتى ولو كانت مضطرة إلى ذلك.[51]

و هذا الاستثناء أو الضرورة يتيح للدولة استعمال إجراءات غير مشروعة في الظروف العادية لكنها تصبح مشروعة في ظل الظروف غير العادية، وذلك قياسا على حالة الضرورة التي يلجأ من خلالها الشخص العادي إلى الدفاع الشرعي وفقا للقانون الجنائي.[52]

و هو ما يستلزم من السلطة التنفيذية أمام جسامة الخطر الذي يهدد الدولة ونظامها العام، أن تتصرف بخلاف القواعد القانونية في الظروف العادية، لأنه الوسيلة الوحيدة لدرء الخطر، وبالرغم من حدوث الضرر الذي يلحق الأفراد فإن هذه الأعمال تخضع للرقابة القضائية، لكن الخطير فيها هو أنها تؤدي إلى إعفاء السلطة التنفيذية من المسؤولية عن الضرر الذي قد يصيب بعض الأفراد، وقد استقرت محكمة القضاء الإداري المصرية في أحكامها على أنه ينبغي أن تتوفر ثلاثة شروط لتطبيق هذه النظرية وهي:

  • وجود خطر جسيم مفاجئ يهدد النظام والأمن العام.
  • أن يكون القرار الصادر هو الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر.
  • أن لا يزيد القرار على ما تقتضيه حالة الضرورة.[53]

و اعترفت فرنسا بما يسمى التفويض التشريعي L’habilitation législative حيث نصت عليه المادة 38 من الدستور الفرنسي، حيث يفوض ولمدة محدودة قابلة للتجديد الحكومة بترخيص من البرلمان لأجل أن تؤدي مهمتها.

كما يوجد أيضا ما يسمى بحالة الحصار Etat de siège بحسب المادة 36 دستور فرنسي وهذا في حالة تعرض البلاد لعدوان مسلح وهو ما يؤدي إلى فرض النظام العسكري في كامل البلاد، وهو على السواء يشمل التهديد الداخلي والخارجي.

و أيضا توجد حالة الاستثناء في حالة الطوارئ Etat d’urgence ويمكن إعلانها من قبل رئيس الوزراء بشرط ألا تزيد عن 12 يوما ما لم يرخص البرلمان بتمديدها ويترتب على سقوط الحكومة أو حل الجمعية الوطنية زوالها، وقد نظمها المشرع الفرنسي بموجب القانون الصادر في 03/04/1955 وأخضع المرسوم الصادر في 15/04/1960 إعلان حالة الطوارئ لنفس شروط إعلان حالة الحصار بموجب المادة 36 من الدستور الفرنسي وأيضا يمكن أن تكون حالة الاستثناء في حالة الأزمة الوطنية والتي يمكن لرئيس الجمهورية أن يتخذها وفقا للمادة 16 من الدستور الفرنسي، مثل الخطر الجسيم الذي يتهدد مؤسسات الدولة أو يوقف سير العمل في المؤسسات العامة الدستورية.[54]

و قد نص المشرع الدستوري الجزائري في المادة 91 من الدستور السابق والتي تحولت إلى المادة 105 بعد التعديل الدستوري رقم 16/01 على أنه يمكن لرئيس الجمهورية إذا كانت هناك الضرورة الملحة إعلان حالة الطوارئ أو الحصار لمدة معينة بعد اجتماع المجلس الأعلى للأمن واستشارة رئيسي غرفتي البرلمان ورئيس المجلس الدستوري والوزير الأول، لاتخاذ ما يلزم من تدابير على أن لا تمدد حالة الطوارئ أو الحصار إلا بعد موافقة البرلمان، فيما أحالت المادة 92 من الدستور السابق والتي أصبحت تحمل الرقم 106 بعد تعديل الدستور تنظيم حالة الطوارئ والحصار إلى قانون عضوي.

و بالفعل تم إعلان حالة الطوارئ وفقا للمرسوم الرئاسي رقم 92/44 بتاريخ 5 شعبان 1412 الموافق لـ 9 فبراير 1992،[55] ليتبعه قرار وزاري مشترك يتضمن التنظيم العام لتدابير الحفاظ على النظام العام في إطار حالة الطوارئ،[56] كما صدر المرسوم التنفيذي رقم 92/75 يحدد بعض شروط أحكام المرسوم الرئاسي رقم 92/44 المتضمن إعلان حالة الطوارئ.[57]

 وأيضا تم إعلان حالة الحصار بموجب المرسوم الرئاسي رقم 91/196 بتاريخ 21 ذي القعدة 1411 الموفق لـ 4 يونيو 1991،[58] كما صدرت عدة مراسيم لاحقة تابعة لحالة الحصار المعلن عنها.[59]

و في هذا الجو المشحون صدر أيضا المرسوم التشريعي رقم 92/03 المؤرخ في 3 ربيع الثاني 1413 الموافق لـ 30 سبتمبر 1992 يتعلق بمكافحة التخريب والإرهاب،[60] والذي ألغي بموجب المادة 2 من الأمر رقم 95/11 المؤرخ في 25 رمضان 1415 الموافق لـ 25 فبراير 1995 المعدل والمتمم للأمر رقم 66/156 المتضمن قانون العقوبات.[61]

و بالرجوع إلى حالة الطوارئ فقد نصت المادة 1 من المرسوم الرئاسي رقم 92/44 المتضمن إعلان حالة الطوارئ على أن مدتها هي 12 شهرا تمتد على كامل التراب الوطني ابتداء من 09/02/1992، مع إمكانية رفعها قبل هذا الميعاد لكن الذي حصل أنها امتدت بموجب المرسوم التشريعي رقم 93/02 واستمرت 19 سنة كاملة إلى أن تم رفعها بموجب الأمر رقم 11/01 المؤرخ في 20 ربيع الأول 1432 الموافق لـ 23 فبراير 2011.[62]

أما فيما يخص مدة حالة الحصار فهي 4 أشهر بداية من ساعة الصفر ليوم 5 يونيو 1991 بحسب نص المادة 1 من المرسوم الرئاسي رقم 91/196 المتضمن إعلان حالة الحصار، والتي أنهيت بموجب المرسوم الرئاسي رقم 91/336 المؤرخ في 22/09/1991، حيث رفعت وفقا لما جاءت به المادة 1 من المرسوم الأخير ابتداء من الساعة الصفر من يوم 29/09/1991.[63]

و المثير للاستغراب هو ما سيأتي في المادة 93 من دستور 1996 وهي نفسها المادة 107 بعد تعديله في 2016 والذي يمكن من خلاله لرئيس الجمهورية أن يقرر الحالة الاستثنائية إذا كانت البلاد مهددة بخطر داهم يوشك أن يصيب مؤسساتها الدستورية أو استقلالها أو سلامة ترابها.

و السؤال المطروح: على أي أساس يقدر بأن هناك حالة الضرورة وتطبق عليها المادة 91 من الدستور السابق والتي أصبحت تمثلها المادة 105 من الدستور المعدل في 2016 أو أن هناك حالة استثنائية وتطبق عليها المادة الدستورية 93 السابقة أو المادة 107 الحالية، علما أن أي خطر قد يوشك أن يصيب مؤسسات الدولة الدستورية أو سلامة ترابها هو أيضا ضرورة توجب إعلان حالة الطوارئ أو الحصار!

فلو تصفحنا المرسوم الرئاسي رقم 92/44 المتضمن إعلان حالة الطوارئ نجد أن الغاية منها قد ذكرت بالتفصيل في نص المادة 2 كما يلي:” تهدف حالة الطوارئ إلى استتباب النظام العام وضمان أفضل لأمن الأشخاص والممتلكات وتأمين السير الحسن للمصالح العمومية”.

فيما نصت المادة 2 من المرسوم الرئاسي رقم 91/196 المتضمن إعلان حالة الحصار على ما يلي:” هدف حالة الحصار الحفاظ على استقرار مؤسسات الدولة الديموقراطية والجمهورية، واستعادة النظام العام وكذلك السير العادي للمرافق العمومية، بكل الوسائل القانونية والتنظيمية لا سيما تلك التي ينص عليها المرسوم”.

فالظاهر أن غاية وهدف حالتي الطوارئ والحصار هي نفسها بحسب المشرع الجزائري، ولم يأت على ذكر أو حتى الإشارة لحالة الضرورة ولا للحالة الاستثنائية !

إضافة إلى أن المشرع قد اعتبر بحسب المادة 107 من الدستور الحالة الاستثنائية أشد باعتبار أنه لاتخاذ قرار بشأنها يتوجب استشارة رئيسي غرفتي البرلمان والمجلس الدستوري والاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن – بمعنى انعقاد اجتماع – والاستماع كذلك إلى مجلس الوزراء – انعقاده – ويجتمع البرلمان وجوبا، وتنتهي الحالة بنفس الشكل وبنفس الإجراءات التي أوجبت إعلانها، وبحسب المادة 107 دائما فإنه يخول لرئيس الجمهورية اتخاذ أي إجراء للحفاظ على استقلال الأمة والمؤسسات الدستورية! وقد يكون هذا الإجراء فيه من الخطر الداهم على حقوق الإنسان كأن تنشأ محاكم استثنائية وإعطاء صلاحيات واسعة للشرطة والجيش، وبحسب المادة 108 من الدستور فإن رئيس الجمهورية يدعو إلى التعبئة العامة بعد الاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن واستشارة رئيسي غرفتي البرلمان، لكن إعلان التعبئة العامة هل يعتبر حالة ضرورة أم أنه حالة استثنائية أم أنه شيء مختلف عنهما؟

ونصت المادة 109 من الدستور المعدل بالقانون رقم 16/01 على أنه إذا وقع عدوان فعلي على البلاد أو يوشك أن يقع يعلن رئيس الجمهورية بعد اجتماع مجلس الوزراء والاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن واستشارة رئيسي غرفتي البرلمان ورئيس المجلس الدستوري، يجتمع البرلمان وجوبا، وبعد ذلك يوجه رئيس الجمهورية خطابا للأمة يعلمه فيه بإعلان حالة الحرب، لكن السؤال المطروح: هل تعلن الحرب لأنها وفقا لحالة الضرورة التي توجب قيام حالتي الطوارئ أو الحصار أو أنها تعلن لأن هناك حالة استثنائية تستدعي ذلك؟

لذا فإنه من الواجب إعادة النظر في الحالة الاستثنائية لأنه حتما يقع تحت عباءتها حالتي الطوارئ والحصار، وإعادة النظر في المادة 108 من الدستور المعدل في2016 الخاصة بالتعبئة العامة وصياغتها بشكل يبين بوضوح الوقت المناسب والظرف الذي تعلن بمناسبته، وهل أنها تقترن بالحرب فقط أم لا، وهذا كله خوفا من أي تعد محتمل على حقوق الإنسان في أثناء هذه الفترات الحساسة والاستثنائية التي ستتبع بالضرورة تطبيق الأحكام العرفية وإنشاء محاكم استثنائية كالتي عرفتها الجزائر سابقا.

حيث أعطيت بمناسبة إعلان حالة الطوارئ صلاحيات واسعة للحكومة لاتخاذ ما تراه مناسبا من إجراءات تنظيمية، كما أعطيت صلاحيات واسعة لوزير الداخلية على كامل التراب الوطني، وللوالي في دائرته الإقليمية، في اتخاذ ما يلزم من تدابير لحفظ النظام العام ولهما كامل الصلاحيات في إصدار أي قرار بخصوص ذلك.[64]

حيث يملك وزير الداخلية وضع أي شخص راشد في مركز أمن أو في أي مكان آخر طالما كان الشك في أنه يمثل خطرا على النظام العام وله الحق في إنشاء مراكز أمن، ويملك الكثير من الصلاحيات في تنظيم حركة تنقل الأشخاص والسيارات والتفتيش نهارا أو ليلا وله أن يفوض السلطات العسكرية قيادة عمليات استتباب الأمن.[65]

فبموجب المادة 5 من المرسوم التنفيذي رقم 92/75 الذي يحدد شروط تطبيق بعض أحكام المرسوم الرئاسي رقم 92/44 المتضمن إعلان حالة الطوارئ، فقد تم تأسيس ستة 6 مجالس جهوية للطعن في قرار الوضع في مراكز الأمن المتخذ من قبل وزير الداخلية في كل من: الجزائر، البليدة، بشار، ورقلة، قسنطينة، لكن الشيء المحير هو ما جاء في المادة 6 من نفس المرسوم بخصوص تركيبة المجلس الجهوي للطعن حيث يتكون من:

* رئيس يعينه وزير الداخلية.

* ممثل لوزير الداخلية.

* ممثل لوزير الدفاع الوطني.

* ثلاث شخصيات مستقلة يعينها وزير حقوق الإنسان.

حيث أن المجلس الجهوي للطعن بهذه التركيبة أبعد ما يكون عن القضاء العادي فجل مكوناته تتراوح بين العسكر والأمن، أما أعضاء وزارة حقوق الإنسان فهي للديكور لا غير ولا سلطة لهم لأن الترتيب الوارد في المادة  ليس اعتباطيا بل يمثل بحق تسلسل السطات والمهام، ويبقى قضاء استثنائيا لا يمكن التعويل عليه في احترام حقوق الإنسان.

كما أصدر وزير الداخلية آنذاك العربي بلخير قرارا مؤرخا في 6 شعبان 1412 الموافق لـ 10 فبراير 1992 يتضمن إنشاء مركز أمن في رقان بولاية أدرار بالناحية العسكرية الثانية، وكذلك أصدر قرارا آخر بنفس التاريخ بإنشاء مركز أمن في عين صالح بولاية تمنراست بالناحية العسكرية الثالثة، ومركز في ورقلة بالناحية العسكرية الرابعة، وأصدر أيضا بتاريخ 7 شعبان 1412 الموافق لـ 11 فبراير 1992 قرارا يتضمن تفويض الإمضاء للولاة فيما يخص الوضع في مراكز الأمن.[66]

أما المرسوم الرئاسي رقم 91/196 المتضمن إعلان حالة الحصار فقد فوض بموجب المادة 3 منه، السلطة العسكرية الصلاحيات المسندة إلى السلطات المدنية في مجال النظام العام والشرطة وبهذا ألحقت مصالح الشرطة بالقيادة العليا للسلطة العسكرية.

و قد نصت المادة 4/1 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أنه في حالة حدوث طوارئ استثنائية يمكن للدولة ألا تتقيد بالتزاماتها القانونية بمقتضى العهد بشرط عدم مخالفة الالتزامات الأخرى المنصوص عليها في القانون الدولي.   

وينبغي ألا تفلت التدابير الاستثنائية من رقابة القضاء حماية للحقوق والحريات الأساسية، فيكون لزاما حماية قرينة البراءة وما يترتب عنها من توفير محاكمة عادلة، لكن هذه الظروف الاستثنائية قد تضع بعض الحدود والقيود على قرينة البراءة والذي يبرز ذلك هو الهدف من هذه التدابير الاستثنائية والتي تسعى إلى حماية حريات الغير من كل ما يهددها، والقاضي وحده هو من يقدر ويوازن بين الحريات المحمية دستوريا وبين بعض المبادئ ذات القيمة الدستورية، كالتناقض بين الحرية الشخصية ومقتضيات الأمن العام والذي أعلنت من أجله حالة الطوارئ وإن تم المساس بشيء ما فإنه لن يكون سوى الضمانات الممنوحة للحريات، أما حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في حد ذاتها فهي مقدسة ولا يمكن المس بها وبالتالي لا يجوز أن تؤدي هذه القيود إلى إهدار قرينة البراءة، وألا تكون هذه القيود تحكمية أو مشوبة بالتعسف حسب مجلس الدولة الفرنسي، بل أن تقدر بقدر الضرورة فقط وينبغي أن يكون مصدر الإجراءات الجنائية هو القانون وحده لا غير،[67] وحماية حقوق الإنسان أثناء قيام حالة الضرورة اعتبرت من بين أهم ثلاثة معايير، وذلك في قرار اللجنة الأوروبية الصادرة سنة 1960 في قضية “Lawless”، والذي أيدته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في 01/06/1961.[68]

2- المحاكم ذات الاختصاص الخاص والاستثنائي

هي المحاكم التي ينحصر اختصاصها في جرائم بعينها أو بطوائف خاصة من المتهمين، وهي توازي محاكم القانون العام والتي تختص بجميع الجرائم مهما كان نوعها ومهما كان مرتكبها، وتسمى في فرنسا بالمحاكم ذات الاختصاص الاستثنائيJuridictions d’exception تمييزا لها عن المحاكم الاستثنائية Juridictions exceptionnelle.[69]

و تعتبر المحاكم ذات الاختصاص الخاص نوعا من أنواع القضاء الطبيعي سواء بالنسبة للمتهمين أو بالنسبة للجرائم التي تدخل في اختصاصها، بشرط ألا تكون قد أقيمت هذه المحاكم بمناسبة حالة الطوارئ، ومثالها محاكم الأحداث والمحاكم العسكرية،[70] وهذه الأخيرة يرى فيها جانب من الفقه أنها تمثل انتهاكا لمبدأ القاضي الطبيعي وذلك بمنح المحاكم العسكرية سلطة الفصل في نزاعات هي في الأصل من اختصاص القضاء العادي أو أن يمتد اختصاصها ليشمل المدنيين غير العسكريين في جرائم ليست جرائم عسكرية.[71]

حيث جاء في مبدأ اجتهاد المحكمة العليا على أنه يجب على المحكمة العسكرية عند تحرير محضر المرافعات أن تراعي كل تحفظ ورد في قانون القضاء العسكري المادة 133 قانون القضاء العسكري والمادة 314 ق إ ج، لأن أحكامها خاضعة لرقابة المحكمة العليا.[72]

 ويقصر مشروع الإعلان العالمي لاستقلال القضاء ولاية المحاكم العسكرية على الجرائم العسكرية فقط، كما يشترط أن يكون حق استئناف أحكام المحاكم العسكرية أمام جهة مؤهلة قانونا.[73]

ففي انجلترا لا يجوز محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية لا في الأوقات العادية ولا في غير العادية، ويطبق القانون العسكري في حالة الحرب في حال عدم قدرة المحاكم المدنية على تأدية مهامها، وفي فرنسا يرأس المحاكم العسكرية أحد القضاة المدنيين، والتي تختص بالفصل في الجرائم العسكرية البحتة، وهذا ما جرت عليه العادة في النظم الديمقراطية، وما يعاب على المحاكم العسكرية في نظر البعض هو افتقادها لمقومات القضاء الطبيعي سواء من حيث تشكيلها، أو من حيث اختصاصها، وعدم وجود الضمانات الكافية للأفراد الذين يحاكمون أمامها.[74]

و قد ينشأ تنازع سلبي في الاختصاص بين القضاء العادي والقضاء العسكري وهو ما جاء في قرار للمجلس الأعلى حيث تم إمساك المطعون ضدهم وهم بصدد المتاجرة بالمخدرات خارج الثكنة العسكرية فأحيلوا إلى محكمة الجنح بقسنطينة والتي أصدرت حكمها بعدم الاختصاص مع إحالة الملف إلى المحكمة العسكرية الدائمة بقسنطينة والتي أصدرت بدورها حكما يقضي بعدم الاختصاص ونظرا لاكتساب الحكمين لقوة الشيء المقضي به لعدم الطعن فيهما ونظرا لعدم وجود هيئة عليا مشتركة بين الجهتين وفقا لما هو معمول به في التدرج القضائي ونظرا لهذا التنازع في الاختصاص الذي يمنع السير في الدعوى فإن الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى هي المخولة بالفصل في هذا التنازع حيث تم إبطال حكم المحكمة العسكرية بقسنطينة وإحالة القضية وأطرافها إلى المحكمة العسكرية الدائمة بالبليدة للفصل فيها من جديد.[75]

و في قضية أخرى اعتبر بأن القضاء العسكري هو المختص بالفصل في القضايا بين العسكريين وما دام الطاعن برتبة رائد ووفقا لنص المادة 30 من قانون القضاء العسكري فإن وزير الدفاع هو من يعين المحكمة المختصة بالفصل في النزاع ومحكمة الناحية العسكرية التابع لها المتهم غير مختصة والقضاء العسكري هو المخول بمحاكمة العسكر.[76]

و في قرار للمجلس الأعلى تم نقض وإبطال حكم المحكمة العسكرية لمخالفته نص المادة 140 من قانون القضاء العسكري والذي ينص على ضرورة أن يكون مع المتهم محام لمساعدته وفي حال تغيبه فرئيس المحكمة مجبر على تعيين محام له وهو ما لم يحصل، الأمر الذي اعتبر خرقا لحقوق الدفاع.[77]

و قد تضمن القانون رقم 25 لسنة 1966 في مصر والمعدل بالقانون رقم 01 لسنة 1983 تشكيل المحاكم العسكرية وصلاحياتها، حيث انتقد بسبب إخلاله بمبدأ استقلال القضاء، ويرجع ذلك لامتداد اختصاصه لمحاكمة المدنيين العاملين بالمؤسسة العسكرية المصرية، كما أن تشكيل هذه المحاكم يقتصر على ضباط القوات المسلحة بدون شرط حصولهم على التكوين القانوني المناسب، ويعاب على هذه المحاكم أيضا تبعيتها لوزارة الدفاع وهو ما يتناقض مع مبدأ الحيدة، إضافة إلى أن تعيين القضاة في فترة زمنية محدودة وهي سنتين قابلتين للتجديد وهو ما يتناقض مع مبدأ عدم قابلية القضاة للعزل، كما لا تخضع الأحكام الصادرة من المحاكم العسكرية لأية رقابة من محكمة النقض المصرية بل تخضع هذه الأحكام لسلطة رئيس الجمهورية أو من يعينه من قادة المؤسسة العسكرية لأجل التصديق عليها، كما لم يحدد هذا القانون الحد الأقصى للحبس الاحتياطي، مما يعتبر انتهاكا لاستقلال القضاء وما يمثله من ضمانات المحاكمة العادلة.

كما لا يوفر ضمانات كافية للدفاع وللمتهمين في تحضير دفاعهم نظرا للوقت المحدود الذي يخصص لهم وخاصة فيما يخص الاطلاع على ملف القضية ومناقشة المتهمين والشهود، وكذلك عدم النظر في التجاوزات الحاصلة ضد المتهمين، كما تتعمد المحاكم إبعاد المحاكم عن أسر المتهمين ومحامييهم إلى أماكن بعيدة جدا عن مقر سكناهم.[78]

و القضاء العسكري في الجزائر يخضع للأمر رقم 71/28 المؤرخ في 26 صفر 1391 الموافق لـ 22 أبريل 1971، والملاحظ أنه لم يخضع لأي تحيين حيث تنص المادة الأولى منه على أن المحاكم العسكرية تمارس مهامها تحت رقابة المجلس الأعلى سابقا والمحكمة العليا حاليا.

كما يشمل حكمها العسكريين والمدنيين الموجودين على ظهر سفينة أو طائرة عسكرية وأعطي لهؤلاء المدنيين إسم “الشخص المتنقل”، ولا يتميز تشكيل المحاكم العسكرية بالاستمرارية الزمنية المعتبرة بل أن مدة تعيين القضاة هي سنة واحدة بموجب قرار مشترك من وزيري العدل والدفاع.[79]

أما مهمة الدفاع فإنه يتولاها محامون مقيدون في قائمة معدة سلفا وقد يتولاها عسكري يكون مقبولا من لدن السلطة العسكرية، وقد لا يقبل المحامي الذي اختاره المتهم سواء أثناء التحقيق أو الجلسة ما لم يسمح له بذلك من رئيس المحكمة العسكرية الدائمة وقد يعين له الرئيس مدافعا عنه، وقد يحاكم أمام المحاكم العسكرية أي شريك مهما كانت صفته حتى لو كان مدنيا.[80]

لكن البعض رأى في هذا القانون الذي يعطي للضباط العسكريين صفة القضاة لا يؤثر في كون القضاء العسكري هو نوع خاص من أنواع القضاء الطبيعي طالما تبقى طبيعة الجرائم والمتهمين تتوافق مع الغاية من إصدار هذا القانون وفقا لضوابط موضوعية مقررة سلفا.[81]

و من المحاكم ذات الاختصاص الخاص محاكم الأحداث، فقضاء الأحداث جزء لا يتجزأ من عملية التنمية الوطنية.[82]

أما الحدث فهو كل طفل أو شخص صغير السن يجوز بموجب النظم القانونية مساءلته عن جرم ارتكبه بطريقة تختلف عن مساءلة الشخص البالغ، فيما اشترط بأن تبذل كل دولة ما في وسعها بوضع مجموعة من القوانين تطبق على الأحداث وعلى الهيئات القضائية التي يقاضى أمامها الحدث لتلبية حاجاته وحماية حقوقه في نفس الوقت، وكذلك لتلبية حاجات المجتمع.[83]

ومن الضروري أن يحاكم الحدث أمام محكمة مختصة مع مراعاة مبادئ المحاكمة المنصفة والعادلة، على أن يكون الاهتمام في المقام الأول بأن توفر إجراءات المحاكمة المصلحة القصوى للحدث وأن تتم في جو يتيح له التعبير عن نفسه ويشارك فيها بكل حرية.[84]

و من بين الأشياء التي ينبغي مراعاتها عند محاكمة الحدث بحسب المحكمة العليا هو سن الرشد الجزائي والذي يحدد بيوم ارتكاب الجريمة، حيث اعتبرت في قضية رفعت أمامها أن المتهم عند ارتكاب جنحة الضرب والجرح العمدي باستعمال السلاح الأبيض لم يبلغ سن الرشد الجزائي وهو 18 سنة ما يحتم أن يقاضى أمام قسم الأحداث بمجلس قضاء قسنطينة وليس بمحكمة الجنح الخاصة بالراشدين وهو ما يمثل خرقا لنصي المادتين 443، 451 من ق إ ج،[85] لكن ألا يعتبر إقرار سن 18 كسن رشد جزائي بمثابة تثبيت تهمة جزائية على شخص يعتبر حسب القانون الجزائري لا يزال طفلا لأن القانون المدني يعتبر الشخص الراشد هو كل من بلغ 19 سنة كاملة بموجب المادة 40 منه، وأن المادة 1 من اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها الجزائر بتاريخ 16/04/1993 تعتبر أن كل من لم يجاوز 18 سنة بمثابة طفل- تمت الإشارة سابقا إلى هذا الأمر- وهو ما يستدعي إعادة النظر فيه.

و تبرز حماية الحدث من خلال تشكيل المحكمة التي يحاكم أمامها بحسب المجلس الأعلى سابقا حيث أن القرار المطعون فيه والذي تم نقضه قد خالف نصي المادتين 472، 473 ق إ ج حيث يتوجب أن يترأس القاضي جلسة المحاكمة بمساعدة مساعدين اثنين واستئناف أحكام هذه المحكمة يكون أمام غرفة الأحداث بالمجلس.[86]

 ومن إجراءات حماية الحدث مراعاة ظروفه وعدم إصدار أية عقوبة مهما كانت على الحدث الذي لم يجاوز 13 سنة بل يتخذ في حقه فقط تدابير تربوية وحمائية، أما صدور عقوبة توبيخ المتهم الحدث فهو خرق للمادة 49/1 ق ع. [87]

كما يعفى المتهم القاصر من المصاريف القضائية بحسب نص المادة 492 ق إ ج.[88]

لكن هناك نوع آخر من المحاكم والذي يأتي في ظل الظروف الاستثنائية، وهي المحاكم الاستثنائية ذات الاختصاص الاستثنائي والتي تختص بنظر جرائم معينة بذاتها أو تنشأ لمحاكمة فئة خاصة من المتهمين وهذا هو وجه التشابه مع المحاكم ذات الاختصاص الخاص.

أما وجه الاختلاف الأول فهو الظرفية التي تأتي بالمحاكم ذات الاختصاص الاستثنائي بحيث تتميز بأنها مؤقتة تتعلق بظروف بذاتها، ووجه الاختلاف الثاني أنها لا تنشأ عن طريق التشريع كما هو الشأن في المحاكم العادية محاكم القانون العام ولا تخضع لإجراءات المحاكمة العادية المقررة في هذه الأخيرة، كما أنها تتشكل في العادة من أشخاص غير القضاة، مثل المحاكم التي أنشأتها حكومة فيشي سنة 1944 في فرنسا، وكثير من المحاكم المماثلة التي أنشئت في مصر كمحكمة الغدر بالقانون رقم 344 لسنة 1952 ومحكمة الثورة 16 سبتمبر 1953.

و كل محكمة أنشئت بمناسبة حالة الطوارئ أو الحصار السابق ذكرها تعد بمثابة محكمة ذات اختصاص استثنائي.[89]

و قد جاء في المادة 10 من المرسوم الرئاسي رقم 92/44 ما يلي:” يمكن تبليغ المحاكم العسكرية بالجرائم والجنح الجسيمة المرتكبة ضد أمن الدولة مهما كانت صفة المحرضين على ارتكابها أو فاعليها أو الشركاء فيها”، ومما جاء في المادة 11 من ذات المرسوم ما نصه:” إن التدابير والتقييدات المنصوص عليها في هذا المرسوم ترفع بمجرد إنهاء حالة الطوارئ باستثناء المتابعات القضائية، دون المساس بأحكام المادة 8 أعلاه”.

و يتضح جليا أنه يمكن أن يحاكم الشخص المدني أمام المحاكم العسكرية المنشأة بموجب قانون الطوارئ، وحتى لو رفعت حالة الطوارئ فإن المتهم يبقى متابعا طالما نشأت المتابعة في ظل هذه الحالة.

و نفس الأمر ورد في المرسوم الرئاسي رقم 91/196 المتضمن إقرار حالة الحصار بنفس الشكل والكيفية تقريبا بموجب المادتين 11، 12، كما استحدث المرسوم رقم 92/03 المتعلق بمكافحة التخريب والإرهاب ثلاث جهات قضائية اصطلح على تسميتها بـ” مجالس قضائية خاصة” بموجب المادة 11 منه.

و جاء في قرار للمحكمة العليا أن محكمة الجنايات بمجلس قضاء الشلف تخلت عن القضية لفائدة المحكمة الخاصة بوهران والمنشأة بموجب المرسوم التشريعي رقم 92/03 الصادر بتاريخ 30/09/1992 الذي يتضمن محاربة الإرهاب، والذي يشدد من العقوبات  المتابع  بها الطاعن ك ب بتهمة إحراق سيارة تابعة لمصالح الشرطة وبجمع أموال لفائدة جمعية سياسية، وهو تخل واضح من القاضي الطبيعي لصالح القاضي غير الطبيعي المتمثل في محكمة وهران لكن المحكمة العليا رفضت ذلك على أساس عدم تطبيق القانون بأثر رجعي علما أن الوقائع المنسوبة للمتهم وقعت بتاريخ 26/04/1992.[90]

 لكن السؤال المطروح هو في حال وقعت هذه الجرائم أو غيرها بعد تاريخ صدور المرسوم فالأكيد أن المحاكم الجنائية العادية والتي تمثل القضاء العادي مجبرة على التخلي بقوة القانون عن القضايا لمصلحة المحاكم الخاصة المنشأة بموجب قانون استثنائي، لكن لماذا لم يعد المشرع الجزائري إلى تقوية قانون العقوبات بعقوبات أشد عن هذه الأفعال الطارئة والتي لم يكن يتوقعها المشرع عند إصداره لقانون العقوبات حتى تبقى المحاكم العادية هي المختصة بالفصل فيها ولا تنشأ أية محكمة خاصة أو استثنائية!

و البعض عرف المحاكم ذات الاختصاص الاستثنائي بالنظر إلى هدفها حيث اعتبر أنها لم تأت إلا لتسلب ولاية القضاء العادي وذلك بتطبيقها لقوانين استثنائية، حتى أن هذا الجانب من الفقه تعذر عليه تعريفها بسبب عدم وجود معايير واضحة تميزها عن غيرها من المحاكم العادية،[91] واعتبر البعض الآخر أن سبب اللجوء إلى المحاكم الاستثنائية هو للإفلات من القضاء العادل للقضاة المستقلين.[92]

و قد تصدت محكمة النقض الفرنسية لكل تعد من السلطة التنفيذية، وامتلاكها لصلاحيات واسعة بسبب الظروف الاستثنائية والتي عادة ما لا تمنح لها في الظروف العادية، بخلاف مجلس الدولة الفرنسي مبتكر نظرية الظروف الاستثنائية الضرورة والذي حاول التوفيق بين متطلبات الواقع والمتمثلة في حفظ الأمن والنظام العام من جهة، والمشروعية وما يترتب عليها من حقوق وحريات للأفراد من جهة أخرى.[93]

فمثلا محكمة الثورة المصرية جاءت في ظل ظروف استثنائية وهي قيام ثورة يوليو 1952، حيث تعتبر كل الإجراءات المتخذة فيها غير عادية سواء تعلق الأمر بالاتهام أو التحقيق أو المحاكمة، ولا تتقيد بقاعدة شرعية الجرائم والعقوبات عند نظرها في القضايا الجنائية.[94]

المطلب الثاني: ضمانات المتقاضي في قضاء عادل ونزيه

لا تكتمل أركان العدالة بصفة عامة والعدالة الجنائية بصفة خاصة طالما أن الشخص المتقاضي لا يمكنه الوثوق في القضاء، خصوصا إذا كان هذا الأخير لا يضمن عدالة التقاضي ونزاهته.

فأركان وأسس القضاء العادل والنزيه ترتبط بشكل وثيق بمكونات الجهاز القضائي، ونقصد هنا المكون الرئيس فيه والذي من دونه لا يمكن البت في أية دعوى مقامة ألا وهو القاضي، حيث ثبت من خلال التجارب الإنسانية العديدة أنه بدون قاض نزيه لا يمكن التطلع صوب عدالة العدالة الجنائية حتى لو تم توفير كل متطلباتها الأخرى، لذا كان لا بد من التركيز في أثناء هذه الدراسة على:

طريقة اختيار القضاة الفرع الأول

تخصص القضاة الفرع الثاني

الضمان المالي للقضاة الفرع الثالث

الحصانة من العزل الفرع الرابع

حيدة القضاة الفرع الخامس

الفرع الأول: اختيار القضاة

اختلفت طريقة اختيار القضاة من نظام لآخر، فقد كان ينظر إلى القضاة في فرنسا على سبيل المثال على أنهم طبقة تتمتع بالاحترام البالغ حيث تقتصر المناصب القضائية على أصحاب الثروة الذين يدفعون مبالغ كبيرة لشراء هذه المناصب ضمانا لاستقلال القضاء في مواجهة الملك، وهو ما يتعارض مع مبدأ استقلال القضاء.[95]

و لأجل توفير أكبر ضمان لاستقلال القضاء لجأت بعض الدول إلى نظام الانتخاب، فيما لجأت دول أخرى إلى نظام التعيين.

فإذا رجعنا إلى نظام الانتخاب فإن أصله التاريخي يعود إلى فرنسا بصدور قانون انتخاب القضاة لسنة 1790، الذي وضح كيفية انتخاب القضاة وقصرها على مدة لا تتجاوز 6 سنوات، ليمتد هذا النظام إلى عدد آخر من الدول كالدولة العثمانية وبعض مقاطعات سويسرا، إضافة إلى بعض الولايات الأمريكية، كما شمل جل الدول الاشتراكية سابقا.[96]

و من إيجابيات هذه الطريقة هي كفالة استقلال القضاء في مواجهة السلطة التنفيذية، وهي مدعاة لاهتمام الشعب بالقضاء وزيادة صلته به، لكن ما يعاب عليها هي سوء اختيار القضاة وضعف مستواهم حيث يخضع القاضي في أغلب الأحوال لانتمائه الحزبي ولا ينتخب بواسطة الشعب لأجل كفاءته فقط بل لميوله السياسية، كما يعاب على هذا النظام تحديده لمدة تولية القاضي القضاء ما يؤدي إلى ضعف خبرة من يتولون القضاء، ضف إلى ذلك أن معظم الناخبين يفتقدون الوسيلة الفنية التي تمكنهم من حسن الاختيار وترجيح الأكفاء، كما ينخدع الناخب بالدعاية السياسية المرافقة للانتخابات، وهو ما لا يتفق مع المعنى الحقيقي لاستقلال القضاء،[97] حيث أن الكثير من القضاة الأكفاء في الولايات المتحدة الأمريكية لم ينجحوا في الانتخابات بسبب إصدارهم أحكاما قاسية،[98] وقد اعتبرت اللجنة الرابعة للمؤتمر الدولي لرجال القانون المنعقد في نيودلهي عام 1959، أن النظام الانتخابي يمثل خطرا على استقلال القضاء ما لم تحدد قائمة المترشحين بعيدا عن السياسية.[99]

و يعتبر نظام التعيين بواسطة السلطة التنفيذية النظام الغالب في العالم، لأن القضاء في نهاية الأمر يعتبر مرفقا عاما من مرافق الدولة الحديثة يضطلع بأداء خدمة عامة بحسب جانب من الفقه فرئيس الدولة حينما يعين القضاة يعتبر شيئا عاديا ما دام أنهم موظفون عموميون كغيرهم من موظفي الدولة، والتعيين  بحسب أنصار هذا الرأي يعتبر من أكثر الطرق موافقة لمفهوم السيادة الحديث لأن التعيين يوفر الاستقرار والدوام للوظيفة القضائية، وهو ما يمكن من حسن تطبيق القانون لتراكم الخبرة المكتسبة بسبب هذا الاستقرار.[100]

و قد اتخذت طريقة تعيين القضاة أشكالا متعددة تبعا لاختلاف الأنظمة، كما أن التعيين لم يقتصر على السلطة التنفيذية لوحدها.[101]

وتبقى طريقة تعيين القضاة في فرنسا محل انتقاد لأن الطبقة السياسية لم تتغير والتوجه السياسي حاضر في التعيين وهذا ما يطرح مشكل الخبرة القضائية والاستقرار في المنصب.[102]

و قد اعتبر مؤتمر رجال القانون المنعقد في نيودلهي عام 1959 أن اقتصار التعيين على إحدى السلطات دون غيرها فيه من المخاطر ما قد يؤثر على استقلال القضاء، فقد أثبتت التجربة في البلدان التي كان قضاؤها مستقلا وجود تعاون بين السلطة القضائية والسلطة التي تقوم بالتعيين.[103]

فمهما كانت طريقة التعيين فإنه ينبغي أن تتم على أفراد من ذوي الكفاءة والنزاهة والتدريب العالي، وأن يتضمن التعيين توفير ضمانات للمنصب والقاضي في آن واحد.[104]

 فيما نص الدستور الجزائري المعدل يالقانون رقم 16/01 في المادة 92/8 على أن رئيس الجمهورية هو من يعين القضاة كما يعين في جميع الوظائف والمناصب العليا، كما يعين الرئيس الأول للمحكمة العليا بموجب المادة الدستورية 92/4 ورئيس مجلس الدولة بموجب المادة 92/5، وتعيين القضاة بهذا الشكل على افتراض أنه تم بناء على قائمة معدة مسبقا من قبل وزارة العدل قدمت إلى رئيس الجمهورية، أو حتى  وإن تم التعيين بالتشاور مع المجلس الأعلى للقضاء والذي يترأسه رئيس الجمهورية بالمناسبة بموجب المادة 173  من الدستور المعدل في 2016، فإن هناك نوع من التناقض الظاهر، ففي حين تنص المادة 92/4، 5، 8  من الدستور على أن من اختصاصات رئيس الجمهورية تعيين القضاة، نجد المادة 174 من الدستور تنص على أن المجلس الأعلى للقضاء ووفقا للقانون يقرر تعيين القضاة ونقلهم وسير سلمهم الوظيفي، ومهما يكن فإنه من الواضح أن للسلطة التنفيذية اليد الطولى في تعيين القضاة والتحكم في مسارهم المهني.

وهو ما جاء في القانون العضوي رقم 04/12 والمتعلق بتشكيل المجلس الأعلى للقضاء وعمله وصلاحياته،[105] حيث نصت المادة 18/1 منه على اختصاص المجلس الأعلى للقضاء بدراسة ملفات المترشحين للتعيين في سلك القضاء والتداول بشأنها، كما تنص المادة 19 من نفس القانون على سلطة المجلس في نقل القضاة سواء كان النقل بناء على اقتراح أو بناء على طلب من المعني ذاته.

لكن المحير في المجلس الأعلى للقضاء هو في تركيبته حيث وبموجب المادة 3 من القانون السابق فإنه يضم إضافة إلى رئيسه وهو رئيس الجمهورية من وزير العدل كنائب ومن الرئيس الأول للمحكمة العليا والنائب العام لدى المحكمة العليا بالإضافة إلى انتخاب 10 قضاة من قبل زملائهم، إلى هنا الأمر مقبول بالرغم من اعتراض الباحث على رئاسة رئيس الجمهورية للمجلس ووزير العدل.

و كذلك ما ورد في الفقرة 5 من نفس المادة وهو عضوية 6 شخصيات يختارهم رئيس الجمهورية بحكم كفاءتهم خارج سلك القضاء، وهو ما يعني أن عدد أعضاء المجلس الأعلى للقضاء هو 20 عضوا بمن فيهم الرئيس، ولكن 8 أعضاء ليسوا من سلك القضاء بمن فيهم رئيس الجمهورية ووزير العدل، فهل حقا مجلس بهذا التشكيل هو الآمر الناهي في السلطة القضائية الجزائرية، وهو من يعين وينقل ويسهر على حسن سير القضاء؟

و هل يا ترى طبيعته قضائية بحتة أم لا ؟

أما في الولايات المتحدة الأمريكية فإن 9 أعضاء من المحكمة العليا الأمريكية ينتخبون بانتخابات سياسية أما الرئيس فيقترح من مجلس الشيوخ ولا تهم مطلقا الخبرة القضائية بقدر ما يهم التوزيع الجغرافي بالنسبة لأعضائه والديانة والعرق ويبقى القاضي في منصبه مدى الحياة، أما في فرنسا فإن المحكمة العليا فيها 9 قضاة يمارسون مهامهم لـ 9 سنوات غير قابلة للتجديد وتجدد نصفيا كل 3 سنوات والاستقرار في فرنسا أفضل منه في أمريكا.

وفي فرنسا 3 قضاة يعينهم رئيس الجمهورية و3 آخرون يعينهم رئيس المجلس الوطني، أما الثلاثة الباقية فيعينهم رئيس مجلس الشيوخ.[106]

و قد حذر مؤتمر رجال القانون لعام 1959 من اقتصار التعيين على سلطة واحدة وهي السلطة التنفيذية.

و بشأن التعيين دائما نصت المبادئ التوجيهية بشأن دور أعضاء النيابة العامة والتي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المعقد في هافانا من 27 أوت إلى 7 سبتمبر 1990، وبموجب المبدأ 1 على أن:” يتعين أن يكون الأشخاص الذين يختارون لشغل وظائف النيابة العامة ذوي نزاهة ومقدرة وحاصلين على تدريب ومؤهلات ملائمة”، كما ينص المبدأ2 على واجبات الدول تجاه من سيوظف في هذا المنصب حيث جاء في الفقرة أ:” 2- تكفل الدول ما يلي: أ- تضمن معايير اختيار أعضاء النيابة العامة ضمانات تحول دون تعيينهم على أساس التحيز أو المحاباة، بحيث تستبعد أي تمييز ضد الأشخاص . ولا يستثنى من ذلك سوى أن اقتضاء كون المترشح لتولي منصب عضو النيابة العامة من رعايا البلد المعني لا يعتبر تمييزا”.

الفرع الثاني: التخصص

تخصص القاضي ضمان أساسي لاستقلال القضاء فكما يقتضي استقلال القضاء وبعده عن تدخل السلطتين التنفيذية والتشريعية في أعماله، فإنه يجب أن يكون غير خاضع في أداء مهامه لغير القانون، وهو ما يحقق للقضاء المعنى الإيجابي لاستقلاله، لكن خضوع القضاء ومن ورائه القاضي لحكم القانون يتطلب تكوينا مهنيا يوفر الكفاءة المهنية اللازمة للقاضي.[107]

الأمر الذي دفع إلى إنشاء المدرسة العليا للقضاء في الجزائر لأجل إعطاء دفع لتكوين متخصص للقضاة الجزائريين، والتي كانت تسمى سابقا بالمعهد الوطني للقضاء بموجب نص المادة 35 من القانون الأساسي للقضاء.[108]

أما الالتحاق بالمدرسة فيكون بعد اجتياز مسابقة وطنية تنظمها المدرسة بحسب نص المادة 36 من القانون 04/11 المتضمن القانون الأساسي للقضاء، وقد حدد المرسوم التنفيذي رقم 05/303 المتضمن تنظيم المدرسة العليا للقضاء المحدد لكيفيات سيرها وشروط الالتحاق بها ونظام الدراسة فيها وحقوق الطلبة القضاة وواجباتهم،[109] حيث نصت المادة 32 منه على أن مدة تكوين الطلبة القضاة هي 3 سنوات.

وتنص المادة 36 من ذات المرسوم على مساهمة المدرسة في توفير تكوين مستمر متخصص للقضاة العاملين، بناء على طلب من وزير العدل، هذا الأخير هو من يحدد التخصصات الواجب التكوين فيها وعدد القضاة المعنيين ومدة وشكل البرنامج، كما يستطيع كل قاض بناء على طلبه بموجب المادة 37 من نفس المرسوم الاستفادة من متابعة تكوين مستمر لمدة 5 أيام.

و في ختام دورات التكوين المستمر المتخصص تجرى اختبارات كتابية وشفوية وأبحاث، وفي حال نجاح القاضي فإنه يحصل على شهادة من المدرسة بحسب المادة 38 من نفس المرسوم.

و تشترط المادة 43 من القانون 04/11 ضرورة اخضاع جميع القضاة العاملين للتكوين المستمر، ويدخل في تقييم القاضي وتنقيطه وترقيته كل ما بذله من جهد في دورات التكوين المستمر بحسب المادة 44، وقد يمنح القاضي إذن خاص من وزير العدل للحصول على إجازة دراسية مدفوعة الأجر لمدة عام قابل للتجديد للبحث في أي موضوع له علاقة بالعمل القضائي بموجب المادة 45 من ذات القانون، كما تنص المادة 13 من القانون نفسه على ضرورة أن يحسن القاضي من معارفه العلمية والمشاركة في أي برنامج تكويني بكل جد وفاعلية كما يطلب من القاضي المساهمة في تكوين القضاة.

و تكوين القضاة يمر بثلاثة مراحل، حيث يعتبر التكوين الذي يتلقاه في كلية الحقوق بمثابة التكوين الأساسي والقاعدي، ليليه التكوين المتخصص في معاهد ومدارس القضاة، والذي يجب أن يتبعه القاضي بالتكوين المستمر الذي يتم من خلال الاطلاع الدائم والدورات التدريبية، مع ضرورة إلمامه بشتى العلوم القريبة إلى مهنته من طب شرعي وعقلي وعلم الإجرام وكذلك الإلمام بالعلوم التطبيقية، وهو ما يوفر للقاضي القدرة على فهم القانون ومن ثم الحكم به على الواقعة محل النزاع بعد أن تتوفر له القدرة على الاستنباط السليم،[110] وهو ما يعرف بمبدأ تخصص القاضي،[111] والذي يقصد به قصر العمل القضائي على فئات معينة مؤهلة تأهيلا قانونيا خاصا، ولها من التجربة والخصائص ما يضمن لها أداء مهمة القضاء بكفاءة كبيرة.[112]

والتخصص المقصود من البحث هو تخصص القاضي الجنائي، وهو إعداد القاضي الجنائي بشكل يجعل منه مؤهلا لنظر القضايا الجنائية، وقد أشار الكثير من الفقهاء إلى ضرورة الممارسة القضائية وقدرتها على صقل قدرات القاضي والارتقاء به إلى التأهيل المنشود.[113]

لكن الخبرة المكتسبة في أروقة المحاكم لن تغني عن ضرورة تخصص القاضي الجنائي، وذلك بتوفير تكوين جنائي خاص أو حتى إنشاء معاهد جنائية خاصة، بشرط أن يقتصر عمل القاضي بعد التخرج على نظر المنازعات الجنائية دون غيرها مما يتطلب عدم انتدابه أو نقله لنظر منازعات أخرى، حيث يصر بعض الفقهاء على ضرورة إبطال نقل القضاة من اختصاص قضائي إلى آخر سواء كان ذلك لأسباب إدارية أو مهنية أو تبعا لرغبات القضاة، ولهذا فتخصص القاضي الجنائي يتطلب أمرين هامين، أولهما: تكوين وتأهيل علمي متخصص للقاضي، وثانيهما: فصل القاضي في القضايا الجنائية دون غيرها.[114]

و يكتسي تخصص القاضي الجنائي أهمية كبرى سواء بالنسبة للمتهم أو بالنسبة للمجتمع، فالمزايا التي يحققها التخصص بالنسبة للمتهم أنه يشكل فرصة ثمينة لتطوير السياسة الجنائية، ففي خلال المرحلة الأولى للمذاهب الكلاسيكية كان القاضي لا يراعي شخص المتهم ولا الظروف المصاحبة لكل واحد منهم عند قيامه بفعلته، لكن نتيجة لتطور السياسة الجنائية أصبحت شخصية المتهم محل اعتبار ولم يعد ينظر إلى الفعل الإجرامي بعيدا عن الفاعل، فأصبح القاضي مهتما بدراسة أسباب اقتراف المتهم لجرمه إن كانت نفسية تتصل بشخصه أو اجتماعية تتصل بالبيئة الخارجية وكل الظروف والملابسات التي أحاطت بالجريمة، والأكيد أنه بمراعاة القاضي لهذه الأسباب والعوامل سيؤثر ذلك حتما على العقوبة مستقبلا، مما يجعل الحكم القضائي متسقا مع العدالة وتكون وظيفة العقوبة هي الردع والتقويم في آن واحد.[115]

كما يؤدي التخصص إلى سرعة الفصل في القضايا الجنائية فالقاضي المتخصص أسرع من غيره في الفصل في المسائل الجنائية، ففي دراسة مقارنة جرت في العراق بين قاضي الأحداث في محكمة الأحداث باعتباره قاضي متخصص بموجب القانون وبين غيره من القضاة غير المتخصصين في القضاء الجنائي ممن يمارسون عملهم في محكمة جنائية، لوحظ أن محكمة الأحداث حسمت في القضايا المعروضة عليها بما يزيد عن 29% من عدد القضايا التي حسمتها المحكمة الجنائية الأخرى، وسرعة الفصل في القضايا الجنائية تنعكس بدورها على الامتياز الاقتصادي للتخصص، حيث يساهم في اقتصاد النفقات التي تتحملها الدولة في محاولة منها لإصلاح المجرمين وتوقي شرورهم، وذلك لحرص القاضي الجنائي المتخصص على عدم زج أشخاص في السجن لا مصلحة للمجتمع بسجنهم ولا مصلحة لهؤلاء في دخول السجن، لأن القاضي المتخصص هو الأقدر على فهم المجتمع فهما صحيحا وبالتالي تكون أحكامه منسجمة مع ظروف الجاني والجريمة.[116]

و من نتائج التخصص كذلك هو إكساب القضاة خبرة وتوحيد الاجتهاد والعمل القضائي ما من شأنه أن يؤدي إلى وحدة التفسير القضائي للنصوص، حتى يصل الأمر إلى وجود أحكام متسقة والقانون وغير متناقضة معه، كي لا يؤثر بالسلب على سير العدالة بشكل جيد.[117]

و قد نص المشرع الفرنسي على مبدأ التخصص في المادة 8/2 من قانون السلطة القضائية الصادر بالمرسوم 1281 في 22 ديسمبر 1958:” وجوب اختيار القضاة الذين يجلسون في هيئات تفصل في قضايا ذات طابع اجتماعي من ذوي المؤهلات الخاصة والاستعداد الذاتي، على أن يظل القاضي في نطاق تخصصه لا يقضي إلا فيما تخصص فيه طوال مدة خدمته ولا يتسنى له الجلوس في دوائر أخرى إلا عند اللزوم، كما أنه لا يسمح لأحد أن يشغل مكانه إلا إذا اقتضى الحال ذلك”.[118]

و بالرغم من ذلك فقد جاء في دراسة للجمعية الوطنية الفرنسية لقضاة تطبيق العقوبات أنا ما يفوق 56% منهم غير مؤهلين.[119]

و مبدأ التخصص لا نجد له أثرا في القانون الأساسي للقضاء في الجزائر ولا في غيره من القوانين الأخرى ذات الصلة.

وقد نصت على التخصص العديد من المؤتمرات الدولية، مثل المؤتمر الدولي الثالث لقانون العقوبات 3-8 يناير 1933، والمؤتمر الدولي الثامن لقانون العقوبات 1961،[120]  كما أكد مؤتمر رجال القانون المنعقد بلاجوس عام 1962 أن منح الاختصاص القضائي لأشخاص محرومين من التكوين والخبرة لا يوفر الضمانات التي ينص عليها مبدأ سيادة القانون، ونفس الشيء جاء في إعلان استقلال القضاء في مونتريال سنة 1983، وفي المبدأ 10 من المبادئ الأساسية لاستقلال السلطة القضائية الصادر عام 1985،[121] كما نصت الفقرة 9 من الديباجة على الاهتمام بتكوين وتدريب القضاة وسلوكهم وهو ما سيعود بالفائدة على عدالة القضاء.

و أيضا نصت المادة 2/ب من المبادئ التوجيهية بشأن دور أعضاء النيابة العامة على ضرورة أن توفر الدولة تكوينا متخصصا لأعضاء النيابة العامة يكون هدفه حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

و الملاحظ أن الدستور الجزائري لم ينص على مبدأ التخصص مطلقا لا بشكل مباشر ولا بشكل غير مباشر.

و التخصص أيضا مطلوب وبشدة أثناء التعامل مع الضحايا، فهو غير مقتصر على القضاة فقط بل ينسحب أيضا على كل من له علاقة بالقضاء  من أعضاء الضبط القضائي، وموظفي الصحة وغيرهم، حتى يلبوا كامل احتياجات الضحية، وهو ما جاء في إعلان مبادئ العدل الأساسية المتعلقة بضحايا الإجرام والتعسف في استعمال السلطة 9 نوفمبر 1985، حيث نص المبدأ 16 على أنه :” ينبغي أن يتلقى موظفو الشرطة والقضاء والصحة والخدمة الاجتماعية وغيرهم من الموظفين المعنيين تدريبا لتوعيتهم باحتياجات الضحايا ومبادئ توجيهية لضمان تقديم المعونة المناسبة والفورية”، كما ينبغي على الدولة توفير تكوين تخصصي للمحامين.[122]

الفرع الثالث: الضمان المالي للقاضي

يرتبط النظام المالي والإداري ارتباطا وثيقا بالنسبة للقاضي حيث ينبغي أن يوفر للقاضي مرتبا ماليا مجزيا صونا لشخصه ولعمله من أية مغريات أخرى، ولا ينبغي أن يكون هذا المرتب محل مساومة، لهذا وجب أن يكون هناك تأمين لمعيشة القاضي حتى يكون مستقلا في أداء عمله ولا يتأتى ذلك إلا بوضع قواعد توفر للقضاة وضعا إداريا وماليا يقوي استقلالهم.[123]

ففي الجانب المالي والكفاية المالية للقضاة نجد أن بريطانيا أحسن مثال على ذلك، حيث تدفع رواتب مجزية – صدر قانون عام 1701 ونص على ضرورة تثبيت واستقرار رواتب القضاة- حيث تأتي رواتب القضاة في الميزانية العامة للدولة تحت بند المصاريف الثابتة، وتكون بعيدة عن نقاشات البرلمان، والرواتب لا يعتريها نقص بل يمكن أن تزيد بقرار من قاضي القضاة بعد أخذ موافقة وزير الخدمة المدنية.

و مما يزيد في استقلال القضاء الانجليزي أن القاضي الانجليزي يشغل درجة واحدة ولا توجد ترقية حتى يبعد القاضي عن كل المغريات التي يمكن أن تتحكم في مستقبله القضائي.[124]

و في الجزائر نص القانون 04/11 المتضمن القانون الأساسي للقضاء في المادة 27 منه على ضرورة منح أجرة ملائمة للقاضي تسمح له بأداء مهامه بشكل مستقل وتغنيه عن أي إغراء من أية جهة كانت، وفي هذا الخصوص صدر المرسوم الرئاسي رقم 08/311 الذي يحدد كيفيات سير مهنة القضاة وكيفية منح مرتباتهم،[125] حيث يعتبر بمثابة القانون الأساسي أو المرجع الأساسي في أجور القضاة، لكن يبقى غير كاف خصوصا لو أمعنا النظر فقط في الجدول ب والذي يخصص للتعويض الشهري عن المسؤولية، فمثلا يأخذ الرئيس الأول للمحكمة العليا مبلغ 50.000 دج كتعويض عن المنصب، ونفس الشيء بالنسبة للنائب العام لدى المحكمة العليا، في حين أن أدنى أجر يأخذه عن المنصب كل من قاضي التحقيق وقاضي الأحداث يساوي 14.000 دج رغم المسؤولية الكبيرة التي تلاحقهما.

بالإضافة إلى إقرار المشرع الجزائري بموجب المرسوم التنفيذي رقم 05/412، الذي يحدد قيمة المنحة الخاصة التي يستفيد منها أعضاء المجلس الأعلى للقضاء وكيفيات دفعها،[126] فبحسب المادة 2 من هذا المرسوم فإن كل عضو في المجلس الأعلى للقضاء يتقاضى 60.000 دج عن الحضور الفعلي في كل دورة، علما أن المجلس بموجب المادة 12 من القانون 04/12 المتعلق بتشكيل المجلس الأعلى للقضاء وصلاحياته، يجتمع في دورتين عاديتين ويمكن أن يجتمع في دورات استثنائية.

كما تنص المادة 3 من المرسوم 05/412 السابق ذكره، أن الأعضاء المنتخبين في المكتب الدائم يتقاضون تعويضا شهريا نسبته 15% من قيمة المرتب الذي يتقاضونه، إضافة إلى الاستفادة من العلاوات الأخرى التي نصت عليها المادة 2 السابق ذكرها.

وتمتد حماية القضاة إلى ما بعد الخدمة لتشمل التقاعد وكل ما له علاقة به، فبصدور المرسوم التنفيذي رقم 05/267 الذي يحدد شروط وكيفيات نظام تقاعد القضاة،[127] نصت المادة 2 منه على أن يستفيد القضاة من نظام تقاعد مماثل لنظام تقاعد الإطارات السامية.

و قد أقرت الكثير من الاتفاقيات الدولية والإعلانات بضرورة توفير الكفاية المالية للقاضي، كالإعلان العالمي لاستقلال القضاء لسنة 1983، والمبدأ 11 من المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية لسنة 1985، الذي ينص على وجوب حصول القضاة على مرتب ملائم وضمان التقاعد.[128]

و الكفاية المالية وحدها لا تكفي لتأمين استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية أو غيرها، فبحسب المبدأ 7 من المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية ينبغي أن توفر كل دولة ما يكفي من موارد مالية للسلطة القضائية حتى تضمن قيامها بمهامها بشكل فعال بعيدا عن أي ضغط أو تدخل.

و لتحصين القضاء من مخاطر الفساد وجب كفاية القاضي ماليا، فمنع الفساد هو دعامة لاستقلال القضاء، وهو ما جاء في المادة 11 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بتاريخ 31 أكتوبر 2003،[129] أما الدستور الجزائري فلم يحتو على أية إشارة بخصوص توفير الكفاية المالية للقاضي.

فيما نصت المبادئ التوجيهية بشأن دور أعضاء النيابة العامة، بموجب المبدأ 6 على ضرورة حصولهم على أجر كاف طيلة فترة شغل منصبهم وعلى معاش محترم بعد التقاعد.

و ترتبط الكفاية المالية بالترقية لأنه بفضل هذه الأخيرة سيتدرج القاضي في مسؤوليات عدة مما سيحسن من دخله الشهري بشكل كبير، لذا وجب أن تكون هذه الترقية وفقا لقواعد محددة سلفا وألا تخضع لأية مساومة، حيث نص المبدأ 13 بشأن استقلال السلطة القضائية على أن يستند نظام الترقية في حال وجوده إلى عوامل موضوعية كالكفاءة والخبرة والنزاهة، وهوما نص عليه المبدأ 7 من المبادئ التوجيهية بشأن دور أعضاء النيابة العامة مع تركيزه على ضرورة وجود إجراءات منصفة ونزيهة عند البت في الترقية.

الفرع الرابع: الحصانة من العزل

و هو ما يعرف عند بعض الفقه أيضا بعدم القابلية للعزل ويقصد به عدم جواز فصل القاضي من منصبه أو إحالته على التقاعد أو نقله إلى وظيفة أخرى أو إعادة سحب تعيينه من قبل السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية إلا في الأحوال والقيود التي ينص عليها القانون، فالهدف الأساسي من هذا المبدأ هو إبعاد كل ما قد يسبب ترهيب وتهديد القاضي فيخلق في نفسه شعورا بالخوف على منصبه، هذا الخوف والقلق على المنصب قد يؤدي بالقاضي إلى عدم الحكم بالعدل.[130]

و قد نص المبدأ 12 من المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية على ضرورة بقاء القضاة في مناصبهم إلى حين حصولهم على التقاعد أو انتهاء فترة عملهم.

والحصانة المقصودة تتفرع إلى نوعين، حصانة وظيفية تحمي القاضي من عزله عن وظيفته، وحصانة مكانية تحمي القاضي من عزله وتغيير مكانه، حيث لا يتم تغيير مكانه إلا برضائه وإلا كانت وسيلة للسلطة التنفيذية للتنكيل بأي قاض وإرساله إلى منطقة نائية لا تتوفر فيها ظروف العيش التي تعود عليها،[131] كما لا يجوز نقله إلا بعد مرور مدة على وجوده في مركزه حتى تتحقق مصلحة العدالة وفعاليتها، ولا يجوز كذلك نقل القاضي إلى وظيفة أدنى من المركز الذي كان يشغله،[132] والعزل إن حدث فإنه يكون مقيدا بقيدين لا يجوز أن يتخطاهما وهما:

  • أن تتوفر حالة من الحالات التي تستوجب العزل بموجب القانون.
  • أن يتم العزل من قبل جهة قضائية مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية.[133]

لكن مبدأ عدم قابلية القاضي للعزل لا يعني أن القاضي باق في منصبه مهما أخطأ، وإنما هو نوع من الضمان والتأمين لمستقبل القاضي المهني من التلاعب به، وهذا المبدأ لا يغني من إحالة القاضي على المحاكمة التأديبية إن هو ارتكب خطأ يستحق ذلك.[134]

لهذا كان التوجه نحو قيام المسؤولية التأديبية في حق أعضاء السلطة القضائية على أسس حديثة،[135] وهو ما يثير إشكالية عند بعض الفقهاء في مدى اعتبار القاضي المستقل غير مسؤول وأنه لا يتحمل تبعة أخطائه؟ [136]

و قد نص المبدأ 18 من المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية على أن العزل لا يمكن أن يتم إلا إذا كان القاضي غير قادر على مزاولة عمله، أو نتيجة لصدور سلوك منه يجعله غير لائق لأداء مهامه.

و لا يجوز عزل القضاة في انجلترا إلا بناء على تكليف رسمي يصدر من مجلس البرلمان ويعرض على الملكة، ويعزل القاضي بسبب سوء سلوكه الذي يعود إلى تهمة مخلة بالشرف أو الإهمال المستمر والمتواصل لواجباته المهنية، والملاحظ أنه منذ إصدار قانون الاستقرار في عام 1701 والذي نص في مادته 3 على عدم قابلية القضاة للعزل، لم يعزل إلا قاض واحد عام 1830 وهو القاضي الايرلندي “Jonah Barring”، الذي اتهم بالاستيلاء على أموال ترجع للخصوم بطريقة غير شرعية.

وليس كل اتهام جنائي قد يوجه إلى قاض معين في انجلترا سببا في عزله، ففي عام 1975 وجد قاض بالمحكمة العليا يقود سيارته وهو في حالة سكر وبعد الفحص تبين أن نسبة الكحول في الدم أكثر من النسب المسموح بها وتم إدانته أمام القضاء لكنه بقي مستمرا في عمله.[137]

و هو ما دعا بعض الفقه إلى المناداة بأخلقة المسؤولية الجنائية بحق القضاة.[138]

و بالرغم من الضمانات القانونية الكبيرة في النظام القانوني الانجليزي والتي يتوفر عليها القضاة الإنجليز بحيث لم يعزل إلا قاض واحد على مر تلك السنين، إلا أن بعضا من الفقهاء يعتبرون أن ضمانات عدم قابلية القضاة للعزل ضعيفة.[139]

أما العزل في الولايات المتحدة الأمريكية فإنه لا يتم بواسطة السلطة القضائية بل بواسطة السلطة التشريعية بناء على اتهام مجلس النواب القاضي بسوء السلوك ثم احالته على مجلس الشيوخ الذي يصدر قرارا بعزله، وقد أخذت به مجموعة من الولايات الأمريكية ويعرف هذا العزل باسم Impeachment وقد يتم العزل بواسطة السلطة القضائية ممثلة في المحاكم بناء على طلب مقدم من مجلسي النواب والشيوخ معا أو يكفي فقط أن يطلب أحد المجلسين ذلك، وقد أخذت به  ولايات أمريكية أخرى ويعرف هذا العزل باسم Address، وسبب العزل هو سوء السلوك الوظيفي.

كما يمكن عزل القضاة بواسطة الناخبين وليس له أسباب محددة، بل قد يكون مجرد فقد ثقة الناخبين سببا للعزل ولو لم يصدر أي خطأ من القاضي وأخذت به 6 ولايات أمريكية ويعرف باسم Recall.[140]

أما في الجزائر فقد نصت المادة 63 من القانون 04/11 المتضمن القانون الأساسي للقضاء على أنه لا يتم عزل القاضي إلا إذا ارتكب خطأ جسيما، وهي الأخطاء التي حددتها المادة 62 من نفس القانون.

لكن المادة 65 من ذات القانون ينص على حق وزير العدل في إيقاف أي قاض إذا تناهى إلى علمه ارتكابه خطأ جسيما يتعلق بواجبه المهني أو ارتكب جريمة من جرائم القانون العام مخلة بشرف المهنة، وهنا فقط يعلم المجلس الأعلى للقضاء مع إجراء تحقيق أولي مع القاضي، وهما إجراءان لا يقدمان ولا يؤخران شيئا بخصوص تدخل وزير العدل بشكل قانوني في توقيف قاض بمجرد وصول معلومات قد تكون صحيحة وقد تكون غير ذلك، وهو تدخل خطير من السلطة التنفيذية بصورة مقننة، فقد يكيف أي عمل يقوم به قاض ما على أنه إخلال بواجب مهني، أما الأمر الثاني الذي يطرح علامات استفهام هو لماذا لم يقم المجلس الأعلى للقضاء بهذا الإجراء بصفة أصلية ويكون دور وزير العدل هو التنبيه فقط إلى أي خطأ من جانب أي قاض؟

و اللافت للنظر ما ورد في الفقرة 3 من نفس المادة وهو إحالة ملف الدعوى التأديبية إلى المجلس الأعلى للقضاء للفصل فيها، على أن يبت فيها خلال 6 أشهر من تاريخ التوقيف بحسب ما جاء في المادة 66 من القانون 04/11، وإن لم يفصل المجلس خلال هذه المدة يرجع القاضي إلى ممارسة مهامه بقوة القانون، لكن المرجح أن المجلس الأعلى حين الفصل في هذه القضية فإنه لن يعارض قرار وزير العدل القاضي بالتوقيف باعتبار أن وزير العدل هو نائب الرئيس رئيس الجمهورية بموجب المادة 3 من القانون 04/12 المتعلق بتشكيل المجلس الأعلى للقضاء وصلاحياته، ضف إلى ذلك أن أغلب التشكيلة يغلب عليها طابع السلطة التنفيذية.

و إذا عرجنا على الضمان الإداري الذي ينبغي أن يتوفر لكل قاض ليضمن استقلال القضاء والقضاة على حد سواء نجد الكثير من الدول أخذت هذا الأمر على محمل الجد، ففي اليابان نصت المادة 77 من الدستور على اختصاص المحكمة العليا بتنظيم شؤون القضاء.

أما في فرنسا فإنه بموجب القانون الأساسي للقضاء الصادر في 20/02/1967، فقد أعطي للمجلس الأعلى الاختصاص الأكبر في تنظيم شؤون القضاء.[141]

و نفس الشيء في إيطاليا حيث يتولى تنظيم القضاء المجلس الأعلى، وما يزيد من استقلاليته هي طريقة تكوينه حيث أن ثلثي أعضاء المجلس هم قضاة منتخبون أما الثلث الباقي فيتكون من أشخاص ينتخبهم البرلمان، حيث يتولى تعيين القضاة وترقيتهم ونقلهم وإعداد ميزانية السلطة القضائية.[142]

و القاضي في الجزائر بموجب المادة 167 من الدستور المعدل في 2016 مسؤول أمام المجلس الأعلى للقضاء عن كيفية أداء مهمته وفقا للقانون.

و تنص المادة 29 من القانون 04/11 المتعلق بالقانون الأساسي للقضاء على حماية القاضي من أي تهديد أو إهانة أو قذف أثناء مباشرة عمله أو بسببه، وتمتد هذه الحماية لتشمل مرحلة التقاعد، وأي ضرر قد ينجم عن أي اعتداء فالدولة مجبرة على التعويض وتقوم مقام القاضي المعتدى عليه للمطالبة بالتعويض.

فيما تنص المادة 26 من نفس القانون على أن حق استقرار القاضي في مكان عمله مضمون وهو وجه من أوجه عدم القابلية للعزل، حيث قد لا يعزل القاضي لكن يرمى به في مكان ناء مقفر لا يتناسب مع شخصه أو صحته، حيث أن حق الاستقرار مضمون لقاضي الحكم الذي مارس 10 سنوات خدمة فعلية، لكن بحسب الفقرة 2 من المادة 26 فقد يستطيع المجلس الأعلى للقضاء نقل القضاة متى توفرت شروط المصلحة أو حسن سير العدالة، لكن يجوز للقاضي بموجب الفقرة 3 من نفس المادة أن يقدم تظلما خلال شهر من التحاقه بمنصب عمله الجديد على أن يفصل المجلس الأعلى في تظلمه في أقرب دورة له.

و لتحصيل أكبر قدر من الضمانات الإدارية للقاضي فإنه لا يجوز ندب القضاة أو إعارتهم لوظائف أخرى بشكل يتنافى واستقلال القضاء وألا يتم ذلك إلا وفقا للقانون، ولا يجوز أن يكون القاضي تابعا لغيره مهما اختلفت درجات من هم أعلى منه أو اختلفت مستويات المحاكم التي يمارسون فيها عملهم سواء كانوا زملاء لهم أو رؤساء لهم وهو ما جاء في الإعلان العالمي لاستقلال القضاء.[143]

ومن الضمانات الإدارية ما نص عليه المبدأ 20 من المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية، حيث جاء فيها:” وينبغي أن تكون القرارات الصادرة بشأن الاجراءات التأديبية أو إجراءات الإيقاف أو العزل قابلة لإعادة النظر من جانب جهة مستقلة، ولا ينطبق ذلك على القرارات التي تصدرها المحكمة العليا أو السلطة التشريعية بشأن قضايا الاتهام الجنائي وما يماثلها”.

الفرع الخامس: حيدة القضاء

يقصد بحياد القضاء أن يكون القاضي متجردا من جميع الاعتبارات المصلحية أو الدوافع الشخصية عند نظر النزاع المطروح عليه للفصل فيه، وذلك لن يتحقق إلا بإبعاد القاضي عن كل ما يعرضه لخطر التحكم، والقانون وحده هو الذي يمكنه أن يوفر أسباب الحياد اللازم للقاضي.[144]

حيث من اللازم أن يضمن القانون للقاضي كامل الأمن وحماية شخصه من أي ضغط أو مكروه ضمانا لحياده.[145]

و قد نص الدستور الجزائري في المادة 166/1 من التعديل الدستوري رقم 16/01 على أن :” القاضي محمي من كل أشكال الضغوط والتدخلات التي قد تضر بأداء مهمته أو تمس نزاهة حكمه”، أما المادة 7 من القانون 04/11 المتضمن القانون الأساسي للقضاء فقد نصت على الحياد بشكل غير مباشر عند ألزمت القاضي بواجب التحفظ واتقاء كل ما من شأنه أن يمس بحياده واستقلاله وهو ما ذهبت إليه المادة 166/3، فيما نصت المادة 8 من ذات القانون 04/11 على أن القاضي حينما يصدر حكمه فإنه لا يخضع إلا لمبادئ الشرعية والمساواة بما يوافق القانون والمصلحة العليا للمجتمع.

و الحياد لكي يتوفر بالمعنى الملائم يشترط أن يتوافر فيه ضمانتان كبيرتان، الضمانة الأولى وهي الابتعاد عن السياسة أما الضمانة الثانية فهي ضمانة حياد القضاء في الخصومة الجنائية،[146] وتعتبر حيدة القضاء من المبادئ الدستورية العامة حتى ولو لم ينص عليها الدستور صراحة باعتبار أنه يمكن استخلاص الحيدة من مبدأ استقلال القضاء، هذا الأخير الذي يعتبر ضمانا لحماية الحقوق والحريات، فإن لم يوفر هذا الضمان بأن كان القضاء غير مستقل فلا معنى للحياد.

و قد نصت على الحيدة الكثير من المواثيق الدولية، حيث أقر المؤتمر الدولي لرجال القانون لعام 1959 بأن القاضي لا يمكن أن يعمل بصفة محايدة في ظل ظروف تحكمية.[147]

و السلطة القضائية مجبرة على أن تفصل في أية مسألة تعرض عليها بغير تحيز، على أساس الوقائع المطروحة أمامها ووفقا للقانون غير مبالية بأي إغراء أو تهديد.[148]

و المحكمة يمكن أن تغير الوصف القانوني للتهمة بشرط أن تلتزم بما قررته المادة 306 ق إ ج، وأن تتقيد بقرار الإحالة وبما جاء فيه من وقائع لكن الحاصل أن محكمة الجنايات أدانت المتهمين بالظرف المشدد لجريمة الخطف وهو التعذيب البدني بالرغم من أن قرار الإحالة لم يشر إلى ذلك، بل تطرق إلى الضرب والجرح العمدي والذي اعتبرته المحكمة ظرفا مشددا وجعلت منه جريمة مستقلة، وكان على المحكمة إذا أرادت استخلاص الظرف المشدد غير الموجود في قرار الإحالة أن تستمع لطلبات النيابة العامة وتمكن الدفاع من الرد لكنها لم تفعل ذلك بحسب قرار للمحكمة العليا.[149]

و المحكمة لا يهمها إلا إحقاق العدالة فإذا استأنفت النيابة العامة فإنه يجوز للمجلس القضائي أن يقضي بتأييد الحكم أو إلغائه كليا أو جزئيا لصالح المتهم أو لغير صالحه.[150]

و تطبيقا للقانون فإنه يجب على رئيس المحكمة أن يتصدى لطلبات النيابة العامة سواء بالرفض أو بالإيجاب لكن ما جاء في قضية النائب العام ضد ز ع أن الحكم الذي طعنت النيابة فيه لم يتصد لطلبات الأخيرة بانقضاء الدعوى العمومية نظرا لاستفادة المتهم من تدابير قانون الوئام المدني.[151]

ولكي يمارس أي عضو من أعضاء النيابة العامة مهامه بكل حياد وتجرد يجب أن تكفل كل دولة ما يؤمن أعضاء النيابة العامة على أداء مهامهم بدون أي ترهيب أو مضايقة، كما تؤمن حماية بدنية لأعضاء النيابة وأسرهم عند تعرضهم لأي خطر محتمل أثناء تأدية وظائفهم.[152]

و فيما يخص حياد القاضي وابتعاده عن السياسة، فإنه يعني ابتعاده عن ممارسة أي نشاط سياسي أو إبراز اتجاهه وميوله السياسي، ففي بريطانيا لا يسمح للقاضي الانتخاب ولا حتى الدخول في معركة الانتخابات والترشيح لعضوية مجلس العموم، فالقضاة الانجليز يختارون من بين كبار المحامين – مارسوا السياسة قبلا- وبمجرد ولوجهم عالم القضاء ينقطعون عن ممارسة السياسة والنشاط الحزبي، بالرغم من أنه في الماضي القريب كان القاضي إلا جانب وظيفته يشغل وزيرا في الحكومة مثلما حصل مع قاضي الاستئناف “cave” والذي شغل منصبا وزاريا في الحكومة البريطانية عامي 1918 و1919، لكن منع القضاة الانجليز من ممارسة السياسة حاليا لا يعني عدم نقدهم للتشريع وإبداء آرائهم فيه، فلهم الحق في نقد السلطة التنفيذية لكن من غير تحيز لأي طرف كان في نزاع سياسي قائم.[153]

و قد نص المشرع الجزائري في المادة 14 من القانون 04/11 المتعلق بالقانون الأساسي للقضاء على ضرورة ابتعاد القاضي عن أي انتماء إلى حزب سياسي أو ممارسة النشاط السياسي.

و يرى بعض الفقهاء الانجليز صعوبة تخيل أن القاضي الذي عين للفصل في نزاع مطروح عليه وهو يصدر قراره، من الصعب بمكان تخيل مدى قدرته على استبعاد قيمه السياسية والاجتماعية فهو أمر أشبه بالمستحيل وفي نفس الوقت أمر غير محبذ، لأن عنصر العدالة في تطبيق القانون ينبغي أن يتأتى من القيم والمشاعر الشخصية للقاضي، فالقاضي عندما يدخل ميوله السياسية حين إصدار أي قرار لا لشيء سوى خدمة للمصلحة العامة، وقد يتهم بالتحيز أحيانا خاصة إذا فصل في قضايا تتعلق بالاضطرابات والمظاهرات والإرهاب، لكن الفيصل هو ضرورة أن يتبع القاضي القانون ويطبقه مراعيا اتجاه الرأي العام إذا توافق معه، وغير ملزم بمراعاة الرأي العام إذا خالف حكم القانون.[154]

و للقضاة الحرية في التعبير والاعتقاد في تكوين الجمعيات للدفاع عن مصالحهم أو المساهمة في تدريبهم المهني ولهم حق التجمع، لكن يبقى ذلك رهنا بعدم المساس بمهابة منصبهم ونزاهة واستقلال القضاء،[155] ويضاف إلى ما سبق، حقهم في المشاركة في المناقشات العامة للأمور المتصلة بالقانون وإقامة العدل، وتعزيز وحماية حقوق الإنسان، ولهم الحق في تشكيل أو الانضمام للمنظمات المحلية أو الدولية من غير أن يلحقهم أي أذى من السلطة المهنية، لكن يبقى ذلك مرتبطا بمدى تطبيقهم للقانون والآداب المعترف بها في وظيفتهم.[156]

و لا يوجد أي نص يتكلم عن حياد القضاء في الدستور الجزائري بشكل صريح، لكن قد يفهم ضمنيا من خلال إشارة الدستور في تعديل 2016 في المادة 156 إلى استقلال السلطة القضائية على أنه بالضرورة يقصد أيضا حياد القضاء، بل ورد ما يستشف من ذلك بموجب المادة 116/3 من نفس التعديل الدستوري وقد جاء نصها كما يلي:” يجب على القاضي أن يتفادى أي سلوك من شأنه المساس بنزاهته”.

و إذا رجعنا إلى ضمانات حياد القضاء في الخصومة الجنائية وخاصة في جانبها الخاص بالإجراءات الجزائية نظرا لمساسها بالحرية الشخصية، فإنها تتجلى في إمكانية تعارض وظائف القضاء الجنائي من توجيه الاتهام والتحقيق وإصدار الحكم، ولضمان الحياد التام ينبغي استقلال كل جهة عن الأخرى وهو ما يعرف بمبدأ الفصل بين وظائف الاتهام والتحقيق والمحاكمة، وهذا صونا للحريات الشخصية في أثناء قيام إجراءات الخصومة الجنائية والتي لن تصان إذا ترك كل التقدير في جهة واحدة.[157]

وقد صدر قرار من المجلس الدستوري الفرنسي في 02/07/2000 يتكلم عن استقلال الوظائف القضائية عن أية تبعية وبالرغم من أن القرار صدر بخصوص المحاكم البحرية والتجارية إلا أن جانبا من الفقه الفرنسي اعتبره ينسحب على القضاء الجنائي.[158]

كما أن الفصل بين وظيفة الحكم من جهة ووظيفتي الاتهام والتحقيق من جهة أخرى ضمان كبير لحيدة القضاء نظرا للتناقض بين مكونات الجهتين.[159]


الهامش

[1]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 17.

[2]– قضية النيابة العامة ضد ف م، ومن معه ملف رقم 43790 قرار بتاريخ 26/11/1985، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 2/1990، ص 224- 226.

[3]– قضية ب ع ضد ت ل ومن معها ملف رقم 59393 قرار بتاريخ 02/01/1990، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 3/1990، ص 295.

[4]-الفقرة 4 من ديباجة مرفق إعلان فيينا بشأن الجريمة والعدالة الجنائية.

[5]– البند 2، 3 من إعلان فيينا بشأن الجريمة والعدالة الجنائية.

[6]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 17، 18، 19.

[7]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 54.

[8]– البند 2 من إعلان سلفادور بشأن الاستراتيجيات الشاملة لمواجهة التحديات العالمية نظم منع الجريمة والعدالة الجنائية.

[9]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 58، 60.

[10]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع نفسه، ص 61 – 63.

[11]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع نفسه، ص 65.

[12]– الفقرة 10 من ديباجة المرفق، والبند 7 من إعلان المبادئ وبرنامج عمل الأمم المتحدة في مجال منع الجريمة والعدالة الجنائية.

[13]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 83.

[14]– قضية ق ف ضد ب ع النيابة العامة ملف رقم 105717 قرار بتاريخ 05/01/1993، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 1/1994، ص 247-249.

[15]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 85، 86.

[16]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 86.

[17]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع نفسه، ص 171.

[18]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 172-175.

[19]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع نفسه، ص 175.

[20]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع نفسه، ص 179، 180.

[21]– قضية النيابة ع ضد ت ع ملف رقم 177521 قرار بتاريخ 14/10/1998، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص جزء 1 2002، ص 208- 209.

– وهو ما ورد أيضا في قضية النيابة العامة ضد ل ق ملف رقم 106367 قرار بتاريخ 30/01/1994، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 3/1994، ص 286-288.

[22]– قضية النائب العام وإدارة الجمارك بوهران ضد خ م ملف رقم 106648 قرار بتاريخ 25/10/1994، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 3/1994، ص 233-237.

[23]– قضية إدارة الجمارك بتلمسان  ضد ب ع ومن معه ملف رقم 30726 قرار بتاريخ 19/04/1988، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 2/1990، ص 278-280.

[24]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 180.

[25]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع نفسه، ص 181، 182.

[26]– قضية النائب العام، م ق ح ضد ب أ ملف رقم 264366 قرار بتاريخ 18/02/2002، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 1/2004، ص 357- 359، وهو ما جاء النص عليه كذلك في قضية خ م ضد ه م، النيابة العامة ملف رقم 210789 قرار بتاريخ 04/04/2000، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 2/2001، ص 359-361.

[27]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 215.

[28]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع نفسه، ص 216.

[29]– المبدأ 2 من مرفق إعلان المبادئ وبرنامج عمل الأمم المتحدة في مجال منع الجريمة والعدالة الجنائية.

[30]– البند 1 من إعلان سلفادور بشأن الاستراتيجيات الشاملة لمواجهة التحديات العالمية.

[31]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 218.

[32]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع نفسه،  ص 219، 220.

­ Décision nº 75-56 DC du 23 juillet 1975, www.conseil-constitutionnel.fr, 02/08/2015.

[33]– د. إبراهيم محمود اللبيدي، المرجع السابق، ص 207.

[34]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع نفسه، ص 337.

[35]– د. ثروت عبد العال أحمد، الحماية القانونية للحريات العامة بين النص والتطبيق، دار النهضة العربية، القاهرة مصر، 1998، ص 161.

[36]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 336.

[37]– د. أحمد رفعت خفاجي، قيم وتقاليد السلطة القضائية، مكتبة غريب، مصر، بدون تاريخ ، ص 13.

[38]– د. ثروت عبد العال أحمد، المرجع السابق، ص 162.

[39]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع نفسه، ص 337- 343.

 – د. أحمد رفعت خفاجي، المرجع السابق، ص 11، 13.

[40]– قضية ن ع ضد ع م ملف رقم 216301 قرار بتاريخ 24/07/1999، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص 2003، ص 327، ونفس الأمر ذهب إليه قرار للمجلس الأعلى بتاريخ 12/04/1988ملف رقم 51467، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 1/1992، ص 168-170، وقرار المحكمة العليا في قضية ب ع ضد ك م والنيابة العامة بتاريخ 26/06/2001 ملف رقم 270381، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 2/2001، ص 316-319.

[41]– قضية النائب العام ضد ب ح ومن معه ملف رقم 268972 قرار بتاريخ 29/05/2001، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 2/2001،

ص 325-327.

[42]– قضية ص م ضد غ م ومن ع ملف رقم 54524 قرار بتاريخ 14/03/1989، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 3/1990، ص 299-304.

[43]– فاروق الكيلاني، المرجع السابق، ص 256-258.

[44]– المبدأ 5:” لكل فرد الحق في أن يحاكم أمام المحاكم العادية أو الهيئات القضائية التي تطبق الإجراءات القانونية المقررة.

و لا يجوز إنشاء هيئات قضائية لا تطبق الإجراءات القانونية المقررة حسب الأصول والخاصة بالتدابير القضائية، لتنتزع الولاية القضائية التي تتمتع بها المحاكم العادية أو الهيئات القضائية”.

[45]– د. حسن علي، المرجع السابق، ص 42.

 – د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 403.

[46]– د. محسن العبودي، مبدأ المشروعية وحقوق الإنسان، دراسة تحليلية في الفقه والقضاء المصري والفرنسي، دار النهضة العربية، مصر، 1995، ص 23، 24، 30.

[47]– د. محمد حسن دخيل، الحريات العامة في ظل الظروف الاستثنائية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان، الطبعة 1، 2009، ص 46، 47.

[48]– د. محسن العبودي، المرجع السابق، ص 23، 24.

[49] – د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع نفسه، ص 403.

 – د. محمد حسن دخيل، المرجع السابق، ص 45.

 – د. نعيم عطية، في النظريات العامة للحريات الفردية، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة مصر، 1965،  ص 201 وما بعدها.

[50]– د. نعيم عطية، المرجع السابق، ص 205.

 – د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 404.

[51]– د. حسن علي، المرجع السابق، ص 45، 46.

  – د. محسن العبودي، المرجع السابق، ص 24 – 26.

[52]– د. حسن علي، المرجع نفسه، ص 46.

[53]– د. محسن العبودي، المرجع السابق، ص 26، 27.

[54]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 406-408.

[55]– الجريدة الرسمية عدد 10، مؤرخة في 5 شعبان 1412 الموافق لـ 9 فبراير 1992.

[56]– قرار وزاري مشترك لا يحمل أي رقم، مؤرخ في 6 شعبان 1412 الموافق لـ 10 فبراير 1992، الجريدة الرسمية عدد 11، 7 شعبان 1412 الموافق لـ 11 فبراير 1992.

[57]– المرسوم التنفيذي رقم 92/75 المؤرخ في 16 شعبان 1412 الموافق لـ 20 فبراير 1992، الجريدة الرسمية عدد 14 بتاريخ 19 شعبان 1412 الموافق لـ 20 فبراير 1992.

[58]– الجريدة الرسمية عدد 29، مؤرخة في 29 ذي القعدة 1411 الموافق لـ 12 يونيو 1991.

[59]– المراسيم صدرت بالجريدة الرسمية عدد31، بتاريخ 14 ذو الحجة 1411 الموافق لـ 26 يونيو 1991، وهي كما سيأتي:

* مرسوم تنفيذي رقم 91/201 المؤرخ في 13 ذي الحجة 1411 الموافق لـ 25 يونيو 1991، يتعلق بضبط حدود الوضع في مراكز الأمن وشروطه تطبيقا للمادة 4 من المرسوم الرئاسي رقم 91/196 المتضمن تقرير حالة الحصار.

* مرسوم تنفيذي رقم 91/202 المؤرخ في 13 ذي الحجة 1411 الموافق لـ 25 يونيو 1991، يتعلق بضبط حدود الوضع تحت الإقامة الجبرية وشروطها تطبيقا للمادة 4 من المرسوم الرئاسي رقم 91/196 المتضمن تقرير حالة الحصار.

* مرسوم تنفيذي رقم 91/203 المؤرخ في 13 ذي الحجة 1411 الموافق لـ 25 يونيو 1991، يتعلق بضبط كيفيات تطبيق تدابير المنع من الإقامة المتخذة  طبقا للمادة 8 من المرسوم الرئاسي رقم 91/196 المتضمن تقرير حالة الحصار.

* مرسوم تنفيذي رقم 91/204 المؤرخ في 13 ذي الحجة 1411 الموافق لـ 25 يونيو 1991، يحدد شروط تطبيق المادة 7 من المرسوم الرئاسي رقم 91/196 المتضمن تقرير حالة الحصار.

[60]– الجريدة الرسمية عدد 70، مؤرخة في 4 ربيع الثاني 1413 الموافق لـ 1 أكتوبر 1992.

[61]– الجريدة الرسمية عدد 11، مؤرخة في 29 رمضان 1415 الموافق لـ 1 مارس 1995.

[62]– الجريدة الرسمية عدد 12، مؤرخة في 20 ربيع الأول 1432 الموافق لـ 23 فبراير 2011.

[63]– الجريدة الرسمية عدد 44، مؤرخة في 16 ربيع الأول 1412 الموافق لـ 25 سبتمبر 1991.

[64]– المادة 3، 4 من المرسوم رقم  92/44 المتضمن إعلان حالة الطوارئ.

[65]– المواد 5- 9 من المرسوم رقم 92/44 المتضمن إعلان حالة الطوارئ.

[66]– الجريدة الرسمية عدد 11، مؤرخة في 7 شعبان 1412 الموافق لـ 11 فبراير 1992.

[67]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 409-419.

[68]– د. محمد حسن دخيل، المرجع السابق، ص52.

[69]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 343.

 – فاروق الكيلاني، المرجع السابق، ص 290.

[70]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع نفسه، ص 343، 344.

[71]– د. ثروت عبد العال أحمد، المرجع السابق، ص 173.

[72]– قضية الوكيل العسكري للجمهورية بالبليدة ضد ف أ ومن معه ملف رقم 384727 قرار بتاريخ 22/03/2006، مجلة المحكمة العليا، قسم الوثائق، الجزائر، عدد 1/2007، ص 543. 

[73]– د. حافظ أبو سعدة، اللجوء للمحاكم الاستثنائية للإفلات من القضاة المستقلين، مقالة وردت في ” القضاة والإصلاح السياسي”، سلسلة قضايا الإصلاح 13، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، الطبعة 1، 2006، ص 261.

[74]– د. ثروت عبد العال أحمد، المرجع السابق، ص 173، 174.

[75]– قضية النيابة العامة ضد ب ع ق ومن معه ملف رقم 34620 قرار بتاريخ 24/05/1983، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 1/1990، ص 224-226.

– وهو نفس ما جاء أيضا في قضية النيابة العامة ضد م ب ملف رقم 171800 قرار بتاريخ 04/03/1997، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص ،2003، ص 665-667.

و كذلك قضية في قضية النائب العام ضد مجهول ملف رقم 269304 قرار بتاريخ 13/03/2001، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص 2003، ص 677-681.

[76]– قضية س ع ومن معه ضد النيابة العامة ملف رقم 419772 قرار بتاريخ 21/11/2007، مجلة المحكمة العليا، قسم الوثائق، الجزائر، عدد 2/2007، ص 523-526.

_ وهو ما جاء كذلك في قضية الوكيل العسكري للجمهورية لدى المحكمة العسكرية بالبليدة ضد خ أ ملف رقم 56137 قرار بتاريخ 19/05/1987، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 4/1990، ص 201-202.

و كذلك ورد النص على ذلك في قضية وكيل الجمهورية العسكري ضد ب ك وس ج ملف رقم 47458 قرار بتاريخ 08/12/1987، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 3/1992، ص 217.

[77]– قضية ص س ضد ن ع ملف رقم 34094 قرار بتاريخ 29/11/1983، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 4/1989، ص 278، 279.

[78]– د. حافظ أبو سعدة، المرجع السابق، ص 261-265.

 – د. هشام صادق، الاختصاص الموسع للقضاء العسكري وحقوق الإنسان، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، مصر، دون تاريخ، ص 15-22.

[79]– المادتان 3، 6 من الأمر رقم 71/28 المؤرخ في 26 صفر 1391 الموافق لـ 22 أبريل 1971 المتضمن قانون القضاء العسكري.

[80]– المادتان 18، 25 من الأمر رقم 71/28 المؤرخ في 26 صفر 1391 الموافق لـ 22 أبريل 1971 المتضمن قانون القضاء العسكري.

[81]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 344.

[82]– البند 1/4 الجزء الأول من في المرفق الخاص قواعد الأمم المتحدة الدنيا النموذجية لإدارة شؤون قضاء الأحداث قواعد بكين 29 نوفمبر 1985.

[83]– البند 2/2/أ والبند2/3 من قواعد الأمم المتحدة الدنيا النموذجية لإدارة شؤون قضاء الأحداث قواعد بكين.

[84]– القاعد 14 من قواعد الأمم المتحدة الدنيا النموذجية لإدارة شؤون قضاء الأحداث قواعد بكين.

[85]– قضية م ر ضد ب ر والنيابة العامة ملف رقم 238287 قرار بتاريخ 22/02/2000، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 2/2001، ص362-365.

– وهو نفس ما جاء في قضية ص م ضد غ م ومن معه ملف رقم 54524 قرار بتاريخ 14/03/1989، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 3/1990، ص 299-303.

[86]– قضية ز ت ضد النيابة العامة ملف رقم 33695 قرار بتاريخ 23/10/1984، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 3/1989، ص 232- 234.

[87]– قضية ع أ ضد ج م ون ع ملف رقم 25014 قرار بتاريخ 20/03/1984، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 4/1989،  ص 326، 327.

[88]– قضية ر ع ر ب ضد النيابة العامة ملف رقم 54964 قرار بتاريخ 23/05/1989، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد 2/1991، ص 221.

[89] – د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 344، 345.

[90]– قضية ك ب ضد النيابة العامة ملف رقم 119932 قرار بتاريخ 22/03/1994، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 3/1994، ص 247-250.

[91]– د. إبراهيم محمود اللبيدي، المرجع السابق، ص 313.

[92]– د. حافظ أبو سعدة، المرجع السابق، ص 249.

[93]– د. إيهاب طارق عبد العظيم، علاقة الفرد بالسلطة في الظروف الاستثنائية، دراسة مقارنة بين النظامين الفرنسي والمصري، بدون دار نشر، 2005، ص 305.

[94]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 345.

[95]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 276.

[96]– فاروق الكيلاني، المرجع السابق، ص 126.

 – يس عمر يوسف، المرجع السابق، ص 34.

[97]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 277.

 – د. أحمد فتحي سرور، استقلال القضاء، المرجع السابق، ص 116.

 – د. أحمد السيد صاوي، الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية، المرجع السابق، ص 95، 96.

[98]– بدرخان عبد الحكيم إبراهيم، المعيار المميز للعمل القضائي، رسالة دكتوراه، دون ذكر البلد، 1994،ص 47.

[99]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع نفسه، ص 277.

 – د. أحمد فتحي سرور، استقلال القضاء، المرجع نفسه،  ص 116.

[100]– د. أحمد السيد صاوي، الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية، المرجع السابق،  ص 97.

[101]– تتولى السلطة التنفيذية في انجلترا تعيين القضاة فقد تقوم به الملكة أو رئيس الوزراء، أو وزير العدل تبعا لاختلاف المحاكم، كما يعتبر مبدأ التعيين من المبادئ المسلم بها في 10 ولايات أمريكية، ويطبق في جميع الولايات بالنسبة للقضاة الذين يخلفون القضاة المتوفين أو الذين يكملون مدة انتخابهم، وتمارس السلطة التشريعية التعيين بشكل أقل وفي ولايات محدودة، حيث لها سلطة التعيين في 4 ولايات أمريكية.

أما في اليابان فقضاة المحكمة العليا يعينون بقرار من مجلس الوزراء إلا أنه يتعين الحصول على موافقة مجلس النواب عند إجراء أول انتخاب عام لمجلس النواب بعد هذا التعيين، وتجدد هذه الموافقة لكل 10 سنوات المادة 79/2   من دستور اليابان، وفي المقابل تلعب السلطة القضائية دورا كبيرا في فرنسا فلا يتم تعيين القضاة بقرار من رئيس الجمهورية إلا بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للقضاء، كما يقترح المجلس مستشاري محكمة النقض ورؤساء محكمة الاستئناف، ونفس الأمر بالنسبة لليابان، حيث يتم تعيين قضاة المحاكم باستثناء المحكمة العليا بقرار من مجلس الوزراء من قائمة الأشخاص الذين تختارهم المحكمة العليا.

 – د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 278.

– د. أحمد فتحي سرور، استقلال القضاء، المرجع السابق، ص116، 117.

[102]-Jean Cédras, La constitutionnalisation de la procédure pénale en France et aux Etats-Unis, revue internationale de droit pénal, éditions Érés Toulouse France,  3-4 trimestres, 82 année, 2011, p 448.

[103]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع نفسه، ص 279.

[104]– المبدأ 10 من المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية.

[105]– المؤرخ في 21 رجب 1425 الموافق لـ 6 سبتمبر 2004، الجريدة الرسمية العدد 57 23 رجب 1425 الموافق لـ 8 سبتمبر2004.

[106]– Jean Cédras, Ibid, p 447.

[107]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 127، 128.

 – بدرخان عبد الحكيم إبراهيم، المرجع السابق،  ص 61.

[108]– الصادر بموجب القانون العضوي رقم 04/11 المؤرخ في 21 رجب 1425 الموافق لـ 6 سبتمبر 2004 الجريدة الرسمية العدد 57 23 رجب 1425 الموافق لـ 8 سبتمبر 2004.

[109]– المؤرخ في 15 رجب 1426 الموافق لـ 20 غشت 2005 الجريدة الرسمية العدد 58 20 رجب 1426 الموافق لـ 25 غشت 2005.

[110]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 291.

 – د. أحمد فتحي سرور، استقلال القضاء، المرجع السابق، ص 128، 129.

 – يس عمر يوسف، المرجع السابق، ص 71، 72.

[111]– هناك فرق بين تخصص القضاء ومبدأ تخصيص القضاء، ذلك أن تخصص القضاء هو عنصر من عناصر استقلال القضاء والذي يعني حصر ولاية الفصل في القضاء برجال مؤهلين قانونا ولهم الكفاءة والقدرة والتفرغ لأداء هذا العمل، أما تخصيص القضاء فيعني تقييد القاضي أو المحكمة بالنظر في نوع معين من القضايا المدنية أو الجزائية أو التجارية، فاروق الكيلاني، المرجع السابق، ص 26.

[112]– فاروق الكيلاني، المرجع نفسه،  ص 25، 26.

[113]– يقول دومولين: ” أن القوانين يلتهمها الطالب بشراهة في المدرسة ثم يهضمها في المحاكم”.

ويقول لاروش فلافن Laroche Flavin: ” إن مثل عالم الحقوق إن لم تكمله التجارب التي تكتسب في ساحة المحاكم وفي غرف جلسات كمثل آلة ضخمة يجربها الإنسان على نماذج صغيرة، أو بعبارة أخرى: إن مثل من يتعلمون العلم دون أن يكون علمهم مشفوعا بتجارب، كمثل جماعة اشتبكوا في معارك وهمية دون أن يروا عدوا”، د. أحمد رفعت خفاجي، قيم وتقاليد السلطة القضائية، مكتبة غريب، مصر، بدون تاريخ، ص 23.

[114]– د. حسن بشيت خوين، ضمانات المتهم في الدعوى الجزائية خلال مرحلة المحاكمة، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن، الجزء2، الطبعة 1، 1998، ص 64، 65.

[115]– د. حسن بشيت خوين، الجزء 2، المرجع السابق، ص 65 – 71.

[116]– د. حسن بشيت خوين، الجزء 2، المرجع نفسه،  ص 71-74.

[117]– د. حسن بشيت خوين، الجزء 2، المرجع نفسه،  ص 75.

[118]– د. حسن بشيت خوين، الجزء 2، المرجع نفسه،  ص 78.

[119]– Laurence Morisset, L’avocat et l’application des peines, revue pénitentiaire et de droit pénal, éditions Cujas France, numéro spécial  2007, p 145.

[120]– د. حسن بشيت خوين، الجزء 2، المرجع السابق،  ص 76، 77.

[121]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 294.

[122]– Laurence Morisset, Ibid, p 146.

[123]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق،  ص 280.

 – د. أحمد فتحي سرور، استقلال القضاء، المرجع السابق،  ص 118.

[124]– بدرخان عبد الحكيم إبراهيم، المرجع السابق،  ص 59، 60.

[125]– صدر بتاريخ 5 شوال 1429 الموافق لـ 5 أكتوبر 2008 في الجريدة الرسمية عدد 57 بتاريخ 5 شوال 1429 الموافق لـ 5 أكتوبر 2008.

[126]– المؤرخ في 22 رمضان 1426 الموافق لـ 25 أكتوبر 2005 الجريدة الرسمية عدد 72 بتاريخ 30 رمضان 1426 الموافق لـ 22 نوفمبر 2005.

[127]– المؤرخ في 18 جمادى الثانية 1426 الموافق لـ 25 يوليو 2005، الجريدة الرسمية عدد 53 بتاريخ 24 جمادى الثانية الموافق لـ 31 يوليو 2005.

[128]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 281.

[129]– وقد صادقت الجزائر عليها بموجب القانون رقم 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته بتاريخ 21 محرم 1427 الموافق لـ 20 فبراير 2006 الجريدة الرسمية عدد 14 8 صفر 1427 الموافق لـ 8 مارس 2006.

[130]– بدرخان عبد الحكيم إبراهيم، المرجع السابق، ص 51.

 – د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 163، 164.

 – د. إبراهيم محمود اللبيدي، المرجع السابق، ص 267.

 – د. أحمد السيد صاوي، الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية، المرجع السابق، ص 113.

[131]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 282، 289.

[132]– فاروق الكيلاني، المرجع السابق، ص 144 – 148.

[133]– فاروق الكيلاني، المرجع نفسه، ص 134.

[134]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع نفسه، ص 282، 283.

 – د. أحمد فتحي سرور، استقلال القضاء، المرجع السابق، ص 121.

[135]– Serge Guinchard, La responsabilité des gens de justice, revue de justices, éditions Dalloz France, n˚5 janvier-mars 1997, p 124.

[136]-Jean-Denis Bredin, Ibid, p 165.

[137]– بدرخان عبد الحكيم إبراهيم، المرجع السابق، ص 53.

[138]-Serge Guinchard, Ibid, p 132.

[139]– بدرخان عبد الحكيم إبراهيم، المرجع نفسه، ص 54، 55.

[140]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 283.

 – د. أحمد فتحي سرور، استقلال القضاء، المرجع السابق، ص 121، 122.

[141]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 280.

 – د. أحمد فتحي سرور، استقلال القضاء، المرجع السابق، ص 118.

[142]– د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 163.

[143] – د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 281.

   – د. أحمد فتحي سرور، استقلال القضاء، المرجع السابق، ص 120.

[144] – د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 302، 303.

  – د. أحمد فتحي سرور، استقلال القضاء، المرجع السابق، ص 133، 134.

  – يس عمر يوسف، المرجع السابق، ص 47، 48.

  – فاروق الكيلاني، المرجع السابق، ص 181.

[145] – المبدأ 11 من المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية.

[146]– د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 195.

[147]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 302، 303.

 – د. أحمد فتحي سرور، استقلال القضاء، المرجع السابق، ص 132، 133.

[148]– المبدأ 2 من المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية.

[149]– قضية ب م ومن معه ضد ن ع ملف رقم 49361 قرار بتاريخ 16/02/1986، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 3/1993، ص 243- 250.

– قضية ق ح ن د ضد النيابة العامة ملف رقم 582337 قرار بتاريخ 21/01/2009، مجلة المحكمة العليا، قسم الوثائق، الجزائر، عدد2/2009، ص 352-355.

[150]– قضية ب ع ضد ط ح، ط م، ن ع ملف رقم 59470 قرار بتاريخ 23/01/1990، المجلة القضائية، قسم المستندات والنشر للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 3/1991، ص 252 – 254.

– قضية إ إ ضد س ب والنيابة العامة ملف رقم 233935 قرار بتاريخ 23/01/2001، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، العدد 2/2001، ص 395-397.

[151]– ملف رقم 252130 قرار بتاريخ 10/10/2000، المجلة القضائية، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية الحراش الجزائر، عدد خاص 2003، ص 345.

[152]– المبدأ 4، 5 من المبادئ التوجيهية بشأن دور أعضاء النيابة العامة.

[153]– بدرخان عبد الحكيم إبراهيم، المرجع السابق، ص 65-68.

 – د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 195، 196.

[154]– بدرخان عبد الحكيم إبراهيم، المرجع السابق، ص 68، 69.

[155]– المبدأ 8، 9 من المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية.

[156]– المبدأ 8، 9 من المبادئ التوجيهية بشأن دور أعضاء النيابة العامة.

[157]– د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 304-306.

 – د. علي فضل البوعينين، المرجع السابق، ص 197.

[158]– Christine Lazerges, La question prioritaire de constitutionnalité devant le conseil constitutionnel en droit pénal : Entre audace et prudence, revue de sciences criminelles et de droit pénal comparé, éditions Dalloz France, n˚1 janvier-Mars 2011, p 202.

[159] – د. أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية، المرجع السابق، ص 306.

 

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close