fbpx
دراساتأسيا وافريقيا

التحالفات الإقليمية والأمن القومي السوداني

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

التحالفات الإقليمية والأمن القومي السوداني

تمهيد

المهددات الأمنية من القضايا الأساسية التي بدأت في الظهور منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. التهديد هو نقيض الأمن، ولتحديد الفرق بين المهددات والتهديدات (التحديات) المتعلقة بالأمن القومي، نستعين بما قدمه أمين الهويدي في التفريق بين المفهومين، حيث يقول (إن الفرق النهائي للأمن القومي- بغض النظر عن التعريفات المختلفة- هو أمن الوطن والمواطن بكل آلياته، وهو كيف نستخدم الإمكانيات المتاحة لمواجهة المهددات. ونعني بها المهددات الخارجية القادمة من خارج الحدود، والتهديدات هي “التحديات” الناشئة في البيئة داخل الحدود). ومن ذلك يتضح أن التهديدات تمثل تحديات الأمن الداخلية، بينما المهددات تمثل مهددات الأمن القومي الخارجية، وفي بعدها الإستراتيجي تعني وصول تعارض المصالح والغايات القومية عند مرحلة يتعذر معها الوصول إلى حل سلمي يوفر للدولة الحد الأدنى من أمنها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري، وضعف قدرتها في مواجهة التحديات والضغوط الخارجية.

تنقسم التهديدات إلى تهديدات مباشرة وأخرى غير مباشرة، وهناك تهديدات دائمة وأخرى مؤقتة، وتكون التهديدات واقعة، أو محتملة الحدوث، أو كأمنة، أو متصورة.

والتهديدات المباشرة تعني تعرض الدولة وحدودها السياسية وأراضيها، ومياهها الإقليمية، وأجوائها، للعدوان العسكري المباشر، وهو يستهدف أمنها ومصالحها القومية، وهي بذلك تتجاوز الأهداف العسكرية إلى تهديد المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والإستراتيجية للدولة.

أما التهديدات غير المباشرة تعني إحداث تغيرات غير مباشرة قد تكون داخل أو خارج الدولة المعنية بحيث تؤدي في المديين المتوسط والبعيد إلى أضرار مباشرة بالأمن القومي.[1]

التهديدات الواقعة، وهي اقرب لمفهوم التهديد المباشر من حيث أنه يعرض الدولة لخطر داهم. أما نتيجة لهجوم عسكري علني على الدولة أو نتيجة لهجوم وشيك الحدوث.

التهديدات المحتملة، وقد عنيت بالأسباب الحقيقية لتعرض الدولة لتهديد دون وصول التهديد إلى حد الفعل.

التهديدات الكامنة، وتتمثل في وجود أسباب للخلاف دون وجود مظاهر أخرى على السطح، حيث تكمن الأزمة في عقل الدولة السياسي وتفكيرها الإستراتيجي. وهذا النوع هو القابل للتطور ليكون تهديدا محتملا أو تهديدا واقعا في مرحلة لاحقة من مراحل تطور الأزمة.

التهديدات المتصورة، تختلف عن التهديدات الكامنة بعدم وجود شواهد في الوقت الراهن لهذا التهديد ولكن النظرة المستقبلية العلمية الثاقبة لشكل وطبيعة المتغيرات الداخلية قد تشير إلى تهديدات مستقبلا بدرجات متفاوتة.[2]

يتوقف إدراك التهديد على عوامل عدة أهمها نوع وثقافة القيادات المسئولة عن قرارات السياسة الخارجية والأمن القومي في الدول الساعية للهيمنة أو في الدول المناوئة (المساومة) لها، وخبراتها السابقة بسلوك الطرف مصدر التهديد، كما تلعب الأصول الاجتماعية والاقتصادية لهؤلاء القادة والطريقة التي وصلوا بها إلى السلطة وديموقراطية أو شمولية نظم الحكم دورا كبيرا في مستوى وكيفية إدراك التهديد.[3]

أنواع التهديد:

المقصود هنا هو التهديد الخارجي أي الذي تدركه إحدى الدول الإقليمية وبالأخص الدولة المهيمنة أو الساعية للهيمنة فإدراك التهديد أو الرد عليه يتوقف على نوعه، وتكتسب التهديدات أولوياتها حسب تدرجها في درجة الخطر سواء كانت عسكرية أم سياسية أم اقتصادية.

تعتبر التهديدات العسكرية أوضح الأخطار التي تثير اهتمام وحرص الدولة المهيمنة أو الساعية للهيمنة، وتتطلب رفع درجات الطوارئ واحتمال توظيف القوات المسلحة، ومثل هذه التهديدات لا تقتصر على علاقة الدول المهيمنة أو الدول المناوئة بل يمكن أن تشمل علاقات كافة الدول داخل النظام الإقليمي خاصة التي بينها صراعات أو احتكاكات عرقية وحدودية وتوجد أربعة مواقف أو تطورات محددة يمكن تصنيفها على أنها تهديدات عسكرية هي:

  • الصراعات الإقليمية التي تثيرها دولة مناوئة ضد الدولة المهيمنة، أو تثار بين دولتين متجاورتين بينهما صراعات حدودية.
  • خلق صناعة عسكرية متطورة في إحدى الدول المناوئة أو إحدى الدولتين المتنازعتين.
  • حصول دولة مناوئة أو اطراف في صراع حدودي على أسلحة ومعدات عسكرية من دولة أجنبية خاصة إذا كانت تلك الدولة الأجنبية ينظر إليها على أنها دولة معادية.
  • إدخال تطويرات جديدة على القوات المسلحة في دولة مناوئة أو في دولة طرف في صراع مع دولة أخرى داخل النظام الإقليمي.

بالنسبة للتهديدات السياسية فهي اكثر غموضا بالنسبة لمغزي الخطر الملازم للتهديد السياسي، ويأخذ التهديد السياسي الذي ينظر إليه عادة على أنه اقل خطرا من التهديد العسكري المواقف التالية:

  • حدوث زيادة في حالة عدم الاستقرار في دولة مجاورة يخشي أن تمتد آثاره للدولة المهيمنة أو الساعية للهيمنة.
  • حدوث تغيير في التوجهات الايدلوجية في دولة مجاورة ينظر إليه على أنه تغير عدائي للنخب أو لمواقع النخب الحاكمة في الدولة المهيمنة في إحدى الدولتين المجاورتين.
  • تراكم الدلائل داخل الدولة المهيمنة أو الساعية للهيمنة في إحدى الدولتين المتنازعتين على وجود ايدلوجية أو تيارات سياسية داخلها معادية للنظام الحاكم، تحظي بدعم ومساندة إحدى الدول المناوئة أو الدولة الأخرى المعادية.
  • تبلور تحالف بين دولة مناوئة ودولة قوية من خارج الإقليم، أو لجوء إحدى الدولتين المتنازعتين للتحالف مع دولة من خارج الإقليم، وتزداد الخطورة إذا كانت الدولة الأجنبية على أنها تصنف من الدول المعادية. أما بالنسبة للتهديدات الاقتصادية فهي تتبلور في حالة ظهور زيادة نسبية في القدرات الاقتصادية في دولة مناوئة أو الساعية للهيمنة.[4]

إن التهديدات التي يمكن أن تصيب النظام السياسي للدولة برمته متعددة ومتداخلة ومتأثرة بطبيعة النظام الاقتصادي/ الاجتماعي والبنية الثقافية ومنظومة القيم السائدة وشبكة العلاقات الارتباطية والاعتمادية والتساندية بين الوحدات المشكلة لهذه النظم، والنظم بعضها البعض، وبين الدولة والوحدات الأخرى المشكلة للنظام الإقليمي والدولي، فالمهددات السياسية تتمثل في عدم القدرة على تحقيق التنمية السياسية واعتماد نظام الحكم المناسب، وعدم القدرة على إدارة التنوع، وتحديد طبيعة العلاقة بين المركز والأقاليم، وحسم قضية التبعية السياسية، وتحقيق التجانس الاجتماعي والوحدة الوطنية ومعالجة موضوع الهوية، وتوسيع المشاركة السياسية، وتبني النهج الديموقراطي والحكم الرشيد، وتطبيق معايير الشفافية والمحاسبية.

الوضع الجيوبوليتيكي الجيوستراتيجي، وطبيعة العلاقات الدولية السياسية والاقتصادية، والدبلوماسية، والأحلاف السياسية والدفاعية، والشرعية، والنفوذ، والعقوبات الدولية العسكرية، السياسية، والاقتصادية. والاستعمار والخروقات الخارجية التي يمكن أن تأتي من خلال توفر عوامل بيئة داخلية مواتية.[5]

أما في المجال الاقتصادي فيشمل مدى التأثير السلبي في إمكانية الاستفادة من الموارد الاقتصادية وتحقيق معدلات النمو الاقتصادي العالية، ورفع مستوي معيشة الأفراد وزيادة الدخول، وتحقيق التنمية المتوازنة بين الأقاليم وبين القطاعات المختلفة، والحصول على التمويل والتكنولوجيا اللازمة لتنفيذ المشروعات الاقتصادية والتنموية المختلفة، وابتداع الآليات الكفيلة بالتوزيع العادل للثروة ونتاج العملية التنموية حتي لا يظهر بما يعرف بظاهرة “الغبن التنموي”، وتحقيق فرص التوظيف وتمليك وسائل الإنتاج للأسر الفقيرة، حتي يتم القضاء أو التخفيف من حدة بعض الظواهر الاجتماعية السالبة، مثل العطالة، وزيادة معدلات الفقر والهجرة من الريف إلى المدن، وما يتبعها من أثار سالبة مثل ظاهرة التمدد الحضري ومن ثم الضغط على الخدمات، وزيادة معدلات الجريمة، والتأثير السالب على البيئة حيث أن ظاهرة التدهور البيئي من تلوث وتغيرات مناخية أدت إلى هلاك الماشية وفشل المواسم الزراعية، واختلال التوازن البيئي وأيضاً انحسار ظاهرة التنوع الإحيائي أدي إلى هجرات جماعية لكثير من الأقاليم، وبالتالي اصبح هناك زيادة في أعداد اللاجئين ومضاعفة أعداد الفقراء الذين فقدوا وسائل إنتاجهم ومعيشتهم، وصاروا عرضة لابتزاز المنظمات التي تخفي السم في الدسم والتي تعمل على خلق الأزمات و(أمننة) القضايا لخلق شبكة من المصالح التي تتحقق على حساب الفقراء والمساكين من سكان دول العالم الثالث، وخير مثال على ذلك ما يشهده إقليم الساحل الأفريقي من تدهور بيئي، وفقر، ونشاط لأنماط مختلفة من الجرائم المنظمة والخطرة، ومركز لوجود الحركات الإرهابية، وتجارة الأسلحة غير المشروعة والمخدرات فالدول الأفريقية عامة ودول الساحل خاصة، والسودان منها، أصبحت تعاني من ثالوث الفقر والديون والصراعات الطائفية والإثنية والقبلية.[6]

تعتبر التهديدات التي تواجه النظم الإقليمية من العوامل الأساسية المؤثرة في تفاعلاتها. فمصادر التهديد يمكن أن تكون داخلية أو خارجية، والتهديدات الداخلية قد تكون من إحدى دول النظام في شكل مظاهر عدم الاستقرار السياسي بدرجة قد تؤثر على أمن واستقرار النظام كله، وأما للخوف من احتمال انتشار هذا الخطر إلى دول أخرى في النظام، ويمكن أن يكون التهديد الداخلي بعدة أشكال قد تكون سياسية ودعائية، وقد تكون تجارية في شكل قيود أو عوائق قد تأخذ شكل التخريب والتدمير باستغلال الأقليات العرقية والدينية، أو جماعات سياسية معارضة وربما تصل إلى الحرب.

وقد يكون التهديد خارجيا. من جانب إحدى القوى الخارجية، وربما يكون هذا التهديد موجها إلى واحدة أو اكثر من دول الإقليم، وقد يكون التهديد للنظام كله عندما يصل الخطر إلى تهديد مصالح تهم كل دول النظام.

وللتهديد الخارجي أنواع أيضاً مثل الحملات الدعائية أو المقاطعة الاقتصادية أو التخريب الداخلي واستخدام القوة العسكرية.

تحليل تفاعلات أنماط النظم الإقليمية:

يتوافق منظور دراسة أنماط التفاعلات وفقاً لطبيعتها، اكثر من أي منظور تحليلي أخر مع ما تتميز به هذه الأنماط من خصائص وبالذات التداخل بين هذه الأنماط وطابعها الحركي. ويقدم منهج التحليل الذي عرضه بوزان لهذه الأنماط التفاعلية على أساس محور العداوة- الصداقة، إفادة كبيرة بهذا الخصوص حيث تتدرج التفاعلات بين أعضاء النظام الإقليمي بين هذين المحورين اقصي عداوة واقصي صداقة فيما يشبه تدرج الوان الطيف، وهو ما اسماه كل من كانتورى وشبجيل بطيف العلاقات الذي يضم مجموعة متنوعة من أنماط التفاعلات داخل النظام الإقليمي.[7]

أنماط التفاعلات الصراعية داخل النظام الإقليمي:

يرتكز هذا النمط التفاعلي على قاعدة استخدام القوة في العلاقات بين الدول، وتقدم المدرسة الواقعية الأساس النظري لهذا النمط من تفاعلات العلاقات الدولية. هذا النوع من السياسات يكاد يكون مرتكزا في القوة الإقليمية المهيمنة أو الساعية للهيمنة داخل النظام الإقليمي لكن استخدام القوة داخل النظام الإقليمي لا يقتصر بالطبع على عمليات التسلط والسيطرة من جانب الفواعل الإقليمية الكبرى، فالقوة قد تستخدم بين قوتين صغيرتين داخل النظام الإقليمي. فقد تنشب الصراعات العسكرية بين دولتين صغيرتين أو كبيرتين متجاورتين أما بسبب صراعات حدودية.

شكل طيف العلاقات

التحالفات الإقليمية والأمن القومي السوداني-1

المصدر: محمد السعيد إدريس، تحليل النظم الإقليمية

أو بسبب إدراك احدهما أن أمنها الوطني يتعرض للخطر من جانب الدولة الأخرى، أما عن طريق نشاط الأقليات العرقية، أو دعم المعارضة، اتو حدوث تغيير جذري في النظام الحاكم، بسبب ثورة أو انقلاب يرفع شعارات أيدولوجية تمثل تهديدا للقوى الحاكمة في تلك الدولة التي تشعر أن أمنها القومي في خطر.[8]

أشار (حسن حاج علي) إلى أنه لا يتوقع قيام تحالفات عرقية أو إثنية مرتكزة على أبعاد عربية وأبعاد زنجية فمنطقة القرن الأفريقي لا توجد فيها عرقيات عربية أو زنجية سوى في السودان وإثيوبيا وبعض العناصر في الصومال ولا أتوقع قيام تحالفات مرتكزه على البعد الإثني رغم وجود إثنيات كبيرة في المنطقة مثل الأورومو والأمهرا في إثيوبيا إلا أن هناك خلافات بين هذه المكونات التغراي ضد الأمهرا والأورومو ضد التغراي حتي في الصومال رغم وجود تجانس كبير يتحدثون لغة واحدة ويدينون بدين واحد لكن العشائرية لها دور اكبر لذلك استبعد أن تقوم تحالفات على أسس عرقية أو إثنية بين هذه الدول.[9]

إذا نظرنا إلى الخارطة القبلية أو السكانية عموما فإننا نجد أن هناك تداخل بين قبائل أو سكان دول القرن الأفريقي فرابطة القبيلة أو الإثنية هي التي تشجع أن تكون هناك تحالفات بين القبائل أو تحالفات بين القبيلة والحكومات أو بين القبيلة والدولة عموما، مثلا تحالف القبائل مع الحكومات التي يكون لديها مصلحة في تكوين مجموعات ضغط في إطار الصراعات التي تشهدها دول المنطقة مع بعضها، كذلك ظهرت التجربة الإريترية في استفادتها من التحالف مع القوميات داخل إثيوبيا في محاولة لإضعاف الحكومة المركزية في إثيوبيا وهي التي نشطت أن يكون لديها تحالف كبير مع التغراي وهذا عائد إلى الطبيعة الإثنية في العلاقة ما بين الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا والجبهة الشعبية لتحرير تغراي فشكل هذا تحالف واضح بين جبهة تحرير تغراي والجبهة الشعبية لتحرير إريتريا بعامل ارتباط الإثنية، فدول المنطقة شهدت تحالفات داخلية أثرت في علاقات دول المنطقة مع بعضها وفي أمن واستقرار دول القرن الأفريقي مثل تحالف العيسى والعفر في جيبوتي كذلك تحالف قبائل الإسحاقيين وقبائل الشمال في الصومال لتحقيق استقلال شمال الصومال، كذلك هناك تحالف بين القبائل التي ترجع أصولها للسودان مثل قبائل البني شنقول والقمز أو التي تقطن في هذه المنطقة كذلك القبائل الموجودة في قامبيلا مثل النوير والأنواك تشكل مجموعة هذه القبائل امتداد طبيعي لقبائل السودان وهي في صراعاتها تجاه إثيوبيا يكون هناك تحالف بينهم وهكذا.[10]

التحديات النابعة من البيئة الإقليمية:

شهدت حقبة التسعينات من القرن الماضي ظهور عدد من المنظمات والتجمعات الإقليمية الفرعية داخل منطقة القرن الأفريقي، وهي:

الهيئة الحكومية للتنمية “الإيغاد” والسوق المشتركة لدول شرق وجنوب أفريقيا “الكوميسا”، جماعة شرق أفريقيا، وتجمع صنعاء. وعلى الرغم من أن تلك التجمعات والمنظمات نشأت بالأساس لأغراض اقتصادية، فإنها أضحت بفعل التغيرات التي شهدتها المنطقة (وعلى رأسها شيوع ظاهرة الصراع الداخلي والدولي) تحاول القيام بأدوار سياسية لإحلال السلم داخل الدول الأعضاء، وذلك من خلال أجهزة وبرامج خاصة بها. ويتناول هذا الجزء المنظمات والتجمعات السالفة الذكر باعتبارها محددا إقليميا مهما يؤثر في الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة داخل المنطقة.

نشأت الهيئة الحكومية للتنمية (الإيغاد) في عام 1996م، وتعد امتدادا وتطويرا للهيئة الحكومية لمكافحة الجفاف والتصحر التي تم تأسيسها في عام 1986م وتضم الإيغاد في عضويتها سبع دول أفريقية، هي: كينيا، جيبوتي، إثيوبيا، الصومال، السودان، أوغندا، إريتريا. ومقرها الرئيسي في جيبوتي.[11]

السودان ينبغي أن لا يثير مسالة الأفريقية والعروبية في تحالفاته الخارجية بصورة عامة وعلى وجه الخصوص في القرن الأفريقي، لأنه ما يجمع السودان بدول القرن الأفريقي أكبر بكثير مثلا في السمات العامة والتوجهات وأحيانا أجزاء مقدرة من الثقافة إذ أن إثيوبيا نصفها مسلمين الصومال كلها مسلمين جيبوتي أغلبها مسلمين إريتريا أغلبها مسلمين وبالتالي ينبغي أن لا يثير هذا الأمر فإذا ما تم التركيز على البعد الثقافي بصورة عامة، فالسودان يحظى بقبول ثقافي وسط دول القرن الأفريقي ساعد على ذلك وجود أعداد مقدرة من اللاجئين والعمالة من الإرتريين والإثيوبيين في السودان فهؤلاء تشربوا الثقافة السودانية إضافة إلى بعد الإسلام وهو بعد مهم في موضوع التحالف فإذا ركز السودان على البعد الثقافي والأشياء التي تجمع السودان مع هذه الدول مع القبول الذي أشرت إليه يمكن أن تكون نقطة الانطلاق، أيضاً إذا اهتم السودان بالجوانب الاقتصادية وسعي إلى أن يكون هناك تكامل اقتصادي بين دول القرن الأفريقي هذا يحقق له قبول عام دون أن يدخل في صراع تحالفات وأن يصطف بجانب دولة ضد أخرى في القرن الأفريقي فينبغي أن يركز على الأبعاد الثقافية والاقتصادية التي تحقق له تكامل مع مختلف الدول في القرن الأفريقي وبذلك يمكن أن يتحقق له قدر من الاستقرار.[12]

تسعي الإيغاد لتحقيق مجموعة من الأهداف حددتها المادة السابعة من الاتفاقية المنشئة لها، من أهمها تعزيز السلم والاستقرار داخل منطقة شرق أفريقيا، وإنشاء الآليات المناسبة لمنع وإدارة وحل الصراعات التي تنشب بين الدول الأعضاء أو داخلها. وتطبيقا لهذا الهدف أنشأت الإيغاد عددا من اللجان الخاصة لإحلال السلم داخل الدول الأعضاء التي تشهد صراعات داخلية، مثل اللجنة المختصة بعملية السلام في السودان، واللجنة المختصة بعملية السلام في الصومال. وطرحت الإيغاد عددا من المبادرات لإحلال السلم والأمن داخل هاتين الدولتين.

وفي مجال منع وإدارة وحل الصراع داخل منطقة القرن الأفريقي قدمت الإيغاد أربعة مشروعات مهمة، ركز المشروع الأول على بناء قدرات الأمانة العامة للإيغاد وكذلك الدول الأعضاء في مجال منع وإدارة وحل الصراع، وتم تمويله من قبل الاتحاد الأوروبي وحكومة السويد، واهتم المشروع الثاني بعمليات إعادة البناء في مرحلة ما بعد الصراع وتسريح الجنود ووقف عمليات تهريب الأسلحة الصغيرة والخفيفة، وتم تمويله من طرف قسم التنمية الدولية بالمملكة المتحدة، واهتم المشروع الثالث بنشر ثقافة السلام والتسامح داخل القرن الأفريقي، وأما المشروع الرابع فيعني بإنشاء آلية للإنذار المبكر والاستجابة للصراع.

وفي يناير 2002م وقع ممثلو الدول الأعضاء البروتكول التأسيسي لآلية الإنذار المبكر والاستجابة للصراع، وحدد البروتوكول الوظائف المنوط بالآلية القيام بها، ومنها تعزيز عمليات تبادل المعلومات بين الدول الأعضاء في مجال الإنذار المبكر والاستجابة، مع مراعاة الشفافية وحرية انتقال المعلومات، وجمع وتحقيق وتحليل البيانات حول صراعات منطقة شرق أفريقيا ووفقا لضوابط محددة أوردها الملحق المرفق بالبروتوكول، ونقل كافة المعلومات والتحليلات التي يتم التوصل إليها إلى صانعي القرار داخل أجهزة الإيغاد، وكذلك الحكومات الوطنية في الدول الأعضاء.

يتكون الهيكل التنظيمي للآلية كما ورد في المادة الرابعة من البروتوكول التأسيسي من خمسة أجهزة، هي الجهاز السياسي، والجهاز الإداري، والجهاز الفني، وأجهزة التعاون، وأجهزة التنسيق. وتم اختيار العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لتصبح المقر الرئيسي للآلية، وافتتح رسميا في يونيو2003م بتمويل من ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية.[13]

رغم وجود عدد من المنظمات والتجمعات الإقليمية والدولية إلا أن ذلك لم يحقق الاستقرار في الإقليم، ويعزي ذلك لوجود صراعات داخلية بين دول الإقليم، لفترة طويلة شهدت المنطقة الحرب الإثيوبية- الإريترية فالعداء بينهما لم يخف إلا مؤخرا، قبله كان هناك توتر شديد بين السودان وإثيوبيا حينما كان الصراع بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان كذلك كان هناك توتر بين إثيوبيا والصومال ونزاع حدودي ما بين جيبوتي وإريتريا، فالصراعات الداخلية بين دول القرن الأفريقي تجعل امر قيام تحالفات أمراً صعبا رغم وجود بعض المنظمات مثل الإيغاد، لكن دورها محدود جدا وفي فترة من الفترات إريتريا كانت مقاطعة لمنظمة الإيغاد لأنها تعقد اجتماعاتها ونشاطاتها في إثيوبيا، فالصراعات بين دول القرن الأفريقي تجعل أمر قيام تحالفات أمراً صعبا إلا أن تزول هذه النزاعات والخلافات.[14]

تتطابق الإستراتيجية الإسرائيلية والإستراتيجية الأوروبية في النظر إلى أن استقرار السودان يشكل مهدد لذلك ستعمل الإستراتيجية القائمة على عدم الاستقرار في السودان إلى أن تضمن أن من يحكم السودان سيكون في تحالف معهم فالدلائل تشير إلى أنهم لم يصلوا إلى نتيجة أن يظل السودان في تحالف إستراتيجي طويل المدى معهم والسودان لن يكون في تحالف طويل الأمد معهم لأن القوى السياسية في السودان مختلفة لذلك ستعمل إسرائيل والدول الأوروبية على عدم استقرار السودان فلو استقر السودان سيقود القرن الأفريقي وإذا قاد القرن الأفريقي سيقود الاتحاد الأفريقي وإذا قاد الاتحاد الأفريقي مجبورين العرب أن ينضموا إلى ركبه ويقودهم كل هذا قد يحدث إذا استقر السودان وحقق معدلات تنمية جيدة لذلك ستُفعِل إسرائيل والدول الأوروبية إستراتيجية عدم استقرار السودان وهي إستراتيجية قديمة لكنها لا تنتهي بالتطبيع الذي هو حتي الآن مجرد حديث، فمثلا مصر مطبعة مع إسرائيل منذ فترة لكن حتي الآن إسرائيل متوجسة من مصر.

التحديات الناجمة عن الأوضاع المحلية لدول القرن الأفريقي:

تعاني بعض الأنظمة السياسية في دول القرن الأفريقي من بعض الأزمات والتوترات الداخلية التي تؤدي إلى عدم الاستقرار، ولعل ابرزها هي المشاركة السياسية، بمعني مناقشة القرار والمشاركة فيه قبل إعلانه لتحقيق الديموقراطية، أما الأزمة الأكثر تأثيرا على الاستقرار الأمني والسياسي، فهي الخلط بين مفهوم الأمن القومي وأمن النظام، باعتبار أن الأمن الذاتي يعتبر أمن الدولة والعكس بالعكس.[15]

تتجه معظم دول القرن الأفريقي إلى حافة أزمة واقعة لا محال، إذ تتمثل هذه الأزمة في محدودية الموارد المائية والفقر المائي، إذ ستسهم هذه الأزمة في تقليص فرص الاستقرار الأمني والسياسي فيها، حتي في الدول التي تجري في أراضيها الأنهار الفيضية، بالرغم من أن المنطقة تتمتع بنبة عالية جدا من الهطول المطري خاصة في إثيوبيا ولديها اكبر احتياطي من المياه وستتعاظم هذه الأزمة في غياب التنسيق والتعاون والتكامل، وهي القيم اللازمة للتخطيط الإستراتيجي لاستغلال الفائض المائي الاستغلال الأمثل.

يمثل افتقار معظم دول القرن الأفريقي إلى التكنولوجيا المتقدمة تحديا أخر يحول دون تقدم هذه الدول، ترتب على ذلك هجرات العقول إلى الغرب سعيا وراء فرصة افضل، كما أدي أيضاً إلى الهجرات الواسعة غير الشرعية وهجرات أوسع لسكان الريف إلى الحضر بحثا عن فرص عمل، فاضمحلت الثروة الزراعية في بعض البلدان وبات الريف مستهلكا، وتقلصت الصناعات الصغيرة التي كانت قائمة على المنتجات الزراعية والحيوانية وأصبحت المدن وكأنما تنمو عشوائيا إلا فيما ندر.

التحديات الناجمة عن أوضاع القوى الإقليمية:

تكمن تحديات عدم الاستقرار في المنطقة في سعي القوى غير العربية إلى تأسيس قوة عسكرية ذات قدرات تسليحية هائلة تفوق متطلباتها الدفاعية، وتأسيس وبناء قواعد بحرية في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر لتحقيق مشروعاتها القومية بالتمدد والتوسع والاستيلاء على أراضي الغير، إذ يمكن ملاحظة الاتي[16]:

إسرائيل لم تعد المهدد الأول في الإقليم حتي للأمن القومي العربي بعد التطبيع مع السودان وبعض الدول العربية، في السابق كانت إسرائيل واحدة من المهددات لأمن القرن الأفريقي والأمن القومي العربي لكن لم تكن المهدد الوحيد حتي الآن فالقوى الغربية ما زالت لديها أطماع في المنطقة، لكن التواجد الإسرائيلي في المنطقة سيأثر لكن بشكل أخر. فالتنافس والتهديد يختلفان من قبل التطبيع للفترة ما بعد التطبيع فقد يأخذ أوجه مختلفة متعلقة مثلا بقضية المياه التي تثير مشاكل بين مصر وإثيوبيا والسودان أو حتي موضوع الأمن الغذائي مع هذه الدول، وربما تتغير شكل المنافسة والتنافس وربما التهديد لكن ستظل إسرائيل موجودة وسيختلف شكل التهديد من الدول الغربية كفرنسا والدول الغربية الأخرى، فمزيد من التدخلات يعني المزيد من عدم الاستقرار.[17]

  • إسرائيل تتمسك بمنظورها الجيوبوليتيكي في فرض الدولة اليهودية في قلب العالم العربي وتحقيق حلمها لإقامة إسرائيل الكبرى في ارض الميعاد، وهو الأمر الذي يتطلب ضرورة إضعاف القوة الشاملة لمصر، أو حتي لو كان ذلك بالإضرار بأمنها المائي من قلب القرن الأفريقي نفسه، أي من إثيوبيا.
  • استمرار سعي إيران لتحقيق حلمها الدائم لإحياء الإمبراطورية الفارسية الساسانية تحت الراية الشيعية ولذلك تسعي إيران إلى تطويق السعودية بواسطة الحوثيين في اليمن، وقاعدتها البحرية في أرخبيل دهلك، للهيمنة على مضيق باب المندب واستكمال الهلال الشيعي لإحكام حصار السعودية، وتهديد الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس.
  • استمرار تطلع تركيا إلى لعب دور إقليمي بارز، حيث أقامت قواعد لها في الصومال وإريتريا، بالإضافة إلى الوضع المزمع بجزيرة سواكن. وترتيبا على ذلك يمكن أن تنشأ علاقة تصارعيه بين الدول المتضررة ودول القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر الأمر الذي دفع بعض القوى لإعادة صياغة سياساتها تجاه منطقة القرن الأفريقي بما فيها السياسات التحالفية.[18]

يتفق البحث مع الطرح الذي يشير إلى أن التنافس بين الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي هو المؤثر في القرن الأفريقي الذي يعني أمنه واستقراره ضمان لأمن البحر الأحمر والخليج العربي وضمان أمن الطاقة فالتنافس بين القوى الإقليمية يكون مهم ومؤثر في أمن القرن الأفريقي مثلا بين إسرائيل ومصر وإيران والسعودية وتركيا، إذا دعمت هذه القوى-قوى محلية في القرن الأفريقي فمحتمل جدا دعم إسرائيل لإثيوبيا فمصر لا تدعم إثيوبيا وبذلك قد يكون التنافس بين مصر وإسرائيل، فإثيوبيا لا تستطيع قيادة القرن الأفريقي لوحدها وقد تطلب التعاون من أمريكا إسرائيل الدول الأوروبية.[19]

مما سبق يتبادر إلى الذهن السؤال الذي مفاده لماذا لا تقوم تحالفات في القرن الأفريقي على أساس التحديات الموجودة؟

تتدخل الدول حسب مصلحتها وأحيانا توظف التوترات الأمنية لتخدم مصالحها بل أحياناً قد تؤجج صراعات أو توترات أمنية تخدم بها مصالحها خاصة دول الخليج لديها أشكال مختلفة من التدخلات فقد يكون تدخلها اقتصادي متعلق بموانئ أو موارد مثلما تتدخل الإمارات كذلك قد يكون هناك تدخل لتامين الأمن الغذائي بموجب ذلك تأخذ الدول مساحات زراعية مختلفة كما تفعل السعودية والإمارات نفسها، فالتباين هذا المصلحة فيه واضحة ووفقا لهذه المصلحة يكون الاصطفاف مع طرف ضد طرف أخر لتحقيق مصالحهم، فالإمارات كان لديها وجود عسكري في إريتريا مستأجرة ميناء عصب إلا أنه قبل شهور قليلة تقريبا في يناير2021م استغنت عن هذا الميناء نسبة للتطورات التي حدثت في العالم أو الإقليم أو المنطقة فالدول لديها أهداف جيوستراتيجية مثل الإمارات، وأهداف اقتصادية لتامين الأمن الغذائي مثل السعودية وأحيانا قطر لديها وجود في هذه المنطقة تستخدمه لتأكيد نفوذها وبذلك تكون المنافسة بين الإمارات والسعودية.[20]

هناك رأي والبحث لا يتفق معه يشير إلى أنه من المرجح أن يتضاعف التعاون الأمني والعسكري في القرن الأفريقي بين تركيا والصومال وبعض دول الخليج التي تتوافق رؤاها السياسية مع تركيا وقد تنضم اليهم إثيوبيا أو السودان في مرحلة من المراحل مما ينذر بتصعيد المواقف وتعقيدها، وفي ظل تباين الرؤي السياسية لكل دولة خليجية، والدور المستقبلي الذي تريده كل دولة خليجية لنفسها وبمعزل عن الأخرى، سيقود ذلك بطبيعة الحال إلى مزيد من الصراع بين دول الخليج والذي ظهرت بوادره في بعض الدول الأفريقية ويعني ذلك أن الصراع الخليجي ليس محصورا على منطقة القرن الأفريقي بل قد يمتد إلى عموم القارة الأفريقية وأن الأمن القومي السودان قد يتأثر بذلك، مما يزيد من احتمال انهيار فكرة الاتحاد الخليجي بشكل عملي وفعلي خاصة أنه لا سبيل لتقارب الرؤي بين بعض دول الخليج العربي على المدى القريب أو المتوسط على الأقل.

يرى البحث أن السودان في المرحلة المقبلة لن يتوانى في إقامة وتعزيز تحالفات إستراتيجية حقيقية مع قوى إقليمية يرى في ذلك فرصة لاستعادة دوره القديم كلاعب إقليمي محوري، وهذا حق أصيل للسودان خاصة أن تلك القوى الإقليمية باتت تشكل رقما صعبا في السياسة الدولية، لكن كيف فهم التقارب التركي السودان الصومالي سابقا في الخليج العربي قبل سقوط نظام الإنقاذ وكيف سيفهم في سودان ما بعد الإنقاذ خاصة أن كل دولة خليجية لها رؤيتها السياسية الخاصة والتي لا تتوافق مع الأخرى بلا شك؟.

لكن يتفق البحث مع أنه سيتعزز التنسيق الأمني والاستخباري الخليجي الأمريكي في القرن الأفريقي، ولكن يبقي السؤال هنا ما هو المستوي الذي سيصل إليه هذا التنسيق وهل سيؤثر ذلك على الأمن القومي السوداني؟ وهل سيكون بالمستوى الذي تتطلع إليه دول الخليج العربي خاصة وأن والولايات المتحدة وإن تعاونت مع القوات المتحالفة في اليمن وفي القرن الأفريقي إلا أن تعاونها سياتي وفقا لما تراه واشنطن في صالحها والذي سيفضي بالطبع إلى خلط الأوراق في المنطقة، وتراقب القوى الدولية عن كثب ما يحدث في القرن الأفريقي من تغيرات ولديها سيناريوهاتها التي وضعتها قبل أن تضع خطتها للمصالحة الإثيوبية الإريترية.[21]

القيادات العربية في الخليج العربي لديها هاجس واحد مهم وهو الهاجس الأمني مقدم على الهواجس الأخرى وهو هاجس البقاء في السلطة وهاجس بقاء الملكية كنظام للحكم وبالتالي يكون الخوف من أن تتحول هذه الملكيات إلى جمهوريات وبالتالي المهددات الأخرى سواء كانت إسرائيل، أو تركيا، أو إيران هذه المهددات تأتى بعد هاجس الاطمئنان على البقاء في السلطة وبقاء الملكية لكن هناك مهددا أخر مثل الأمن الغذائي الذي قد يؤثر على بقائهم في السلطة فتلافي هذا المهدد قد يؤثر على بقائهم في السلطة. التنافس بين إسرائيل وتركيا وإيران والسعودية ومصر يشكل مهددا للأمن الإقليمي، فلو استطاعت دولة من دول القرن الأفريقي قيادة المنطقة يمكن أن تخفف من التنافس وتأثيره على الأمن الإقليمي فالتنافس الدولي هو الأهم وهو المؤثر.[22]

دور التقنية في النظام الإقليمي:

مشاكل كثيرة يمكن حلها عن طريق التقنية الحديثة التي تتيح تطبيقات عملية للمكتشفات العلمية، تتراوح ما بين الري الحديث بواسطة الحاسوب، إلى إنتاج أغذية بكميات كبيرة من مساحات صغيرة من الأرض، المعرفة التقنية فتحت أيضاً ميادين جديدة مثل ميدان الأحياء البحرية، فعلى طول عهود التاريخ اعتاد الناس صيد الأسماك من البحر، من أجل توفير الغذاء، بينما الآن يقوم مربو الأسماك بتربيتها وغيرها من الحيوانات في أوعية مياه صغيرة نسبيا والإنتاج بكميات كبيرة جدا مقارنة بحجم الأحواض. ومن أجل الإعداد للمستقبل يبحث العلماء عن طرق لاستخدام البحر مختبرا بحيث يكون بالإمكان استبدال أو استكمال ما وفرته الطبيعة للإنسانية. أن المناطق ذات النسب العالية من السكان أظهرت اهتماما متزايدا باستغلال المعرفة العلمية، من أجل تطوير أنواع جديدة من الأغذية، وطرق جديدة لإنتاج الغذاء وذلك يرجع بدرجة كبيرة إلى الرغبة في الحفاظ على البيئة من التلوث.[23]

سيشهد القرن الأفريقي تحالفات على أساس الوزن السياسي، والثقافي، والتقاني، والتكنولوجي فينبغي أن يأتي المحدد الثقافي مؤخرا فمثلا القرن الأفريقي يضم أغلبية من المكونات ذات الأصول العربية والإسلامية أو المتأثرة بهذه الثقافة وأصبحت تدافع عنها لكنها إذا رفعت هذا الشعار الثقافي وسعت لتكوين تحالفات في القرن الأفريقي لن يقودوا ولن تقوم تحالفات على هذا الأساس ولقيام تحالفات في هذه المنطقة ينبغي التركيز على الجوانب العلمية والتقنية والتنموية وعندما يصلوا إلى مرحلة من القوة والتجانس بعد ذلك تدخل المحددات الثقافية فالاعتماد على المحدد الثقافي في بداية تشكيل التحالفات قد يكون سلبي لذلك من الأفضل أن تتشكل التحالفات في منطقة القرن الأفريقي على أساس المحدد الاقتصادي أو السياسي والعلمي والتقاني والتنموي.[24]

يتوجب على دول القرن الأفريقي تطوير مراكز تكاملية في الصحراء لمحاربة التصحر من أجل الحيوان والنبات فيها، كما يجب إعادة تأهيل الأرض والأنظمة البيئية التي تدهورت نتيجة للتصحر، والاستفادة من منظمة الإيغاد في هذا المجال. وعندما يصبح النظام الإقليمي حقيقة واقعة، ستحظى مراكز الأبحاث المذكورة بصورة مشرقة في الأسرة الدولية، ليس هناك سبب لتأخير تأسيسها، والي أن يتم استكمال الإجراءات السياسية والقانونية من أجل السلام يمكن المضي قدما في مثل هذه المشاريع العلمية. أن الجفاف لا ينتظر، وتمدد الصحراء لا يتوقف.

اقترح البنك الدولي تشجيع التقنية التعاونية وعمليات الحد من التصحر في منطقة القرن الأفريقي، هذه المبادرة تشير إلى الاعتراف بالحاجة الملحة إلى التعاون في المنطقة. كل دولة لها تجربتها الفريدة (مهما قلت فهي مهمة). فبعض المشروعات قد جرت محاولة تنفيذها(مثل نثر البذور بالطائرات)، والبعض الأخر لا يزال في مرحلة الإعداد(مثل استخدام البذور الأكثر مقاومة للجفاف). أن الاتجاه نحو التقنية هو الحل، مع أن أي وضع متوتر في المنطقة يمنع التعاون الكامل.[25]

نظام إقليمي:

 لما كان تحقيق تنمية سياسية في هذه المنطقة من العالم لا يمكن أن تحل على يد دولة منفردة، أو حتي على مستوي ثنائي، فإن التنظيم الإقليمي هو المفتاح للسلام والأمن، وسوف يعزز هذا التنظيم إشاعة الحرية السياسية والتنمية الاقتصادية والنمو القومي، والازدهار الفردي، إلا أن هذا التحول لن يتم دون بل جهد، فتوطيد السلام والأمن يقتضي ثورة في المفاهيم، وهذه ليست بالمهمة السهلة لكنها ضرورية، وبغيرها فإن أي اتزان سياسي يحرز سيكون قصير الأجل. والهدف النهائي هو خلق أسرة إقليمية ذات سوق مشتركة وهيئات مركزية مختارة على غرار الجماعة الأوروبية.

إن الحروب في احسن الأحوال ترجئ الأخطار وفي أحيان أخرى تفاقمها. والحل يكمن في نهج المفاوضة السياسية بدلا من المواجهة العسكرية، إن الأمن الإقليمي يتحقق عندما تكون المنطقة أمنة وذلك عند المدى الذي تكون فيه غير معرضة لخطر التضحية بقيمها الجوهرية، إذا رغبت في تحاشي الحروب، وتكون قادرة على المحافظة عليها، إذا ما تعرضت للتحدي وذلك بالانتصار في الحرب، وتكون قادرة على المحافظة عليها، إذا ما تعرضت للتحدي وذلك بالانتصار في الحرب، بمعني أخر تكون النتيجة غياب التهديدات لمنظومة معينة، أي غياب الخوف من أن تهاجم تلك القيم، أي التحرر النسبي من التهديدات الضارة.

إن اختلال توازن القوى في النظام الإقليمي والتنافس بين القوى الإقليمية والدولية يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار، اثر هذا الاختلال في تعقيد كثير من مشاكل القرن الأفريقي أهمها قضية سد النهضة الأخيرة بين إثيوبيا والسودان ومصر، وعلى العكس من ذلك كلما كان هناك تعاون بين القوى المحورية أدي إلى توازن القوى في الإقليم وبالتالي استقرار الإقليم.[26]

إن بنية نظام الأمن الإقليمي في القرن الأفريقي سوف تدور في محورين من الالتزامات المتبادلة: التزامات ثنائية، والتزامات الدولة نحو المنطقة أو الإقليم. إن الترتيبات الثنائية المباشرة بمثابة رادع للعدوان، وأن الواجبات التي يفرضها نظام الأمن الإقليمي سيساعد على فرض السلام، وذلك لأن الإطار الإقليمي هو وحده الذي يسمح بتفكيك هياكل القوة العسكرية ويعمل باتجاه نزع السلاح، وفرض الرقابة على محبي إشعال الحروب. إن النظام الإقليمي سيوفر نظاماً لجمع المعلومات حول النشاطات العسكرية ونقلها إلى كل الأطراف، وليس بالضرورة أن يهدف هذا النظام لأن يكون نظاما شبيها بحلف الأطلسي للدفاع ضد عدو خارجي مشترك.

التنافس بين دول القرن الأفريقي والقوى الإقليمية والدولية لن يؤدي إلى الاستقرار لأن دول المنطقة تشهد تكالب جديد مثلما يحدث في جيبوتي التي يتواجد بها عدد من القواعد العسكرية والاقتصادية للدول بما فيها الصين التي تبني أول قاعدة عسكرية لها خارج حدودها أو مناطق نفوذها الجغرافي أمريكا نفسها شيدت لها أول قاعدة عسكرية ثابته لها في جيبوتي، فهذا يؤدي إلى توتر لأن المصالح متضاربة ومتقاطعة بين هذه الدول إن لم يكن الآن فمستقبلا ستكون متضاربة، فالصين والولايات المتحدة مصالحهم الآن تبدو متضاربة ومتباينة فربما ينعكس هذا التباين في توتر على علاقات الدول في القرن الأفريقي هذا إضافة إلى وجود المرافق العسكرية المختلفة في دول القرن الأفريقي التي تشمل ضروب متنوعة من المرافق العسكرية كمحطات التجسس ومطارات لطائرات بدون طيار(الدرون) كل هذه موجودة.[27]

إن المفهوم الجديد للأمن الإقليمي يجب أن يختلف في جوانب عديدة مهمة عن نظام الأمن الجماعي الذي حاول الحلفاء تطبيقه بعد الحرب العالمية الأولي. والمفهوم لا يدعو إلى تفكيك الأسلحة وإعادة الجنود إلى السكنات بعد تكوين النظام الإقليمي، وإنما هو على أي حال تأسيس لعملية تدريجية بعيدة المدى لنزع السلاح من القوى غير الحكومية وجعلها حكرا فقط على السلطة الرسمية لدول المنطقة، وهذا النزاع سيرسخ الثقة بين الأمم المتعاونة ويفرض سلطة النظام الإقليمي.

الأمن القومي والأمن الإقليمي:

في إطار العلاقة بين الأمن القومي والعلاقات الإقليمية، ينبغي الإشارة إلى أن اتجاه الدول المنظمة إلى المنظمات الإقليمية يتجسد في أنه يحقق لها أمنها القومي في إطار هذا التنظيم الإقليمي، سواء كانت أهداف ذلك عسكرية وأمنية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وعلى الرغم من عدم وجود تعريف محدد للمنظمات الإقليمية، فهناك رأي يرى أنه من الأفضل عدم وضع تعريف لها حتي يظل مفهوما عاما يشمل كافة التجمعات والمنظمات والتكتلات والاتفاقات الإقليمية سواء التي تجمع دولا مجاورة جغرافيا، أو غير متجاورة جغرافيا، وإن كانت لها مصالح مشتركة، وهذا الرأي يؤدي إلى أن الأحلاف سواء كانت في شكل مواثيق عدم اعتداء أو معاهدات دفاع مشترك، أو معاهدات تمثل صورا من صور المنظمات الإقليمية، فليس المهم عنصر الجوار وإنما المصلحة المشتركة. والواقع فان كلا العنصرين يصلحان كمعيار للمنظمة الإقليمية، وبالذات قدر تعلق الأمر بالأمن القومي وبالذات السياسي والدفاعي، فالجوار يتمثل في جامعة الدول العربية، مجلس التعاون الخليجي، والمصلحة في منظمات إقليمية أخرى كحلف شمال الأطلسي ومنظمة المؤتمر الإسلامي وحركة عدم الانحياز والاتحاد الأوروبي.

من الضروري الإشارة إلى الخلاف حول المشروعية القانونية للأحلاف العسكرية بين اعتبارها منظمات إقليمية من عدمها، وبين رأي يذهب إلى عدم انطباق أحكام الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة عليها لأن المنظمات الإقليمية تقوم بهدف تنمية العلاقات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية بين الدول المتجاورة، بينما تنشأ الأحلاف العسكرية بهدف القيام بعمليات حربية بحتة. كما لا يشترط حصول الأحلاف العسكرية على أذن مسبق من مجلس الأمن كما هو الحال في المنظمات الإقليمية، لأن ما تقوم به الأحلاف العسكرية من إجراءات تتطلب المبادرة الفورية والسريعة نتيجة لتوافر الشروط الدفاع الشرعي، ورأي أخر يرى أن الأحلاف العسكرية هي منظمات دفاعية وقائية تنشأ أعمالاً لحق الدفاع الشرعي الجماعي الذي تتخذه المادة م/51 من الميثاق الذي ينص على أنه (ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص من الحق الطبيعي للدول فرادي أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إن اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ الأمن والسلم العالمي).[28] المشكلة الإستراتيجية التي سوف تواجه القادة في القرن الأفريقي عندما يأتي الحديث عن الأمن القومي والأمن الإقليمي تكمن في كيفية تعزيز الأمن القومي دون التقليل من الأمن الإقليمي. ولتوضيح هذه التطورات وتحديد الافتراضات الأساسية التي تعمل على صياغة تصور جديد، لا بد من إعادة التفكير في بعض التصورات التقليدية، فالعمق الإستراتيجي لا يحمل نفس المعني عندما تسود علاقات السلام وتطبق اتفاقيات بشأن أنظمة الرقابة على التحركات العدوانية، كما أن القطاعات الإستراتيجية لا تحمل نفس القيمة في زمن السلم، وتتغير أهمية الحملات العسكرية والاعتبارات التكتيكية عندما يستبدل الصراع المسلح بعلاقات صداقة وتعاون قائمين على الاحترام المتبادل.

ووفقا لهذا النظام الإقليمي المقترح يكون الأمن في المنطقة لا ينحصر في القضايا الجغرافية فلابد من تغير الافتراضات طبقا للمستجدات التي فرضها النظام العالمي الجديد، وكذلك دور القوى العظمي، إضافة إلى الأخذ بعين الاعتبار التطورات التقنية الحديثة. كما يجب إعادة النظر في التصور العام الذي يعتبر الحرب إحدى أدوات السياسة الخارجية، وأن الحرب تستخدم لتصحيح الخطأ، وفرض الصواب، خاصة أن الجميع في المنطقة فهموا أن المزيد من الحروب يعني مزيدا من الضحايا والتخلف.

إن إقامة نظام أمني إقليمي يعتمد على الاعتراف بالحقيقة الرئيسية التي ميزت السنوات الأخيرة من القرن العشرين، هي أن المؤسسات السياسية لم تعد قادرة على تحقيق الهدف الذي أنشئت من أجله، وهو تلبية المتطلبات الأساسية للامة.

وفي ضوء التطورات التقنية المعاصرة سواء تلك المعدة لأغراض الأعمار أو التدمير على السواء، فان المؤسسات القومية لم تعد وحدها قادرة على تامين الأمن ومع ذلك فانه ما يزال هناك مطلب متزايد الأهمية لتكوين سياسة جديدة تكون مسؤولة عن الأمن بصورة أوسع. فهل تكون الحاجة هذه هي التي ستحدد وجه التاريخ ؟ وهل تنجح الاعتبارات الأمنية والاقتصادية البعيدة الأمد في التغلب على العناد النفسي؟ صوت العقل يجيب بنعم وعليه فإن على شعوب القرن الأفريقي أن تدرك حقيقة أن العصر الحديث لا يوفر وسائل دفاع أنسب من الترتيبات الإقليمية الواسعة النطاق. وزيادة على ذلك فإن الأمن القومي يعتمد في الأساس على الأمن الإقليمي، غير أنه أمام هذه الشعوب طريق طويل يتوجب عليها السير فيه، ولذلك لابد من حشد كافة المصادر الفكرية والتغلب على المصاعب التي تقف أمام هذا المشرع.[29]

ولعل افضل طريقة يمكن انتهاجها في هذا الصدد هو محاربة الفقر كما لو كان تهديدا عسكريا. فلا يكفي تسوية الخلافات بشكل ثنائي أو حتي متعدد، فالمطلوب هو بناء قرن أفريقي جديد، وضمن هذا الإطار يظل السلام هو الطريق الفعلي لتوفير الأمن وليس كهدف سياسي، ولكن كإستراتيجية، فالأمن المشترك هو القادر على توفير الأمن الوطني.

وكخطوة أولي يكون التركيز على القضايا الإنسانية مثل التعاون في عمليات الإنقاذ البحري والجوي وإقامة شبكة اتصالات للإنذار المبكر والمناورات البرية والبحرية والجوية، والحفاظ على النظام الإقليمي من خلال المشاريع المشتركة، مثل مراكز الأبحاث المشتركة، وتطوير مصادر الغذاء من البحر الأحمر والمحيط الهندي، وكذلك السياحة، وبالنسبة لإقامة حلف إستراتيجي فيمكن أن تكون خطوة في مرحلة لاحقة.[30]

يرى البحث أن مجمل القول فيما سبق ذكره أن ميثاق الأمم المتحدة يهدف إلى تحقيق الأمن الإقليمي من قبل هذه المنظمات (المنظمات الإقليمية) وهي أوسع من الأمن القومي للدول المنضوية إليها في إطار علاقاتها الإقليمية، ومن خلالها يمكن تحقيق الأمن الدولي في نهاية المطاف على إطار الصعيد العسكري بالدرجة الأولي كعلاقة تعاقدية موثقة تتعهد بمقتضاها وحدتان سياسيتان كاملتا السيادة (أو اكثر) بتقديم المساعدة العسكرية المتبادلة كل منها للأخرى، بهدف زيادة قواها الفردية أو الجماعية في مواجهة عدو مشترك أو بهدف التصدي المشترك له في حالة الحرب، وهو بالتالي من اكثر السياسات فاعلية في مجال حماية الأمن القومي، وفي كل الأحوال فان استقراء تطور العلاقات الإقليمية يشير إلى عنصر المصالح الاقتصادية، وقد تتجاوزها إلى مصالح وعلاقات مشتركة أخرى.[31]

مستقبل تأثير التحالفات في القرن الأفريقي على الأمن القومي السوداني

إن التحولات الدولية التي شهدها العالم بعد نهاية الحرب الباردة قد القت بظلالها على كثير من الأوضاع في العالم، حيث أصبحت السمة البارزة لهذا النظام الدولي الجديد هي الأحادية القطبية التي حلت محل الثنائية القطبية، وأصبحت الولايات المتحدة هي اللاعب الرئيس في التطورات التي شهدتها حقبة ما بعد زوال المنظومة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفيتي، وذلك لتنامي قدراتها الاقتصادية التي أتاحت لها توفر قاعدة تكنولوجية وعسكرية لا تضاهي. ونصبت نفسها شرطيا للعالم، وتحاول التحكم في مصائر دول العالم دون منازع، وتوجه سياساتها حيث تشاء، وتسيطر على المنابر الدولية وتحدد مسار المنظمات السياسية والاقتصادية الدولية وفق مصالحها القومية وإستراتيجياتها الكونية.[32]

تواصل التنافس الإقليمي في المنطقة في فترة ما بعد الحرب الباردة على الرغم من تغيره، فقد لا نجد تنافسا دوليا يضاهي ما كان قائما في المرحلة السابقة. وكان متوقعا أن تبرز الولايات المتحدة “المنتصرة ” في الحرب الباردة، بوصفها الفاعل الدولي الأكبر، إلا أن مصالحها في المنطقة كان يجب أن تُحدد من جديد. وكان تدخلها الأكبر في الصومال أثناء جفاف1992م/1993م. وكان ذلك في جوهره تدخلا إنسانياً لمواجهة الجفاف والمجاعة، وضد أمراء الحرب الذين كانوا يعترضون وصول المساعدات. وصور الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش، قرار الولايات المتحدة إرسال قوة ضخمة على الأرض- كانت عبارة عن 27 الف جندي من قوات الأمم المتحدة البالغ عددها 35الف جندي – على أنه جانب من النظام الدولي الجديد في أعقاب النجاح الساحق في طرد العراق من الكويت في عام 1991م وكان في ظن الجيش الأمريكي أن عملية الصومال ستكون سهلة وسريعة بالمقارنة، وثبت في النهاية أنها كانت ورطة عسكرية، مما اضطر كلينتون إلى سحب قواته بأسرع ما يمكن، لأنها لم تحقق سوى القليل، إن كانت قد حققت أي شيء.[33]

كذلك من التحولات الهامة التي شهدها العالم في تلك الفترة والتي أفرزت تحولات سياسية واقتصادية هامة، قيام الاتحاد الأوروبي في عام 1992م، ووضع خطط لتوسيع الاتحاد السوق الأوروبية المشتركة لاستيعاب دول أوروبا الشرقية بعد انهيار منظومة الكتلة الاشتراكية وجناحها الاقتصادي “الكوميكون”، وإلغاء حلف وارسو. وكان من اهم تبعات هذا الحدث أن تحولت الاهتمامات السياسية والاقتصادية وحركة واتجاهات تدفقات رؤوس الأموال والاستثمارات الغربية إلى دول أوروبا الشرقية على حساب التدفقات التي كانت موجهة إلى الدول النامية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، مما أدي إلى تعميق التهميش الاقتصادي والعزلة السياسية لدولها وخاصة الدول الأفريقية.[34]

اتجه اهتمام الإدارة الأمريكية بعد ذلك إلى السودان بمطامحه الإسلامية، ووضعه في عام 1993م على قائمة الولايات المتحدة للبلدان الداعمة للإرهاب، والتي يجب أن تخضع لعقوبات، مع أنه لم يكن بين البلدين سوى صلات قليلة عمليا، وحقيقة الأمر أن الإرهاب بات شاغلا أساسا للولايات المتحدة في القرن الأفريقي قبل 11سبتمبر 2001م بكثير، فقد عززت هجمات 11 سبتمبر هذا الاهتمام، ليقام في أعقابها معسكر ليمونيه في جيبوتي بوصفه القاعدة الأمريكية الوحيدة في القارة الأفريقية. كما شكل ذلك المعسكر أول عملية نشر للقوات الأمريكية على الأرض بعد محاولة في الصومال قبل عقد تقريباً. وعملت قوة العمل المشركة –القرن الأفريقي من هناك بطرق سرية، إذ وجهت ضربات إلى أهداف إرهابية مفترضة في الصومال واليمن بصورة أساسية. وفي اتساق مع هذه العمليات، أتي تشجيع الولايات المتحدة الغزو الإثيوبي لإطاحة اتحاد المحاكم الإسلامية، وقدمت إليه الدعم الجوي في عام 2006م.[35]

شكلت منطقة القرن الأفريقي إحدى المناطق الإقليمية المهمة عالميا نظرا لمكانتها الجيوستراتيجية،مما جعلها محورا أساسياً في حسابات القوة والنفوذ العالمي، وانعكس هذا على مستوي استقرارها بالعموم وخلال مختلف المراحل التاريخية لها، لتضفي عليها سمت ضعف الاستقرار المفضي إلى نزاعات وصراعات وحروب متتالية طبعت تاريخ المنطقة الحديث والمعاصر، فلقد أصبحت المعضلة الأمنية الباعث الرئيسي حول إشكاليات العلاقات القرن أفريقية بأطرافها الإقليمية والدولية، كما أن اختلال ميزان القوة بين أطرافه أدى لأن تنبثق صيغ التحالفات في سياسة دوله.[36]

لدي مقارنة الولايات المتحدة والصين كونهما الفاعلين الدوليين الرئيسيين في الأعوام العشرين الأخيرة، بالولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في أثناء الحرب الباردة، يتبين أنهما لا يتصرفان باعتبارهما متنافستين فعليين، إذ أن الولايات المتحدة لا تسعي بصورة مباشرة وراء أهداف اقتصادية بقدر ما تسعي وراء مشاغل سياسية وإنسانية، في حين تحاول الصين التركيز على الفرص الاقتصادية. ويمكن القول أن مصالحهما تتقارب في السعي وراء الاستقرار السياسي. وقد طورت الولايات المتحدة الفكرة التي مفادها أن الأماكن المضطربة في العالم الإسلامي، ومن بينها جنوب الصومال ووسطه بشكل خاص، هي الملاذ الطبيعي للإرهابيين، وأن الحكومات المحلية المتعاونة، مثل حكومات إثيوبيا وكينيا وحتي السودان، حيث تقيم الولايات المتحدة صلات استخبارية، شريكة في هزيمة أولئك الإرهابيين. وفي المقابل تري الصين دورا أساساً للدول التنموية القادرة – من الطراز الأفريقي- مثل شركائها في السودان وإثيوبيا، ووجدت نفسها متورطة في إحلال السلام اكثر مما كانت تتوقع. ولطالما كانت الصلات واضحة بين التنافس الدولي والتنافس الإقليمي.[37]

يسمح نظام توازن القوى، لا سيما نظام توازن القوى التقليدي، بقيام التحالفات والتحالفات المضادة، بقصد تصحيح وإعادة النظام إلى حالة التوازن الطبيعية، أما نظام توازن القوى النووي، فإنه يسمح بدوره بقيام تحالفات بقصد تحقيق انتصارات سياسية وليس بالضرورة تحقيق تفوق عسكري، على اعتبار أن توازن الرعب النووي وتكنولوجيا الصواريخ البالستية الطويلة المدى، لا تتأثر كثيرا بحدوث الانسحاب والانضمام إلى تحالفات قائمة على غرار توازن القوى التقليدي. كما أن ميثاق الأمم المتحدة يعترف بقيام تحالف كبير، يستند على مبدأ الكل ضد العدوان مهما كان أو مبدأ الأمن الجماعي، الذي يخول مجلس الأمن مهمة حفظ الأمن والسلم الدوليين، وفي إطار المواد المنصوص عليها في الفصل السابع من الميثاق كما ذكر في المبحث السابق. وتقر المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة أيضاً، حق الدول الطبيعي في الدفاع عن نفسها.

لقد تحولت العديد من التحالفات السياسية والعسكرية إلى منظمات إقليمية، تهدف في الأساس إلى التنسيق والتعاون في المجالات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، والعسكرية والإستراتيجية بين أعضائها. ولدعم فاعلية التحالفات والمنظمات الدولية الإقليمية، تم تأسيس هيئات قضائية هدفها حل النزاعات الإقليمية بالوسائل القضائية سلميا. ومن امثله التحالفات ذات الوظائف المتعددة، حلف شمال الأطلسي”NATO”، حلف وارسو سابقا، جامعة الدول العربية، منظمة الوحدة الأفريقية، منظمة الدول الأمريكية.

فالتحالفات السالفة الذكر قامت على أساس اتفاق أعضائها على أمن ودفاع مشترك، وهي أيضاً تحالفات يغلب عليها الطابع السياسي، وبالرغم من أن قيام التحالفات قد يوفر الأمن ويعتبر ردعا فاعلا ضد قيام أي عدوان، إلا أنه يعتبر في نفس الوقت تهديدا للأمن والسلم الدوليين، في حال قيام تحالفات مضادة تزيد من حدة التوتر على مستوي النظام الدولي. فمن مخاطر توتر العلاقات بين التحالفات، السباق على التسلح، قيام الأزمات، وقيام الحروب.[38]

ظاهرة تعدد المنظمات والمنابر الإقليمية تبين ضعف الآليات الكبيرة مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيغاد فلذلك دائما ما تنخرط الدول في هذه المنظمات لتحقيق هدفين الهدف الاقتصادي وهو عادة لا يتحقق مثل انضمام الدول للكوميسا، الهدف الثاني وهو تحقيق الأمن وهو المعطي الذي يدفع دائما الدول لتنضم للمنظمات مثل تجمع صنعاء الذي كان نشطا جدا عندما ساءت العلاقة بين اليمن وإريتريا كذلك بين السودان وإريتريا وإثيوبيا وإريتريا فهذا إطار إقليمي البعد الأمني هو الذي دفع لتكوين هذا التجمع وهكذا هناك كثير من المنظمات.

نظرا لغياب الإجماع حول المهددات الأمنية لدول القرن الأفريقي يرى البحث أن ذلك يعود لأسباب كثيرة منها مثلا تعارض الأهداف وغياب المؤسسة أو المنظمة التي تحكم القرن الأفريقي أو التي تحتوي دول المنطقة لذلك هناك عدم إجماع حول المهددات، لماذا لا تعمل دول القرن الأفريقي في التفكير خارج الصندوق لإحلال الأمن في المنطقة أم تفكر كل دولة في نطاق حدودها الجغرافية أن توفر الأمن فالتحديات الأمنية التي تواجه دول المنطقة مترابطة فإذا حدث خلل في أمن أي دولة ينعكس على أمن أغلب دول القرن الأفريقي فهو عبارة عن مركب أمني فمن خلال الدراسة والمتابعة نجد أن دول القرن الأفريقي أهدت بالدراسات الأمنية وطبقتها لكن ذلك لم يعد على المنطقة بالأمن والاستقرار؟

هذه هي طبيعة النظرة التقليدية لموضوع الأمن الذي يفسر أن النظام العالمي هذا يقوم على تعدد القوى وهو ناتج من تقاطع المصالح والأهداف الإستراتيجية، وهذه الأهداف ليس بالضرورة أن تكون متطابقة، فلكل دوله أهداف لأمنها القومي ولكن غالبا ما تنشأ الخلافات في أن عناصر الأمن القومي لأي دولة قد يتهدد من الدول الأخرى، لذلك يتصف النظام الدولي بأنه نظام فوضوي يتميز بتعدد القوى وليس سيطرة قوى واحدة، لكن هناك حد ادني يمكن أن تتفق عليه الدول لتحقيق المصالح دون أن تؤثر مصلحة دولة في تحقيق أمنها القومي على الأمن القومي للدول الأخرى، وهناك عدد من الآليات التي يمكن أن تتحقق بها المصالح منها استخدام الوسائل السلمية كالتفاوض والتوفيق والدبلوماسية في حل النزاعات وفضها عن طريق الآليات التي تقوم بذلك كمنظمة الإيغاد ومجلس السلم والأمن الأفريقي أو حتي مؤتمر تأنا السنوي الذي يناقش قضايا الأمن في كل أفريقيا وفي أقاليمها المختلفة، كذلك هناك مؤثرات أخرى غير مقتضيات الأمن القومي لكل دولة.

هناك مصالح تحتم على دول أخرى من خارج المنطقة أن تتحالف مع دول المنطقة ويؤثر هذا التحالف القائم على أمن الدول الأخرى، مثلا هناك حالة سوريا يوجد بها تقاطعات دولية كثيرة جدا في المنطقة من خلال تفاعل ومساندة كل طرف من اطراف الصراع داخل الدولة الواحدة مما يهدد ليس أمن الدولة الواحدة ولكن أمن الإقليم ككل فهناك كثير من المؤثرات التي تجعل قضية الاتفاق حول تحديد تهديد أو المهددات المشتركة وكيفية مواجهتها في ظروف مثل ظروف دول القرن الأفريقي، التي ورثت كثير من المهددات أبان فترة الاستعمار وما بعدها مثل الخلافات الحدودية وما يترتب عليها من إشكاليات مثل ما نشهده الآن في حالة الفشقة بالنسبة للسودان، فالمهددات قد تكون داخل الدولة كصراع اطراف داخلية أو بين الدول نفسها تنشأ هذه المهددات الموجودة فما دام هناك تقاطع في المصالح وهذه المهددات موجودة وخلاف في الإستراتيجيات، وما دامت طبيعة النظام الدولي الذي يتصف بأنه فوضوي فمن الصعب أن يكون هناك اتفاق على مهددات واحدة مشتركة لأن مصدر هذه التهديدات ناتج من الدور تلعبه الدول، والذي من المفترض أن تتداعي له كل دول الإقليمي لمواجهة تهديد واحد مشترك.[39]

يأخذ التفكير في طبيعة وتعقيد المعضلة الأمنية في منطقة القرن الأفريقي حيزا لدي القوى الإقليمية والدولية إذ أن أهمية المنطقة وطبيعة أطرافها من حيث البعد التاريخي والقيمي لهم، انعكست سلبا على أوضاعها الأمنية بشكل اضفي عليه ضعف الاستقرار، وسياسة التحالفات، والتدخلات الدولية المباشرة في المنطقة.

شهد الواقع  السياسي والأمني لمنطقة القرن الأفريقي تعقيدا وتوترا في العلاقات بين أطرافه بحكم تقاطع المصالح في منطقة جيوستراتيجية ولكي تتضح الصورة اكثر نتناول مفهوم الأمن الإقليمي والذي يعرف بأنه (اتخاذ خطوات متدرجة تهدف إلى تنسيق السياسات الدفاعية بين اكثر من طرف. وصولا إلى تبني سياسة دفاعية موحدة تقوم على تقدير موحد لمصادر التهديد وسبل مواجهتها) وهذا ما لم يتحقق في القرن الأفريقي، وقد أشار باري بوزان إلى المفهوم بمصطلح (المجتمع الأمني) والذي عرفه بأنه (مجموعة من الدول ترتبط فيه اهتماماتها الأمنية الأساسية مع بعضها بدرجة وثيقة، بحيث أن أوضاعها الأمنية لا يمكن النظر إليها واقعيا بمعزل عن بعضها البعض).ولتحليل مسالة الأمن الإقليمي يرى باري بوزان بأن العلاقات بين الدول يمكن أن تؤسس شبكة واسعة من الصداقات والتحالفات التي تشعر بالخوف، ويرى أن مفاهيم الصداقة/ والعداوة بين الدول تكون مرتبطة بالأيديولوجية الإثنية والخلفيات التاريخية، كما يشتمل مركب الأمن على الاعتماد المتبادل في مجال التنافس، أما العامل الأساس في تعريف مركب الأمن فهو يمثل المستوي العالي من التهديد/ الخوف الذي يشعر به بشكل متبادل بين دولتين أو اكثر.[40]

تُعِد الولايات المتحدة شبكة حلفائها القوية اهم نقاط القوة في الأمن والاستقرار الدوليين، حيث تسهم تلك الشركات في النمو والرفاهية حول العالم. كما تري الإستراتيجية الأمريكية أن وجود القوات في مواقع رئيسية حول العالم احد عوامل استقرار البيئة الدولية، وتعد مؤهلا من مؤهلات الدول في الاستجابة للازمات وقت حدوثها.

وفي القرن الأفريقي سوف تسعي الولايات المتحدة نحو تطوير خطط مشتركة بين مجموعاتها القتالية في القرن الأفريقي وعملية “درع المحيط” التي يتزعمها الناتو لمكافحة القرصنة في القرن الأفريقي وخليج عدن، بالإضافة إلى التنسيق مع القوات الفرنسية في جيبوتي، والقوات الألمانية المتواجدة بشكل موسمي في خليج عدن لحمايته، وتتمتع الولايات المتحدة بحضور قوي جدا في منطقة القرن الأفريقي عن طريق قاعدة سومطرة الجوية الإستراتيجية، بالإضافة إلى قاعدتها العتيدة في كامب ليمونيه بجيبوتي، التي تتولي عمليات ضرب القاعدة في جنوب اليمن، إلى جانب كونها مقر التنسيقات والتفاهمات العسكرية والأمنية الأساسية بالنسبة للقرن الأفريقي مع الحلفاء الإقليميين والدوليين.

تتمثل أهداف هذه القوات فيما يتصل بأمن القرن الأفريقي في الاتي:

  • تعزيز وجود دولي مستقر.
  • محاربة الإرهاب.
  • القيام بما يلزم من الإدارة العسكرية والتعاون الأمني.
  • تقديم المساعدة الإنسانية والاستجابة للكوارث.

كلها أهداف تتحقق في إطار أعمال مكافحة الإرهاب والتمرد والقرصنة في محيط القرن الأفريقي.

تولي الولايات المتحدة بوصفها صاحبة اعتي قوة عسكرية، واكبر متعامل تجاري في العالم –أمن القرن الأفريقي رعاية خاصة، نظرا لموقعه الجيوستراتيجي المتميز، وهذا يشكل أعباء أمنية عليها، نظرا للواقع الملتهب الذي تمر به منطقة القرن الأفريقي منذ قرابة العقدين من مشكلات سياسية واجتماعية وديموغرافية وهوياتية. ويرى الأمريكيون بحسب وثيقة الإستراتيجية العسكرية الوطنية 2015م أن هذا الخطر سيتفاقم ليهدد النظام الدولي بأكمله إذا حصل اتصال بين الجزيرة العربية الملتهبة المنخرطة في حرب مفتوحة بين حلف سعودي وحلف إيراني لا يمكن حسم نتائجها حتي الآن، بالإضافة إلى وجود خطر كبير في حال نقلت الصين والهند مواجهاتهما صوب القرن الأفريقي. والخطر العسكري الأخر في هذه المنطقة هو خطر على صعيد الأدوات، حيث تتصاعد احتمالات وجود صراعات هجينة في المنطقة تمتزج فيه الإستراتيجيات التقليدية بإستراتيجيات حرب العصابات من قبل جماعات العنف والتمرد.[41]

إلى جانب ما ذكر سابقا يرى البحث أنه لا بد من تحليل البيئة الموازية التي لها اثر كبير أي التقاطعات بين الإستراتيجيات التي تحدث فيها تؤثر على الأمن القومي السوداني، فقد شهدت منطقة الشرق الأوسط العديد من التحالفات عقب أحداث الربيع العربي في العام 2011م، كان ابرزها التحالف التركي القطري الذي في ظله توافقت أجندة الدولتين في دعم تيارات الإسلام السياسي في المنطقة. وتعزز هذا التحالف بعد المقاطعة الخليجية لقطر، إذ تم تسريع الجهود الهادفة إلى تعزيز التعاون العسكري المشترك. وعلى إثرها تشكل تحالف قطري-تركي وتوقيع اتفاقية الدفاع المشترك بينهما في العام 2014م والتي دخلت حيز التنفيذ في العام 2017م. ونشرت قوات عسكرية تركية في قطر.

كذلك في الجانب الآخر تشكل تحالف رباعي يضم كل من (السعودية، الأمارات العربية المتحدة، البحرين، ومصر) في العام 2017م على اثر الخلافات الخليجية القطرية وإعلان مقاطعتهم لقطر بسبب ما ادعته هذه الأطراف دعم قطر للجماعات الإرهابية والمتطرفة. وتدخلها لزعزعة أمن واستقرار الدول الأخرى، ويوجد بينهم تنسيق في مختلف المجالات الأمنية والسياسية، من أجل تعزيز الجهود المشتركة في تعزيز أمنها المشترك.

إلى جانب هذه التحالفات الرسمية المعلنة، توجد هناك صيغ أخرى للتعاون بين دول الشرق الأوسط، فقد طرحت المملكة العربية السعودية مبادرتها لتأسيس(منتدى البحر الأحمر) في العام 2019م وبدعم أماراتي مصري أسمته فيما بعد (مجلس الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن) بهدف تنسيق التعاون بين دول البحر الأحمر في المجالات السياسية والأمنية لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة، من أعمال القرصنة والتهديدات الإرهابية، والحد من تمدد النفوذ التركي والإيراني في الدول المطلة على البحر الأحمر.[42]

شكلت المعضلة الأمنية في منطقة الشرق الأوسط تحديا لدول وشعوب المنطقة، إذ انعكست سلبا على السلم والاستقرار فيها، فاختلاف التوجهات والرؤي وتضارب المصالح بين دولها المحورية، تبعا لاختلاف منظومتها القيمية وعدم التوصل إلى حالة من التوافق في السياسات التي تقر بالمصالح المتبادلة، افضي إلى ضعف في مستوى الأمن والاستقرار فيها، ليس هذا فحسب، بل تفاقم الأزمات بأسبابها المتعددة، وانتشار الحركات الإرهابية، دفع بدول المنطقة إلى سباق من السياسات المتطلع لحماية الذات من الأخر، عبر اتباع نهج تحالفي مع دول أخرى ضمن منظومتها الإقليمية، بل والذهاب إلى موازن خارجي من أجل مواجهة التحديات التي بدت ذات أوجه مختلفة ومستويات متعددة.

إن تاريخ منطقة الشرق الأوسط المعاصر يوضح أنها منطقة تقاطع المصالح بين دول محورية ودول جيوستراتيجية، كل منها له قيمه ومصالحه التي تحدد نسقه السياسي وإلية تنفيذها ضمن سياق القدرة التي يملكها والقوة التي يترجمها إلى أفعال مما افرز تقاطعا في الأدوار، مع اصطفافات وتحالفات تميزت بالمرونة بحسب مدركات ومصالح كل طرف ويهدف موازنة التهديد. والجديد في هذه التحالفات أن قسما منها كان ضمن نسق ضم دولا إلى جانب فواعل من غير الدول وظفت بحكم الترابط القيمي والمصلحي بهذا الصدد.

وعليه فقد عملت الدول المحورية في المنطقة ضمن تحالفات متضادة، مع وجود دور فاعل للقوى الدولية بهذا الصدد، وكل محور وظف قدراته المالية والعسكرية ومنظومته القيمية من أجل تعزيز دوره في المنطقة. متخذا من بعض الدول ساحة للصراع على مناطق النفوذ من خلال تواجد قواته فيها أو عبر توظيف الوكلاء والحرب بالإنابة. فهذه التحالفات بسياقها (توازن التهديد) لم تنتج السلام في المنطقة.[43]

الرؤية الإستراتيجية لمستقبل تأثير التحالفات في القرن الأفريقي على الأمن القومي السوداني:

من خلال الاستعراض الذي تم لمفهوم الأمن القومي السوداني، والتأثيرات التي القت بظلالها عليه، فإن الأمر يستوجب تقديم تصور لإستراتيجية من شأنها المحافظة على الأمن القومي السوداني، ودفع مهدداته التي تنتج بسبب التحالفات الإقليمية في المنطقة والصراعات الإقليمية في القرن الأفريقي، خاصة أن السودان يكتسب قدرا كبيرا من الأهمية بالنسبة لدول الإقليم لكنه اخذ في التراجع أي الدور المحوري للسودان ويعزي ذلك لعدة عوامل منها تراجع الاقتصاد السوداني، الأوضاع الداخلية كالسياسية والاقتصادية والأمنية واهمها الاجتماعية التي تؤثر على تماسك الجبهة الداخلية، من ابرزها مشكلة دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، كل هذه العوامل أدت إلى تراجع الدور المحوري للسودان في تفاعلاته في القرن الأفريقي.[44]

غير أن ذلك لا ينفي أن السودان يتمتع بعدد من المزايا ويكتسب قدرا كبيرا من الأهمية بالنسبة لدول الإقليم والعالم الخارجي وذلك لما يملكه من مقدرات وموارد اقتصادية وبشرية يتفوق بها ويتميز بها عن باقي دول المنطقة والقارة، وبقدر من الأهمية الإستراتيجية بوصفه مطلا على البحر الأحمر وما يمثله ذلك من أهمية كبري في مجال التجارة الدولية، كذلك موقع السودان المتميز بمساحته الجغرافية الممتدة والتي جعلته في موقع مجاور لعدد من الدول الأفريقية والعربية.

ولكن نجد أن دول القرن الأفريقي خصوصا والدول الأفريقية عموما تعاني من عدم الاستقرار، وبها بيئة صالحة لنشوب الصراعات مما يشكل مصدر تهديد للأمن القومي السوداني.

وعليه فإن السودان يكتسب أهمية تجعله في موقع التأثير بالمتغيرات الإقليمية والدولية التي تشهد تغيرا وتطورا مستمرا، وبذلك ينبغي معه التطور على مستوى التخطيط الإستراتيجي.

والجدير بالإشارة هنا أن المتغيرات الإقليمية الأخيرة المرتبطة بتغير الأنظمة الحاكمة في البلدان الأفريقية والعربية بسبب الثورات الشعبية لن تصب في صالح السودان ولا المنطقة المحيطة به إلا إذا انتهجت الدولة سياسات خارجية تبني على المصالح المشتركة وحسن الجوار كأساس ينظم هذه العلاقات ولا بد للسودان ولمجابهة مثل هذه المتغيرات من تحديد سلوك يتوافق وتلك المتغيرات، إذ أن الحفاظ على الأمن القومي يتطلب نوعا من الاتجاه إلى التعاطي مع القضايا الإقليمية في إطار يحفظ للسودان سيادته وأمنه وسلامة وأمن الإقليم.[45]

من خلال التعاون المشترك في إطار التحالفات الإقليمية لصد أي تهديدات لأمن المنطقة. وعلى هذا فإن تناول التصور يأتي من خلال المحاور السياسية والجغرافية والعسكرية ومحور التوجهات الجيوبوليتيكية، فهذه المحاور تمثل المداخل الرئيسية التي يمر عبرها تهديد الأمن القومي السوداني، لذلك لابد من فهمها جيدا لتصبح آليات منسجمة تدفع مهددات الأمن القومي لا سيما الخارجية منها وصولا إلى تحقيق الغايات القومية المرجوة.[46]

أولا: المحور الجغرافي:

لا ينفرد السودان، الذي عادة ما يقترن اسمه بصفة أفريقيا مصغرة، لتعدده إثنيا وثقافيا واقتصاديا ومناخيا، وبكبر حجم مساحته التي يبرز فيها جميع الأقطار الأفريقية والعربية، إنما بالإضافة إلى ذلك وغيره، بحدوده الممتدة التي تشترك مع سبعة دول بعد انفصال الجنوب (9يوليو2011م)، وهي: مصر، ليبيا، تشاد، أفريقيا الوسطي، دولة جنوب السودان، إثيوبيا، إريتريا.

وقد ترتب على هذه الحدود، أن تكون هناك عشرات القبائل وعشرات اللغات المتداخلة بين السودان ودول الجوار الأفريقي، وقد نجم عن هذا التداخل كما هو الحال في معظم الحدود السياسية الاعتباطية التي صنعها الاستعمار، شيء من عدم الاستقرار والتوتر.

كما ساهمت حركات اللجوء المستمرة، قديما وحديثا بسبب الحروب الأهلية والكوارث الطبيعية، والفرار من بطش المستعمر، والتطلع إلى وضع اجتماعي واقتصادي افضل، بالإضافة إلى الهجرة الدينية (طريق الحج) من الدول الأفريقية المجاورة وغير المجاورة للسودان في استقدام إعداد معتبرة لأفراد واسر وجماعات تنتمي إلى قبائل مختلفة ولغات متفرقة. وقد كانت المحصلة لمجموع ذلك أن اصبح سودان اليوم في غالبه الأعم نواة أمة تساهم في تشكيل هويتها، بالإضافة إلى العناصر المحلية، عناصر متعددة من بنات ذلك التداخل القبلي واللغوي المشار إليه.

أصبحت قضية التعايش أو ما يترادف معها من مسميات مثل (العيش المشترك) (الوحدة الوطنية) (الاندماج الوطني) (التكامل القومي) (السلام الاجتماعي) وغيرها من اهم الموضوعات والقضايا الكونية التي تشغل أذهان الدول والحكومات إضافة إلى الأفراد والجماعات الأمر الذي جعلها في سلم أولويات البحث العلمي لدي الباحثين والمختصين في مجالات العلوم السياسية والاجتماع وغيرها.

وذلك من منطلق أن التعايش هو عملية مرتبطة بالمجتمعات أو الدول ذات التعددية مثل إثيوبيا والسودان.

والدولة السودانية بتركيبتها المتعددة وتداخلها القبلي والحدودي مع دول الجوار، عرضة للتفرقة والانقسام مالم يحدث تمازج وانصهار مجتمعي، وهذا لا يتحقق إلا في ظل مناخ الاستقرار الكامل على كافة المستويات، والذي من شأنه أن يقود إلى الاستقرار الاجتماعي الذي يساعد بدوره على خلق ذلك الانصهار والتلاحم.[47]

يعتبر التجانس العرقي عامل قوة في الدولة فكلما كانت الدولة متجانسة عرقيا، قلت عوامل الضعف الداخلية، واختفت المشكلات ذات الطابع العنصري، هناك بعض الدول تستمد تماسكها من الداخلي من وحدتها السلالية (وإن كانت لا توجد وحدة سلالية مطلقة)، بلغ مؤشر التناغم السلالي في السودان 42،66% وينقسم السكان بين مجموعات إثنية تتوزع بين السود52%، القبائل ذات الأصول العربية 39% والبجه6% والاجانب2% وأخرى1%.

ولعل هذا التباين الإثني وبعض مشكلات الاستعمار الموروثة، تمثل جزءاً كبيرا من مشكلات السودان التي ظهرت ببروز روح الهوية والجهوية في الصراعات ابتداء من مشكلة جنوب السودان التي برزت منذ العام 1955م ومرورا بمشكلات غرب السودان وشرق السودان، وهذه الروح في تنامي مستمر، واصبح من الصعب السيطرة عليها خاصة أنها ارتبطت ببعض الأخطاء السياسية منذ استقلال السودان وإذا كان لابد من حلها وفق الظروف المحيطة والمتغيرات الحالية سوف يكون الحل مكلفا وقد يؤدي إلى تأكل السودان من أطرافه.[48]

يرى البحث أن عوامل الضعف الداخلية هذه تؤثر مستقبلا على الأمن القومي السوداني وتؤثر في دخول السودان في تحالفات مستقبلية، وإذا تشكلت تحالفات ضد السودان فقد تستخدم هذه العوامل اكثر في أضعاف قوة الدولة وبالتالي التأثير على الأمن الوطني.  

والسودان كما هو معلوم، يعاني من أثار حرب طويلة في جنوبه تفجرت منذ تاريخ الاستقلال والتي برزت في احد جوانبها كواقع يشير إلى خطورة التعدد العرقي والثقافي والديني. انتهت أخيراً بانفصال الجنوب عن شماله 2011م، ولتفادي تكرار الانفصال في بعض أجزاء السودان الأخرى التي اندلعت فيها المواجهات العسكرية والمطالبات من جانب الحركات المسلحة بدعاوي وحجج التهميش السياسي والتنموي، لابد من الاستقرار على مستوي الأنظمة السياسية حتي يحدث الاستقرار على مستويات التخطيط لحل كافة المشاكل العرقية والقبلية، والسبيل إلى ذلك حدوث انفتاح ديموقراطي يهيئ لكل أشكال التنوع والتعدد والاندماج والتكامل الوطني في بوتقة واحدة، وأن يكون الحكم باسم الوطن مع بقاء الحريات للأديان والاعتقاد.

وأن تكون المشاركة في الحكم بعيدة عن الاستناد إلى طائفة عرقية أو دينية محددة وبعيدا عن المحاصصات بل يجب أن تكون الكفاءة هي المعيار للاختيار، وأن تكون قائمة على أساس مؤسسات سياسية، إضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني مع الأخذ في الاعتبار مبدأ المواطنة كأساس للحقوق والواجبات. ولأجل البناء المستقبلي فإن الأمر يستلزم اعتماد منهج وطني للتربية الوطنية للأجيال القادمة والحالية لضعف الثقافة الوطنية بسبب الثقافات والعادات الوافدة وانتشار الوسائط الحديثة في نقل المعلومات، كما يعرف بمصطلح (الغزو الثقافي) أو تأثيرات العولمة. حيث لابد من التوسع في إعداد المناهج بالصورة التي نتمكن من خلالها نشر التربية الوطنية والتعريف بمبادئ الديموقراطية والابتعاد عن الجهوية والعرقية، وبهذا يمكن أن نضمن جبهة وطنية داخلية متماسكة ومترابطة.[49]

ولأن السودان يعاني  أصلاً من عدة إشكالات حدودية مع دول الجوار، وهذه الإشكالات تمثل مصدر تهديد للأمن القومي السوداني، فإنه وفي إطار الفشل الذي لازم جهود حل هذه الإشكالات، فإنه ينبغي الاتجاه إلى محاولة جعل هذه المناطق الحدودية مناطق تكاملية بعد أحداث ترتيبات وتنظيمات ديمغرافية على طول هذه الحدود، حتي نضمن الاستقرار فيها والاستفادة من مواردها خاصة وأن تلك المناطق الحدودية للسودان مع إثيوبيا والتي تعتبر اخطر دولة جوار مؤثرة على الأمن القومي السودان لذلك يجب الاهتمام بالداخل الإثيوبي فقد حدثت متغيرات سياسية داخلية في إثيوبيا من ثورات شعبية عنيفة قادة إلى حكومة انتقالية ثم حكومة منتخبة تعثرت في بعض الإصلاحات التي حاول رئيس الوزراء آبي احمد أجراؤها ابرزها تأخير الانتخابات بسبب جائحة كورونا في عام2020م مما قاد إلى نزاع داخلي مع إقليم تغراي الذين فقدوا السلطة وقد كان لهذا النزاع تأثير على الأمن القومي السوداني حيث افرز موجات كبيرة من اللاجئين في ظل أوضاع اقتصاد سوداني متردية، ورغم كل هذه الاضطرابات تسعي قومية الأمهرا إلى الاستيلاء على السلطة وحتي الاستيلاء على الحدود المتاخمة للسودان من الداخل الإثيوبي، وإذا سيطرت قومية الأمهرا التي تكن عداءً تاريخيا للسودان على الحدود المتاخمة وتمكنت من الاستيلاء على السلطة سيكون التأثير اكبر على الأمن القومي السوداني ولن تحل المشاكل بين الدولتين لذلك على السودان أحداث بعض التغيرات والتحولات الداخلية في إثيوبيا عن طريق دعم وتعزيز التحالفات مع بعض القوميات الداخلية في إثيوبيا وذلك لتقليل التأثير على الأمن القومي السوداني، فالمناطق الحدودية للسودان مع إثيوبيا، تعتبر من المناطق الغنية بالموارد لذا فإن جعل هذه المناطق بعد ترسيم الحدود ووضع العلامات الحدودية واعتراف إثيوبيا بذلك منطقة تكامل سوداني-إثيوبي، شأنه أن يعود بالفوائد العديدة على السودان سواء الاقتصادية منها أو السياسية إذ أن ذلك سيكون دعامة لعلاقات سودانية إثيوبية مستقرة تساهم في عمليات البناء والاستقرار.[50]

ثانيا: المحور السياسي:

إن السودان في ظل مكونات الجبهة الداخلية والمتغيرات الدولية والإقليمية، في حاجة إلى انتهاج النظام الديموقراطي كمنهج للحكم إذ أنه يحقق بذلك مبدأ المشاركة السياسية الفعالة، كما يخلق الصيغة الملائمة لتحقيق الوحدة الوطنية والاستقرار. ولكن ذلك لن يتم في ظل وجود وقيام مؤسسات قائمة على أساس عرقي أو ديني أو جهوي، لذلك لابد من الاتفاق دستوريا على منع أي تنظيمات أو احزب سياسية قائمة على أي من تلك الأسس. كما أن الأمر يستوجب حدوث نقلة نوعية داخل الأحزاب والجماعات السياسية في اتجاه البناء المؤسسي للأحزاب والقوى السياسية للابتعاد عن التأثير الطائفي والجهوي على الأحزاب والقوى السياسية المختلفة.

وإذا كان في ذلك ترسيخ لقوة الجبهة الداخلية وتماسكها، فإن ذلك ينبغي أن تصحبه دبلوماسية فعالة قادرة على إرساء أوضاع أمنية مستقرة عن طريق الحوار واللقاءات على المستويين الإقليمي والدولي، وقادرة على المشاركة الفعالة في ظل الصراعات التي تشهدها منطقة القرن الأفريقي وبصفة خاصة الدول المجاورة للسودان. ولأن الاستعمار بذر بذور الفتن والصراعات وخلف وراءه أنظمة وطنية تحكم بثقافته في القارة الأفريقية وبأدبه ولغته وتقاليده في الحكم والقانون، وهي بعيدة كل البعد عن التقاليد والأعراف الأفريقية. فنجد أن هناك كلمات دخيلة على قارتنا السمراء تركها المستعمر وكان لها الأثر الكبير في الصراعات. فكلمة معارضة التي تعبر عن المجموعة المنافسة للمجموعة السياسية الحاكمة لها مفهومها ودلالاتها في الفكر والثقافة الغربية، ولكن في كل اللغات الأفريقية كلمة معارضة تعني (العدو) وقد كان لهذا المفهوم الأثر الواضح في تزكية الصراعات في القارة الأفريقية، والمجتمعات الأفريقية ذات البنيان الاجتماعي الهش، والتي تعج بالخلافات العرقية والدينية ولا تحظي بتوافق وانسجام اجتماعي، كما أن إجماعها على موضوعات الحكم الأساسية غالبا ما يكون ضعيفا مثل نوع الاقتصاد المطلوب وسيادة الدولة وآليات الحكم.

ولذلك فقد نشأت الأحزاب السياسية في فترة ما بعد الاستقلال ضعيفة البنيان ويغلب عليها الطابع العنصري أو الطائفي أو الديني، واصبح الانتماء العرقي سابق للانتماء السياسي. واستيلاء حزب على السلطة يعني استيلاء طائفة أو عرق، وهضم حقوق طائفة أو عرق أخر ونتيجة حتمية لممارسة الديموقراطية فإن بالإمكان أن يأتي عرق معين أو مجموعة عرقية فتستبدل أو تسقط أو تفوز على مجموعة أخرى كانت على قمة الحكم، وتنشأ نتيجة لذلك توترات وأزمات تقود أحياناً للمواجهات والعنف وتصبح ممارسة الديموقراطية والتعدد الحزبي والانتخابي أسباباً لاشتعال الحرب، خاصة في المجتمعات التي تعودت على الحروب الأهلية والعنف السياسي. ولم تكن المصالح العليا للوطن والأهداف القومية والوطنية في التنمية ورفاهية المجتمع تشكل هاجسا لتلك الأحزاب قبل الانتخابات أو بعد وصولها للسلطة، بقدر ما تهتم القيادات بالمصالح الشخصية لغياب الأهداف، والرؤية المستقبلية للحزب وظهور التكتلات الجهوية، وتفشي المحسوبية والفساد داخل مؤسسات الحزب والدولة ومحاربة كثير من الأحزاب وتقوية موقفها العسكري بالهيمنة على المؤسسة العسكرية، أو إنشاء مليشيات خاصة وبذلك ينتج عدم الاستقرار والسلام وغياب التنمية العادلة مما يؤدي إلى الصراعات.[51]

ومن الأهمية بمكان اتباع سياسة حسن الجوار ورسم سياسة خارجية مرنة مع دول الجوار السوداني من شأنها أن تساهم في تطبيع العلاقات مع أو الدخول في تحالفات، حتي يتهيأ للسودان لعب دور إقليمي متميز يساعد على تحقيق الاستقرار في المنطقة. ويجنب البلاد تأثيرات عديدة من شأنها أن تؤثر على الأمن القومي السودان في حالة نشوب صراعات في دول المنطقة الإقليمية، واتباع هذه السياسة المرنة ضرورية لتجنب الدخول في متاهات سوء العلاقات السياسية مع دول الجوار وما تفضي إليه من تأثيرات خاصة في ظل ارتباط بعض هذه الدول بقوى عالمية أخرى وخاصة ارتباط بعض دول القرن الأفريقي بالإستراتيجية الإسرائيلية، وما كان يمثله ذلك من تهديد ليس على المستوي السوداني فقط، وإنما على المستوي الإقليمي وخاصة الدول المطلة على البحر الأحمر. كما أن مرونة السياسة لا تعني أن لا تكون للسودان مواقفه وقراراته وإجراءاته الحازمة ضد أي وضع إقليمي من شأنه أن يهدد الأمن القومي السوداني، وبالصورة التي تدفع أي تهديد يشكل خطرا على الشأن والأوضاع السودانية بصورة عامة. وينبغي أن تبتعد المواقف السودانية من الصراعات الإقليمية، كما يجب أن ينبني الموقف على أساس تحقيق المصلحة الوطنية والعمل بصورة فاعلة على حل هذه الصراعات والحد من تأثيرها وما تشكله من عناصر تهديد.

ولأن السياسة الخارجية للدولة تعتبر خط دفاع أول في الدفاع عن قيم الدولة وتوضيح مواقفها في التعامل مع المجتمع الدولي والإقليمي، لذا فإن على البعثات الدبلوماسية في الخارج العبء الأكبر في مواجهة الأنشطة المهددة للأمن القومي السوداني، والإسهام الأكبر في نشر السياسات وتنفيذ الإستراتيجيات التي يتم التخطيط لها وتساهم في رفد متخذ القرار بسلوك الدول الأقرب إلى السودان مما يسهم في التخطيط للدخول معها في تحالفات أو تعاون اقتصادي أو تفادي خطرها إذا دخلت هذه الدولة في تحالف مع دول أخرى.

إضافة إلى ذلك فإنه يستوجب أن تكون سياسة السودان تجاه أي صراع إقليمي ينشأ، سياسة واضحة وغير خفية، لأن عدم وضوح السياسات قد يؤدي إلى فقدان التعاون مع الأطراف المتصارعة ويدفعها إلى الاتجاه في القيام بإجراءات من شأنها أن تسبب خطرا يهدد الأمن القومي. بل ينبغي أن تتجه سياسة السودان نحو التخطيط لإنشاء تحالف إقليمي الهدف منه الحفاظ على استقرار وأمن الإقليم، وحتي تكون هناك استطاعة إقليمية لردع كل ما من شأنه أن يزعزع من أمن وسلامة الإقليم، خاصة وأن السودان يواجه تهديدا بشكل كبير من ناحية إريتريا التي ما فتئت منذ استقلالها إلا وأن تشكل تهديد للأمن والاستقرار وتشديد الحصار عليه، وتحجيم دوره في المنطقة وتخطيطها للاستيلاء على بعض المناطق الواقعة في شرق السودان بالإضافة إلى تهديدها للأمن الإثيوبي وزعزعة استقراره.

وقد شهدت العلاقات بين السودان وإريتريا فترة هدوء نسبي فرضه واقع الصراع الإريتري مع إثيوبيا وجيبوتي ويمكن تشبيهه بالهدوء الذي يسبق العاصفة، وهو بمثابة مخرج لإريتريا من الأزمات التي تعيشها سواء كان ذلك على المستوى الاقتصادي أو الحراك السياسي الداخلي للمعارضة، أو احتمال التململ والاحتقان وسط المواطنين، وهو عمل تكتيكي ممرحل في المقام الأول وليس إستراتيجي نابع من حسن النوايا والجوار المشترك.

وبالتالي فإن في ذلك دعوة لإقامة تحالف مع إثيوبيا يكون نواة لتحالف إقليمي اكبر لكبح المهددات التي تشكلها إريتريا، هناك ظروف جديدة تمثلت في تغير نظام الحكم في السودان وإثيوبيا فالمصالحة الإثيوبية الإريترية قد تضيف واقعا جديدا مستقبلا قد يحدث تحالف بين إثيوبيا وإريتريا مرتبط بعوامل وتغيرات كبيره في الداخل الإثيوبي لكن هذا التحالف هو مرحلي لن يدوم طويلا نسبة لتعارض المصالح والأهداف الإستراتيجية وهذا التحالف المرحلي إذا حدث سيكون تأثيره كبير على الأمن القومي السوداني.[52]

يرى البحث أن ظهور نظام دولي جديد بزعامة الولايات المتحدي، ومحاولتها فرض أيديولوجيتها وسياساتها على العالم، دون مراعاة لخصوصيات الدول المختلفة نتيجة لذلك صنفت أي دولة تحاول التمرد على هذه الهيمنة تصنف في خانة الدول (المارقة)، ويترتب على ذلك سياسة عدوانية تجاه تلك الدول (المارقة). ويتأثر بذلك الأمن القومي لكثير من الدول نتيجة لهذه الوضعية.

هيمنة الدولة الواحدة على النظام الدولي اثر على استقلالية وحيدة المنظمة الأممية وعلى مجلس الأمن وأصبحت قراراته موجهة بشكل أساسي لاستهداف الدول التي كانت تخالف توجهات النظام الدولي الجديد، وتتخذ هذه القرارات بصورة انتقائية وتعبر عن ازدواجية حقيقية للمعايير، هذا الواقع اثر على الأمن الوطني لبعض دول العالم ومن بينها السودان، وبذلك يرى البحث مستقبلا إذا استمرت هيمنة الولايات المتحدة على النظام الدولي واستمر النظام الدولي أحادي القطبية ستتأثر تحالفات السودان في البيئة الإقليمية والدولية وعلى الجانب الأخر ستؤثر التحالفات في المحيط الإقليمي أو الدولي على الأمن القومي السوداني إلا إذا حدث تغير في النسق الدولي واصبح النظام متعدد الأقطاب سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية وهذا مرتبط أيضاً ببعض التغيرات والإصلاحات الداخلية في السودان لتخفيف ذلك بقدر الإمكان.

سبق وأن صنف السودان من الدول المارقة ولولا تعاون السودان في مكافحة الإرهاب سواء في المحيط الإقليمي في أفريقيا والقرن الأفريقي والبحر الأحمر لكان تدخل الولايات المتحدة في السودان مثل الذي حدث في العراق أو الصومال وغيرها.

إن التطورات التي حدثت في البيئة الإستراتيجية للسودان بأبعادها الثلاثة (المحلية والإقليمية والدولية)، خلقت وضعا أمنياً وسياسياً وإستراتيجيا شكل تهديدا كبيرا على الأمن القومي السوداني.[53]

ثالثا: المحور العسكري والأمني:

ولأن القوة العسكرية تشكل مصدر حماية لأي دولة وتساعدها على حفظ الأمن والاستقرار من خلال مقدرتها على صد أي عدوان من شأنه أن تتعرض له الدولة، ومن جهة أخرى فإن القوة العسكرية تشكل معين أساسي في تنفيذ سياسات الدولة الخارجية وفرضها لسلوك معين أو موقف(مشاركة السودان بقوات عسكرية في عاصفة الحزم)، هذا الموقف أو السلوك ينبغي أن تتخذه إحدى الدول وفق ما يتماشى مع تحقيق مصلحة الدولة التي تمتلك القوة العسكرية.

ونظرا لما للقوة العسكرية من أهمية في مجال حماية سيادة الدولة والحفاظ على حقها في البقاء وتكفلها بالقيام بصد الاعتداءات التي تتعرض لها الدولة، فإنه وفي ظل تنامي القدرة العسكرية لدول الجوار السوداني الأمر الذي يشكل تهديدا حقيقيا للأمن القومي السوداني، ولمجابهة ذلك فان الأمر يتطلب التعاون الكامل على إستراتيجية عسكرية أخذة معني إعداد واستخدام القوات المسلحة في حماية وتأمين سيادة الدولة والمحافظة على هيبتها الدولية، والتنظيم وإدارة الصراعات المسلحة في حال وقوعها لتحقيق الأهداف السياسية والعسكرية للدولة.[54]

وأن تكون هذه الإستراتيجية العسكرية مستندة على عدد من المبادئ التي تنظم تطوير وأعداد واستخدام القوات المسلحة ككل. ويمكن أن تتلخص هذه المبادئ في تحديد ووضوح الأهداف السياسية العسكرية ليتم على ضوئها تحديد طبيعة الأهداف والمهام الإستراتيجية للقوات المسلحة بالإضافة إلى أن نجاح القوات المسلحة في المحافظة على سيادة الدولة يتوقف على التطور الاقتصادي والعلمي والتقني في الدولة، ومدى توفر الوسائل الحربية والآلات العسكرية الحديثة لدي القوات المسلحة، إذ أنه لا طائل من امتلاك الآت عسكرية وتقنية متطورة دون وجود الكادر العسكري المؤهل للتعامل معها بالصورة السلمية، لذا فإن التطور في مجال التسليح والآلات العسكرية ينبغي أن يصحبه تطوير وتأهيل الكادر العسكري للقوات المسلحة.

إن رفع درجة الاستعداد القتالي للقوات المسلحة مع تأمين الروح المعنوية العالية بين الشعب والقوات المسلحة ضرورة قصوي من درجات الاستعداد، للدفاع عن الوطن والعرض والعقيدة. كما لابد من توفر احتياطيات إستراتيجية من جميع الأنواع بقدر كاف واستخدامها بأساليب صحيحة، وكذلك الاعتماد على عقيدة عسكرية هجومية باعتبار أن الهجوم هو الصراع في أي صراع مسلح، وأن الدفاع مرحلة ثانوية فيه. وعلى ذلك فإن الاهتمام بالقوات المسلحة والأجهزة الأمنية والشرطية والقوات المساعدة وتطويرها ضرورة يفرضها التطور العسكري الذي تشهده دول الجوار السوداني بصورة خاصة، ولكن ذلك لا يعني أن تتوجه غالبية موارد الدولة على الإنفاق العسكري، والي الدخول في سباق تسليح مع هذه الدول الأمر الذي يؤدي إلى إنهاك اقتصاد الدولة، وإنما تطويرها وإعدادها بالصورة التي تجعلها قادرة على حماية سيادة الدولة وتأمينها من خطر التهديدات العسكرية، والدفاع عنها في حال وقوع اعتداءات عسكرية على الدولة، خاصة وأن الاستناد إلى قوة عسكرية فعالة فيه دعم حقيقي للهيبة الوطنية والدولية.

رابعا: محور التوجه الإستراتيجي:

إذا عدنا إلى الخلفية التاريخية لتكوين جغرافية السودان السياسية المعاصرة، نجد أن مصر قد لعبت دورا أساسياً في وضع حدود هذه الجغرافية السياسية، حيث عمدت إلى احتلال شمال وأواسط السودان وغربه وكذلك جنوبه، وكان الهدف من هذا الاحتلال والتوسع والسيطرة على المنطقة العازلة التي يشكله السودان ما بين ومصر ومصادر مياه النيل، حيث يكمن اكبر مصدر لمياه النيل في إثيوبيا، وفي ظل أعقاب نيل السودان لاستقلاله ظلت الإستراتيجيات المصرية تعمل على أن يظل السودان مرتبطا ارتباطا كليا بمصر، وأن يظل السودان يشكل فقط دولة مسار نيلي ودون أن تكون هناك أي فرصة للسودان في أحداث نوع من التكامل والمنبع الذي هو اجدي للسودان من حدوث تكامل مع دول المصب، ولكن السودان ليس دولة مسار نيلي فقط، ولكنه مستثمر أيضاً لمياه النيل وكافة المصادر المائية الأخرى مما يدفعه لاستثمار200مليون فدان صالحة للزراعة والإنتاج الحيواني، في حين أن نصيبه في الاتفاق  الثنائي الموقع مع مصر بمفردها وليس مع بقية دول حوض النيل-لا يتجاوز 18،5مليار متر مكعب في عام 1959م، ومع أن استهلاك السودان لا يتجاوز اكثر من 12،5 مليار متر مكعب قبل انفصال دولة جنوب السودان في عام 2011م، مما يعطي مصر فرصة الاستفادة من الباقي[55]، إلا أنه وفقا لمخططات التوسع الزراعي والإنتاج الحيواني فإن السودان سيحتاج إلى 31 مليار متر مكعب سنويا، وذلك طبقا للتقديرات الإثيوبية في مؤتمر جامعة لندن عن مياه النيل في مايو 1990م.

إذا فالسودان في حاجة إلى مزيد من المياه وسيحتاج إلى علاقات وثيقة ذات طابع إستراتيجي مع دول المنبع في القرن الأفريقي، لذا ينبغي أن يمد السودان جسوره عبر جغرافيته السياسية وتداخلاته السكانية مع دول المنبع في القرن الأفريقي ليستثمر هذا التداخل في بناء تحالفات ضمن توجه جيوبوليتيكي جديد، وإذا ما اقدم السودان على هذه الخطوة الإستراتيجية في تحديد اتجاهه الجيوبوليتيكي نحو القرن الأفريقي فإن ذلك سيضمن تأمين 30مليار متر مكعب من مياه النيل أخذين في الاعتبار أن 72مليار متر مكعب من مياه النيل أي بنسبة 86% من واردات نهر النيل الكلية تأتي من النيل الأزرق وروافده، واضعين في الاعتبار أن إثيوبيا لا تستهلك اكثر من 600 مليون متر مكعب فقط من هذه المليارات المائية، وأنها تخطط لإنشاء أربعة خزانات لتوليد الطاقة الكهربائية، وستكون طاقة التوليد الكهربائي فيها طبقا لدراسات هذه المشاريع بما يفوق الطاقة المتولدة من السد العالي ثلاث مرات، مما يعني للسودان طاقة كهربائية يستمدها من الفائض الإثيوبي، مثلما يستمد من إثيوبيا عجز المتوقع من المياه اللازمة لمشروعات التنمية الزراعية والحيوانية، وذلك وفق منطق التكامل الإستراتيجي بين السودان وإثيوبيا.

والتوجه الإستراتيجي نحو إثيوبيا يجب أن يكون توجها إستراتيجيا تكامليا، وذلك في إطار التوجه نحو القرن الأفريقي.

فإثيوبيا هي المنبع الأساسي الذي تأتي منه غالبية الموارد المائية، فتصريف كل الأنهار الإثيوبية بما في ذلك الأنهار المتجهة إلى الصومال والتي تصب في البحر، إضافة إلى ما يصب في النيل يبلغ 90 مليار متر مكعب، وتقدر جملة ما تسقطه الأمطار بنحو480 مليار متر مكعب، وعلى هذا فإن المطلوب إستراتيجيا هو دفع إثيوبيا ودعمها نحو تحقيق مشروعات التنمية فيها ضمان وجود جار قوي ومستقر، خاصة وأن كافة أنواع عدم الاستقرار في إثيوبيا والتي تنتج من عدم الاستقرار الاقتصادي أو السياسي تنعكس أثاره سلبا على السودان، وعلى هذا فإنه عوضا عن استعداء إثيوبيا حول مياه النيل وغيرها، فإن المطلوب إيجاد تحالف إستراتيجي تنموي ينهض بالبلدين ويساهم في الحفاظ على الأمن القومي السوداني.[56]

تأتي إستراتيجية الأمن القومي السوداني في إطار الإستراتيجية القومية ربع القرنية (2007-2031م)، ووفقا للرؤية التي حددتها (بناء أمة سودانية موحدة، أمنة، متحضرة، متقدمة، ومتطورة).

منظومة القيم الداعمة للرؤية:

وعلى راسها ما يلي:

  • العدل أساس الحكم الراشد يتحراه أهل السودان في كافة شئونهم.
  • الحرية هبة من الله أساسها أن الناس خلقوا أحرارا ولا يجوز قهرهم واستعبادهم، وينشدها أهل السودان لتتحقق في شؤون الحياة كافة وفق حكم القانون.
  • الشورى والديمقراطية مبدآن أصيلان في الحكم يقوم عليها تنظيم الدولة والمجتمع ويوجهان الأداء في سائر وجوه الحياة العامة.
  • الأخلاق الفاضلة المتجذرة في القيم الإنسانية وتقاليد وأعراف المجتمع السوداني الأصلية.
  • الحياة الطيبة للمواطنين كافة، لضمان تحقيق الحاجات الأساسية للإنسان والاستجابة للتطلعات المشروعة للأجيال.
  • العزة والكرامة القائمة على قوة الدولة وتماسك المجتمع وكرامة الإنسان.[57]

الهامش

[1] – عادل حسن محمد احمد، مرجع سبق ذكره، ص82.

[2] – محمد خالد محمد، مرجع سبق ذكره، ص69-70.

[3] – محمد السعيد إدريس، مرجع سبق ذكره، ص87.

[4] – المعز فضل السيد محمد، مرجع سبق ذكره، ص66-67

[5] – محمد السعيد إدريس، مرجع سبق ذكره، ص88

[6] – عادل حسن محمد احمد، مرجع سبق ذكره، ص83-84.

[7] – المعز فضل السيد محمد، مرجع سبق ذكره، ص59

[8] – المعز فضل السيد محمد، مرجع سبق ذكره، ص 59-60.

[9] – حسن حاج علي، مقابلة شخصية، بمكتبه بجامعة الخرطوم قسم العلوم السياسية،7مارس2021م، الساعة 3ونصف عصرا.

[10] – عادل حسن محمد احمد، مقابلة شخصية بمكتبة الأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية، الخرطوم – سوبا، 20فبراير2021م، الساعة11ونصف صباحا.

[11] – سامي السيد احمد، السياسة الأمريكية تجاه صراعات القرن الأفريقي، مرجع سبق ذكره، ص154

[12] – حسن حاج علي، مقابلة شخصية.

[13] – سامي السيد احمد، السياسة الأمريكية تجاه صراعات القرن الأفريقي، مرجع سبق ذكره، ص155-156.

[14] – حسن حاج علي، مقابلة شخصية

[15] – مصطفي كامل محمد السيد، ندوة: التطورات في منطقة القرن الأفريقي وامن البحر الأحمر، سبق ذكره.

[16] – مصطفي كامل محمد السيد، ندوة: التطورات في منطقة القرن الأفريقي وامن البحر الأحمر، سبق ذكره

[17] – حسن حاج علي، مقابلة شخصية.

[18] – مصطفي كامل محمد السيد، ندوة: التطورات في منطقة القرن الأفريقي وامن البحر الأحمر، سبق ذكره.

[19] – حسن الساعوري، مقابلة شخصية

[20] – حسن حاج علي، مقابلة شخصية

[21] – أمينة العريمي، مرجع سبق ذكره، ص50-86.

[22] – حسن الساعوري، مقابلة شخصية

[23] – صلاح الدين عبدالرحمن الدومة، مرجع سبق ذكره، ص291.

[24] – حسن الساعوري، مقابلة شخصية

[25] – صلاح الدين عبدالرحمن الدومة، مرجع سبق ذكره، ص291-293

[26] – عبدالوهاب الطيب البشير، جلسة خبراء، مركز الحوار للدراسات والتدريب،22فبراير2021م، الساعة 12ظهرا.

[27] – حسن حاج علي، مقابلة شخصية

[28] – نجدت صبري ناكرة، مرجع سبق ذكره، ص254-255.

[29] – صلاح الدين عبدالرحمن الدومة، مرجع سبق ذكره، ص275.

[30] – صلاح الدين عبدالرحمن الدومة، مرجع سبق ذكره، ص276-281

[31] – نجدت صبري ناكرة، مرجع سبق ذكره، ص256

[32] – عادل حسن محمد احمد، مرجع سبق ذكره، ص155

[33] – بيتر وود وارد، العرب والقرن الإفريقي، مرجع سبق ذكره، ص199

[34] – عادل حسن محمد احمد، مرجع سبق ذكره، ص155.

[35] – بيتر وود وارد، العرب والقرن الإفريقي، مرجع سبق ذكره، ص199-200.

[36] – إبراهيم حردان مطر، التحالفات الشرق أوسطية وجدلية القوة والدور، مجلة قضايا آسيوية، العدد السادس، اكتوبر2020م، ص15.

[37] – بيتر وود وارد، العرب والقرن الإفريقي، مرجع سبق ذكره، ص 202.

[38] – مصطفي عبدالله خشيم، مرجع سبق ذكره، ص139-140.

[39] – عادل حسن محمد احمد، مقابلة شخصية، مكتبة الأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية- الخرطوم-سوبا،20فبراير2021م، الساعة 11ونصف صباحا.

[40] -إبراهيم حردان مطر، مرجع سبق ذكره، ص24-25.

[41] – انس القصاص، مرجع سبق ذكره، ص 79-81.

[42] – نجلاء محمد مرعي، سلسلة محاضرات (On Line)، دبلوم الخليج والقرن الإفريقي، أكاديمية العلاقات الدولية-تركيا-استانبول،اكتوبر2020م.

[43] – إبراهيم حردان مطر، مرجع سبق ذكره، ص31-32.

[44] – عبدالوهاب الطيب البشير، ندوة بعنوان: السودان في القرن الإفريقي – التداعيات والسيناريوهات والأدوار، مركز دراسات المستقبل، 19اكتوبر2016م، الخرطوم.

[45] – تيراب ابكر تيراب، مرجع سبق ذكره، ص127.

[46] – المعز فضل السيد محمد، مرجع سبق ذكره، 322.

[47] – عبدالوهاب الطيب البشير، السلام والتعايش الديني في أثيوبيا، مجلة دراسات أفريقية-العدد 60، جامعة أفريقيا العالمية-مركز البحوث والدراسات الإفريقية، ديسمبر2018م، ص79.

[48] – سعيد علي كوزي وأخرون، الجيوستراتيجية وقضايا المياه في القرن الإفريقي، مركز التنوير المعرفي/ السودان، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات/ قطر، ب ت، ص 140.

[49] – المعز فضل السيد محمد، مرجع سبق ذكره، ص323.

[50] – عثمان السيد وأخرون، جلسة خبراء بعنوان: تطورات الأوضاع في الحدود السودانية الأثيوبية وتأثيرها على الأمن القومي السوداني، مركز الحوار للدراسات والتدريب-المنشية، 22فبراير2021م،الساعة11صباحا.

[51] – عبدالوهاب الطيب البشير وأخرون، الأثنية وعلاقات الأمن والجوار، مجلة دراسات أفريقية –العدد54، جامعة أفريقيا العالمية-مركز البحوث والدرات الإفريقية، ديسمبر2015م، ص113.

[52] – المعز فضل السيد محمد، مرجع سبق ذكره، ص324.

[53] – عادل حسن محمد احمد، سلسلة محاضرات(On Line)، دبلوم الخليج والقرن الإفريقي، أكاديمية العلاقات الدولية –استانبول-تركيا‘ نوفمبر2020م.

[54] – عبدالوهاب الطيب البشير وأخرون، الأثنية وعلاقات الأمن والجوار، مرجع سبق ذكره، ص103.

[55] – المعز فضل السيد محمد، مرجع سبق ذكره، ص330-331.

[56] – المعز فضل السيد محمد، مرجع سبق ذكره، ص330-331.                                

[57] – عادل حسن محمد احمد، مرجع سبق ذكره، ص268-270.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close