fbpx
تقارير

عالم مضطرب: خرائط الاحتجاجات والمآلات (3)

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقدمة:

تناولنا في الجزء الأول و الجزء الثاني من هذه السلسلة ظاهرة تنامي الاحتجاجات الشعبية والأزمات السياسية التي ضربت الكثير من الدول عبر العالم نتيجة الأزمات الاقتصادية التي أصبحت تعاني منها تلك الدول نتيجة موجات التضخم المتصاعدة، والتي ترتبت على تسارع ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الغذائية في أعقاب جائحة كورونا ثم اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية. حيث اندلعت هذه الاحتجاجات بشكل متزامن، وفي نطاقات جغرافية متباعدة، بما قد يشكل ظاهرة عالمية متنامية، وإن كانت أبعادها ومآلاتها لاتزال غير واضحة.

وترصد هذه السلسلة من المقالات أهم تطورات هذه الاحتجاجات ومآلاتها بمرور الوقت، لما يمكن أن يؤشر إليه انتشار هذه الظاهرة في بلدان أخرى قد تمر بظروف مشابهة، خاصة بعدما حدث في سريلانكا في ظل إعلان إفلاسها واحتدام أزماتها الاقتصادية والسياسية. وبشيء من التفصيل، نتناول جذور الأزمات التي أدت إلى هذه الاحتجاجات وتداعياتها في الدول التي اندلعت فيها، حيث يبدو أن الأمور تتجه بشكل متسارع من سيئ إلى أسوأ، في ظل استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية.

وينذر هذا الوضع بمزيد من التصاعد في مستويات التضخم في الاقتصاد العالمي، في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود، أو التهديدات الماثلة في شُحِّها حتى بانخفاض أسعارها نتيجة تنامي الركود العالمي أيضا، خاصة أن روسيا وأوكرانيا تعدان مصدّرين رئيسيين للعديد من السلع الأساسية، بما في ذلك الغاز والنفط والفحم والأسمدة والقمح والذرة والزيوت النباتية، وأن العديد من الاقتصادات في أوروبا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا تعتمد اعتماداً شبه كامل على روسيا وأوكرانيا للحصول على وارداتها من القمح بالذات. ولكن هذه التداعيات ستُعرّض الدول الأقل دخلاً لخطر الجوع وانعدام الأمن الغذائي، في ظل اضطراب سلاسل الإمداد وارتفاع الأسعار، مما سيؤدي أيضاً إلى تفاقم الضغوط الناجمة عن التضخم واتساع نطاقها.

وفي هذا المقال نواصل رصد الظاهرة وتنامي نطاق تداعياتها من خلال: أولاً، استعراض دول جديدة اندلعت فيها احتجاجات شعبية اعتراضا على ارتفاع تكاليف المعيشة إثر ارتفاع معدل التضخم العالمي وأثره على أسعار الوقود والغذاء؛ ثانياً، متابعة التطورات التي جرت في الدول التي تناولناها في الجزئين السابقين من هذه السلسلة، سواء استمرت فيها الاحتجاجات وتنامت، أو هدأت الاحتجاجات وتوقفت:

1- دول جديدة شملتها الاضطرابات:

وفيما يلي نستعرض الاحتجاجات التي اندلعت في دول جديدة لم يتم تناولها في الجزء الأول و الجزء الثاني من هذه السلسلة:

أولاً: بنجلاديش

تقع بنجلاديش في جنوب شرق آسيا، وهي من الدول شديدة الكثافة السكانية، حيث تحتل المركز السابع على مستوى العالم من حيث عدد السكان، إذ يبلغ عدد سكانها حوالي 165 مليون نسمة، وترتفع بها معدلات الفقر بشكل ملحوظ. وعلى إثر ارتفاع أسعار الوقود والذي بدوره يؤدي إلى ارتفاع أسعار العديد من السلع، اندلعت في  التاسع من أغسطس 2022، احتجاجات شعبية في بنجلاديش أدت إلى وقوع اشتباكات بين الشرطة من جانب ومتظاهرين من الطلاب وفئات أخرى من الشعب من جانب آخر، حيث سقط عدد من الجرحى من الجانبين جراء الاشتباكات. وفي ظل تلك الاحتجاجات التي اندلعت في بنجلاديش مؤخراً، يرى المحلل السياسي الروسي الشهير ألكسندر نازاروف، وآخرون، أن “انهيار الاقتصاد العالمي، للأسف، سيحدث أولاً في أفقر البلدان، وسيحدث في نهاية الأمر – في الولايات المتحدة.”

وكان موقع مودرن دبلوماسي المختص في ملفات السياسة الدولية قد نشر في الأول من أغسطس، أي قبيل اندلاع الاحتجاجات الشعبية هناك، مقالاً لنيشات تسنيم، الباحثة المستقلة في الدراسات الأمنية، تناولت فيه “تداعيات ارتفاع التضخم وتصاعد الأسعار عالمياً على بنجلاديش”، وأوصت الكاتبة بأنه يتعين على بنجلاديش اتخاذ التدابير المناسبة والكافية للتعامل مع التضخم وارتفاع الأسعار من خلال: المراقبة الفعالة للأسواق المحلية والعالمية، وتنويع وجهات الاستيراد، وكذلك زيادة الصادرات من خلال استكشاف أسواق جديدة. كما أوصت بالحاجة إلى أن تعمل الحكومة ورجال الأعمال وعموم الشعب معاً من أجل معالجة هذه الأزمة بشكل فعال، بالنظر إلى أنها بالأساس مشكلة عالمية لها تداعياتها في الداخل البنجلاديشي.

بينما كانت تتعافى دول العالم من الحرب التجارية والتباطؤ الاقتصادي الناجم عن جائحة كوفيد-19، أدت الحرب الروسية- الأوكرانية إلى تفاقم المشكلة القائمة بالفعل من خلال إرباك سلسلة التوريد العالمية وزعزعة استقرار الإنتاج. ونظراً لأن الاقتصاد قد أصبح أكثر عولمة وترابطاً الآن، فقد تسبب التأثير التراكمي لهذه الأزمات في تصاعد التضخم العالمي وبالتالي ارتفاع الأسعار.

التأثير التراكمي لهذه الأزمات في تصاعد التضخم العالمي وبالتالي ارتفاع الأسعار

ومثلها مثل باقي الدول في جميع أنحاء العالم، تتعامل تعاني بنجلاديش أيضاً مع التداعيات السلبية للتضخم العالمي، مثل ارتفاع معدل التضخم بالبلاد، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وارتباك سلسلة توريد السلع الأساسية، وانخفاض احتياطيات العملات الأجنبية. ومع ذلك، فمقارنة بدول جنوب آسيا الأخرى، لا تزال بنجلاديش تعمل كواحدة من أكثر الاقتصادات استقراراً في المنطقة.

ارتفاع معدلات التضخم العالمي وتصاعد أسعار الغذاء

بدأ التضخم الحالي وارتفاع الأسعار مع الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في عام 2018 عندما ارتفعت أسعار السلع في السوق العالمية بسبب الاضطراب والتأخير. وازداد الوضع سوءاً خلال جائحة كوفيد -19، حيث وصل معدل التضخم والأسعار إلى أعلى مستوى له على الإطلاق منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008.

وفي عام 2022، عندما كان السوق العالمي قد بدأ يتعافى من آثار جائحة كوفيد -19، اندلعت الحرب الروسية- الأوكرانية، حيث أثرت الحرب بشكل أكبر على السوق العالمية من خلال تعطيل اللوجستيات وسلاسل التوريد العالمية.

ونظراً لأن أوكرانيا تشترك في 12% من إجمالي إنتاج الغذاء عالمياً وتزود دول العالم بـ 17% من إنتاج الذرة؛ وأن روسيا تساهم في 16% من إنتاج الغذاء في العالم، بالإضافة إلى تصدير النفط والغاز والأسمدة والسلع الكيماوية، فإن حرب أوكرانيا تساهم في فورة التضخم التي يشهدها العالم حالياً.

كما أدت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على الاقتصاد الروسي إلى أن أصبح من الصعب على التجار الحفاظ على آلية العرض والطلب الطبيعية، مما يؤدي بدوره إلى زيادة أسعار المواد الغذائية والطاقة والسلع اليومية.

لذلك، تواجه دول العالم اضطرابات اقتصادية خطيرة، حيث وصل معدل التضخم في الولايات المتحدة إلى 8.6% في مايو، وهو أعلى مما كان عليه منذ عام 1981. كما تعاني أجزاء أخرى من العالم، بما في ذلك الأرجنتين والبرازيل والصين والهند وتركيا بسبب ارتفاع التضخم وزيادة أسعار المواد الغذائية والسلع اليومية.

كما سجلت الهند، ثالث أكبر اقتصادات آسيا، معدل تضخم بلغ 7.8% في إبريل، وهو أعلى معدل في السنوات الثماني الماضية. كما تباطأ النمو الاقتصادي في الهند إلى أدنى مستوى خلال عام في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022 بسبب ضعف طلب المستهلكين وسط ارتفاع أسعار السلع اليومية. وما بين سبتمبر 2021 إلى إبريل 2022، ارتفع أيضاً تضخم أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية في الهند من 0.68% إلى 8.38% على أساس سنوي.

كما تمر باكستان، إحدى دول جنوب آسيا، أيضاً باضطراب اقتصادي، بما في ذلك ارتفاع معدلات التضخم، وتراجع الاحتياطيات إلى أقل من شهرين من الواردات وانهيار العملة بشكل متسارع. وارتفع معدل التضخم في باكستان إلى 13.8% في مايو بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والوقود. وقفز معدل أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية فيها إلى 17.3% في مايو 2022.

تداعيات ذلك على بنجلاديش

باعتبار أن بنجلاديش تستورد زيت الطعام والأغذية والسكر والسلع الوسيطة وزيت الوقود والمواد الخام للإنتاج، فإنها أيضاً ليست محصنة ضد التأثير السلبي للتضخم العالمي وتضخم أسعار المواد الغذائية والمستهلكين. فوفقاً للبيانات التي نشرها مكتب الإحصاء البنجلاديشي، ارتفع معدل التضخم في بنجلاديش بنسبة 7.42% الشهر الماضي (يوليو)، مقابل 4.87% قبل عام، بينما تسارع معدل تضخم المواد الغذائية إلى 8.3%. ارتفعت أسعار المستهلك في بنجلاديش بنسبة 7.42% في مايو وهو أعلى مستوى لها في خلال 8 سنوات.

وأدت الزيادات الحالية في أسعار الغذاء العالمية إلى ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية في بنجلاديش. وبالإضافة إلى الغذاء، فنظراً لأن بنجلاديش تستورد أيضاً الطاقة، فقد انعكست الأسعار المتزايدة للنفط والغاز والوقود في السوق العالمية بالفعل على الأسعار المحلية للطاقة. وبالتالي، تأثرت قطاعات مثل النقل والزراعة بشكل سلبي. وبالإضافة إلى ذلك، فبسبب أزمة الطاقة التي أصبحت تلوح في الأفق، تعاني بنجلاديش مثل العديد من دول جنوب آسيا الأخرى من انقطاع التيار الكهربائي كنتيجة لمحاولة ضبط نقص الطاقة.

ومع ذلك، فوفقاً للنتائج الرئيسية التي توصلت إليها مؤسسة المعرفة والموارد  ومركز بنجلاديش والشؤون العالمية، أظهرت بنجلاديش مرونة من حيث معدلات التضخم وتضخم الغذاء ونقص احتياطي العملات الأجنبية، في الوقت الذي تعاني فيه معظم البلدان من العالم النامي من تقلبات السوق والأزمة الاقتصادية.

وفيما يتعلق بتضخم الغذاء في جنوب آسيا، تتمتع بنجلاديش أيضاً ب بأسعار أغذية مستقرة نسبياً (8.84%) مقارنة بدول أخرى مثل سريلانكا (30.7%) وباكستان (17.04%).

وفيما يتعلق باحتياطي العملات الأجنبية، فلا تزال بنجلاديش في وضع جيد مقارنة بالدول المجاورة لها على الرغم من الأزمة التي نتجت عن جائحة كوفيد-19 وحرب أوكرانيا. حيث انخفض احتياطي العملات الأجنبية في الهند من 7.5 مليار دولار إلى 572 مليار دولار حتى يوليو 2022. وفي باكستان، انخفض من 23.2 مليار دولار إلى 16.4 مليار دولار، بينما انخفض احتياطي النقد الأجنبي لبنجلاديش من46.1 مليار دولار إلى 39.77 مليار دولار في يوليو 2022.

وعلى الرغم من أن بنجلاديش لا تزال واحدة من الاقتصادات المستقرة في جنوب آسيا، إلا أن التضخم العالمي الممتد وارتفاع أسعار المواد الغذائية تؤثر بطبيعة الحال سلباً على الناس والاقتصاد في بنجلاديش من حيث زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وزيادة عدد الأسر التي تقع تحت مستوى الفقر، مما خلق ضغطاً اقتصادياً جديداً على الطبقة الوسطى، وزيادة معدل البطالة، فضلاً عن تهديد استمرارية الشركات الصغيرة التي عانت بالفعل من خسائر من حيث الوظائف والدخل خلال فترة جائحة كوفيد-19 – وبالتأكيد تؤدي هذه الضغوط الاقتصادية أيضاً إلى اندلاع اضطرابات اجتماعية وسياسية بين الناس.

لذلك، فقد حان الوقت لبنجلاديش لاتخاذ التدابير المناسبة والكافية للتعامل مع التضخم وارتفاع الأسعار من خلال المراقبة الفعالة للأسواق المحلية والعالمية، وتنويع وجهات الاستيراد وكذلك زيادة الصادرات من خلال استكشاف أسواق جديدة. ونظراً لأنها مشكلة عالمية، فعلى الحكومة ورجال الأعمال وعامة لشعب العمل معاً للتعامل مع الأزمة بشكل فعال.

ثانياً: سيراليون

تقع سيراليون على الساحل الجنوبي الغربي لأفريقيا ويبلغ عدد سكانها حوالي ثمانية ملايين نسمة. وعلى الرغم من ثروتها المعدنية الضخمة، حيث تُعتبر سيراليون مُنتجاً رئيسياً للالماس والتيتانيوم والبوكسيت والذهب، فإن أكثر من 70% من سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر.

وقد تفاقم الإحباط المستمر منذ فترة طويلة تجاه الحكومة في بعض المناطق بسيراليون بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية في البلاد. فاندلعت في البلاد احتجاجات دامية مناهضة للحكومة في العاشر من أغسطس أعلنت على إثرها السلطات حظر تجوال في عموم البلاد، حيث قالت الحكومة إنها تسببت في سقوط عدد من القتلى لم يُكشف النقاب عنه، بينهم أفراد من قوات الأمن.

سقوط عدد من القتلى لم يُكشف النقاب عنه، بينهم أفراد من قوات الأمن.

وقد بدأ حظر التجول الساعة الثالثة بعد الظهر بالتوقيت المحلي، في محاولة لوقف العنف الذي اندلع في البلاد نتيجة ارتفاع الأسعار، حيث تعاني البلاد من ارتفاع التضخم وأزمة في الوقود. وكانت مقاطع مصورة نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي قد أظهرت حشوداً كبيرة من المتظاهرين وأكواماً من الإطارات المشتعلة في شرق مدينة فريتاون. وظهرت في لقطات أخرى مجموعة من الشبان تقذف الحجارة في شارع مليء بالدخان الأبيض ومجموعة أخرى تهاجم رجلاً على الأرض، بحسب وكالة رويترز.

وقال نائب الرئيس السيراليوني محمد جلدة جلوه، في خطاب مصور: “هؤلاء الأفراد عديمو الضمير قد شرعوا في احتجاج عنيف وغير مصرح به أدى إلى إزهاق أرواح أبرياء من سيراليون، بينهم أفراد أمن ولكنه لم يذكر كم بلغ عدد القتلى. وأضاف “بناء على ذلك تعلن الحكومة حظر التجول على مستوى البلاد. القطاع الأمني مفوض بتطبيق هذا الأمر تطبيقاً كاملاً”.

وفي وقت سابق، قال مرصد نت بلوكس لتتبع اضطرابات شبكة الإنترنت إن سيراليون تواجه انقطاعاً شبه كامل للإنترنت وإن مستوى الاتصال بالشبكة في البلاد يمثل خمسة في المئة من المستويات الطبيعية. ويوم الثلاثاء، طلب منسق الأمن القومي من القوات المسلحة الاستعداد لدعم الشرطة في الفترة من التاسع إلى 12 أغسطس، محذراً من “وضع أمني متقلب”، وفقاً لرسالة داخلية تم نشرها على نطاق واسع على الإنترنت.

وفي 11 أغسطس نقلت رويترز عن الشرطة السيراليونية ومصادر أخرى أن العشرات قد لقوا حتفهم في الاحتجاجات المناهضة للحكومة والتي اندلعت في سيراليون  في العاشر من أغسطس، مما أدى إلى ارتفاع حاد في عدد القتلى الذين لقوا حتفهم في اشتباكات الأربعاء، 10 أغسطس، حيث ظل المواطنون المصابون بالصدمة قابعين خلف أبواب مغلقة في العاصمة فريتاون. وبحسب رويترز، فإن ستة من ضباط الشرطة وما لا يقل عن 21 مدنياً قد قتلوا في الاشتباكات، حيث خرج المئات إلى الشوارع بسبب الإحباط من الصعوبات الاقتصادية وفشل الحكومة في التخفيف من تأثير ارتفاع الأسعار.

الإحباط من الصعوبات الاقتصادية وفشل الحكومة في التخفيف من تأثير ارتفاع الأسعار

وعلى الرغم من أنه كان قد قُتل عدد قليل من الأشخاص في احتجاجات منعزلة في مدن أخرى في السنوات الأخيرة، إلا أن هذه والاضطرابات غير مسبوقة بالنسبة لسيراليون، خاصة في فريتاون عاصمة البلاد. وأظهر مقطع فيديو تحققت منه رويترز من فريتاون ضابط شرطة وهو يطلق النار من مسدس على حشد من المتظاهرين.

وقال دانيال ألفا كامارا، وهو طالب جامعي: “الناس هنا مستاؤون من نظام العدالة في البلاد، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار اليومي والصعوبات الاقتصادية”. وبحسب المواطن سليمان طوراي، البالغ من العمر 19 عاماً والمقيم في شرق فريتاون، فإنه سار لفترة وجيزة في أحد التظاهرات قبل أن تبدأ الشرطة في إطلاق الغاز المسيل للدموع على جموع المحتجين، وقال إنه رأى من شرفة منزله لاحقاً متظاهرين أثناء إطلاق الشرطة النار عليهم. وقال طوراي لرويترز “أعتقد أن الناس قد أصيبوا بالصدمة. إنها ليست الدولة التي نعرفها. سيراليون مكان ينعم بالسلام.”

وقال الرئيس السيراليوني جوليوس مادا بيو “بصفتنا حكومة البلاد، نتحمل مسؤولية حماية كل مواطن في سيراليون.” وأضاف: “ما حدث اليوم كان مؤسفاً وسيتم التحقيق فيه بشكل كامل”.

وأظهرت صور أخرى تم التحقق منها أيضاً من فريتاون سحبا من الدخان والغاز المسيل للدموع، حيث ألقت حشود كبيرة الحجارة على الشرطة وقاموا بإحراق الإطارات، وقام ضباط مسلحون على إثر ذلك بدوريات في الشوارع. وقد تركزت الاحتجاجات في معقل المعارضة الشمالية والعاصمة فريتاون.

لطالما ظلت خيبة الأمل التي يشعر بها المواطنون في سيراليون تحت السيطرة، ولكنها تفاقمت مؤخراً بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية. وصرح وليام فييا سيلو المفتش العام للشرطة لرويترز إن حصيلة قتلى الأربعاء شملت ضابطي شرطة قتلوا في فريتاون وثلاثة في بلدة كاماكي الشمالية وواحد في مدينة ماكيني الشمالية. وقال موظفو المشرحة الرئيسية بالمدينة إن 13 مدنيا على الأقل قتلوا بالرصاص في فريتاون. وقالت مصادر طبية إن أربعة مدنيين قتلوا في كاماكوي وأربعة آخرين في ماكيني.

وقال سكان إن هدوءا مخيفا عاد إلى فريتاون يوم الخميس ١٢ أغسطس مع إغلاق المتاجر وبقاء الناس فيها خوفا من الاضطرابات. ذكر مرصد الإنترنت نت بلوكس أن الإنترنت انقطع لمدة ساعتين يوم الأربعاء ١١ أغسطس، وانقطع مرة ​​أخرى طوال الليل. وقالت الشرطة إن حظر التجول سيظل ساري المفعول اعتباراً من الساعة 7 مساءً. حتى الساعة 7 صباحاً بالتوقيت المحلي من ١٢أغسطس، بعد أن فرضت الحكومة في الساعة 3 مساءً يوم الأربعاء حظر التجول في  البلاد  في محاولة لوقف العنف.

وفي تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز في 12 أغسطس عن الاحتجاجات التي اندلعت في سيراليون في العاشر من أغسطس قالت الصحيفة الأمريكية إنه سرعان ما تحولت تلك المظاهرات التي عمّت البلاد احتجاجاً على ارتفاع الأسعار إلى احتجاجات دموية وقتال شوارع خلفت وراءها الكثير من القتلى والجرحى، جراء الاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين، بعد تفجر الأوضاع بسبب المظالم الاقتصادية التي طال أمدها في البلاد، والتي تفاقمت بسبب أزمة الغذاء العالمية، حيث خرج الناس إلى الشوارع بسبب ارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية. وأدت تلك الاشتباكات إلى مقتل عدد كبير من المتظاهرين ورجال الشرطة، وفرضت الحكومة على إثر ذلك حظر تجوال في عموم البلاد.

انضم المئات من المتظاهرين السياسيين يوم الأربعاء ١٠ أغسطس إلى البائعات الجائلات

وقد انضم المئات من المتظاهرين السياسيين يوم الأربعاء ١٠ أغسطس إلى البائعات الجائلات اللواتي نظمن تجمعات سلمية الشهر الماضي احتجاجاً على ارتفاع تكاليف المعيشة، حيث اشتبك المتظاهرون مع الشرطة وطالبوا باستقالة الرئيس بسبب ما يُتصور من فشل الحكومة في مواجهة ارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية.

وخلال الاشتباكات، قُتل ما لا يقل عن أربعة ضباط شرطة، وفقاً لبيان للشرطة، كما قتل عدد غير معروف من المتظاهرين أيضاً، وفقاً لوزير الإعلام السيراليوني وتقارير إخبارية متعددة. وبعد يوم من الهدوء، يوم الخميس، تظاهر المتظاهرون من جديد يوم الجمعة ١٢ أغسطس في العاصمة فريتاون، حيث أطلقت الشرطة الذخيرة الحية على حشود المحتجين، وفقاً لمقاطع فيديو انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، بينما ولم يتضح على وجه الدقة مدى الاصابات.

وأبرزت الاحتجاجات في تلك الدولة الواقعة في غرب أفريقيا والتي يبلغ عدد سكانها ثمانية ملايين نسمة كيف كان لارتفاع التضخم وتأثير الحرب في أوكرانيا والتداعيات المترتبة على جائحة فيروس كورونا عواقب متتالية على الاستقرار الاجتماعي في جميع أنحاء العالم.

حيث أجبرت الاحتجاجات التي اندلعت على مدى شهور في سريلانكا بسبب الصعوبات الاقتصادية ونقص الوقود والغذاء، الرئيس جوتابايا راجاباكسا على التنحي عن الحكم الشهر الماضي.

كما اندلعت احتجاجات في دول أخرى مثل الإكوادور وغانا، التي بلغ معدل التضخم فيها الشهر الماضي أعلى مستوى له منذ ما يقرب من عقدين من الزمن.

وفي إحدى أفقر بلدان العالم، سيراليون، تراكمت آثار أزمة الغذاء الأخيرة على التحديات الاقتصادية القديمة – لا سيما في أعقاب تفشي الإيبولا وجائحة فيروس كورونا، ضمن أمور أخرى.

وقال الحاج يو نجاي، المحلل الاجتماعي والسياسي السيراليوني، إنه بخلاف المصاعب الاقتصادية، أدت الحملة المتزايدة من الحكومة على حرية التعبير والحق في الاحتجاج إلى تأجيج السخط في سيراليون، مما أدى إلى تفاقم التوترات هذا الأسبوع.

وقال السيد نجاي، أستاذ العلوم البيئية في كلية فوره باي بجامعة سيراليون: “كان يوم الأربعاء نقطة تحول لشيء كان يختمر منذ شهور في البلاد”. لقد أدى ذلك إلى تجميع مجموعات مختلفة تماماً، لكنها كانت موحدة بسبب الصعوبات الاقتصادية.

ومع تصاعد التوترات يوم الأربعاء ١٠ أغسطس، ألقى المتظاهرون الحجارة على سيارات الشرطة وأشعلوا النيران في الشوارع وضربوا ضباط الشرطة بالعصي والحجارة. واستخدمت قوات الأمن الذخيرة الحية ضدهم، وتم إغلاق الإنترنت لفترة وجيزة.

وقتل ضابط شرطة في فريتاون وقُتل ثلاثة آخرون في بلدتين في شمال شرق البلاد، بحسب بيان للشرطة. كما تم إحراق العديد من مراكز الشرطة، واعتقال أكثر من 100 متظاهر.

وفي خطاب تلفزيوني يوم الجمعة ١٢ أغسطس، قال الرئيس جوليوس مادا بيو، رئيس سيراليون، “سيتم حماية المتظاهرين السلميين بالكامل من قبل مسؤولي إنفاذ القانون” حتى مع اتهام الشرطة بالرد بعنف غير متناسب على المتظاهرين.

وقدم السيد بيو تعازيه للأسر المنكوبة وقال إن المسؤولين عن مقتل ضباط الشرطة سيقدمون إلى العدالة، لكنه لم يذكر تفاصيل عن عدد الضحايا المدنيين.

قدم السيد بيو تعازيه للأسر المنكوبة وقال إن المسؤولين عن مقتل ضباط الشرطة سيقدمون إلى العدالة

وتمتعت سيراليون باستقرار نسبي منذ خروجها من حرب أهلية بين عامي 1991 و 2002 خلّفت وراءها، وفقاً للأمم المتحدة، ما لا يقل عن 70 ألف قتيل و 2.6 مليون نازح.

لكنها لا تزال من بين أفقر دول العالم على الرغم من مواردها المعدنية الهائلة. ويعاني ما يقرب من 30 في المائة من سكان سيراليون من الجوع المزمن، وفقاً لبرنامج الغذاء العالمي، ويعيش أكثر من نصف سكانها تحت خط الفقر.

وقد زاد تضخم الغذاء بالفعل بسبب آثار جائحة كوفيد -19، لكنه وصل إلى مستويات عالية جديدة هذا العام. وارتفعت كذلك تكلفة الأسمدة إلى أكثر من الضعف خلال العام الماضي، وفقاً لمزارعين من سيراليون استشارتهم وكالة الإغاثة الإنسانية غير الحكومية “كير”.

وفي الشهر الماضي، أزال البنك المركزي في سيراليون ثلاثة أصفار من أوراقه البنكية، على أمل استعادة الثقة في العملة وتقليل كمية النقود الورقية المتداولة مع الحفاظ على قيمتها دون تغيير.

وتُعتبر سيراليون واحدة من بين 60 دولة حددتها الأمم المتحدة على أنها تكافح من أجل تحمل تكاليف واردات الغذاء، وفقاً لرسالة بريد إلكتروني مسربة اطلعت عليها صحيفة بوليتيكو. حيث يمثل الغذاء حوالي ثلث واردات البضائع في سيراليون.

وأصدرت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة نداءات للتهدئة هذا الأسبوع.

وحثت منظمة العفو الدولية، الجمعة، السلطات في سيراليون على محاسبة المسؤولين عن مقتل المتظاهرين.

وقالت ميشيل إيكن، باحثة المنظمة في غرب ووسط أفريقيا، في بيان: “عند العمل على ضبط التجمعات، يكون على قوات الأمن التزام بتقليل الأذى والإصابات”.

وقال وزير الإعلام السيراليوني، محمد رحمن سواري، إن الاحتجاجات نظمتها المعارضة لزعزعة استقرار الحكومة، ونفى أن تكون المظالم الاقتصادية قد حفزت المحتجين.

وقال السيد رحمن سواراي في مقابلة عبر الهاتف: “كانت أعمال الشغب يوم الأربعاء عملاً منظماً بشكل كبير لإزاحة حكومة شرعية”، واصفاً المظاهرات بـ “الانقلاب الفاشل”.

وأضاف “لا أحد يربح في حالة الحرب”.

وفي مقابلة مع بي بي سي يوم الخميس، ألقى الرئيس بيو باللوم على القوى الخارجية في الاضطرابات.

وقال: “لدينا عدد قليل من السيراليونيين الذين يعيشون في الشتات والذين هددوا بإطلاق العنان للإرهاب في سيراليون”، في إشارة واضحة إلى معلق سيراليوني مناهض للحكومة يعيش في هولندا دعا إلى الاحتجاجات هذا الأسبوع.

قال المحلل نجاي عن المعلق الذي له عدد كبير من المتابعين بين الشباب والمعروف فقط باسمه المستعار: “كان الرئيس يشير في الغالب إلى أديبايور وعناصر هامشية أخرى قد تكون مناهضة للحكومة”.

وأضاف متحدثا عن أديبايور: “لقد تمكن من ملء فراغ هائل، بسبب عدم الثقة في الحكومة”. “الناس يستمعون إليه دينيا”.

ويوم الجمعة ١٢ أغسطس، كان حظر التجول لا يزال ساري المفعول حتى مع عودة الهدوء إلى فريتاون. وشوهدت القوات العسكرية وهي تقوم بدوريات في الشوارع.

وبين عشية وضحاها، تم تدمير الآلاف من الأكشاك التي كانت تصطف في أكثر أسواق الشوارع شعبية في فريتاون، حيث تعمل العديد من المتظاهرات.

ولم يتضح من يقف وراء هذا التدمير، لكن عمدة العاصمة فريتاون، إيفون أكي سوير، المعارضة للحكومة الحالية، قالت في بيان إن مجلس المدينة ليس مسؤولاً عن ذلك الفعل.

2- تطورات الاحتجاجات والاضطرابات

وفيما يلي التطورات التي جرت خلال الفترة القليلة الماضية في الدول التي تناولناها في الجزء الأول و الجزء الثاني من هذه السلسلة:

أولاً: جنوب أفريقيا

 تناولنا في الجزء الثاني من هذه السلسلة الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في  جنوب أفريقيا في يوليو والتي سرعان ما تحولت إلى “أعمال الشغب بسبب ارتفاع أسعار الطاقة وانخفاض مستويات المعيشة. ودفع تصاعد الاحتجاجات الحكومة إلى البحث عن سبل لحل المشكلة وتهدئة الشارع. حيث كان المتظاهرون قد أغلقوا طريق إمداد رئيسي في جنوب أفريقيا وأعاقوا تسليم السلع، احتجاجا على زيادة أسعار الوقود.

وعلى إثر ذلك، أعلنت حكومة جنوب أفريقيا في أواخر يوليو عن خفض أسعار الطاقة لتبدأ سريانها من 3 أغسطس، مما كسر بشكل كبير حدة الاحتجاجات التي كانت قد اندلعت في البلاد. حيث أعلنت وزارة الثروة المعدنية والطاقة، في ٣٠ يوليو عن انخفاض أسعار الوقود بداية من الثالث من أغسطس. وأدت هذه الانخفاضات إلى تهدئة الشارع إلى حد كبير، حيث بدأ بالفعل تطبيق خفض سعر الوقود اعتباراً من 3 أغسطس 2022.

التطورات:

وحول تطورات الأحداث والاحتجاجات في جنوب أفريقيا، نقل موقع نيوز24 في 5 أغسطس أن اتحاد نقابات عمال جنوب أفريقيا كان يعتزم تنظيم إضراب وطني في البلاد في 24 أغسطس (وهو ما تم بالفعل)، احتجاجا على ارتفاع الأسعار والكلفة العالية المترتبة على ذلك والتي تثقل كاهل العمال وعموم المواطنين.

وقالت روث نتلوكوتس، رئيسة اتحاد نقابات عمال جنوب أفريقيا، في أثناء انعقاد مؤتمر قمة الطبقة العاملة إن الاتحاد سيُنظم إضراباً وطنياً في 24 أغسطس. حيث يحتج اتحاد النقابات العمالية في جنوب أفريقيا والشركات المنتسبة إليه والشركاء الاجتماعيون على ارتفاع تكاليف المعيشة، وانقطاع التيار الكهربائي (تخفيف الأحمال)، و “خصخصة” الكيانات المملوكة للدولة.

وطالب الشركاء الاجتماعيون في قمة الطبقة العاملة لاتحاد النقابات بجنوب أفريقيا الحكومة بتوسيع حماية المنح الاجتماعية وتقديم منحة دخل أساسية. وقالت قيادة اتحاد نقابات العمال في جنوب أفريقيا إن إضراباً وطنياً سيتم تنظيمه في 24 أغسطس في جميع أنحاء البلاد احتجاجاً على ارتفاع تكاليف المعيشة وانقطاع التيار الكهربائي والتحديات الاقتصادية الأخرى.

وقد اتخذ اتحاد نقابات عمال جنوب أفريقيا هذا القرار فى قمة الطبقة العاملة فى بوكسبورج يوم الجمعة 5 أغسطس. وسيشمل الإضراب الوطني احتجاج اتحاد جنوب أفريقيا للنقابات العمالية والنقابات التابعة له والمنظمات ذات التفكير المماثل في جميع أنحاء البلاد في غضون ثلاثة أسابيع. مع العلم بأن عدد أعضاء اتحاد نقابات عمال جنوب أفريقيا بلغ 72578 فرداً في 21 نقابة منتسبة له في عام 2018.

وينتظر المراقبون ليروا مدى نجاح الإضراب الوطني، حيث نظم مؤتمر نقابات عمال جنوب أفريقيا مثل هذا الإضراب الوطني العام الماضي، ولكن كان له تأثير اقتصادي ضئيل.

وخاطبت روث نتلوكوتس، رئيسة اتحاد نقابات عمال جنوب أفريقيا، قمة الطبقة العاملة يوم الجمعة 5 أغسطس، قائلة إن الطبقة العاملة واجهت ضغوطا اقتصادية غير مسبوقة من ارتفاع التكاليف بما في ذلك معدل التضخم وتعرفة الكهرباء وأسعار الوقود وتكاليف الغذاء.

وأعربت عن أسفها لارتفاع معدل البطالة في البلاد لتصل إلى نسبة 45.6% – وهو معدل محسوس بشكل غير متناسب بين الشباب في جنوب أفريقيا – مع فقدان مليوني وظيفة نتيجة لوباء كوفيد -19.

وفي نفس السياق نقلت وكالة بلومبيرج الأمريكية أيضاً في 15 أغسطس 2022 عن نقابة اتحاد العمال في جنوب أفريقيا، تأكيداً بأن الاتحاد يعتزم بالفعل تنفيذ إضراب عام عن العمل في الأيام القليلة القادمة، بسبب ارتفاع الأسعار في البلاد.

تنفيذ إضراب عام عن العمل في الأيام القليلة القادمة، بسبب ارتفاع الأسعار في البلاد

حيث قال بول ريتشاردسون مراسل الوكالة الأمريكية إنه تأكد أن أكبر اتحاد نقابي في جنوب أفريقيا سينظم إضراباً وطنياً يوم 24 أغسطس احتجاجاً على ارتفاع تكلفة الوقود والغذاء واستمرار انقطاع التيار الكهربائي.

وقال مؤتمر نقابات عمال جنوب أفريقيا في بيان أرسل بالبريد الإلكتروني يوم الاثنين 15 أغسطس إن الإضراب ووقف العمل المخطط له هذا الشهر سيمثل أيضاً “رداً من جانب العمال على الحرب الطبقية المستمرة والموجهة ضدهم من قبل أصحاب الأعمال في القطاعين العام والخاص”. وأضاف أنه سيتم الإعلان عن مزيد من التفاصيل بشأن الإضراب يوم 18 أغسطس.

تنفيذ الإضراب

وفي الرابع والعشرين من أغسطس 2022، بدأ تنفيذ الإضراب العام بجنوب أفريقيا، والذي تمت الدعوة إليه بسبب التضخم وانقطاع التيار الكهربائي.

أغلق مئات المتظاهرين الذين كانوا يرتدون الزي الأحمر شوارع عاصمة جنوب أفريقيا بريتوريا، قبل التوجه إلى مبنى الرئاسة

حيث أغلق مئات المتظاهرين الذين كانوا يرتدون الزي الأحمر شوارع عاصمة جنوب أفريقيا بريتوريا، قبل التوجه إلى مبنى الرئاسة، في هذا الإضراب الوطني الذي دعت إليه أكبر نقابة عمالية في البلاد، للتنديد بارتفاع التضخم وانقطاع التيار الكهربائي. الذي يعاني منه المواطنون منذ فترة.

وطالب المحتجون الحكومة بمنع “انهيار الاقتصاد”، منتقدين ارتفاع غلاء المعيشة، فيما قال زويلينزيما فافي، الأمين العام لاتحاد نقابات عمال جنوب أفريقيا، الذي كان بين المتظاهرين: “لا نستطيع الاستمرار على هذا النحو”. وأضاف: “يضطر ما لا يقل عن 14 مليون شخص إلى عدم تناول احدى الوجبات اليومية، لأنهم لا يملكون المال لدفع ثمن ذلك”.

ورغم أن الدعوة إلى الإضراب العام لفتت انتباه الأوساط السياسية في بريتوريا، إلا أنها لم تلق صدى في المدن الصغرى في البلاد، ليبقى الإضراب بارزا في العاصمة. وتعاني جنوب أفريقيا، أول قوة صناعية في القارة، من ارتفاع معدلات البطالة والتضخم القياسي، وانقطاع التيار الكهربائي، بسبب الأعطال ونقص قدرات الطاقة من الشركة العامة، إسكوم.

وقال مايك شينجانج، نائب مدير مؤتمر اتحاد النقابات العمالية في جنوب أفريقيا: “إنها معركة مجتمعية”، مشيرا إلى أنه إذا لم يتم أي تحرك، فإن “مستقبلنا محكوم عليه بالفشل، ومستقبل شبابنا أيضا. علينا أن نواجه الآن”. وتتهم النقابات الحكومة بدعم النخبة، ووضع مصالح الشركات فوق مصلحة المواطن العادي في جنوب أفريقيا، فيما يقول وزير الرئاسة موندلي جونجوبيلي، الذي التقى المحتجين، إنه يجب أولا دراسة القضايا التي أثاروها.

وتصاعدت نسبة التضخم في جنوب أفريقيا إلى مستوى قياسي، حيث بلغت 7.8%على أساس سنوي في يوليو، وهو أعلى مستوى منذ 13 عاماً، مدفوعاً بشكل أساسي بارتفاع أسعار المواد الغذائية والنقل والكهرباء. وارتفع سعر الخبز بنسبة 13,7% ليبلغ 17,84 راندا (1,05 يورو) مقابل 15,57 راندا (0,92 يورو) خلال الفترة نفسها العام الماضي. فيما ارتفع سعر الزيت 36,%.

وتبلغ نسبة البطالة في جنوب أفريقيا 34 بالمئة، فيما تطالب النقابات بزيادة الحد الأدنى للأجور، والمزيد من الاستثمارات في الخدمات العامة، مثل المستشفيات والمدارس، وتحسين وسائل النقل العام.

ثانياً: سريلانكا

كانت الاحتجاجات الشعبية قد أجبرت رئيس البلاد، جوتابايا راجاباكسا على الهرب إلى الخارج، وقيام البرلمان السريلانكي باختيار رئيس الوزراء السابق رانيل ويكرمسينج ليحل محل الرئيس المتنحي، ,أدى ويكرمسينج في 21 يوليو اليمين الدستورية كرئيس جديد لسريلانكا أمام رئيس المحكمة العليا جايانثا جاياسوريا في مجمع البرلمان وأدى مجلس الوزراء الجديد في اليوم التالي، في 22 يوليو، اليمين الدستورية  في مكتب رئيس الوزراء في كولوبيتيا.

وبينما قرر جانب من المتظاهرين المحتشدين في الساحة المعروفة باسم “نو ديل جاما”، إخلاء موقع الاحتجاج، رفض آخرون إخلاء الساحة وفض الاعتصام، مما دفع قوات الجيش في سريلانكا إلى إخلاء الساحة بالقوة.

ونشرت صحيفة الجارديان البريطانية في 5 أغسطس تقريراً أعده آنيا ويبولاسينا وهانا إليس بيترسن بعنوان: “الحكومة السريلانكية متهمة بمعاملة المتظاهرين بوحشية”، حيث قال التقرير إن الرئيس الجديد رانيل ويكرمسينج يحاول سحق الاحتجاجات الجماهيرية التي أطاحت بسلفه عندما أجبرته على الاستقالة.

الاحتجاجات الجماهيرية التي أطاحت بسلفه عندما أجبرته على الاستقالة

المتظاهرون في كولومبو يرددون هتافات احتجاجية بعد أن أعلنت الشرطة أوامر بإخلاء موقع الاحتجاج الرئيسي بالقرب من مقر أمانة الرئاسة

وبحسب تقرير الجارديان، فقد “اتُهمت الحكومة السريلانكية بشن حملة قمع صارمة على المتظاهرين الذين كان لهم الدور الأكبر في الإطاحة بالرئيس السابق جوتابايا راجاباكسا، حيث يواجه النشطاء الترهيب والمراقبة والاعتقال التعسفي”.

واعتقلت الشرطة في الأيام الأخيرة العشرات من المتظاهرين، في محاولة من الحكومة الجديدة بقيادة الرئيس الذي تولى مهام منصبه حديثاً، رانيل ويكرمسينغ، لسحق حركة الاحتجاج الجماهيرية التي أجبرت الرئيس السابق راجاباكسا على الفرار من البلاد والاستقالة في أوائل يوليو.

فبعد سقوط راجاباكسا، حولت حركة الاحتجاج، المعروفة باسم أراجالايا، تركيزها إلى ويكرمسينج، ودعوته إلى التنحي. باعتباره متهماً بانعدام الشرعية والدعم الشعبي وحماية عائلة راجاباكسا القوية، المتهمين بإفلاس البلاد.

وكان ويكرمسينج قد تعهد بدعمه لحركة الاحتجاج، لكن منذ توليه منصبه كرئيس، وصف المتظاهرين بـ “الفاشيين” وبدأ في استخدام القوة الكاملة لأجهزة الدولة ضد النشطاء الذين زعم ​​أنهم خرقوا القانون.

كان من أولى أعمال ويكرمسينج في مستهل تولي منصبه إعلان حالة الطوارئ، ومنح الشرطة سلطات واسعة لاحتجاز الأشخاص. وفي الساعات الأولى من يوم 22 يوليو، أمر ويكرمسينج الجيش بتطهير جزء من ساحة الاحتجاج الشهيرة، واستعادة مبنى الأمانة الرئاسية الذي كان محتلاً من قِبل المتظاهرين؛ وأصيب أثناء ذلك أكثر من 50 شخصا بينهم محامون وصحفيون.

ومنذ ذلك الحين، رصد نشطاء ومنظمات حقوقية أن هناك استهداف ممنهج لشخصيات بارزة في الحركة الاحتجاجية. حيث تم اعتقال أكثر من 100 شخص، من بينهم راهب بوذي، وأصدرت المحاكم حظر سفر الكثيرين، وداهمت الشرطة منازل عائلات المتظاهرين، وأبعدت الأجهزة الأمنية النشطاء عن الشوارع واستجوبتهم لساعات.

وقال روكي فرناندو، الناشط الحقوقي البارز: “يبدو أن استراتيجية الحكومة تتمثل في زرع الخوف لجعل المتظاهرين ينسحبون”.

وكان من بين المستهدفين جيوانثا بيريس، وهو قس كاثوليكي وشخصية بارزة في حركة الاحتجاج وكان يمتاز بصراحته في الوقوف ضد الحكومة. وصدرت أوامر للشرطة باعتقاله في موقع الاحتجاج، بينما داهم رجال شرطة كنيستين بحثا عنه، إحداهما في مسقط رأسه والأخرى في كولومبو.

وقدم بيريس التماساً في المحاكم طالباً حمايته من الاعتقال، لكنه قال لصحيفة الجارديان إنه كان حريصاً على لاختفاء في هذه الأثناء، حيث واصلت الشرطة مداهمة منزل والديه للاستعلام عن مكان وجوده.

وقال بيريس: “لقد شعرت شخصياً بترهيب وقمع المتظاهرين”. لقد كنا دائماً مسالمين وغير عنيفين. إنهم يستهدفون الآن كل منسقي الاحتجاجات ويتهموننا كذباً بارتكاب أعمال إرهابية. هذا الرئيس غير ديمقراطي”.

واندلعت أيضاً احتجاجات أخرى في كولومبو هذا الأسبوع بعد اعتقال جوزيف ستالين، زعيم نقابة المعلمين في سيلان وأشهر النقابيين في سريلانكا، والذي تم اعتقاله يوم الأربعاء لمشاركته في مسيرة في مايو الماضي.

“الحق في الاحتجاج هو حق ديمقراطي. ما الجريمة التي ارتكبتها؟ هل سرقت المال العام أو قتلت الناس؟ ما الجريمة التي ارتكبتها؟ ” كان ستالين يطرح هذه الأسئلة عندما تم اقتياده من مكتبه وإجباره على ركوب سيارة للشرطة.

ومن بين الذين أدانوا اعتقال جوزيف ستالين، كانت ماري لولور، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالمدافعين عن حقوق الإنسان، التي وصفت اعتقاله بأنه “مقلق” وقالت إن عمله “يجب دعمه وليس معاقبته”.

وتساءل زعيم المعارضة في سريلانكا، ساجيث بريماداسا، عن سبب بقاء أفراد عائلة راجاباكسا، المتهمين بالفساد وسوء الإدارة الاقتصادية و “أطلقوا حلقة العنف هذه”، طلقاء في البلاد بينما شخصيات مثل ستالين الآن وراء القضبان.

وأعطت الشرطة إنذاراً نهائياً للمتظاهرين لتطهير معسكر الاحتجاج في منطقة جالي فيس بوسط كولومبو، والمعروفة باسم جوتا جوجاما، والتي كانت قلب حركة أراجالايا، بحلول مساء الجمعة 5 أغسطس أو مواجهة إجراءات قانونية. لكن تم رفع قضية في المحاكم ضد الإجراء وقبل ساعات من موعد الإخلاء، أعلن المدعي العام أنه لن يتم إزالة المخيم حتى 10 أغسطس.

كان أنجيلو كولاسوريا، 38 عاماً، الذي يقيم في ساحة جوتا جوجاما، من بين المتظاهرين الذين قالوا إنهم سيبقون في مكانهم. حيث قال: “لسنا هنا للاحتجاج على ما تقوله الشرطة”. “لقد كنا هنا نناضل من أجل حقوقنا، ونتحدث عن قضايا البلاد، لأن هذا هو الحق الذي منحنا إياه دستور سريلانكا.”

ونفى الرئيس السريلانكي ويكرمسنج شن أي حملة قمع ضد المتظاهرين. وقال إنه يتخذ إجراءات فقط ضد أولئك الذين شاركوا في “أعمال عنف أو إرهابية”، وادعى أن الاحتجاجات أخرت المساعدات المالية الدولية الأساسية، بما في ذلك قرض من صندوق النقد الدولي.

وقال، “إن بعض الجماعات تحاول نشر دعاية ضخمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بأنني أطارد المتظاهرين. وقال ويكرمسينج أمام البرلمان يوم الأربعاء. لن أسمح بأي نوع من التحيز ضد النشطاء السلميين. وسأقوم بإنشاء مكتب لحماية المتظاهرين السلميين ودعمهم “.

لكن العديد من المجموعات، بما في ذلك اتحاد الطلاب الجامعيين، الذين كانوا نشطين جداً طوال الاحتجاجات، يقولون إنهم يتعرضون للمضايقات والاعتقال التعسفي. وخلال الأسبوعين الماضيين، تلقى قادة اتحاد طلاب الجامعات إخطارات بحظر السفر، واقتاد ضباط يرتدون ملابس مدنية بعضهم من طائرات وحافلات، وقاموا باعتقالهم. وتم اقتياد أحدهم بالقوة من الشارع واختطافه في “شاحنة بيضاء”، حيث استجوبه الضباط لعدة ساعات حول المكان الذي يتواجد فيه منظم اجتماعات اتحاد طلاب الجامعات واسانتا مودالجي، ثم تم إطلاق سراحه بعد ثلاث ساعات.

كما تم اعتقال شخصيات أخرى أقل شهرة، بما في ذلك أحد المتظاهرين الذي كان قد تناول كوباً من البيرة في منزل الرئيس السابق وآخر كان قد جلس على كرسيه عندما استولى آلاف المتظاهرين على العقار الذي كان يقيم فيه الرئيس السابق. ووصفت فاطمة بانو، 37 عاما، كيف تم استدعاء زوجها مولوي إسمث، الذي أمضى شهورا في اعتصام ساحة جوتا جوجاما، إلى مركز الشرطة الأسبوع الماضي ثم اعتقل.

وقالت: “لم أتمكن من مقابلته إلا مرة واحدة منذ اعتقاله”. “لم نتمكن من التحدث كثيراً، ولم يخبرني أحد رسمياً بالجريمة التي ارتكبها”.

وقالت، مثلما فعل الكثيرون، فإن إسماعيل شارك في الاحتجاجات بسبب التأثير الرهيب للأزمة الاقتصادية على أسرته، مع نقص الوقود والطعام وغاز الطهي، مما أدى إلى اضطرارهم لطهي وجبات الطعام على الحطب. وأضافت: “لقد ذهب من أجل الوطن”.

وكان موقع الجزيرة النسخة الإنجليزية قد نشر تقريرا في غرة أغسطس اعده ساروج باتيرانا، بعنوان: “انقسام بين المتظاهرين في سريلانكا حول مغادرة مقر الاحتجاج الرئيسي، وسط حملة قمع ضدهم”. وقال التقرير إن حالة من الجدل كانت قد تفجرت داخل الحركة الاحتجاجية حول إغلاق مقر الاحتجاج الرئيسي بعد القمع العنيف الذي مارسته قوات الأمن ضد المحتجين قبل 10 أيام، وذلك بعد تنحي الرئيس السابق وتولي رئيس جديد مهام منصبه.

وقد انقسمت حركة الاحتجاج التي يقودها الشباب بشكل أساسي في سريلانكا التي تعرضت لاضطرابات شديدة مؤخراً،  بشأن الانسحاب من مخيم مواجه للبحر كانوا قد أقاموه قبل أشهر بالقرب من أمانة الرئاسة في العاصمة كولومبو. ومخيم جوتا جوجاما، المعروف أيضاً باسم جالي فيس جرين، هو مركز الاحتجاجات في سريلانكا التي بدأت منذ أكثر من 100 يوم للمطالبة بإقالة الحكومة في ذلك الوقت بسبب أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد منذ سبعة عقود.

 وكانت الاحتجاجات قد شهدت في ذروتها عشرات الآلاف من الأشخاص يحتلون مبان حكومية مهمة لعدة أيام، مما أجبر الرئيس جوتابايا راجاباكسا على الفرار من البلاد والاستقالة.

وقد تم انتخاب رئيس الوزراء ست مرات رانيل ويكرمسينج رئيساً جديداً، على الرغم من مطالبة المتظاهرين باستقالة النخبة الحاكمة بأكملها.

وتفجر النقاش داخل حركة الاحتجاج حول فض المخيم بسبب حملة قمع عنيفة شنتها قوات الأمن السريلانكية قبل 10 أيام. تم اعتقال العديد من قادة الاحتجاج ودمرت خيامهم وتطويق المنطقة.

جنود سريلانكيون يزيلون الخيام من موقع معسكر الاحتجاج خارج أمانة الرئاسة في كولومبو

جنود سريلانكيون يزيلون الخيام من موقع معسكر الاحتجاج خارج أمانة الرئاسة في كولومبو

كما دعا العديد من الوزراء في الحكومة إلى إخراج المتظاهرين من هذا المخيم.

وفي حديثها أمام البرلمان الأسبوع الماضي، قال وزيرة التنمية الحضرية براسانا راناتونجا إنه يجب نقل موقع الاحتجاج المخصص للمتظاهرين إلى مكان آخر لأن منطقة جالي فيس تُعتبر مركزاً اقتصادياً مهماً.

وقال شبير محمد، أحد قادة حركة الاحتجاج، “عقب تصريحاته (براسانا راناتونجا)، وبسبب حملات الاعتقال المستمر وترهيب قادة الاحتجاجات، خرج بعض المتظاهرين بالفعل من المخيم.

وأضاف: “لا يزال هناك آخرون ممن يحبون موقع جوتا جوجاما، ومن الجماعات المدعومة من قبل بعض الأحزاب السياسية”.

وكان من بين بعض الخيام التي أزالها المحتجون في المخيم مكتبة شعبية كان قد تم تجهيزها هناك.

وقالت ميلاني جوناتيلاكي، وهي أحد زعماء الاحتجاج، إن من يغادرون المخيم هم فقط الذين اعتادوا على زيارة المخيم بانتظام، وليس “سكان جوتا جوجاما” الذين يقيمون فيه بشكل مستمر.

وقالت: “بعض الناس خائفون أيضاً بسبب التهديدات المختلفة لكن المقيمين الدائمين في جوتا جوجاما قرروا البقاء”.

يقول فيموكثي دوشانثا، أحد دعاة حركة بلاك كاب، إن مجموعته قررت مغادرة المكان لإطلاق مرحلتها التالية من النضال.

“كان شعارنا الرئيسي في جوتا جوجاما هو مغادرة جوتابايا (الرئيس السابق). وقد “رحل الآن”.

“نعتقد أن دور جوتا جوجاما كمركز للاحتجاج قد انتهى الآن. يجب أن تركز المرحلة التالية من الاحتجاج على إدخال إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية “.

ومن المفارقات أن جوتابايا نفسه قد خصص جالي فيس جرين للاحتجاجات الجماهيرية. ولكن بعد أيام من توليه الرئاسة، أعلن الرئيس ويكرمسينج أنه تم تحديد عدة أماكن أخرى في كولومبو على أنها أماكن مناسبة لتنظيم احتجاجات في المستقبل.

وقد داهم الجيش السريلانكي معسكر الاحتجاج لإخلائهم بالقوة. وكان  وزير الأمن العام تيران أليس قد شدد على ضرورة إخلاء المحتجين جالي فيس جرين.

وأضاف أليس أنه “في الآونة الأخيرة، قال بعض السياح الروس الذين يسافرون إلى منطقة جوتا جوجاما أنه لن يأتي أي سائح إذا استمرت هذه الخيام القبيحة موجودة هناك. هذا هو قلب العاصمة وهذا هو المكان الذي توجد فيه جميع الفنادق السياحية الكبرى”.

جاء الجدل حول إخلاء موقع الاحتجاج الرئيسي في كولومبو بعد أيام من إصابة العديد من الأشخاص في هجوم عسكري على المتظاهرين. واختبأ العديد من قادة الاحتجاج بسبب التهديدات التي تعرضوا لها أو بسبب الاعتقال. وقالوا إن مسؤولي الشرطة كانوا يزورون عائلاتهم وأقاربهم، ويسألون عن أماكن وجودهم.

تظاهر المحتجين ضد الإخلاء القسري

تظاهر المحتجين ضد الإخلاء القسري

وهناك أيضاً مزاعم بأن هجوم 21 يوليو على مخيم الاحتجاج نفذته مجموعة شبه عسكرية وليس الجيش، رغم وجود جنود من الجيش هناك أيضاً.

وقال بوبودو جاجودا، زعيم حزب فرونت لاين الاشتراكي، للصحفيين: “أخبرنا البعض في الجيش أن مجموعة في ثياب مدنية وصلت في حافلة وكانت قد ارتدت زيا عسكريا داخل الحافلة قبل شن الهجوم”. وزعم أن بعض المهاجمين الذين كانوا يرتدون الزي الرسمي كانوا في حالة سكر. لكن الوزير أليس رفض هذه الادعاءات. وقال: “تم استخدام الشرطة والجيش فقط في العملية لإخراج المتظاهرين”. وفي غضون ذلك، يواجه المتظاهرون وضعا مثيرا للقلق.

ثالثاً: الأرجنتين

شاهدنا كيف أدى خروج التضخم في الأرجنتين عن السيطرة إلى اندلاع احتجاجات ضخمة ضد الحكومة ورئيس البلاد في التاسع من يوليو الذي صادف عيد استقلال البلاد. ويواجه الأرجنتينيون احتمالات تضخم بنسبة 90% بنهاية العام. وستكون هذه أسرع وتيرة لارتفاع التضخم منذ التضخم الكبير الذي أصاب البلاد قبل ثلاثة عقود، كأعلى معدل على مستوى العالم، وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي. والأسئلة المطروحة اليوم في الشوارع وفي وسائل الإعلام هي ما إذا كانت البلاد على وشك مواجهة تفسخ وانهيار اجتماعي، وما إذا كان الرئيس ألبرتو فرنانديز، المعزول سياسياً لدرجة كبيرة بحيث يتم التشكيك فيه من قبل ائتلافه الحكومي، سيستمر حتى نهاية فترة حكمه في ديسمبر 2023.

وبحسب سيرجيو تشوزا، وهو اقتصادي وعضو تدريس في جامعة بوينس آيرس العامة، فقد “كانت هناك سلسلة من الاختلالات في الاقتصاد الكلي للأرجنتين لسنوات، مما يعني أن الحكومة اليوم ليس لديها الأدوات للتعامل مع سعر الصرف والضغوط المالية”. ويقول تشوزا “إن جائحة كوفيد -19 كان أحد العوامل الرئيسية التي ساهمت في إثارة موقف يبدو أنه خرج عن نطاق السيطرة.” ويشرح الخبير الاقتصادي ذلك بقوله، “كان هناك توسع في الإنفاق العام، كما هو الحال في معظم أنحاء العالم. لكن المشكلة هي أنه في حين أن معظم البلدان مولت إنفاقها باتباع نظام الائتمان، لم تستطع الأرجنتين فعل ذلك لأنها كانت بالفعل مثقلة بالديون”.

وقال سانتياجو بوي، الباحث في مرصد الديون الاجتماعية في الجامعة الأرجنتينية الكاثوليكية الخاصة، إن الأجور قد فقدت حوالي 20% من قوتها الشرائية منذ عام 2018 بسبب انخفاض قيمة العملة والتضخم. وبلغ معدل الفقر حوالي 25% في عام 2017، وارتفع إلى 40% في عام 2019 وظل ثابتاً بعد ذلك. واليوم، هناك شعور بالفقر على نطاق واسع في البلاد، على الرغم من حقيقة أن معدل البطالة هو 7 % فقط، لأن 28% من العمال فقراء،” كما يقول بوي، وهو يصف الوضع في بلاده التي يبلغ عدد سكانها 47.3 مليون نسمة. ويضيف بوي: “المساعدة الاجتماعية لن تحل الأمور في الأرجنتين، لأن الاقتصاد الكلي هو مصنع دائم للفقر”.

وفي 25 يوليو، كانت وزيرة الاقتصاد الجديدة، سيلفينا باتاكيس، قد التقت في واشنطن بالعضو المنتدب لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، لتؤكد لها أن هذا البلد سوف يمتثل للاتفاقية الموقَّعة مع الصندوق هذا العام، والتي تتضمن مستهدفات لتقليص العجز المالي وزيادة احتياطيات البنك المركزي. لكن هناك قلة من الناس في الأرجنتين الذين يجرؤون على توقع اتجاه الأزمة الاقتصادية الحالية، ومدى سرعة تطورها.

آخر التطورات

وحول تطورات الأوضاع في الأرجنتين، جددت المنظمات الاجتماعية في الأرجنتين مطالبتها بضرورة تقديم مساعدات أكبر لمواجهة آثار التضخم. وقد نشرت صحيفة بوينس آيريس تايمز في 11 أغسطس تقريراً بعنوان: “المنظمات الاجتماعية في الأرجنتين تجدد مطالبتها بمساعدات أكبر للتضخم”، وجاء فيه أنه قد تم اتخاذ قرار بقضاء هذه الليلة أمام كاسا روسادا، مقر الرئاسة، بعد اجتماع أعلن فيه زعماء يونيداد بيكيتيرا أن “مطالبهم لم تُسمع” خلال اجتماعات عقدوها مع مسؤولين حكوميين.

مطالبهم لم تُسمع" خلال اجتماعات عقدوها مع مسؤولين حكوميين.

وقد أقامت المنظمات الاجتماعية اليسارية موقعاً جديداً للتخييم والاعتصام في بلازا دي مايو يوم الأربعاء 10 أغسطس، حيث جددوا مطالبهم بضرورة تقديم مزيد من المساعدات لمواجهة الآثار القاسية للتضخم الجامح الذي تعاني منه البلاد.

وقد بدأ الاحتجاج، الذي يأتي في الوقت الذي يرسم فيه وزير الاقتصاد الأرجنتيني الجديد سيرجيو ماسا سياسات جديدة للتعامل مع الزيادات الجامحة في الأسعار، بمسيرة في صفوف عبر الطرق الرئيسية في وسط مدينة بوينس آيرس. وتقدم آلاف المتظاهرين في الساحة الشهيرة الواقعة أمام كاسا روسادا، مقر الرئاسة، ووزارة الاقتصاد، وأقام الكثير منهم مخيماً عند الوصول إلى هناك.

وتم اتخاذ القرار بقضاء الليلة أمام كاسا روسادا، مقر الرئاسة، بعد اجتماع أعلن فيه قادة يونيداد بيكيتيرا أن “مطالبهم لم يُسمع لها” وذلك خلال اجتماعات عقدوها مع مسؤولين من وزارتي الاقتصاد والتنمية الاجتماعية.

وطالبت المنظمات الاجتماعية المجمعة تحت راية “يونيداد بيكيتيرا”، من بين مطالبها، برفع الحد الأدنى للأجور من مستواه الحالي البالغ 45.540 بيزو (325 دولاراً بسعر الصرف الرسمي) إلى 105000 بيزو (744 دولاراً أمريكياً)، وهو ما يعادل ثمن سلة غذاء أساسية لعائلة نموذجية مكونة من أربعة أفراد.

كما طالبوا أيضاً “بمكافأة أو تعزيز للدخل (دفعة واحدة) قدرها 20 ألف بيزو (143 دولاراً أمريكياً) للمتقاعدين والعاملين بأجر واحد والعمال غير المستقرين والمستفيدين من برنامج بوتنسيار تراباجو”، وهذا بحسب البيان.

واشتكى زعيم اليسار في بولو أوبريرو، إدواردو بيليبوني، من أن “الوزير [ماسا] تحدث إلى الأسواق وإلى قطاعات السلطة، لكنه لم يكن لديه أي رد على القطاعات الشعبية حول كيفية التخفيف من عملية تضخم لا تتوقف”.

وحذر من أن “الوضع الاجتماعي ينفجر. نحن بحاجة إلى إجابات، ولهذا السبب سنبقى هنا”.

وفي سلسلة تغريدات نشرها مساء الأربعاء 10 أغسطس، أعلن ماسا عن زيادة مزمعة للمعاشات التقاعدية بنسبة 15.53 في المائة في سبتمبر. وأنه سيتم تطبيق الزيادة أيضاً على أولئك الذين يتلقون علاوات الأطفال والحمل الشاملة، وهما اثنتان من الإعانات والمزايا العديدة التي تمنحها الدولة.

وبالإضافة إلى ذلك، ستدفع الحكومة زيادة إضافية لمدة ثلاثة أشهر تتراوح بين 7000 بيزو (50 دولاراً أمريكياً) و 4000 بيزو (28.5 دولاراً أمريكياً) لأولئك الذين يتلقون الحد الأدنى لمدفوعات المعاشات التقاعدية.

 عدم الاستقرار

وكانت المظاهرات قد اندلعت عشية إعلان معدل التضخم في يوليو من قبل مكتب الإحصاء الوطني. ويتوقع الخبراء ارتفاعاً في التضخم بنسبة سبعة بالمائة خلال الشهر.

واستمرت الأسعار في الارتفاع بعد الاستقالة المفاجئة لوزير الاقتصاد مارتن جوزمان. حيث أدت مغادرة وزير الاقتصاد السابق إلى المزيد من عدم الاستقرار في أسواق الصرف، إلى تولي سيلفينا باتاكيس منصبه بدلاً منه، حيث استمرت في المنصب أقل من شهر.

بلغ معدل التضخم في الأرجنتين 36.2% في النصف الأول من العام ويتوقع بعض المحللين الآن معدل سنوي قدره 90% لعام 2022.

وقال خوان سوتو، وهو ناشط يبلغ من العمر 30 عاماً من مجموعة موفيمينتو ليبريس ديل سور باريوس دي باي يوم الأربعاء 10 أغسطس “حقيقة أن قيمة الدولار مرتفعة جداً يولد انعدام للأمن وعدم الاستقرار، تماماً كما تولد الحكومة نفسها عدم الاستقرار الاقتصادي، من حيث عدم معرفة مقدار تكلفة علبة الأرز من يوم إلى آخر؛ أو شيء بسيط مثل الحليب الخبز واللحوم، لا نعرف كم سيكون غداً”.

وانتقد مانويل أوريلانا، 31 عاماً، من حركة العمال، “تيريزا فيف”، إجراءات الحكومة لأنها “تُظهر أنه في سياق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلاد، يريدون أن ينتهي الأمر بالقطاعات الشعبية والعمال بتحمل تكلفة إقامة الحفلات للقلة”.

رابعاً: بنما

بهدف مطالبة الحكومة باتخاذ إجراءات ضد التضخم والفساد كان آلاف المتظاهرين قد نزلوا إلى الشوارع في ١١ يوليو، مما دفع رئيس بنما لورنتينو كورتيز إلى الإعلان في نفس اليوم عن خفض أسعار البنزين بنسبة 24% عن الأسعار في نهاية يونيو وتثبيته عند هذا السعر، بالإضافة إلى تجميد أسعار عشرات السلع الأساسية. وأمر المؤسسات العامة بالبدء في خفض المرتبات الحكومية بنسبة 10% وخفض النفقات التقديرية المتغيرة. ومع ذلك، فإن معدل التضخم في بنما لا يزال أقل بكثير من معدل التضخم في البرازيل والمكسيك وكولومبيا وبيرو وتشيلي.

وكان ميجيل أنطونيو برنال، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنما، تعليقا على الاضطرابات التي ضربت البلاد، بحسب صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، “كأس الصبر والتسامح الذي أظهره الشعب البنمي خلال الإدارات المختلفة فاض بأسعار الوقود، وهو أمر مسيء، من بين أمور أخرى، أبرزها الفساد الذي أطل برأسه في البلاد”.

ونشرت مجلة الأمريكتين في غرة أغسطس مقالا ل كريستينا جيفارا، وهي باحثة في برامج السياسة العامة في جمعية الأمريكتين، تحت عنوان: “المتظاهرون في بنما يريدون إصلاحاً أعمق”، حيث ترى أن “المظاهرات التي هزت البلاد على مدى أسابيع تتجاوز قضية التضخم بكثير”.

"المظاهرات التي هزت البلاد على مدى أسابيع تتجاوز قضية التضخم بكثير".

وكانت المظاهرات الضخمة في بنما قد بدأت عندما حشدت نقابات المعلمين للاحتجاج على ارتفاع تكاليف المعيشة، لكنها سرعان ما تصاعدت لتصبح أكبر احتجاجات وطنية منذ سقوط الدكتاتور مانويل أنطونيو نورييجا في عام 1989. وعلى مدار ثلاثة أسابيع، كانت هناك مخاوف شعبية عميقة بسبب تفاقم الفقر وعدم المساواة والفساد.

فانضمت مجموعة واسعة من النقابات وجماعات حقوق السكان الأصليين وأكثر من 30 جمعية صناعية إلى الاحتجاجات. وفي الوقت الحالي، تم رفع حواجز الشوارع حيث تفاوضت مجموعات المجتمع المدني على ثماني أولويات مع إدارة الرئيس لورنتينو (نيتو) كورتيزو. وأعلنت الكنيسة الكاثوليكية، التي تتوسط في المحادثات، مؤخراً أن قطاعات أخرى ستنضم قريباً بعد أن طالبت جمعيات صناعية وجهات فاعلة أخرى في القطاع الخاص بإدراجها ضمن المتفاوضين.

وبغرض تهدئة الاضطرابات، أعلنت إدارة البلاد عن سلسلة من إجراءات ضبط الأسعار: مثل دعم تثبيت تكلفة الوقود عند 3.25 دولار للجالون ولوائح تخص 72 مادة غذائية تهدف إلى خفض تكاليف الغذاء بنسبة 30%. وقدّر الاقتصاديون أن دعم الوقود وحده من شأنه أن يزيد العجز المالي المرهق في بنما بمقدار 1.65 مليار دولار.

لكن التوترات لا تزال عالية. وقال البروفيسور كارلوس جيفارا مان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية فلوريدا في بنما، إن المتظاهرين يسعون إلى إصلاحات كبيرة من غير المرجح أن تسفر عنها المفاوضات. وقال: “يبدو أن الطبقة السياسية تعتقد أن العمل سيعود إلى طبيعته بعد فترة من الإغلاق وتناقص الغذاء الذي نتج عن التظاهرات”. حيث تسببت الاحتجاجات في خسائر تزيد عن 500 مليون دولار للقطاع الزراعي في بنما، وتحذر وكالات التصنيف الائتماني من عواقب وخيمة على الصحة المالية في بنما والجدارة الائتمانية.

وأضاف: “مهما كان الأمر، فمن الواضح أنه نتيجة للمظاهرات، تلطخت سمعة الطبقة السياسية وتضاءلت شرعيتها”.

قد يكون لهذا تداعيات كبيرة على الانتخابات الرئاسية القادمة في عام 2024. وعلى الرغم من أن كورتيزو محظور عليه الترشح دستورياً، لكن حزبه، الحزب الثوري الديمقراطي، سيظل يواجه رياحاً معاكسة قوية نظراً لاستياء الجمهور من إدارته: وفي استطلاع جالوب بنما لشهر يوليو، فإن 81% ممن شاركوا في الاستطلاع رفض كورتيزو و 86% رفضوا نائبه.

كما أن ثقة الجمهور في الأحزاب التقليدية الأخرى آخذة في التآكل كذلك، مما يرجح أن يعزز ذلك المرشحين المستقلين خارج هذه المنظومة. حيث أصبح السياسيون المستقلون بالفعل أكثر شعبية قبل اندلاع الاحتجاجات، وشكلوا أحزاباً وتحالفات سياسية جديدة.

قد تكون الاضطرابات في بنما قد فاجأت المجتمع الدولي، لكنها لم تفاجئ معظم البنميين. حيث تتناقض السمعة الدولية التي تتمتع بها البلاد على أنها مزدهرة ومستقرة مع سنوات من السخط واسع النطاق بسبب المؤشرات الاجتماعية المتدنية. وارتفع معدل الفقر منذ عام 2017، حيث وصل إلى 21.5% حتى قبل انتشار جائحة كوفيد-19؛ ولا تزال البلاد واحدة من أكثر الدول تفاوتاً (في الدخل) في أمريكا اللاتينية؛ وفي مؤشر مدركات الفساد لعام 2021 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، احتلت بنما المرتبة 105 من بين 180 دولة.

وتتراكم شكاوى المواطنين بشأن الفساد، لا سيما فيما يتعلق بالمخاوف بشأن ما يُسمى بـ “بوتيللاس” -حيث يُزعم أنهم موظفون عموميون يقومون بجمع الشيكات من الناس دون أن تكون لهم مهمات رسمية بذلك. وفي عام 2020، تعهدت الحكومة بإجراء تدقيق لاستئصال ظاهرة الـ “بوتيللاس”، ولكن بعد إضافة 15000 موظف إلى كشوف رواتب الدولة بين يناير ومارس من هذا العام فقط، طلبت مجموعات الأعمال مثل غرفة التجارة مزيداً من التدقيق. ومن عام 2017 إلى عام 2021، زادت رواتب القطاع العام بنسبة 30.7% لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 4.7 ​​مليار دولار.

في هذه الأثناء، شهد عمدة مدينة بنما خوسيه لويس فابريجا، من حزب الرئيس، الحزب الثوري الديمقراطي، نمواً في موظفي مكتبه حتى 1342 مسؤولاً – أي بنسبة 38% – بين ديسمبر 2019 ويونيو 2022. وفابريجا متهم بارتكاب مخالفات مالية كثيرة، ولكنه ينفي صلته بهذه المخالفات.

وأصبح التعليم أيضاً قضية ساخنة في البلاد لأن الدولة تنفق 3% فقط من الناتج المحلي الإجمالي على التعليم، على الرغم من القانون الذي يتطلب إنفاقاً بنسبة %. وحتى قبل الوباء، ذكرت اليونيسف أن بنما واجهت أوجه قصور كبيرة في التعليم.

لطالما ركز المتظاهرون على هذا النقص في الإنفاق الاجتماعي، إلى جانب الميزانية المتضخمة ونسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، كدليل على أن الأموال تُنفق بطرق تضر الأجيال القادمة بدلاً من أن تساعدها. وقد نما الدين العام بنسبة 30% منذ أن تولى كورتيزو منصبه في يونيو 2019.

وعلى المدى القصير، من المرجح أن تحول المظاهرات تركيز الخطاب السياسي نحو الفساد وعدم المساواة، الأمر الذي سينتج عنه “مواطنة أكثر نضجاً وثقافة ديمقراطية أقوى”، كما قال إنريكي دي أوباريو، المحامي ورجل الأعمال والناشط. حيث قال دي أوبارريو إن مجموعة أوسع من المرشحين والبرامج يمكن أن تظهر الآن، والتي يمكن أن تحسن المشاركة العامة مع – الإيمان – بالنظام السياسي.

وبالمثل، قال فيليب تشابمان، الشريك الإداري في شركة الأبحاث والتحليلات الاقتصادية إنديسا، إن السياسيين في بنما قد ابتعدوا إلى حد كبير عن محاولة معالجة القضايا الأساسية، ولكن هذا قد يكون على وشك التغيير.

وقال “نأمل أن يتحسن الجدل الدائر حول قضايا بلادنا للتركيز على المصدر الحقيقي لمشاكلنا والحلول الملموسة لتحسينها”. “وإلا، فستكون الأزمة بلا طائل”.

وفي نفس السياق، نشر موقع لاتينو أميركا في 9 أغسطس مقالا لجون سوبيناس، الباحث في المركز الدولي للدراسات السياسية والاجتماعية ببنما، تحت عنوان: “بنما بحاجة إلى سياسات أفضل للتغلب على الأزمة”. ويقول الكاتب إنه على الرغم من أن بنما هي واحدة من الأماكن التي لم يكن يتوقع فيها أحد اندلاع أي احتجاجات بسبب استقرارها السياسي، إلا أنه في يوليو اندلعت مظاهرة قوية احتجاجاً على ارتفاع أسعار الوقود والغذاء والدواء؛ وكانت التظاهرة ضخمة لدرجة أتها شلت حركة المرور في مناطق مختلفة من البلاد لعدة أيام، مما أعاق نقل البضائع، وأدى إلى نقص في المنتجات.

على الرغم من التأثير الاقتصادي للاحتجاجات، فبحسب استطلاع عبر الإنترنت أجراه المركز الدولي للدراسات السياسية والاجتماعية، فإن 3 من كل 4 أشخاص يدعمون الاحتجاجات. حيث تناقض هذا الدعم مع البيانات الواردة في أحدث تقرير لـ “لاتينو باروميترو”، والذي قال إن 9 من كل 10 أشخاص لن يشاركوا أبداً في احتجاج غير مصرح به. هذا التناقض يؤكد أن الاحتجاج كان حدثاً غير متوقع ونادر في البلاد.

وقاد الاحتجاجات مجموعة من الفاعلين مثل النقابات والحركات الاجتماعية بما في ذلك الأطباء والمعلمين وعمال البناء والطلاب ومجموعات السكان الأصليين. وعلى الرغم من أن المطالب يقودها التحالف الوطني لحقوق الشعوب (أناديبو)، وهي منظمة تمثل 20 مجموعة من المعلمين وعمال المزارع وصيد الأسماك وعمال النقل والطلاب، واشترك في الاحتجاجات أيضاً مجموعات أخرى مثل التنسيق الوطني للشعوب الأصلية (كونابيب) و الاتحاد الموحد لصناعة البناء والعمال المماثلين (سنتراكس).

يشكل هؤلاء الممثلون عن الاحتجاجات شبكة غير متجانسة تضم مطالب مختلفة، على غرار “التعددية” التي وصفها أنطونيو نيجري ومايكل هارد (في كتاب: إمبراطورية العولمة الجديدة). وأمام هذا العدد الكبير، قررت الحكومة فتح العديد من طاولات الحوار لتلبية المطالب المختلفة في مواقع مختلفة. ومع ذلك، فشلت الاستراتيجية وكان لا بد من التخلي عنها.

بعد ثلاثة أسابيع من الاحتجاجات، تمكنت الأحزاب من الجلوس (بفضل وساطة الكنيسة) على طاولة حوار واحدة، نعم لا تخلو من التقلبات والصراعات والخلافات، لكنها تحاول استعادة الحياة السياسية الطبيعية.

كان الدافع وراء المظاهرات هو ارتفاع أسعار البنزين والأغذية والأدوية، ولكن وفقاً لبيانات استطلاع المركز الدولي للدراسات السياسية والاجتماعية، فإن الفساد هو المشكلة الأساسية التي أطلقت العنان لها. فأكثر من 6 من كل 10 أشخاص يعتقدون بذلك (مشكلة الفساد)، والبقية يعتقدون أن السبب الرئيسي هو تكلفة المعيشة. في الواقع، منذ منتصف عام 2020، أجرى المركز الدولي للدراسات السياسية والاجتماعية استطلاعات مختلفة، وفي جميع الحالات، ظهر الفساد باعتباره المشكلة الرئيسية للمجتمع البنمي.

يمثل الفساد حاليا معضلة كبيرة في سياسة البلاد. يمكن تعريفها على أنها تضم المحسوبية، سوء إدارة الأموال العامة، عدم المساواة، عدم الكفاءة، وما إلى ذلك، مما يقع تحت مظلة الفساد.

وتشير البيانات إلى حقيقة أن ارتفاع الأسعار هو “قمة الجبل الجليدي”، لكن عدم الاهتمام الكافي بمطالب المواطنين، فضلاً عن إدارة الأموال العامة بمفهوم “الزبائنية”، تشكل المشاكل الأساسية. لكن هناك “مسؤولية” رئيسية أخرى لم حظيت باهتمام أقل، وهي: الافتقار إلى السياسة.

منذ عام 2017، أدرج البنك الدولي بنما في قائمة البلدان ذات الدخل المرتفع، والتي تجاوزت 12055 دولاراً أمريكياً من الدخل القومي الإجمالي للفرد، وهي البيانات التي قربتها من دول أوروبا الشرقية. وبين عامي 2004 و 2018، بلغ متوسط ​​النمو في بنما 7.0% مقارنة بـ 3.3% في أمريكا اللاتينية. وقد أتاح هذا النمو المذهل تحقيق تقدم نوعي وكمي للبلد، لكنه ترك أيضاً بعض “الظلال” الأخرى، وفقاً لبيانات اللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، مثل عدم القدرة على تغيير الدرجة العالية من عدم المساواة الاقتصادية، واستمرار المعاملة غير المتكافئة لمختلف البشر. وبحسب الاستطلاع، فإن 82.4% من الأشخاص يعتبرون أن هناك تمييزاً في بنما.

لقد أجَّل نموذج التنمية البنمي هذه القضايا على أساس “النمو الاقتصادي على حساب السياسة”، كما صرح الخبراء هاري براون وكلارا إينيس لونا. وهو نموذج ذو أداء اقتصادي كلي ناجح، لكنه يمر حالياً بمنعطف اقتصادي معقد للغاية بعد أكبر انخفاض في تاريخه بسبب تدابير احتواء جائحة كوفيد -19 في عام 2020، والذي كان عليه أن يواجه ديوناً اجتماعية تاريخية.

لقد حانت لحظة السياسة فجأة في مواجهة النخب وجماعات القوة المعتادة على المواثيق السياسية والإجماع الذي تم وصفه بأنه “انتقالي”. لم يعد النموذج الحالي قادراً على التعامل مع المعارضة والعدائية. إن انفصال السياسة وضرورة تحويلها إلى فن لإتاحة ما هو ضروري هو أحد الاختبارات العظيمة التي يواجهها المجتمع البنمي في المستقبل. ولن يتم حل هذا من خلال حلول تقنية جديدة ومبتكرة، ولكن من خلال الحلول السياسية التي تعالج التفاوتات العميقة التي يعاني منها المواطنون البنميون.

خامساً: غانا

قبل الاحتجاجات التي اندلعت في غانا في أواخر شهر يونيو بسبب الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، كان النمو الاقتصادي في البلاد قد تباطأ إلى 3.3% على أساس سنوي في الربع الأول من العام، وسجل التضخم رقماً قياسياً جديداً، حيث بلغ 27.6% في مايو، على الرغم من التخفيضات الكاسحة في الإنفاق وغيرها من الإجراءات التي تم اتخاذها لتصحيح الوضع المالي، حيث تعاني غانا أيضاً من ارتفاع نسبة الديون وانخفاض قيمة العملة المحلية.

وكانت الحكومة الغانية قد تواصلت “مرغمة” مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض، على عكس مسارها من رفض التعامل معه من قبل، حيث سعت للحصول على ما يصل إلى 1.5 مليار دولار من الصندوق لدعم مواردها المالية. وكان آلاف من الشباب الغانيين قد نزلوا إلى شوارع أكرا، بقيادة جماعة ضغط محلية يُطلق عليها “انهضي غانا“،  احتجاجاً على ارتفاع أسعار الغذاء والوقود ومشاكل تكاليف المعيشة، قبل أيام قليلة من إعلان الرئيس نانا أدو أكوفو-أدو في الأول من يوليو أن وزير ماليته سيدخل، مُرغماً، في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

وبحسب وكالة رويترز في تقرير نشرته في  7 يوليو تحت عنوان “لماذا عادت غانا إلى صندوق النقد الدولي؟”، فإن “السلطات الغانية تأمل في أن يخفف برنامج صندوق النقد الدولي عجز ميزان مدفوعات غانا البالغ نحو مليار دولار، والذي قال محافظ البنك المركزي إرنست أديسون في مايو إنه ناتج عن هجرة رأس المال بسبب عوامل عالمية. لكن خبراء يقولون إن أصل المشكلة في غانا أنها على الأرجح مشكلة مالية، لأنها تستخدم قروضاً أكبر باستمرار لسد عجزها المالي المكون من رقمين.”

وتأمل السلطات الغانية في أن يخفف برنامج صندوق النقد الدولي عجز ميزان مدفوعات غانا البالغ نحو مليار دولار، والذي قال محافظ البنك المركزي إرنست أديسون في مايو إنه ناتج عن هجرة رأس المال بسبب عوامل عالمية. وقد بلغ التضخم في غانا أعلى مستوى له في 18 عاماً عند حد 27.6% في شهر مايو، متوجاً عاماً من تسارع ارتفاع الأسعار. وتباطأ النمو ليصل إلى 3.3% في الربع الأول من العام، وانخفضت قيمة العملة “سيدي” بنسبة 23.5% مقابل الدولار منذ بداية العام فقط.

التطورات:

وبحسب وكالة رويترز، فإنه بعد هدوء نسبي في الشارع الغاني، تجنبت حكومة غانا أيضاً حدوث إضراب كان يلوح في الأفق، وذلك من خلال توصلها إلى اتفاق مع النقابات العمالية. فقد قالت وزارة المالية الغانية في منتصف يوليو إن حكومة غانا تجنبت إضراباً  لعمال القطاع العام كان مخططاً له بسبب تدني الأجور، حيث توصلت إلى اتفاق مع النقابات العمالية الرئيسية في البلاد لزيادة بدل تكلفة المعيشة بنسبة 15%.

وكانت النقابات العمالية، بما في ذلك المعلمين والعاملين في القطاعات الصحية، قد خططت للإضراب في خلال أسابيع إذا لم يتم زيادة الأجور، حيث ضرب التضخم المتفشي في البلاد، والذي يبلغ حالياً 29.8%، المستهلكين في الدولة الواقعة في غرب إفريقيا.

وقالت وزارة المالية على حسابها الرسمي على تويتر “من المتوقع أن تؤدي التسوية التي تم التوصل إليها مع النقابات العمالية إلى تخفيف ظروف عمال القطاع العام الغاني، في ضوء تأثير الرياح المعاكسة للاقتصاد العالمي على الاقتصاد الغاني”.

وأضافت أن “جميع الإجراءات الصناعية أيضاً قد تم إلغاؤها”، مضيفة أن القرار سيسري بأثر رجعي اعتبارا من الأول من يوليو.

وتواجه غانا، وهي منتج للنفط والكاكاو والذهب، تحديات اقتصادية كبيرة بما في ذلك عبء الديون الثقيل وتزايد عجز الميزانية. وهي تعمل مع صندوق النقد الدولي لتطوير برنامج دعم محتمل.

3- مآلات محتملة للاحتجاجات التي توقفت

بالفعل هدأت الاحتجاجات في بعض تلك البلدان التي اندلعت فيها ضد الضغوط الاقتصادية والتضخم وارتفاع الأسعار، وتوقفت تماما في البعض الآخر. ففي الإكوادور التي أُعلن فيها في نهاية شهر يونيو أن حكومة الإكوادور وقادة السكان الأصليين قد توصلوا إلى اتفاق لإنهاء المظاهرات الجماهيرية التي استمرت أسبوعين وأصابت أجزاء من البلاد بالشلل، حيث شمل الاتفاق خفض أسعار الوقود وامتيازات أخرى، مما أنهى التظاهرات المناهضة للحكومة والتي أثرت سلباً على العديد من القطاعات الاقتصادية، حيث تسببت في خسائر تقدر بنحو 9 ملايين دولار أمريكي لقطاع واحد، على سبيل المثال، وهو قطاع الجمبري، وفقاً للرئيس التنفيذي للغرفة الوطنية للاستزراع المائي في الإكوادور. ولكن المهم أن الجميع، الحكومة والمحتجون، أن هناك حاجة بين الحين والآخر إلى الحوار ومناقشة التحديات لديهم والوصول لتفاهمات تضمن السلم الاجتماعي وتخفف الضغوط الاقتصادية، دون الحاجة إلى الانتظار حتى تفجر الأوضاع في البلاد، وعندها يتضرر الجميع. وفي بنما، بعد المفاوضات مع المحتجين، تم الوصول لاتفاقات مع الحكومة تلبي جزءا كبيرا من المطالب، لكنها تبقى اتفاقات هشة يمكن النكوص فيها في أي وقت، بعد حشد التعزيزات الأمنية اللازمة لمواجهة أي احتجاجات محتملة. وفي غانا، توصلت الحكومة إلى اتفاقات مع النقابات العمالية هناك تم بموجبه تفادي إضراب عام بالبلاد، في ظل هدوء حذر يسود الأجواء هناك.

وفي الوقت الذي وصلت فيه المفاوضات في بعض الدول إلى مثل هذه النتائج الإيجابية التي تصب في مصلحة الحكومة والمحتجين، على حد سواء، فإن دولاً أخرى لا ترد على الاحتجاجات التي تندلع فيها إلا بعصا الشرطة الغليظة والقمع والاعتقال. ففي موريتانيا، على سبيل المثال، قمعت قوات الأمن الموريتانية في 18 يوليو الاحتجاجات التي اندلعت في البلاد وقادها نشطاء رفضاً لقرارات الحكومة برفع أسعار الوقود بنسبة 30%. حيث تدخلت الشرطة بالقوة وقامت بفض الاحتجاجات، واعتقلت بعض الناشطين ومنعتهم من مواصلة الاحتجاج. وكان من أبرز الناشطين الذين أوقفتهم الشرطة يعقوب ولد لمرابط رئيس حركة “كفانا” المعارضة، وهي حركة شبابية تعارض سياسات الحكومة وتندد بالفساد. وفي مثل هذه الحالات، تظل النار تحت الرماد، ومع ازدياد الأمور سوءاً، تنفجر الأوضاع من جديد ولكن بشكل مدمر قد يأكل الأخضر واليابس، ويتضرر منه الحاكم والمحكوم على حد سواء.

وحتى في حالة سريلانكا التي نجح المحتجون في الإطاحة برئيس البلاد وإجباره على الاستقالة، فلم تتحسن الأوضاع ولم يصل المحتجون إلى مبتغاهم. فقد نشبت الخلافات بين المحتجين حول إخلاء ساحات الاحتجاج، وتصاعد قمع السلطات الجديدة ضدهم، وتوسعت دائرة الاعتقالات لتشمل أبرز من شاركوا في الاحتجاجات، بحجة طالما كررتها الحكومات في الدول الاستبدادية، وهي أنهم شاركوا في أحداث عنف أو في أعمال إرهابية؛ وأن الاحتجاجات أخّرت وصول المساعدات المالية الدولية للبلاد. فقد “نفى الرئيس السريلانكي الجديد ويكرمسنج شن أي حملة قمع ضد المتظاهرين، وقال إنه يتخذ إجراءات فقط ضد أولئك الذين شاركوا في “أعمال عنف أو إرهاب”، وادعى بأن الاحتجاجات أخرت المساعدات المالية الدولية الأساسية، بما في ذلك قرض من صندوق النقد الدولي. وقال: “إن بعض الجماعات تحاول نشر دعاية ضخمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بأنني أطارد المتظاهرين. وقال ويكرمسينج أمام البرلمان يوم الأربعاء. لن أسمح بأي نوع من التحيز ضد النشطاء السلميين. وسأقوم بإنشاء مكتب لحماية المتظاهرين السلميين ودعمهم “.

الخلاصة

كان القاسم المشترك للاحتجاجات الجماهيرية الكبيرة التي اندلعت في الآونة الأخيرة بشكل شبه متزامن في شتى أرجاء العالم النامي، أنها نشأت لأسباب اقتصادية متمثلة بالأساس في ارتفاع نسبة التضخم بما يفوق طاقة الشعوب، وارتفاع نسبة الديون بشكل كبير جعل بعض هذه الدول تتحول إلى دول مفلسة أو تكاد.

ومما جعل هذه الاحتجاجات تتحول إلى شبه ظاهرة عالمية لها سمات متشابهة أنها امتدت من أسيا إلى أفريقيا إلى أمريكا اللاتينية، وكان المحرك الأساسي لها هو العامل الاقتصادي، حيث اتهمت الشعوب الأنظمة الحاكمة في تلك البلدان بالتسبب في الأزمات التي تعيشها بسبب الفساد وسوء الإدارة والتوسع في الإنفاق على مشروعات وأعمال غير ذات أولوية.

واختلف تعامل الحكومات مع هذه الاحتجاجات من بلد لأخر، بين الدخول في جولات تفاوض مع زعماء الاحتجاجات أو قادة المعارضة، بعد فشل الممارسات القمعية في وقف الاحتجاجات، وبالتالي الرضوخ ولو جزئياً لمطالب الشعوب، مما هدأ من وتيرة الاحتجاجات بعض الشيء، كما حدث في تلك الدول التي تتمتع بقدر من الديمقراطية وحرية الرأي – وبين الإصرار على القمع وعدم الاستجابة للمطالب الشعبية، مما أدى لانفجار الأوضاع وتغيير قيادات الحكم كما حدث في سريلانكا، كما اضطرت بعض الدول إلى الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي بعد أن كانت تحاول تجنب لهذا الأمر لسنوات طويلة، مثل غانا.

استعرض الجزء الأول من هذه السلسلة عينة فقط من هذه الاحتجاجات، وتابع الجزء الثاني التطورات التي جرت في هذه الدول، ورصد احتجاجات جديدة لم يأتي ذكرها في التقرير الأول، مثل موريتانيا وجنوب أفريقيا. ثم جاء الجزء الثالث، حيث تم رصد دول جديدة اندلعت فيه احتجاجات مماثلة، مثل بنجلاديش وسيراليون؛ وتم إضافة قسم جديد لتناول المآلات المحتملة للاحتجاجات التي توقفت مؤخراً. إلا أن الكثير من التقارير الدولية تؤكد أن التطورات تنبئ بتفجر المزيد والمزيد من مثل هذه الأزمات والتي ستؤدي بدورها إلى تصاعد الاضطرابات،  بالنظر إلى أن عددا ليس بالقليل من تلك الدول على وشك الوقوع في دائرة الإفلاس، فضلا عن الدول التي وقعت فيه بالفعل. ولذلك، فمن المبكر التنبؤ بما ستؤول إليه هذه الحركات الاحتجاجية من ناحية الحجم والتأثير واتساع النطاق والانتشار.

وتشي هذه الاضطرابات بأن العالم على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير الناتج عن عدم الرضا الشعبي عن الحكام، فضلا عن الدور الذي تقوم به القوى الكبرى ومؤسسات التمويل الدولية من المساهمة في تنامي هذه الأزمات. وقد تختلف مألات هذه الاحتجاجات من دولة إلى أخرى حسب حدة الأزمة وحجمها، وكذلك طريقة تعامل الأنظمة الحاكمة مع مطالب شعوبها، سواء بالاستجابة أو بالمزيد من القمع، ودرجة الاستجابة “لإرشادات” المؤسسات الدولية.

ونحن بدورنا، سنواصل رصد التطورات المتنامية لهذه الظاهرة، وتداعياتها المختلفة، من خلال هذه السلسلة من التقارير، بما يساعد عل توقع مساراتها سواء في الأماكن التي حدثت فيها، أو في الأماكن التي يتوقع أن تعاني منها في المستقبل القريب.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close