fbpx
دراساتأسيا وافريقيا

رؤية إثيوبية: إثيوبيا والقرن الإفريقي

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

هناك منطلق أساسي في رسم السياسة الإثيوبية تجاه منطقة القرن الإفريقي ينطلق من العمق الحضاري الذي يسمى إثيوبيا كدولة مسيحية تاريخا وثقافة، وهو الحافز الذي يتعامل بموجبه الغرب مع إثيوبيا رغم المتغيرات الحادثة في المجتمع الإثيوبي.

فعلى الرغم مما شهده تاريخها القريب من تحول إلى دولة شيوعية اشتراكية على عهد الرئيس منجستو هيلاماريام (عهد الدرك-1974)، ثم التحول في الوصف السياسي على عهد النظام الحالي (نظام الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية) إلى دولة علمانية لا علاقة للدين بالدولة وفق دستور عام 1995 الذي ساوى بين جميع الأديان، إلا أن محور الثقافة المسيحية والخلفية التاريخية للدولة العريقة في عاداتها وممارساتها هو الذي يشير إلى مكمن الهوية الحضارية الذي تتعامل به إثيوبيا مع غيرها من دول، وتجد نفسها هي الأخرى مجبولة على تلقي تعامل الآخرين.    

على مستوى آخر يأتي تعاملها كونها دولة لا منفذ بحري لها، “فإثيوبيا تاريخيا تعاني عقدة أنها دولة حبيسة”، باستثناء فترة ضمها لإرتيريا (1952-1993). (1) حيث تجدد هذا الإحساس بعد استقلال إرتيريا في نهايات القرن الماضي، واستئثارها بميناءي عصب ومصوع، وفق هذه الحيثيات يأتي تعامل إثيوبيا مع محيطها الإقليمي والدولي مستصحبا تاريخ وحضارة إثيوبيا على مدى (آلاف السنين) والمواريث الدينية، والتعددية الإثنية، والقدرات الاقتصادية والعسكرية وما ظل من تأثير متبادل مع العالم الخارجي وخاصة منطقة الشرق الأوسط. ولا تنسى إثيوبيا في تعاملاتها توظيف الظروف المحيطة بها كدافع لتحقيق طموحها كدولة إقليمية، إضافة إلى كسب تأييد ودعم العالم الغربي بعواطف الدين والجغرافيا.

مضيق باب المنجب
مضيق باب المندب

 أما فيما يتعلق بموجهات السياسة الخارجية لإثيوبيا في منطقة القرن الإفريقي فهي:

أولا: ظروف الأحداث بالمنطقة (المحيط الجغرافي السياسي) الذي يتطلب تعاملا مباشرا مع الأحداث السياسية التي تطرأ، ولما كان القرن الإفريقي من الأماكن الإفريقية الساخنة بأحداثها فهي تتطلب تعاملا سريعا وفق مستجداتها، خاصة فيما له تأثير على الأمن القومي الإثيوبي.

ثانيا: مخططات السياسة الخارجية وفق الأهداف المستقبلية التي تعمل إثيوبيا لبلوغها:

  1. الانفتاح الحضاري والخروج من الحيز الإقليمي-الجغرافي (علاج عقدة العزلة الجغرافية)، وكذلك مواءمة عقدة الثقافة التي تكونت نتيجة التاريخ الحضاري المسيحي للسلطة، وتفاعلاته على المستويين الإقليمي والعالمي لآلاف السنين في بيئة إقليمية ذات طابع إسلامي.
  2. رسم دور مستقبلي يحقق طموحها الإقليمي في المنطقة.

ظل الدور الإقليمي لإثيوبيا خلال العصر الحديث يتبلور بحكم ظروف الصراع في القارة الإفريقية والمصالح التي تربطها بالجوار الجغرافي سياسيا واقتصاديا، كما كان للواقع الدولي انعكاساته المباشرة سواء في مواقف أيدلوجية، أو أطماع إقليمية. فكانت منطقة القرن الإفريقي التي تضم كلا من الصومال، وجيبوتي، وإريتريا، وإثيوبيا إضافة إلى دول مجاورة متأثرة هي السودان وكينيا، وأوغندا، وجنوب السودان، تعاني إشكالات سياسية واقتصادية وتحديات كبيرة تجاه بلورة واقع معافى.

إثيوبيا كونها جزءا من تلك المنظومة، كانت من أكثر الدول التي عكست مأساة القرن الإفريقي في حروبه ومجاعاته وتنافسه الإقليمي، كما مثلت أدواراً أخرى مع جهات أجنبية على مدى ما يزيد عن ثمانية عقود خلال حكم كل من الإمبراطور هيلاسلاسي حين الغزو الإيطالي لإثيوبيا عام 1935م، وحين التقارب مع المعسكر الشيوعي على عهد الجنرال منجستو هيلا ماريام 1974-1987 ثم تحوله إلى أمريكا 1987-1991 وحتى بدايات النظام الحالي لمؤسسه الرئيس الأسبق ملس زيناوي(1995-2012)، فهي ظلت مؤثرة ومتأثرة بظروف المنطقة والواقع الإقليمي مستفيدة من الدعم الدولي.

الصومال
الصومال

منطقة القرن الإفريقي امتدادها-أهميتها

يقصد بمنطقة القرن الإفريقي الجزء الممتد على اليابسة الواقع غرب البحر الأحمر وخليج  عدن على شكل قرن.(2)، وبهذا المفهوم يحدد الجغرافيون شموله لأربع دول هي الصومال وجيبوتي وإرتيريا وإثيوبيا، بينما تتسع المنطقة أكثر عند النظر لها من زاوية سياسية واقتصادية لتشمل كينيا والسودان، وجنوب السودان، وأوغندا.(3)

 تُعتبر منطقة القرن الإفريقي سواء بحدودها الضيقة أو الواسعة، منطقة استراتيجية، كونها تطل على خليج عدن وتشرف على باب المندب، مقابلة لآبار النفط في شبه الجزيرة العربية والخليج العربي وملاصقة لإقليم البحيرات العظمى في وسط إفريقيا، الذي يتميز بغنى موارده المائية والنفطية والمعدنية، ولهذا كانت المنطقة، محلا للتنافس الاستعماري الذي عمل على تأجيج الصراعات بداخلها، خدمة لمصالحه. (4)

ويقول بعض الباحثين إنه وفقا لهذا المفهوم فإنها تمثل منطقة شرق إفريقيا المتحكمة بمنابع النيل والمسيطرة على مداخل البحر الأحمر وخليج عدن، وهي إن لم تكن جزءا رئيسيا من القرن الإفريقي فهي امتداد حيوي له. (5)

احتل القرن الإفريقي أهمية متجددة على مدار التاريخ بحكم ما يجمعه من دول وكيانات متباينة ذات مصالح مشتركة، وتأثيرات متبادلة فضلا عن موقع استراتيجي مؤثر على مسار المصالح الدولية والإقليمية.

القرن الإفريقي منطقة استراتيجية بالنسبة لآسيا وإفريقيا (وبقية دول العالم)، فهي يحدها باب المندب؛ المضيق الخارج من البحر الأحمر إلى المحيط الهندي. تبلغ المساحة الكلية لهذه المنطقة حوالي ستمائة وثلاثين ألف ميل مربع أو ما يزيد عن المليون ونصف كيلومتر مربع. (6)، وهناك تقدير آخر لمساحة القرن الإفريقي بنحو 1.9 مليون كيلومتر مربع. (7)

جذبت انتباه العالم حديثا خلال الحرب الأهلية الصومالية بداية الألفية الثانية- حينما تأثر العالم مباشرة بأعمال القراصنة الصوماليين الذين أخذوا يهددون الملاحة العالمية، واستطاعوا فرض شروطهم على الكثير من الدول، ووفقا لإحصاءات أصدرها البنك الدولي، فقد اختُطِفت في سواحل الصومال -منذ ظهور القرصنة بشكل لافت عام 2005- 149 سفينة، واحتُجـِز 3741 شخصا من طواقم هذه السفن من 125 بلدا، وقضى بعضهم فترة احتجاز استمرت ثلاث سنوات، بينما قـُتل ما بين 82 و97 بحارا نتيجة هجمات القراصنة الصوماليين. (8)

وأجبرت هذه القرصنة بعض دول العالم على دفع ملايين الدولارات كفديات للسفن التي تتعرض للقرصنة، كما أدت تطورات الخليج والحرب الباردة بين إيران والمملكة العربية السعودية إلى اهتمام متزايد من قوى إقليمية ودولية بالمنطقة ليتحول هذا الاهتمام بعد حرب اليمن، والحرب التي يشنها التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، إلى التسابق على المنطقة وإنشاء العديد من القواعد العسكرية في بعض دولها.

ويكتسب القرن الإفريقي أهميته الاستراتيجية من كون دوله تطل على المحيط الهندي من ناحية، وتتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، حيث مضيق باب المندب من ناحية ثانية. ومن ثم فإن دوله تتحكم في طريق التجارة العالمي، خاصة تجارة النفط القادمة من دول الخليج، والمتوجهة إلى أوربا، والولايات المتحدة. كما أنها تُعد ممرا مهما لأي تحركات عسكرية، قادمة من أوربا، أو الولايات المتحدة، في اتجاه منطقة القرن الإفريقي.(9)

خريطة التنافس الدولي والتغلغل الإقليمي فى منطقة القرن الأفريقي
خريطة التنافس الدولي والتغلغل الإقليمي فى منطقة القرن الأفريقي

يشكل القرن الإفريقي أهميته في الآتي:

موقعه الجو استراتيجي وما يجمعه من دول متباينة الثقافات، فضلا عن الموارد من بترول وغيره خاصة فيما تحفل به أرضه في الصومال، وجنوب السودان، إثيوبيا، أوغندا من ثروات.

وأهمية القرن الإفريقي ليست وليدة اليوم، فمنذ القدم تعتبر المنطقة تجمعا اقتصاديا وسياسيا بحكم إطلال دوله على باب المندب والبحر الأحمر. فقد كانت المنطقة ومنذ العصور القديمة محط أنظار القوى والإمبراطوريات المهيمنة، لأهميتها الاستراتيجية وإطلالها على طرق التجارة الدولية، ومنذ القرن الـ 15 ازداد التنافس الغربي على النفوذ بهذه المنطقة، بل وتحول لصراع في حالات عديدة. (10)

إلى جانب هذا هناك بُعدٌ آخر فيما يمثله تجمع دول القرن الإفريقي ذات الانتماء الإسلامي العربي من قوة اقتصادية ووجود إيديولوجي إسلامي، وهو ما يشكل واقعا على قوى دولية يتطلبها تعاملا خاصا لرسم توجهات المنطقة لمصالحها. وتأكيدا لذلك فإن ما تبذله الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية تجاه دول المنطقة يعطي دلالة اهتمام لا يقتصر على بعدها الاقتصادي بل فيما تشكله من بعد استراتيجي هام.

وترتبط الولايات المتحدة بمنطقة القرن الإفريقي بعلاقات استراتيجية ووجود استخباراتي وعسكري واستثماري منذ فترة الحرب الباردة، حيث تمتلك واشنطن قاعدة “كامب ليمونير” بالإضافة إلى مقرات قوات الأفريكوم (في دولة جيبوتي) وتعتبر تلك القاعدة هي الوحيدة المعلنة من قبل واشنطن، إلا أن كافة التقديرات تشير إلى وجود قواعد أمريكية صغيرة منتشرة في القارة الإفريقية بشكل عام وفى القرن الإفريقي بشكل خاص، حيث يتواجد في كينيا قاعدتا ميناء “ممبسة” والبحري و”نابلوك”، وفى إثيوبيا تمتلك واشنطن قاعدة عسكرية للطائرات بدون طيار في منطقة “أربا مينش” منذ 2011، وقد كانت الصومال تضم قاعدتين أمريكيتين في ميناء البربير، لكن التطورات اللاحقة أدت إلى نقل القاعدتين إلى جيبوتي.(11)

إثيوبيا وفقا لهذه المعايير تمثل حليفا لا يستهان به، في سبيل أداء دور استثنائي في المنطقة، كما أن هناك ما تمثله من عمق كدولة ذات حضارة قديمة، وتاريخ حافل في تفاعلاته مع العالم العربي خاصة منطقة اليمن والجزيرة العربية، ومن ثم تأخذ أهميتها في بعدها الحضاري ويتشكل دورها، كدور رئيسي.

أقراء أيضاً

تلعب إثيوبيا دورها السياسي في المنطقة عبر مسارين:

أولا: في إطار الجوار: العمل على تأمين حدودها وتحقيق سلام وتعايش يحقق لها أهداف التنمية التي ترفع شعارها كهدف استراتيجي-من أهم الشعارات التي ظل يتبناها رئيس الوزراء الراحل ملس زيناوي (رائد نهضة إثيوبيا الحديثة 1991-2012م) خاصة بعد انتهاء الحرب الإريترية الإثيوبية “إن العدو الأول لإثيوبيا هو الفقر الذي ينبغي تسليط الحرب عليه”.

ثانيا: في الإطار العام: فهي تنطلق بخلفيات تاريخ حضاري، ومصالح وارتباطات دولية. ومن ثم فإن سياستها في المنطقة تسير عبر مفهوم السلام بالمعنى الإثيوبي لتحقيق غايات التنمية، وما تقود إليه المصالح في إطار التفاعلات الدولية. (12)

خلفيات الماضي

– ظلت إثيوبيا كدولة إفريقية ذات صلة مباشرة بما يحيطها من واقع إفريقي تُعايش مشاكله وتطلعاته. فخلال فترة الـ 44 عاما من حكم الإمبراطور هيلاسلاسي (1930-1974م) كان الدور الإفريقي في الإسهام في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية في 25 مايو 1963م إلى جانب القيادات التاريخية للمنظمة ناكروما، نيريري، عبد الناصر.

ورغم ما كانت تعانيه إثيوبيا من واقع اقتصادي صعب فقد ظلت على مقربة من قضايا القارة الإفريقية والجوار الإفريقي، كقضية جنوب السودان. (الدور الرئيسي الذي لعبه الإمبراطور هيلاسلاسي في اتفاقية سلام أديس أبابا عام 1972م بين شمال وجنوب السودان) خلال عهد الجنرال منجستو هيلا ماريام (1976-1993) تغير الدور بحكم الطموحات الإقليمية التي صبغت توجهات العسكريين الإثيوبيين إلى جانب ما كانوا يشكلونه هم الآخرون من هدف للمعسكر الاشتراكي في الاتحاد السوفيتي وكوبا.

كانت حرب أوغادين بين الصومال وإثيوبيا عام (1977 -1978)، على عهد الرئيس الصومالي سياد بري والإثيوبي منجستو هيلا ماريام دلالة واضحة للبعد الإيديولوجي الذي ساعد الرئيس منجستو في كسب الحرب أخيرا ليبسط سيطرته بمساعدة الدول الاشتراكية (روسيا، كوب، اليمن الديمقراطي) على منطقة الأوجادين والتي هي الآن إحدى الأقاليم الفيدرالية ضمن السيادة الإثيوبية. وفي جانب آخر كان للحكومة الاشتراكية دورا مباشر في تصعيد الحرب في جنوب السودان، مما كان له من انعكاسات على العلاقات مع الخرطوم المتوترة أصلا.

وعلى مستوى آخر كانت أديس أبابا تعاني من الثوار الإريتريين، والجبهات الإثيوبية القومية المعارضة للنظام الاشتراكي كجبهة تحرير التقراي والفصائل القومية الأخرى كالارومو، والأمهرة، العفر والصومال، وبني شنقول… الخ.

وظل نظام الرئيس الإثيوبي منجستو هيلاماريام مشغولا بمواقفه السالبة في النطاق الإقليمي فضلا عما جرته سياساته هذه من ظروف حرب أهلية ومجاعة في الداخل حصدت أرواح عشرات الآلاف من الإثيوبيين، وعداء إقليمي في الخارج؛ كل ذلك مجتمعا هو ما تسبب في سقوط النظام الاشتراكي وجاء بالثوار الإثيوبيون بقيادة تحالف الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية (EPRDF) تحت قيادة الرئيس الراحل ملس زيناوي.

إثيوبيا على عهد النظام الفيدرالي الحالي بقيادة -الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية-تتبنى دورا إقليميا ضمن السياسة المتوازنة التي ينتهجها النظام، وقد اتضحت هذه السياسة في الجهود التي تبذلها تجاه دول الجوار المؤثرة كالصومال والسودان.

حيث شكلت الأزمة الصومالية (منذ عام 1991) بحكم الجوار الجغرافي والتنافس الإقليمي (قضية الأوجادين) هاجسا حقيقيا للقيادة الإثيوبية في أبعادها المختلفة، فاستحوذت على همً وجهد السياسة الإثيوبية لسنوات طويلة. فبعد سقوط نظام الرئيس محمد سياد بري عام 1991م كان لإثيوبيا دورها في استضافتها للفرقاء الصوماليين بأديس أبابا وقيامها بدور الوسيط بين فصيلي رئيس الوزراء الصومالي المنتخب على مهدي وغريمه الجنرال محمد فارح عيديد، إلى جانب قيادات قبلية صومالية أخرى أمثال الكولونيل عبدالله يوسف، واللواء آدم عبد الله، وعثمان عتو.

واستمر الدور السياسي لإثيوبيا في معالجة الساحة الصومالية واستضافتها للجبهات الصومالية لعدة سنوات، وكان من ضمن جهودها مبادرة سودري عام 1997 م لتسوية الوضع الصومالي التي فشلت كغيرها من مبادرات مصطدمة بالتنافس القبلي الذي يسود الساحة الصومالية آنذاك. حيث أفرزت الصراعات الصومالية ضمن التنافس القبلي والاقتتال مزيدا من التعقيد مما أدى إلى دخول قوات الأمم المتحدة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ثم انسحابها منها في (مارس 1994م) بعد الهزائم المتلاحقة التي نالتها، ليعقب ذلك تمكن نظام المحاكم الإسلامية الذي بسط سلطته في الصومال، ثم يتحول الدور الإثيوبي إلى  طريق آخر في محاربة المحاكم بدعم ومساعدة الولايات المتحدة الأمريكية ومن ثم الدخول إلى الصومال عام 2006 تحت غطاء محاربة الإرهاب وطرد عناصر الإسلاميين من السلطة، ثم بعد ذلك يتجدد دورها في بسط نفوذها على الصومال ومحاربة تنظيم (الشباب المجاهدين)، ودعم الرئيس الصومالي شريف شيخ أحمد المنشق عن قيادة  سلطة المحاكم الإسلامية.

ظل الدور الإثيوبي يتجدد عبر محاور سياسية وأمنية ودبلوماسية في سبيل تأمين الجوار الصومالي، والعمل للحيلولة دون أي تأثير على أمن واستقرار إثيوبيا. إضافة إلى تصرفها كشرطي إقليمي فيما يوكل لها من مهام دولية عبر الأمم المتحدة، أو عبر القوى الدولية وخاصة أمريكا (التي فشلت في تحقيق طموحاتها في الصومال)، مع استحضار انعكاسات هذا الملف عليها (ملف الصومال) بحكم ما يتخلل هموم البلدين من مطالب واستحقاقات، فضلا عما تخشاه من تدخل دول أخرى في المنطقة، كمصر ضمن خلفيات الخلافات التاريخية في قضية تقاسم مياه النيل، والتي تربطها بالصومال علاقات سياسية وثقافية، إضافة لدولة إرتيريا التي توصم كلاعب سلبي في حسابات السياسة الإثيوبية ضمن حيثيات التنافس الإقليمي.

أما تجاه السودان فيجيء دورها بحكم المصالح كذلك وكامتداد جغرافي طبيعي مؤثر، حيث لعبت إثيوبيا خلال عقد السبعينات دورا مبكرا  في قضية جنوب السودان برعاية مباشرة من الإمبراطور هيلاسلاسي تكلل بنجاحها في عقد اتفاقية السلام الأولى  بأديس أبابا عام1972 بين الرئيس السوداني الأسبق جعفر محمد نميري والزعيم الجنوبي الجنرال جوزيف لاقو، ثم استمر دورها بعد انفصال جنوب السودان في تضييق هوة الخلافات بين قيادات الفصائل السودانية المعارضة ممثلة في-قيادة الأحزاب السودانية والحركة الشعبية، إلى جانب الحركات الدارفورية مع نظام الرئيس المعزول عمر البشير، ثم يتطور الدور إلى اهتمام حقيقي ينمو يوما بعد يوم تجاه تطورات الساحة السودانية، والعمل على تحقيق السلام في الداخل السوداني الذي لا تخفى إثيوبيا خوفها من تأثيره الأمني عليها عبر الحدود الممتدة والتداخل السياسي والاجتماعي المؤثر بين البلدين. فقد لعبت إثيوبيا دور الوساطة بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري عقب سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير (في أبريل 2019) ما أدى إلى تحقيق التوافق السياسي بين الطرفين.

هذا فضلا عما تلعبه تجاه دولة جنوب السودان الوليدة من دور ليس بعيدا عن المعارضة التي تشكلها قبيلة النوير ذات الامتداد القبلي داخل إثيوبيا (قبيلة مشتركة بين جنوب السودان وإثيوبيا) تحت قيادة رياك مشار وبعد اتفاقية سلام الخرطوم عام 2018 بين حكومة سلفا كير والمعارضة يظل الدور الإثيوبي مراقبا للأوضاع حريصا على تحقيق المصالح الإثيوبية على النطاق السياسي والاقتصادي في ذلك البلد الغني بثرواته.

السودان
السودان

ملفا الصومال والسودان:

  يظل الملف الصومالي والملف السوداني من أهم الملفات التي تعمل السياسة الإثيوبية للاهتمام بهما خلال المرحلة المقبلة– لما يشكلانه من تأثير وهاجس تخشى إثيوبيا تبعاته.

فبالنسبة للصومال تسعى إثيوبيا للعمل معه في إطار علاقة ودية ترعى الظروف الأمنية، فرغم عدم الحرص على استقرار حقيقي له بدافع التنافس الإقليمي، فإنها تراقب عن كثب ما يمكن أن تشكله تحركات دول أخرى (كإرتيريا، ومصر) من خطر واستهداف. وهناك مصالح تحرص إثيوبيا على الحفاظ عليها في دولة أرض الصومال غير المعترف بها دوليا حيث تستفيد إثيوبيا حاليا من استخدام ميناء بربرة ضمن سياسة تنويع المنافذ البحرية التي تتبعها، للتقليل من الاعتماد على ميناء جيبوتي، الذي تستغله بنسبة تفوق الـ 90% في حركة صادراتها ووارداتها.

أما فيما يتعلق بالسودان فتحرص السياسة الإثيوبية على ديمومة السلام معه، وتجفيف أية مشاكل تأتي ضمن التداخلات الحدودية بين البلدين، لذا تنشط دبلوماسية البلدين لخلق حدود أمنة متعاونة، واعتماد وسائل دبلوماسية لمعالجة قضية الحدود، خاصة مشكلة الفشقة التي لا تزال قائمة بين البلدين (أرض سودانية خصبة على حدود ولاية القضارق يزرعها أهالي إثيوبيين)، حيث تجمدت أنشطة اللجان العاملة لرسم الحدود بين البلدين لأسباب الظروف السياسية التي عاناها البلدان خلال الأعوام الأخيرة وكانت سببا في تغيير نظامي البلدين.

إلى جانب هذه الملفات يأتي ملف قضية دولة جنوب السودان بعد انفصاله، حيث تسير السياسة الإثيوبية الداعمة لتوجهات سلام الجنوب على وقع المصلحة الإثيوبية في دعم المعارضة (قبيلة النوير)، والمزاج الغربي الذي يعمل بحرص شديد لتحقيق استقرار حقيقي في جنوب السودان لأجل المصالح والهيمنة.

 دوافع رسم السياسات في الدور الإثيوبي:

  1. البعد الحضاري التاريخي لإثيوبيا في المنطقة.
  2. ما تشهده المنطقة من تطورات سياسية تفرض على إثيوبيا حضورا دائما.
  3. مواجهة التيارات الدينية المتشددة ما يسمى (بالإرهاب)، على الرغم من أن (الوجود الإسلامي داخلها 60% مسلمين).
  4. العمل بالتعاون مع القوى الدولية وفق الرؤى المشتركة ضمن ظروف خاصة (كما فعلت في الدخول إلى الصومال عام 2006 في حربها على الجماعات الإسلامية (نظام المحاكم الإسلامية) بدافع محاربة الإرهاب.

البعد الإقليمي لإثيوبيا في منطقة القرن الإفريقي:

التاريخ:

لإثيوبيا تاريخ قديم مع السواحل العربية في اليمن والجزيرة العربية (البحر الأحمر) يرجع إلى عهود ما قبل وبعد الإسلام، كما لها مصالحها المشتركة مع تلك المنطقة ضمن تفاعلاتها الحضارية. (هذه السواحل في البحر الأحمر ومضيق باب المندب والمحيط الهندي، التي تعتبر العمق الحقيقي للقرن الإفريقي تمثل إثيوبيا (إثيوبيا الكبيرة) إلى جانب الصومال المدخل المباشر لها، ومن ثم تأتي أهمية إثيوبيا في بعدها الجغرافي الحضاري.

السكان:

تشكل إثيوبيا حاليا رقما حقيقيا في منطقة القرن الإفريقي-كونها الدولة الكبيرة ذات الكثافة السكانية (110 مليون نسمة، الثانية تعدادا على المستوى الإفريقي بعد دولة نيجيريا)، وذات التباينات السكانية (85 قومية).

المكانة:

من حيث ما تتمتع به الآن من صفة سياسية كمركز سياسي مهم في القارة الإفريقية (مقر منظمة الاتحاد الإفريقي، واللجنة الاقتصادية الإفريقية التابعة للأمم المتحدة والعديد من المنظمات الدولية)، وإحدى القوى العسكرية المرموقة في المنطقة.

ولها حضورها القوي في جميع التحولات، كما لها إسهاماتها في كل تطورات المنطقة. (مقارنة مع قرنائها بالمنطقة) والمشرف المباشر على واقع السلام، ضمن دول القرن الإفريقي في ظروف عدم الاستقرار الذي لا زالت تعاني منه بعض الدول كجنوب السودان، الصومال، وذلك بحكم مركزها السياسي الإفريقي. وكونها عضو أساسي في منظمة دول الإيقاد التي ترعى استقرار وسلام المنطقة.

إلى جانب ذلك وعلى نطاق الأمن الإقليمي، تساهم إثيوبيا بأكثر من 8 آلاف جندي ضمن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مقدمة الدول الإفريقية بتاريخ حافل يمتد لـ 70 عاما حسب ما أكدته وزيرة الدفاع الإثيوبية عائشة محمد خلال الاجتماع الوزاري لحفظ السلام “حول القدرات النظامية والحماية” الذي عقد بمقر الأمم المتحدة بنيويورك في 31 مارس 2019م (13)

التحولات الاقتصادية والتكوينية:

والتي تشهدها إثيوبيا وتجعل منها قوة ذات أثر مباشر في كل ما تشهده منطقة القرن الإفريقي، فإثيوبيا حاليا ووفق ما تتداوله جهات المنظمات والهيئات الاقتصادية المتخصصة في طريقها للتحول إلى دولة متوسطة، وهذا ما تشهد به كذلك مؤشرات النهضة الحالية سواء في البنية التحتية، أو التطور الكبير الذي تشهده كل أقاليمها، أو النقلة التي يشهدها اقتصادها في استمراره بمتوسط نسبة نمو تبلغ (8.5%).

يقول تقرير لـ «إرنست آند يونغ» (*) والذي صدر خلال العام 2016م، إن النمو الاقتصادي  المستمر لإثيوبيا نجح في تقليل الفقر بشكل كبير من 44 في المائة في عام 2000 إلى 30 في المائة في عام 2011. ويُشير التقرير الذي جاء بعنوان “الركض العظيم في إثيوبيا” إلى الأسباب وراء النمو المثير للإعجاب والذي جاء بدعم من تنمية الخدمات والزراعة على جانب العرض، والاستهلاك الخاص والاستثمار في جانب الطلب.

وعلى خلفية النمو السريع والجهود التي تبذلها الحكومة في القطاع الصناعي لجذب الشركات العالمية. يتوقع تقرير لـ «إرنست آند يونغ»، ولديه مكتب في العاصمة أديس أبابا، أن الاستثمار الأجنبي المباشر في إثيوبيا سيسجل متوسط 1.5 مليار دولار سنويا على مدى السنوات الثلاث المقبلة، ارتفاعا من 1.2 مليار دولار في العام الماضي. ويتوقع التقرير أن تحتل إثيوبيا مرتبة بين أكبر أربعة مراكز للتصنيع في إفريقيا بحلول عام 2025″ وقبل سبع سنوات، لم تستطع البلاد استقطاب استثمارات من الخارج سوى بنحو 108.5 مليون دولار فقط. ووفقًا لتقديرات البنك الوطني الإثيوبي، بلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في إثيوبيا نحو 3.6 مليار دولار خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وجرى تقديم تراخيص لنحو 2146 مستثمرًا أجنبيًا شاركوا في استثمارات تزيد قيمتها على 187 مليار دولار خلال الفترة نفسها، كما تم تنفيذ 637 مشروعًا استثماريًا، وفقًا لوكالة الأنباء الإثيوبية. (14)

  • تطور كهذا لابد أن ينعكس على وضعها الإقليمي في القارة الإفريقية لا سيما منطقة القرن الإفريقي.
  • التحول السياسي الديمقراطي الذي أعقب الاحتجاجات التي شهدتها الأعوام 2015-2016 وأدت إلى استقالة رئيس الوزراء السابق هايلا ماريام ديسالين وتولي الرئيس الجديد آبي أحمد رئاسة الوزراء خلفا له عبر استحقاق وعملية ديمقراطية متقدمة تفتقدها الكثير من الدول الإفريقية. حيث يشكل التحول الديمقراطي الحالي إرث حضاري يمكن البناء عليه مستقبلا، مما يفرز من قيادات إثيوبية راسخة على المستوى الداخلي والخارجي في حفظ المصالح القومية الإثيوبية.

ظروف وإشكالات وتحديات المنطقة:

إضافة لما يشهده القرن الإفريقي من عدم استقرار في بعض دوله، فهو يُشكل هدفا استراتيجياً للمرحلة القادمة بحيثيات متعددة منها:

1- الموقع الاستراتيجي في البحر الأحمر ومضيق باب المندب كممر حيوي، وهدف تسابق للقوى الدولية (أمريكا-روسيا-فرنسا –إيران-تركيا-إسرائيل…) إلى المنطقة.

2- ظروف التحولات السياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط في اليمن، وليبيا، وسوريا، والعراق.

3- انعكاسات الحرب في اليمن وتأثيراتها على النطاق الإقليمي.

4- قضية خلافات مياه النيل وما يمثله مشروع سد النهضة من تحدي مشترك بين إثيوبيا ومصر.

5- إلى جانب هذه العوامل فهناك -تحديات اقتصادية تتمثل في قضية نقص الغذاء حسب ما تشير إليه منظمات دولية مما يجعل دول القرن الإفريقي محط تنافس للعديد من الدول الأخرى.

أقراء أيضاً

الصراع القادم:

ما يشهده العالم من تحول، وتغير ورسم معالم جديدة بدأت ملامحها بالشرق الأوسط – تعطي آثارها في مناطق أخرى، تُمثل فيها منطقة القرن الإفريقي هدفاً بحكم الموقع والظروف الاقتصادية، كما يُمثل القرن الإفريقي، التحدي وثيق الصلة بالأمن القومي الإثيوبي، ومعترك التنافس تجاه الدور الإقليمي القائد الذي تطمح إثيوبيا القيام به.

إثيوبيا بخلفيات ماضيها الذي عانت فيه ظروف شتى، وبتكوينها الجديد كقوى إقليمية اقتصادية، فهي تنظر إلى رسم سياساتها في منطقة القرن الإفريقي وفق هدف السلام الذي يعني لها التنمية كأولوية، وهو السبيل الوحيد لكسر مواساة عزلتها العقائدية والجغرافية.

– إضافة إلى عامل المصالح إذا دعا داعي الضرورة في الصراع الدولي الذي تبدو ملامحه جلية، فيما تشهده منطقة الشرق الأوسط عبر امتدادها السياسي في منطقة القرن الإفريقي من تطورات، تارة تحت شعار ما يسمى بحرب الإرهاب. وأخرى فيما تمثله إيران من عامل (تهديد) يظل مستقلا من دول كالولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل، ودول غربية أخرى. ويظل كهاجس خوف مستمر لدول الخليج العربي الغنية خاصة في السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.

فأهم السياسات والأهداف التي تظل تعمل من أجلها إثيوبيا كعضو أساسي في مجتمع القرن الإفريقي في خضم التطورات الإقليمية والدولية، تحقيق غايات مدنية حضارية في بناء الدولة الإثيوبية، واعتماد السلام كهدف وخيار بحكم كونها دولة إفريقية مغلقة، والعمل كقوى إقليمية بحكم طموحها الإقليمي ونظرتها لآفق التحديات الإقليمية والعالمية المقبلة.

 اعتمادا على ذلك فهي الآن:

حريصة على إرساء أسس علاقة وتعاون مع كافة دول المنطقة.

– ذات علاقة خاصة مع الصومال تستحضر فيها هدف السلام كغاية أساسية في علاقة البلدين بحكم الجهود التي بذلتها في الماضي وتظل تبذلها في سبيل جوار أمن لها.

  • كما تحتفظ بعلاقة خاصة مع دولة الصومالي لاند (غير المعترف بها دوليا) بهدف الاستفادة من ميناء بربرة (تستخدمه الآن فعليا) في تحقيق المصالح المشتركة.
  • فهي مع دولة جيبوتي لها علاقة متميزة لما تشكله جيبوتي من منفذ حيوي وممر لتعاملاتها الخارجية، عملت معها لإكمال الخط الحديدي بين أديس أبابا وميناء جيبوتي بتكلفة تجاوزت الـ (3.4 مليارات دولار) إضافة إلى اتفاقيات تجارية، واتفاقيات في حركة وإقامة مواطني البلدين، كما أكملت معها مشروع الربط الكهربائي بين البلدين.
  • مع دولة إرتيريا ظلت العلاقات مقطوعة طيلة ما يقارب العقدين من الزمان بعد الحرب الإريترية الإثيوبية عام 1999م، والتي اشتعلت نتيجة خلافات حدودية على منطقتي بادمي، وزالامبسا بُعيد استقلال إرتيريا، وانتهت تلك الحرب (باتفاقية الجزائر) في ديسمبر 2000م، لتظل العلاقات بينهما مقطوعة على خلفية احتفاظ إثيوبيا بمنطقة بادمبي والتي سبق لإرتيريا نيل حكم قضائي بأحقيتها من محكمة العدل الدولية في لاهاي.
  •  شهدت فترة ما بعد الحرب مكايدات واتهامات متبادلة في زحزحة الاستقرار.
  • كان التحول التاريخي بعودة العلاقات في يوليو 2018 بإعلان أسمرا للسلام والصداقة، والذي وقعه الرئيسان الاريتري أسياس أفورقي والإثيوبي آبي أحمد لتنتهي بذلك فترة الجمود، ورغم عدم تنفيذ إثيوبيا لالتزامها بإعادة “منطقة بادمبي” إلى إرتيريا والتي يصطدم فيها القرار بإشكالات دستورية وقومية، تتسم العلاقة بينهما حاليا بنوع من الرغبة في طي المشاكل وفتح صفحات جديدة للتعاون، حيث تمثل علاقة الدولتين صلات تمازج اجتماعي وثقافي وبعد تاريخي، كما يمثل استقرار هذه العلاقة خيارا أفضل بالنسبة للقوى الدولية.
  • لها علاقات دافئة مع كل من أوغندا وكينيا، وسبق لها لعب دور الوساطة بين كل من الصومال وكينيا في قضية الخلافات الحدودية البحرية بين البلدين، وقد نجحت إثيوبيا في إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين في مارس الماضي، ولا تزال جهود رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد تعمل لحل خلافات البلدين من خلال رئاسته لهيئة الإيقاد.
  • مع اليمن (العمق العربي للقرن الإفريقي) تمثل العلاقة امتدادا لأواصر علاقات ظلت ممتدة لقرون ضاربة في جزور التاريخ، حيث يمثل الوجود اليمني شريحة سكانية واقتصادية معترف بها، وعلى المستوى الرسمي هناك اتفاق سابق على مشروع الربط الكهربائي بين البلدين والعديد من المعاملات التجارية المشتركة بين البلدين رغم ظروف حرب اليمن.
  • مع السودان تسيطر هموم الجوار على معطيات العلاقة. فالسودان يعتبر امتدادا للأمن السياسي والاجتماعي لإثيوبيا بمعطيات التاريخ القديم منذ عهد المهدية في السودان (الدراويش)، مرورا بعهد ما بعد الاستقلال، ونظامي الرئيس جعفر نميري وعمر البشير، وقد لعبت إثيوبيا دورا هاما كوسيط في تحقيق اتفاق تقاسم السلطة حديثا بين المجلس العسكري الحاكم في السودان وقوى الحرية والتغيير التي قادت (الثورة الشعبية)، وكان لها دور تاريخي في الإشراف على توقيع الطرفين “الوثيقة الدستورية للمرحلة الانتقالية” في أغسطس الماضي لتنتهي حالة عدم الاستقرار السياسي الذي ظل يعانيه السودان بعد الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس عمر البشير في أبريل المنصرم.  

هناك الكثير من المشاريع المشتركة– التكامل الاقتصادي بين الحدود، مشروع الخط الحديدي بين مدينة بورتسودان وشمال إثيوبيا (أجازته سياسة البلدان)، المنطقة التجارية الحرة لإثيوبيا في بورتسودان (ميناء حر تتمتع به إثيوبيا وفق اتفاق مبرم بين الدولتين).

  • إضافة إلى تحقيق الربط الكهربائي بين الدولتين الذي اكتمل جزئيا بين المناطق الشمالية لإثيوبيا وولاية القضارف.
  • هناك اتفاق تبادل لمد إثيوبيا بحاجاتها النفطية وأخذ السودان لحاجته من الكهرباء، وهو اتفاق يظل مستمرا في الظروف العادية لتدفقات النفط السوداني وإمدادات الكهرباء من السدود الإثيوبية.
  • إلى جانب هذه الدول فهناك الدولة المصرية فرغم أنها لا تنتمي إلى دول القرن الإفريقي جغرافيا، فهي تربطها العلاقة الجغرافية في مياه النيل المتدفقة عبر الهضبة الإثيوبية، كما لها مصالح ممتدة مع دول القرن الإفريقي.
  • ظلت إثيوبيا حريصة لخلق علاقة تعاون أخوي مع القاهرة في مشروع سد النهضة (قيد الإنشاء) الذي لا يزال الطرفان يقدمان فيه خيار التفاوض، فقد توافقا البلدان على تبني رؤية تعاون مشتركة قائمة على التكامل الاقتصادي، واحترام حق كل منهما في تحقيق التنمية. وتتخوف القاهرة من بناء سد النهضة في تقليل حصتها المائية من نهر النيل (55.5 مليار متر مكعب سنويا، وفقا لاتفاقية مياه النيل التاريخية عام 1956)، فيما تقول إثيوبيا إن السد سيحقق لها فوائد تنموية، ولن يتسبب في نقص مائي لدولتي المصب، السودان ومصر.
  •  مع ما ظل يعتري علاقة البلدين من توترات واتهامات في الماضي، إلا أن ما تشهده هذه العلاقة حاليا بعد تولي رئيس الوزراء الإثيوبي الدكتور آبي أحمد يعتبر تحولا حقيقيا تحرص الدولتان على استغلال مناخه لتعاون حقيقي وعمل مشترك في مختلف المجالات.
أقراء ايضاً

سد النهضة

ضمن أهداف التنمية يأتي مشروع سد النهضة تكلفته (4.8 ملياردولار) كخيار مستقبلي لإثيوبيا، وكأهم الأهداف الاستراتيجية للمرحلة القادمة للانتقال بإثيوبيا إلى دولة عصرية وقوى إقليمية. يمثل مشروع سد النهضة (تجاوزت مرحلة البناء حسب آخر الإفادات الرسمية الآن 50%) واحدا من أهم عناصر السياسة الإثيوبية التي ظلت إثيوبيا تتحرك بها  في المحيط المحلي والإقليمي والدولي، دعاية، وكسب تعاطف، وتحقيق دعم، وهو رغم ما أحدثه من زخم خلاف وشد وجذب مع جمهورية مصر التي تخشى على نقص حصتها في مياه النيل فقد نجحت إثيوبيا في اختيار توقيت بناءه، وحشد التأييد له من مجموعة دول حوض النيل (مجموعة عنتيبي)، كما نجحت بالخروج به إلى مائدة التفاوض مع الدول المعنية به (السودان ومصر) ليصبح أمرا واقعا رغم ما تمثله تفاصيله من خلاف.

واقع سد النهضة رغم ما يشهده من تطورات، يأتي في مقدمتها مقتل مديره المهندس سيميجيتو بيكلي ضمن ظروف عدم الاستقرار السياسي الذي شهدته إثيوبيا مؤخرا. يعتبر من العوامل المخطط لها في رسم مؤشرات المرحلة المقبلة في السياسة الإثيوبية باعتباره تحدي قومي لإثيوبيا ومنطلق التنمية التي ترتبط بأهداف استراتيجية للدولة لاسيما على النطاق الإقليمي.

 – ضمن سياستها تجاه منطقة القرن الإفريقي يشكل الشرق الأوسط لإثيوبيا بحيثيات تداخل المصالح مع المنطقة أهمية قصوى، حيث لا تفتأ الدبلوماسية الإثيوبية مجتهدة في خلق علاقة متوازنة مع دوله كافة، والحرص على كسب علاقات متميزة مع أخرى وهو ما تعمل له بالفعل مع كل من مصر والمملكة السعودية، واليمن، ودولة قطر، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والعراق والكويت وسلطنة عمان وفلسطين. وذلك ضمن دواعي أي طارئ في المسار الإقليمي لمنطقة القرن الإفريقي.

 تمثل السعودية ثاني أكبر مستثمر في إثيوبيا (تحتل المرتبة الثانية بعد الصين)، حيث يسود البلدان علاقات تعاون مشترك في مجالات عدة.

  • تتعامل إثيوبيا مع السعودية ودول الخليج العربي، (قطر، دولة الإمارات، الكويت، عمان) باعتبارها قوى اقتصادية ينبغي خلق علاقات تبادل وتعاون معها، كمصدر للنفط، وسوق رائجة أمام منتجاتها الزراعية، ومصدر مهم لدفع الاستثمار خاصة في قطاعي الزراعة والصناعة، وكشريك مهم نحو تحقيق الأمن والسلم في منطقة القرن الإفريقي.
  • وقد ساهمت دولتا السعودية والإمارات العربية في دعم الحكومة الإثيوبية برئاسة آبي أحمد بعد ثورة التمرد الذي قادته قومية الأورومو في 2016 بما يزيد على الـ 2 مليار دولار لتحقيق الاستقرار في إثيوبيا وتوثيق أواصر العلاقات.
  • هناك بعد هام له أهمية راسخة في مفهوم الدبلوماسية الإثيوبية وهو العلاقة مع دولة إسرائيل التي تربطها بإثيوبيا علاقات تاريخية قديمة ومصالح متبادلة لا تجد إثيوبيا حرجا في إعلانها. فضمن ما يشهده الواقع العربي من تغيير، وما تعكسه الدبلوماسية الإسرائيلية من اهتمام كبير بالدول الإفريقية أشارت له الزيارة السابقة التي قام بها رئيس الوزراء نتنياهو في يوليو 2016 وشملت عددا من الدول الإفريقية اختتمها بإثيوبيا، وتبعها اتفاقات ومساعدات لهذه الدول. تعكس زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى تل أبيب في سبتمبر الحالي جانبا هاما من المؤشرات في كون ما يربط إثيوبيا من مصالح مع دولة الكيان الإسرائيلي يعكس واقعا لا تحده حدود البلدين ليلقي بتأثيره في واقع المصالح الإثيوبية الحيوية والتي في مقدمتها الدور القيادي لإثيوبيا في منطقة القرن الإفريقي، وما يجمعه من ملفات كملف السلام الإقليمي، وقضية مياه النيل وما يتبعها من تطورات في معضلة مشروع سد النهضة.        

إثيوبيا في سياستها تجاه القرن الإفريقي تنظر إلى مصالحها الآنية والمستقبلية، حيث يجيء ترتيب أولوياتها للخروج بالدولة إلى فضاءات الدول المستقرة بالمعنيين (اقتصادا وسياسة)، لذا فهي تنطلق في علاقاتها عبر شعار السلام والتكامل مع الدول المجاورة في القرن الإفريقي، وتحتفظ بعلاقات راسخة مع الولايات المتحدة كشريك استراتيجي، وتتوثق علاقاتها أكثر فأكثر مع دولة الصين كصديق اقتصادي وتنموي تعتمده في تشييد البنية التحتية للدولة عبر مشاريع بدأتها فعليا في الطرق والصناعة و…، وتنشط سياستها الخارجية في كسب دول أخرى كـ تركيا، وإيران، وكوريا الجنوبية، وروسيا، وألمانيا… لأهداف اقتصادية وتنموية بعيدة المدى[1].


الهوامش

(1) الظهور الإثيوبي في جنوب الشرق الأوسط د. أيمن شبانة ، http://www.siyassa.org.eg/News/1772.aspx

(2) موسوعة الجزيرة، 23 فبراير 2018.

 (3) الجزيرة نت مصدر سابق

(4) https://www.al-tagheer.com/art30564.htm

(5) الجزيرة نت مصدر سابق

(6) د. حسن مكي محمد أحمد- السياسات الثقافية في الصومال الكبير(1887-1986) ص18 دار-نشر المركز الإسلامي الإفريقي الخرطوم-

(7) موسوعة الجزيرة، 23-2-2019.

(8) الجزيرة (نت)

(9) جلال الدين محمد صالح، مجلة الالوكة، 7/11/2013

(10) موسوعة الجزيرة، 23-2-2019.

(11) عدنان موسى، خريطة التنافس الدولي والتغلغل الإقليمي في منطقة القرن الإفريقي، 22 أكتوبر 2018.

 (12) دور المتغيرات الدولية في مستقبل العلاقات السودانية الإثيوبية-هاشم علي حامد -رسالة ماجستير – جامعة أم درمان الإسلامية 2018-ص 105

(13) وكالة الأنباء الإثيوبية 1 أبريل 2019

(14) أسماء الخولي “إثيوبيا تدخل 2016 من باب التحول الاقتصادي الصعب” 02 يناير 2016 م ـ الوحدة الاقتصادية “الشرق الأوسط “رقم العدد [13549]

(*) إرنست ويونغ، هي إحدى أكبر الشركات المهنية في العالم وتعدّ واحدة من الأربع الكبرى وهي بالإضافة إلى إرنست ويونغ: برايس وتر هاووس كوبرز وديلويت توش توهماتسو وكيه بي إم جي. بناء على مجلة فوربس تعدّ سابع أكبر شركة في الولايات المتحدة الأمريكية وذلك في سنة 2007، تقوم بتحديد المعايير العالمية، وتقوم أيضا بمراقبة السياسات العالمية واتساق الخدمات التي تقدمها الشركات الأعضاء..


[1] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close