fbpx
الشرق الأوسطدراسات

قراءة في المشروع الإقليمي لتركيا

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

على عكس سياستها الخارجية المنكفئة على نفسها منذ تأسيس الجمهورية عام 1923، بلورت تركيا في السنوات القليلة الأخيرة سياسة خارجية مبادرة في المنطقة. مؤخراً، ثمة مشروع تركي إقليمي يمكن تلمس ملامحه العامة، من خلال رصد الأدوار التي تلعبها أنقرة حالياً في عدد من الدول وفي مقدمتها سوريا والعراق وليبيا.

تبحث هذه الورقة في متغيرات السياسة الخارجية التركية في السنوات الأخيرة، والدور الإقليمي لتركيا في مختلف القضايا والدول، وتأثيرها على عدد منها، وأهم ملامح المشروع الإقليمي لتركيا، وموقعها من المحاور والاصطفافات الإقليمية.

مقدمة

في الوقت الذي اختار فيه الرئيس التركي أن تكون قطر محطته الخارجية الأولى منذ بدء جائحة كورونا ليناقش مع أميرها العلاقات الثنائية المتنامية مؤخراً والملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك[1]، كان وزير دفاعه يزور طرابلس الغرب ويلتقي رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج معلناً استمرار دعم بلاده لحكومة الوفاق الوطني[2]، في تزامن مع عملية مخلب – النمر في شمال العراق، والدوريات العسكرية المشتركة مع القوات الروسية في إدلب وفق بروتوكول سوتشي الإضافي، وكذلك أعمال التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط.

صورة بانورامية مكثفة، قبل شهور وتبدو متكررة، تلخص مدى انخراط أنقرة في الإقليم خلال السنوات القليلة الأخيرة، وبأدوات عسكرية وأمنية وليس فقط سياسية واقتصادية، على عكس سياستها التقليدية منذ القرن الفائت.

تضع تركيا كل هذه التحركات ضمن إطار الاضطرار أو الدفاع أي حماية أمنها القومي، ولكنها تتعرض لضغوط كثيرة وكبيرة من عدد من الدول الإقليمية وفي مقدمتها مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وكذلك حلفائها التقليديين في الغرب مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، إضافة لروسيا التي ازداد مستوى التنسيق معها مؤخراً.

ورغم ذلك، تبدو أنقرة مستمرة في خطواتها وتطوير مشروعها الإقليمي على قدم وساق، الذي تقول إنه ذو منطلقات دفاعية وإنسانية ولا يحمل أي مخاطر على جيرانها وباقي دول المنطقة.

الانكفاء على الذات

ساهمت الأحداث الضخام التي رافقت السنوات الأخيرة للدولة العثمانية ثم حرب الاستقلال في بلورة تصور محدد للسياسة الخارجية للجمهورية الوليدة في 1923 على يد مصطفى كمال أتاتورك ورفاقه. وكان العنوان الأبرز لها الانكفاء على الداخل وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى وصياغة سياسة خارجية متحفظة تحت شعار “سلام في الوطن، سلام في العالم”[3].

كانت مشاركة تركيا في الحرب الكورية (1950 – 1952) استثناء مدفوعاً بالمخاوف من مطامع الاتحاد السوفياتي السابق في أراضيها ومضائقها بعد الحرب العالمية الثانية ورغبةً منها في الانضمام للكتلة الغربية، وهو ما حصل بقبول عضويتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) في 1952.

لم يكن لتركيا طوال سنوات الحرب الباردة سياسة خارجية مستقلة بل كانت جزءاً من حلف الناتو بما في ذلك سياساتها الإقليمية، وهو ما وضعها أحياناً في مواجهة مع عدد من دول المنطقة، مثل الجمهورية العربية المتحدة في خمسينات القرن الماضي[4]. وباستثناء تدخلها في قبرص عام 1974، فإنها لم تنخرط في أي عملية عسكرية خارج حدودها بشكل منفرد طيلة الحرب الباردة وما بعدها مباشرة، إلا ما كان ضمن مهام الأمم المتحدة أو حلف شمال الأطلسي في أفغانستان ولبنان مثلاً.

أما مكافحة منظمة حزب العمال الكردستاني المصنفة على قوائم الإرهاب، والتي كانت البوصلة الأكثر وضوحاً للسياسة الخارجية التركية لعقود طويلة، فقد كانت تتم على شكل عمليات عسكرية مؤقتة معظمها من خلال القصف الجوي أو ملاحقة عناصره على مقربة من الحدود العراقية – التركية.

حتى في سوريا، ورغم انتقال تركيا بعد سنة من اندلاع الثورة فيها من حث الأسد على الإصلاحات إلى دعم مطالب التغيير ضده، إلا أنها بقيت متحفظة على التدخل العسكري وتعدُّه خططاً من بعض الأطراف لاستدراجها واستنزافها في “المستنقع” السوري[5].

إلا أن أنقرة أعادت النظر في حساباتها لاحقاً، فقد كان 2015 عام المراجعات والتراجعات في السياسة الخارجية التركية لأسباب عديدة. بعض هذه الأسباب خارجي متعلق بعدم النجاح في إحداث اختراق في الملف السوري، والتطورات المتعلقة بالمشروع الانفصالي في الشمال السوري عبر الإعلان عن الإدارات الذاتية في كانون الثاني/يناير 2014[6]، والتوتر مع عدد من الأطراف مثل محور “الاعتدال” العربي الذي تطور إلى محور للثورة المضادة على هامش موقفها من الثورات، والكيان الصهيوني بعد حادثة الاعتداء على سفينة مافي مرمرة، ثم روسيا إثر أزمة إسقاط المقاتلة. وبعضها الآخر داخلي مرتبط بأحداث جزي بارك[7] ثم قضايا/ادعاءات الفساد التي سميت “انقلاباً قضائياً” عام 2013[8]، وانتخابات حزيران/يونيو 2015 البرلمانية التي خسر فيها العدالة والتنمية لأول مرة أغلبية البرلمان، واستئناف العمال الكردستاني عملياته العسكرية في تموز/يوليو 2015، وصولاً للمحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016.

ترتب على هذه المراجعات ازدياد الاعتماد على القوة الذاتية، والبحث عن شركاء وحلفاء، والاعتماد أكثر على القوة الصلبة في السياسة الخارجية[9]. وشمل ذلك استدارة واضحة للسياسة الخارجية التركية في سوريا وبعض الملفات الأخرى، وقد رمز لهذا التغيير الشعارُ الذي رفعته حكومة بن علي يلدريم في 2016 “زيادة عدد الأصدقاء وتقليل عدد الخصوم”[10].

القوة الصلبة

كانت نظريات أحمد داود أوغلو وخصوصاً “تصفير المشاكل”[11]، التي شكلت البوصلة الأهم للسياسة الخارجية التركية لسنوات، مناسبة لتركيا لفترة طويلة، وحققت الأخيرة خلالها إنجازات دبلوماسية وسياسية واقتصادية عديدة، لا سيما على صعيد القبول والتعاون من قبل مختلف الأطراف في الإقليم. بيد أن الثورات العربية في 2011، والتي تزامنت مع وصول العدالة والتنمية لذروة قوته وشعبيته في الداخل[12]، دفعت نحو سياسة تركية إقليمية أكثر انخراطاً ومبادرة. بمعنى آخر، بعد الثورات والثورات المضادة والمتغيرات الجذرية في المنطقة، لم تعد البيئة المحيطة بتركيا مناسبة لنظريات مثل “تصفير المشاكل” أو استخدام القوة الناعمة حصراً في السياسة الخارجية. 

أحد أهم متغيرات السياسة الخارجية التركية خلال السنوات الأخيرة من حكم حزب العدالة والتنمية هو اعتماد القوة الذكية، بمعنى انتهاج القوة الصلبة بشكل ممنهج إلى جانب القوة الناعمة المعتمدة قبل ذلك حصراً[13]،. يمكن رصد ملامح هذه السياسة الجديدة عبر العمليات العسكرية خارج الحدود في كل من سوريا والعراق ثم ليبيا، والقواعد العسكرية خارج الحدود في كل من العراق وقطر والصومال، فضلاً عن التقدم المتسارع في الإنتاج العسكري والدفاعي في السنوات الأخيرة[14].

يمكن التأريخ للقوة الصلبة ركناً رئيساً للسياسة الخارجية التركية بالمحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 تموز/يوليو 2016، ذلك أنها ساهمت في تمكين الحكومة من إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية وإخضاعها تماماً للقيادة السياسية المنتخبة[15]. وهكذا فإن أولى العمليات العسكرية في سوريا بعد سنوات من “الانخراط من بعيد”، وهي عملية درع الفرات، انطلقت بعد شهر ونصف فقط من الانقلاب الفاشل[16]، لتبدأ بعد ذلك سلسلة من العمليات العسكرية في الشمال السوري، استمرت مع غصن الزيتون، ثم نبع السلام، ثم درع الربيع.

في العراق، حيث تخوض معركة في مواجهة منظمة حزب العمال الكردستاني منذ ثمانينات القرن الماضي، طوّرت تركيا عملياتها في الشمال مطلقة سلسلة عمليات متدرجة تحت اسم “المخلب”. أطلقت العملية الأولى نهاية أيار/مايو 2019، ثم “المخلب 2” في تموز/يوليو من نفس العام، ثم “المخلب 3” في أيلول/سبتمبر منه. ثم أطلقت القوات المسلحة التركية في حزيران/يونيو 2020 عملية جوية ضد معاقل الكردستاني في الشمال العراقي تحت اسم “مخلب النسر”، لتتبعها بعد يومين بعملية برية أسمتها “مخلب النمر”[17].

كما أن السنوات الخمس الأخيرة شهدت إنشاء أنقرة قواعد ونقاط عسكرية خارج حدودها، إضافة لقبرص بعد “عملية السلام” التي نفذتها في 1974 وقواتها المشاركة في مهام حفظ السلام في عدة دول تحت مظلة الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي. في 2015 أنشأت تركيا قاعدة بعشيقة في الشمال العراقي[18]، وفي 2017 قاعدة في الصومال[19]، ثم قاعدة الريان في قطر في 2018 وخلال الأزمة الخليجية[20]. وكانت تركيا قد اتفقت مع الحكومة السودانية على تطوير وتشغيل جزيرة سواكن وسط تقييمات بتحويلها لاحقاً لقاعدة عسكرية وهو مشروع تعرض لهزة كبيرة بعد تنحي البشير إثر الاحتجاجات الشعبية[21]، كما نشرت قوة لها في أذربيجان بعد مواجهتها الأخيرة مع أرمينيا بالتنسيق مع موسكو[22].

كما أن الدعم التركي المقدم لحكومة الوفاق الوطني الليبية بعد توقيع اتفاقية للتعاون الأمني والعسكري بين البلدين في تشرين الثاني/نوفمبر 2019[23]، والذي ساهم في تغيير المشهد الميداني والسياسي بشكل كبير[24]، يعدُّ من الأمثلة البارزة على التحول الذي طرأ على السياسة الخارجية التركية، خصوصاً وأن ليبيا ليست دولة حدودية مع تركيا (برياً) مثل سوريا والعراق.

تركيا كقوة إقليمية

في كتابه “العمق الاستراتيجي: موقعه تركيا ودورها في الساحة الدولية”، يتحدث أحمد داود أوغلو عن معادلة قوة الدول، والمبنية على التفاعل بين عناصر ثابتة مثل التاريخ والجغرافيا وعدد السكان والثقافة وعناصر متغيرة مثل القدرة الاقتصادية والقدرة التكنولوجية والقدرة العسكرية، مع الذهنية الاستراتيجية والتخطيط الاستراتيجي والإرادة السياسية[25].

يتضح من هذه المعادلة أن قوة الدولة وفاعليتها معطى متغير وقابل للزيادة أو التراجع وفقاً للعناصر المتغيرة وكذلك – وهذا هو الأهم – العقلية والإرادة لدى صانع القرار ورؤيته الاستراتيجية. يفسر ذلك كيف يمكن لدولة ما أن تلعب أدواراً إقليمية متقدمة لم تكن تستطيعها سابقاً بتغير قيادتها السياسية و/أو نهجها وتراجع الحضور والفاعلية لدولة أخرى لدى تغير النظام فيها مثلاً. ولعل ذلك ما حصل لتركيا تحت حكم العدالة والتنمية، حيث تبدلت بشكل ملحوظ إمكاناتها الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، وبشكل جذري قيادتها السياسية بعقليتها وتخطيطها وإرادتها عن الحكومات السابقة.

مثل كثير من المصطلحات، ليس هناك تعريف واحد للقوة الإقليمية أو المعايير التي ينبغي أن تتمتع بها دولة ما لتسمى بذلك. بل إن هناك تصنيفات متنوعة بخصوص القوى الإقليمية مثل القوة الإقليمية المهيمنة والقوة الإقليمية العظمى والقوة الإقليمية الصاعدة/الناشئة والقيادة الإقليمية ..الخ[26].

يقترح شومان، مثلاً، شروطاً رئيسية أربعة لعدِّ دولة ما قوة إقليمية، هي:

1) الديناميات الداخلية. وهي عناصر القوة الداخلية السياسية والاقتصادية التي ينبغي أن تؤهلها للعب دور قيادي داعم للاستقرار في الإقليم.

2) الإرادة. أن تمتلك الرغبة وتدّعي لنفسها القدرة على لعب أدوار إقليمية، مثل القيادة أو دعم الاستقرار.

3) الإمكانات. وهي الأدوات التي تؤهلها لذلك.

4) القبول. أي قبول دول الجوار أو الإقليم لها كقوة إقليمية أو قائدة مسؤولة عن الأمن الإقليمي، وقد يمتد الشرط ليصبح قبولاً لها من خارج الإقليم أيضاً[27].

أما شروط القوة الإقليمية وفق نولت، فهي أن تكون جزءاً من إقليم محدد بهوية خاصة بها، وأن تملك الادعاء بأنها قوة إقليمية، وأن تكون ذات تأثير واضح على الامتداد الجغرافي للمنطقة وبنيتها الأيديولوجية، وأن تمتلك قدرات عسكرية واقتصادية وديمغرافية وسياسية وأيديولوجية متفوقة نسبياً، وأن تكون مندمجة في الإقليم/المنطقة، وأن تحدد هي الأجندة الإقليمية للمنطقة إلى حد كبير، وأن تنظر لها باقي القوى في الإقليم وخارجه كقوة إقليمية، وأن تكون مرتبطة بشكل جيد مع المؤسسات الإقليمية والدولية[28].

وفق هذه المعايير، لا تندرج تركيا، وفق عدد كبير من الباحثين، ضمن تصنيف القوة الإقليمية العظمى أو القائدة للإقليم، بينما يدرجها الكثيرون ضمن القوى الإقليمية الصاعدة[29]. أكثر من ذلك، من الصعب تقييم تركيا كجزء من إقليم أو منطقة بعينها، ذلك أن موقعها الجغرافي المميز يجعلها مطلّة على ومنخرطة في عدة مناطق في مقدمتها الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز فضلاً عن حوضي البحرين المتوسط والأسود[30].

وبالنظر إلى الإمكانات والأدوات المطلوبة للقوة الإقليمية، تتوفر لدى تركيا مقومات متقدمة مقارنة بالدول الإقليمية المنافسة أو تلك التي تحاول لعب أدوار إقليمية. حيث يتجاوز عدد سكان تركيا حاجز 84 مليون نسمة، والناتج الإجمالي المحلي 850 مليار دولار أمريكي، ويعدُّ جيشها في المرتبة الـ 11 عالمياً، بعدد أفراد إجمالي يبلغ 735 ألفاً، منهم 355 ألفاً عاملين و380 ألفاً من الاحتياط. وتتألف القوة الجوية من 1055 طائرة منها 206 مقاتلة و80 طائرة نقل و276 للتدريب و16 للمهام الخاصة، إضافة لـ 497 مروحية منها 100 هجومية. بينما تملك تركيا 149 قطعة تابعة لقواتها البحرية، منها 16 فرقاطة و10 طرادات و12 غواصة، وتمتلك قواتها البرية 2622 دبابة و8777 مركبة مدرعة و438 قاذفة صواريخ[31].

فإذا ما وضعنا هذه المعايير المرتبطة بالعوامل الثابتة والمتغيرة لقوة الدول ضمن التقييم، يمكن القول إن تركيا تمتلك تفوقاً نسبياً في المنطقة خصوصاً في المجال العسكري. الجدول التالي يشتمل على مقارنة بعض هذه المعايير بين تركيا وبعض الدول الإقليمية وتلك الساعية للعب أدوار إقليمية مؤخراً[32].

الدولة

المساحة

(ألف كم2)[33]

عدد السكان

(مليون)[34]

الناتج المحلي الإجمالي (مليار دولار)[35]

النسبة من الناتج الإجمالي العالمي[36]

متوسط دخل الفرد[37]

ترتيب الجيش عالمياً[38]

تركيا

780

84.3

852

1.05

10.5

11

إيران

1648

83.9

454

0.56

5.6

14

مصر

1002

102

235

0.29

2.4

9

السعودية

2240

34.8

687

0.85

20.7

17

الكيان الصهيوني

22*

8.6

353

0.44

42.8

18

الإمارات

83

9.8

383

0.47

40.3

45

قطر

11

2.8

167

0.21

61.2

90

* تتضمن الأراضي المحتلة عام 1948، وتلك المحتلة عام 1967، وكذلك هضبة الجولان.

أما الذهنية والتخطيط الاستراتيجيين والإرادة السياسية، وفق تنظير داود أوغلو، فهي العوامل التي يبدو أنها صاغت المشروع التركي الإقليمي في السنوات القليلة الأخيرة.

المشروع التركي

كان هدف الأحزاب السياسية التي أسسها الراحل نجم الدين أربكان وتيار “ميللي غوروش” تأسيس “نظام عادل”، وهو مصطلح قريب في دلالاته إلى مصطلح “الدولة الإٍسلامية” وفق أدبيات الحركات الإسلامية في العالم العربي[39].

أما تلاميذ أربكان الذين خرجوا من تحت عباءته وأسسوا حزب العدالة والتنمية فقد قالوا بوضوح إنهم “خلعوا قميص التيار الوطني”، لكنها لم يحددوا تماماً وبشكل حاسم أي قميص سيرتدونه مستقبلاً. بشكل أدق، فقد تغير تعريف العدالة والتنمية لنفسه وكذلك للمشروع الذي يقوده ويريده لبلاده مع مرور السنوات، أو مع الأحداث والمحطات الفارقة التي مرت بها تركيا والمنطقة، لكنها كلها كانت تدور حول فكرة “تركيا القوية”، أي زيادة قوة ومكانة وقدرات البلاد على المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، أو بتعبير آخر أن تتحول إلى “دولة مركز” في محيطها وفق تعبير داود أوغلو[40].

ولعله من اللافت أن توصيف الحزب لنفسه، وتعريفه لمشروعه والخطاب الذي تبناه، ارتبط بالتطورات الإقليمية والدولية بمستوى تخطى أحياناً أهمية الأجندة المحلية أو المحددات الداخلية لتعريف الذات والمشروع. بل يمكن القول إن تبدل خطاب الحزب وأفكاره الأساسية ارتبطت بهذه التطورات الخارجية وتزامنت معها بشكل ملحوظ. وهو أمر تزداد أهميته لدى الحديث عن المشروع التركي في الإقليم.

في السنوات الأولى بعد التأسيس واستلام زمام الحكم قدم الحزب الجديد نفسه كحزب خدماتي بدون أيديولوجية واضحة على صعيد الهوية أو الخطاب أو المشروع. بعد سنوات قليلة فقط، ومع انطلاق مسار التفاوض للانضمام للاتحاد الأوروبي، راج توصيف “حزب ديمقراطي محافظ”، فيما بدا تأثراً بالأحزاب المسيحية المحافظة في أوروبا أو محاولة للتشبه بها في المخيال الأوروبي[41].

عام 2011، كان العدالة والتنمية قد وصل لذروة نجاحه واستقراره داخلياً، بحصوله لأول مرة على حوالي %49.5 من أصوات الناخبين. اقترن ذلك بتغيير جديد في فكر العدالة والتنمية وخطابه، والذي تزامن مع المتغير الأبرز في المنطقة خلال الحقبة الأخيرة، أي الثورات العربية. هنا، برز فكر “الأمة” وخطاب “نحن” أو “حضارتنا” أكثر في أدبيات العدالة والتنمية، وبرزت مقابل ذلك الاتهامات من الخصوم – لا سيما ما سمي بمحور الاعتدال العربي – بالأهداف التوسعية والعثمانية الجديدة[42].

وبدءاً من 2013 وبشكل أكثر وضوحاً منذ 2015، تبلورت مرحلة مراجعات وتراجعات في السياسة الخارجية التركية، بتأثير عدة عوامل في مقدمتها انكسار الموجة الأولى من الثورات العربية وتأثير ذلك على التوازنات في المنطقة، وكذلك تراكم وتزامن الأزمات التركية داخلياً وخارجياً فضلاً عن المحاولة الانقلابية الفاشلة وآثارها الدراماتيكية على البلاد. وهنا، برز خطاب “المحلّي والوطني/القومي” لدى أردوغان والعدالة والتنمية[43]، خصوصاً وأن الأخير تحالف في هذه الفترة مع حزب الحركة القومية المصنف يمينياً متشدداً، وقد ترك ذلك آثاراً على فكر الحزب وسياساته وخطابه التي اتجهت أكثر نحو اليمين والقومية وأحياناً الشعبوية[44].

موجة التغيير الأخيرة هذه ما زالت حاضرة حتى اليوم، وتعمقت أكثر مع عديد الملفات والقضايا التي انخرطت فيها أنقرة في السنوات القليلة الأخيرة، بما يمنح إطلالة على ما يمكن اعتباره مشروعاً تركياً في المنطقة.

أبرز ملامح هذا المشروع:

أولاً، مشروع قومي بخطاب يميني. يرفع أردوغان مؤخراً ومن خلفه حزب العدالة والتنمية وتحالف “الجمهور” الذي يجمعه مع حزب الحركة القومية شعار “الوطني والمحلّي”. ومن الملاحظ جنوح العدالة والتنمية نحو اليمين والقومية فكراً وخطاباً وممارسةً في السنوات الأخيرة، تأثراً بالتحالف مع الحركة القومية، والرغبة في استمالة الشريحة القومية، والتفاعل مع الأزمات والتحديات الداخلية والخارجية العديدة التي واجهت تركيا خلالها فضلاً عن دور هذا الخطاب في تصليب الحاضنة الشعبية للحزب حول قيادته[45].

ثانياً، مركزية الأمن القومي. مع القضايا والأزمات الكثيرة التي انخرطت بها تركيا في السنوات الأخيرة، باتت أولويات سياستها الخارجية ومشروعها الإقليمي محددة في عناوين مرتبطة بأمنها القومي بشكل مباشر، من سوريا والعراق إلى شرق المتوسط وليبيا والقوقاز.

ثالثاً، القوة الصلبة. كانت تركيا قد تخلت عن سياستها الخارجية المتحفظة لصالح أخرى نشطة ومبادرة في 2011، ولكن بقيت معتمدة على القوة الناعمة بشكل شبه حصري. لكن ذلك تغير بعد الانقلاب الفاشل في 2016 لتحضر القوة الصلبة بشكل بارز في سياستها الخارجية، فانتشرت قواعدها العسكرية خارج البلاد في عدة دول، وتكررت عملياتها العسكرية في كل من سوريا والعراق فضلاً عن دعمها لحكومة التوافق الوطني في ليبيا وكذلك أذربيجان في مساعيها لتحرير أراضيها المحتملة من أرمينيا.  

رابعاً، التفاهمات والشراكات. انخرطت تركيا في السنوات القليلة الأخيرة في عدد كبير من القضايا والنزاعات الإقليمية، بشكل مباشر أو غير مباشر، دون أن يكون لها القدرة بالضرورة على إنهائها أو على الأقل تحديد مساراتها ومآلاتها. وهو أمر فرض عليها دائماً البحث عن شراكات أو تحالفات أو تفاهمات، كما حصل مع روسيا مثلاً في سوريا ثم في ليبيا وبدرجة أقل في تصعيد القوقاز الأخير. ملمَحٌ مثل هذا يسمح لأنقرة بأن تكون فاعلاً رئيساً في تلك النزاعات من جهة، لكنه يظهر من جهة أخرى عدم قدرتها على إنفاذ رؤيتها وإرادتها فيها بشكل كامل.

ثامناً، المرونة والبراغماتية. محدودية إمكانات تركيا بالمقارنة مع سقفها المرتفع في بعض الملفات الإقليمية تفرض عليها أن تتراجع أحياناً عن بعض مواقفها أو مطالبها أو خطابها، وأن تنتقل سريعاً في الاصطفافات، بين الولايات المتحدة وروسيا مثلاً، حسب الظروف والضغوط التي تتعرض لها. وهو ملمح يمنحها المرونة في بعض المحطات، لكنه أيضاً يعرضها لانتقادات متعلقة بتغيير المواقف والتذبذب.

خامساً، البعد الإنساني والغطاء القانوني. تحرص تركيا على أن تقدم مسوّغات إنسانية لسياستها الخارجية وأن تحصنها بغطاء سياسي وقانوني. يتبدى ذلك في عدة أمور مثل مسوّغ حماية المدنيين والنازحين في إدلب، وأسماء العمليات العسكرية في سوريا (غصن الزيتون ودرع الربيع مثالاً)، واختلاف نتائجها بشكل كبير عن نتائج العمليات الأمريكية مثلاً بالنسبة للخسائر البشرية وفي البنية التحتية، وعملية إعادة الإعمار في شمال سوريا. فضلاً عن المشروعية المستمدة من مبادئ الدفاع عن النفس ومكافحة الإرهاب والاتفاقات والتفاهمات المبرمة مع كل من سوريا والعراق وليبيا وأذربيجان. 

سادساً، الريادة في العالم الإسلامي. ثمة سعي واضح لإظهار تركيا قائدة للعالم الإسلامي، من خلال الخطاب الرسمي المهتم بمختلف قضايا العالم الإسلامي وخصوصاً القضية الفلسطينية، لا سيما في خطابات الرئيس التركي السنوية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة[46]، فضلاً عن التصدي لظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب ورفض بعض الخطاب الرسمي الأوروبي المرتبط بالإسلام لا سيما قرنه بظاهرة الإرهاب[47].

تاسعاً، النزوع نحو الاستقلالية والندية. باختلاف جذري عما كانت عليه في سنوات الحرب الباردة، تظهر أنقرة مؤخراً نزوعاً ملحوظاً نحو الاستقلالية – قدر الإمكان – في سياستها الخارجية عن أطر كانت تفرض عليها سابقاً قراراتها مثل حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية، ونِدِّيَّةً في التعامل مع بعض القوى العالمية مثل فرنسا حيث تتواجه الدولتان في مختلف القضايا الإقليمية كما تكاد تكون تركيا تفردت في العالم الإسلامي في الدعوة – رسمياً – لمقاطعة البضائع الفرنسية على هامش الكاريكاتورات المتجاوزة في حق مقام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم[48].

عاشراً، الوطن الأزرق. لعقود، تمحورت أولويات السياسة الخارجية التركية حول القضية القبرصية ومكافحة منظمة حزب العمال الكردستاني، إلا أن ذلك بدأ يتغير نسبياً لصالح قضايا أخرى مثل القضية السورية منذ 2014. بيد أن اكتشافات الغاز الطبيعي في شرق المتوسط وتطورات الأزمة الليبية وغيرهما أعادتا الاهتمام التركي بالبحار عموماً والمتوسط على وجه التحديد، لتصبح قضية شرق المتوسط من أهم أولويات تركيا خارجياً، ويصبح “الوطن الأزرق” مصطلحاً واسع التداول للتدليل على مصالح تركيا البحرية والتنافس الجيوسياسي في المنطقة[49].

تحديات مستقبلية

مرت السياسة الخارجية التركية بعد الحرب الباردة، وخصوصاً منذ تسلم العدالة والتنمية الحكم في تركيا، بتغيرات كبيرة، لكن التحوُّل الأكبر تبدى في السنوات القليلة الأخيرة، وتحديداً منذ الانقلاب الفاشل صيف 2016.

فمنذ ذلك التاريخ انبرت أنقرة لأدوار عديدة ومختلفة في المنطقة، وبات من الممكن الحديث عن مشروع تركي في الإقليم بعد أن بقيت لعقود طويلة مجرد ترس في ماكينة أكبر دون تصور ذاتي مستقل.

وهكذا، انخرطت تركيا في قضايا وملفات إقليمية عديدة، بدرجة أو بأخرى وبشكل مباشر أو غير مباشر، محققة نتائج متفاوتة بين مختلف القضايا والنزاعات تبعاً لطبيعة القضية وتعقيداتها والأطراف المنخرطة بها وكذلك الأوراق التي تملكها أنقرة فيها وشبكة علاقاتها وغيرها من العوامل.

هذه القفزة الملحوظة لا تعني أن المشروع التركي بلا تحديات أو عقبات، بل ثمة الكثير منها. فهناك أولاً انخراط تركيا – بخلاف ما اعتادت عليه – في قضايا ونزاعات عديدة في نفس الوقت، دون أن يكون لها القوة والأدوات الضرورية والكافية لإنفاذ تصورها وتحقيقه. الأمر الذي يطرح دائماً محاذير تتعلق بفرضية الإشغال والاستنزاف لدى صانع القرار التركي، وهو تصور كان قائماً بقوة قبل تدخل تركيا بشكل مباشر في سوريا، ويعززه أن بعض الملفات فرضت نفسها فرضاً على أنقرة ورأت أنها انخرطت فيها مضطرة لا مختارة.

أدى ذلك، إضافة لمتغيرات النظام الدولي بعد انتهاء الحرب الباردة، لاضطراب منظومة علاقات تركيا الخارجية مثل كثير من الدول. بدأ الأمر بسياسة متعددة المحاور، واستفادت منها أنقرة لسنوات طويلة، لكن ذلك عرّضها في السنوات القليلة الأخيرة إلى ضغوط متزايدة من كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية. ولعل صفقة إس400 من أهم الأمثلة على ذلك[50].

ومن التحديات كذلك علاقات أنقرة المتذبذبة مع الاتحاد الأوروبي، شريكها الاقتصادي الأول ومكانِ انتمائها المستقبلي وفق ما تعلنه. فقد كانت سنة 2017 قمة التوتر بين الجانبين، ثم تراجع ذلك بشكل ملحوظ في السنوات التي تلتها، لتعود 2020 بضغوط وعقوبات من بروكسل على أنقرة[51]، قبل أن يعود الطرفان للغة الحوار والتفاهم مطلع العام الجديد[52].

وهناك المحور الإقليمي الذي تشكل في مواجهة تركيا خلال السنوات الأخيرة، ليناكفها ويواجهها في قضايا المنطقة عموماً وشرق المتوسط على وجه الخصوص، ويضم إلى جانب اليونان وقبرص اليونانية كلاً من مصر والإمارات والكيان الصهيوني، بدعم واضح ومعلن – وأحياناً تحريض – من فرنسا[53]. علماً أن سعي أنقرة ينصبُّ مؤخراً على محاولة تفكيك أو إضعاف هذا المحور الإقليمي المواجه لها، ولعل ذلك من أسباب التقارب الحاصل مؤخراً مع مصر، ما يعني أن حالة الاصطفافات والاستقطاب في المنطقة قد لا تبقى على حالها على المدى البعيد.

كل هذه المتغيرات، وحالة السيولة السائدة في المنطقة والعالم، ورهان تركيا على المناورة في المساحات الرمادية من خلافات القوى الكبرى، جعلت سياستها الخارجية أقرب لردات الفعل والسياسة اليومية منها إلى سياسة خارجية مبنية على رؤية واضحة واستراتيجية محددة.

وإضافة إلى التحدي الاقتصادي الذي تبلور أكثر مع تداعيات جائحة كورونا، يمكن القول إن أحد أهم التحديات بعيدة المدى هو سؤال ما بعد أردوغان. فالأخير هو مؤسس العدالة والتنمية الأهم، وقائده وزعيمه الأوحد، وصاحب أطول فترة حكم في تاريخ تركيا من بين جميع الرؤساء ورؤساء الوزراء بما فيهم أتاتورك نفسه، وله سيرة ذاتية حافلة بالإنجازات. وقد اتجه أردوغان نحو نموذج قيادي شديد المركزية في السنوات الأخيرة، وهي السنوات التي شهدت إبعاد و/أو ابتعاد شخصيات قيادية عديدة من الحزب إلى الظل أو نحو تأسيس أحزاب سياسية جديدة ومنافسة له، ما يفرض سؤالاً وجيهاً حول مستقبل الحزب والحركة السياسية التي تمثله في المستقبل بعد مرحلة أردوغان.

بين أنه من المهم ملاحظة أن بعض ملامح هذا المشروع، خطاباً وممارسةً، تتبدل وفق الظروف الداخلية والخارجية، ولعل آخرها ما فرضه انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية خلفاً لدونالد ترامب – بكل ما مثلته مدة رئاسته – على مختلف دول المنطقة وفي مقدمتها تركيا.

ذلك أن بايدن كان قد أدلى بتصريحات مهاجمة لأردوغان ومقلقة لبلاده خلال حملته الانتخابية[54]، ما غذّى هواجس لدى أنقرة باحتمال انفجار أزمة شديدة مع واشنطن خلال رئاسته قد يكون لها ارتدادات سلبية على الاقتصاد التركي. ولذلك فقد سعت أنقرة لتجنب التوتر مع واشنطن من خلال تأجيل أي خطوة عملية بخصوص تفعيل منظومة إس400 الروسية، وتقديم بعض الحلول الوسط بخصوصها وهو ما لم تتفاعل معه واشنطن حتى اللحظة[55].

أكثر من ذلك، فقد تحول الخطاب التركي الحاد تجاه الاتحاد الأوروبي مع بداية العام الجديد إلى آخر ودّيٍّ يركز على المصالح المشتركة والمصير الواحد وتغليب لغة الحوار[56]، وهو ما ساهم في تراجع لهجة التهديد والتلويح بالعقوبات الأوروبية تجاهها[57].

إقليمياً كذلك، قدمت أنقرة عدة رسائل إيجابية تجاه المملكة العربية السعودية بما في ذلك تعاملها مع طلب الرياض شراء طائرات مسيّرة منها[58]، واستأنفت المحادثات الثنائية مع اليونان[59]. كما بدا أنها تسعى لكسر عزلتها في قضية شرق المتوسط وحقوق الغاز فيه من خلال إضعاف المحور الإقليمي المواجه لها وتفكيكه إن أمكن. وقد برز ذلك في تصريحات إيجابية – لأول مرة منذ سنوات – تجاه الكيان الصهيوني[60]، وكذلك في خطاب تحول لاحقاً لخطوات ملموسة تجاه مصر.

فقد تحدث وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو قبل أشهر عن اتفاقه مع نظيره المصري سامح شكري على ضرورة وضع خريطة طريق لتحسين العلاقات بين البلدين[61]، ثم أقدم البلدان على خطوات لإبداء حسن النوايا بوقف الحملات الإعلامية الرسمية المصرية ضد تركيا مقابل “ضبط” أداء الإعلام المصري المعارض المقيم على أراضي الأخيرة[62]. قبل أن يصلا للخطوة العملية الأبرز المتمثلة في دعوة القاهرة وفداً رسمياً تركياً لزياراتها تمهيداً للقاء وزيرَيْ خارجية البلدين، وهو ما قابلته أنقرة بالترحاب[63].

خاتمة

لطالما انعكست الظروف الدولية والإقليمية على تركيا، إن كان في سياستها الداخلية أو الخارجية. ولذلك فقد ساهمت عدة محطات تغيير جذرية في النظامَيْن الدولي والإقليمي، مثل نهاية الحرب الباردة والثورات العربية وغيرهما، في تعديل دفة السياسة الخارجية التركية. ثم جاءت المحاولة الانقلابية الفاشلة في البلاد عام 2016 لتتوج مرحلة من المراجعات والتغيرات في سياسة أنقرة الخارجية.

اليوم، ثمة مشروع إقليمي متنامٍ لتركيا، قد لا يكون متكمل الملامح تماماً، لكن بعض معالمه والأدوار التي يلعبها أو يسعى للعبها في المنطقة أكبر من أن يمكن تجاهلها. ثمة مشروع وطني/قومي السمات يميني الخطاب في المجمل، انتقل من مساحة الدفاع إلى المبادرة والسعي للحفاظ على حقوق البلاد ومصالحها في مواجهة تحديات تمثل أمامه بالجملة.

بيد أن هذا المشروع، الذي ما زال في طور التشكل ويحتمل التبدل والتطور بشكل دائم، يصطدم بعدة تحديات ما زال يعمل على مواجهتها وأحياناً تجنبها أو تأجيل مواجهتها إن أمكن، لعل في مقدمتها افتقاره حتى اللحظة لتحالفات وشراكات حقيقية تخفف عنه عبء الضغوط وتسهل عليه المهمات وتعينه على مواجهة التحالفات المضادة.


الهامش

[1] الأولى في زمن كورونا: زيارة أردوغان لقطر تتوج بعدة اتفاقات، DW، 2 تموز/يوليو 2020، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/3djuwlh

[2] طرابلس: السراج يستقبل وزير الدفاع ورئيس الأركان التركيين، الأناضول، 3 تموز/يوليو 2021، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/3dWPHbS

[3] عقيل سعيد محفوظ، السياسة الخارجية التركية: الاستمرارية – التغيير، (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 2012)، ص 40 – 42.

[4] المصدر السابق،  ص 46.

[5] Numan Kurtulmuş’tan Suriye Açıklaması, CNN Türk, 15 February 2021, (Access Date: 15 April 2021): https://bit.ly/2QrMuJz

[6] أكراد سوريا أعلنوا حكومة محلية في الجزيرة، النهار، 22 كانون الثاني/يناير 2014، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/3dlbGKC

[7] مظاهرات احتجاجية بدأت نهاية أيار/مايو 2013 على مشروع تطوير منتزه “جزي” في ميدان تقسيم وسط مدينة إسطنبول، تحولت لاحقاً إلى مواجهات مع الشرطة ثم أحداث عنف، وتقول الحكومة التركية إنها كانت مدبرة ومدعومة من الخارج.

[8] استقالة ثلاثة وزراء في تركيا على خلفية فضيحة فساد واسعة، فرانس 24، 25 كانون الأول/ديسمبر 2023، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/3shdclb

[9] سعيد الحاج، اتجاهات السياسة الخارجية التركية بعد رحيل داود أوغلو، إضاءات، 23 أيار/مايو 2016، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/3e7HLVg

[10] لماذا غيرت تركيا سياستها في الشرق الأوسط، الحرة، 26 آب/أغسطس 2016، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://arbne.ws/3gdEUgu

[11] أحمد داود أوغلو، العمق الاستراتيجي: موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية، الطبعة العاشرة، (مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، 2010)، ص 170.

[12] الانتخابات التركية: أردوغان يفوز بولاية ثالثة ويتعهد بالعمل مع منافسيه لتغيير الدستور، BBC عربي، 12 حزيران/يونيو 2011، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bbc.in/3mPiweH

[13] تركيا: من القوة الناعمة للخشنة، المجتمع، 6 تموز/يوليو 2017، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/3wUA79r

[14] أنظر مثلاً: الصناعات العسكرية التركية: كيف تحولت أنقرة من دولة مرتهنة للاستيراد إلى قوة دولية صاعدة، الجزيرة نت، 17 كانون الأول/ديسمبر 2020، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/3ealYg2 

[15] سعيد الحاج، عن التغييرات الأخيرة في قيادة الجيش التركي، المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، 4 آب/أغسطس 2017، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/2QuI5Ft

[16] تركيا تطلق “درع الفرات” لتطهير حدودها من “داعش” و”التنظيمات الإرهابية”، الشرق الأوسط، 25 آب/أغسطس 2016، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/3e4MTJZ

[17] أنظر مثلاً: سعيد الحاج، الحرب الاستباقية: استراتيجية تركيا الجديدة في مكافحة الإرهاب، مركز الجزيرة للدراسات، 17 شباط/فبراير 2019، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/3gdaQBm

[18] معسكر “بعشيقة” بالعراق: عنصر هام في استراتيجية تركيا لمكافحة “داعش”، الجزيرة نت، 31 آذار/مارس 2016، (تار يخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/3seV5MM 

[19] تركيا تفتتح في الصومال أكبر قواعدها العسكرية الخارجية للتدريب، BBC عربي، 30 أيلول/سبتمبر 2017، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bbc.in/3tp2uKP

[20] Turkey: Qatar military base for the security of Gulf, Aljazeera, 13 June 2017, (Access Date: 15 April 2021): https://bit.ly/3gb3XR4

[21] تركيا تعلق على اتفاقية جزيرة سواكن السودانية، الجزيرة نت، 26 نيسان/أبريل 2019، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/3uRfV6z

[22] أردوغان يعلن عن مركز تركي روسي وقوة سلام بقره باغ، الأناضول، 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/3dlAamY

[23] برلمان تركيا يصادق على اتفاق التعاون العسكري مع حكومة الوفاق الوطني الليبية، فرانس 24، 21 كانون الأول/ديسمبر 2019، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021: https://bit.ly/2RxXm97

[24] بالتوجه نحو ليبيا: تركيا تغير المعادلة الجيوسياسية في المتوسط، الأناضول، 8 كانون الثاني/يناير 2020، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/3sk7Llu

[25] أحمد داود أوغلو، مصدر سابق، ص 35.

[26] Emel Parlar Dal (2016) Conceptualising and testing the ‘emerging regional

power’ of Turkey in the shifting ınternational order, Third World Quarterly, 37:8, 1425-1453: https://bit.ly/3gew8yP

[27] Schoeman, Maxi. “South Africa as an Emerging Middle Power: 1994–2003.” In State of the Nation: South

Africa 2003–2004, edited by John Daniel, Adam Habib and Roger Southall, 49–67. Cape Town: HSRC

Press, 2003.

[28] Nolte, Detlef, How to compare regional powers: analytical concepts and research topics, Review of International Studies , October 2010, Vol. 36, No. 4 (October 2010), pp. 881-901: https://bit.ly/3soalai

[29] Emel Parlar Dal.

[30] أحمد داود أوغلو، مصدر سابق، ص 115.

[31] GFP, 2021 Turkey Military Strength, (Access Date: 15 April 2021): https://bit.ly/32cDgU6

[32] الجدول من إعداد الباحث اعتماداً على عدة مصادر.

[33] أخبار الساحل، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/3gbDPFO  

[34] United Nations, Department of Economic and Social Affairs Populations Dynamics, (Access date: 15 April 2021): https://bit.ly/3wX0v2A

[35] Worldmeter, GDP by Country, (Access date: 15 April 2021): https://bit.ly/3djhu7v

[36] İbid.

[37] İbid.

[38] GFP, 2021 Military Strength Ranking, (Access Date: 15 April 2021): https://bit.ly/3wZPptx

[39] أنظر مثلاً: النظام الاقتصادي العادل، حزب الرفاه، 1991، (تاريخ الاطلاع: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/3wQzCgC https://bit.ly/3gdzkuq

[40] أحمد داود أوغلو، مصدر سابق، ص 614 – 615.

[41] حزب العدالة والتنمية وشيفرات التحول الأيديولوجي، مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية (سيتا)، 19 آذار/مارس 2018، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/3wUZ6cN  

[42] المصدر السابق.

[43] المصدر السابق.

[44] سعيد الحاج، العدالة والتنمية: ماذا ربح وماذا خسر بتحالفه مع القومييين، إضاءات، 7 كانون الأول/ديسمبر 2018، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/3ge9VAD

[45] المصدر السابق.

[46] في نيويورك .. حيث تخلى أردوغان عن “تركيته”، ترك برس، 28 أيلول/سبتمبر 2019، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/3si0FOp

[47] أردوغان ينتقد ميركل لاستخدامها تعبير “الإرهاب الإسلامي”، BBC عربي، 2 شباط/فبراير 2017، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bbc.in/3ttwJ3i

[48] أردوغان يدعو لمقاطعة البضائع الفرنسية ويتحدث عن حاجة ماكرون لـ”علاج عقلي، العربي الجديد، 26 تشرين الأول/أكتوبر 2020، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/2QspRET

[49] أنظر مثلاً: عماد قدورة، السياسة البحرية التركية في المتوسط والتدخل العسكري في ليبيا، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 22 آب/أغسطس 2020، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/3mQIJcH

[50] أمريكا تحث تركيا على التخلي عن منظومة إس-400 الروسية .. وأنقرة ترد: “الصفقة منتهية”، عربي بوست، 24 آذار/مارس 2021، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/3gcbP4V

[51] اتفاق في القمة الأوروبية على فرض عقوبات على تركيا، DW، 11 كانون الأول/ديسمبر 2020، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/3tlXxCy

[52] أردوغان يثمن دور ميركل في تغليب الحوار التركي الأوروبي، الأناضول، 13 آذار/مارس 2021، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/2Qrot5c

[53] بيان خماسي حول تطورات الأوضاع في شرق المتوسط، سبوتنيك، 11 أيار/مايو 2020، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/3wQPiAu

[54] وصف أردوغان بـ”المستبد”، أنقرة غاضبة من انتقادات بايدن، DW، 16 آب/أغسطس 2020، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/3sqawSp 

[55] تركيا تطرح حلاً جديداً للخلاف مع أمريكا حول الصواريخ إس-400، رويترز، 9 شباط/فبراير 2021، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://reut.rs/3swERPr

[56] أردوغان: نرى انفسنا في أوروبا، روسيا اليوم، 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/3dkGrPV

[57] تركيا ترحب ببيان قمة الاتحاد الأوروبي، ترك برس، 26 آذار/مارس 2021، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/2OXGKa2

[58] رسائل عسكرية من السعودية وأردوغان في حيرة .. من يريد ماذا؟، الحرة، 17 آذار/مارس 2021، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://arbne.ws/32jrkjh

[59] اليونان وتركيا تستأنفان محادثات مبدئية حول النزاع البحري، روسيا اليوم، 17 آذار/مارس 2021، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/3v8lqhB

[60] أردوغان: نريد علاقات أفضل مع إسرائيل ونهجها يحول دون ذلك، DW، 25 كانون الأول/ديسمبر 2021، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/2QyPjZq

[61] وزير خارجية تركيا: نسعى مع مصر إلى خارطة طريق بشأن العلاقات الثنائية ونتواصل عبر الاستخبارات، روسيا اليوم، 30 كانون الأول/ديسمبر 2021، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/3x2gCvG

[62] العلاقات التركية المصرية: القاهرة ترحب بـ”خطوات أنقرة” تجاه قنوات معارضة مصرية في إسطنبول، DW، 19 آذار/مارس 2021، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bbc.in/3e6k1kr 

[63] وفد تركي يزور مصر مطلع مايو المقبل، الأناضول، 15 نيسان/أبريل 2021، (تاريخ الدخول: 15 نيسان/أبريل 2021): https://bit.ly/3uME6mK

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close