fbpx
تقارير

ماليزيا ـ ماذا تعني عودة مهاتير محمد؟

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

يمكن القول إن ماليزيا قد ولدت من جديد مع إعلان الانتخابات العامة بنسختها الرابعة عشرة، والتي فازت بها المعارضة، وخسر الحزب الحاكم (المنظمة الوطنية المالاوية المتحدة-أمنو) فيها مقاليد حكم البلاد للمرة الأولى منذ الاستقلال عن الاستعمار البريطاني عام 1957م، غير أنّها ولادة تمثل بداية متوقعة المآلات، فمن أحدثها لم يكن سوى أبناء الحزب الحاكم السابقين، والذين طالما رفعوا رايته وحكموا باسمه، محاضير (مهاتير) بن محمد (92 عاماً) وأنور إبراهيم (69 عاماً).

لمحة تاريخية

عام 1957م تحوّل نظام الحكم في ماليزيا إلى حكم فدرالي باسم فيدرالية الملايو (Federation of Malaya )، وحكم البلاد تونكو عبد الرحمن رئيس حزب الجبهة القومية الملايوية كأول رئيس وزراء، وأحد أعضاء العائلة الملكية لولاية قدح، حتى عام 1970م. من خلال تشكيل تحالف مع الصينيين، استطاع الملايويون أن يحكموا البلاد دون مشاكل تُذكر حتى حصلت انتخابات عام 1969م، حيث طالب الصينيون بدور أكبر من حصتهم المعتادة، فرأى الملايويون في ذلك تهديداً لهم فدخلت البلاد وخصوصاً كوالالمبور في حالات اضطرابات دموية أفضت إلى مقتل عدد غير معلوم من الماليزيين غالبيتهم من الصينيين، يقدرهم الصينيون بالآلاف والحكومة بالمئات، ثم فرضت حالة الطوارئ وعقب انتهائها عادت معادلة مشابهة للمعادلة التي سادت قبل الأحداث، لتهيمن على المشهد السياسي في البلاد، تاركة خلفها جروحاً غائرة في أنفس الصينيين الذين شعروا بالتهميش، والملايويين الذين شعروا بالتهديد لهويتهم.

مثّلت ولاية محاضير بن محمد علامة فارقة في التاريخ الماليزي، إذ أنّه كان لا يخفي قناعاته بضرورة تمكين العرق الملايوي من بلاده وترقية أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية، وإن كان شديد الوطأة في آرائه التي ضمنها كتاباً سمّاه “المعضلة الملايوية”، على الملايويين متهماً إياهم بالبلادة والانعزالية، إلاّ أن الصينيين كانوا يشعرون أن ذلك التمكين وتلك الترقية ستكون على حسابهم، إذ كانوا يمثلون أغلبية السكان في المدن الكبيرة ويسيطرون سيطرة شبه كاملة على الاقتصاد الماليزي، فوقفوا موقفاً حذراً منه واستفادوا من النهضة الاقتصادية التي كان وراءها.

في نهاية عهدة محاضير حصل خلاف بينه وبين نائبه وخليفته أنور إبراهيم، لا تُعرف أسبابه على وجهه التحديد، أدى إلى طلاق صاخب بين الطرفين، وتم رفع قضايا فساد أخلاقي وشذوذ جنسي ضد أنور ليدخل على إثرها السجن ويتم إقصاءه عن العمل السياسي وتؤسس زوجته “وان عزيزة” حزب سياسيّاً جديداً معتمدة على ميراث أنور باسم حزب العدالة، عقب ذلك استقال محاضير وتولى عبد الله بدوي حكم البلاد، وشعر محاضير والذي كان ظاهرياً غائباً عن الساحة السياسية، ولكنّه في الحقيقة ما زال ممسكاً بخيوط الحزب الحاكم بين يديه، أنّ بدوي لن يستطيع أن يمضي بمسيرة التنمية التي اختطها وأنّ خطة 2020 التي يعتبرها السُلّم الذي ستصعد عليه ماليزيا لتنافس الدول المتقدمة، لم تعد تسير كما ينبغي، فأطلق حملة أدت في النهاية إلى استقالة بدوي من منصبه قبل أن يتم مدّته، وهيأ لقدوم نجيب واستلامه الحكم.

كان نجيب في البداية يبدو الشخص المثالي لمنصب رئيس الوزراء، فهو ينحدر من عائلة سياسيّة عريقة، إذ كان أبوه رئيساً للوزراء وزوج خالته كذلك، واستلم هو مناصب وزارية متعددة وهو في مقتبل عمره، ولديه تأييد واسع داخل الحزب، ولكن محاضير لم يبتعد عن عالم السياسة رغم كبر سنه وإعلانه اعتزال العمل السياسي، بل كان يراقب الوضع عن كثب بروح الوالد أو الاستاذ، وكثيراً ما كان يُطلق تصريحات ناقدة ومصوِّبة لأداء الحكومة، وكان نجيب يتلقى ذلك بصدر رحب وصبر، وحاول احتواء انتقادات أستاذه التي أخذت تتصاعد شيئاً فشيئاً وخصوصاً بعد خروج أنور إبراهيم من سجنه وتزعمه الحزب الذي شكلته زوجته، وتشكليه تحالفاً مضاداً لتحالف أمنو.

تدريجيّاً تباطأ أداء الحكومة ومرّت بصعوبات اقتصادية ثم رفعت ضد بعض أعضائها قضايا فساد، كل ذلك وسط تصاعد أداء المعارضة بقيادة أنور إبراهيم والذي تمكّن من ضم المتناقضين إلى تحالفه، منهم الملايويين والصينيين والهنود، والحزب الإسلامي والاشتراكيين، فحققوا في الانتخابات العامة الثالثة عشرة عام 2014م، تقدّماً غير مسبوق في تاريخ البلاد وذلك لانضمام قطاعات أكبر الشباب ومن الصينيين لتأييد التحالف، ففاز بأغلبية أصوات الناخبين ولكن توزيع مقاعد البرلمان لا يعتمد نسبة متساوية لكل مقعد، فضمنت الأصوات التي حصل عليها الحزب الحاكم بقيادة نجيب رغم أنّها أقل من أصوات المعارضة، قريباً من ضعف مقاعد البرلمان التي حصلت عليها المعارضة.

حتى انفجر محاضير بمعارضة مفتوحة لنجيب متهماً إياه بالفساد، ودخل نجيب في حالة دفاع عن النفس ليبرر تهم الفساد، أمّا محاضير فانضم تدريجيّاً إلى المعارضة، مبتدئاً بحملة “نظافة الانتخابات” (برسيه)، ثم قرر تأسيس حزب جديد لتغيير رئيس الوزراء، وزار خصمه اللدود أنور إبراهيم في المحكمة معلناً تضامنه معه، رغم أنّه أول من حرك قضايا ضده، واتفقا على العمل معاً لإسقاط الحكومة.

مجريات الانتخابات العامة الرابعة عشرة 2018

في الفترة التي كان يقضي أنور فيها محكوميته، كان محاضير منهمكاً بالتعاون مع المعارضة بتكوين تحالف جديد باتكان هاريبان (تحالف الأمل) بعد أن انسحب الحزب الإسلامي (باس) من تحالف المعارضة السابق وانضم للحكومة، والضغط على الحكومة لانتخابات مبكرة، وعندما أعلن رئيس الوزراء عن الانتخابات العامة الرابعة عشرة، حُرم محاضير من ترخيص حزبه فقام بخوض الانتخابات على قوائم حزب العدالة الذي ترأسه زوجة أنور.

كانت الحكومة منهمكة بمحاولة تغيير توزيع الدوائر الانتخابية مرة أخرى، وقد اصطف إلى جانبها الحزب الإسلامي (باس)، كان محاضير من الثقة بمكان بحيث أعلن أن ذلك لن يؤثر على فرص المعارضة بالفوز. كانت قطاعات واسعة من المالايويين وخصوصاً من الشباب الذين يمثلون 40% من الشعب الماليزي، قد قرروا أنّه قد حان وقت التغيير، وأنّه قد حان وقت إعطاء فرصة للمعارضة.

هكذا اجتمعت نسبة كبيرة من المالايويين إلى غالبية الصينيين والذين كانوا قد حسموا أمرهم منذ الانتخابات السابقة، ووقفوا إلى جانب المعارضة، فأصبحت فرص حزب أمنو ورئيس الوزراء نجيب عبدالرزاق بالفوز محدودة، ولم ينقذه توزيع الدوائر ولا سيطرة الحزب على مقاليد الحكم منذ الاستقلال، ورغم كل المحاولات التي بذلها نجيب لتحسين وضع الاقتصاد وارتفاع مؤشراته، كانت دعايات المعارضة وخصوصاً محاضير وضغوطه، قد فعلت فعلها وكان التحالف الحاكم على موعد مع التغيير.

نتائج الانتخابات وتحليلها

حصلت الانتخابات العامة الرابعة عشرة يوم الأربعاء التاسع من أيّار/مايو 2018، وتقدّر نسبة المشاركين حوالي 76% أي أقل من تلك المسجلة في الانتخابات السابقة عام 2013م وهي 85%، وأعلنت المعارضة أنّ حوالي خمسة عشر مليون ناخب تم حرمانهم من أداء حقهم الانتخابي نتيجة لطول طوابير الناخبين وبطء الإجراءات إذ كان الناخبون يصوتون للبرلمان المركزي وللحكومات المحلية بشكل متزامن، كما أن الصناديق تغلق الساعة الخامسة مساءً حسب القانون، وتم إعلان النتائج الرسمية اليوم التالي العاشر من أيّار/مايو 2018م.

وحصل تحالف الأمل PH على 113 مقعداً من مجموع مقاعد البرلمان البالغ 222 مقعداً، أمّا التحالف الوطني BN بقيادة رئيس الوزراء السابق نجيب عبد الرزاق فقد حصل على 79 مقعداً، فيما حصل الحزب الإسلامي الماليزي PAS 18 مقعداً، أمّا حزب واريسان في ولاية صباح فكان نصيبه 8 مقاعد فيما حصد المستقلون 3 مقاعد.

توزيع المقاعد حسب الولايات

تفوق تحالف الأمل على التحالف الوطني في ولايات، نيغري سيمبيلان، جوهُر، قدح، بيراء، مالقا، واحتفظ من الدورة السابقة بكل من ولاية بينانغ وولاية سلانغور، فكان مجموع ما حصل عليه سبع ولايات، بينما فاز التحالف الوطني في كل من ولايتي برليس وباهنغ، أما ولاية تيرنغانو فقد خسرها التحالف الوطني لصالح الحزب الإسلامي، كما احتفظ الحزب الإسلامي بولاية كلينتان من الدورة السابقة.

أمّا في في ولاية صباح خارج شبة الجزيرة الماليزية، فقد تعقد الأمر عندما انشق مجموعة من النواب من التحالف الوطني وانضموا إلى حزب واريسان، المنضوي تحت تحالف الأمل، ويتوقع أن ينشق آخرون من حزب أمنو لينضموا هم أيضاً إلى التحالف، ما يعني أنّ الحكومة المحلية ستنتقل من يد أمنو إلى يد تحالف الأمل.

أبرز ما لفت الانتباه في هذه الانتخابات، أنّه رغم احتفاظ نجيب عبد الرزاق بمقعده البرلماني، إلا المفاجأة أنّ ثمانية وزراء وتسعة عشر نائب وزير من وزارته خسروا مقاعدهم البرلمانية، بما في ذلك نائب زعيم الحزب الصيني (MCA) وزعيم الحزب الهندي (MIC) المنضويان في التحالف الوطني الذي يرأسه حزب أمنو.

الوضع السياسي الجديد

لا شك أنّ الوضع الذي أفرزته الانتخابات في ماليزيا قد يكون مربكاً للكثيرين، فقطاعات كبيرة من السياسيين ورجال الأعمال والإعلام، كانوا يظنون أنّها جولة أخرى سيتمكن فيها حزب أمنو من البقاء في السلطة، ولن ينال معارضوه سوى منصة لبث شكواهم واتهاماتهم، كالعادة. لجنة الانتخابات كانت في حيرة من أمرها ماذا تفعل، والحزب الحاكم لم يقرّ بالخسارة على الفوز بل أطلق رئيس القطاع الشبابي فيه، خيري جمال الدين عبارات يفهم منها قبوله باختيار الشعب، ومسؤولو أمنو كانوا يطلقون تصريحات تسخف كلام المعارضة وتتشبث بالفوز، وخرج محاضير في مؤتمر صحفي ليعلن فوزاً كاسحاً للانتخابات ويدعو ملك البلاد لإعلان فوز المعارضة وتكليف رئيس وزراء جديد حتى لا تبقى البلاد بدون رئيس، وسارع سلطان جوهٌر إلى دعوة الملك إلى إعلان رئيس وزراء جديد، وكانت ماليزيا بأسرها تحبس أنفاسها متسائلة هل تشهد انتقالاً سلساً للسلطة، أم ستدخل البلاد في نفق من الصراعات؟

لم يطل الأمر كثيراً، فقد دعا الملك زعماء المعارضة إلى القصر الملكي، وتشاور معهم حول اسم المرشح لرئاسة الوزراء، فطرحوا اسم محاضير الذي كان غائباً، إذ أنّه كان يخوض الانتخابات تحت لافتة حزب العدالة والذي كانت تمثله وان عزيزة إسماعيل، وتم إعلان محاضير رئيساً لوزراء ماليزيا، ليدخل فترة ولاية ثانية بعد أن كان قد حكم ماليزيا لمدة عشرين سنة وكان يعد أطول رئيس وزراء يحتل هذا المنصب، وليصبح أكبر حكام العالم سناً.

فرص استمرار تحالف الأمل في السلطة

يشكك الكثيرون بقدرة تحالف الأمل على حكم ماليزيا، وأنّها ستدخل في صراعات مزمنة ستؤثر على وضع البلاد نتيجة لأنّ مكونات التحالف غير متجانسة وسوف تتقاتل على توزيع الحصص وتمثيلها في السلطة، مما يعني أن رئيس الوزراء سيكون ضعيفاً ولن يستطيع أن يحكم بثقة كاملة وقد يتطور الأمر إلى انشقاقات وهذا بدوره ممكن أن يمهد لعودة الحزب الحاكم مرة أخرى، وهذا في رأيي مستبعد، إذ أنّها ليست المرة الأولى التي تشكل فيها المعارضة تحالفاً، بل كان قائماً قبل الانتخابات الثالثة العشرة، واستطاعت هذه القوى أن تحكم أهم ولايتين في البلاد بينانغ وسلانغور دون مشاكل تذكر.

كما أنّ هناك أراء تقول أنّ الدولة العميقة التي بناها حزب أمنو عبر ستين سنة من الحكم المستمر، ستقف عائقاً أمام محاضير وأنور، وهو قول يفترض أنّ تحالف الأمل هبط على عالم السياسة الماليزية بمظلة وهو قول غير واقعي، إذ أن زعماء المعارضة مثل محاضير كان رئيساً للوزراء، وأنور نائباً لرئيس الوزراء ومحي الدين نائب لرئيس الوزراء وأزمان علي كبير وزراء سلانغور أهم ولاية في ماليزيا وغيرهم كثير، بل إن كانت هناك دولة عميقة في ماليزيا فإنّ من بناها هو محاضير وهي لا بد تدين بالولاء له، وإلاّ لما تمكن من إزالة بدوي من رئاسة الوزراء ثم تعيين نجيب ثم إزالة نجيب والجلوس في مكانه، رغم ابتعاده شكلياً عن السياسة.

أمّا التوقعات أنّ النتائج سيكون له أثر سلبي على الاقتصاد، فهذا أيضاً مستبعد، إذ أنّ محاضير يعد باني نهضة ماليزيا وهو وأنور من أتى بالشركات الأجنبية ورؤوس الأموال إلى ماليزيا، وهما أكثر الناس قدرة على التفاوض معها، كما أن التحالف سيتلقى دعماً من كبار رجال الأعمال الصينيين والذين انحاز أغلبهم مبكراً إلى تحالف الأمل، صحيح أنّ نتائج التغييرات التي سيحدثها محاضير ومن بعده أنور ستأخذ بعض الوقت، ولكنّها أغلب الظنّ ستكون تغييرات إيجابية تدفع الاقتصاد الماليزي إلى الأمام.

لا شك أنّ السنة الأولى من حكم محاضير ستحدد مستقبل تحالف الأمل ومستقبل ماليزيا، وإن كان التغيير بحد ذاته سنة كونيّة ويمكن أن يضيف قوة إلى الوضع السياسي في البلاد نتيجة لإيقاده حالة التنافس بين القوى السياسية الرئيسة، وتصعيده قيادات جديدة برؤى جديدة وتجارب مختلفة وهو ما سيثري، دون شك، التجربة السياسية الماليزية ويجعلها أكثر تطوراً وتنوعاً، كما أنّ تداول السلطة الذي حدث سيزيد الثقة بالديمقراطية الماليزية واستقرار البلاد الأمر الذي سينعكس إيجاباً على الاستثمارات الأجنبية.

تأثيرات انتقال السلطة على الوضع الاجتماعي (ملايو-صيني)

الهاجس الذي تركته اضطرابات عام 1969م، في أنفس الماليزيين، ما زال يسيطر على أذهان فئات واسعة من النّاس، والسؤال المطروح من جهة الأغلبية المالايوية إلى أيّ مدى سيستمر مشروع تمكين المالايويين في ظل حكومة تحالف الأمل؟ بينما السؤال المقابل الذي سيطرحه الصينيون فهو، متى ستنتهي سياسة التمييز ضد الصينيين وستكون هناك سياسة قائمة على مبدأ المواطنة التي تساوي بين جميع المواطنين بغض النظر عن خلفياتهم العرقية؟

قد يخفف من وطأة هذا التناقض في المصالح بين العرقيتين الكبريين، حصول قناعة عند كثير من السياسيين المالايويين وعلى رأسهم محاضير وأنور، أنّ السياسات التفضيلية التي اتبعها السياسيون منذ الاستقلال والمنصوص عليها في الدستور، لم تنجح بشكل كبير، بتمكين المالايويين بالشكل المطلوب، بل حوّلت قطاعات واسعة منهم إلى إتكاليين على الدولة وأنشأت نخبة رأسمالية من المالايويين ساهمت هي الأخرى باستغلال البلاد دون أن ينعكس ذلك بشكل كاف على ترقية أبناء العرق المالايوي.

إنّ القناعات يمكن أن تدفع السياسيين إلى اتخاذ سياسات جديدة لتمكين مالايويين تعتمد أساليب غير تمييزية، وهو ما سيصب حتماً في مصلحة كل من الصينيين والمالايويين على السواء.

الوضع السياسي الداخلي

لعل أبرز الأسئلة التي يطرحها المتخوّفون من الوضع الجديد الناشئ عقب الانتخابات فيما يتصل بالوضع السياسي الداخلي، سؤالان: هل سيسيطر الصينيون على البلاد، وهل سيعود حزب أمنو إلى السلطة مجدداً؟

وللإجابة على السؤال الأول يجب أن نتذكر أن الصينيين كانوا دائماً موجودين في الحكم حتى في زمن أمنو، من خلال حزب (MCA) وأنّ فكرة سيطرتهم على البلاد أمر غير واقعي، إذ أن توزيع المقاعد البرلمانية ضمن للمالايويين أغلبية مطلقة على الدوام، كما أن جانب كبير من قوى المعارضة هي مالايوية، خلافاً لانتخابات 2013م التي كان الحضور الصيني فيها أعظم، إذ أن عدم الرضا المالايوي في هذه الانتخابات هو من أسقط حكومة التحالف الوطني بقيادة أمنو وليس الصينيون. كما أنّه من غير المستبعد أن ينضم الحزب الإسلامي الماليزي مرة أخرى إلى المعارضة كما كان في الدورة السابقة، وقد بدأنا نرى انشقاقات وانتقالاً في الولاء من حزب أمنو في ولاية صباح، على سبيل المثال، إلى جانب محاضير وهو ما يتوقع أن يزداد خلال الفترة القادمة، وكل ذلك سيزيد الكتلة المالايوية وسيقلل التأثير الصيني وفرصة تحكمه في مقاليد الأمور.

أمّا عودة حزب أمنو إلى السلطة قريباً، فهو أمر مستبعد أيضاً، إذ أن خسارة الحزب لم تبدأ في هذه الدورة بل من الدورة السابقة عندما فقد أغلبية أصوات الناخبين ومنعه من خسارة الحكم، التوزيع غير المتساوي لمقاعد البرلمان، ويعود ذلك بشكل رئيس إلى تآكل شعبية الحزب، ورغبة قطاعات واسعة من الشباب بالتغيير، ولعل السبب الأهم الذي يجعل هذه الدوافع تتفاعل وتؤدي إلى خسارة الحزب، هو تزعم محاضير والذي يُعد عرّاب أمنو، لهذه المعارضة، وإطلاقه حملة واسعة باتهامات لرئيس الحكومة بالفساد.

ستدرك النواة الصلبة من حزب أمنو عمّا قريب أن من مصلحتها التصالح مع محاضير وأنور والخروج بأقل الخسائر، وسنرى على أثر ذلك ربما إعادة تشكيل للتحالفات وربما انشقاقات واسعة، ولذا من المستبعد جداً عودة الحزب إلى الحكم في فترة قريبة، إلا إذا حصلت مشاكل عميقة وسريعة في تحالف الأمل أدت إلى تفككه وهو أمر مستبعد أيضاً.

العلاقات الدولية لماليزيا

1ـ الولايات المتحدة الأمريكية

تميل ماليزيا عادة إلى الاهتمام بالإقليم وخصوصاً تلك الدول المنضوية تحت منظمة آسيان وعدم النشاط وراء ذلك، غير أنّ هناك تأثيرات كبيرة للولايات المتحدة الأمريكية على السياسات الماليزية بحكم كونها القوى الكبرى في العالم، ويبدو أن قدوم أنور إبراهيم إلى السلطة، وهو من أشد السياسيين الماليزيين قرباً من الولايات المتحدة الأمريكية، سيحسن العلاقة بين الطرفين، إثر تكدرها بعد أن أعلنت السلطات الأمريكية عن قضايا فساد خاصة برئيس الوزراء السابق نجيب، وتوجهه إلى مزيد من الانفتاح على الصين.

2ـ الصين

تعلّمت الصين دروساً قاسية من تغيير الحكومات وأنظمة الحكم في البلدان التي تتعامل معها وتستثمر فيها، وعلى رأس هذه التجارب سقوط نظام القذافي الذي كانت نتائجه خسارة مليارات الدولارات من الاستثمارات الصينية، وكذلك تغير حكومة راجا باكسا في سريلانكا، وما ترتب على ذلك من تأخير في المشاريع الصينية، ومحاولة تكرار ذلك في المالديف، ولعل أهم ما تعلمته هو كيفية المحافظة على المصالح الصينية من خلال التفاوض والدبلوماسية. ويبدو أنّ توجهات نجيب نحو الصين وتوقيعه لمشاريع ضخمة معها ستكون من أوائل ما سيتعامل معه محاضير، وهو ما صرّح به عقب إعلان نتائج الانتخابات على الفور، وهو أمر لا يتوقع أن يكون انقلاباً كاملاً بالسياسة نحو الصين، فمحاضير يقرأ خارطة القوى الدولية والآسيوية على وجه التحديد، بشكل جيد، ويعرف أنّ الصين لها تأثير كبير ومتزايد في المنطقة، ولذا فإنّه لن يدخل في مواجهة أو صراع مع الصين، بل على العكس ربما يستمر في تحسين العلاقة معها وإعادة التفاوض على شروط العقود الموقعة معها، ولا يبدو أنّ الصين تمانع ذلك، من خلال قراءة التجربة السريلانكية.

3ـ إيران

يقيم عشرات الآلاف من الإيرانيين في ماليزيا، نتيجة لسياسة الانفتاح التي تتبعها ماليزيا، غير أنّ أثرهم محدود في الأوساط الماليزية. ولكن الشأن الإيراني قفز إلى السطح عندما ساءت العلاقة مع إيران في عهد نجيب قبل حوالي أربع سنوات وذلك بضغوط سعودية، حتى وصل الأمر إلى إصدار فتوى من جهات رسمية ماليزية بتكفير الشيعة، واستغلت حادثة اكتشاف حسينية شيعية في كوالالمبور وتشييع بعض الماليزيين لخلق جو مضاد للتشيع، وهو ما حاولت إيران التغلب عليه من خلال إيفاد بعض الوفود غير الرسمية حتى من السنة المؤيدين لها لإقناع الماليزيين بتغيير موقفهم المتصلب، ولا يبدو أن محاضير يختلف من حيث المبدأ، عن نجيب في موقفه من التشيع، فقد علمت أن وفداً زار ماليزيا والتقى محاضير طالباً منه التدخل لدى الحكم بهذا الشأن، فكان موقفه شديداً وقال أنّ مسلمي ماليزيا سنة شوافع ولا يحتمل وضع التجزئة، ورد الوفد خائباً، لكنه على الصعيد السياسي ربما يكون أبعد عن الضغوطات السعودية وما يمكن أن يدفع إلى تحسين العلاقات مع إيران ولو بشكل محدود.

4ـ تركيا

نتيجة للعلاقة الشخصية بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأنور إبراهيم، سادت علاقة من الفتور وشبه القطيعة بين البلدين، ورغم وساطات متعددة لإصلاح العلاقة بين حكومة نجيب وتركيا، كان أردوغان يشترط دائماً، إطلاق سراح أنور ورد الاعتبار إليه، وهو ما لم يكن ممكناً، فاستمرت العلاقة على الوجه الذي سبقه وصفه. لذا، من المتوقع أن تتحسن العلاقة بين البلدين بشكل سريع وكبير خصوصاً إثر تبوء أنور رئاسة الوزراء، وهو ما سيكون دون شك في مصلحة كل من البلدين.

5ـ السعودية

أصبح معلوماً لدى عامة الماليزيين الدور الخطير الذي اضطلعت به السعودية بالتأثير على مجريات الانتخابات عام 2013م، وتقديمها مبالغ إلى رئيس الوزراء السابق من أجل التأثير على نتائجها، وهو ما يعد تدخلاً خطيراً في السياسة الداخلية الماليزية، واليوم مع خسارة نجيب ومجيء المعارضة إلى السلطة سيتم استحضار هذا التاريخ السلبي، غير أنّ ارتباط الشعب المالايوي المسلم بالسعودية كأرض للحرمين الشريفين، ومرجعية دينية إسلامية سيخفف من التداعيات السلبية لهذا التاريخ، إذ من المهم لكل من يريد أن يحكم ماليزيا أن يقيم علاقة طيبة مع السعودية، ولكنّها ستكون هذه المرة حذرة وربما تميل إلى الفتور.

6ـ الإمارات

ارتبط اسم الإمارات بالفضائح المالية التي تم الكشف عنها في ماليزيا وخصوصاً استثمارات مؤسسة ساتو ماليزيا، وعلاقاتها المريبة مع رجالات الحكم السابق، وهو ما سيجعلها عرضة لغضب الحكومة الجديدة، وهي تفتقد لميزة السعودية كمرجعية دينية، لذا فإن الآثار السلبية على العلاقة بين البلدين من المرجح أن تكون أكثر ظهوراً، كالفتور وضعف التعاون الاقتصادي، وربما هجمات كلامية حادة من قبل محاضير وبعض من قادة المعارضة.

7ـ القضية الفلسطينية

أبدت حكومة نجيب تأييداً كبيراً للقضية الفلسطينية، مثّل أوجها زيارته إلى قطاع غزة عام 2012م، واستضاف الحزب الحاكم حينها قادة حماس أكثر من مرة في مؤتمراته السنوية، كما استقبل نجيب رئيس حركة حماس خالد مشعل، وزعماء فلسطينيين آخرين أكثر من مرة، ولا تفتأ تتخذ مواقف مؤيدة متقدمة في هذا المجال، ومع ذلك فإنّ تغيير الحكومة سيأتي بقادة ربما، أكثر تأييداً للقضية الفلسطينية، خصوصاً من حزب أمانة والذي يعدّ المنصة السياسية الرئيسة للإخوان المسلمين الماليزيين، وعلى رأسهم هؤلاء شخصيات مثل حسن الدين وهو من المشاركين في سفينة مافي مررة ومؤسسي أكبر مؤسسة ماليزية مؤيدة لفلسطين، أقصى شريف، ومازلي مالك، فضلاً عن تأييد أنور ومحاضير للقضية الفلسطينية، ولذا فإنّ التأييد للقضية الفلسطينية سيزداد في الفترة القادمة وربما يتجلى ذلك بمساعدات إنسانية ماليزية لقطاع غزة وصوت أعلى لصالح فلسطين في المحافل الدولية (*).


(* ) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close