fbpx
قلم وميدان

مغالطات فيتش عن أداء الاقتصاد المصري

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

في مطلع مارس 2017 أصدرت وكالة “فيتش” تقريرًا عن الاقتصاد المصري نشرت مضمونه وكالة “رويترز”، وتضمن التقرير مجموعة من المعلومات تحتاج إلى قراءة متأنية، للوقوف على حقيقة الوضع الاقتصادي لمصر، وانعكاساته على الصعيد السياسي والاجتماعي.

اعتبر التقرير أن الاقتصاد المصري يُحرز تقدمًا من خلال نمو احتياطيات النقد الأجنبي، وعودة التدفقات الرأسمالية الخاصة، وارتفاع قيمة العملة، وأن ذلك سيؤدي إلى استعادة ميزان المعاملات الخارجية لمصر لتوازنه تدريجيًا.

ومما يؤسف له فإن معدي تقرير “فيتش” تلاعبوا بالأرقام، ووظفوا القاعدة التي يعلمها الاقتصاديون بشكل صحيح في أي تحليل، لتجميل وجه الاقتصاد المصري. وهذه القاعدة هي “الأرقام تصف الواقع ولا تعكس الحقائق”، ولا تنطلي هذه الآلية على متابعي وضع الاقتصاد المصري، وبخاصة في ضوء الأرقام الرسمية للمؤسسات الحكومية بمصر. وفيما يلي نبين مغالطات تقرير وكالة “فيتش”.

 

1ـ احتياطي وهمي:

على صعيد ارتفاع احتياطي النقد الاجنبي ليصل في نهاية يناير 2017 إلى 26 مليار دولار، بزيادة قدرها نحو 10 مليارات دولار مقارنة بما كان عليه في يونيو 2016، نجد أن هذه الزيادة لم تتحقق من موارد ذاتية، ولكنها تراكمت عبر القروض من السوق الدولية، وكذلك المؤسسات المالية الدولية، بل وودائع لبعض دول الخليج قبل أن تسوء علاقة مصر بالمملكة العربية السعودية في أكتوبر 2016.

وبالتالي فهذه الزيادة، وإن كانت تعكس ارتفاعًا في قيمة احتياطيات مصر من النقد الأجنبي، إلا أنها تمثل عبئًا على كاهل الاقتصاد المصري في حقيقة الأمر، فهي مجرد قروض، ولها أعباءها المتمثلة في الفوائد والاقساط، والمؤكد أن هذه الأعباء سوف تتحملها الموازنة العامة للدولة، وبما يؤدي إلى تبديد ما تتخذه حكومة الانقلاب العسكري من إجراءات تتعلق بتخفيض الدعم، وزيادة أسعار الخدمات.

فالتقرير المالي لوزارة المالية المصرية عن يناير 2017، يوضح أن أعباء الدين الخارجي (أقساط + فوائد)  لمصر في يونيو 2016، وصلت إلى 43.206 مليار جنيه مصري، وبما يعادل 4.8 مليار دولار، بسعر صرف يونيو 2016، والذي كان يقدر بنحو 8.87 جنيه للدولار. فما بالنا بعد أن وصل الدين الخارجي إلى 74 مليار دولار بنهاية يناير 2017، بعد أن كان بحدود 55.7 مليار دولار في يونيو 2016.

المخيف في شأن الدين الخارجي لمصر مؤخرًا، هو زيادة تكلفة الدين، فالسندات الدولية التي طرحتها مصر لمدة 30 سنة، وصل سعر الفائدة السنوي عليها 8.5%، وهو أعلى معدل فائدة في السوق الدولية، والأمر الثاني أن حزمة الديون الخارجية خلال الفترة من يونيو 2016 وحتى يناير 2017 تضمنت ديون قصيرة الأجل، لا تتناسب على الإطلاق مع الوضع المالي لمصر، حيث إن المناسب لوضوع مصر المالي هو الالتزامات متوسطة وطويلة الأجل.

ومن الأهمية بمكان أن نوضح أن من سلبيات إدارة الديون العامة في مصر أنها لا توضع في استثمارات إنتاجية أو خدمية، ولكنها توضع رهن احتياطيات النقد الأجنبي المعرض للاستنزاف في ظل تراجع موارد مصر الذاتية من النقد الأجنبي، أو يتم توجيه القروض الخارجية لتمويل عجز الموازنة، ومتطلبات الإنفاق الجاري.

 

2ـ مخاوف استثمارات الأجانب:

ذكر تقرير “فيتش” أن عودة التدفقات الرأسمالية الخاصة من ضمن الإيجابيات التي تحققت للاقتصاد المصري خلال الفترة الماضية، ولكن مما يؤسف له أن معدي التقرير تجاهلوا أو تناسوا ما عانته مصر من الأموال الساخنة للأجانب في السندات الحكومية، فمع أحداث ثورة 25 يناير 2011، سارعت تلك الأموال بالخروج من السوق المصري، بنحو 8 مليارات دولار، مما ساعد على زيادة الفجوة في أزمة سعر الصرف، واستنزف احتياطيات النقد الأجنبي.

ومن جهة ثانية فإن ما تحتاجه مصر ليس فقط الاستثمارات غير المباشرة في البورصة أو أذون وسندات الحكومة، وإنما تحتاج إلى الاستثمارات المباشرة التي تؤدي إلى زيادة التراكم الرأسمالي، وفرص عمل جديدة، وتزيد من حجم السلع والخدمات بالسوق المصري، وتجلب تكنولوجيا، وتساعد على زيادة التصدير.

ومن خلال بيانات البنك المركزي، فإن النسبة الأكبر من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر تتركز في قطاع النفط، فالمجلة الاقتصادية للبنك المركزي المصري ذكرت في عددها الثاني للعام المالي 2015/2016، أن توزيعات الاستثمار الأجنبي المباشر على القطاعات خلال الفترة من يوليو – ديسمبر 2016، جاءت على النحو التالي:

وهي توزيعات تعكس فقر مصر في توظيف أجندة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فطبيعة الناتج المحلي الإجمالي في مصر تحتاج إلى تركيز هذه الاستثمارات في قطاع الصناعة، والزراعة، لزيادة القيمة المضافة، ولتقليل حدة الاعتماد على الخارج باستيراد السلع المصنعة.

 

3ـ ارتفاع استثنائي للجنيه

دون انتظار لاختبار نتيجة قصيرة الأجل لم تزد عن أسبوعين تقريبًا، أو شهر في أحسن التقديرات، رأي معدو تقرير “فيتش” بأن الجنيه المصري ارتفع بنسبة 20% أمام الدولار خلال ديسمبر 2016، وكان الأمر يستدعي ما وراء الارتفاع المفاجيء لقيمة الجنيه أمام الدولار، وبخاصة أن هذا الارتفاع جاء دون تمهيد أو شواهد تدل على تحسن في أداء الاقتصاد المصري على الصعيد الخارجي.

بل العكس هو ما يلوح في الأفق، حيث تتراجع عوائد قناة السويس في يناير 2017 بنحو 19 مليون دولار عما حققته في ديسمبر 2016، وثمة مخاوف بشأن تحويلات المصريين بالخارج في ظل الأوضاع الاقتصادية السلبية التي تعيشها منطقة الخليج، وكانت تحويلات المصريين بالخارج انخفضت في نهاية يونيو 2016 إلى 16.7 مليار دولار مقارنة بنحو 18 مليار دولار في يونيو 2015.

أما قطاع السياحة فلم يشهد أي تطورات إيجابية لتحريك عوائده بشكل يساعد على زيادة الموارد الدولارية بمصر. وكذلك ثمة زيادات طفيفة في الاستثمارات الأجنبي المباشر بنحو 0.5 مليار دولار، ومثلها في الاستثمارات غير المباشرة.

ومن هنا فبناء تحليل اقتصادي والتوصل لنتيجة متسرعة بشأن أداء الجنيه المصري، كان يتطلب مزيداً من الاطلاع على موارد مصر الدولارية، وكذلك التزاماتها حتى يكون التنبوء بمستقبل قيمة الجنيه أمام العملات الأخرى مقومًا بطريقة سليمة. ومما يدلل على تسرع خبراء “فيتش” ما أظهرته الأيام القليلة الماضية من تراجع في قيمة الجنيه أمام الدولار سواء في السوق الرسمية أو السوق الموازية، فوصل سعر الدولار بالسوق الرسمية (الثلاثاء 7 مارس 2017) إلى نحو 17.5 جنيه وفي السوق الموازية اقترب من 18 جنيه.

 

4ـ تخوف مشروع

لعل الشئ الوحيد الذي حالفه الصواب في تقرير “فيتش” أنه اشترط لاستمرار الاقتصاد المصري في التقدم الإيجابي للمؤشرات السابقة –على اعتبار أنها مؤشرات حقيقية-، هو عدم وجود احتجاجات اجتماعية على إجراءات برنامج مصر مع صندوق النقد الدولي، والتي تتمثل في رفع الدعم على السلع والخدمات، وتطبيق كامل لضريبة القيمة المضافة، وخصخصة حصص كبيرة بالمؤسسات العامة، وإصدار السندات الدولية.

وكل هذه الإجراءات لها تداعياتها الاجتماعية السلبية، والتي ظهرت بوضوح في وصول معدل التضخم لمعدلات فاقت 30% في يناير 2017.

وثمة توقعات بحدوث مخاوف خبراء “فيتش” بشأن الاحتجاجات الاجتماعية، حيث شهدت مصر احتجاجات اليوم الثلاثاء (7 مارس 2017) بسبب الغاء الحكومة المصرية العمل ببطاقات يحصل بموجبها الفقراء على الخبز المدعوم، واللافت للنظر أن الاحتجاجات شملت القاهرة والإسكندرية وكفر الشيخ.

وفي حالة عدم تراجع الحكومة عن هذه الخطوة، أو التمادي في المزيد من الإجراءات التي تحمل الفقراء بمزيد من الأعباء الاقتصادية، فمن المتوقع أن تشهد مصر أحداثًا مماثلة لما وقع في يناير 1977، ولكنها هذه المرة قد لا تكون محمودة العواقب، أو يكون من الصعوبة بمكان السيطرة عليها (1).

———————————

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close