fbpx
تقديرات

مستقبل النظام السياسي المصري: التحديات والمسارات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

خلاصة

ينطلق تقدير الموقف الاستراتيجي الراهن للثورة المصرية، بعد مرور نحو ثلاثة أعوام من انقلاب 3 يوليو 2013، من خلاصات تقدير الموقف الاستراتيجي، الذي قام المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتجيية بإعداده في أكتوبر 2015، والتي انتهت إلى وجود عدة سيناريوهات أساسية لمآلات الثورة المصرية، وذلك على النحو التالي(1):

السيناريو الأول: تحقيق الثورة نصر حاسم وانهاء النظام العسكري واستعادة المسار الديموقراطي، الذي تم القضاء عليه في انقلاب 3 يوليو 2013.

السيناريو الثاني: تحقيق النظام العسكري والثورة المضادة نصرا حاسما وانتهاء مظاهر الثورة، وتحول القوى الثورية إلى معارضة غير مؤثرة.

السيناريو الثالث: عدم قدرة أحد الطرفين (الثورة، الثورة المضادة)، حسم المعركة وبالتالي يبقي الحال على ما هو عليه ويدار الأمر بشكل أقرب لنمط إدراة الأزمات أو الإدارة بالأزمات.

السيناريو الرابع: فشل النظام الحالي في إدارة الدولة وعدم قدرته على السيطرة على أوضاعها وتأمين حدودها، مع عدم قدرة القوى الثورية على الحسم، مما يدفع باتجاه انتشار الفوضي والانهيار التام للدولة وفشلها.

السيناريو الخامس: ويقوم على رفض بعض القوي الإقليمية أو الدولية لسيناريو الفوضى وانهيار الدولة، وبالتالي تقوم عبر وساطات معينة، بالدفع في اتجاه تسوية سياسية توافقية يتم من خلالها احتواء الأزمة، والسير في مسار تحول ديمقراطي، تحدد طبيعته موازين القوى بين الأطراف المختلفة.

وباستعراض هذه الاحتمالات خلص تقدير أكتوبر 2015 إلى أن السيناريو الأكثر احتمالا هو السيناريو الثالث، القائم على عدم القدرة على الحسم والاستنزاف المتبادل للقدرات، وهو ما ينال من قدرات الدولة، وطبقا لما تم رصده من متغيرات خلال الشهور الستة الماضية (بين أكتوبر 2015، ونهاية مارس 2016)، يمكن القول أن السيناريو الثالث لا يزال هو السيناريو القائم بالفعل، إلا أنه مع تزايد الدعوات المنادية بتسليح الثورة المصرية والقصاص العادل لدماء الشهداء، وأمام إفراط النظام في استخدام القمع والقهر، خاصة في شبه جزيرة سيناء وانفلات الحالة الأمنية فيها، وتصاعد أعداد الخارجين من فلك النظام والرافضين لممارساته بعد أن كانوا مدافعين عنه بعد الانقلاب، واستمرار فشل الدولة في معالجة وحل أيا من المشكلات الاقتصادية والأمنية والإجتماعية التي تواجهها، وحالة التخبط الواضحة التي يعاني منها النظام فضلا عن مظاهر الصراع بين أجنحته المختلفة، وعدم قدرته على تكوين ظهير سياسي حقيقي، فضلا عن حالة التردي الاقتصادي الواضح والذي يتوقع معه الكثيرون أن يكون اقتصاد الدولة على شفا الانهيار، تزداد احتمالات الوقوع في سيناريو الفوضى الشاملة وفشل الدولة، وهو ما سيدفع القوى الدولية والإقليمية بالتدريج لمحاولة تبني حل سياسي مناسب لتجنب الوقوع في سيناريو الفوضى.

وعلى الجانب الآخر، يبرز تأكيد القوى الثورية المصرية، بكل مرجعياتها السياسية والفكرية، وتصميمها على الاستمرار في مقاومة الانقلاب وتكوين جبهة عالمية ضد ممارساته وانتهاكاته، وتعزيز القاعدة الثورية وتقوية الجبهة الداخلية ووضع خطط وتصورات لحل مشاكل مصر بعد الانقلاب مع مواصلة الحراك السلمي، وتفعيله داخل مصر وخارجها، في ظل تطورات الموقف الراهن، داخلياً وإقليمياً ودولياً، وبالتالي فإن أي حل سياسي غير مُرضي للقواعد الثورية الشعبية، وللقوى المدافعة عن الثورة المصرية لن يُكتب له النجاح أو تحقيق الاستقرار المنشود(2).

تمهيد

خلال السنوات الماضية بعد الانقلاب العسكري، وبناء على التقديرات الاستراتيجية التي قام المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية بإعدادها، وخلاصات الفعاليات التي تم تنظيمها مصاحبة لهذه التقديرات، تأتي أهمية التمييز بين عدة مستويات، وذلك على النحو التالي:

المبحث الأول: التحولات الكلية في المشهد المصري:

وتشمل أهم الركائز والتطورات الحاكمة للمشهد العام المصري بعد 3 يوليو 2013 وحتى 13 مارس 2016.

 

المبحث الثاني: التحولات النوعية في المشهد المصري:

يقصد بهذه المجموعة من التحولات أهم التطورات النوعية في الملفات الداخلية (سياسية، اقتصادية، اجتماعية، حقوقية، أمنية) التي شهدتها مصر بعد الانقلاب وحتى الآن، وكان لها تداعياتها على نظام 3 يوليو أو على مسار الثورة المصرية

 

المبحث الثالث: التحولات الإجرائية في المشهد المصري

يقصد بهذه التحولات المواقف والأزمات الطارئة التي تعرض لها النظام الحاكم في مصر بعد 3 يوليو 2013، داخلياً أو خارجياً وكان لها العديد من الانعكاسات على تطورات الأوضاع ومعدلات استقرار هذا النظام (مقتل السائحين المكسيكيين، الطائرة الروسية، مقتل الطالب الإيطالي، اختطاف الطائرة المصرية، ….)

المبحث الأول

التحولات الكلية في المشهد المصري

مع انقلاب 3 يوليو 2013، تمكنت قوى الثورة المضادة من السيطرة على تطورات المشهد وإدارة الأحداث، بدعوى الحفاظ على الدولة والأمن والاستقرار، وتسلّم المجلس العسكري الحكم مباشرة وقام بوضع ما اسماه “خارطة طريق” تستهدف ترسيخ حكم مطلق يستند إلى احتكار كل السلطات؛ التشريع والتنفيذ والقضاء، وقمع كل من لا يؤيد النظام، واستغل ما اسماه “الحرب على الإرهاب” لضرب كل القوي الثورية وفي مقدمتها جماعة “الإخوان المسلمين”، وفي هذا السياق تبرز عدة مشاهد كلية كبرى، من أبرزها(3):

أولاً: ترسيخ الحكم العسكري:

حيث تم ترسيخ دور المؤسسة العسكرية، مع استقواء فريق سياسي بها لإقصاء فريق آخر، وقيام المجلس العسكري بالتدخل لملء ما اسماه “الفراغ الناتج عن صراعات السياسيين” والحفاظ على مصالحه، نظريًا، واصطف الجيش مع القوى المدنية ضد التيار الإسلامي، ورَسَمَ مسارًا سياسيًا من دون الإسلاميين، بل واعتمد سياسة إقصائية تجاه حركة الإخوان المسلمين وحلفائها، ولاحقًا ضد كل القوى المحسوبة على الثورة.

ثمّ تسلم وزير الدفاع السلطة مباشرة، بعد أن رشح نفسه في انتخابات لم يتوافر لها الحد الأدنى من المعايير المتعارف عليها للانتخابات الديمقراطية، وفي ظلّ حملة دعائية مكثفة لمصلحته، شاركت فيها شخصيات وقوى سياسية استخدمت مغالطات عدة تروّج أنّ البلاد وهيبتها في خطر وأنها تحتاج رجلًا قويًّا من الجيش.

وفي إطار هذا المشهد تبرز عدة ملاحظات أساسية:

1ـ قدمت ثلاث دول خليجية (الإمارات والسعودية والكويت) قدمت عشرات المليارات للنظام الجديد، كما استمر تدفّق المساعدات العسكرية الأميركية ووقّعت وزارة الدفاع عقودًا جديدة بعد الانقلاب، وأعلنت الولايات المتحدة الإفراج عن مساعدات عسكرية كانت مجمّدة سابقًا، ثمّ قدّمت مساعدات إضافية بقيمة 1. 3 مليار دولار في ديسمبر 2014، بجانب عقد صفقات سلاح مع كل من فرنسا وروسيا والصين وإيطاليا وألمانيا.

2ـ تنامي حجم التعاون الأمني مع الكيان الصهيوني، مع تقارير إسرائيلية وغربية تؤكد أنّ هذه العلاقات تجاوزت كثيرًا ما كانت عليه أيام مبارك الذي وصفه الإسرائيليون بأنه كنز إستراتيجي بالنسبة إليهم.

3ـ صدرت تصريحات، رسمية وإعلامية تشير إلى أنّ ترتيبات 30 يونيو نوقشت مع مسؤولين غربيين، من ذلك ما نشرته نيويورك تايمز (6 مايو 2014) أنّ السفيرة الأميركية بالقاهرة (آن باترسون) طلبت من السيسي تأخير الانقلاب يومًا أو يومين، وأنّ السيسي حذّر مسؤولين أميركيين في مارس 2013 بأنّ عهد الإخوان قارب على الانتهاء.

4ـ هيمنة الجيش على نحو 40 إلى 60% من الاقتصاد المصري، وكذلك الوجود المكثف لضباط متقاعدين في مناصب المحافظين وفي مناصب عليا بالوزارات والمؤسسات والشركات العامة، وتوسّع نشاطات الشركات العسكرية في المجالات التجارية والصناعية والخدمية، وسيطرة الجيش على الكثير من المشاريع الكبرى وعقود بناء المدن وتطوير قناة السويس وغيرها، وملكيته الفعلية لكل الأراضي غير الزراعية غير المستغلة في مصر، أي نحو 87% من مساحة مصر.

5ـ صدور عدة قرارات متصلة بالجيش تحديدًا، منها قرارات عدة لرفع المرتبات والمعاشات للعسكريين، ومنها ما يتصل بالدور الاقتصادي للمؤسسات التابعة للجيش في شكل اعفاءات ضريبية واستثناءات وتخصيص أراض من خلال عقود إسناد مباشر من الحكومة.

 

ثانياً: الإقصاء والعنف:

شهدت مرحلة ما بعد الانقلاب تحميل جماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي عامة أخطاء المرحلة الانتقالية، وإعلان جماعة الإخوان جماعة إرهابية، واستغلال ما يسمى الحرب على الإرهاب لضرب التيار الإسلامي ثم كافة القوى الثورية الأخرى. وقد أدّت هذه السياسة إلى انقسام سياسي ومجتمعي حاد، ودفعت بعض الشباب إلى التخلي عن العمل السلمي واعتماد العنف وسيلة للثأر.

وتبني نظام 3 يوليو الحل الأمني مع الجميع، الأمر الذي فاقم الكثير من الأوضاع، وبروز أنماط متعددة من العنف، منها:

  • العنف الرسمي )علميات قتل تنفذها أجهزة الدولة ضد المتظاهرين المعارضين، وعمليات التعذيب والاغتصاب، إلى جانب سجن عشرات الآلاف من المعارضين، وعمليات سجن لأطفال وفتيات(.
  • العنف غير الرسمي )استهداف مسلحين للشرطة والجيش(.
  • القتال الأهلي أو شبه الأهلي بين المعارضين والأهالي )أو بين المعارضين ومجموعات مسلحة من البلطجية تحركهم جهات معيّنة(.
  • القتال الطائفي الذي ظهر نتيجة للاستقطاب السياسي والحلول الأمنية.
  • ظهور نمط جديد من العنف يستهدف المنشآت العامة.
  • تصاعد العنف الشامل في سيناء والنوبة والصعيد، مع تنامي ظاهرة انتشار السلاح.

وجاء متسقاً مع ذلك ومرسخاً له، وداعماً لتوجهات النظام خلال هذه المرحلة، الأحكام القضائية بإعدام المئات من المعارضين، وتكميم الأفواه، واعتقال الأكاديميين والصحفيين، وتخوين كل المدافعين عن حقوق الإنسان، وتسخير مجموعة من الصحفيين والإعلاميين لشن حملات إعلامية مكثفة لتبرير القتل والانتهاكات الأخرى، واستغلال ما يسمّى “الحرب على الإرهاب”، للنيل من الجميع وقمع جميع المعارضين والرافضين والمقاومين للنظام.

 

ثالثاً: ظهور وانهيار ما يسمي “تحالف 30 يونيو”:

لم يعبر تحالف 30 يونيو عن قوة سياسية أو اجتماعية حقيقية، كما أنه لم يُجسّد أهداف ثورة يناير على الرغم من ادعائه بأنه امتداد لها، ولم تجمع أطرافه وقت تشكيله إلا معاداة التيار الإسلامي، ثمّ تطوّر الأمر ليكون هدف التحالف هو معاداة أهداف ثورة يناير وإقصاء كل من يعبّر عنها. وضمّ هذا التحالف قطاعات محددة من مؤسسات الدولة وهي الجيش والشرطة والقضاء والجهاز الإداري والأزهر والكنيسة إضافة إلى حركة تمرد وبعض الأحزاب المدنية التي ليس لها قاعدة شعبية كبيرة وحزب النور السلفي وبعض القوى والنخب اليسارية والليبرالية، فضلاً عن شريحة من رجال الأعمال المتضررين من إسقاط نظام مبارك الذي فتح الباب أمامهم للتربح غير الشرعي، وطبقة من الإعلاميين المنتفعين وبعض الفنانين.

وحصل هذا التحالف على دعم شعبي، لا سيما من شرائح من الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي استطاع الإعلام التأثير فيها أو التي تتطلع إلى الاستقرار الذي يضمن لها – من وجهة نظرها – الحد الأدنى من مقومات بقائها في ظلّ الأوضاع الاقتصادية المتردية. هذا فضلًاً عن الدعم المالي السخي من بعض الدول الخليجية والدعم الروسي والأوروبي والأميركي.

وعلى الرغم من أنّ هناك بعض الأطراف التي رأت أنّ وزير الدفاع هو وحده القادر على تحقيق الانتقال الحقيقي للديمقراطية، فإنّ قسمًا لا يستهان به من التحالف استهدف الحفاظ على الامتيازات القديمة التي كان يتمتع بها إبّان عهد مبارك. وهذا القسم ضمّ بعض القادة وبعض المنتفعين داخل مؤسسات الدولة الذين تضرروا من الثورة التي كانت ستصل حتماً إلى إلغاء الامتيازات.

بعد أن رسخ نظام مبارك ما يمكن تسميته “نظام الوظائف الطائفية” داخل قطاعات مؤثّرة مثل الشرطة والجيش والقضاء. وكانت السلطة بالنسبة إلى هؤلاء سلطة طبقية ونفعية وتعمل لمصلحة هذه الفئات دون غيرها.

أمّا بعض الأحزاب المدنية في هذا التحالف، فقد كانت تظن أنّ إقصاء الإسلاميين سيفتح الباب أمامها للحصول على الأغلبية في البرلمان وتشكيل الحكومة. وهذا أمر لم يحدث ليس فقط بسبب ضعف قاعدتها الشعبية، وإنّما أيضًا لأنّ أي رئيس عسكري لا يحتاج إلى شريك في الحكم.

وكان من اللافت أن يدعم هذا الإقصاء شخصياتٌ سياسية وحقوقية كانت محسوبة على التيار الوطني، الليبرالي واليساري على حد سواء، وكانت في طليعة ثورة يناير، كالدكتور محمد البرادعي وقادة الجمعية الوطنية للتغيير وحركة 6 أبريل.

أمّا الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي انضوت تحت هذا التحالف ، فقد تصوّرت أنّ الرئيس العسكري سيكون قادرًا على تحقيق الأمن والاستقرار وتحسين الأوضاع الاقتصادية بحيث تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل الثورة، والتي تضمن على الأقل الحصول على حد الكفاف بكل الطرق الممكنة، الشرعية وغير الشرعية، بما في ذلك الفساد والرشوة واستغلال النفوذ واختراق القانون.

ودفعت الأخطاء السياسية المتتالية لحكومات ما بعد 3 يوليو 2013، بدءًا من الفشل في معالجة الملفات اليومية وعودة أركان نظام مبارك إلى المناصب التنفيذية، مرورًا بقانون التظاهر وتمرير المحاكمات العسكرية بالدستور، وانتهاءً بالإفراج عن مبارك وأركان حكمه وقتلة المتظاهرين ومحاكمات الناشطين الشباب، إلى تنامي معارضة عريضة للمسار ولكافة الممارسات الأمنية التعسفية التي شهدتها البلاد، مع التأكيد على أن ما حدث في 3 يوليو هو ثورة مضادة مكتملة الأركان.

 

رابعاً: خارطة الطريق:

في 8 يوليو 2013، تم الاعلان عما يسمى “خارطة الطريق” والتي تضمنت ثلاثة استحقاقات شعبية في ظلّ إقصاء الإسلاميين وقمعهم بالقوة:

  • الاستحقاق الأول: وضع دستور جديد، شابته الكثير من أوجه الخلل، كما لم يُحترم في الواقع العملي رغم هذه الاختلالات من جانب واضعيه.
  • الاستحقاق الثاني: “الانتخابات الرئاسية” التي لم تشهد تنافسًا حقيقيًّا في ظلّ الحملات الدعائية والإعلامية لمصلحة وزير الدفاع وفي ظلّ سياسة الإقصاء وتشويه الثورة، كما لم تشهد الانتخابات إقبالاً من الناخبين، وكانت “انتخابات” بلا مرشحين ولا ناخبين.
  • الاستحقاق الثالث: “الانتخابات البرلمانية” والتي أكدت أنّ البلاد أمام سلوك شعبي متكرر رافض للنظام، وأثبتت الأعداد القليلة التي ذهبت إلى اللجان أنّ الظهير الشعبي للنظام يمثّل نسبة صغيرة من المصريين، وأنّ تحالف 30 يونيو قد تأكّل بالفعل. وأنّ الأجهزة الأمنية هي التي تدير البلاد، وذلك بعدما قامت بتشكيل القوائم الانتخابية وهندسة العملية الانتخابية بشكل كامل.

لقد أثبت هذا المسار بانتخاباته وممارساته عدة نتائج أساسية، منها:

  • فشل سياسة الإقصاء المتبعة رسميًّا تجاه التيار الإسلامي، وسقوط الاعتقاد بأنّ إسقاط الإسلاميين من الحكم بطرق غير ديمقراطية سيؤدي إلى حلول غير الإسلاميين في الحكم بطرق ديمقراطية، لأن ما حدث هو حلول أنصار الثورة المضادة مكان الإسلاميين وغير الإسلاميين معًا، وبطرق وانتخابات غير ديمقراطية، وبدعم من الأجهزة الأمنية.
  • أنّ المشكلة ليست في الشعب وإنّما في إصرار النخب الأمنية والعسكرية على الصراع الصفري وعلى تأميم المجال العام.
  • صعوبة إصلاح النظام من الداخل، بمعنى أنّ نظام ما بعد يوليو 2013 ، حوّل نضال المصريين السلمي من أجل الحرية والديمقراطية إلى صراع صفري حاد، وأقام نمطًا عنيفًا للحكم يكاد ينقرض في العالم، لأنه يعتمد على سيطرة الأجهزة الأمنية، وإغلاق كل سبل العمل السياسي السلمي، وأصبح الراسخ أن تغيير هذا النوع من نظم الحكم لا يكون إلا بطريقة عنيفة كالانقلابات والعصيان المسلح أو الثورات الشعبية.
  • غاب عن هذا المسار أية محاولات جادة للحوار، فقد اهتمت معظم المبادرات التي قدّمت بتحقيق مصالحة وطنية شاملة تنهي الانقسام، لكنّ كل هذه المبادرات لم تكن محلاً للاهتمام من النظام، وخاصة مع تأكيد الحكومات المتعاقبة بعد  3 يوليو تحميل الإخوان المسؤولية، وغلق باب التصالح معها، وإعلانها “جماعة إرهابية”، في ديسمبر 2013.

 

خامساً: الأطر الدستورية والقانونية:

لقد وضعت الأطر الدستورية والقانونية بعد 3 يوليو 2013 في ظلّ أوضاع أكثر سوءًا من أوضاع المرحلة الانتقالية الأولى بعد 11 فبراير 2011، لأنها لم تتمّ فقط بصفة منفردة ومن دون أي نقاش حقيقي فحسب، وإنّما أيضًا في ظلّ إقصاء تيار بأكمله وملاحقته أمنيًا وقضائيًا وتشويهه إعلاميًا، وتضمّ هذه الأطر بيانًا من القوات المسلحة، وإعلانين دستوريين، ودستورًا ومئات القوانين وتعديلات القوانين:

1ـ بيان القوات المسلحة (3 يوليو 2013):

ألقاه وزير الدفاع في حضور ممثلين للقوى السياسية التي شاركت في جبهة الإنقاذ وحركة تمرد وحزب النور، فضلا عن شيخ الأزهر ورأس الكنيسة الأرثوذوكسية، وتضمن مبررات تدخّل القوات المسلحة وقبول ما أسماه البيان “استدعاء” الشعب للقوات المسلحة، فضلًا عن تحديد “خارطة مستقبل تتضمن خطوات أولية تحقق بناء مجتمع مصري قوي ومتماسك، لا يقصي أحدًا من أبنائه وتياراته، وينهي حالة الصراع والانقسام”.

وتضمنت هذه الخارطة تعطيل العمل بدستور 2012، وتشكيل لجنة لتعديله وإجراء انتخابات رئاسية مبكّرة، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسًا موقتًا وإعطاءه سلطة إصدار إعلانات دستورية وتشكيل لجنة للمصالحة الوطنية.

2ـ الإعلانان الدستوريان 5 و8 يوليو 2013: استندا إلى بيان 3 يوليو، مما أكسبه شكلياً مكانة دستورية. وقد حلّ الإعلان الأول مجلس الشورى، بينما تضمّن الثاني الأسس العامة للدولة والحقوق والحريات الأساسية وصلاحيات الرئيس التشريعية والتنفيذية، وإجراءات تشكيل لجنتين يعيّنهما الرئيس لإجراء التعديلات الدستورية.

3ـ الوثيقة الدستورية 2014: كان من المفترض وفقاً لبيان 3 يوليو وإعلان 8 يوليو أن يتم تعديل دستور 2012، وانتهى الوضع إلى تسمية هذه التعديلات “دستور 2014″، ووفقاً لعدد من المتخصصين، فإن هذا الدستور لا يتفق مع متطلبات الدستور الديمقراطي ومعاييره من أوجه متعددة:

  • طريقة وضعه: فقد تمّ الأمر وسط انقسام شديد وفي ظلّ إقصاء فصيل بالكامل، وقبل إجراء المصالحة الوطنية التي أشار لها بيان 3 يوليو، ودون أي نقاش لمسألة تشكيل اللجنة المعيّنة، ولا الإجراءات التي تبنّتها اللجنة في وضعه، ولم يخضع مشروع الدستور أيضًا إلى أي نقاش مجتمعي حقيقي.
  • مضمون الدستور: هناك مواد فرّغت من مضامينها. فسلطة الشعب ليست نهائية لأنه يعلوها أو يوازيها سلطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وصارت المحكمة الدستورية تختار قضاتها بلا أي رقيب من سلطة البرلمان التي هي أعلى من سلطة القضاء. وهناك أمور أخرى في التعيينات والميزانية تؤكد عدم وجود رقابة خارجية عليها، كما أنّ النظام السياسي لن يكون فعّالاً مع وجود ثلاثة رؤوس )الرئيس، ووزير الدفاع، ورئيس الحكومة( وبعلاقات غير متوازنة بين البرلمان والرئيس والحكومة، أهمها فتح الباب من خلال القانون لإضافة شروط أخرى للترشح للرئاسة، وإعطاء الرئيس حق تعيين 5% من أعضاء البرلمان، وحذف إلزامية نتيجة الاستفتاء الذي يدعو إليه الرئيس، وتقييد سلطة المؤسستين التنفيذية والتشريعية في اختيار وزير الدفاع والموافقة عليه، وتحصين منصب وزير الدفاع، والسماح بمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، وعودة الندب الجزئي للقضاة مما يفتح باب الفساد وشراء الولاءات، وترحيل قضايا جوهرية إلى الرئيس الموقّت، مثل نوع النظام الانتخابي، وترتيب الانتخابات )الرئاسية أم البرلمانية أولاً(، وتمثيل الشباب والمرأة والأقباط.
  • أنّ هذا الدستور انتهك في الواقع، عندما اعتمد النظام سياسة القبضة الأمنية الصارمة مع المعارضين، فسقط آلاف القتلى واعتقل عشرات الآلاف. كما أنّ الرئيس الموقّت أصدر قرارًا جمهوريًا في سبتمبر 2013، يقضي بمدّ فترة الحبس الاحتياطي بلا قيود، بعد أن كانت مقيّدة في دستور 2012 وقد تسبب هذا القرار في بقاء الآلاف تحت الحبس الاحتياطي لفترات طويلة، من دون أن يطلق عليهم كلمة معتقلين. كما أصدر الرئيس الموقّت قانون التظاهر الذي قيّد حق التظاهر السلمي المنصوص عليه في دستوري 2012 و2014.

4ـ القوانين:

لقد أصدرت مؤسسة الرئاسة منفردة مئات القوانين التي تمس موضوعات في غاية الأهمية ليس مقبولاً أن تصدر عن فرد واحد أو جهة واحدة؛ كتنظيم العمل السياسي، ونظم الترقية والمعاشات للضباط، والتسليح، والضرائب، والخدمة المدنية، والعقوبات، والشرطة، والأزهر، والجامعات، والاستثمار، وغير ذلك، وما يسمى “قانون الإرهاب” الذي توسع في تعريف الإرهاب حتى تمّ تجريم الأعمال التحضيرية حتى لو لم يتمّ تنفيذ العمل المجرم، وهذه مخالفة صريحة للقانون ولأحكام المحكمة الدستورية العليا. كما منح القانون مأمور الضبط القضائي سلطة القبض والتفتيش والاحتجاز لأي مواطن من دون حالة تلبس وللاشتباه فقط، وجرّم نشر أخبار تخالف الروايات الرسمية للحوادث، وتوسع في العقوبات لتشمل النفي والمنع من التنقل وحظر العمل في أماكن معيّنة وغير ذلك. وكذلك مجموعة التشريعات الاقتصادية التي صدرت بحجة زيادة الاستثمار، بينما هي تستهدف حماية الفساد والتصالح مع المستثمرين في جرائم منصوص عليها في قانون العقوبات، ومنعٍ وتحجيمٍ للرقابتين الشعبية والقضائية على العقود الادارية التي تحررها الدولة مع المستثمرين وغير ذلك.

وأمام هذه التحولات الكلية الخمسة، برزت مجموعة من الاستنتاجات الأساسية، من بينها:

1ـ أن نظام ما بعد انقلاب 3 رسخ تحويل الثورة الشعبية إلى ثورة مضادة، بعد أن استولى الجيش على السلطة، وأطلق يد الأجهزة الأمنية في السيطرة على مؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية، بكافة الطرق المباشرة وغير المباشرة، واعتمد سياسة الإقصاء التامّ مع خصومه ومعارضيه، ووضع خارطة طريق ترسّخ هيمنة دولة الفرد وسيطرة الأجهزة الأمنية، مع الإبقاء على واجهات ديمقراطية شكلية، إلى جانب استخدام القمع والعنف بصفة لم يسبق لها مثيل في تاريخ مصر الحديث.

التضليل السياسي واسع النطاق عبر روايات رسمية، تعمل مرجعية للنظام ومبررًا لكل العنف والاقصاء المعتمد، وتقوم على مجموعة من المغالطات أهمها “الدفاع عن الدولة وهيبتها”، و”الحرب على الإرهاب”، و”وجود ظهير شعبي للنظام”، و”وجود مؤامرة عالمية على مصر”، و”غياب البديل” وغيرها.

3ـ تؤكد كل ممارسات ما بعد 3 يوليو أنه ليس لنظام الحكم القائم الآن في مصر أي مستقبل، لأنّ نمط السلطة الذي يحاول النظام إقامته يقوم على الإقصاء التام، والقمع الشامل في مجتمع لا يزال يعيش الحالة الثورية، بل وتعمقت فيه أسباب الثورة من جديد. ومن غير الممكن أن يتغير هذا النظام من الداخل أو أن تقود فئة كانت غارقة في الاستثناءات والامتيازات عملية تحوّل ديمقراطي حقيقية، وتؤكد التجارب التاريخية أن تغيير مثل هذا النظام سيكون غالبًا بثورة أو عصيان مسلح أو حرب أو انقلاب أو بغزو خارجي.

4ـ لن تخرج مصر من حالتها الراهنة، إلاّ عندما تمتلك كافة القوى الرئيسة المؤمنة بأهداف ثورة يناير إرادتها، وتنبذ خلافاتها، وتؤسس حالة حوار حقيقية تستهدف أولاً جمع هذه القوى حول قيم ثورة يناير ومطالبها، ثمّ تتفق ثانيًا على سبل مقاومة الاستبداد والقمع واستعادة الثورة ومطالبها، ثم تتفق ثالثاً على النظام الديمقراطي البديل بكافة قيمه ومؤسساته وضوابطه.

 

المبحث الثاني

التحولات النوعية في المشهد المصري

يقصد بهذه المجموعة من التحولات أهم التطورات النوعية في الملفات الداخلية (سياسية، اقتصادية، اجتماعية، حقوقية، أمنية) التي شهدتها مصر بعد الانقلاب وحتى الآن، وكان لها تداعياتها على نظام 3 يوليو أو على مسار الثورة المصرية.

أولاً: التطورات السياسية:

1ـ مجلس النواب:

تم انتخاب مجلس النواب بصورة كانت موضع تحفظ وانتقاد الكثيرين، حتى من جانب الأطراف الداعمة للنظام العسكري، وتشكلت خريطة النواب بشكل لا يعكس أية أطر سياسية، وإنما مجموعات من أصحاب المصالح الخاصة مما جعلهم هدفا للسيطرة من جانب الجهات الأمنية الرئيسية، المتنافسة فيما بينها سعيا وراء النفوذ الأكبر في إدارة شئون البلاد. وبعد اجراء الانتخابات، ومع بدء البرلمان لجلساته، بدأ تنفيذ مخطط تمرير المئات من القوانين والقرارات بقوانين التي صدرت بعد الانقلاب، فتم اقرار كل القوانين سيئة السمعة التي من شأنها تقنين الفساد، وترسيخ هيمنة المؤسسة العسكرية على مقدرات الدولة.

2ـ وحدة النظام:

برز خلال الفترة التي يتناولها التقدير أن هناك خللاً في بنية نظام السيسي الذي يتكون من مجموعات، الخط العام الجامع لها هو المصلحة، وفي مقدمة هؤلاء مكونات الدولة العميقة بأجهزتها ورجال أعمالها، وهو ما يدفع باحتمالات زيادة التفكك في مكونات النظام الحالي بمرور الوقت وتزايد الضغوط عليه، وخاصة في ظل تنامي حالة الانفلات الأمني والانتهاكات الواسعة واستهداف الجميع (4). وقد ظهرت بوضوح علامات الصراع بين الأجهزة الأمنية الرئيسية الثلاث (المخابرات العامة والمخابرات الحربية والأمن الوطني) للسيطرة على عملية صنع القرار في البلاد وهو ما ينذر بحالة من الفوضى الشاملة إذا خرج هذا الأمر عن نطاق السيطرة.

3ـ قانون الخدمة المدنية:

رفض مجلس النواب قانون الخدمة المدنية  الأمر الذي أدى إلى وضع النظام في مأزق كبير، لا سيما أن الحكومة كانت تراهن على تطبيق القانون في ترشيد مخصصات موظفي الدولة في الموازنة العامة(5). ويعد هذا الموضوع من أهم العوامل التي تجعل مصر على فوهة بركان وذلك لتأثير الإجراءات المطلوبة بشكل شديد السلبية على نحو ستة ملايين موظف بالدولة وأسرهم في الوقت الذي تتردى فيه المؤشرات الاقتصادية بشكل كبير وتزداد معدلات الفقر والبطالة.

4ـ خطاب السيسي:

ألقى عبد الفتاح السياسي في 24 فبراير 2016، خطاباً مطولاً امتد لأكثر من ساعة ونصف الساعة تقريبا تحت ما يسمى بإطلاق استراتيجية مصر للتنمية المستدامة “رؤية مصر 2030″، وقد أثار الخطاب موجة من السخرية الواسعة على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب احتواء الخطاب على أكثر من إشارة وكلمة تعد غير لائقة بخطاب رسمي لشخص في هذا الموقع(6)، إلا أن الخطاب احتوى على رسائل ودلالات هامة نشير اليها هنا باختصار(7):

1ـ لغة خطاب السيسي اختلفت بشكل كبير عن خطاباته السابقه حيث ظهر عليه في هذا الخطاب الحدة والغضب والتوتر الواضح على قسمات الوجه والتي ربما تعكس حجم الازمات بين مراكز القوى داخل الدولة، فضلا عن الحالة الاقتصادية المتردية.

2ـ حشد عاطفة المصريين في اطار وهمي بالتبرع للدولة لحل مشاكلها الاقتصادية، بدون شك لن تقدم هذه الحملة ولو تفاعل معها عدد ضخم من الشعب سوى مبالغ ضئيلة لا تتناسب مع حجم الازمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، في حين ان الهدف الرئيسي من تلك الحملات التي اعتاد السيسي على اطلاقها هو دغدغة مشاعر الجماهير واشعارهم بعمق الازمة وهو ما يؤدي في النهاية بالجماهير إلى حالة قبول لا إرادي بالواقع المتأزم للاقتصاد المصري وما يستتبعه من أزمات محتملة.

3ـ رسائل تحمل لهجة العنف والتحدي والتهديد ذكرها السيسي اكثر من مرة في طي خطابه، حيث جاء استفساره “من انتم؟” في اشارة إلى توجيه حديثه إلى جهات محددة بعينها وعن حديثه انه لن يتركها في اشارة إلى حكم مصر وليس إلى مصر، ربما تأتي هذه الاشارات التي امتلأ بها خطاب السيسي لتحمل رسائل مباشرة إلى قوى اقليمية وقوى داخلية يدرك السيسي انها تسعى لتهديد استمرار بقائه في الحكم.

4ـ حالة الغضب الشديدة التي ظهرت في نبرة حديث السيسي عندما تحدث أكثر من مرة موجها حديثه للجميع بالا يسمعوا إلا من خلاله هو فقط، في إشارة إلى الاعلام وتوجيه  النقد لشخصه ولحكومته، الحديث بهذه اللغة والتعبير بهذا الشكل الفج يشير إلى حدة الصراع بين مراكز القوى داخل الدولة والذي بدا يظهر بوضوح من خلال وسائل الاعلام التابعة  لمراكز القوى المختلفة وتناولها لأداء الحكومة بالنقد والاقتراب احيانا من نقد شخص السيسي.

5ـ من زاوية البعد الاقتصادي لخطاب السيسي، لم يقدم الخطاب رؤية حقيقة أو حتى الحديث عن خطوات واضحة للمستقبل بل اعتمد السيسي على اخفاء ذكر مشاريع تحققت خوفا من “الاشرار” على حد تعبيره وهو ما يشير إلى غياب انجازات اقتصادية حقيقية يمكن تقديمها للشعب لكسب الثقة وطمئنة الجماهير، في حين ان الخطاب لم ينجح في تصدير مشهد لمشاريع اقتصادية تمت او ستتم في المستقبل وهو ما يعبر عن عمق الازمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.

و قد أظهر عدد من الدراسات أن ما يشار اليه برؤية مصر 2030 التي جاء الخطاب بمناسبة إعلانها، ليس إلا أحلام وأوهام لا يوجد أي مسوغ من الواقع لتحقيق أية نسبة ولو ضئيلة من مستهدفاتها على المدى المنظور إذا استمر الوضع السياسي على ما هو عليه الان(8).

5ـ مبادرة صناعة البديل

مبادرة صناعة البديل والتي خرجت بتوقيع ما يسمى “بيان اللجنة التحضيرية لتوحيد القوى الوطنية المدنية” ونشرت عبر صفحة حمدين صباحي على موقع “فيسبوك”، تتلخص في توحيد القوى المدنية والدعوة إلى صناعة البديل الحقيقي، في حين لم تشر المبادرة بشكل مباشر إلى اسقاط السيسي، الا ان مضمون المبادرة يسير في هذا الاتجاه بوضوح، ولا شك أن طرح المبادرة في هذا التوقيت يحمل دلالات واشارات:

(أ) في ظل الازمات التي يعاني منها النظام المصري وفي ظل صراع مراكز القوى الداخلي والذي بدا واضحا من خلال انفعالات ولهجة السيسي الحادة خلال الخطاب الذي القاه “رؤية مصر 2030″، والذي عكس بشكل غير مباشر حجم الازمات بين مراكز القوى داخل الدولة وتهديد استمرار بقاءه في الحكم، خرجت المبادرة لتعبر عن محاولة بعض القوى السياسية استباق اي مشهد تغيير محتمل بالاعداد والتجهيز للبديل بدأ من هذه اللحظة، ومن ناحية اخرى ربما تهدف المبادرة إلى تكوين جبهة معارضة مكونة من احزاب سياسية وشخصيات عامة وحركات شبابية، تستطيع الضغط على النظام الحالي وكسب مساحات للمعارضة انحسرت بشكل كبير في ظل النظام الحالي.

(ب) مغامرة حمدين صباحي بتصدره للمبادرة بالرغم من زعمه بأنه ليس قائدا لها(9)، ربما يمكن فهمها من خلال شخصية حمدين التي من الصعب أن تتحرك في مبادرة بهذا الشكل وفي هذا التوقيت دون تنسيق مسبق، والذي لن يخرج عن، إما تنسيق في اتجاه صناعة معارضة مستأنسة لا تخرج عن حدود المرسوم لها، أصبحت تمثل ضرورة ملحة للسيسي، او تنسيق في اتجاه صناعة بديل حقيقي يمكن الدفع به في ظل الارتباك الواضح الذي يمر به السيسي في الوقت الحالي برعاية بعض الأجنحة المتصارعة داخل النظام.

6ـ فتح قضية التمويل الأجنبى:

إعادة التحقيقات فى القضية رقم 173 لسنة 2011، والمعروفة إعلاميا باسم “التمويل الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى”، وما تبعها عن منع كل من مؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حسام بهجت، ومؤسس ومدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد، من التصرف في أموالهما والسفر إلى الخارج، اثارت حالة من الجدل الواسع في الاوساط الداخلية والخارجية والتي كان ابرزها التصريحات اللتي ادلى بها جون كيري في بيان أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية في 18 مارس 2016(10)، ووجه فيه “كيري” نقد مباشر للحكومة المصرية بسبب القرار الذي اتخذته بالتحقيق مع المنظمات غير الحكومية التي توثق انتهاكات حقوق الإنسان، واشار “كيري” إلى ان قرار الحكومة المصرية، يأتي في سياق أوسع من الاعتقالات وترهيب المعارضة السياسية والصحفيين والناشطين وآخرين. وحث “كيري” الحكومة المصرية على العمل مع الجماعات المدنية لتخفيف القيود عن حريتي إنشاء الجمعيات الأهلية والتعبير، ومن ناحية اخرى قامت  المانيا وبريطانيا بإصدار بيانين منفصلين، بشأن وضع حقوق الإنسان بمصر وتزايد التضييق على منظمات المجتمع المدنى(11).

وجاء قرار النظام المصري بإعادة فتح التحقيقات، والتصريحات الامريكية التالية تشير إلى عدة دلالات:

ـ ربما كان السببب الرئيسي وراء إعادة فتح النظام المصري لقضية التمويل الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى، يرجع إلى القرارات الشديدة التي اتخذها البرلمان الاوروبي حيال النظام المصري في مارس مستندا إلى تقارير عن اوضاع حقوق الانسان في مصر.

ـ ربما يرسل النظام المصري رسائل تهديد وتخويف للمنظمات الحقوقية المصرية والحقوقيين المصريين الذين يتعرضون لملف حقوق الانسان في مصر ويقتربون من مساحة الانتهاكات التي يقوم بها النظام المصري والتي اتسعت بشكل متزايد في الفترة الاخيرة وطالت أفرادا لا يحملون الجنسية المصرية وهو ما حدث في حادثة مقتل الشاب الايطالي “جوليو ريجيني”، ويعلم النظام المصري أن رسائله ربما تجد صداها، حيث تخشى منظمات المجتمع المدني من ان تقع تحت طائلة المادة 78 من قانون العقوبات وتعديلاتها الصادرة في 23 سبتمبر 2014،  والتي تحتوي على مصطلحات قانونية فضفاضة تجعل منها سيف مسلط من النظام المصري على رقاب منظمات المجتمع المدني في مصر.

ـ تقرير حسام بهجت الذي نشر في موقع “مدى مصر” تحت عنوان “هكذا انتخب السيسي برلمانه”، والذي أشار إلى حجم تداخل وتصارع اجهزة الدولة في ادارة الانتخابات البرلمانية الاخيرة، والتي تعكس إلى أي مدى تتحكم أجهزة سيادية في الشأن المصري، الجدل الواسع الذي اثاره التقرير وحالة الحرج التي تسبب فيها لجهات امنية، ربما كان الدافع وراء إعادة فتح ملف القضية، للإنتقام من اشخاص بعينهم، ومنعهم من التصرف في اموالهم والسفر إلى الخارج(12).

7ـ التعديل الوزاري (مارس 2016):

سارع النظام المصري بالإعلان عن تعديل وزاري، قبل بيان الحكومة امام البرلمان (27 مارس 2016)، وفي تجاوز واضح للإجراءات التي يفترض اتخاذها طبقا للدستور لتشكيل حكومة طبقا لنتائج الانتخابات البرلمانية، حيث اعلنت الحكومة في 23 مارس 2016، عن تعديل وزاري شمل 10 حقائب وزارية، كان ابرز التعديلات الجديدة هي تلك التعديلات الخاصة بالحقائب الاقتصادية والتي شملت داليا خورشد في وزارة الاستثمار والتي كانت تشغل منصب المدير التنفيذي لأوراسكوم القابضة، وعمرو الجارحي في وزارة المالية والذي كان يشغل منصب العضو المنتدب لاستثمارات قطاع الأغذية ورئيس التمويل المؤسسي ومتابعة الاستثمارات في شركة “القلعة” القابضة.

دلالة توقيت التعديل الوزاري قبل بيان وبرنامج الحكومة أمام البرلمان، لا نستطيع أن نغفله كأحد أهم تفسيرات التعديل الوزاري، حيث يبدو من الحقائب الاقتصادية في التعديل الوزاري انها تتوافق مع نجيب ساويرس رجل الاعمال البارز ومؤسس حزب المصريين الاحرار الذي يمثل نسبة لا تقل عن 11% من البرلمان، وهو ما يجعله رقما صعبا داخل البرلمان يستطيع أن يتسبب في عدم قبول برنامج الحكومة، وربما كانت التعديلات الوزارية في أحد اهدافها، ترضية لنجيب ساويرس من أجل ضمان تمرير برنامج حكومة شريف اسماعيل دون الاعتراض عليه في البرلمان.

8ـ السيسي: خطة لتجميل الصورة:

عدة مشاهد خلال الفترة القليلة الماضية تبرز محاولة النظام المصري القيام بخطوات لتحسين الصورة الذهنية وربما امتصاص حالة الاحتقان الموجودة بسبب تردي الاحوال الاقتصادية وارتباك المشهد السياسي، ومن بين هذه المشاهد:

(أ) إقالة الزند وعكاشة: بالرغم من أن إقالة الزند وعكاشة يمكن أن تأتي في اطار صراعات مراكز القوى الدائرة داخل أروقة النظام المصري والتي امتدت لتصل إلى الصحف وشاشات الفضائيات، الا انها في النهاية تصب في اتجاه محاولة تحسين الصورة الذهنية للنظام المصري، حيث يعد الزند وعكاشة من أبرز الوجوه المسيئة للنظام بمواقفهم وتصريحاتهم وربما الايام القادمة تشهد استمرار النظام في التخلص من تلك الوجوه التي تتسبب له في حرج مستمر وتنال من صورته لدى الجماهير.

(ب) لقاء السيسي مع المثقفين: فهناك عدة مقالات لأكثر من كاتب، تسير في اتجاه اظهار حالة التردي والفشل الذي وصلت اليه الدولة، والانهيار المحقق الذي تتجه اليه، وإحتمالية وقوع سيناريوهات في الفترة المقبلة قد تكون قاسية، وتدعو إلى وجوب محاسبة المسؤول عن الوصول إلى هذه الحالة، حالة السخط التي اظهرها اكثر من كاتب كانت الدافع وراء اجتماع السيسي بمجموعة من المثقفين تحت عنوان جلسات الحوار الوطني، لإظهار الإستماع إلى مقترحاتهم وخلق صورة جديدة (شكلية في الواقع) للتعامل مع المعارضة والاستماع إلى النقد.

(ج) الافراج عن قيادات التحالف الوطني لدعم الشرعية: حيث تم الافراج عن مجموعة من قيادات بالتحالف الوطني لدعم الشرعية كان ابرزهم القيادي في حزب الاستقلال “مجدي قرقر” ورئيس حزب البناء والتنمية “نصر عبد السلام” والداعية الاسلامي “فوزي السعيد”، حيث كانت محكمة جنايات شمال القاهرة، قد أصدرت قرارا بإخلاء سبيل 10 قياديين من “تحالف دعم الشرعية” يوم السبت 19 مارس 2016، وبالرغم من وجود دلالات متعددة لقرار الافراج عن قيادات التحالف، من بينها وجود نوع من الصراع بين مراكز القوى داخل الدولة عقب إقالة وزير العدل أحمد الزند، إلا ان الافراجات التي لم تشمل اي من الاخوان، تأتي في اطار سعي النظام إلى تجميل شكلي لصورته الذهنية دون إحداث أي تحسن حقيقي في ملف حقوق الإنسان.

ثانياً: التطورات الاقتصادية:

تعاني مصر من مجموعة من المشكلات الاقتصادية، التي جعلت من الوضع الاقتصادي ما يمكن أن نطلق عليه المعضلة الاقتصادية، بمعنى أن محاولة إصلاح أية مشكلة اقتصادية سيكون على حساب باقي المشكلات الأخرى، وهو واقع مشهود في الحياة الاقتصادية المصرية. فالحفاظ على احتياطي النقد الأجنبي بحدود ما يكفي واردات شهرين ونصف فقط، أدى إلى خلق سوق موازية مشتعلة، واللجوء لتعويض الاحتياطي بالديون، أو بودائع من دول عربية وغير عربية، أو التأثير السلبي على حصيلة البنوك المحلية من النقد الأجنبي، حيث قامت هذه البنوك مؤخرًا بإيداع جزء من حصيلتها بالنقد الأجنبي لدى البنك المركزي لمساندة احتياطي النقد الأجنبي، وهو ما أثر على قدرتها بالوفاء بمتطلبات عملائها من النقد الأجنبي13.

وفيما يلي سوف نشير إلى توصيف للحالة الاقتصادية المصرية من خلال مجموعة من المؤشرات الاقتصادية، والتي توضح حقيقتها البيانات الحكومية:

1ـ ضعف الناتج المحلي الإجمالي:

بلغ الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام المالي 2014/2015 نحو 330.7 مليار دولار، وكان نصيب الفرد من هذا الناتج 3761 دولار، ولا يزال معدل النمو للناتج المحلي الإجمالي بحدود 4.2% في نفس العام14. ومظاهر ضعف الناتج المحلي لمصر ترجع لعدم كفاية معدلات النمو لمتطلبات الداخلين الجدد لسوق العمل من ناحية، والبالغ عددهم نحو 850 ألف فرد سنويًا، ومن ناحية أخرى تواضع معدلات النمو مقارنة بمعدلات نمو الزيادة السكانية من ناحية أخرى، حيث يبلغ معدل الزيادة السكانية 2.6% في عام 2014/2015 أيضًا15، ويتطلب هذا المعدل من الزيادة السكانية معدلات نمو في الناتج بما لا يقل عن ثلاثة أضعاف أي 7.8%.

ويزيد من مشكلة الناتج المحلي لمصر، أن معدلات الادخار المحلية متدنية للغاية، فحسب بيانات وزارة المالية المصرية، لا تزيد نسبة المدخرات المحلية كنسبة من الناتج المحلي في مصر عن 5.9%، ومن الضروري أن ترتفع هذه النسبة إلى 30% على الأقل حتى تتمكن من تمويل الاستثمارات المحلية بشكل مناسب، لذلك نلاحظ أن ما تحقق من زيادة في الناتج المحلي عام 2014/2015، كان نتيجة لزيادة كبيرة في الدين العام.

2ـ ارتفاع معدلات الدين العام:

بلغ الدين العام المحلي نهاية يوليو 2015 نحو 2116 مليار جنيه مصري16 (ما يعادل 270.2 مليار دولار حسب السعر الرسمي 7.83 جنيه للدولار في ذلك التاريخ) وبلغ الدين الخارجي في نفس التاريخ 48 مليار دولار17، وبذلك يصل الدين العام المصري (محلي + خارجي) 318.2 مليار دولار، وبما يمثل نسبة 96.4% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية يوليو 2015، والبالغ 330.7 مليار دولار.

وعلى مدار العام الماضي، أعلنت الحكومة المصرية عن إبرامها العديد من اتفاقيات القروض، سواء مع المؤسسات الدولية أو الإقليمية، من خلال البنك الدولي، وبنك التنمية الافريقي، وكذلك عبر اتفاقيات ثنائية كما حدث في قرض من الصين بنحو 1.7 مليار دولار، أو اتفاقية القرض الفرنسي لتمويل صفقة سلاح بنحو 3.4 مليار يورو، والتي وافق عليها البرلمان مؤخرَا. وسعت مصر كذلك للحصول على تسهيلات ائتمانية من دول الخليج وبخاصة من السعودية بشأن تمويل صفقات نفطية، تشير التقديرات إلى أنها بحدود 20 مليار دولار على مدار خمس سنوات، وبسعر فائدة 2%، وبفترة سماح 3 سنوات18.

3ـ تفاقم الأزمة التمويلية:

تظهر مؤشرات تفاقم أزمة التمويل في مصر، من خلال مؤشر عجز الموازنة العامة للدولة، وكذلك موقف احتياطي النقد الأجنبي، والعجز بميزان المدفوعات، وحسب بيانات وزارة المالية المصرية فقد بلغ العجز الكلي بالموازنة المصرية 279.2 مليار جنيه، وبما يعادل نسبة 11.5% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين كانت تقديرات الموازنة مع بداية العام المالي 2014/2015، أن يكون العجز الكلي بحدود 251 مليار جنيه وبنسبة لا تتجاوز 8.9% من الناتج المحلي19، وهي تقديرات أثبت الواقع عدم دقتها وتجاوزها بنسبة 2.6%.

ولا يلوح في الأفق أن تنخفض معدلات العجز بالموازنة العامة لمصر، في ضوء متابعة طريقة التمويل، واعتمادها بشكل مستمر على آلية الاقتراض من الجهاز المصرفي المصري، وكذلك اللجوء للاقتراض من الخارج.

أما موقف احتياطي النقد الأجنبي لمصر، فيلاحظ أن غالبية مكوناته من ودائع لدول أجنبية، وقد أعلنت دراسة مصرفية، صادرة عن أحد البنوك الأجنبية العاملة في مصر، أن خصوم البنك المركزي فيما يتعلق باحتياطي النقد الأجنبي قد فاقت أصوله20، نحو 560 مليون دولار بنهاية سبتمبر 2015. وهو ما يعني أن ما لدى مصر من احتياطيات تقدر بنحو 16.4 مليار دولار بنهاية يناير 2016، عبارة عن رصيد من المديونية الخارجية وليس احتياطيًا ذاتيًا.

أما ما يخص ميزان المدفوعات، فقد رصد البنك المركزي وجود عجز بنحو 3.4 مليار دولار، خلال النصف الأول من عام 2015/2016، وهو ما يمكن أن نتوقع من خلاله أن يصل العجز بميزان المدفوعات بنهاية يونيو 2016 إلى نحو 10 مليار دولار.

4ـ تكريس ظاهرة التضخم الركودي:

من الظواهر الاقتصادية شديدة السلبية، التي تشهدها اقتصاديات الدول، تزامن ظاهرتي البطالة والتضخم في آن واحد، وللأسف فإن مصر خلال الفترة الماضية تعاني من ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، كنتيجة طبيعية، لتراجع معدلات النمو الاقتصادي، وكذلك ضعف أداء الناتج بشكل عام، وعدم اعتماده على قاعدة إنتاجية قوية، وغلبة النشاط الخدمي على النشاط الإنتاجي، وكذلك غياب المنتجات والخدمات ذات القيمة المضافة العالية.

فمعدل التضخم وصل في ديسمبر 2015 إلى معدل 11.1%21، بينما معدل البطالة وصل إلى 12.8% خلال الربع الثاني من عام 201522، وذلك وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء. ويرجع ارتفاع معدل التضخم إلى أمرين الأول ارتفاع تكاليف الإنتاج في مصر، بسبب اعتماد الصناعة المحلية على استيراد مستلزمات الإنتاج بنسبة كبيرة، وكذلك الزيادة المطردة في الواردات السلعية، وارتفاع تكلفة الوقود بالنسبة للصناعة بشكل خاص وباقي قطاعات الاقتصاد بشكل عام. أما الأمر الثاني فهو يتعلق بقيام البنك المركزي بطباعة النقود دون وجود غطاء من النقد الأجنبي أو الذهب، وكذلك الاضطراب في سوق الصرف، التي أدت إلى انخفاض قيمة الجنيه بشكل مستمر.

أما ما يتعلق بارتفاع معدلات البطالة فمبعثه تدني معدلات المدخرات والاستثمارات المحلية كنسبة من الناتج المحلي، واعتماد الناتج بشكل رئيس على الاستهلاك وليس الاستثمار، وفي ظل تواضع الاستثمارات المحلية بحدود 14% كنسبة من الناتج المحلي، من الصعب استيعاب جميع الداخلين الجدد لسوق العمل، أو تخفيف حدة البطالة القائمة في سوق العمل. ولذلك يلاحظ اتساع حجم ظاهرة شديدة السلبية في سوق العمل وهي سوق العمل غير الرسمية، حيث تستوعب العدد الأكبر من الداخلين الجدد لسوق العمل، وهي سوق تتسم بعدة عوامل سلبية بالنسبة للعاملين، منها تدني الأجور، وطول ساعات العمل، وعدم وجود تغطية اجتماعية، سواء من حيث التأمين الاجتماعي أو التأمين الصحي، فضلًا عن غياب التأمين الصناعي، مما يجعل هؤلاء العمال عرضة لكثير من اصابات العمل.

5ـ فشل السياسة النقدية:

يظهر فشل السياسة النقدية بمصر خلال الفترة الماضية من خلال مجموعة من المؤشرات، على رأسها الانخفاض المستمر في قيمة الجنيه المصري، فمنذ يوليو 2013 وصل انخفاض قيمة الجنيه المصري إلى نسبة تقترب من 28%، كان لقرار البنك المركزي الأخير دور في تخفيض الجنيه بنسبة 14.5%. ولا يتوقع أن يتوقف انخفاض قيمة الجنيه خلال الآجلين القصير والمتوسط لاعتبارات العرض والطلب على الدولار. أما المظهر الثاني، فهو رفع سعر الفائدة بنحو 15% على عمليات الإيداع والاقتراض، حيث تم تقليص مشكلات الاقتصاد المصري في اهتمامات السياسة النقدية دون النظر لأبعادها السلبية على الاستثمار، ورفع تكاليف الانتاج، والحد من التجارة.

وفي إطار هذه المؤشرات الكلية تبرز مجموعة من المؤشرات الجزئية، شديدة الأهمية والتأثير في تطورات الأوضاع الاقتصادية، وتداعياتها على نظام 3 يوليو، لعل أبرزها:

  • تعدد المؤشرات السلبية التي وثقتها تقارير دولية، حول معدلات الانهيار في الأوضاع الاقتصادية في مصر تحت حكم العسكر، وخاصة بعد انقلاب 3 يوليو، وتنامي معدلات الفساد(23).
  • الصراع داخل منظومة رجال الأعمال ضد السياسات الاقتصادية للنظام التي تجعل من الجيش المتعهد الرئيس للنشاط الإقتصادي، وممارساته ضد بعضهم، والتى تضر بمصالحهم المستقبلية، كما تعزز أجواء عدم الإستقرار المستمرة والتى ضربت قطاع السياحة وتضرب بقوة قطاعات الصناعات والإستيراد والتصدير.
  • التعريفة الجمركية: حيث صدر قرار السيسي برفع التعريفة الجمركية على عدد كبير من السلع، بدعوى ترشيد الإنفاق على السلع التي سمّاها بـ”غير الضرورية”، والتي كان من بينها الأجهزة الكهربائية والأدوات المكتبية والمنزلية، وهو ما ترتب عليه مزيد من ارتفاع الأسعار.
  • الخدمات العامة: فقد تعددت تصريحات السيسي حول أن الدولة لن تكون قادرة على دعم خدمات مياه الشرب والصرف الصحي، وهو ما يعني وجود توجه نحو رفع أسعار هذه الخدمات، بل والشكوك في جودتها بعد إشارات إلى استخدام مياه الصرف الصحي بعد معالجتها في الشرب(24).
  • بلغ الدين المحلي في 2015 ما مجموعه 2.16 تريليون جنيه مصري، أي ما يوازي 83.9% من الناتج المحلي الإجمالي، كما بلغ الدين الأجنبي 48.1 مليار دولار. وارتفع مجموع الدين المحلي والخارجي الى ما يتجاوز قيمة الناتج المحلي الإجمالي.
  • انخفضت احتياطيات مصر من العملات الأجنبية إلى 16.4 مليار دولار في ديسمبر 2015(25).
  • في 13 يناير 2016، ذكرت مؤسسة “كابيتال ايكونوميكس للأبحاث”، إنها تتوقع تباطؤ نمو الاقتصاد المصري هذا العام مع انكماش قطاع السياحة وانخفاض متوقع في قيمة الجنيه، إلى نحو 3% هذا العام.. من حوالي 3.5% في 2015”. وأن انخفاض قيمة العملة يؤدي لارتفاع التضخم بنسبة تتراوح بين 3 و4%(26).
  • المؤشرات الاقتصادية السلبية المتعلقة بالتراجع الشديد في عائدات السياحة والصادرات للخارج، مع انخفاض سعر العملة لمستويات غير مسبوقة (تجاوز سعر الدولار في السوق السوداء 10 جنيهات لأول مرة في تاريخ مصر)، مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والتضخم، الى غير ذلك مما ينذر بانهيار اقتصادي قد يصاحبه انهيار اجتماعي وشيك(27).

 

ثالثاً: التطورات الأمنية والعسكرية:

1- الصدامات والصراعات الداخلية:

يمكن رصد العديد من المؤشرات على تنامي الصراعات بين عدد من أجنحة النظام السياسي المصري الحاكم حالياً، “رجال الأعمال، المخابرات العامة، الجيش ومخابراته الحربية، وزارة الداخلية والأمن الوطني”، ومن بين هذه المؤشرات:

(أ) إحالة العديد من ضباط القوات المسلحة إلى “المعاش” بشكل استثنائي، وهو ما فسره بعض الضباط بأن السيسي يسعى لتطهير الجيش من أية معارضة أو غضب محتمل ضد سياساته القمعية القادمة وضمان المزيد من الولاء من أفراد القوات المسلحة وانضباطهم عند تلقي أوامر القمع.

(ب) الصراع بين جهاز الأمن الوطني والمخابرات الحربية في الملف الأمني الداخلي، ووجود غضب داخل جهاز المخابرات العامة بسبب التهميش الذي تعرض له من بعد 3 يوليو 2013 لصالح جهاز المخابرات الحربي (كمثال واضح على هذه الصراعات راجع اتهام حركة حماس من قبل جهاز الأمن الوطني بالضلوع في اغتيال النائب العام المصري، وبعدها بأيام تم استقبال وفد رفيع المستوى من الحركة لإجراء محادثات بمشاركة مدير المخابرات العامة شخصيا).

(ج) وقد تمدّدت حالة التذمر والشكوى من صفوف الشرطة المصرية إلى عناصر وضباط في الجيش، مع توغّل تنظيم “ولاية سيناء” ونقل مسرح عملياته العسكرية إلى قلب مدينة العريش، التي كانت تعتبر المنطقة الآمنة، ما استدعى تدخلاً سريعاً من قبل وزير الدفاع صدقي صبحي لاحتوائها.

و هناك حالة من التململ والاعتراضات الشديدة انتابت قوات الجيش المشاركة في العمليات بسيناء، جاءت على خلفية تصاعد عمليات التنظيم المسلح بشكل كبير، والتخوّف من استهدافهم في ظل عدم وجود خطة وآليات محددة لتفادي عناصر التنظيم، فضلاً عن عدم وجود رؤية للإجهاز على تلك العناصر، والفشل الذريع في السيطرة على الأوضاع الأمنية في أكثر من ثلث سيناء وعدم القدرة على تحقيق أية انتصارات على التنظيمات المسلحة.

لكن حالة الاعتراضات في صفوف الجيش لم تصل لدرجة التذمر التي ظهرت في صفوف قوات الشرطة، والتي تمت ترجمتها في عدم قيام بعض أفراد وزارة الداخلية المصرية بمباشرة عملهم بشكل طبيعي. كما أن الاعتراضات في صفوف الجيش لم تصل لمسألة الهروب من أداء الواجب في مواجهة الجماعات المسلّحة، ولكن المطالبة بخطط جديدة لمواجهة هذه الجماعات.

وبالفعل قام الضباط والجنود برفع رسائل إلى القيادات العليا في قيادة الجيش، بضرورة التدخل لوقف نزيف الدماء داخل القوات، وإعادة وضع خطة التأمين، وتأمين الإمداد بآليات وأسلحة حديثة لمواجهة التنظيم المسلّح، بدلاً من الاعتماد على آليات قديمة. وذهبت المطالب إلى ضرورة الاعتماد بشكل كبير على فرق العمليات الخاصة والصاعقة بدلاً من الجنود الذين لديهم ضعف في القدرات القتالية، نظراً لأن حروب العصابات تتطلب أفراداً أكفاء، تلقوا تدريبات مكثفة وخاصة. إلا أن هناك رفض من جانب الجيش للدفع بعناصر من الفرق الخاصة، مثل الـ”777″ أو الـ”999″، لأن كلفة إعداد تلك العناصر كبيرة(28).

الممارسات الأمنية:

انتشرت موجة قتل عدد من المواطنين على يد ضباط وأفراد الشرطة في الأقسام الشرطية نهاية عام 2015، ومع بداية العام 2016 تنامت ظاهرة حالات اعتداء من أمناء الشرطة على مواطنين من مختلف الفئات(29).

3ـ سيناء:

على الرغم من فرض حالة الطوارئ وحظر تجول ليلي في المحافظة، واتخاذ العديد من الإجراءات التعسفية بحق الأهالي في محاولة لمنع والحد من العمليات الإرهابية التي يقودها تنظيم ولاية سيناء “داعش”، إلا أنه منذ مطلع العام الجديد تشهد شبه الجزيرة حالة من الفوضى الأمنية، والفشل الذريع في السياسات الأمنية من جانب الجيش والشرطة. ولم يعد يمر يوم من دون الحديث عن استهداف مدرعة للجيش أو الشرطة المصرية، بالشكل الذي جعل سيناء منطقة شبه خارجة عن السيطرة الأمنية (30).

4ـ تجدد الاحتجاجات غير السياسية:

كان أبرز هذه المظاهرات تظاهر الآلاف من شباب أولتراس أهلاوي ضد النظام في قلب القاهرة، ويطالبون بالقصاص لـ72 من زملائهم الذين قتلوا في 2 فبراير 2012، مرددين هتاف “الشعب يريد إعدام المشير”، في إشارة إلى رئيس المجلس العسكري السابق، المشير حسين طنطاوي.

وخرج السيسي في محاولة لتهدئة هؤلاء الشباب، عبر مداخلة لأحد البرامج التلفزيونية، عارضاً مبادرة لحل الأزمة معهم. لكن سرعان ما تعرض السيسي للهجوم عقب إعلانه عن مبادرته، من خلال برامج تلفزيونية تحركها أجهزة أمنية لها علاقة عدائية مع الأولتراس.

ثم برزت موجة الغضب التي اجتاحت شوارع مدينة بورسعيد، إذ احتشد الآلاف في الشوارع، مؤكدين رفضهم حديث السيسي ومحاولته ترضية أولتراس فريق الأهلي على حسابهم، فيما تعد تلك التظاهرات هي الأكبر منذ فترة ليست بالقصيرة (31).

هذا بالإضافة للأزمة التي حدثت في نقابة الأطباء، والعديد من الاحتجاجات والإضرابات العمالية التي ارتفعت وتيرتها في المرحلة الأخيرة (كما سيتم تفصيله لاحقا في هذا التقرير).

5ـ فساد وزارة الداخلية:

شهدت الفترة التي يغطيها التقرير الكشف عن قضية فساد كبرى قامت بها قيادات من وزارة الداخلية المصرية، المتهم فيها وزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلي، بالاستيلاء على نحو 3 مليارات جنيه (383 مليون دولار) من أموال ميزانية وزارة الداخلية، بالاشتراك مع 102 آخرين من قيادات الوزارة العاملين في الإدارة المركزية للحسابات والميزانية، وقيادات في وزارة المالية، من بينهم 12 متهما أدينوا بشكل رسمي وأحيلوا إلى المحاكمة مع العادلي و90 آخرين ردوا المبالغ التي استولوا عليها ().

6ـ سياسات عسكرة الدولة:

في إطار ممارسات عسكرة الدولة وقطاعاتها الكبري، أصدر قائد الانقلاب قراراً بتخصيص جميع اﻷراضي التي سيقام عليها مشروع العاصمة اﻹدارية الجديدة بين مدينتي القاهرة والسويس، ومشروع مدينة محمد بن زايد السكنية، لصالح وزارة الدفاع ممثلة في جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة. وأصدر السيسي قرارا بحدود أراضي المشروعين، حيث تبلغ مساحة المشروع اﻷول، 167 ألف فدان تقريبا، بينما تبلغ مساحة المشروع الثاني نحو 18 ألف فدان.

وألزم القرار جهاز أراضي القوات المسلحة بالمشاركة مع جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بوزارة الدفاع وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بوزارة اﻹسكان، بإنشاء شركة مساهمة لتخطيط وتنفيذ وتنمية المشروعين، مع اعتبار اﻷراضي جزءا من حصة جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة. وذلك لتسهيل التعامل مع المستثمرين اﻷجانب من خلالها، والسماح لهم بدخول شركاء فيها أيضا، وذلك خوفا من إثارة أي مشاكل قانونية أو دستورية حول طريقة التصرف في أراضي الدولة.

وفي نفس السياق أصدر السيسي قرارا بأن يكون ميناء الجلالة، الذي سيتم تدشينه قريباً، ميناء سياحيا لاستقبال اليخوت وسفن الرحلات والنزهات الترفيهية، وليس ميناء اقتصاديا. وكلف السيسي الجيش بتولي تخطيط وتنفيذ وإدارة هذا الميناء، الذي من المقرر أن يكون نواة لمدينة سياحية بها العديد من المنشآت التابعة لدولتي السعودية واﻹمارات(33).

رابعاً: التطورات الاجتماعية:

لا تختلف الأوضاع هنا كثيراً عن الأوضاع الإقتصادية والسياسية، حيث تتاثر بها تأثراً سلبياً، وخاصة مع وجود شعور عام بالقهر والقمع، وتزايد معدلات الفقر، والشعور بعدم القدرة على سد الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وتدني مستوى الخدمات العامة (الصحية، والتعليمية، والإدارية)، وكذلك الانهيار في كثير من المرافق العامة، وهي أمور من شأنها أن تدفع للانفجار المجتمعي، وبالتالي الانتقال لسيناريو الفوضي الشاملة.

1ـ الأزمات النقابية:

(أ) نقابة المعلمين: في أبريل 2014 أيدت محكمة الأمور المستعجلة فرض الحراسة على نقابة المعلمين، وفي يونيو 2014 صدر حكم بـ”تأييد” فرض الحراسة، وعندما قدمت النقابة استشكالًا لـ”الأمور المستعجلة” على الحكم، قضت المحكمة بعدما اختصاصها بنظر الاستشكال في نوفمبر 2014.

(ب) نقابة المهندسين: في يوليو 2015 قضت محكمة الأمور المستعجلة بعدم اختصاصها في فرض الحراسة على نقابة المهندسين، ليستأنف رئيس حزب مصر الفتاة ويؤجل إصدار الحكم بشأن الاستئناف إلى 25 فبراير 2016.

(ج) نقابة الصيادلة: فرضت المحكمة الحراسة عليها في يونيو 2014، قبل أن تلغي الحراسة في أغسطس 2014، لتفرضها مجددًا في 27 أكتوبر 2014، لتلغيها في يناير 2015، وتؤيد فرضها مرة أخرى في مارس 2015. وفي يونيو 2015، قضت محكمة القضاء الإداري بقبول دعوى إلغاء فرض الحراسة على نقابة الصيادلة، وإلغاء فرض أي حراسة على أي نقابة مهنية إعمالًا للدستور الذي يؤكد على استقلال العمل النقابي وعدم جواز فرض الحراسة عليه والتدخل الإداري في شؤونه.

(د) نقابة المحامين: تعددت الممارسات الأمنية ضد النقابة وأعضائها، مع قيام أجهزة الأمن باعتداءات وصلت إلى القتل لعدد من الأعضاء، ومن أبرز هذه الوقائع واقعة مقتل المحامي كريم حمدي تحت التعذيب في قسم المطرية على يد ضابطين في جهاز الأمن الوطني، وقُدم الضابطان للمحاكمة وحُكم عليهما بالسجن المشدد 5 سنوات في ديسمبر الماضي، وما تزال القضية محل الطعن والاستئناف.

(هـ) نقابة الأطباء: شهدت موجة من الغضب على خلفية واقعة الاعتداء على طبيبين بمستشفى المطرية وسحلهما من قبل 9 أمناء شرطة (28 يناير 2016)، وأعلنت عقد جمعية عمومية طارئة لها الجمعة 12 فبراير، وقبل عقد الجمعية التي سميت بـ”جمعية الكرامة” أخلت النيابة العامة سبيل الـ9 أمناء شرطة، وهو ما اعتبرته النقابة قرارًا “غير مفهوم وغير منطقي وكأن هناك تعمدًا لاستفزاز الأطباء والجمعية العمومية(34).

ويشير حجم تفاعل الأطباء في الأزمة الأخيرة إلى عدة دلالات:

  • أن حالة الاحتقان بسبب تغول السلطة الأمنية للنظام المصري، خرجت عن نطاق ودائرة مناهضي الانقلاب ومعارضي حكم العسكر وامتدت لتصل إلى قطاعات في المجتمع ربما كانت الأقل في مشاركتها في أي مظاهر احتجاجية سابقة بشكل عام.
  • لا يزال النظام المصري يحاول جاهدا استيعاب أية محاولة لحراك حقيقي فعال خارج نموذج حراك مناهضي الانقلاب، وجاء تعامل وتصريحات المسؤولين وإعلامي النظام حول أزمة نقابة الأطباء وقبلها ألتراس النادي الأهلي في إحياء ذكرى مذبحة بورسعيد، دالاً على ذلك.
  • استمرار النظام من خلال الآلة الأمنية والإعلامية في وضع حراك مناهضي الانقلاب دائما في خانة منفصلة عن الشارع وطلباته، حيث تعد استراتيجية النظام في التعامل مع كلا من نموذجي الحراك، هي قطع أي قنوات تلاقي قد تكون محتملة في المستقبل عن طريق الاستيعاب والتواصل المباشر مع أحدهم والقمع والإقصاء مع الأخر.
  • بالرغم أن احتشاد الأطباء كان السبب الرئيسي له دفاعا عن كرامة زملائهم الأطباء إلا أن الهتافات التي تخللت الحشد كان أغلبها هتافات ذات طابع ثوري تحمل إشارات إلى التململ وعدم الارتياح من منظومة الحكم.
  • بالرغم من التعامل الأمني العنيف ضد المظاهرات المناهضة للانقلاب والذي تسبب بشكل عام في حالة من الخوف والقلق لدى كثير من قطاعات الشعب في التعبير عن غضبهم، إلا أن الاحتشاد والتظاهر تحت لافتة بعيدة عن لافتات مناهضة الانقلاب وحكم العسكر لا تزال قادرة على جذب عدد من المواطنين ليس بالقليل.
  • احتشاد الأطباء في الجمعية العمومية الطارئة يعطي نموذجا ناجحا عن إمكانية التوحد على مجموعة من المطالب بالرغم من اختلاف التوجهات الفكرية لأصحابها وفي ظل أجواء الاستقطاب الحادة التي تمر بها البلاد، وربما كان خلو حشد الأطباء من أي لافتات لتيارات أو كيانات، خير دليل على القدرة على إمكانية التوحد(35).

2ـ الأسعار والدواء:

أدت زيادة سعر الدولار فضلا عن نقصه في السوق إلى تصاعد أزمة نقص الأدوية في مصر، وكانت بوادر أزمة نقص الأدوية قد ظهرت منذ عدة أشهر، إلا أنها في الأيام القليلة الماضية تصاعدت بشكل قوي مما يشير إلى أزمة حقيقية محتملة في ظل الزيادة المستمرة في سعر الدولار، وكانت وزارة الصحة قد ذكرت في نشرتها أن الأدوية الناقصة التي لها بديل أو مثيل تبلغ 189 صنفا، أما الأدوية الناقصة التي ليس لها أي مثيل فتبلغ 43 صنفا دوائيا، وربما كان السبب الرئيسي لتفاقم أزمة الدواء يرجع إلى اعتماد صناعة الدواء في مصر على استيراد مواد خام تدخل في عملية التصنيع وهو ما يجعل زيادة سعر الدولار ونقصه في الأسواق يؤثر بشكل بالغ على صناعة الدواء في مصر(36).

3ـ مؤشرات الانهيار الاجتماعي:

  • جاءت تصنيفات مصر الدولية لعامي 2014/2015، في مستوى “ضعيف”، بعدما احتلت المرتبة 124 من بين 178 دولة، بحسب تصنيف “هيرتاج فاونديشن”.
  • عن حرية الصحافة، صنّفت منظمة “مراسلون بلا حدود” مصر في الترتيب 159 من بين 180 دولة في هذا المجال.
  • وضع مؤشر الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية، مصر في المركز 94 من بين 175 دولة.
  • تراجعت مصر تسعة مراكز لتصل للترتيب 31 عالمياً، بحسب منظمة السياحة العالمية بالأمم المتحدة.
  • عن ركائز التنافسية العالمية، جاءت مصر في المركز 119 من بين 144 دولة وفقاً لتقرير التنافسية العالمية، وفي المركز 143 في الإرهاب، و137 في الجريمة والعنف، و136 في انخفاض فعالية مجالس الإدارات، والمركز 130 في إهدار المال الحكومي، وفي المركز 125 في تدني البنية الأساسية، والمركز 121 في عدم استدامة إمدادات الكهرباء، وفي المركز 142 في الاختلالات الاقتصادية الكلية ومنها عجز الموازنة العامة للدولة.
  • من حيث جودة التعليم، جاءت مصر في المركز 141 من بين 144 دولة، وفقاً لتقرير التنافسية العالمية. وفي المركز الأخير، وفقاً لنفس التقرير، في جودة إدارة التعليم العالي (37).

خامساً: التطورات الحقوقية:

أصبح غياب العدالة وتسييس القضاء هو العنوان الرئيس للأوضاع الحقوقية في مصر في عهد الانقلاب العسكري، مع استمرار الانتهاكات على كافة الأصعدة، دون رادع من قانون أو خلق أو دين، وأصبحت الأحكام القضائية أداة للانتقام السياسي، والتخلص من كل المعارضين السياسيين والرافضين للانقلاب العسكري.

ومنذ وقوع الانقلاب العسكري بمصر في 3 يوليو 2013 عمدت قوات الجيش والشرطة على التعامل بشكل مغاير وأكثر عنفاً مع المتظاهرين السلميين، بقصد اسكات الحراك الثوري وتوقيفه، وترهيب القطاع الأكبر من الشارع المصري الرافض لعودة العسكر وتصدرهم المشهد السياسي على جثث ثوار 25 يناير، وكان ما حدث في اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة خير دليل على تغيير استرايجية الاجهزة الأمنية في التعامل مع المتظاهرين.

لكن في العام الأخير (2015-2016) تغير التعامل مع المعارضين السياسيين بشكل أكثر دموية وأصبحت عمليات القتل خارج إطار القانون هي الأمر السائد في مصر منذ عملية اغتيال النائب العام السابق هشام بركات في يونيو 2015، وباتت الشرطة تطلق على تلك العمليات ” التصفية” واصبحت تقر تلك الممارسة وتصدر بها بيانات اعلامية لتؤكد على حقها في ذلك.

وقد تعددت المبررات التي تقف خلف الممارسات والانتهاكات الحقوقية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية في مصر، ومن ذلك:

1ـ الحفاظ على الأمن والاستقرار: فخلال الفترة التي يغطيها التقرير، ومنذ بداية عودة دور الداخلية بعد حالة الانكسار التي تعرضت لها عقب ثورة 25 يناير، مارست السلطات الأمنية أبشع أنواع الانتهكات من اعتقال وقتل واغتصاب وإختفاء قسري تحت مبرر الحفاظ على الأمن القومي وأمن البلد، ولم تقتصر الانتهاكات على المعارضين السياسين فقط بل طالت عدد كبير من غير المسيسين.

2ـ محاربة الإرهاب: منذ فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في 14 أغسطس 2013، يحاول نظام الحكم في مصر أن يحول الصراع السياسي مع القوى السياسية الإسلامية على السلطة إلى صراع على الوطن من خلال وصم المعارضيين بالارهابيين ومحاولة استدراجهم الي تبني خيار العنف، وتقوم وزارة الداخلية بإدراج من يتعارض مع النظام القائم تحت بند التنظيمات الإرهابية، وحظرت الدولة عدة أحزاب سياسية وكيانات دعوية إسلامية ووصفتها بالإرهاب لكي تعتبرها ذريعة لتصفية الحسابات السياسية في ظل غطاء قانوني، وهو محاربة التنظيمات الإرهابية.

3ـ عمليات القتل في صفوف الشرطة: فقد ازدادت منذ 25 يناير 2015، عمليات القتل في صفوف عناصر الشرطة بسبب قيام بعضهم بعمليات قتل خارج إطار القانون إضافة إلى حالات الاغتصاب المتكررة على يد بعض الضباط وأمناء الشرطة، لفتيات ونساء تم اعتقالهن عقب الانقلاب العسكري، وهو ما دفع بعض ذوي المغتصبات بالقصاص من الفعالين أو المساهمين في تلك المخالفات وقتلهم، مما دفع أجهزة الأمن الى اتخاذ بعض هذه الحالات كذريعة للقتل الممنهج خارج إطار القانون وتصفية الحسابات الشخصية بحجة محاربة الإرهاب.

4ـ اغتيال النائب العام: حيث أدت عملية تفجير موكب النائب العام المصري السابق هشام بركات، في 29 يونيو2015،  إلى تحول مهم في تعامل الأجهزة الأمنية مع معارضي الانقلاب، وعلى الرغم من إدانة التيارات الإسلامية لعملية التفجير، إلا أن السطات المصرية حملت الإخوان مسؤولية اغتياله، في إشارة منها إلى اعطاء الضوء الأخضر للتخلص من قيادات الاخوان، حتى ولو خارج السلطة القضائية.

وثم عدة دلائل، تصب في هذا الاتجاه، وكان أبرزها ما قاله عبد الفتاح السيسي عقب تشييع جنازة هشام بركات، لبعض افراد السلطلة القضائية حول ما أسماه “العدالة الناجزة”، وأعطت تصريحات السيسي الضوء الأخضر لمزيد من التصفيات الجسدية والقتل خارج إطار القانون، وهو بالفعل ما حدث، وبعد يومين من مقتل النائب العام، قامت الشرطة المصرية بقتل 13 من قيادات جماعة الاخوان المسلمين في مدينة 6 أكتوبر، بذريعة تبادل إطلاق النار مع عناصر الأمن، ومقاومة السلطات.

5ـ عودة الصورة الذهنية للشرطة: فالممارسات والانتهكات الحقوقية من شأنها أن تعيد الصورة الذهنية التي رسمتها أجهزة الأمن عنها في أذهان الشعب المصري، والقائمة بالأساس على تخويف وإرهاب الجميع، بما يضمن لها الخضوع والخنوع وتنفيذ سياساتها دون تعليق أو تعقيب.

6ـ القضاء على أى حرك متوقع: فقبل الذكرى الخامسة للثورة، جاءت تحذيرات من جهات أمنية وإعلامية عدة من التظاهر، كان أبرزها تصريحات وزير الداخلية مجدي عبدالغفار، الذي اعتبر ان ما حدث في 25 يناير 2011 لن يتكرر مرة أخرى وأن هناك حملة  أمنية كبيرة للتصدى للخارجين على القانون والداعين للتظاهر في هذا اليوم، ومعتبراً أن 25 يناير لا يمثل الا عيداً الشرطة فقط. أيضاً هذه الرسالة تم تكرارها في وسائل الإعلام، عبر الأذرع الاعلامية للنظام.

وأصبح التناول الاعلامي لانتهاكات حقوق الإنسان وممارسات الداخلية يهدف في المقام الأول لتخويف وإرهاب قطاع كبير من المصريين المتذمرين من الأوضاع التي وصلت إليها البلاد، ومنعهم من الانضمام إلى صفوف الثوار باعتبار أن من يرفض النظام القائم مصيره القتل أو الاعتقال. فهذا التطور الجديد في موقف القوى الأمنية يهدف في الأساس لوأد أي حراك ميداني متوقع في أى وقت من الأوقات.

7ـ عدم الملاحقة القضائية: إن ارتفاع وتيرة الانتهاكات الحقوقية وعمليات التصفية، ترجع في جانب منها إلى اطمئنان العناصر الأمنية لعدم ملاحقتهم قضائيا وفق قانون الإرهاب الذي أصدره السيسي، والذي ينص على “ألا يُسأل القائمون على تنفيذ أحكام قانون الإرهاب جنائياً إذا استخدموا القوة لأداء واجباتهم أو لحماية أنفسهم”. حيث فتح فهذا النص المجال أمام عمليات القتل خارج إطار القانون، وتصفية حسابات وزارة الداخلية مع الثوار.

8ـ الصراع بين الشرطة والجيش: بعد انهيار جهاز الشرطة في يوم 28 يناير 2011، تدخلت قوات الجيش بدعوى الحفاظ على مؤسسات الدولة من الانهيار، وفرض الجيش هيمنته على الأوضاع على حساب الداخلية، وهو ما خلق نوع من الصراع بين عناصر الجيش وعناصر الشرطة حول تراجع دور وزارة الداخلية على حساب تعاظم دور المؤسسة العسكرية، وخاصة مع تعاظم الامتيازات التي تقدم بشكل كبير للقوات المسلحة مع تجاهل لعناصر الشرطة. وهي أمور دفعت أجهزة الشرطة للبحث عن دور جديد وقوى لإعادة السيطرة على البلاد، وجاء الافراط في انتهاكات حقوق الإنسان وعمليات القتل خارج القانون، شكلاً من أشكال تعزيز عودة الداخلية لدورها، وتقديم نفسها على أنها قادرة على الحفاظ على الأمن الداخلي دون مساعدة قوات الجيش للحد من نفوذ القوات المسلحة داخلياً.

المستوي الثالث

التحولات الإجرائية في المشهد المصري

يقصد بهذه التحولات المواقف والأزمات الطارئة التي تعرض لها النظام الحاكم في مصر بعد 3 يوليو 2013، وكان لها العديد من الانعكاسات على تطورات الأوضاع ومعدلات استقرار هذا النظام، والتي يمكن تناول أهمها على النحو التالي:

1ـ  تصاعد التوتر في النوبة:

في يناير 2016 أقر البرلمان القرار الجمهوري رقم 444 (نشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 3 ديسيمبر 2014، وينص على تحديد المناطق المتاخمة لحدود مصر)، الأمر الذي أثار غضب النوبيين حيث ينظر النوبيين الى القرار على انه الرصاصة الاخيرة لحلم العودة، حيث ان عدد من القرى النوبية القديمة على ضفاف بحيرة ناصر تدخل ضمن المناطق المحظورة في القرار رقم 444، وهو ما يعني حرمان النوبيين من عودتهم الكاملة إلى قراهم الأصلية التي هجروا منها في عام 1963 لبناء السد العالي. ونتيجة لذلك شهدت النوبة موجة غضب وحدوث اشتباك بين الأهالي وعناصر من الجيش.

2ـ الطائرة الروسية:

جاءت أزمة الطائرة الروسية في سيناء لتكشف عن مدي الانهيار الأمني الذي تعاني منه الأجهزة الأمنية في مصر، في وقت تشهد سيناء أعلى معدلات الانتشار الأمني والعسكري بين محافظات مصر المختلفة، وجاء هذا الحادث كذلك ليفرض المزيد من التداعيات عن اختراقات خارجية في منظومة الأمن المصري، وعدم قدرة النظام على فرض سيطرته على الأوضاع في البلاد، وهو ما من شأنه فرض المزيد من التحديات على كل القطاعات الحياتية والتنموية والاجتماعية في مصر. وخلال الأشهر الأخيرة، تصاعدت وتيرة الأحداث في سيناء بشكل جعل الجزء الشمالي منها وكأنه تقريبا خارج السيطرة(38).

وفي هذا الإطار، تأتي خطورة تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عن حق بلاده في الرد على إسقاط طائرتها “سياسياً وعسكرياً”. ثم قرار روسيا حظر رحلات شركة “مصر للطيران” إلى أراضيها، ثمَّ إعلان وزير النقل الروسي، مكسيم سوكولوف، أن آخر رحلة للطائرات الروسية إلى مصر ستكون نهاية نوفمبر 2015، لإجلاء من تبقى من السياح الروس في مصر39.

3ـ أزمة الطالب الإيطالي:

شهدت الفترة التي يغطيها التقرير أزمة مقتل الشاب الإيطالي جوليو ريجيني (28 عاماً، طالب دكتوراه بجامعة كامبريدج)، في مصر ووجود اتهامات لوزارة الداخلية المصرية بالتورط في الحادث، وقد نفت الوزارة (15 فبراير 2016) تورطها في الحادث وذكرت في بيان لها إنها ليست متورطة في مقتل “ريجيني”، أو أنها قبضت عليه قبلها، وأنها لم تصل لمعلومات مؤكدة حول أسباب وفاته بعد.

وفي المقابل أعلن وزير الخارجية الإيطالي أن الحكومة الإيطالية لن تقبل تفسيرات سطحية، بشأن مقتل الطالب الإيطالي “ريجيني” في مصر. وحتى تاريخ كتابة هذا التقرير لم يتم الإعلان عن نتائج التحقيق المشترك في مقتل “ريجيني”، ولم يتم الإعلان عن تحديد موعد لنشر نتائج التحقيق، مما يشير إلى استمرار أجواء التوتر بين الجانبين المصري والإيطالي، وإن كان تأثير هذا التوتر قد يظل محدودا في ضوء العلاقات والمصالح الاستراتيجية المشتركة بين الجانبين والتي يعد أهمها الاستثمارات القائمة بين البلدين والملف الليبي المتأزم(40).

وعلى خلفية قضية ريجيني، تقدم 7 من أعضاء البرلمان الأوربي (هم: جوديث سارجينتيني، كلاوس بوشنر، باربارا لوشبيهلر، برونيس روبي، إرنيت أورتاسون، إيجول شولتز، هايدي هوتالا، نيابة عن مجموعة فيرتز/ إيه إل إي)، بمشروع قرار يتضمن طلباً بضم قضية “ريجيني” إلى مناقشات حقوق الإنسان والديمقراطية وحكم القانون الملحقة بالقانون رقم (135) الخاص بقوانين الاجراءات، وتمت مناقشة المشروع وتعديله وإعادة تقديمه في التاسع من مارس 2016، من جانب عدد كبير من الأعضاء، وتمت الموافقة على المشروع المعدل في العاشر من مارس  2016(41)، بأغلبية كاسحة، وكان الدافع الرئيس للمشروع والقرار هو قضية “خطف” و”تعذيب” و”قتل” الباحث الإيطالي “جوليو ريجيني” في العاصمة المصرية القاهرة، وتعدد التقارير التي تشير إلى تورط الأجهزة الأمنية في مصر في هذه العمليات، التي جمعت في حالة واحدة عددا من جرائم وانتهاكات حقوق الإنسان في مصر التي يتعرض لها الاف الشباب المصري يوميا بعد انقلاب 3 يوليو 2013، وهي “الخطف”، ثم “الاختفاء القسري”، ثم “التعذيب الجسدي” ثم “القتل”.

وذكرت بعض الشهادات التي تناقلتها وسائل الإعلام الإيطالية حول ملابسات مقتل ريجيني أن خالد شلبي، مدير إدارة المباحث بمديرية أمن الجيزة، أصدر اﻷمر بالقبض على ريجيني إبّان الذكرى الخامسة للثورة في يناير الماضي، وأنه هو من أعلن سريعًا بعد اكتشاف جثمان ريجيني أن الأخير قد مات في حادث سير.

وأن رفض ريجيني اﻹدلاء بأي معلومات في غياب محاميه وممثل عن سفارة بلاده تسبب في نقله إلى مقر اﻷمن الوطني بمدينة نصر بناءً على أوامر أصدرها وزير الداخلية مجدي عبدالغفار، قبل أن يتعرض ريجيني للتعذيب هناك، ثم قام اﻷمن الوطني بتحويل اﻷمر إلى اللواء أحمد جمال الدين، المستشار الأمني للرئيس عبدالفتاح السيسي، والذي قرر نقله إلى المخابرات الحربية.

وأنه بعد أن فارق الحياة، تم نقل جثمان ريجيني إلى إحدى ثلاجات مستشفى كوبري القبة العسكري بعد تأكيد وفاته. وتحدد مصير الجثمان، حسبما جاء في الشهادة، بناءً على اجتماع عقده السيسي مع وزير الداخلية والسفيرة فايزة أبوالنجا، مستشارة الرئيس للأمن القومي، واثنين من قيادات الحرس الجمهوري(42).

وهذه الشهادات من شأنها تأكيد تورط أجنحة نظام السيسي في عملية الخطف والتعذيب والقتل، وهو ما سيكون له العديد من التداعيات شديدة السلبية على استقرار النظام وما يمكن أن يتعرض له من ضغوط خارجية، قد تدفع باتجاه تخفف الأطراف الخارجية من أعباء دعمه، أو قد تدفع النظام المصري الراهن إلى تقديم مزيد منالتنازلات في مواجهة هذه الأطراف.

4ـ حادث اختطاف الطائرة المصرية

في 30 مارس 2016 تم الإعلان عن اختطاف طائرة مصرية من مطار برج العرب بالاسكندرية وهي في طريقها إلى مطار القاهرة وتغيير اتجهاها إلى قبرص، في عملية استمرت اكثر من 6 ساعات، انتهت دون ووقوع خسائر في الأرواح او الممتلكات. وقد بدأ الحادث بقيام الخاطف (الذي ذٌكر أنه شخص مدان في أكثر من 16 قضية على أثرها تم الحكم عليه بالسجن بعدة سنوات) بتهديد طاقم الطائرة بأنه يحمل حزاماً ناسفاً مما أجبر طاقم الطائرة بالانصياع له والتوجه إلى قبرص.

وكان اللافت في القضية هي الطريقة التي اخترق بها هذا الشخص المطار وهو يحمل هذا الحزام الذي ادعي انه حزاماً طبياً وبعد القبض عليه اتضح ان الحزام مزيف ولا يحمل أي متفجرات، مما دفع في اتجاه ان القصة برمتها مفبركة من قبل جهات معينة للتغطية على حدث ما مهم يتم الاعداد له في مصر مثل إقالة رئيس الجهاز المركزي للمحسابات هشام جنينة الذي أدت إقالته إلى غضب كبير في الأوساط المصرية، لكن هذا الغضب لا زال مكتوماً ويتم التعبير عنه عبر الشبكات الاجتماعية فقط ولم يتحول إلى غضب فعلى في الشارع. وكان لهذا الحادث العديد من التأثيرات الإيجابية والسلبية للنظام السياسي القائم في مصر، فمن الناحية الإيجابية:

ـ الظهور بأن السلطات المصرية حققت نجاحاً كبيراً في حماية أرواح الركاب وانهت قضية خطف الطائرة دون خسائر.

ـ محاولة إلصاق تهمة خطف الطائرة للمعارضين وخاصة جماعة الإخوان المسلمين وهو ما ظهر فيما قيل إنه طلبات للخاطف بأن يتم الافراج عن معتقلين سياسيين في مصر، وهذه الخطوة تعد الأخطر وخاصة وأن الهدف منها ارسال رسالة لكل الأطراف الاقليمية والدولية بأن الأخوان المسلمين فصيل ارهابي وأن هناك تطور في تعامل الاخوان مع الجهات الأمنية والذي تحول من متظاهرين في الشوراع إلى القدرة على اختطاف الطائرات.

ـ التغطية على إقالة هشام جنينة ولفت انظار الشعب إلى أمر أخر.

أما من الناحية السلبية، فقد أثر هذا الحدث بشكل سلبي على الوضع الأمني للمطارات مما يزيد بشكل كبير في تأزم وضع السياحة واتخاذ عدة دول لاجراءات احترازية قبل الذهاب إلى مصر وهو ما قامت به بالفعل روسيا والتي أعلنت عن العدول عن استئناف الرحلات السياحية إلى مصر بعد هذه الواقعة، بجانب تأثر قطاع السياحة المتدهور بطبيعية الحال بشكل أساسي خاصة مع زيادة تخوف السياح من تكرار تجربة الطائرة المصرية.

خلاصات واستنتاجات

في إطار التحولات (الكلية، النوعية، الموقفية) التي شهدها النظام الذي تشكل بعد انقلاب 3 يوليو 2013، ومع إدارك طبيعة التحولات التي مرت بها القوى الرافضة والمناهضة لها لهذا النظام (والتي لم تكن محلاً للتحليل في هذا التقدير)، والتحولات الإقليمية والدولية والإقليمية التي تشهدها المنطقة (والتي لم تكن أيضا محلاً للتحليل في هذا التقدير)، يمكن الوقوف على عدد من الاستنتاجات، التي تعززها العديد من الدراسات العلمية، سواء التي قام بها المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، أو تلك التي قامت عليها مراكز بحث وتفكير استراتيجي، إقليمية ودولية، وتعززها كذلك القواعد المعلوماتية التي تم تكوينها بناء على حالات رفع الواقع الميداني المصري، وذلك على النحو التالي:

أولاً: أظهرت المناقشات والمعلومات التي يتضمنها هذا التقدير أن النظام الحاكم في مصر الآن برئاسة عبد الفتاح السيسي يمر بحالة تتميز بعدد من الملامح، من أهمها:

  • ترسيخ دور المؤسسة العسكرية في الحكم المباشر المستند الى درجة غير مسبوقة من القمع والبطش الأمني والسيطرة على المقدرات الأقتصادية للدولة.
  • انهيار الغطاء السياسي للنظام والاعتماد على مجموعات من أصحاب المصالح ترتبط مباشرة بالأجهزة الأمنية السيادية المتصارعة، وذلك للتعبير عن مصالحها.
  • ارتفاع وتيرة العنف سواء من جانب النظام ضد معارضيه من كافة الاتجاهات، أو بعض الأفراد والجماعات المتبنية للعنف، فضلا عن خروج أجزاء كبيرة من سيناء عن السيطرة.
  • وصول الاقتصاد المصري الى حالة تقترب من الانهيار في ضوء تراجع جميع المؤشرات المكونة له بشكل غير مسبوق.
  • تصاعد الاحتجاجات الاجتماعية والفئوية بين فئات جديدة من المجتمع المصري.
  • تصاعد الصراع بين الأجنحة المختلفة للسلطة، ووصولها في كثير من الأحيان الى العلن.

ثانياً: في إطار السيناريوهات التي تم وضعها ومناقشتها في التقديرات السابقة، فان سيناريو انزلاق البلاد الى دوامة من العنف والفوضى تتصاعد احتمالاته يوما بعد يوم، وأن استمرار الدعم الدولي والاقليمي للنظام العسكري الفاشل القائم حاليا، بما يطيل من عمره صناعيا، يساهم بشكل كبير في تغذية هذا السيناريو، والنتائج الكارثية التي يمكن أن تترتب عليه في مصر وكامل الجوار الاقليمي، فضلا عن الساحة الدولية، خاصة في القرب الجغرافي المتمثل في القارة الأوروبية.

ثالثاً: بالنظر لما سبق، فانه من الصعب تصور بقاء نظام السيسي لأكثر من نهاية فترته الرئاسية الحالية بعد نحو عامين من الآن، يمكن أن يكون التغيير عندها حاسماً، إلا أن المؤشرات تتسارع على أن التغيير سيكون أسرع من ذلك طبقاً لتطورات الأوضاع السابق الإشارة إليها، وفي ضوء تصاعد حالة عدم الرضا عنه حتى من حلفائه، وان كان من غير الواضح الان وجود ارهاصات قوية لحالة ثورية مرتفعة، الا أنه لا يوجد ما يمنع من حدوث ذلك بشكل مفاجئ لأن الثورات لا ترتبط بأوضاع قائمة أو موازين قوي داخلية أو إقليمية أو دولية، بل من الممكن أن تنفجر في أية لحظة لتوافر عوامل مثل هذا الانفجار.

رابعاً: أن التقارير الدولية الصادرة عن منظمات حكومية وغير حكومية، معروف عنها الموضوعية والحيادية، تؤكد كم التراجع في مكانة مصر على مختلف مستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وربط هذا التراجع في الجانب الأكبر منه بسياسات وممارسات نظام 3 يوليو 2013، والذي فرط في الكثير من الحقوق السيادية للدولة المصرية، في مقابل الاستمرار أولاً، والحصول على شرعية الاعتراف به ثانياً.

خامساً: أن السياسات الخارجية للنظام في مواجهة العديد من القوى الإقليمية والدولية، تفرض المزيد من التحديات على حاضر مصر ومستقبلها، في ظل سياسات التدمير الذاتي للقدرات، وفي ظل تورط النظام في التوقيع على العديد من الاتفاقيات، وفي ظل تدخله غير المشروع في كثير من الملفات، وهو ما يرفع ثمن الضريبة التي يمكن أن يتحملها أي نظام سياسي لاحق لهذا النظام، أياً كانت مرجعيته وقدراته.

سادساً: أن السياسات التي يتنبناها النظام العسكري الحاكم في مصر، والتي ترى فيها بعض الأطراف الإقليمية تدعيماً لسلطتها ونفوذها، أو تعظيما لمصالحها، هذه السياسات ذاتها ستكون أكبر تحد يواجه هذه الأطراف، لأن هذا النظام في ذاته هو مجرد أداة لقوى دولية من مصلحتها خلق حالة من الفوضي التي تعتقد أنها يمكنها أن تسيطر عليها وتتحكم في أطرافها وتطوراتها، على حساب ليس فقط النظم السياسية القائمة في المنطقة (سواء في السعودية أو تركيا أو إيران أو سوريا أو العراق أو اليمن أو فلسطين أو دول المغرب العربي) ولكن على حساب، وهو الأخطر وجود وبقاء هذه الدول في ذاتها، بحدودها الراهنة.

سابعاً: هناك ملمح هام يمكن الاشارة اليه رغم عدم مناقشته في هذا التقرير، وهو الأزمة الداخلية التي تمر بها جماعة الإخوان المسلمين الآن، والتي تشكل حجر الزاوية في مواجهة الانقلاب العسكري المصري، وفي مواجهة قوى الثورة المضادة في مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن. ان هذه الأزمة رغم ما يظهر من اثارها السلبية على الحراك الثوري، فانه من شأنها إحداث تغيير حقيقي في سياسات وخطط وتوجهات الجماعة نحو العديد من القضايا الإقليمية والدولية، وكذلك نحو العديد من الفواعل، خاصة وأن الثورات العربية كانت كاشفة للعديد من التحديات التي تواجه الجماعة وضرورة إعادة النظر فى آليات مواجهتها، وهو ما من شأنه، حال القدرة على الفعالية والحسم للتيار المتصاعد الذي يدعو للتغيير الشامل في الجماعة لتصبح أكثر ديمقراطية وشفافية وانفتاحا على التيارات الأخرى، أن يدفع باتجاه مزيد من القوة والحضور للجماعة، في وقت تشهد فيه معظم النظم السياسية والحدود الجغرافية تهديدات جذرية لوجودها.

ثامناً: أن التحولات الاستراتيجية التي شهدتها دول الثورات العربية، بداية من تونس، وصولا إلي سوريا، مروراً بليبيا ومصر واليمن والعراق، وما يمكن أن تشهده باقي دول المنطقة، وتحديداً السودان والجزائر والمغرب والسعودية، يفرض على جميع القوي السياسية الرافضة لممارسات الاستبداد والاستعباد، والساعية للقضاء على نظم التسلط والفساد، أن تعمل على التوافق فيما بينها، أو على الأقل التوافق على المشترك الذي يمكن أن يجمع بينها، فكراً كان أو ممارسة، والعمل وفق رؤية استراتيجية، على بناء تكتل شعبي داعم للتحولات الثورية عبر الإقليم، لأن السنوات الخمس الماضية، أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أهمية بل وحتمية هذا التكتل، رغم ما يعترضه من صعوبات وتحديات.

————————————–

الهامش

(1) المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، التقدير الاستراتيجي الثاني للثورة المصرية، أكتوبر 2015، الرابط

(2)  يؤكد هذا التقرير الصادر عن مؤسسة كارنيجي في 29 يناير 2016، والذي يؤكد على استمرار وثبات مستوي الحراك الشعبي الرافض للانقلاب العسكري، بل إن معدل الحراك بعد انقلاب 3 يوليو أكبر من تلك التي سبقت ثورة 25 يناير 2011، في عهد نظام مبارك، وقد قام المعهد المصري بإعدة نشر التقرير على موقعه الالكتروني، وذلك على الرابط.

(3) تم الاعتماد بدرجة كبيرة وبتصرف في هذا الجزء على دراسة: د. عبد الفتاح ماضي، تحولات الثورة المصرية في خمس سنوات، مجلة سياسات عربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، عدد 18، يناير 2016، ص ص 18 – 40.

(4) الأزمات تحاصر السيسي والفشل يزيد الاحتقان الشعبي، العربي الجديد، 12 فبراير 2016، الرابط

(5) الأزمات تحاصر السيسي والفشل يزيد الاحتقان الشعبي، العربي الجديد، 12 فبراير 2016، الرابط

(6) د.  مبارك الأشقر: خطاب السيسي، قراءة نفسية حركية، المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، 25 فبراير 2016، الرابط، تاريخ الزيارة، 5 أبريل 2016.

(7) د.  عصام عبد الشافي: قراءة سياسية في خطاب السيسي، ، المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، 25 فبراير 2016، الرابط، تاريخ الزيارة، 5 أبريل 2016.

(8) د. عبد الناصر عبد العال، قراءة في استراتيجية مصر للتنمية 2030، المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، 28/3/2016، الرابط، تاريخ الزيارة 5/4/2016.

(9) عبد الغني دياب، صباحي: لهذه الأسباب أطلقنا مبادرة صناعة البديل، مصر العربية، 6/3/2016، الرابط، تاريخ الزيارة 5/4/2016.

(10) الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية، 18/3/2016، الرابط، تاريخ الزيارة 5/4/2016.

(11) محمد عبد اللاه، أمريكا قلقة من تحقيق في مصر مع منظمات حقوقية والقاهرة ترفض الوصاية، نشرة رويترز العربية، 19/3/2016، الرابط، تاريخ الزيارة 5/4/2016.

(12) حسام بهجت، هكذا انتخب السيسي برلمانه، موقع مدي مصر، 8/3/2016، الرابط، تاريخ الزيارة، 5/4/2016.

(13) جريدة المال، بلتون: 3.6 مليار دولار من البنوك لإخفاء انكماش الاحتياطي الأجنبي، 9/2/2016، الرابط

(14) وزارة المالية المصرية، التقرير المالي الشهري، ديسمبر 2015، ص 1.

(15) المرجع السابق، ص2.

(16) البنك المركزي المصري، النشرة الاقتصادية الشهرية، ديسمبر 2015، جدول 36، ص 110.

(17) المرجع السابق، جدول 33، ص 96.

(18) بوابة الاهرام، رويترز: السعودية تمويل احتياجات مصر البترولية بـ 20 مليار دولار لمدة 5 سنوات، 5/4/2016، الرابط

(19) وزارة المالية المصرية، التقرير المالي الشهري، ديسمبر 2015، ص 3.

(20) موقع العربي الجديد، احتياطي مصر الأجنبي بالسالب لأول مرة منذ 23 عامًا، 3/11/2015، الرابط

(21) وزارة المالية المصرية، التقرير المالي الشهري، ديسمبر 2015، ص 18.

(22) الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، النشرة الربع سنوية لبحث القوى العاملة، نوفمبر 2015، الرابط

(23) نشر المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، ملفاً متكاملاً من 6 أجزاء، تتناول أوضاع الاقتصاد المصري، بعد انقلاب 3 يوليو 2013، تكشف جوانب ومؤشرات الانهيار والتراجع في نحو 30 مجالاً اقتصادياً.

(24) الأزمات تحاصر السيسي والفشل يزيد الاحتقان الشعبي، العربي الجديد، 12 فبراير 2016، الرابط

(25) نادين ثابت، محفزات تجدد الثورة بالأرقام: السياسات المصرية تزداد توحشا ، العربي الجديد، 24 يناير 2016، الرابط

(26) العربي الجديد، مؤسسة دولية تتوقع تباطؤ اقتصاد مصر في 2016، عدد 13 يناير 2016، الرابط

(27) في إطار المتابعة الدورية للمشهد الاقتصادي المصري، يقوم المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية بإصدار تقرير أسبوعي، لمتابعة التقارير المنشورة، يمكن متابعة الرابط التالي

(28) العربي الجديد، بوادر تذمّر في الجيش المصري: وزير الدفاع يستنفر لاحتوائها، 13 فبراير 2016، الرابط

(29) الأزمات تحاصر السيسي والفشل يزيد الاحتقان الشعبي، العربي الجديد، 12 فبراير 2016، الرابط

(30) في إطار المتابعة الدورية للمشهد في شبه جزيرة سيناء، يقوم المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية بإصدار تقرير أسبوعي، لمتابعة التقارير المنشورة، يمكن متابعة الرابط التالي

(31) الأزمات تحاصر السيسي والفشل يزيد الاحتقان الشعبي، العربي الجديد، 12 فبراير 2016، الرابط

(32) طارق نجم الدين، تفاصيل أكبر قضية فساد في وزارة الداخلية المصرية، العربي الجديد، 4 فبراير 2016، الرابط

(33) العربي الجديد، السيسي يخصص أراضي العاصمة الجديدة بمصر للجيش، 9 فبراير 2016، الرابط، تاريخ الزيارة، 12-2-2016

(34) 5 أزمات نقابية في عهد السيسى، المصريون السبت, 13 فبراير 2016، الرابط

(35) خالد فؤاد، تقرير تحليل اتجاهات الاعلام المصري، عدد 19 فبراير 2016، المعهد المصري، الرابط

(36) خالد فؤاد، تقرير تحليل اتجاهات الاعلام المصري، عدد 19 فبراير 2016، المعهد المصري، الرابط

(37) نادين ثابت، محفزات تجدد الثورة بالأرقام: السياسات المصرية تزداد توحشا ، العربي الجديد، 24 يناير 2016، الرابط

(38) يقوم المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية بإصدار تقارير رصد توثيقية دورية (أسبوعية وشهرية)، لتطورات الأوضاع الأمنية والعسكرية في مصر في ظل الانقلاب العسكري، وقد تم نشر تقرير تطورات الأوضاع في شبه جزيرة سيناء عن شهر يناير 2016، على الموقع الالكتروني للمعهد بتاريخ 4 فبراير 2016، على الرابط

(39) أسامة أبو ارشيد، هل تكون مصر الدولة الفاشلة المقبلة؟، العربي الجديد، 20 نوفمبر 2015، الرابط

(40) خالد فؤاد، تقرير تحليل اتجاهات الاعلام المصري، عدد 19 فبراير 2016، المعهد المصري، الرابط

(41) لمراجعة نص القرار الصادر في 10 مارس، الموقع الرسمي للبرلمان الأوربي، الرابط، تاريخ الزيارة 14 مارس 2016.

(42) موقع مدي مصر، صحيفة إيطالية: “مصدر أمني” يدّعي تورط الرئاسة والمخابرات الحربية في قضية “ريجيني”، الأربعاء, 6 أبريل 2016، الرابط، تاريخ الزيارة 6/4/20

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close