fbpx
قلم وميدان

بين السياسي والعسكري

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

بين السياسي والعسكري

كان الفرسان هم فخر العرب، فكل قبيلة تفخر بفرسانها؛ فهم الذين يحمون الذمار والديار، فالنزاعات الكثيرة والصراعات والإغارات فيما بينهم تجعل الفرسان عماد قوتهم، وقد برز منهم كثيرون، كـ: عنترة بن شداد، وعمرو بن كلثوم… وغيرهما، فعنترة مدحه فرسان العرب؛ لجسارته وإقدامه؛ حيث حكى ذلك في معلقته بقوله:

وَلَقَد شَفى نَفسي وَأَذهَبَ سُقمَها قيلُ الفَوارِسِ وَيكَ عَنتَرَ أَقدِمِ

وعمرو بن كلثوم الذي وصف نفسه وقومه بالقوة والبطش فقال:

وَنَشرَبُ إِن وَرَدنا الماءَ صَفوًا
إِذا ما المَلكُ سامَ الناسَ خَسفًا
مَلأنا البَرَّ حَتّى ضاقَ عَنّا
إِذا بَلَغَ الفِطامَ لَنا رضيعٌ
 وَيَشرَبُ غَيرُنا كَدَرًا وَطينا
أَبَينا أَن نُقِرَّ الذُلَّ فينا
كذاك البَحرُ نَملؤُهُ سَفينا
تَخِرُّ لَهُ الجَبابِرُ ساجِدينا

وإذا فقدت القبيلة الفرسان كان حالها كحال القائل:

لَوْ كُنْتِ مِنْ مَازِنٍ لَمْ تَسْتَبحْ إِبِلِي
إذن لَقامَ بِنَصْرِي مَعْشَرٌ خُشُنٌ
قَوْمٌ إذا الشَّرُّ أبْدَى نَاجِذَيْهِ لَهُمْ
لاَ يَسْأَلُونَ أخَاهُمْ حِينَ يَنْدُبُهُمْ
لَكِنَّ قَوْمِي وَإنْ كانُوا ذَوِي عَدَدٍ
يَجْزُونَ مِنْ ظلَمْ أهْلِ الظُّلْمِ مَغْفِرَةً
كأَنَّ رَبَّكَ لَمْ يَخْلُقْ لِخَشْيَتِهِ
فَلَيْتَ لِي بِهِمِ قَوْمًا إذَا رَكِبُوا
 بَنُو اللَّقِيطَةِ مِنْ ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانا
عِنْدَ الْحَفِيظَةِ إِنْ ذُو لُوثَةٍ لاَنا
طَارُوا إلَيْهِ زَرَافاتٍ وَوُحْدَانا
فِي النَّائِبَاتِ عَلى ما قالَ بُرْهانَا
لَيْسُوا مِنَ الشَّرِ فِي شَيءٍ وَإنْ هانَا
وَمنْ إسَاءَةِ أهْلِ السُّوءِ إِحْسَانَا
سِوَاهُمُ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ إِنْسَانا
شَدُّوا الإِغَارَةَ فُرْسَانًا وَرُكْبانَا

ورغم هذه المكانة للفوارس فمقام الساسة والملوك أعظم، وليس أدل على ذلك من مدح عنترة للملك النعمان، ملك الحيرة، الذي أولى عنترة الرعاية، واصطفاه وقرّبه إليه، فقال فيه عنترة:

بين السياسي والعسكري

يا أيها الملكُ الذي راحاتُهُ
يا قِبْلَةَ القُصَّادِ يا تاجَ العُلا
يا مُخجِلًا نَوْءَ السَّماء بجُودهِ
ملكٌ حوى رتبَ المعالي كلّها
مولى به شرفَ الزَّمانُ وأهلهُ
وإذا سطا خافَ الأنامُ جميعهم
المظهرُ الإنصاف في أيَّامهِ
ملكٌ إذا ما جالَ في يوم اللّقا
والنَّصْرُ من جُلَسائِهِ دونَ الورى
فلأشكرنَّ صنيعه بينَ الملا
 قامَتْ مَقامَ الغيْثِ في أزمانِهِ
يا بدْر هذا العصر في كيوانه
يا مُنْقذَ المحزونِ منْ أحزانه
بسموِّ مجدٍ حلَّ في إيوانه
والدَّهْرُ نالَ الفَخْرَ من تيجانه
منْ بأْسهِ واللّيثُ عنْد عِيانِه
بخصالهِ والعدلَ في بلدانهِ
وَقَفَ العدُّو مُحيَّرًا في شانه
والسَّعد والإقبالُ من أعوَانه
وأُطاعِنُ الفُرْسانَ في مَيْدانِهِ

هذا قبل أن يكون للعرب دولة، ولكن قبيل قيام دولة العرب كان هناك أمور لا تخطئها العين؛ فهم كانوا دائمًا ما يختارون السياسيين أصحاب الحنكة والدهاء على الفرسان الشجعان.

ففي مكة كانت القيادة للساسة؛ فأبو سفيان كان سيد مكة، وهو كان قائدًا سياسيًّا أكثر منه قائدًا عسكريًّا، رغم وجود خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهما في قريش، واتضح هذا جليًّا في دولة الإسلام التي أنشأها وأقامها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم، فبعد وفاته -صلى الله عليه وآله وسلم- اختار المسلمون أبا بكر الذي لم يشتهر عنه أنه قائد عسكري، ومن بعده عمر، ومن بعده عثمان، وكلهم سياسيون رغم وجود خالد والمقداد وأبي عبيدة وغيرهم كثير ممن صنعوا البطولات، وفتحوا البلدان، ومصّروا الأمصار.

ويبدو أن العقلية العسكرية فيها دائمًا رهق؛ فهذا خالد بن الوليد يأمر بقتل الأسرى متأولًا تأوّلًا خطأ، مما حدا عمر بن الخطاب أن يشكوه لأبي بكر بقوله: «إن سيف خالد فيه رهق» [1].

لذلك أرى أنه لا تصلح العقلية العسكرية دائمًا في قيادة الأمم.

نعم… هي التي تصنع الإمبراطوريات، وتهدم دولًا… وتصنع البطولات… وترفع كرامة الأمم عاليًا ساعة النصر… وكذلك فهي التي تجلب العار لأممها ساعة الهزيمة والانكسار.

نعم … قد يصلح لعسكري أن يكون سياسيًّا بارزًا، ولكنها ليست القاعدة.

والأمم القوية هي التي توظّف القوة العسكرية في إطار مرسوم لا تخرج عنه.

فهل نعود لفكر العرب الأولين ورؤيتهم في جعل القائد العسكري تحت إمرة القائد السياسي…. فالسياسي يعتمد كثيرًا على قوة عقله… أما العسكري فيعتمد على قوته الغضبية الباطشة.

فدولة بني أمية التي كادت أن تفنى كان الحجاج هو الذي أقامها ثانية، وكان يد عبد الملك بن مروان الباطشة، فقتل ابن الزبير وابن الأشعث وغيرهما كثير.

ولولا أبو مسلم الخراساني ما كانت دولة العباسيين، ولكنه كان تحت أبي جعفر المنصور.

وقد رتّب أفلاطون في مدينته الفاضلة طبقات البشر، فكان الفلاسفة في قمة الهرم، فقد جعل قوة الغضب تماثلها طبقة المحاربين الفضلاء، وقوة النطق تماثلها طبقة الفلاسفة والحكماء، و«فصل في برنامج التربية الخاصة بالجند على أساس التدريب إلى 18 سنة، ثم الدراسة للمتميزين حتى سن الثلاثين، ثم دراسة الفلسفة للمتميزين -أيضًا- حتى الخمسين، حيث تتاح القيادة للأكثر تميزًا، بينما يظل البقية في طبقة الجند» [2].

ثم إن تجربتنا مع الحكم العسكري في منطقتنا العربية لهي خير دليل على فشلهم في تطوير المجتمعات ونهضتها، بل كانوا سببًا في تخلفنا ونكستنا.

وأخيرًا….

نقول للعسكريين: عودوا لثكناتكم، واكفونا أعداءنا، ولا تتورطوا في المزيد من الدماء… الوطن محتاج إليكم فلا تكونوا سببًا في انكسار هذا الوطن.

أمريكا والغرب وجيوشنا العربية

جيوشنا مصدر عزنا وفخرنا… بها نحمي أوطاننا… وندافع عن أعراضنا… وبها ندفع عادية المعتدي.

لكن أمريكا والغرب لتمكين نفوذهم في بلادنا، ولحماية ربيبتهم إسرائيل، فإنهم دائمًا ما يحاولون إسقاط هذه الجيوش وتدميرها، وذلك بإعطاء الضوء الأخضر لتسلط العسكر على شعوبهم، ثم بعد أن ينالوا ما يريدون يبدؤون في التخلص من هؤلاء القادة بعد أن يكون المراد من تدمير الشعوب والجيوش قد تم.

فعلوا ذلك مع صدام….

صدام الذي أذلّ شعبه وقهره، ثم حارب إيران سنوات عديدة بتمويل عربي، ومباركة غربية، ثم احتل الكويت فانتفضت أمريكا والغرب والعرب خلفها لإخراجه منها.

وبعدها أطاحوا به، ودمروا جيش العراق، واحتلوا العراق، ودخلوا عاصمة الرشيد.

وفرّقوا بين العراقيين؛ فهذا سني عربي، وهذا كردي، وهذا شيعي، وهذا سرياني… إلخ.

وقسّموا العراق إلى أجزاء ثلاثة، فالأكراد في الشمال، والشيعة في الجنوب، والسنة العرب في الوسط.

وأصبحت العراق ألعوبة في يد الإيرانيين وعملائهم في الداخل.

وأصبحت أمريكا تتعامل مع إيران في الخفاء لترتيب الأوضاع في العراق، رغم العداء الظاهري فيما بينهما.

وأصبح النفط العراقي في يد الأمريكان يفعلون به ما يشاءون.

وبعدما أعجزهم المكوث في العراق لبسالة المقاومة استأجروا المرتزقة، وأعلنوا الانسحاب بعدما تركوا عملاءهم يتمون ما بدأه بول بريمر.

وها هي العراق بعد خمس عشرة سنة من السقوط ما زالت تعيش في الفوضى والفرقة والحرب الأهلية.

ثم جاء الدور على القذافي

القذافي الذي كان نسيج وحده في عدم الاتزان والتخبط الفكري، كان يدعي الثورية والقومية، وبعدما رأى ما أصاب صدامًا من اعتقال ومحاكمة وإعدام، وما حل بجيشه من تسريح وتفكيك، قام بنفسه بإعلان تفكيك برنامجه النووي.

وعندما قامت الثورة ضده سارعت فرنسا والغرب وأمريكا بتوجيه الضربات العسكرية له، ومساعدة الثوار لوجستيًّا، وإمدادهم بالأسلحة.

وهذا التدخل لم يكن حبًّا للثورة والثوار بقدر خوفهم من سيطرة الثوار على حقول النفط، فأرادوا تأمين احتياجاتهم، ولكل شيء ثمن.

وتم تدمير جيش ليبيا.

أما سوريا الجريحة فبعد أن تركت أمريكا وفرنسا والغرب بشار المجرم عامين ونيف يذبّح شعبه، وبعد أن هاجمهم بالأسلحة الكيماوية أعلنوا -ذرًّا للرماد في العيون- أنهم سوف يقومون بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا.

فإذا بالمجرم بشار يقوم من تلقاء نفسه بتفكيك الأسلحة الكيماوية التي كان يمتلكها.

وأصبح الجيش السوري الذي لم يطلق رصاصة على العدو الصهيوني يحارب أبناء وطنه، والغرب يتفرج على هذه المشاهد المروعة من القتل والتدمير، ولا يحرك ساكنًا؛ لأن هذا يصب في مصلحة ربيبتهم إسرائيل.

وبذلك يتم تحطيم هذا الجيش بالصراع الدائر بين النظام والمعارضة، والفائز الوحيد هي إسرائيل.

وبعدما سبق فلا نريد لجيوشنا أن تتورط في مجابهة شعوبهم، بل عليهم أن يلتحموا مع شعوبهم، وأن يحافظوا على جيوشهم. فأمريكا والغرب غادرون، ولا يبحثون إلا عن مصالحهم، ويفرضون أنفسهم على العالم بقوة سلاحهم. والمستفيد الوحيد من تدمير الجيوش العربية هي إسرائيل، حتى لا يتهدد وجودها.

فيا أيها القادة أنتم حماية لشعوبكم…. وشعوبكم حامون لكم، ومن يتغطى بالغرب وأمريكا فهو عريان، ومن يحارب شعبه فهو خاسر، والشعوب الحرة هي من تنتصر في النهاية، وعلى الباغي تدور الدوائر.


[1] ابن الأثير: أسد الغابة، (5/54).

[2] ويكيبيديا الموسوعة الحرة، مقالة: تطور علم الاجتماع.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close