fbpx
مجتمعقلم وميدان

فيلم “الممر” بين رسائل النظام وفشل الوسيلة

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تعاني مصر منذ 03 يوليو 2013م، من حالة عدم استقرار واهتزاز لصورة الجيش المصري عند قطاع عريض من الشعب المصري، خاصة بعد إخفاق المؤسسة العسكرية في إدارة البلاد، وتردي أوضاع البلاد في الملفات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية؛ لذلك تلجأ المؤسسة العسكرية إلى وسائل الإعلام لتحسين صورتها.

ويُعتبر سلاح الإعلام من أقوى الأسلحة خاصة في عصرنا الحديث، ذلك لأن الإعلام يعمل على تشكيل الأفكار وصياغة المعتقدات، وهي الأسس التي تحرك الشعوب، وكما يقول الناشط الأمريكي مالكوم إكس: (وسائل الإعلام هي الكيان الأقوى على وجه الأرض.. لديها القدرة على جعل المذنبين أبرياء وجعل الأبرياء مذنبين.. وهذه هي السلطة لأنّها تتحكم في عقول الجماهير)، وهذا ما فعلته المؤسسة العسكرية في الفترة الأخيرة عبر إنتاجها فيلم “الممر” الذى يحتوي العديد من الرسائل الموجهة الى الشعب حتى تعود صورة الجيش الي ما كانت عليه في الماضي.

ركّز فيلم “الممر” على العديد من النقاط الهامة التي تغاير الواقع تماماً، رغبة في إثارة عواطف الشارع المصري، للوقوف بجانب المؤسسة العسكرية رغم فشلها.

يتحدث الفيلم عن قوات الصاعقة المصرية والمعارك التي خاضتها خلال حرب الاستنزاف التي مهدت لحرب أكتوبر 1973.

تباينت ردود الأفعال حول الفيلم بين مؤيد ومعارض؛ حيث رأى البعض أنها تعمل على تعزيز الوطنية وإظهار تضحيات الجيش، فيما رأى البعض الآخر أنها مجرد تزييف للحقائق وأن التاريخ المصري مليء بالقصص التي من الممكن أن تُصنع منها أفلام ومسلسلات، حيث أطلقت المجموعة “73 مؤرخين”، المهتمة بالكتابة عن بطولات الجيش المصري في حرب أكتوبر، بياناً بشأن فيلم “الممر” جاء فيه أن قصة فيلم “الممر” غير حقيقية 100 %، وأن الواقعة الوحيدة الحقيقية هي (خناقة السنترال) التي قام بها النقيب (وقتها) محيي نوح بطل الصاعقة. وأن قوات الصاعقة ومجموعة 39 قتال لم تقم بأية عمليات هجوم على أي معسكر إسرائيلي طوال فترة الحرب، بل قامت فقط بأربع هجمات على النقاط الحصينة (هجومين على لسان التمساح – هجوم على لسان بور توفيق – هجوم موقع التبة المسحورة)، وعدا ذلك كانت كل العمليات عبارة عن كمائن ورص ألغام.

وأضافت مجموعة “73 مؤرخين”: “إن الأسرى المصريين كانوا محتجزين في سجون داخل الكيان الصهيوني وأشهرها معسكر عتليت، ولم يكن يتواجد أي أسير خلال فترة الحرب بسيناء ولم تحدث أية عملية لتحرير أسرى خلال الحرب؛ وأن أول عملية هبوط لطائره هليكوبتر في سيناء كانت عملية رص ألغام قام بها الشهيد إبراهيم الرفاعي ورفاقه، وقد سجلنا تلك العملية ضمن تأريخنا لسجل عمليات المجموعة 39 قتال” [1].

الرسائل والأهداف:

ركز فيلم “الممر” المكتوب داخل أروقة جهاز المخابرات الحربية، وجهاز الشئون المعنوية، على عدة رسائل، من أهمها:

الرسالة الأولى: التأكيد على أن “إسرائيل” هي العدو الحقيقي للمصريين، في محاولة للرد على تقارير تشير إلى تطبيع الجيش المصري مع إسرائيل، وهذه الرسالة في الحقيقة مغايرة تماماً لما يجري بالفعل من قبل قيادات الجيش المصري منذ 03 يوليو 2013م، حيث أصبحت هناك علاقات استراتيجية تربط بين النظام في مصر والكيان الصهيوني، وصلت إلى حد الإعلان عن تدريبات عسكرية مشتركة، بجانب القيام بعمليات عسكرية مشتركة لمواجهة المسلحين في شمال سيناء. وتحولت بالفعل عقيدة الجيش المصري من اعتبار أن الكيان الصهيوني هو العدو الرئيسي لمصر إلى اعتبار أن ما يُسمى “الإسلام السياسي” هو العدو والخطر الأكبر للبلاد.

الرسالة الثانية: أكد الفيلم على ضرورة طاعة الأوامر واعتبارها عقيدة حيث أشار الفيلم على لسان أحد أبطال الفيلم “لو كل واحد عمل اللي في دماغه الدنيا هاتخرب”، وهي رسالة موجهة الى أفراد القوات المسلحة الغاضبين من السياسة المتبعة من قبل السيسي إلى ضرورة إطاعة الأوامر وعدم مخالفة تعليمات القيادة حتى لو كانت خطأً.

الرسالة الثالثة: أكد الفيلم على ضرورة قيام أفراد الشعب المصري بتحمل الصعاب وتردي الظروف المعيشية الصعبة عند وجود خطر قومي يهدد البلاد وضرورة وقوفهم مع القوات المسلحة لمواجهة الأخطار، وهذا ما يؤكد عليه السيسي في خطاباته.

الرسالة الرابعة: عمل الفيلم على إظهار تضحيات الجيش ودوره في حماية البلاد وأنه رمز البطولة ولا يفرط في الأرض ومقدرات الوطن ويفديها بالدم؛ في الوقت الذي تنازل فيه السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وقام السيسي أيضاً بالتوقيع على اتفاقية مع إثيوبيا تنازل بموجبها عن الحقوق المصرية في مياه نهر النيل، وأصبحت مصر على مشارف أخطر أزمة وجودية في تاريخها تهددها بالعطش وبوار ملايين الأفدنة من الأراضي – بينما لم يحرك الجيش أو الحكومة ساكناً لمواجهة ذلك.

الرسالة الخامسة: عمل الفيلم على مناقشه مشكلة “المصاروة والسيناوية” ونقدها وأظهر أن المجتمع المصري عبارة عن نسيج واحد، وأظهر تضحيات رجال البدو في سيناء، في الوقت الذي تمارس فيه القوات المسلحة عملية إبادة وتهجير جماعي لأهل سيناء ويتم التعامل معهم بأبشع الصور الممكنة.

 الرسالة السادسة: تناول الفيلم العمل الصحفي بطريقه فيها نوع من السخرية والاستهزاء حيت تم تجسيد الصحفي الذي كُلف بتغطية المهمة العسكرية في شخص بدين وإبراز أنه لا يملك أي خبرة عسكرية، ويتم الاستهزاء بيه من قبل الضباط، ولا يقوى على تحمل الصعاب، وهي صورة منافية تماماً للواقع. وروّج الفيلم لمفهوم أن الصحافة والإعلام ليست مهنة شريفة، وتداول عدد كبير من الصحفيين منشورات استنكار غاضبة على صناع الفيلم، معتبرين “أن ما فعلوه تقصير في البحث عن نماذج بطولية للمراسلين والصحفيين إبان معارك الاستنزاف وحرب أكتوبر”.

وذهب آخرون إلى أن الأمر “مقصود من قبل سلطة تعادي الصحفيين وتكره الصحافة”، مؤكدين أن السياق العام لتعامل النظام مع الصحفيين منذ الانقلاب العسكري الذي وقع عام 2013 يشير بوضوح إلى عداوة ظاهرة ضدهم، حيث اعتقل المئات منهم، وتم استهداف بعضهم بالقتل بشكل مباشر. وجدير بالذكر هنا أن مصر تحتل المركز الثالث عالمياً من حيث اعتقال الصحفيين، كما يجري حجب عشرات المواقع المعارضة، وتمت مداهمة العديد من المؤسسات الإخبارية المصرية.

الرسالة السابعة: أراد الفيلم أن يصور مصر بأنها في حاله حرب دائمة وأن الجيش هو الوحيد القادر على إدارة البلاد وأنه لا مكان للمدنيين في إدارة البلاد، وهذا خطأ فادح حيث أن الأوضاع في مصر في ترَدٍ مستمر وتتجه إلى الأسوأ في ظل الحكم العسكري الذي تخضع له منذ عام 1952م، وإلى وقتنا هذا، حيث ابتعدت المؤسسة العسكرية عن المهمة المنوطة بها، وهي حماية البلاد، وتدخلت في شؤون الحكم التي لا علاقة لها بها. وركز الفيلم على محاولة تحسين صورة العسكريين، خصوصاً بعد الحملات التي انتقدت انخراط الجيش في مشاريع تجارية واقتصادية حوّلته عن رسالته الأساسية في حماية حدود البلاد.

 الرسالة الثامنة: أراد الفيلم أن يحسن من صورة وزارة الداخلية والشرطة المصرية، التي تُعتبر الذراع القمعي الذي تعتمد عليه المؤسسة العسكرية في التنكيل بالشعب. ففي مشهد السنترال أظهر الفيلم رجل الشرطة على أنه يتدخل للوساطة بين ضابط الجيش والمواطن العادي وحل مشاكل المواطنين بكل احترام، على عكس ما يحدث على أرض الواقع حيث يتعامل رجل الشرطة مع المواطنين بكل عنف واستهزاء دون مراعاة لأدني حقوق الإنسان.

الرسالة التاسعة: وحتى يستطيع الفيلم جمع أكبر عدد من المشاهدين، حرص جهاز الشئون المعنوية على جلب مشاهير في عالم الفن ليقوموا بأدوار البطولة، كالفنان أحمد عز والفنان احمد صلاح حسني وغيرهم ممن لديهم شعبية كبيرة داخل المجتمع المصري. كما تم رصد ميزانية مالية ضخمة للفيلم، وقامت الشئون المعنوية بحملات إعلانية كبيرة، خصوصاً على مواقع السوشيال ميديا، حيث تولتها كتائب الجيش الإلكتروني والأذرع المختلفة للنظام، إضافة للتعاون مع عدة جهات لزيادة الإقبال على الفيلم مثل: حزب مستقبل وطن، ووزارة الشباب والرياضة، حيث مَنحوا تذاكر مجانية للجمهور لحضور العرض في دور العرض السينمائي التي كانت تمتلئ بأصحاب الدعوات المجانية أثناء عرضه.

ومن الجدير بالذكر أنه تم -وللمرة الأولى- عرض فيلم سينمائي في الفضائيات عقب عرضه سينمائياً بوقت قصير، تلبية لرغبة الدولة العميقة في مصر بوصول الجرعة القصوى إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور خلال وقت قصير.

لكن ما حدث، أن فيلم الممر لم يستمر نجاحه وفق ما خُطط له، فسرعان ما ظهر فساد بعض قيادات المؤسسة العسكرية وتلقيهم الرشاوي وسيطرتهم على الاقتصاد والتجارة والأعمال الحرة، وفق ما أعلنه المقاول محمد على في فيديوهاته التي لاقت رواجاً بين الناس، وأصبح فساد قيادات المؤسسة حديث الناس في لقاءاتهم ومنتدياتهم ومجالسهم، بل وصل تأثر الناس حد الاستجابة لدعوة المقاول للنزول إلى الشارع اعتراضا على حكم السيسي وفساد حكومته وسيطرة مؤسسته العسكرية.


[1] الانتقادات تحاصر فيلم الممر.. والدولة تعتبره جرعة وطنية مكثفة تاريخ النشر 09|10|2019 تاريخ الزيارة 23|01|2020 الرابط

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. نفسي اي حد بيكتب يحاول أنه يكون محايد .. بمجرد الواحد مايقرا اول سطر يعرف خلاص الاتجاه العام لكاتب المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close