اتجاهات التغيير داخل المؤسسة العسكرية المصرية
الجزء الأول: محاولات الانقلاب والتمرد العسكري
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
المؤسسة العسكرية المصرية ليست كتلة مصمتة ولكنها في واقع الأمر عبارة عن تكوينات وأفراد، تختلف طبائعهم ونفوسهم ومبادئهم وأيدولوجياتهم. وكانت العقود السبع الماضية شاهداً على ذلك التنوع، إذ كانت هناك اتجاهات متمثلة في عسكريين داخل الجيش المصري حاولت أن تعدل المسار الذي تحيد عنه المؤسسة العسكرية في بعض الفترات بسبب سياسة من يتولى قيادة الدولة وقتها. واختلفت تلك الاتجاهات في أساليبها وطرق التعبير عنها؛ فمنها اتجاهات فكرية فقط ووقفت عند هذا الحد، ومنها اتجاهات تخطت الفكر ودخلت في إطار التنفيذ فنجح البعض وفشل البعض الآخر. ولعل حركة الضباط الأحرار عام 1952م، تمثل حركة تغيير من داخل القوات المسلحة، وهي حركة تغيير فكرية تنفيذية.
وفي أثناء اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م، شارك بعض الضباط في الثورة كوسيلة من وسائل التغيير السلمي والذي أصبح متاحاً في وقت الثورة ذلك التغيير الذي يريدون تحقيقه داخل الجيش المصري وعلي مستوي الدولة المصرية ككل، وبعد انقلاب السيسي في 03 يوليو 2013م، قام بالتنكيل بكل من ينتهج سياسة معارضة له ولنظامه من داخل المؤسسة العسكرية ومن المعارضين السياسيين، حيث حاول بعض المنتمين للمؤسسة العسكرية اتخاذ النموذج الدستوري والقانوني لإحداث تغيير بشكل سلمي وحاول البعض الأخر اتخاذ النموذج المسلح كمحاولة لإحداث تغيير جذري داخل المؤسسة العسكرية.
وفي هذا الإطار، تقوم هذه الدراسة على رصد وتحليل الحركات التغييرية سواء الحركية منها أو الفكرية التي تمت داخل المؤسسة العسكرية منذ عام 1952م، إلى عام 2018م، وذلك لفهم طبيعة تلك المحاولات ولماذا تشكلت وإلى ماذا خلصت؟ وهل ستتوقف مثل هذه المحاولات أم ستكون هناك محاولات تغييرية أخري ستراها المؤسسة العسكرية في المستقبل القريب؟ وهل التغيير سيكون مرهوناً بالقوات المسلحة؟
وفي هذا الجزء سيتم التركيز على محاولات الانقلاب أو التمرد التي وقعت بالفعل أو تم التفكير فيها، خلال الفترة محل الدراسة.
المرحلة الأولى: من 1952 حتى نهاية حكم عبد الناصر:
وشهدت هذه المرحلة محاولات أساسية، بدأت مع انقلاب يوليو 1952، ثم محاولة انقلاب 1953، و1954، وما عرف بالانقلاب الصامت بين عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، والذي انتهى بوفاة عامر (منتحراً أو مسموماً):
أولاً: حركة الضباط الأحرار عام 1952:
حركة الضباط الأحرار هي حركة تغيير من داخل الجيش المصري أخذت شكل الانقلاب العسكري، قادها مجموعة من الضباط في رتب مختلفة. وقد بدأ تنظيم الضباط الأحرار عام 1949م؛ حيث ذكر السادات في كتابه (أسرار الثورة المصرية) أن عبد الناصر بدأ في تكوين القاعدة للتنظيم في سبتمبر 1949[1].
والذي يقرأ مذكرات اللواء محمد نجيب والكلمات التي تحدث بها جمال عبد الناصر ومذكرات الضباط الأحرار التي كتبت بعد نجاح تحرك الجيش عام 1952م، يري أنه من أهم أسباب غضب أفراد الجيش من قيادات المؤسسة العسكرية وقتها الهزيمة في حرب 1948 وضياع فلسطين وفضيحة الأسلحة الفاسدة، وكذلك الفساد المتواجد بشكل كبير داخل المؤسسة العسكرية، والاستبداد بشكل عام الذي يمارس على الشعب المصري من قبل الطبقة الحاكمة في تلك الفترة.
وظهر تنظيم الضباط الأحرار وكان له عدة أهداف منها تصحيح مسار المؤسسة العسكرية وإنشاء جيش قوي مع الالتزام في نظامه بالسرية المطلقة، وتشكلت حركة الضباط الأحرار من مجموعة من الضباط ينتمون لعدة أسلحة بالجيش المصري وهم: سلاح المشاة (جمال عبد الناصر، عبد الحكيم عامر، يوسف صديق)، سلاح الطيران (عبد المنعم عبد الرؤوف، عبد اللطيف البغدادي، حسن إبراهيم، جمال سالم) سلاح المدفعية (كمال الدين حسين، صلاح سالم)، سلاح الإشارة (محمد أنور السادات، أمين شاكر) سلاح المدرعات (حسين الشافعي، خالد محيي الدين)، سلاح الإمداد (مجدي حسنين)، أما الرعيل الثاني فهم أحمد شوقي، حمدي عبيد، جمال حماد، وجيه أباظة، مصطفي كامل مراد.
وقد أكد جمال حماد أن الحركة لم تكن لتنجح لولا انضمام اللواء محمد نجيب إليها لما كان له من سمعة طيبة في الجيش، ولما كان لمنصبه من أهمية إذ أن باقي الضباط الأحرار كانوا ذوي رتب صغيرة وغير معروفين.[2] ويقول ثروت عكاشة – أحد الضباط الأحرار – في كتابه «مذكراتي بين السياسة والثقافة»: «كان اللواء محمد نجيب أحد قادة الجيش المرموقين لأسباب ثلاثة: أولها أخلاقياته الرفيعة، وثانيها ثقافته الواسعة، فهو حاصل على ليسانس الحقوق، وخريج كلية أركان الحرب ويجيد أكثر من لغة، وثالثها شجاعته في حرب فلسطين التي ضرب فيها القدوة لغيره وظفر بإعجاب الضباط كافة في ميدان القتال»[3].
كان من أساليب الضباط الأحرار في إرسال رسائلهم لضباط الجيش إصدار منشورات باسم (صوت الضباط الأحرار)، وأكدوا فيها على أن الجيش هو جيش الأمة وليس جيش فرد من الأفراد، وكان لحركة الضباط الأحرار صلات بجميع الطوائف والحركات آنذاك فكان بعضهم ينتمي للإخوان المسلمين والبعض الآخر على صلة بحزب الوفد، وحزب مصر الفتاه الذي كان له دور كبير في قيادة حركة الشباب في الثلاثينيات، وهي الفترة التي نشأ فيها أغلب ضباط تنظيم الضباط الأحرار.
ولكن بالرغم من هذا التنوع في الاتجاهات والانتماءات إلا أن ذلك لم يؤثر على التنظيم ويذكر السادات أن اختيار اسم الضباط الأحرار كان أساسه أنهم كانوا أحرارا في أهدافهم الوطنية والاجتماعية ومن الانتماء إلى أي هيئة أو جمعية أو تشكيل معروف. وعلى الرغم من الخلافات السياسية بينهم، إلا أنهم كانوا متفقين على هدف وطني واحد.[4]
وتعتبر انتخابات نادي الضباط في 31/12/1951 أول ظهور علني للتنظيم حيث كان يوما من أيام التوتر السياسي في مصر، فالجامعات والمدراس مغلقة والمظاهرات تهتف ضد الملك والإنجليز. كان اللواء محمد نجيب ينافس كلاً من اللواء حافظ بكري مدير سلاح المدفعية واللواء إبراهيم الأرناؤطي مدير المهمات واللواء سيد محمد مدير الصيانة.
وانتهت المعركة الانتخابية بفوز اللواء محمد نجيب وقائمته؛ وكانت مجموعة الضباط الأحرار التي دعت إلى فوز تلك القائمة التي كانت تضم بكباشي رشاد مهنا (مدفعية) وصاغ أحمد عبيد وصاغ جمال حماد(مشاه) وبكباشي زكريا محي الدين (مشاه) وقائد أسراب حسن إبراهيم (طيران) وقائد جناح جمال سالم وبكباشي محمد فوزي قد أحست بقوتها مما دعي اللجنة التنفيذية لها الاعتقاد بأنه من الممكن القيام بثورة قبل 1955.
إلا أن الملك لم يقبل النتيجة وقام الفريق حيدر باستدعاء اللواء محمد نجيب والبكباشي رشاد مهنا وقال لهما: أن أوامر الملك أن يدخل حسين سرى عامر مجلس إدارة النادي، فأجابه نجيب أنه ليس من حق المجلس وإنما هو حق الجمعية العمومية، فحاول الملك تعديل اللائحة لدخول حسين سرى ممثلا لسلاح الحدود لكنه فشل فأمر بحل المجلس في 18 يوليو 1952، وبدأ التخبط مع ازدياد حدة التوتر بين الشارع من جهة والملك وقوات الاحتلال من جهة أخرى خاصة بعد حريق القاهرة.[5]
تحرك الجيش يوم 23 يوليو 1952م، وحاصر القصور الرئاسية ومقرات الجيش ومقر الإذاعة وبدأت الحركة منذ لحظاتها الأولي تسير نحو السيطرة على مفاصل الدولة، وبالفعل في نهاية المطاف نجحوا في السيطرة على زمام الأمور وبما أن نجاح أي حركة أو ثورة مرهون بالسيطرة على المباني الإذاعية حاصرت قوات الجيش مبني الإذاعة وكانت مهمة البكباشي محمد أنور السادات في ذلك الوقت هو إلقاء البيان الأول لحركة الجيش وهذا البيان يوضح كثيراً من الأسباب التي دفعت تلك المجموعة من الضباط للتحرك وإزاحة الحكم الملكي عن الدولة المصرية وجاء بيان ثورة يوليو الذي تلاه السادات على مسامع المصريين صبيحة يوم 23 يوليو 1952.[6]
ثانياً: حركات التمرد على مجلس قيادة الثورة:
بعد نجاح ما أطلق عليها لاحقا ثورة يوليو 1952م، أصبح مجلس قيادة الثورة يتكون من: محمد نجيب، جمال عبد الناصر، محمد أنور السادات، عبد الحكيم عامر، جمال سالم، صلاح سالم. زكريا محيي الدين. حسين الشافعي. عبد اللطيف البغدادي. كمال الدين حسين. خالد محيي الدين. حسن إبراهيم. ويوسف صديق. عبد المنعم أمين.
تولى المجلس قيادة حكم مصر إلى جانب مجلس الوصاية الملكي من بعد يوليو 1952 إلى 18 يونيو 1953، وتولى اللواء محمد نجيب رئاسة المجلس من عام 1952 إلى 1954، ولكن لم تدم العلاقة الطيبة طويلاً بين نجيب وأغلب أعضاء مجلس قيادة الثورة، فكان لنجيب أهداف غير التي كانت يسعي لتحقيقها جمال عبد الناصر وهي تأسيس الحكم العسكري.
فنجيب كان يريد تأسيس دولة ديمقراطية والعودة إلي الحياة النيابية وكان يري أن ذلك هي أهداف “ثورة “يوليو 1952م، وكان يسعي لتحقيق تلك الأهداف بعيداً عن أي مطامع شخصية وكانت يتفق معه في ذلك العديد من الضباط ومنهم الضابط يوسف صديق[7] والضابط خالد محي الدين والضابط عبد المنعم عبد الرؤوف يضاف اليهم جمال حماد وأحمد حمروش وقد تم التنكيل بهم جميعاً.
أما الجانب الأخر والذي كان يقف في مقدمتهم جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر كانوا يروا أن الدولة المصرية في ذلك الوقت غير مؤهلة للدخول في مرحلة ديمقراطية وان الديمقراطية تعني الفوضى وانه لابد أن تمتد الفترة الانتقالية في البلاد ويجب أن يتولى الجيش الحكم في تلك الفترات، مما أدي في النهاية إلى تقديم الرئيس محمد نجيب استقالته في 25 فبراير 1954م، وتحدث بعد ذلك على انه تم استخدامه لتحقيق أهداف غير التي كان متوافقاً عليها قبل تحرك الجيش وشارك من أجل تحقيقها.
إن طريقة تشكيل مجلس قيادة الثورة منذ اللحظة الأولي أحدثت نوعاً من الغضب داخل الجيش المصري لأن البعض كان يري أن تشكيل المجلس لم يضم العديد من الضباط التي كان لهم دور مهم في تحرك الجيش عام 1952، ومن جهة أخري نتيجة التجاذبات التي وقعت داخل مجلس قيادة الثورة أصبح الغضب داخل الجيش المصري يتزايد، وتحديداً من الضباط التي كانوا يوافقون نجيب الرأي بتأسيس الدولة الديمقراطية، مما أدي إلى محاولة البعض بالقيام بانقلاب على عبد الناصر ومجموعته لانحرافهم عن أهداف وثورة يوليو 1952م، والمطالبة بعودة اللواء نجيب لكي يقود البلاد لتحقيق الأهداف المطلوبة.
وأثناء الانقسام الذي وقع داخل مجلس قيادة الثورة بين نجيب وعبد الناصر، دعا يوسف صديق إلى عودة الحياة النيابية، وخاض مناقشات عنيفة من أجل الديمقراطية داخل مجلس قيادة الثورة، وقال في مذكراته: “كان طبيعيا أن أكون عضوا في مجلس قيادة الثورة، غير أن مجلس الثورة بدأ بعد ذلك يتجاهل هذه الأهداف، فحاولت أكثر من مرة أن أترك المجلس وأعود للجيش فلم يسمح لي بذلك، حتى ثار فريق من الضباط الأحرار على مجلس القيادة”. وبدأ صديق يستشعر أن مجلس القيادة يتجه إلى حكم عسكري ديكتاتوري، وليس حكما ديمقراطيا كما جاء في المبدأ السادس من مبادئ قيام حركة 23 يوليو. وأن مجلس القيادة اعتقل هؤلاء الثائرين وحاكمهم، فاتصل البكباشي جمال عبد الناصر وأخبره أنه لا يمكنه أن يبقى عضوًا في مجلس الثورة ويعتبره مستقيلا، فاستدعاه عبد الناصر إلى القاهرة ونصحه بالسفر للعلاج في سويسرا في مارس 1953.
وطالب صديق في مقالاته ورسائله لمحمد نجيب بضرورة دعوة البرلمان المنحل ليمارس حقوقه الشرعية، وتأليف وزارة ائتلافية من قبل التيارات السياسية المختلفة من الوفد والإخوان المسلمين والاشتراكيين والشيوعيين، فكان مصيره الاعتقال هو وأسرته وإيداعه في السجن الحربي في إبريل عام 1954، وتم الإفراج عنه في مايو عام 1955.[8]
قام أيضاً الضابط أحمد حمروش بانتقاد سياسة جمال عبد الناصر التي كان يريد أن يسير عليها مجلس قيادة الثورة واعتبر حمروش أن ناصر ارتكب خطيئة سياسية عندما ولى عامر مسؤولية الجيش وقام بترقيته من رتبة صاغ إلى رتبة لواء وأعطاه مسؤولية الجيش، وقد فعل هذا حذراً من حدوث انقلاب مضاد، ولذلك اختار عبد الحكيم عامر تحديداً لقيادة الجيش، لأنه كان أقرب الناس إليه. وفي آخر المطاف ترك “حمروش” القوات المسلحة عام 1955، ثم انتقل إلى الصحافة كاتبا بجريدة الجمهورية وعين مديرا للمسرح القومي عام 1956 ومديرا لمؤسسة المسرح والموسيقى عام 1961،[9]
وهناك أيضاً جمال حماد الذي كان مدير مكتب اللواء محمد نجيب بعد نجاح الثورة وكان أحد الضباط الأحرار وكان يتولى أركان حرب سلاح المشاة (قبل قيام ثورة يوليو) وكان برتبة صاغ (رائد). عارض جمال حماد اعتقال محمد نجيب ووضعه محددا إقامته في فيلا المرج، وأوضح في كتبه أن لنجيب فضل في نجاح الحركة كضابط برتبه لواء معروف للشارع المصري وانه بدونه كانت نسبه الفشل ستكون أعلي لان الباقين شخصيات غير معروفه داخل مصر أو خارجه. وبعد الإطاحة بمحمد نجيب، تم استبعاده من الجيش واُنتدب للعمل ملحقا عسكريا عامي 1952 و1957 في كل [10]من سوريا ولبنان والأردن والعراق. ثم عُين محافظا لكفر الشيخ ثم محافظا للمنوفية وذلك بين عامي 1965و 1968.
أيضاً في هذه الأثناء قام عبد الناصر بالتضييق على الضابط عبد المنعم عبد الرؤوف وهو من مؤسسي تنظيم الضباط الأحرار ويعرف عنه أنه كان إسلامي الاتجاه والفكر بسب آرائه التي كانت تخالف توجه عبد الناصر بتأسيس حكم عسكري بعيد عن الديمقراطية والتعددية الحزبية وبالفعل صدر قرار في 17/12/1953 بإحالته إلى المعاش، وتبعه قرار أخر في 18/1/1954 باعتقاله، وأودع في السجن الحربي، ثم نقل إلى سجن الأجانب تمهيدًا لمحاكمته، وبالفعل عُقد له مجلس عسكري لمحاكمته. مما أدى إلى خروجه من مصر عام 1955، وعاد سنة 1972 وأصدر السادات قراراً جمهورياً بإلغاء حكم الإعدام الصادر ضده عام 1954، وتوفي عام 1985.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الخلاف الذي تم داخل مجلس قيادة الثورة قد دفع الضابط خالد محي الدين، والذي كان يريد تأسيس دولة ديمقراطية بعيداً عن الحكم العسكري الذي يريد تأسيسه جمال عبد الناصر ومجموعته، إلى الاستقالة من مجلس قيادة الثورة. وبالفعل في 2 إبريل 1954 زار خالد محى الدين عبد الناصر في بيته، وقدم له استقالته، وبحسب مذكرات خالد محى الدين: “الآن أتكلم”، فإن جمال عبد الناصر قال له: “أنا لا أحب أن أتصادم معك وأفضل أن تسافر للخارج”.
وطلب خالد محى الدين السفر إلى باريس، لكن عبد الناصر قال إن باريس بها حركة سياسية يسارية نشيطة سوف تدفعه للانغماس فيها، واقترح بدلا منها جنيف، وطلب منه ألا يخبر أحداً غير زوجته بأنه مسافر حتى لا يثير أي قلاقل وألا يهاجم النظام من الخارج، ووافق خالد محى الدين على الطلبين مشترطا في الطلب الثاني ألا يهاجموه هم أيضا وهو في الخارج. وفى أثناء وجوده في الخارج بدأ أنور السادات في شن حملة صحفية ضد خالد محى الدين في جريدة الجمهورية، مطلقاً عليه لقب “الصاغ الأحمر” فاتصل بالقاهرة منبها إلى أن هذا خروج على الاتفاق وبالفعل أبلغوه بأن قرارا صدر بإيقاف هذه المقالات.
في عام 1956 وبعد عامين في المنفى الاختياري في سويسرا، عاد خالد محى الدين من جديد إلى مصر، بعد أن عانى كثيرا بسبب الإقامة في سويسرا التي لم يحب طقسها وبرودته، وبعد عودته ساهم في تحرير أول صحيفة مسائية في مصر وهى “المساء” والتي رأس تحريرها، ثم ترشح في أول برلمان للثورة عام 1957 عن مقعد كفر شكر، وبالفعل دخل إلى مجلس الأمة الذى تم حله عند الوحدة في عام 1958، وفى عام 1964 رأس خالد محى الدين جريدة أخبار اليوم لمدة عام واحد فقط.[11]
أ- تمرد 1953:
في مارس عام 1953م، كانت ستجري أول محاولة انقلاب عسكري على مجلس قيادة الثورة بقيادة الضابط محمد رشاد مهنا والذي كان يتولى قيادة أركان حرب قوات قسم القاهرة (ما يسمى الآن المنطقة المركزية) وفور قيام ثورة يوليو 1952 تم تعيين محمد رشاد مهنا وزيراً للمواصلات في أول حكومة بعد الثورة في إجراء تمهيدي مباشر وضروري ليصبح عضوا في مجلس الوصاية على عرش الملك أحمد فؤاد الثاني (الطفل) وسرعان ما بدأت خلافاته مع مجلس قيادة الثورة تنتقل للحياة العامة، وقد كان من رأي رشاد مهنا اللجوء في قانون تحديد الملكية الزراعية إلى التعويض وعدم تفتيت الملكية بتوزيع الأراضي على الفلاحين في حدود الخمسة أفدنة، وبسبب سياسات مجلس قيادة الثورة والتي كان يراها تحيد عن أهداف ثورة يوليو 1952م المعلنة.[12]
وفي مذكرات خالد محي الدين أحد الضباط الأحرار وأحد أعضاء مجلس قيادة الثورة والتي نشرت باسم: “الأن أتكلم”، ذكر واقعة التحرك الذي كان سيتم من قبل قوات سلاح المدفعية بقيادة محمد رشاد مهنا وجاء نصاً في المذكرات: “بدأ حركة في سلاح المدفعية تنتقد مجلس الثورة وتسأل من اختار ضباطه وكانوا يعربون عن رفضهم لأن يمثلهم في مجلس الثورة عبد المنعم أمين وكمال الدين حسين وأعربوا عن انتقادات شديدة ضد الاثنين وطالبوا بأن ينتخب ضباط كل السلاح ممثليهم في مجلس الثورة وكان صلاح سالم يتصل بهؤلاء الضباط ويناقشهم وأفهمنا أنه يحاول تهدئتهم والغريب أن أحد من زملائنا في القيادة لم يستشعر حساسية من اتصال صلاح سالم بالمدفعية كتلك التي استشعروها إزاء علاقتي بالفرسان”.
وأكمل خالد محي الدين شرح المحاولة فقال: “وبدأ ضباط المدفعية في التحرك واتصلوا برشاد مهنا الذي كان ثائرا ضدنا بطبيعة الحال والذي اصطدم بنا طويلا عندما كان عضوا في مجلس الوصاية على العرش وكان من بين ضباط المدفعية: سامي شرف، أحمد شهيب، محسن عبد الخالق، فتح الله رفعت، ومصطفى راغب. وعندما بدأ زكريا محيي الدين في التحقيق مع سامي شرف اكتشف مكتب زكريا ثم نقل بعدها إلى مكتب عبد الناصر. والحقيقة أن سامي شرف لم يكن يمتلك معلومات كثيرة عن تحركات المدفعية لكن أقواله ضد زملائه اتخذت كدليل على وجود شيء ما.. ووجود شيء ما كان كافيا لدى بعض الزملاء في القيادة لتوجيه ضربة قاصمة لأصحاب هذا الشيء. وأبلغونا في المجلس أن هناك محاولة في المدفعية لعمل انقلاب وأن ثمة ضباط من المدفعية يرتبون لاقتحام ثكنات قصر النيل خلال اجتماعنا فيها ويقبضون علينا. وعندما قدمت لنا هذه المعلومات انبرى جمال سالم لتفجير الموقف وتصعيده واقترح أن نقبض عليهم وأن نقدمهم لمحاكمة ثورية ثم نعدمهم وقال: هم إذا كانوا قبضوا علينا كانوا سيقتلوننا فنحن نقتلهم جميعا ونشكل محكمة منا لإصدار أحكام الإعدام حتى يخاف الجميع”.[13]
وأضاف “محي الدين في مذكراته: “وبدأوا في تقديم الأسماء التي سيتم القبض عليها وفوجئت باسم أحمد حمروش من بينها والحقيقة أنهم جمعوا أسماء كل الضباط الذين أعربوا عن معارضتهم أو انتقاداتهم ولو بأقل قدر، وبقي حمروش في سجن الأجانب ستة أيام ثم أفرج عنه لكن بعض المقبوض عليهم ضرب ضربا مبرحا وكانت هذه بداية سيئة للغاية. وعندما قبض على هذه المجموعة من الضباط قرر حسن الدمنهوري أحد ضباط سلاح الفرسان أن يتحرك واتصل بأخيه وطلب منه أن يفاتح توفيق عبده إسماعيل في الفرسان وخلال هذه الاتصالات أبلغ عنهما ضابط اسمه صفي الدين حسين وحوكم حسن الدمنهوري وحاولوا إصدار حكم بالإعدام ورفضت بشدة وهنا قال لي صلاح سالم: أرجوك وافق على الإعدام لكي نخيف الضباط وأعدك أن نطلب إلى نجيب عدم التصديق على الحكم وقد تم هذا فعلا”.
وأكد خالد محي الدين في مذكراته أنهم أثناء محاكمة تلك المجموعة لم يجدوا دليلاً على تحرك تلك المجموعة بل فقط كانت أحاديث بينه بين أعضاء المجموعة حيث جاء في المذكرات: “ترأس جمال عبد الناصر جلسة المحاكمة والحقيقة أنه لم يكن هناك أي دليل جدي على القيام بحركة كان هناك مجرد كلام وانتقادات ولهذا أنا صممت على عدم صدور أي حكم بالإعدام فقد تشاوروا معا واتفقوا على عمل انقلاب، لكن لم يقوموا بأي عمل تنفيذي وعندما رفضت حكم الإعدام ثار جمال سالم وقال: من لا يوافق على الإعدام عليه أن يوقع وثيقة إعدام الثورة ذاتها. وثرت ثورة عارمة وتمسكت بموقفي واستمر النقاش حوالي 48 ساعة دون أن نصل إلى حل، حتى تدخل عبد الناصر وقال: أنا أؤيد خالد وأنا ضد الإعدام”.
وفي 30 من مارس 1953 أذاعت محكمة الثورة المكونة من كل أعضاء مجلس القيادة برئاسة جمال عبد الناصر، حكمها في القضية المتهم فيها محمد رشاد مهنا وكانت الأحكام على النحو التالي:[14]
ب-تمرد 1954م:
زادت استقالة محمد نجيب في فبراير 1954م من منصبه كأول رئيس لمصر من حالة الغضب داخل الجيش المصري، وأصبحت الصورة واضحة بشكل أكبر أمام العديد من الضباط بأن مجلس قيادة الثورة ينحرف عن أهداف ثورة يوليو 1954م، وعليهم أن يقوموا بتصحيح مسار الثورة بإبعاد عبد الناصر ومجموعته من مجلس قيادة الثورة.
الضابط أحمد المصري وهو ضابط بسلاح الفرسان كان أحد العناصر القيادية في سلاح الفرسان التي حاولت القيام بانقلاب على جمال عبد الناصر في شهر إبريل من عام 1954م.
وقد شرح أسباب محاولة سلاح الفرسان للقيام بتلك المحاولة في لقاء متلفز له وجاءت كلمات أحمد المصري كالتالي: “في بداية اللقاء سأل المذيع الضابط أحمد المصري بوضوح شديد هل قمت بمحاولة انقلاب على جمال عبد الناصر؟” فكانت إجابته “نعم حدث في إبريل 1954م، ومكنتش قضية محمد نجيب بحد ذاتها هي المحك أنما كانت عملية تفريغ الثورة أولاً بأول من رجالها أو أبنائها، وقد تكررت هذه المسألة أكثر من مرة، وظهر أن مجلس الثورة ينتهج نهجاً بعيداً تماماً عن أهداف الثورة ولعل أهمها من وجهة نظري هي الديمقراطية والحريات العامة”.
وأكمل المصري كلامه قائلاً: “وبدأ الموضوع بنقاش مع عبد الناصر في مجلس الثورة واستغرق حوالي من 8 إلى 9 ساعات طالبنا فيه برجوع المجلس عن قرارة بإقصاء نجيب ولكن المجلس أصدر قراره باستبعاد نجيب في صباح اليوم التالي للاجتماع، والبيان الذي أصدره صلاح سالم إلي الأمة كان مليئاً بثغرات ومهاترات وألفاظ لا يجوز أن تكون”.
واستكمل المصري قائلاً: “وفي الليلة التالية قررنا أن نناقش عبد الناصر شخصياً في القرار الذي اتخذه مجلس قيادة الثورة ومحاولة الرجوع بالبلاد مرة أخري إلي وضع طبيعي، وبالتالي ينسحب مجلس الثورة من مكانه، وينتخب رئيس جمهورية، وتشكل وزارة ديمقراطية وطنية، ويشكل دستوراً للبلاد، وتبدأ هذه الحكومة الانتقالية لستة أشهر تكون هذه الإجراءات تمت وتعود البلاد مرة أخري إلى نظام ديمقراطي وحزبي”.[15]
بهذه الكلمات أكد الضابط أحمد المصري على محاولة القيام بانقلاب عسكري على جمال عبد الناصر بسبب سياساته وابتعاده عن طريق الديمقراطية ولكن لم يشرح كيف كانت ستتم تلك المحاولة.
ويضاف إلي ما قاله الضابط أحمد المصري في شرح الأسباب التي دفعت سلاح الفرسان للقيام بمحاولة الانقلاب على جمال عبد الناصر ما جاء في أحد رسائل الضابط محمود عبد اللطيف حجازي حيث كان أحد ضباط سلاح الفرسان الذين شاركوا في تلك المحاولة – حيث جاء في رسالته: “أحست هذه المجموعة بأن المجموعة الحاكمة قد صدر منها بعض التجاوزات التي تنذر بعواقب وخيمة غير محمودة وأيضا كان الإحساس واضحا بأننا على أبواب ديكتاتورية عسكرية مقيتة على يد مجموعة شابة ناقصة الخبرة ناهيك عن الشفافية، لما أحسسنا ذلك قمت وزميلي الراحل أحمد المصري وفاروق الأنصاري بدعوة ضباط سلاح الفرسان إلى ما سمي بعد ذلك باجتماع الميس الأخضر وبحضور جمال عبد الناصر ليلتها أصر كافة ضباط سلاح الفرسان على أن الحياة النيابية هي مطلبهم الوحيد حتى يتفرغ الجيش للمعركة مع إسرائيل التي كانت ومازالت هي الشاغل الأول للجميع وكان جزاء هذه المجموعة أن شُرد بها ورضينا بهذا الشرف أن نكون شهداء مبدأ وضحايا كلمة حق.[16]
وفي مذكرات الضابط خالد محي الدين[17] والتي نشرت تحت اسم: “الأن أتكلم، شرح بالتفصيل محاولة الانقلاب الذي كانت ستقوم على جمال عبد الناصر والتي كان يتزعمها الضابط أحمد المصري وكان معه كلاً من أحمد سامي ترك وأحمد إبراهيم حمودة ومحمود حجازي وفاروق عزت الأنصاري وعبد الفتاح على وأحمد فتحي الناقة وعبد الله فهمي وكانت تلك المجموعة كلها من سلاح الفرسان.
وأوضح خالد محي الدين في مذكراته أن هؤلاء الضباط هموا بأن يقوموا بانقلاب عسكري لعدة أسباب منها كما جاء نصاً في مذكرات محي الدين: ” قد تواترت إلى مسامع عدد من ضباط سلاح الفرسان أنباء عن خلافات بين مجلس قيادة الثورة ونجيب ثم وصل إليهم نبأ قبول استقالة نجيب ومد فترة الانتقال وقد أثارت هذه الأخبار هواجس ومخاوف العديد من الضباط الفرسان وخاصة بعد أن تأكد لهم عن طريق حسين الشافعي صحة الخبر. كان ضباط الفرسان ضد مد فترة الانتقال الذي يعني بالضرورة عدم عودة الحياة النيابية وافتقاد الديمقراطية وكانوا يتفقون معي ومنذ زمن على هذه المبادئ الأساسية”.
وملخص الأحداث التي وقعت في سلاح الفرسان بناء على ما ذكره “خالد محي الدين” هي قيام ضباط سلاح الفرسان بالاعتصام في «ميس» السلاح، وزارهم عبد الناصر كي يتناقش معهم عن أسباب تمردهم قاموا بالتشاحن معه واتهموا مجلس قيادة الثورة بالانقلاب على مبادي ثورة يوليو وبناء على ما ذكره خالد محي الدين “فقد قاموا بتشغيل محركات المدافع لتخويف عبد الناصر” والذي لم ينس تلك الواقعة لتلك المجموعة”.
بعد خروج عبد الناصر تمت محاصرتهم من قبل ضباط سلاح المشاة الموالين لجمال عبد الناصر وحلق الطيارون فوق مكان الاعتصام، وأشرفت البلاد على حرب داخل الجيش المصري بين الأسلحة وعرض الضابط محمد أحمد رياض قائد الحرس الخاص على نجيب فكرة التحرك والتحفظ على أعضاء مجلس قيادة الثورة، إلا أن نجيب رفض هذه الفكرة منعا للصدام المباشر، إلا أن نجيب صرح لاحقاً عقب نكسة 1967 بأنه نادم بشدة على عدم حسم هذا الأمر في وقته، حيث كان يتمتع بشعبية كبرى وولاء العديد من القيادات العسكرية له.
وتم اعتقال ضباط سلاحي الفرسان والمدفعية الموالين لنجيب، وتداركاً للموقف الحرج تراجع عبد الناصر في 27 فبراير 1954 عن قرار الإطاحة بنجيب بحجة الحفاظ على وحدة الأمة، وعاد محمد نجيب مجدداً إلى منصبه كرئيس للجمهورية.
ولاحقا، هُزم نجيب في المعركة التي عرفت باسم أزمة مارس 1954، بعدما خرجت في يوم 28 مارس 1954 أغرب مظاهرات في التاريخ قام النظام بتدبيرها وهتفت بسقوط الديمقراطية والأحزاب والرجعية. وبعد خروج نجيب تم معاقبة كل من شارك في محاولة تمرد سلاح الفرسان.
ثالثاً: فترة الانقلاب الصامت:
بعد تمرد عام 1954م، سيطر جمال عبد الناصر ومجموعته بشكل تام على المؤسسة العسكرية، ولم تقع أي حالة تمرد داخل المؤسسة العسكرية منذ ذلك التاريخ حتي عام 1971م، بالشكل الصريح والواضح، وكان فرسا الرهان داخل المؤسسة العسكرية، جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، وتلك الفترة أسست مرحلة جديدة من الحكم داخل الدولة المصرية لترسيخ معني الحكم العسكري بشكل أشمل، وهما جناحا الحكم “مؤسسة الرئاسة ومؤسسة الجيش” وكانت من ركائز تلك المرحلة الفصل، حيث يكون جمال عبد الناصر هو الرئيس السياسي للبلاد وأن يكون عبد الحكيم عامر هو الرجل الأول داخل الجيش وقد كان بالفعل. ولكن طبيعة شخصية عبد الناصر لم ترض بأن يكون له منافس داخل الدولة المصرية، لذلك عمل بعد فترة وجيزة من تولية الحكم على إخراج عامر من المشهد بأي شكل كان.
فالمشير عبد الحكيم عامر كان قائد القوات المسلحة المصرية لـ 13 عامًا، وكان تحت تصرفه الشرطة العسكرية، والمباحث الجنائية العسكرية، والبوليس الحربي، والمخابرات الحربية، ولجنة تصفية الإقطاع، والاتحادات الرياضية، وقطاع النقل العام، بحيث كان يتولى مسؤوليات سياسية وتنفيذية كثيرة بجانب قيادته للمؤسسة العسكرية.
من هنا بدأ الصراع بين رأسي الدولة المصرية: زعيمها، ورجلها الأول «جمال عبد الناصر» وقائد جيشها، ورجلها الثاني «عبد الحكيم عامر»، حيث كان الصراع على السلطة بين الرئيس والمشير ساخنًا؛ فناصر هو زعيم الأمة المؤيد بجماهيرية الشعوب، وعامر هو قائد الجيش المؤيد بجماهيرية ضباطه، وهنا مكمن الخطر الذي كان يستشعره عبد الناصر، انقلاب المشير والجيش عليه، فكان لابد من التخلص منه قبل احتمالية حدوث هذا الانقلاب.
وورد بـكتاب (ناصر وعامر) للكاتب عبد الله إمام: “كان ناصر يحب حكيم. هذه حقيقة دفعت مصر ثمنها غاليًا، فناصر القوي كان يضعف أمام طلبات ورغبات صديقه، وحكيم كان يستغل هذا في السيطرة على مؤسسات مهمة وحساسة، من هنا بدأت المعركة الخفية والسباق على السيطرة، فالرئيس لا يريد شريكًا في القرارات لأنه الرجل الأول، وهذا حقه، والرجل الثاني أمسك في يده خيوطا مهمة وكثيرة صورت له أنه بات أقرب إلى لقب الرجل الأول، وهذا طموحه. هنا وقعت مصر بين الحق والطموح. كان كل منهما يريد السيطرة على الآخر، عبد الناصر يريد أن يُحكم سيطرته على عامر ومؤسسته العسكرية، وعبد الحكيم يريد أن يمتد نفوذه إلى عبد الناصر وجماهيره. وهكذا بدا الصراع بين الطرفين: عبد الناصر الشعب معه في جانب، وعبد الحكيم الجيش معه في جانب آخر”.[18]
ازداد السوء في العلاقة بين جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر بسبب لوم ناصر لعامر وأسلوب إدارته للمعارك في أعقاب العدوان الثلاثي 1956، ثم فشل الوحدة بين مصر وسوريا 1958، ثم تدخل مصر في اليمن 1962، وأنهت نكسة 1967 على ما تبقى من ود بينهما، بعد قصف المطارات العسكرية المصرية، والانسحاب غير المخطط للجيش، والذي صدرت أوامره من قبل عامر شخصيًا. وفى أعقاب الهزيمة أعلن عبد الناصر التنحي من منصبه، إلا أن المظاهرات عمت أرجاء البلاد مطالبة بعدم تنحيه، وبعد عودته أصدر بيانه الشهير بعزل قيادات الجيش وتعيين قيادات جديدة، وكان هذا البيان ذروة الصراع بين ناصر وعامر.
وتولي الفريق محمد فوزي قيادة الجيش المصري خلفا للمشير عبد الحكيم عامر القائد العام للجيش المصري وكانت أولى الخطوات التي اتخذها الفريق أول محمد فوزي هي تطهير الجيش من قيادات الصف الثاني المسئولة عن هزيمة 1967. وفي 13 سبتمبر 1967 توفي المشير عبد الحكيم عامر، ونص البيان الذي ذكره النائب العام يوم 10 أكتوبر 1967: «مما تقدم يكون الثابت أن المشير عبد الحكيم عامر قد تناول بنفسه عن بينة وإرادة مادة سامة بقصد الانتحار، وهو في منزله وبين أهله يوم 13 سبتمبر 1967، قضى بسببها نحبه في اليوم التالي، وهو ما لا جريمة فيه قانونًا، لذلك نأمر بقيد الأوراق بدفتر الشكاوى وحفظها إداريًا».
ولكن البعض يقول أن المشير عبد الحكيم عامر مات مسموما أثناء وضعه تحت الإقامة الجبرية وحجزه في استراحة تابعة للمخابرات المصرية في المريوطية بالجيزة، تقول عائلته وآخرون إنّ السم قد دُسّ له من قبل أجهزة أمنية تابعة للدولة.
وفي عام 2007 أكدت الممثلة برلنتي عبد الحميد –زوجة المشير عبد الحكيم عامر في ذلك الوقت – أن الطبيب الذي حقق في الوفاة أكد لها أنه مات مسمومًا، وأطلعها على صورة التقرير الطبي الأصلي الذي يثبت ذلك، كما أن عامر أخبرها بمخاوفه من أن تقوم أجهزة عبد الناصر بقتله للتخلص منه بسبب ما في حوزته من معلومات، كما أخبر صلاح نصر -رئيس المخابرات العامة وقتها- بتلك المخاوف، حيث توقع أنهم سيجعلونه «كبش فداء» للهزيمة، وأن الحديث عن تخاذل الجيش وقادته هو بمثابة تحضير لقتله، «فعبد الناصر لم يكن ليرضى بأن يتحمل المسئولية». بينما أوضح جمال عامر (نجل المشير) أنه طالب بإعادة فتح التحقيقات في وفاة أبيه خلال عهد مبارك، لكن زكريا عزمي – رئيس الديوان حينها – طالبه بإغلاق هذا الموضوع بتعليمات من مبارك؛ لدواعٍ أمنية. وأكد جمال أن المشير قُتل بالسم، بعدما «أعطوا له جرعة مات بعدها بـ 5 دقائق، لأنها طبقاً لآراء خبراء الطب الشرعي، كانت كفيلة بقتل 50 شخصًا».[19]
المرحلة الثانية: فترة حكم السادات:
وشهدت عدد من المحاولات والصدامات التي انتهت باغتيال السادات في أكتوبر 1981، ومن أهم هذه المحاولات:
أولاً: الخلاف بين الفريق فوزي والسادات:
إن سياسة أنور السادات قوبلت بمعارضة شديدة بعد عدة أشهر من تنصيبه رئيساً للجمهورية وكانت قيادة الجيش المصري تراقب الوضع السياسي كالعادة في ذلك الوقت، كان وزير الدفاع في ذلك التوقيت هو الفريق محمد فوزي والذي كان تم تعيينه وزيراً للدفاع في 24 نوفمبر 1967م، حتى تمت الإطاحة به في 14 مايو 1971م، بعد اتهام السادات له بمحاولة القيام بانقلاب عسكري عليه.
ففي 14 مايو 1971 قدم محمد فوزي استقالته من جميع مناصبه تضامناً مع بعض الوزراء احتجاجاً على سياسة الرئيس السادات، وتم اعتقاله مع عدد كبير من كبار المسؤولين السابقين وحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة، لاتهامه بالتآمر ضد الرئيس السادات فيما عُرف بثورة التصحيح وتمّت محاكمته أمام محكمة عسكرية ورغم أن الرئيس السادات كان قد أصدر قرارا بإعدامه إلا أنّ المحكمة العسكرية رفضت الحكم عليه بالإعدام على أساس أن قائد الجيش لا يُعدم إلا بتهمة خيانة الوطن والاتصال بالعدو أثناء الحرب. وصدر قرار بالعفو عنه في عام 1974.[20]
الفريق محمد فوزي كان معارضاً لسياسة الرئيس الأسبق محمد أنور السادات وتحديداً في إدارة خطة معركة التحرير ويوضح الفريق محمد فوزي هذا الخلاف وحقيقة تفكيره لتنفيذ انقلاب على السادات في لقائه الذي قام به مع الإعلامي عماد الدين أديب عام 1995م، وجاء نصاً على لسان الفريق فوزي في اللقاء ما يلي:
“كنت في بداية حكم السادات أراقب الوضع وكنت أقوم بعملية مقارنة بين عبد الناصر والسادات في كيفية إدارته للبلاد والجيش تخطيطاً وأسلوباً، وفي بداية حكم السادات اجتمع بي وطمأنني، وقال لي: أنا مغيرتش حد فيكم يا فوزي، والطبيعي أنه رئيس جديد ممكن يجيب معاه الناس بتوعه، وقالي إنه مع خطة ومعركة التحرير، وخرج من عندي قال نفس الكلام للضباط وقال أنا موافق على معركة التحرير”.
وأستكمل الفريق محمد فوزي حديثة وقال: “أنا ومحمود رياض فقط اللي كنا بنفهم عقلية عبد الناصر العسكرية”.
وأضاف: “عندما قابلت السادات عام 1970م، بعد عدة شهور من تنصيبه رئيساً للجمهورية، قال أنا مش عبد الناصر أنا مقدرش أتحمل تكاليف خسارة معركة، وقالي أنت راجل عسكري معروف، ولك خبرة قديمة بقصة الأمور العسكرية فكان يريد أن يطمئنني أكثر “[21]
وفي شرح بداية الخلاف بينه وبين السادات قال فوزي: “في نوفمبر 1970م، طلع تصريح من موشية دايان أثناء رجوعه من زيارة إلى باكستان، وقال إن الأفضل لكل من مصر وإسرائيل أن تبعد القوات من قناة السويس لإمكان فتحها للملاحة الدولية. التصريح ده كان بالون اختبار من دايان للسادات لمعرفة رأيه في معركة التحرير، لاحظت أن هناك تجاوب من السادات لهذه الفكرة وبدا كلامه الذي كان يقوله في بدابة حكمة تختلف عن معركة التحرير بل تلغي فكرة التحرير، والسادات كان يرى أن هذا سيقرب منه الغرب بشكل كبير، كما سيقرب منه الشرق بصورة أكبر، وكان يقول إنه ممكن يحيد الأمريكان وأنا كنت بقوله إسرائيل هي بنت أمريكا”.
وجاءت في شهر نوفمبر 1970 اتصالات برؤساء دول وزراء خارجية بالضغط على مشروع سحب القوات من قناة السويس وأنور السادات هو الذي فتح الاتصالات. واستفسرت قانونياً حول تلك الاتصالات وسئلت هل لرئيس الجمهورية الحق في أن يتصل بناس في الخارج ويفتح معها موضوع مثل هذا، قالوا لي له حق الاتصال ولكن داخل إطار تحرير الأرض”.
وأستكمل وزير دفاع الجيش المصري كلامه وقال: “السادات كان يريد تحرير الأرض دون حرب، ديان بتصريحه كان يريد معرفة رد فعل السادات وكشفته، وهذه الاتصالات أكيد وصلت لديان. تحدثت مع زملائي في الجيش أنى لست سعيد بما يفعله السادات، هذا الكلام وصل للسادات ولكن النزاع الذي كان بيني وبين السادات ليس نزاعاً شخصياً، لكنه نزاع رأي أنا بدافع عن حاجة تخص البلد وكنت بخاطبة بسيادة الرئيس. وبعد كدة جاءت الاتصالات الغير قانونية بالإدارة الأمريكية وال CIAوالاتفاقيات التحتية باشتراك السعودية والمقايضات التي كشفتها التسريبات، السادات كان مصمماً على تحرير سيناء بدون حرب، وهو قالها في التلفزيون قبل الحرب قال إنه عايز من القوات المسلحة تحرير شبر من شرق القناة وعليا إني أجيب الباقي سلمياً.
كان عندي كوني وزيراً للدفاع الترددات داخل مصر الخاصة بالسفارات والقنصليات ومرسومين على خريطة في المخابرات الحربية والمخابرات العامة، وتتم عملية مسح ومراجعة كل شهر. في شهر يناير 1971م، أضيف لهذه الترددات شبكة جديدة والخبر جاء لي، قلت أريد مكان التردد، فكان بيت أنور السادات، ذهبت إليه وقلت: عيب يا سيادة الرئيس هذا إحنا كشفناه وبلغته أنه يحول هذا العمل إلى جهة مختصة مثل المخابرات العامة وهي تبلغك بالنتائج وفعلاً بعد كدة نفذها ولكن بشيء من الامتعاض لبيت فوزي عبد الحافظ السكرتير الشخصي له، كانت الرسائل تأتي مشفرة والسادات هو من كان عنده المفتاح ويقوم الطاقم الخاص به، بفكها، بعد هذا جاءت حكاية سيكو وروسيتش وعلمت أن هناك طلبات ذهبت إلى ديان من السادات”.
وأضاف فوزي:” حضرت جلسة 9 مايو 1971م، ومعي محمود رياض ومحمود فوزي وأشرف غربال وسيسكو وأنور السادات في منطقة الجيزة وسمعت ردود ديان على أنور السادات، أسئلة السادات لم نكن نعرف عنها شيء، بعد ذلك عرفنا بعض الأفكار، مثل الفكرة اللي قالها دايان في نوفمبر 1970م، أنه غير راضي على أن القوات المسلحة المصرية تنقلب شرقا ويكون وظيفتها حماية قناة السويس، وكان يريد أن القوات تكون تابعة للشرطة المدنية.
سيسكو قال لأنور السادات أنت عندك معركة داخلية قبل معركة ديان، ومن أجل هذا لابد من أن تحل معركتك الداخلية بحل الاتحاد الاشتراكي، والتخلص من فوزي لأنه ومحمود رياض، لأنهما غير راضيين عن الأسلوب السياسي والعسكري.
هذه الورقة وصلتنا يوم 9 مايو 1971م، والتي تحرك من خلالها السادات بدعوي إننا نتنصت عليه، ونحن كنا نتنصت على برجس وليس على رئيس الجمهورية. السادات يوم 14 مايو 1971م، قال في خطابه: إننا وضعنا له أجهزة تنصت في بيته، وإن نريد أخذ الإذاعة والتلفزيون، وهذا لم يحدث أبداً، أنا كنت أفكر في تقديم استقالتي ولم أفكر في عمل انقلاب، لأن المهمة التي كلفت بها من جمال عبد الناصر في 1967م، انتهت ورأيت أن السادات لا يفكر في معركة حقيقية.
والمجموعة التي قال السادات إنها ستنقلب عليه كانت تجتمع مع بعضها يومياً بشكل أخوي وليس هناك أي محاولة إعداد لانقلاب، ولو كان هناك محاولة انقلاب هل حد رأي أي قوات ووحدات تحركت في الشارع؟ تلك المجموعة هي التي جعلت من السادات رئيساً شرعياً، ونحن لم تكن لدينا فكرة انقلاب، لأن لم نكن نريد تحويل مصر مثل سوريا بعد الانقلاب الذي تعرضت له، والمجموعة الذي تم إخراجها هم 91 شخصاً”.
من قراءه كلمات وزير الدفاع الفريق محمد فوزي نرى أنه كان على خلاف بشكل كبير مع سياسات أنور السادات وكان يحاول تصحيح مسار المؤسسة العسكرية، من وجهة نظره، وأنه ربما كان يفكر في القيام بانقلاب عسكري على السادات كما يري البعض ولكنه لم ينجح في هذا وتم التنكيل به من قبل السادات، وتظل في التاريخ محاولة من محاولات التغيير داخل المؤسسة العسكرية المصرية.
السادات وبعد التنكيل بالفريق محمد فوزي، عين خلفاً له الفريق محمد أحمد صادق، والذي ظل وزيراً للدفاع من (15 مايو1971 حتى 15 أكتوبر 1972)، وعزله أيضاً السادات لاختلافه مع رؤيته لتحرير سيناء، وحل مكانه المشير أحمد إسماعيل علي.
وفي شهادة أمجد نجل الفريق محمد صادق قال أن والده رفض انقلاب الفريق محمد فوزي وشعراوي جمعة وعلي صبري على السادات، وأضاف “أمجد” “الفريق محمد فوزي حاول استمالة الفريق صادق للإطاحة بالسادات لكن صادق انحاز الي الشرعية والمصلحة العليا لمصر وليس للسادات”.[22]
ثانياً: تنظيم الكلية الفنية العسكرية:
يعد تنظيم الكلية الفنية العسكرية عام 1974م، أحد أشكال التمرد داخل الجيش المصري، ولكن لم ينضم إلي التنظيم ضباط خريجين حاملي رتب عسكرية، ولكن فقط انضم له عدد من طلبة الكليات العسكرية، وهذا يشير إلي نقطة مهمة وهي الأهداف المختلفة التي تدفع الأفراد للالتحاق بالكليات العسكرية، فبشكل عام هناك أهداف مختلفة تدفع الأفراد للالتحاق بالكليات العسكرية فكل طالب يقوم بالتقديم كي يلتحق بالكليات العسكرية يكون له هدف من وراء ذلك فمثلاً البعض كان يري أن إسرائيل هي العدو الأساسي للجيش المصري فينضم للجيش كي يواجه ذلك العدو ومنهم من يلتحق من أجل الحصول على الامتيازات الخاصة التي يتحصل عليها ضباط الجيش، ومنهم من يلتحق وله تصور معين عن المؤسسة العسكرية ومباشره بعد الالتحاق يري أن تصوره كان خاطئاً ويحاول تصحيح المسار بطرق مختلفة حتي ولو كان ما زال طالباً وليس خريجاً.
بدأ تنظيم الكلية الفنية العسكرية متبنيا فكر الجهاد القائم على تغيير الأنظمة الحاكمة بالقوة حيث إنها في تصوّره “أنظمة كافرة” والواجب تغييرها بالقوة. أُسس التنظيم في عام 1973على يد الدكتور صالح سرية، الفلسطيني الأصل الأردني الجنسية. بدأ صالح سرية حياته ضابطا في منظمة التحرير الفلسطينية وارتبط بحزب التحرير الإسلامي الذي أنشأه الشيخ تقي الدين النبهاني سنة 1952، عاش سرية في الأردن بعد خروجه من حيفا التي نشأ فيها حتى مذابح سبتمبر 1970 وذهب إلى القاهرة وحصل على الدكتوراه من جامعة عين شمس في التربية، ثم ما لبث أن غادرها إلى بغداد، وعمل في إحدى جامعاتها، لكنه لم يلبث أن خرج منها هاربا بعد أن حُكم عليه غيابيا بالسجن بتهمة تكوين خلية لحزب التحرير ومناهضة نظام الحكم في بغداد، وعاد مرة أخرى إلى القاهرة وكوّن تنظيما خاصا من طلبة الفنية العسكرية، وطلبة جامعة القاهرة والأزهر. [23]
نجح سرية في توصيل أفكاره لبعض الطلاب المنتمين للكلية الفنية العسكرية ثم انضم إليه بعض طلاب الكلية الجوية، الرافضين لنظام الحكم في مصر كونه نظام يسير على نهج غير إسلامي. يعد طلال عبد المنعم الأنصاري واحدا من أهم قيادات تنظيم الفنية العسكرية بعد صالح سرية، وهو من مواليد محافظة الإسكندرية عام 1941 وكان أحد المدبرين الأساسيين لعملية الهجوم على الكلية الفنية العسكرية. ومن أهم قيادات تنظيم الكلية الفنية العسكرية كارم الأناضولي الذي كان طالباً بالكلية الفنية العسكرية ويحيى هاشم من مواليد القاهرة ومن خريجي كلية الحقوق جامعة القاهرة الذين كان قد عُين وكيلا للنائب العام عقب تخرجه.[24]
وأصبح سرية هو القائد الفكري بالنسبة للطلبة العسكريين، وكتب صالح سرية زعيم التنظيم رسالة صغيرة عنوانها “رسالة الإيمان” وهي الوثيقة الأساسية لمعرفة أفكار وتصورات الجماعة. وصفت “رسالة الإيمان” نظام الحكم القائم في بلدان المسلمين بقولها: “إن الحكم القائم في جميع بلاد الإسلام هو حكم كافر”. وتستند في ذلك إلى قاعدة (غلبة الأحكام) التي من خلالها يمكن تكفيرُ الدولة. إن السبيل لتغيير هذه “الحكومات الكافرة” في نظر التنظيم هو “الجهاد في سبيل الله”.
كان صالح سرية يرى أن الظروف الموضوعية لا تساعد على قيام ثورة شعبية إسلامية، لذلك قرّر اتِّباع أسلوب الانقلابات العسكرية، وبدا أن النظام في رأيه ليست له جذور شعبية، فإن تصفية عناصره الرئيسية ستؤدي إلى انهياره، وكانت خطته تقوم على أساس القبض على عناصر النظام الرئيسية في أي اجتماع يجمع أكبر قدر منها، وكانت له كلمة مشهورة يقول فيها “لو كان لي مائة فرد يمتلكون إيمان أهل بدر لكان ذلك كافيا لإسقاط النظام”.
وبعد نجاح سرّية في تكوين تنظيم واسع ومتنوع جغرافيا من مجموعة من الشباب، قسمهم إلى مجموعات صغيرة على رأس مجموعة الإسكندرية “كامل عبد القادر (طب) وطلال الأنصاري (هندسة)، ومجموعة “بور سعيد” بقيادة أحمد صالح، ومجموعة “القاهرة والجيزة” وعلى رأسها حسن الهاوي ومصطفى يسري، ومجموعة “قنا” بقيادة محمد شاكر الشريف، وأبقى مجموعة “الفنية العسكرية” بقيادة كارم الأناضولي وباقي الكليات العسكرية تحت قيادته المباشرة.
تم وضع الخطة الأولى للتنظيم، وهي اغتيال الرئيس السادات مع كبار قياداته بالمطار عند عودته من زيارة خارجية ليوغوسلافيا، وتم تكليف مجموعة القاهرة والجيزة بقيادة “حسن الهلاوي” برسم خريطة تفصيلية للمطار، ولكن لعدم قيام المجموعة بما كلفت به تم إلغاء الخطة.
وفي عام 1974 تم وضع خطة لاقتحام كلية الفنية العسكرية والاستيلاء على أسلحة منها، تمهيدا للهجوم على اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي التي كان يخطب فيها الرئيس السادات، ثم يرغمونه على إعلان تنازله عن الحكم، ولكن تم اكتشاف الأمر وإلقاء القبض على المشاركين، وحكم على صالح سرية وعلى كارم الأناضولي بالإعدام، وكان هذا الأخير من طلبة الكلية العسكرية، والمتهم الثاني في القضية وخفف الحكم على طلال عبد المنعم الأنصاري بعد توسط أبوه عند الرئيس السادات بينما بُرِّأ معظم المشتركين وكانوا صغار السن.
ثالثاً: الصراع بين أحمد بدوي والسادات:
منذ عام 1981م، والي الأن تشوب عملية مصرع وزير الدفاع الفريق أحمد بدوي ومعه 13 قائداً من قيادات الجيش في تحطم الطائرة العسكرية الكثير من الغموض، ففي يوم الاثنين 2 مارس 1981 وبعد عملية المرور العسكري التي قام بها بدوي، والمرور على الوحدات والتشكيلات في المنطقة الغربية، توجه بدوى ورفاقه الثلاثة عشر من كبار قادة القوات المسلحة إلى أرض الهبوط بمنطقة سيوة، وما هي إلا لحظات وصعدت الطائرة العمودية ثم سقطت الطائرة حطاما على نفس أرض الهبوط في منطقة سيوة، بالمنطقة العسكرية الغربية، بمطروح وقتل بدوي ومعه 13 قائدا من كبار ضباط قيادات القوات المسلحة وهم:
1- اللواء صلاح قاسم رئيس أركان المنطقة العسكرية الغربية
2-اللواء على فايق صبور قائد المنطقة الغربية
3-اللواء جلال سرى رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة
4-اللواء أحمد فواد مدير إدارة الإشارة
5- اللواء عطية منصور رئيس هيئة الإمداد والتموين
6- اللواء محمد حشمت جادو رئيس هيئة التدريب
7- اللواء محمد أحمد المغربي نائب رئيس هيئة التنظيم والإدارة
8- اللواء فوزي الدسوقي مدير إدارة الأشغال العسكرية والإبرار
9-اللواء محمد حسن مدير إدارة المياه
10-عميد أركان حرب محمد السعدى عمار مدير هيئة عمليات القوات المسلحة
11-عميد أركان حرب محمد أحمد وهبي من هيئة العمليات بوزارة الدفاع
12-عقيد مازن مشرف من هيئة العمليات
13-عقيد أركان حرب ماجد مندور من هيئة العمليات
ونجا من الحادث 5 أفراد فقط منهم 4 طاقم الطائرة وسكرتير وزير الدفاع، وبناء على ما ذكره الضابط علوي حافظ وهو أحد الضباط الأحرار في كتابه “الفساد” فربما كان الفريق أحمد بدوي غير راضي على نهج المؤسسة العسكرية في فترة حكم الرئيس أنور السادات ونائبه محمد حسني مبارك وأن بدوي ربما كان يفكر في طريقة لتصحيح مسار المؤسسة العسكرية، وربما كانت ستتخذ شكل الانقلاب العسكري.
وذكر “حافظ” في كتابه: “بدوي ذكر له قبل أيام من مصرعه إنه تقابل مع السادات وأبدي له اعتراضه على صفقة طائرات حاملة جنود قادمة من خلال المعونة العسكرية الأميركية، وعندما سأله السادات عن سبب اعتراضه على تلك الصفقة قال له بدوي لأن وراءها استغلالا وأن هناك أناسا حولك يستغلون الصفقات العسكرية للإثراء منها وتحولوا إلى مافيا داخل الجيش وذكر له تفاصيل شركة الأجنحة البيضاء التي تأسست في أميركا للحصول على العمولات من تجارة توريد السلاح لمصر والمنطقة العربية”. وطلب من السادات وضع قواعد جديدة وأسلوب جديد للحصول على السلاح للقوات المسلحة، وأن هناك رائحة فساد بدأت تتسلل إلى الجيش، ويقول علوي حافظ أن الفريق بدوي اشتكي له أيضا من أن الملتفين حول السادات يتربحون أيضا من صفقات لتغيير الزي الرسمي للجيش وتحويله من زيتي إلى كاكي، ويختتم علوي كلامه منوها بأن أحمد بدوي قتل بعد 15 يوما من حديثه مع حافظ.[25]
وأكد علوي حافظ، والذي أصبح ضمن صفوف المعارضة في البرلمان في عهد السادات، في كتابه أن عهد السادات كان فاسداً للغاية وينذر بثورة أو انقلاب في الجيش، ولم يستطع السادات أن يستميل بدوي إلى معسكره خلال الأعوام الأخيرة لعهده.
وأكد علوي حافظ في كتابه ضلوع مبارك والسادات في مقتل “بدوي” فحسب شهادة علوي قال: ” لن يستطع أحمد بدوي أن يتحول إلي لص كغيره من هؤلاء اللصوص الذين ملأوا الدنيا ضجيجا وقتها”. وذكر حافظ في كتابه: “أن السادات قام بتصفية الفريق بدوي ومعه كبار قادة القوات المسلحة.
قبيل وفاته بقليل قال أحمد بدوي إن السادات يسعي لتصفيته قريبا” وقال له نصا كما هو منشور في الكتاب المذكور: “أنور أعطاني ورقة بخط يده وبها أسماء بعض كبار قادة الجيش وقال لي: أنا عاوز دول يخرجوا من الخدمة قريبا فقلت له ياريس المجموعة دي تقاريرهم نظيفة جدا ومن العناصر الممتازة ففوجئت به يقول لي: أنا لما أقول يمشوا يعني يمشوا أنا القائد الأعلى للجيش فعقبت على كلامه وقلت: وأنا القائد العام ومن مهمتي أن أعرض على سيادتك من يخرج ومن يستمر في الخدمة فقال السادات بحدة: شوف بقي لو كنت عاوز تتعامل معي كما حدث من أحمد عرابي للخديوي يبقي لا. لا أنت أحمد عرابي ولا أنا الخديوي”.
ثم اعترف أحمد بدوي لصديقه بأن هناك مافيا من تجار السلاح تلتف حول السادات من كبار رجال الدولة وأنه عطل صفقة طائرات حاملة للجنود كانت قادمة من أمريكا وقد حاول أفراد هذه العصابة التربح والاستغلال على حساب الشعب المصري المسكين وهؤلاء اشتغلوا في السمسرة والعمولات وأساءوا لسمعة مصر خارجيا. وهكذا دخل أحمد بدوي في صدام وصراع شديد مع السادات ومبارك وكان هذا العصر قد دخل نفقا مظلما في أخرياته نتيجة الفساد الشديد.
وفي هذه الجلسة الصاخبة التي سبقت وفاته بأيام قليلة قال علوي حافظ أنه نصح أحمد بدوي بأن “يتغدى بالسادات قبل أن يتعشى به” وقال له ” أنت أصبحت مصدر قلق خطير بالنسبة له وبدأ يشعر إنك مش بتاعه، كما تأكد له أن ضميرك الحي لن يسمح لعصابات العمولات القذرة أن تمارس نشاطها القذر. صدقني يا أحمد لو كنت في موقع كبير في الجيش كنت أتفق مع القادة الذين يحبونني ويثقون بي، وأقوم بتخليص مصر كلها من السادات لأنه لن يستطيع تخليص مصر من هذا الطاووس المزهو بنفسه سوي قائد عسكري يملك القوة والسلاح عليك أن تدخل غرفة نومه وتأخذه بملابسه وتخلعه من الكرسي “. فرد أحمد بدوي قائلا: ” والله كلامك فيه شيء من المنطق” وبعد 15 يوما من هذا اللقاء سقطت طائرة أحمد بدوي، ويروي علوي حافظ أن السادات ربما سمعهم من خلال أجهزة التصنت فأدرك أن هناك محاولات داخل الجيش للإطاحة به فأطاح بهم أولا ولم يكتف بأحمد بدوي وإنما قتل معه 13 قائدا ربما كانوا يشكلون نواة تنظيم داخل الجيش ضد حكم السادات.[26]
جدير بالذكر أنه في التحقيقات التي تمت مع خالد الإسلامبولي قبل إعدامه أعلن أنه فكر في قتل السادات منذ لحظة مقتل الفريق أحمد بدوي لأنه كان مؤمن أن السادات هو قاتل أحمد بدوي[27]،
رابعاً: اغتيال السادات:
عملية مقتل الرئيس محمد أنور السادات تُعتبر عملية تمرد داخل المؤسسة العسكرية قام بها مجموعة من الضباط داخل الجيش المصري، لعدة أسباب منها اتفاقية كامب ديفيد التي أبرمها السادات مع الكيان الإسرائيلي وحملات القمع التي شنها السادات على الإسلامين والمعارضين بشكل عام، ولكن يري البعض أن المجموعة التي قامت باغتيال السادات لم يكن لديها أي تصور في كيفية السيطرة على الأوضاع بعد اغتيال السادات لقلة عددهم وركزت فقط بالتخلص من رأس النظام.
فبعد إبرام اتفاقية كامب ديفيد قام السادات بتحويل مسار المؤسسة العسكرية والبدء في تغيير العقيدة الراسخة للجيش المصري، ورأي البعض أنه بتوقيع مصر لتلك الاتفاقية حدث “تغيير” في العقيدة العسكرية للجيش المصري تغير فيها موضع إسرائيل كعدو استراتيجي للدولة المصرية، وأن مقولة الرئيس السادات بأن “حرب أكتوبر هي آخر الحروب بين مصر وإسرائيل” والسلام “خيار استراتيجي” أصبحوا شعار وعقيدة الجيش المصري،
وقد كتب المشير الجمسي والذي خدم في القوات المسلحة لمدة 39 عام مذكراته ونشرت بعد وفاة الرئيس محمد أنور السادات وتحديداً عام 1989م، واختار لها اسم ” خواطر مقاتل ساهم في حرب أكتوبر 1973″ تلك المذكرات أظهرت التحولات التي قام بها السادات في تغيير نهج وسياسة الجيش المصري مما أحدث حالة غضب داخل المؤسسة العسكرية بسبب تلك السياسات، ومما يدل على ذلك ما جاء نصاً في مذكرات المشير الجمسي حيث كتب “قام الرئيس الراحل أنور السادات بزيارة القدس في أواخر عام 1977 التي أطلق عليها “مبادرة السلام” وبعد مفاوضات سياسية وعسكرية بين مصر وإسرائيل وصلت إلى طريق مسدود، وقع الرئيس السادات “اتفاقية كامب ديفيد” بين مصر وإسرائيل في الولايات المتحدة الأمريكية في سبتمبر من العام التالي 1978، وكان رأي الرئيس السادات كما أبداه لي بعد أسبوعين من توقيع هذه الاتفاقية، أن مصر تمر بمرحلة جديدة تتطلب تغييراً شاملاً في مؤسسات وأجهزة الدولة. ولذلك قرر تغيير الوزارة حينئذ – وزارة ممدوح سالم التي كنت نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزير الحربية فيها – بوزارة أخرى، واختيار رئيس جديد لمجلس الشعب، وتغيير القيادة العسكرية – القائد العام ورئيس أركان حرب القوات المسلحة وإطلاق اسم وزارة الدفاع على وزارة الحربية. كما تتطلب المرحلة الجديدة إجراء مفاوضات مع إسرائيل لوضع اتفاقية كامب ديفيد موضع التنفيذ في صورة معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل”.[28]
وبقراءة تلك السطور نري أن اتفاقية كامب ديفيد فرضت على الرئيس السادات تغيير مجموعة القادة العسكريين التي أدارت حرب أكتوبر والمجيء بقيادات أخري، حتى لا تكون لديهم تلك النظرة الاستراتيجية نحو إسرائيل والتي يراها قادة حرب أكتوبر بانها عدو استراتيجي للعرب ككل ويصنفوا حالة الصراع على انه صراع عربي إسرائيلي. حتى فرضت دولة إسرائيل تغيير اسم الوزارة التي يتبع لها الجيش المصري من أسم يعبر عن أنها وزارة حرب كون هذا الاسم ضد عملية السلام، وتحويل اسمها إلى وزارة الدفاع!
إن من نفذوا عملية مقتل الرئيس السادات هم مجموعة من الضباط كانوا يراقبون ما يتم على الساحة السياسية وهم خالد الإسلامبولي وهو المنفذ الرئيسي للعملية وقد كان ضابطاً بالجيش المصري “أعدم”، وعبود الزمر الذي كان أيضاً ضابطاً بالمخابرات وشارك في تنفيذ وتخطيط العملية وحسين عباس “أعدم” الذي كان رقيب متطوع بالقوات المسلحة بالدفاع الشعبي، وكان أول من أطلق الرصاص على الرئيس السادات.[29] كذلك أيضاً عطا طايل حميدة رميح “أعدم” وهو كان ملازم أول مهندس احتياط وهو من ألقى قنبلة اليد على المنصة.[30]
وفي التحقيقات التي تمت مع خالد الإسلامبولي قبل إعدامه أعلن أنه فكر في قتل السادات منذ لحظة مقتل الفريق أحمد بدوي لأنه كان مؤمن أن السادات هو قاتل أحمد بدوي، وأنهم كانوا يقاومون نظاماً غير شرعي، وأرجع “الإسلامبولي”، دوافعه لقتل السادات، أثناء التحقيقات، إلى إهانة “السادات” للعلماء في آخر خطبه، ورميهم في السجن، إضافة إلى زيارة السادات لإسرائيل، وإبرامه معاهدة السلام، التي اعتبرتها الجماعات الإسلامية ردة وخيانة للقضية الفلسطينية والأرض المصرية المحتلة.[31]
المرحلة الثالثة: ما بعد ثورة يناير 2011 ـ 2018:
تعتبر ثورة الخامس والعشرين أول محاولة شعبية جامعة، تسعي للتخلص من حكم المؤسسة العسكرية، ومنظومات الفساد التي ارتبطت بها، وتفاقمت خلال حكم مبارك الذي امتد لنحو ثلاثين عاماً، ولكن لم يمض عامان على الثورة حتى انقلبت عليها المؤسسة العسكرية مرة ثانية، وبشكل تجاوز في سياساته وممارساته ما كان سائداً في عهد مبارك:
أولاً: انقلاب السيسي 2013:
يري البعض أن المؤسسة العسكرية تعاملت من أول لحظة من اندلاع الثورة المصرية في 25 يناير 2011م، بخطة محكمة مدروسة حتي تصل في نهاية الأمر إلي إعادة تموضعها مرة أخري وتسيطر على زمام الأمور، وحتي وإن تعاملت المؤسسة العسكرية بشكل إيجابي في بداية ثورة يناير وكانت عامل ضغط على الرئيس الأسبق حسني مبارك للتخلي عن الحكم لوجود مصالح كانت تبحث عنها المؤسسة العسكرية في أواخر حكم مبارك لعدة أسباب من أهمها عدم تأييد الجيش للتوريث الذي كان يسعي إليه حسني مبارك لأن في ذلك خروجا على مبدأ الحاكم ذو الخلفية العسكرية.
وبعد انقلاب 2013، سعي السيسي للسيطرة على الأوضاع داخل الجيش المصري، وحتى يصل السيسي في نهاية الأمر بالسيطرة على مقاليد الحكم بشكل تام وتحويل الحكم من حكم المؤسسة العسكرية لحكم الفرد قام بإخراج 36 قائد عسكري من المجلس العسكري الي الأن حتى يكون متفرداً بالقرار داخل الجيش، ويوصف البعض ذلك بأن السيسي قام بانقلاب داخل الانقلاب العسكري الذي تم في 03 يوليو 2013.
ففي أعقاب ثورة يناير 2011م، تغير دور “المجلس العسكري” بصفة جوهرية، وأصبح يمتلك إدارة الدولة، وأصبحت له صلاحيات واسعه. وفي منتصف عام 2011م، اتخذ المجلس قراراً استثنائيا، يقضي بأن أعضاء المجلس العسكري لن تنتفي عنهم الصفة العسكرية حتى لو تم إخراجهم من الخدمة بسبب ما أو عند إحالتهم للمعاش، وأنهم يظلوا على قوة الاستدعاء للمجلس العسكري، وبالتالي أي قائد عسكري يصبح عضواً في المجلس العسكري في أي وقت من بعد 2011، يُصبح مستدعي على قوة المجلس حتى لو خرج من الخدمة، ولا يتسنى لأي قائد أن يأخذ قراراً منفرداً إلا بعد أن يرجع إلى المجلس ويأخذ موافقة أعضائه الحاليين والمستدعيين، كالرغبة في الترشح لرئاسة الجمهورية أو الرغبة في الترشح في الانتخابات البرلمانية والي ما شابه ذلك.[32]
ثانياً: محاولة انقلاب 2015:
إن الممارسات التي مارستها القيادات العسكرية بعد الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي في 03 يوليو 2013م، وما ترتب عليها من أعمال قتل واختفاء قسري وتصفيات جسدية بخلاف الأوضاع الاقتصادية المتردية التي وصلت اليها مصر، أدى إلى ظهور مجموعات داخل الجيش المصري أرادت التغيير باستخدام وسائل القوه منها من أرادت إن تنتهج نفس الأسلوب الذي استخدمه السيسي والقيام بانقلاب عسكري على الانقلاب الذي تم في 03 يوليو 2013م.
وكانت أبرز تلك المحاولات في تاريخ 16/6/2015 حيث تم القبض على 26 ضابطا مصريا برتب مختلفة منهم ضابطان برتبة عميد وأربعة ضباط برتبة عقيد وثلاثة ضباط برتبة مقدم وسبعة عشر ضابط برتبة رائد وضابطان برتبة نقيب ووجهت لهم تهم ارتكاب جريمة محاولتهم بالقوة قلب وتغيير دستور البلاد، واحتلال بعض من المباني العامة ومرافق ومؤسسات الدولة ومنها: مقر وزارة الدفاع وإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، ومبنى الإذاعة والتليفزيون، ومدينة الإنتاج الإعلامي، ووزارة الداخلية وقطاع الأمن الوطني. والاتفاق على عدم طاعة رئيس الجمهورية ومناهضة السياسة العامة التي تتبعها الدولة في المجال الداخلي والخارجي.
وتم اتهام الرائد مصطفى محمد مصطفى، بصفته موظفا عاما بأنه أفشى سرًا من أسرار الدولة، وفي 16/8/2015 أصدرت المحكمة العسكرية مصرية حكمها في القضية وتراوحت الأحكام بين 25 عاماً و15 عاماً و10 أعوام. كما حُكم غيابيا على الدكتور حلمي الجزار، القيادي بحزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، ومحمد عبد الرحمن، عضو مكتب الإرشاد في الجماعة، بالسجن 25 عاما.[33]
يضاف إلى ذلك ما كشفته مصادر في 22 /12/2015 بأن القضاء العسكري أصدر حكماً بالإعدام على ثلاثة ضباط في الجيش. وأوضحت المصادر أن الضباط الثلاثة وُجّهت لهم اتهامات عدة، منها التورط بالتحضير لانقلاب عسكري، والتخطيط لاغتيال السيسي. وقالت المصادر إن مخطط الضباط الثلاثة، وفقاً للاتهامات، كان ينص على قتل السيسي وخلق حالة من الفوضى، والتمهيد إلى حراك في الشارع تقوده أطراف من القوات المسلحة، لكن مصدراً آخر أوضح أن “الضباط الثلاثة كانوا يجهزون لتفجير طائرة السيسي خلال إحدى السفريات التي يقوم بها إلى الخارج”، وأشارت بعض مصادر إلى أن عدد الضباط المتواجدين في تلك القضية هم أكثر من مائة ضابطا برتب مختلفة.[34]
ثالثاً: انضمام بعض الضباط للجماعات المسلحة:
إن الممارسات التي مارستها القيادات العسكرية بعد انقلاب 03 يوليو 2013م، أدت إلى اقتناع بعض المنتمين الي المؤسسة العسكرية بأن العمل الجهادي هو أسلوب ووسيلة من وسائل التغيير، وكانت هذه الوسيلة أحد الطرق التي تبناها بعض ضباط الجيش المصري لإحداث ذلك التغيير، وهناك بعض الضباط الذين تبنوا العمل الجهادي في مصر خلال السنوات الماضية، فأنضم بعض الضباط إلى جماعات مسلحة ومنهم من أسس كيانات مسلحة لمواجهة النظام، ومن هؤلاء الضابط هشام على عشماوي مسعد.
الذي تخرج في الكلية الحربية عام 1994م، وتدرج في الخدمة العسكرية إلى أن وصل إلى رتبة رائد بسلاح الصاعقة، وكان “عشماوي” ضابطا مميزاً وحصل على فرقة السيل في الولايات المتحدة الأمريكية، وخدم في سيناء لعدة سنوات وكان خبيراً بالدروب والمسالك الصحراوية، وخرج “عشماي” على المعاش عام ٢٠١٢ برتبة رائد على خلفية أسباب طبية أشيع وقتها داخل الجيش المصري أنها أسباب نفسية طرأت على “عشماي” بعد وفاة والده.[35]
بعد خروج “عشماوي” من الخدمة بدأ رحلته بالانضمام إلى الجماعات الجهادية، ضمن صفوف جماعة أنصار بيت المقدس، وعمل بجوار زميله النقيب بسلاح الصاعقة سابقاً عماد عبد الحميد وكانت قد تمت إحالته للعمل المدني بقرار جمهوري لدواعي أمنية إثر اعتناقه للفكر الجهادي في عام 2007، وكذلك أيضاً الرائد وليد بدر، وهو خدم بالشئون الإدارية بالجيش، وفُصَل من الخدمة العسكرية عام ٢٠٠٥ لميوله الدينية.
دشن هشام عشماوي وعماد عبد الحميد ووليد بدر أولى أبرز عمليات جماعة الأنصار، حيث شارك هشام وعماد بالتخطيط، بينما استهدف “وليد بدر” بسيارته المفخخة موكب وزير الداخلية اللواء “محمد إبراهيم” في سبتمبر ٢٠١٣ عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة بشهر واحد.
ثم في مارس ٢٠١٤ تولى “هشام عشماوي” مسؤولية خلايا جماعة أنصار بيت المقدس بالوادي، كما قرر فتح جبهة جديدة بالصحراء الغربية ضد نظام السيسي، وأثناء الإعداد لذلك حدث اشتباك مطلع يونيو ٢٠١٤ بين مجموعة من الجماعة ودورية جيش بالفرافرة قتُل خلاله ٥ من عناصر الجيش، ثم أسس “عشماوي” لاحقا معسكرا بالواحات بلغ عدد المتواجدين به ٤٠ عنصرا. ومن ثم شنوا انطلاقا من المعسكر عملياتهم، فهاجموا سرية تابعة لحرس الحدود بالفرافرة وأبادوها بالكامل في يوليو ٢٠١٤.
وبتاريخ ٢١/٧/٢٠١٥ أعلن “عشماوي” عن نفسه كأمير لجماعة “المرابطين”، وكان يرافقه أيضا عماد عبد الحميد، حتي قرر “عماد” العودة مرة ثانية إلي مصر في أواخر عام 2016م، ومعه بضعة أفراد من المقاتلين، وظلوا متواجدين بالصحراء الغربية حتي أكتوبر من عام 2017م، ذلك الوقت الذي تمكن فيه “عماد” والمجموعة التي معه من نصب كمين محكم لقوات النخبة في وزارة الداخلية وقتلوا العشرات من عناصر الشرطة المصرية، لكن بعد أيام من تنفيذ العملية قامت القوات الجوية المصرية برصد “عماد” والمجموعة التي معه وقاموا بقصفهم وتم مقتل “عماد” وأغلبية المجموعة التي كانت معه أما بخصوص هشام عشماوي فقد تم اعتقاله في مدينة درنه الليبية يوم الإثنين الموافق 08 أكتوبر 2018م،[36]
لكن قبل اعتقال “عشماوي” كما ذكرت بعض التقارير فقد قام بحملة تجنيد كانت قد بدأت تؤتي ثمارها من ناحية الأعداد المنضمة لتنظيمه، وكشفت وكالة رويترز قبل اعتقال عشماوي أن الشهور القليلة قبيل اعتقاله شهدت انضمام نحو 30 ضابطا من قوات الأمن إلى جماعة أنصار الإسلام التي يرأسها الضابط السابق هشام عشماوي. وأضافت الوكالة أن ثلاثة مصادر أمنية مصرية ذكرت أن مقتل الضابط عماد عبد الحميد لم يثن مزيدا من ضباط الجيش والشرطة عن الانضمام لجماعة أنصار الإسلام.[37]
ولم تقتصر فئة الضباط المنضمين إلى جماعات مسلحة في الفترة ما بعد 03 يوليو 2013م، على ضباط الجيش فقط بل امتدت أيضا إلى الشرطة المصرية، وبناء على ما قالته وزارة الداخلية 2016م عن تفاصيل للضباط الأربعة الذين اختفوا وانقطعوا عن العمل منذ 29 أبريل 2016م، أنه يشتبه في تورطهم في عملية مقتل 8 من أفراد وضباط الشرطة بحلوان. وطالبت وزارة الداخلية بتشديد الخدمة والحراسة على جميع البوابات والمنافذ الخاصة بتأمين قصر الاتحادية ومقار أخرى، وعدم السماح لأى فرد أو مركبة بالاقتراب من البوابات والأسوار وتفتيشها تفتيشاً دقيقاً، والإبلاغ الفوري عند التعرف على الأشخاص الأربعة، وذكر أسماء الضباط رباعية وتواريخ ميلادهم وسنة تخرجهم والأربع ضباط هم خريجي دفعة 2012م، وهم حنفي محمد جمال “ويقال انه من ضمن المشاركين في حادثة الواحات التي وقعت في 20 أكتوبر 2017م، والضابط محمد جمال عبدالعزيز، والضابط خيرت سامي عبدالحميد محمود السبكي، والضابط إسلام وئام أحمد حسن.
وقد أصدر تنظيم الدولة الإسلامية فيديو في شهر أكتوبر 2018م، بعنوان (سبيل الرشاد من الظلمات إلى النور)، أظهر انضمام مجموعة من ضباط الجيش والشرطة للتنظيم وظهر في الفيديو بعض الأسماء المذكورة سابقاً منهم الضابط خيرت سامي ، وأستعرض الإصدار كلمات للضباط وجهوها لزملائهم السابقين في الجيش والشرطة، مع إبراز بعض الأوجه من أعمالهم وعملياتهم مع التنظيم قبل مقتلهم، ومن أمثلة العمليات التي استعرضها الفيديو قيادة بعضهم للهجوم الذي قضي على قوة الكتيبة 103 صاعقة في يوليو 2017 وقتل فيها الضابط أحمد منسي وهجوم سلسلة البراكين في منطقة القواديس، وهجوم في وسط مدينة العريش على مقر تابع للشرطة المصرية شارك فيه 3 من ضباط الشرطة السابقين.[38]
الأمر الذي يعني أن هناك شرائح بأعمار مختلفة داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية بخلاف شريحة الضباط من أمثال هشام عشماوي الذين قاربوا على عمر الأربعين عام، يرفضون تعامل النظام المصري الحالي، وأصبح لديهم رأي مخالف، ويعملون من أجل تغيير الوضع الحالي، عن طريق المواجهة المسلحة[39].
[1] كتاب محمد نجيب زعيم ثورة أم واجهة حركة .. د/رفعت يونان ص 23، رابط
[2] الضبـــاط الأحــــرار في ســـطور، الأهرام المسائي، تاريخ النشر 25 سبتمبر 2014م، تاريخ الدخول 18 ديسمبر 2018م، الرابط
[3] كتاب الأوراق السرية لمحمد نجيب صــ14
[4] كتاب أسرار الثورة المصرية ص 167
[5] د/رفعت يونان –كتاب محمد نجيب زعيم ثورة أم واجهة حركة؟ ص 35
[6] بيان ثورة يوليو بصوت الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، الرابط
[7] يوسف صديق … نزيلاً في السجن الحربي إلى جانب ضبّاط «الإخوان»، الرابط
[8] «يوسف صديق».. منقذ ثورة يوليو الذي ضحى به عبد الناصر، مصر العربية، تاريخ النشر 22 يوليو 2018م، تاريخ الدخول 27 ديسمبر 2018م، الرابط
[9] أحمد حمروش سيرة ذاتية، الرابط
[10]جمال حماد سيرة ذاتية ، الرابط
[11] محطات في حياة خالد محيي الدين، اليوم السابع، تاريخ النشر 07 مايو 2018م، تاريخ الدخول 28 ديسمبر 2018م، الرابط
[12] محمد رشاد مهنا.. أول من فرمتهم يوليو من قياداتها، مدونات الجزيرة، تاريخ النشر 25 أبريل 2018م، تاريخ النشر 27 ديسمبر 2018م، الرابط
[13] مذكرات خالد محى الدين، تفريغ لمذكرات خالد محي الدين “والأن أتكلم” الرابط
[14] انظر رابط 11
[15] ضابط الأحرار الذي انقلب علي عبد الناصر، لقاء متلفز، الرابط
[16] تفريغ لحلقة برنامج بلا حدود مع حسين الشافعي، الرابط
[17] كتاب والآن أتكلم لخالد محي الدين، الرابط
[18] بعد 50 عاما على وفاته: لماذا كان التخلص من عامر ضروريا؟، إضاءات، تاريخ النشر 14 سبتمبر 2017م، تاريخ الدخول 16 يناير 2019م، الرابط
[19] أنظر رابط 25
[20] وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة يونية 1967- مايو 1971 ، الرابط
[21] قال فوزي أثناء اللقاء تعبير عامي (حطني على حجرة)
[22] أمجد صادق: والدي رفض انقلاب الفريق فوزي وجمعة وصبري، الأهرام، تاريخ النشر 06 أكتوبر 2013م، تاريخ الدخول 16 يناير 2019م، الرابط
[23] تنظيم “شباب محمد” أو “الفنية العسكرية”، بوابة الشروق، تاريخ النشر 25 سبتمبر 2018م، تاريخ الدخول 27 ديسمبر 2018م، الرابط
[24] تنظيم الفنية العسكرية، بوابة الحركات الإسلامية تاريخ النشر 06 فبراير 2014م، تاريخ الدخول 27 ديسمبر 2018م، الرابط
[25] أسرار استشهاد المشير أحمد بدوي ولا يزال الغموض مستمر، أرشيف مصر، تاريخ النشر 23 ابريل 2017م، تاريخ الدخول 27 ديسمبر 2018م، الرابط
[26] فقرات من كتاب الفساد لعلوي حافظ، الرابط
[28] مذكرات المشير محمد عبد الغني الجمسي، تنفيذ هيئة الكتاب، الطبعة الأولي 1989، ص 8 انظر رابط “5”
[29] اغتيال السادات : القصة الكاملة لاغتيال الرئيس المصري، الرابط
[30] مجند مصري يروي تفاصيل اعدام قتلة السادات .. سألتهم قبل اعدامهم : هل تدخنون السجائر ” صور و فيديو “، الرابط
[31] مدبر اغتيال “السادات”.. أخطر 10 معلومات لا تعرفها عن خالد الإسلامبولي، بوابة الفجر، تاريخ النشر 15 أبريل 2018م، تاريخ الدخول 27 ديسمبر 2018م، الرابط
[32] المجلس العسكري المصري: ملف معلوماتي، دراسة محمود جمال، المعهد المصري للدراسات، الرابط
[33] محكمة عسكرية تحبس 26 ضابطا وقياديين بالإخوان بتهمة الانقلاب، العربي الجديد، تاريخ النشر 16 أغسطس 2015م، تاريخ الدخول 28 ديسمبر 2018م، الرابط
[34] الإعدام لـ3 ضباط بالجيش المصري بتهمة التخطيط لاغتيال السيسي، العربي الجديد، تاريخ النشر 22 ديسمبر 2015م، تاريخ الدخول 28 ديسمبر 2018م، الرابط
[35] مصير الضباط في عهد السيسي إما منسي أو عشماوي، مجلة كلمة حق، مقال محمود جمال، الرابط
[36] كيف تصنع انقلاباً داخل المؤسسة العسكرية؟، المعهد المصري للدراسات، محمود جمال، الرابط
[37] رويترز: نحو 30 عسكريا مصريا سابقا انضموا مؤخرا إلى “أنصار الإسلام”، الجزيرة نت، تاريخ النشر 31 يناير 2018م، تاريخ الدخول 28 ديسمبر 2018م، الرابط
[38] تطورات المشهد العسكري نوفمبر 2018، المعهد المصري للدراسات، الرابط
[39] الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.