fbpx
تقديرات

الانتخابات الهندية للعام 2019: مواقف ومسارات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

انطلقت يوم 11 أبريل المنقضي، الانتخابات الهندية العامة بنسختها السابعة عشرة، وسيشارك فيها حوالي 900 مليون مواطن هندي، سينتخبون 543 نائباً في مجلس النواب على سبعة مراحل، يمثلون 29 ولاية، في دورة ستستمر لمدة خمس سنوات، وسيتم الإعلان عن الفائز رسمياً يوم 23 مايو، في دولة تعتمد النظام البرلماني حيث تكون القوة الحقيقية في يد رئيس الوزراء.

أهمية الانتخابات الهندية العامة

ترتبط الهند تاريخياً بالعديد من دول العالم، ولطالما لعبت دوراً مؤثراً في السياسة الدولية على مدى حضارتها التي تمتد لقرون وآلفيات عديدة، وهي تُعدّ ثاني دول العالم بعدد السكان، وهي في طريقها للحلول مكان الصين قريباً في هذا المجال، كما أنّ اقتصادها، رغم أنّه لم يبلغ أقصى قوته، يعدّ من الاقتصاديات العشر الأولى على مستوى العالم، ولذا فإنّ تأثير سياسات النخبة الحاكمة في الهند لطالما مسّت باقي دول العالم سواءً في العهود الإسلامية أو فترة الاستعمار وكذلك فترة الاستقلال، لأجل كل ذلك، تعتبر الانتخابات العامة الهندية التي تفرز رئيس وزراء الدولة التي تنهج نهج الحكم البرلماني، واحدة من أهم الانتخابات على مستوى العالم، وهي الدولة الديمقراطية الأولى بالمقارنة إلى عدد الناخبين.

لماذا الانتخابات الهندية مختلفة هذه المرة عن سابقاتها

تتميز الانتخابات الهندية هذه المرة بأهمية خاصة على المستوى الداخلي الخارجي، أمّا على المستوى الداخلي، فإنّ كثيراً من السياسيين والمراقبين يعدّون هذه الدورة الانتخابية أهم دورة في السنوات السبعين التي انقضت منذ استقلال الهند، إذ إنّهم يتوجسون خوفاً من إعادة انتخاب الحزب الحاكم، والذي يزعمون أنّه أحدث كثيراً من السياسات والقوانين التي تمسّ بعلمانية الدولة ومبدأ التعايش بين مكوّنات المجتمع والذي قامت عليه الدولة الهندية الحديثة، وأنّه في حال استكماله لمشروع القومي المتطرف فإنّه سيعمد إلى تكريس دولة الأغلبية الهندوسية، وهضم حقوق الأقليات من خلال تغيير الدستور، ما سيعني عملياً، ليس نهاية الحالة المجتمعية السائدة فحسب، ولكن نهاية الهند كما نعرفها اليوم[1]، أمّا في حالة فوز المعارضة فإنّ الهند ستحافظ على طبيعتها الديمقراطية الجامعة وهو ما سيعد مكسباً للديمقراطية في العالم.

كما أنّ هذه الانتخابات ستكون محورية في صناعة مستقبل الهند، والتي ستصبح قريباً أكثر دول العالم سكانًا، ما يعني مزيداً من الطلب على الغذاء وفرص العمل، فضلاً عن ضرورة استخراج مئات الملايين الهنود من تحت خط الفقر، كل ذلك ستحدده نتائج الانتخابات المقبلة.

أمّا على الصعيد الخارجي، فإنّ الهند تحاول اللحاق من الناحية الاقتصادية بغريمتها الآسيوية الصين، والتي باتت تمثلاً تهديداً كبيراً من وجهة النظر الهندية، وهذا أمر يحتاج إلى حكومة قوية تنهض بالبلاد وتقوم تغيير كبير في السياسة المحلية والدولية، وتقوم باستثمارات ضخمة على أكثر من صعيد.

تأثير الانتخابات الهندية على العالم العربي

للانتخابات الهندية تأثير كبير على العلاقة مع الدول العربية، خصوصاً دول الخليج، بالذات في مجال الاقتصاد، فهناك استثمارات متبادلة بعشرات المليارات، إذ يصل حجم التبادل التجاري إلى قرابة مائتي مليار دولار سنوياً، كما أنّ العمالة الهندية في هذه الدول تعدّ عصب الاقتصاد المحلي، فضلاً عن السياحة المتبادلة ومجالات الاستثمار الأخرى، كل ذلك سيتأثر سلباً أو إيجاباً بالضرورة، بسياسات الحكومة التي ستفرزها الانتخابات في الهند.

المشهد الانتخابي للعام 2019م

تجري انتخابات عام 2019م على وقع خسارات متتالية للحزب الحاكم في انتخابات الولايات التي جرت نهاية العام 2018م، وتقدم خصومه من الأحزاب المحلية وغريمه التاريخي حزب المؤتمر الوطني بزعامة راهول غاندي، والذي تشير استطلاعات الرأي أنّه قد فشل بكسب ثقة الناخبين كزعيم يمكن أن يحل محل رئيس الوزراء القوي ناريندرا مودي، ولكن مع ذلك فإنّ هذه الاستطلاعات تبيّن أنّ ناخبين يريدون معاقبة الحزب الحاكم لأسباب تتصل بسوء أدائه في الدورة السابقة، ولذا من المرجح أن تتوزع الأصوات التي سيخسرها الحزب الحاكم على الأحزاب المحلية وينال حزب المؤتمر جانباً هاماً منها أيضاً، بَيْد أنّ هناك أزمة حقيقة عند المعارضة التي لا تستطيع أن تتفق على ترشيح أحد قياديها كمنافس لمودي على منصب رئيس الوزراء.

لماذا فقد الحزب الحاكم الزخم الانتخابي

أظهرت نتائج الانتخابات الولائية التي جرت في بعض الولايات في نهاية العام 2018م تراجعاً حاداً في أداء الحزب الحاكم الانتخابي لصالح المعارضة، وهذا ما أكدته استطلاعات الرأي المحايدة والتي أظهرت هي أيضاً أن أداءه في الانتخابات العامة سيواجه صعوبات حقيقية، وفيما يلي أهم أسباب هذا التراجع:

قرارات اقتصادية غير موفقة

كان السبب الرئيسي لفقدان مودي لشعبيته قراران اقتصاديان مثيران للجدل:

أولاً: سحب الأوراق النقدية ذات القيمة العالية من التداول بشكل مفاجئ في نوفمبر/تشرين ثان 2016، وثانياً: تطبيق ضريبة السلع والخدمات في يوليو/تموز 2017.

لقد أضرت هذه القرارات بالأعمال التجارية الصغيرة والمتوسطة وعقدّت وضع الاقتصاد الهندي، وقد تلقّى هذان القراران انتقادات حادة من قبل الاقتصاديين البارزين، والأهم من ذلك أنّهما لم يلقيا الرضى من أغلبية المواطنين العاديين.

البطالة

من المتوقع كذلك أن تتسبّب البطالة المتزايدة والضغط المتصاعد على قطاع الزراعة، بحدوث بعض الصدمات الانتخابية لمودي في عام 2019، إذ ارتفع معدل البطالة مرتفع باضطراد، ووصل إلى أعلى مستوى له في 45 عامًا، بالغاً ما نسبته 6.1 % في يونيو 2018، وفقًا لتقرير حكومي تم تسريبه إلى مجلة بزنيس ستاندرد، ويشير التقرير إلى أنّ واحدًا من بين كل خمسة هنود تتراوح أعمارهم بين 15 و 29 عامًا عاطلون عن العمل.

الزراعة

تواجه الزراعة ظروفًا متزايدة الصعوبة، مع ارتفاع التكاليف وانخفاض أسعار المحاصيل، علماً بأنّ هناك ما يقدر بنحو 263 مليون مواطناً يعملون في هذا القطاع، في الهند، مما يجعلها دائرة سياسية ضخمة.

موقف الجيش في الانتخابات الهندية

مثّل الهجوم الدموي على القوات الهندية في كشمير، في شهر فبراير 2019م والتي راح ضحيته أكثر من 40 جندي هندي، علامة فارقة في علاقة الجيش مع رئيس الوزراء والحزب الحاكم، إذ بدا واضحاً للمراقبين أنّ هذه الحادثة قد وقعت في وقت مواتٍ جداً بالنسبة للحزب الحاكم، وأنّه بطبيعته اليمنية وتاريخه المعروف بالعداء لباكستان، سيوظفها كرافعة في الانتخابات والتي بات على الأبواب، خصوصاً بعد تراجع أدائه في الانتخابات الولائية التي جرت قبل أشهر قليلة من الهجوم.

ترافق مع ردود الفعل العسكرية التي قامت بها الهند حملات إعلامية ضخمة، اضطرت المعارضة إلى تأييد الحكومة في إجراءاتها ولم يُسمع سوى صوت نقد خافت من بعض النشطاء للقصور في تأمين القوات ومساءلة المسؤولين عن ذلك، وقد رفعت، بكل تأكيد، التأييد الشعبي لرئيس الوزراء وحزبه، الذي ادعى أنّه أوقع خسارات فادحة في معسكرات الإرهابيين على الجانب الباكستاني وأدّب حكومته، فيما كشفت وسائل الإعلام العالمية أنّه هذه الدعاوى لا رصيد لها من الواقع، في وقت حرصت فيه باكستان على تبريد الوضع بسرعة من خلال تسليم الطيّار الهندي الأسير الذي وقع في قبضتها عقب اسقاط طائرته، فبدأ النقد يتصاعد تدريجياً لأداء الحكومة، واستغلال الجيش من أجل تجييش العواطف الشعبية لصالحها، وهو ما أثار على ما يبدو، حتى بعض قيادات الجيش التي طالما التزمت الحيادية في موضوع السياسة الداخلية، أبرز تجليات ذلك كانت الرسالة التي نشرتها وسائل الإعلام الهندية الموقعة من قبل مجموعة من كبار الضباط المتقاعدين، ثمانية منهم رؤساء أركان سابقين وأكثر من 100 من المحاربين القدامى، والتي وجهوها إلى رئيس الدولة رام ناث كوفيند، يطالبون فيها بعدم توظيف الأحزاب السياسية للجيش سياساً، وجاء فيها المطالبة أيضاً بالمحافظة على علمانية الجيش وحياديته، وجاء في الرسالة “نناشدكم التأكد من الحفاظ على الطابع العلماني والسياسي للقوات المسلحة، وأشارت إلى ممارسات غير مقبولة قام بها القادة السياسيون بكشف الإجراءات العسكرية، ووصف القوات المسلحة بأنها “جيش مودي”.

ورغم نفي مكتب الرئيس بتلقي رسالة من هذا النوع وتنصل بعض الموقعين منها، فإنّها تطور مثير للاهتمام، لأنّها ظهرت في اليوم الأول من التصويت في انتخابات ينظر إليها إلى حد كبير على أنها استفتاء على رئيس الوزراء ناريندرا مودي[2].

مواقف القوى الدولية وتأثير ذلك المحتمل على الانتخابات

الموقف الأمريكي

هناك سببان هامان يجعلان الولايات المتحدة الأمريكية تفضّل بقاء مودي في الحكم، أهمها أنّها تعوّل كثيراً على الهند في مواجهة الصعود الصيني، ولذا فإنّها معنية بأنّ من يحكم الهند حكومة قوية تستطيع إدارة الدولة بكفاءة، وذات توجه يميني يمكنها أن تحشد الشعب خلفها تحت دعاوى وطنية، وهذا أمر لا يتوافر مع أية حكومة غير حكومة مودي، سواء شكلها حزب المؤتمر الذي يتعتبر تاريخياً حزب معارض للاستعمار رغم خلافه مع الصين، أو حكومة ائتلافية ستكون ضعيفة وغير قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة في موضوع بهذا الحجم.

السبب الثاني، وهو التوافق الكبير بين رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب ذو الخلفية اليمينية ورئيس الوزراء ناريندرا مودي، ولن يجد ترامب من يتكامل معه في السياسات والتوجهات مثل مودي وخصوصاً أنّ لديه علاقة قوية جداً مع بنيامين نتنياهو، وهو أمر هام للغاية في هذا السياق.

الموقف الصيني

خلافاً للولايات المتحدة الأمريكية، فيبدو أن الصين لا تفضل بقاء اليمين في السلطة، بسبب سياسته المتصلّبة بخصوص التكامل مع مبادرة الحزام والطريق الصينية، والتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية واليابان لإجهاض الصعود الصيني في قارة آسيا، ولذا فإنّه على الأرجح سيفضل حكومة أكثر براغماتية يمكنها أن تضمن الاستقرار في المنطقة وعدم استنزافها بمواجهات سواء مع الصين أو حليفها المقرب باكستان، وهو ما ينسجم مع سياسة الصين التي تقوم على ترسيخ الاستقرار كأرضية حتمية للنمو الاقتصادي.

الموقف الباكستاني

من الواضح أنّ باكستان ليست معنية اليوم بمواجهات مع الهند تستنزف وضعها الاقتصادي المتردي، وخصوصاً وأن رئيس الوزراء الجديد جعل مهمته المعلنة اصلاح الاقتصاد والارتقاء بالمستوى المعيشي للناس، وهو يشترك مع الصين في هذا التوجه، وقد انعكس ذلك في المواجهة القصيرة الأخيرة مع الهند والتي عمل على إنهائها بأقصر وقت ممكن مع توظيف الجوانب الدعائية لمصلحته، وكان رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان قد عبّر لبعض الصحفيين قبل أيام عن اعتقاده أنّ حكومة هندية يمينيّة قوية وحدها قادرة على تسوية المشكلات بين البلدين، وخصوصاً في كشمير، وهو ما يؤكده استقراء العلاقة بين البلدين في ظل حكم اليمين الهندي، أمّا إذا جاءت حكومة ائتلافية فإنّها ستكون أضعف من أن تقوم بهذا الدور، لذا فرغم عدم التوافق الأيدولوجي والسياسي بين الطرفين، فإنّ الباكستانيين اليوم قد يكونون راغبين بدعم حكومة يرأسها مودي أكثر من غيره.

الموقف الخليجي

بات من المعروف أن الموقف الخليجي قريب جداً من الموقف الأمريكي الإسرائيلي، والذي يرى في اليمين الهندي مكملاً له، ولذا فإنّ دول الخليج وخصوصاً الإمارات ستنسجم مع حكومة مودي أكثر من أية حكومة أخرى يمكن أن تأتي إلى السلطة، كما أنّ العديد من المشاريع البينية والسياسات الاقتصادية والأمنية تم توقيعها في زمنه، ويمكن أن يؤدي تغييره إلى قدر من الضرر أو عدم الاستقرار لهذه الملفات، ولذا فإنّ دول الخليج ستكون راغبة باستمرار مودي في الحكم، وخصوصاً أن البديل سيكون حكومة إتلافية-على الأرجح- وستكون أضعف من أن تتخذ سياسات جريئة في العلاقات الخارجية.

الموقف الإسرائيلي

تعد إسرائيل وبنيامين نتنياهو من أشد المؤيدين لناريندرا مودي وحكومته، وستعمل بكل ما أوتيت من علاقات ومقدرات على بقائها في الحكم وخصوصاً بعد نجاح نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية الأخرى، وهو يعوّل على تحوّل أكبر في موقف الهند تجاه القضية الفلسطينية، ومزيد من التعاون الاقتصادي والأمني والعسكري.

غرد ناريندرا مودي عشية فوز بنيامين نتنياهو بالانتخابات الإسرائيلية قائلاً: “صديقي العزيز بيبي، مبروك! أنت صديق عظيم للهند، وأتطلع إلى مواصلة العمل معكم من أجل الارتقاء بشراكتنا الثنائية إلى آفاق جديدة”. في إشارة واضحة أنّه يتوقع الاستمرار في الحكم.

السيناريوهات المحتملة

هناك العديد من السيناريوهات النظرية التي يمكن أن تطرح في سياق التنبؤ بمآلات الانتخابات العامة الهندية، منها على سبيل المثال فوز الحزب الحاكم بأغلبية مقاعد مجلس النواب، وهو بالنظر إلى الأداء السلبي للحزب الحاكم خلال الدورة السابقة، وانحدار نتائجه في الانتخابات الولائية التي أجريت في نهاية عام 2018م، وتراجع أدائه في استطلاعات الرأي، فإنّه من غير المرجح أن يحصل عدد المقاعد التي تؤهله أن يُشكّل الحكومة منفرداً، ولذا فإن هذا السيناريو غير مرجح على الإطلاق، أمّا الثاني، فهو فوز أحد أحزاب المعارضة بأكبر كتلة من المقاعد النيابية، ويبدو هذا السيناريو من خلال الاستناد على استطلاعات الرأي غير مرجح، وإن كان أداء أحزاب المعارضة سيتحسن بشكل كبير وسيؤدي ذلك إلى تآكل حصة الحزب الحاكم، ولذا فإنّنا لن نرى على الأرجح حزباً واحداً سيتفوق انتخابياً على الحزب الحاكم، حتى حزب المؤتمر الوطني الهندي الذي حكم الهند لعقود.

السيناريو الثالث هو تحالف بين الحزب الحاكم وأحزاب من المعارضة، يمكن أن يكون هذا السيناريو وارداً ولكنّه غير مرجح أيضاً، إذ أنّ أحد أهم أسباب نجاج أحزاب المعارضة هو معارضتها لسياسات الحزب الحاكم الممقوتة شعبياً، ولذا فإنّ التحالف معه سيضعه في موقف أقوى ويمكن أن يقدم بعض المكاسب لهذه الأحزاب، إلاّ أنّ سيطيح بشعبيتها ويمكن أن يؤدي إلى انشقاقات كبيرة فيها، وهو ما يُعد محاولة للانتحار، لذا فمن غير المرجح أن تنضم أحزاب معارضة كبيرة إلى الحزب الحاكم حتى لو كانت المغريات كبيرة.

السيناريو المرجح

لكن بالنظر إلى مجريات السياسة الداخلية الهندية فإننا يمكن أن نحصرها بسيناريوهات محدودة، فيبدو أن السيناريوهين الأقوى هما إمّا أن يحكم الحزب الحاكم بتحالف مع بعض الأحزاب الولائية، وهو الأرجح على ما يبدو بسبب أنّه ما زال يتمتع برصيد شعبي كبير وخصوصاً داخل قطاعات واسعة من الأغلبية الهندوسيّة، ولكن سيكون أمام تشكيل تحالف من هذا النوع صعوبات كبيرة، لأنّ غالبية الأحزاب التي انضمت إلى تحالف الحكومة سابقاً، لم تنضم لأسباب فكريّة، بل لأنّ أداء الحزب الحاكم كان كاسحاً وأرادت هذه الأحزاب أن تحقق بعض المصالح من الانضمام إليه، ولكن عندما يضعف أداؤه فإنّ مصلحة تشكيل تحالف من هذا النوع ستكون أضعف، ولذا فإنّ الأحزاب التي ستنضم إلى هذا التحالف ستطالب بمصالح أكبر وحصص أكبر في الحكومة، وهو ما سيضعف أداء الحزب الحاكم بكل تأكيد ويقوده إلى مزيد من تآكل شعبيته ومصداقيته، الأمر الذي يمكن أن يودي بفرصه بالعودة إلى الحكم في المستقبل.

السيناريو القوي الثاني وهو الأقل ترجيحاً بينهما، وهو أن يحكم تحالف المعارضة ما يعني أنّ الهدف من الانتخابات سيتلخص بمعاقبة الحزب الحاكم على إخفاقاته أثناء فترة حكمه، وليس وضع ثقة الناخبين في زعامة يمكن أن تقود البلاد نحو وضع أفضل، بالطبع يمكن للمعارضة أن تفوز بأغلبية مقاعد مجلس النواب، ولكن ليس من المضمون أن تشكّل تحالفاً حاكماً، وخصوصاً أنّ شعبية راهول غاندي رئيس حزب المؤتمر، وهو أكبر أحزاب المعارضة وأعرقها، في استطلاعات الرأي متدنيّة للغاية، وهذا يفسر سبب عدم تسمية المعارضة لمرشح لرئاسة الوزراء مقابل ناريندرا مودي، وكما أنّ أداء هذه الأحزاب أثناء فترة الإعداد للانتخابات وخلافاتها الكبيرة على تقاسم الدوائر، ينبؤ بخلافات أكبر على السلطة في حالة الفوز، وهي إن استطاعت أن تشكل الحكومة، فإنّها ستكون حكومة ضعيفة تتحكم بها مجموعة كبيرة من الأحزاب التي لها مصالحها المتعددة والمتعارضة أحياناً أمام حزب معارض قوي لها أيدولوجية صلبة وكوادر مخلصين ذوو تأهيل سياسي وتنظيمي عال، الأمر الذي لن يمكنها من تقديم إنجازات حقيقية وقد لا تستطيع إكمال دورتها كاملة واللجوء إلى انتخابات مبكرة، وخصوصاً إذا كان وصول المعارضة إلى الحكم قد تمّ بإرادة وترتيب حزب بهراتيا جانتا، على أمل أن تكون فترة حكم تحالف المعارضة بالغة السوء، فيضطر الناخبون إلى العودة إلى تأييده في الدورة الانتخابية القادمة.

في أي من هذين الاحتمالين فإنّ البلاد مقدمة، على الأرجح، على فترة من الاضطراب السياسي بسبب اضطرار كلا الفريقين، إن وصل إلى الحكم، إلى اللجوء إلى التحالف مع الأحزاب الصغيرة، والتي ستضعف الحكومة بطلباتها وتنازعها، ولن تمكنها من اتخاذ خطوات جريئة في أي من الملفات الهامة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ومحاولة المعارضة التي ستكون قوية، تعطيل الطرف الحاكم واثبات أنّه لا يستحق موقعه في الحكومة.

توصيات

يمكن تقديم بعض التوصيات المتصلة بالانتخابات بنتائجها المتوقعة إلى القوى العربية والإسلامية التي لها علاقة بالهند، أهمها ما يأتي:

أولاً: عدم الإعلان عن انحياز لأي من الفرقاء السياسيين، لأنّ ذلك لن يسهم سوى في إضعاف الطرف المرغوب وبنفس الوقت استعداء لخصومه، وخصوصاً في حالة فوزهم.

ثانياً: التأنّي باتخاذات أية مبادرات اقتصادية أو سياسيّة تجاه الهند ودراستها مطولاً، لأنّ هامش المخاطرة في المرحلة القادمة، على الأرجح، سيكون أكبر.

ثالثاً: عدم توقع أي تغير جوهري بالسياسة الخارجية الهندية، بغض النظر عمّن سيحكم في الفترة المقبلة.

الخلاصة

ستقود الانتخابات الهندية الحالية، إلى حكومة تمارس أعمالها في وضع قلق بسبب اضطرارها إلى نسج تحالفات مع الأحزاب الصغيرة، الأمر الذي من المرجح أن يترك أثراً سلبياً على الاستقرار السياسي والاقتصادي في المرحلة القادمة، وتصعف قدرتها على عمل اخترقات ذات بال في مجال علاقاتها الدولية، بغض النظر عمّن يحكم البلاد [3].


[1] link

[2] link

[3] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close