fbpx
ترجمات

WINEP: السقوط الاقتصادي الحر لمصر يقدم لأمريكا المدخل للضغط على القاهرة

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

نشر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى (WINEP) في 26 يناير 2023 ورقة لـ “بن فيشمان”، كبير الباحثين في معهد واشنطن والمدير السابق لشؤون شمال إفريقيا في إطار مجلس الأمن القومي الأمريكي (2009-2013)، وذلك بعنوان:  “السقوط الاقتصادي الحر لمصر يقدم لأمريكا مدخلاً للضغط عبر المساعدة – والرافعة المالية”، حيث  تقترح الورقة على الإدارة الأمريكية كيفية استغلال الوضع الاقتصادي السيء لمصر للضغط بشكل مختلف في عدة ملفات، أهمها علاقات مصر مع روسيا والصين، فضلا عن ملف حقوق الإنسان والملف الليبي، وذلك في مقابل إجراءات ضخمة تتخذها أمريكا للمساعدة في إنقاذ مصر من ورطتها الاقتصادية. وجاءت الورقة على النحو التالي:

نظراً للمهمة الشاقة المتمثلة في كيفية إدارة المعارضة الشعبية ضده وفي نفس الوقت الوفاء بمتطلبات الإصلاح التي فرضها صندوق النقد الدولي دون إغضاب قاعدته العسكرية، المتمثلة في الجيش، فقد يكون السيسي أكثر استعداداً لتغيير مواقفه المثيرة للمشاكل بشأن حقوق الإنسان والسياسة الخارجية.

وبينما كان وزير الخارجية أنطوني بلينكين يستعد فيه لزيارة القاهرة في 29-30 يناير 2023، كان الاقتصاد المصري آخذاً في الانحدار إلى مستويات متدنية جديدة. حيث يمكن أن يُعزى الجزء الأكبر من أسبابها إلى سوء الإدارة الاقتصادية للقاهرة بشكل واسع النطاق في عهد الجنرال عبد الفتاح السيسي، والتي شملت كل شيء بدءاً من التلاعب بالعملة إلى أولويات الإنفاق، في غير محله، والمشاريع العملاقة المهدرة للأموال، والسيطرة الحكومية والعسكرية غير المبررة على الاقتصاد – كما يمكن أيضاً إلقاء جزء من اللوم على الصدمتين المزدوجتين اللتان شكلتهما جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية على أوكرانيا، واللتان أثرتا بشكل غير متناسب على البلاد بسبب اعتماد القاهرة بشدة على الموارد التي أثرت عليها تداعيات الحرب، مثل القمح، وكذلك عائدات السياحة، من كل من روسيا وأوكرانيا.

وقد فقدت العملة المصرية منذ مارس 2022 نصف قيمتها وتقف الآن عند عتبة الـ 30 جنيهاً للدولار الأمريكي الواحد – وهو انخفاض كان من ضمن أسبابه بالطبع هروب الدولارات ومتطلبات صندوق النقد الدولي وعلى رأسها اعتماد سعر صرف مرن. ونتيجة لذلك، فقد وصل التضخم الرسمي إلى ما يقرب من 22% في ديسمبر، أي أعلى بخمسة عشر نقطة مما كان عليه في نهاية عام 2021 (ويصل في تقديرات غير رسمية إلى 102% على أساس سنوي). ويتوالى النقص في الإمدادات حالياً، حيث ارتفعت أسعار السلع الأساسية بنحو 40%. وسيكون من الصعب استمرار الارتفاعات المتتالية لكُلفة الخبز الأساسي، على وجه الخصوص، لفترة أطول.

وفي نفس الوقت، ارتفعت نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى 95%، مع مدفوعات قياسية للقروض المستحقة على مدى السنوات الأربع المقبلة، تُقدر بـ 100 مليار دولار. وتخصص ميزانية مصر للعام المالي (2022-2023) أكثر من 50% لخدمة الديون وسداد القروض، وبالتأكيد سيتصاعد هذا الرقم المرتفع أصلاً بمرور الوقت، حيث تكون القروض مقومة بالدولار.

شيء ما يجب تقديمه

ومن أجل معالجة هذا المأزق المتنامي، وقّع صندوق النقد الدولي ومصر في 15 يناير 2023 اتفاق يمتد لأربع سنوات بقيمة 3 مليارات دولار، وذلك بعد أسابيع من التأخير. وهذه هي الاتفاقية الرابعة من نوعها التي تعقدها الحكومة المصرية مع الصندوق منذ عام 2016، مما يجعل مصر ثاني أكثر الدول مديونية لدى صندوق النقد الدولي، بعد الأرجنتين.

وبالنظر إلى أن القاهرة قد تجاوزت حصتها من الاقتراض سابقاً، فإن الاتفاقية الجديدة تحتوي على أحكام أكثر صرامة. فبالإضافة إلى المطالبة بتخفيض الإنفاق الحكومي والتقيد بسياسة العملة المرنة (التي تؤدي بالضرورة إلى خفض قيمة الجنيه)، يفرض برنامج صندوق النقد الدولي على الدولة المصرية تقليص دورها بشكل كبير في الاقتصاد، بما في ذلك الصناعات والشركات المملوكة للجيش. وفي المقابل، من المتوقع أن يشجع البرنامج الجديد لصندوق النقد على حصول مصر على تمويل إضافي بنحو 14 مليار دولار من شركاء مصر الدوليين والإقليميين، بما في ذلك تلقي التمويل من جديد من دول مجلس التعاون الخليجي والشركاء الآخرين، من خلال التصفية المستمرة للأصول المملوكة للدولة وكذلك الأشكال التقليدية للتمويل من الدائنين متعددي الأطراف والثنائيين “.

وقد بدأت بالفعل بعض هذه الخصخصة، حيث قامت قطر والسعودية والإمارات بشراء حصص في شركة فودافون مصر والعديد من الشركات الأخرى (مثل شركات الأسمدة والخدمات اللوجستية، وغيرها). ومع ذلك، ففي حين أن كلاً من هذه الدول قد وضعت بالفعل عدة مليارات من الدولارات في البنك المركزي المصري عندما بدأ المستثمرون في سحب الدولارات في مارس الماضي، فإن إضافاتهم لاحتياطيات القاهرة من العملات الأجنبية لم توقف التراجع الحر للجنيه.

وفي عام 2021، أفاد صندوق النقد الدولي بأن مصر لديها ما يقرب من 1000 شركة مملوكة للدولة أو مشروع مشترك و 53 هيئة اقتصادية تعمل في العديد من القطاعات الاستراتيجية، بما في ذلك الخدمات اللوجستية، والزراعة، والنفط / الغاز، والكهرباء، وهيئة قناة السويس.

وشهد قطاع التصنيع وحده انخراط الشركات المملوكة للدولة في المنسوجات والطباعة والتغليف والهندسة والمواد الكيميائية والأغذية / المشروبات والأدوية والمعادن – وهي قائمة تعكس مدى عمق هيمنة الدولة على الاقتصاد في البلاد. والمعروف أن العديد من هذه الشركات المملوكة للدولة غير فعالة وفاسدة، وغالباً ما يكون لديها إعفاءات ضريبية كبيرة أيضاً، لا سيما تلك الشركات المملوكة للجيش.

واستجابة للضغوط الخارجية بشأن هذه القضية، وافق السيسي على “وثيقة ملكية الدولة” في 29 ديسمبر، ووضع أهدافاً جديدة للحد من هذه الممارسات. ومع ذلك، ففي حين أن خصخصة هذه الصناعات أمر بالغ الأهمية لضمان انتعاش الاقتصاد المصري، فإن إمكانية ضمان إتمام ذلك بطريقة شفافة سيكون أمراً صعباً للغاية بالنظر إلى ملامح الحكومة الاستبدادية المتجذرة هناك. والجدير بالذكر أنه عندما أعلن وزير المالية أحمد جلال الشهر الماضي عن تخفيضات جديدة في الإنفاق في مختلف الإدارات، قام في نفس الوقت بإعفاء وزارات الدفاع والداخلية والخارجية والصحة من ذلك.

معضلات المستقبل

ربما تكون أصعب معضلة أمام السيسي هي تحديد إلى أي مدى يمكن أن يخاطر بإغضاب مؤيديه الأساسيين في الجيش عبر بيع الشركات التي يديرونها أو تقليل الإنفاق على شراء معدات عسكرية باهظة الثمن، مثل الغواصات والطائرات المقاتلة المتقدمة. وحتى لو حاول التقليل من تطبيق الخصخصة، فسيظل بحاجة إلى فرض ضرائب أكبر على الشركات التي يديرها الجيش كجزء من اتفاقية صندوق النقد الدولي الجديدة. فكم ياترى عدد الامتيازات الاقتصادية التي سيخسرها الجيش قبل أن تشعر قيادته بهذا التهديد؟ وقد استبدل السيسي بالفعل العديد من كبار الجنرالات خلال العام الماضي ووضع فرع المخابرات العسكرية تحت سلطته المباشرة.

أما بالنسبة للمعارضة الشعبية، فقد يشعر السيسي بفرط الثقة في أن القمع يمكن أن يؤدي إلى منع الاحتجاجات على الرغم من التدهور السريع في الظروف المعيشية. وعلى الرغم من أن الاحتجاجات الجماهيرية التي كان من المتوقع اندلاعها على نطاق واسع خلال مؤتمر تغير المناخ في شهر نوفمبر2022 في مدينة شرم الشيخ لم تحدث أبداً، إلا أن هناك علامات على تصاعد المعارضة، وخاصة عبر شبكة الإنترنت.

وقد يعتقد السيسي أيضاً أنه يمكنه الاعتماد على الدعم الخليجي إذا أصبح الوضع الاقتصادي خطيراً للغاية. ومع ذلك، فإن جزءاً ضئيلاً فقط من المليارات التي تعهدت بها قطر والسعودية والإمارات لحكومته في السنوات الأخيرة قد تحقق بالفعل. وبالإضافة إلى ذلك، لم تحضر السعودية والكويت القمة التي عُقدت في الإمارات في 18 يناير بحضور مصر والأردن، مما قد يشير إلى تراجع دعم المانحين للسيسي. وفي حين أن بيع الأسهم المملوكة للدولة إلى دول الخليج يمكن أن يساعد القاهرة في مواجهة تحدي خصخصة الشركات، إلا أنه لن يفيد القطاع الخاص في مصر.

وقد يعتقد السيسي أن أصدقاءه الخليجيين سيستمرون في العمل على إنقاذه إذا أصبح الوضع حرجاً للغاية – بعبارة أخرى، أن يعتقد (من جديد) بأن “مصر أكبر من أن تفشل”. ولكن بمجيء الوقت الذي تصل فيه الأزمة الاقتصادية إلى مثل هذه النقطة الحرجة، فسيكون من الصعب استخدام التمويل الخليجي الإضافي في الوقت المناسب لعكس مسار الأزمة.

دور الولايات المتحدة

تقليدياً، تركز العلاقة بين الولايات المتحدة ومصر على أهمية القاهرة للأمن الإقليمي، لا سيما دورها في التوسط مع حماس والحفاظ على علاقات أمنية إيجابية مع إسرائيل. وبحسب تقارير مصرية، فقد تعززت هذه الأولويات عندما زار مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز السيسي في 23 يناير.

ومع ذلك، فمن أجل المضي قدماً، يجب على واشنطن صياغة استراتيجية أكثر شمولية تجاه مصر، استراتيجية تتضمن تقديم مساعدة اقتصادية أكبر، وتسهيل الاستثمار من خلال ضمانات القروض، والتفكير في خيارات تتضمن الإعفاء من القروض، والاستفادة من نفوذ الولايات المتحدة على صندوق النقد الدولي. وقد يكون من المفيد أيضاً مطالبة شركاء الخليج بدراسة طرق لتقليل اعتماد مصر على المساعدات. وفي المقابل، يجب أن تكون القاهرة منفتحة لتغيير سياساتها بشكل كبير تجاه روسيا والصين وملف حقوق الإنسان وليبيا.

فبالنسبة لروسيا، فقد ظل السيسي حتى الآن محايداً في غالب الأمر تجاه حرب روسيا على أوكرانيا لتجنب استفزاز موسكو الذي قد يدفع لقطع التجارة والمبيعات العسكرية والسياحة. فعلى سبيل المثال، تقوم شركة روسية ببناء محطة طاقة نووية بقيمة 30 مليار دولار في مصر بتمويل كبير من موسكو، بينما أقامت شركات روسية أخرى وجوداً لها في المنطقة الصناعية في السويس. وحاولت موسكو أيضاً تسهيل التجارة ودعم الجنيه المصري من خلال ربطه بالروبل.

ومع ذلك، لا يزال بإمكان الولايات المتحدة سحب مصر بعيداً عن روسيا من خلال تقديم حوافز إضافية إذا تفاقمت هذه الأزمة الاقتصادية.

وبالنسبة للصين، يجب أن تُحذّر إدارة بايدن مصر من التوجه للتقارب الشديد مع الصين بُغية الحصول على الدعم منها. وتاريخياً، غالباً ما تكون الاستثمارات الأجنبية الصينية غير موثوقة ومشروطة باستيراد العمال الصينيين، وهو ما لن يساعد السيسي في معالجة معدل البطالة المرتفع في مصر. وبالإضافة إلى ذلك، فإن شروط القروض الصينية قد تُغرق القاهرة في المزيد من الديون.

وبالنسبة لملف حقوق الإنسان، فإن حكومة السيسي تُعتبر واحدة من أسوأ منتهكي حقوق الإنسان في العالم. فقد تم اعتقال ما يقدر بنحو 60 ألف سجين سياسي خلال فترة ولايته، وتوفي عدة مئات منهم في الحجز، بمن فيهم من مواطنين مزدوجي الجنسية. ورداً منها على هذا الرقم القياسي من المعتقلين، قامت الولايات المتحدة بقطع 130 مليون دولار من تمويلها العسكري السنوي لمصر والبالغ 1.3 مليار دولار، والذي ساعد منذ فترة طويلة في الحفاظ على المعدات العسكرية لمصر وضمان استمرار البلاد في شراء الأسلحة الأمريكية. ويطلب الكونجرس حالياً تقريراً من وزير الخارجية يؤكد فيه أن مصر تتعامل مع المخاوف بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان قبل أن يوافق على تقديم 300 مليون دولار من هذا التمويل، حيث خفَّض مجلس الشيوخ 75 مليون دولار إضافية من مخصصات العام الماضي لمصر. وأصدر الوزير بلينكين التقرير الذي يضمن إعفاء تلك المبالغ من الحجب، خلال العامين الماضيين، بينما لا يزال المبلغ الهائل للتمويل العسكري لمصر كما هو.

ومع ذلك، فلم تؤد الاستفادة من التمويل العسكري لمصر بشكل عام إلى تحسين سجل البلاد في مجال حقوق الإنسان بشكل ملحوظ. ويجب على القاهرة أن تخفض إنفاقها العسكري على أي حال، لذلك ليس من المنطقي أن تواصل واشنطن خلافها الداخلي السنوي حول مبالغ التمويل العسكري المقدم لمصر التي لا تفي بالاحتياجات الحقيقية لمصر. وقد يركز النهج الأكثر فاعلية على كيفية قيام الولايات المتحدة بتسهيل الاستثمار في الدولة بمجرد أن يتحسن وضع الحريات المدنية فيها بشكل ملموس.

وبالنسبة للملف الليبي، فلا تزال مصر تشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق الاستقرار في ليبيا. فبعد دعم مغامرات خليفة حفتر العسكرية الضارة ضد طرابلس في (2014-2015) و (2019-2020)، ترفض القاهرة الآن الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية أو الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية التي تحدد الخطوات التالية للتقدم في المستقبل. وقد تكون بعض المخاوف التي تبديها مصر مفهومة – فهي تعارض بشدة وجود تركيا في ليبيا وتخشى عواقب انتخابات محتملة هناك لا تستطيع السيطرة عليها. ومع ذلك، فإنه في الوقت نفسه، يمكن أن تدر ليبيا المستقرة ما يقدر بنحو 100 مليار دولار من الإيرادات إلى مصر، من خلال تمكين عشرات الآلاف من العمال المصريين من العودة إلى وظائفهم عبر الحدود. وبناءً على ذلك، يجب على إدارة بايدن تغيير مسار الحديث حول ليبيا، ولفت انتباه القاهرة إلى الفوائد الاقتصادية المتمثلة في رعاية دولة جارة تكون في حالة استقرار، وليس في صراع دائم.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close