fbpx
تقديرات

الاقتصاد ومستقبل العلاقات المصرية الإيطالية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

تمتد جذور العلاقات المصرية الإيطالية مع دخول مصر نطاق الدولة الرومانية، وبقيت مصر جزءً من الإمبراطورية الرومانية حتى الفتح الإسلامي سنة 20 هجرية. وعلى الرغم من الحروب المستمرة بين الدولة الرومانية والمسلمين فإن النشاطات التجارية لم تتوقف بين مصر والرومان، حتى أن الدينار الروماني ظل معمولاً به حتى بدأ المسلمون صك العُملة الخاصة بهم في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان عام 74 هجرية.

وفي العصر الحديث ظهرت الصلات العميقة بين إيطاليا ومصر في عدة مجالات؛ منها الحضور المميز والكثيف للجالية الإيطالية في مدينتَي الإسكندرية والقاهرة في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، ثم المشروع العالمي في نهاية القرن العشرين لإحياء مكتبة الإسكندرية والذي حصل على دعم إيطالي كبير، وكل ذلك يعد مؤشرات دالة على مستقبل طيب للعلاقات الوثيقة بين البلدين (1).

وبعد الانقلاب وجد تقارب كبير في التوجهات بين القاهرة وروما في القضايا المتصلة بأمن البحر المتوسط، ومكافحة الإرهاب والتطرف، واستمر التشاور بينهما على كل المستويات خاصة المستويين السياسي والأمني وخاصة ملفي سوريا وليبيا، فضلاً عن تحديد السياسات لمواجهة تصاعد التيارات الأصولية المتطرفة، سواء في منطقة القرن الأفريقي أو شمال أفريقيا، وانعكاساتها على أمن البحر المتوسط. كل هذا بخلاف ملف الهجرة غير الشرعية.

وجاء اختفاء الطالب واختفى الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير أثناء توجهه من منزله بالدقي إلى منطقة وسط البلد، قبل أن يتم العثور على جثته في أوائل فبراير الماضي على الطريق الصحراوي، كعلامة فارقة في العلاقات ما بين البلدين

ويمكن القول أن هناك ثلاث محطات رئيسية في أزمة ريجيني:

الأولي: توصيات البرلمان الأوروبي: فقد أصدر البرلمان الأوروبي بيانا في العاشر من مارس الماضي، أدان فيه ما وصفه بالتعذيب والاغتيال تحت ظروف مريبة للشاب الإيطالي جوليو ريجيني، مطالبا بوقف المساعدات لمصر. ووجه انتقادات لاذعة لمصر فيما يتعلق بأوضاع الحريات وحقوق الإنسان داخلها، وطالبها بإلغاء قانون التظاهر القمعي، داعيًا أيضًا إلى إلغاء الحظر المفروض على حركة 6 أبريل، ووقف حظر السفر المقرر على بعض النشطاء الحقوقيين، وإلغاء قانون مكافحة الإرهاب، وقانون الكيانات الإرهابية، وكذلك قانون الجمعيات.

وأعرب البرلمان عن استيائه من اتفاقيات التعاون الأمني المتواصل، وبيع الأسلحة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لمصر، داعيًا الاتحاد الأوروبي إلى تبني قائمة إصلاحات، تكون بمثابة عناصر يمكن على أساسها تحديد مستقبل ومصير العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومصر.

الثانية: سحب السفير الايطالي: في العاشر من أبريل الماضي سحبت إيطاليا ماساري ماوريتشو، السفير الإيطالي بالقاهرة، وذلك عقب استدعاءه للتشاور حول أزمة الشاب الإيطالي.

الثالثة: وقف التزود بقطع الغيار لم يكن العقوبة الاقتصادية الأولي (2): بعد ما يقارب الخمسة أشهر من المفاوضات بين مصر وإيطاليا حول أزمة مقتل الطالب الإيطالي وافق مجلس الشيوخ الإيطالي، على قرار بوقف تزويد مصر بقطع غيار طائرات حربية من طراز “إف 16″، احتجاجًا على مقتل ريجيني. فيما أشيع أنه أول خطوة تجارية ضد مصر بعد سحب روما سفيرها.

وكان قرار سحب السفير الإيطالي قد صاحبته قرارات أخرى بتجميد بعض المشروعات المتفق عليها مع مصر وفقاً لما أعلنه مكتب التعاون الدولي الإيطالي. وتشمل تلك المشروعات تجميد برنامج إسقاط الديون الإيطالية على مصر، والذي كان يتم بمقتضاه استثمار الأقساط الإيطالية المستحقة على مصر فى مشروعات يتفق عليها الجانبان داخل البلاد بدلا من سداداها لإيطاليا.

كما جمدت إيطاليا أيضا مشروع تطوير 10 شون ترابية، ليتم تحويلها إلى شون حديثة، وإنشاء صومعة لتخزين الأقماح والحبوب وإقامة منطقتين لوجستيتين، في 8 محافظات بقيمة 45 مليون دولار. كما تم تجميد قرض بقيمة 45 مليون دولار لتمويل البنية التحتية في مشروع الروبيكى، الذي تعول عليه الحكومة في تطوير صناعة الجلود، ونقل المدابغ من منطقة الآثار الإسلامية، حيث توجد حاليا، ومن بين المشروعات التي جمدتها إيطاليا كذلك مشروع لتطوير جزء من شبكة الصرف الصحي في منطقة القاهرة، وآخر لتطوير المتحف الروماني بالإسكندرية.

وقد أثارت هذه العقوبات ملف العلاقات المصرية الإيطالية بالكامل، لا سيما على المستوي الاقتصادي ومدي تأثيره على مستقبل العلاقات بين البلدين، وهو ما تحاول هذه الورقة دراسته.

أولاً: الاستثمارات الإيطالية في مصر:

تشغل إيطاليا المرتبة الحادية عشر من بين الشركاء الاستثماريين في مصر، حيث بلغت الاستثمارات الإيطالية في مصر منذ بداية عام 1970 وحتى 31/3/2016 حوالي 15,5 مليار دولار موزعة على 879 شركة عاملة بمصر (1,5 مليار دولار استثمار أجنبي مباشر+ 14 مليار دولار في البترول والغاز)، بخلاف الرخصة الممنوحة لشركة “إديسون” الإيطالية العاملة في مجال التنقيب عن الغاز والبترول بأبي قير، والمقدَّرة بقيمة 1.4 مليار يورو، وقد بلغت استثمارات شركة إينى الإيطالية في مشروعات البحث عن الغاز حوالي تسعة مليارات دولار.

ويحتل القطاع التمويلي المرتبة الأولى بـ6 شركات بإجمالي استثمارات 920 مليون دولار، يليه القطاع الصناعي بحجم استثمارات 260 مليون دولار بـ291 شركة مؤسسة، تأتى فى المرتبة الثالثة الاستثمارات الخدمية بـ193 مليون دولار و328 شركة تليها الاستثمارات السياحية بـ82 مليون دولار و191 شركة مؤسسة، تأتى الاستثمارات الإنشائية في المرتبة الخامسة بإجمالي 21 مليون دولار 120 شركة، ثم القطاع الزراعي بإجمالي استثمارات 4 ملايين دولار و33 شركة وتأتى الاستثمارات في قطاع الاتصال وتكنولوجيا المعلومات في المرتبة الأخيرة في الاستثمارات الإيطالية على الأراضي المصرية.

وتتصدر القاهرة قائمة المحافظات من حيث وجود الاستثمارات الإيطالية بعدد شركات 299 شركة بإجمالي استثمارات 1.150 مليار دولار، تليها محافظة البحر الأحمر في المرتبة الثانية بعدد شركات 176 باجمالي استثمارات 48,37 مليون دولار، ثم الإسكندرية بتواجد 87 شركة بإجمالي استثمارات 148,27مليون دولار، ثم محافظة الجيزة بـ186 شركة باستثمارات  99.46مليون دولار. وتوضح بيانات الجدو التالي توزيع الاستثمارات الإيطالية على المحافظات المصرية المختلفة، واعداد الشركات ورأس المال المصدر بالمليون دولار.

وتأتى شركة اكسون موبيل العاملة في قطاع الخدمات البترولية على رأس أكبر 50 شركة إيطالية موجودة في مصر، وبنك الإسكندرية في القطاع التمويلي، والإسكندرية للإطارات في القطاع الصناعي، وفيكتوريا اراى للسياحة في القطاع السياحي، والسويس للأسمنت في قطاع مواد البناء، وميديترينيان للمنسوجات في قطاع الغزل النسيج، إيطالجين مصر للطاقة فى قطاع البترول، اى ام بى للصناعات الكهربائية في قطاع الصناعات الكهربائية.

ويمكن الإشارة إلى بعض النقاط الهامة فيما يخص الاستثمارات الإيطالية في مصر، كما يلي:

1ـ الثبات النسبي لحجم التدفق الاستثماري الايطالي لمصر، رغم أحوال عدم الاستقرار الأمني والسياسي بعد ثورة يناير 2011، يعكس رغبة سياسية في توطيد العلاقات مع النظام المصري، في إطار بحث الحكومة الإيطالية عن حلول لأزمتها الاقتصادية المتصاعدة منذ الأزمة المالية العالمية 2008.

2ـ تتركز الاستثمارات الإيطالية بصفة عامة (أكثر من 90% منها) في قطاع الطاقة.

وهنا يتبادر التساؤل حول مدي إمكانية سحب الشركات الإيطالية (لا سيما شركة ايني) استثماراتها من مصر، أو اقدام مصر على الغاء التعاقدات المبرمة معها؟

يمكن الإجابة على هذا التساؤل عبر جزأين، أحدهما عام، والآخر (خاص):

بالنسبة للشق العام:

يتعلق بالأحوال الاقتصادية لكلا البلدين، والتي تشير المؤشرات الاقتصادية إلى حدة الأزمة التي تعانياها، فالاقتصاد الايطالي يمر بأزمة طاحنة، حيث حقق بصعوبة معدل نمو ضعيف وهش للغاية 0.3% في الربع الأول من 2016، بجانب التخفيض المتتالي للتصنيف الائتماني للنظام المصرفي، وعدم قدرة الحكومة الايطالية علي تحمل مزيد من الديون والتي وصلت لنسبة 132.8% من الناتج الاجمالي، خاصة في ظل التزامها تجاه الاتحاد الأوروبي بخفض الديون لنسبة 131.4% هذا العام0

وكذلك يمر الاقتصاد المصري بحالة أصعب من الإيطالي، فقد تجاوزت الديون المحلية حاجز 300 مليار جنيه، وتفاقمت القروض الخارجية، وأصبح الاعتماد علي المنح والمعونات والقروض الخارجية لا غني عنه لسداد عجز الموازنة المتنامي، هذا بالإضافة إلى تخفيض التصنيف الائتماني، وانخفاض نعدل النمو وبالتالي تزايد معدلات البطالة، وارتفاع معدلات التضخم بصورة متتالية مما ادي إلى مزيد من الفقر، بالإضافة إلى انخفاض حاد في الإيرادات بالنقد الأجنبي بعد أزمات السياحة، وتراجع عوائد قناة السويس، مما أسهم في تراجع مستمر لقيمة العملة الوطنية.

وبالنسبة للشق الخاص:

من الجانب الإيطالي فإن شركات البحث عن الغاز التي تعاقدت وبدأت التنفيذ الفعلي، سيكون انسحابها من المشروع خسارة للتكاليف التي ضخت حتى مرحلة الانسحاب، علاوة على التبعات القانونية لهذا الانسحاب، وبالنسبة لشركة إينى تحديداً فالاتفاق معها على أن تتضمن المرحلة الأولى حفر 6 آبار باستثمارات 4 مليارات دولار، تضخها الشركة على مدار عامي 2015/ 2016 و2016/ 2017 من إجمالي استثمارات المشروع البالغة 12 مليار دولار، وقد أعلنت الشركة أنها انتهت بالفعل من حفر البئر الثالثة، كما بدأت أعمال حفر البئر الرابعة.

وبناءً على التحليل السابق يمكن القول ان الأوضاع الاقتصادية في كل من مصر وإيطاليا، تجعل اتخاذ القرار بوقف الأعمال الاستثمارية من طرف أي من البلدين مستبعداً، وذلك للأسباب التالية:

من الجانب الإيطالي: من المستبعد حتى في ظل الضغوط السياسية على الحكومة الإيطالية اللجوء إلى الانسحاب الاستثماري من مصر وذلك للأسباب التالية:

1ـ لا يوجد أي رشد اقتصادي يدعو دولة لمطالبة شركة (أو حتى اتخاذ القرار من الشركة نفسها) بالانسحاب مهدرة ما أنفق على المشروع خاصة في ظل تعدد مراحله، نتيجة خلافات أياً كانت، وخاصة أن عمليات البحث نجحت بالفعل في التوصل إلى احتياطات غاز مؤكدة، كما أعلنت الشركة نفسها، كما أن فكرة بيع حصص من الحقول تبدو هي الأخرى غير اقتصادية بعد أن باتت عوائده مؤكدة.

2ـ أن 40% من الواردات الإيطالية من الغاز من مصر، وبذلك فان الحقول الجديدة والمتعاقد عليها مناصفة مع الشركة ستوفر نسبة كبيرة من الاحتياجات الإيطالية، وهذا يعني ان إيطاليا ستأخذ الإنتاج بشكل عيني مباشرة، بما لا يشكل أي عبء على الحكومة المنهكة اصلاً بالديون. ولعل الحاجة إلى الغاز هي ما تفسر تركز الاستثمارات الإيطالية في مصر وضخامتها في جانب البحث عن الغاز.

من الجانب المصري: من المستبعد كذلك الغاء مصر لأي عقد استثماري مع شركة أجنبية: لأن ذلك سيؤدي بصفة عامة إلى تشويه صورة مصر أمام المستثمرين الأجانب باعتبارها دولة لا تلتزم بتعاقداتها، كما أن الخبرات السيئة عند الإدارة المصرية من عواقب اللجوء للتحكيم الدولي في حال فسخ مصر للتعاقد من جانبها، وقد ألزمت هيئة التحكيم الدولية الحكومة المصرية بدفع تعويضات لصالح إسرائيل مقدارها مليار و76 مليون دولار، بعد توقف ضخ الغاز المصري لتل أبيب عقب ثورة 25 يناير. هذا بالإضافة إلى العديد من قضايا التحكيم الأخرى التي خسرتها مصر.

كما أن مصر تنتظر الإنتاج الفعلي لحقول الغاز الجديدة لسد احتياجاتها المحلية من الغاز، وتحقيق بعض العوائد من التصدير، وكل ما في يد الإدارة المصرية في هذا الشأن هو بعض التعنت المنضبط مع استغلال ثغرات العقود.

ثانياً: التبادل التجاري المصري الإيطالي:

تم تدشين الخط الملاحي المباشر لنقل البضائع والأفراد، بين مينائي فينيسيا والإسكندرية في 20 مايو 2010، ويهدف هذا الخط لدعم القدرات المصرية من أجل التصدير إلى إيطاليا، وباقي الأسواق الأوروبية، بخاصة السلع والمنتجات الزراعية والزهور، لربط أكبر عدد من الموانئ المصرية والإيطالية، من خلال تسيير خطوط ملاحية منتظمة فيما بينهما. وإيطاليا هي الشريك التجاري الأوروبي الأول لمصر، والثاني على مستوى العالم، ويبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وإيطاليا ستة مليارات يورو بنهاية 2014.

وقد كشف تقرير حديث من قطاع الاتفاقيات التجارية التابعة لوزارة الصناعة والتجارة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة أن هناك تطوراً في عملية التبادل التجاري بين مصر وايطاليا منذ عام 2010 وحتى عام 2014، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 3 مليارات و160 مليون يورو عام 2010، ليزداد حجم التجارة بينهما عام 2011 ليسجل 3.5 مليار يورو، ثم يرتفع ليسجل 4 مليار يورو عام 2012، ثم، إلى 5.7 مليار يورو عام 2013 لتصل إلى 6 مليار يورو عام 2014، منها واردات مصرية بمقدار 4 مليار يورو وصادرات بمقدار 2 مليار يورو.

وتمثلت أهم صادرات مصر لإيطاليا في البترول ومنتجاته، والمنتجات الزراعية، الغزل والمنسوجات، الجلود الخام، الأحذية، الحديد ومنتجاته، بينما تتمثل أهم الواردات المصرية من إيطاليا الماكينات، المنتجات الكيماوية والبترولية، الحديد، المواسير، محركات السيارات

ولفت التقرير ان هناك انخفاضا نسبيا في الصادرات المصرية لإيطاليا من الحاصلات الزراعية فى بعض المواسم الزراعية، ورغم ذلك تأتى ايطاليا في المركز الثالث ضمن الدول الاوربية المستوردة للحاصلات الزراعية المصرية، حيث استوردت بريطانيا وشمال ايرلندا بقيمة 987 مليون جنيه تليها ايطاليا بقيمة 566مليون جنيه وهولندا بـ 720 مليون جنيه.

واشار التقرير إلى ان الصادرات المصرية تواجه أحيانا منافسة شديدة في ايطاليا من قبل المنتجات المحلية في السوق الايطالي وكذا المنتجات القادمة من “فرنسا، واسبانيا، واليونان، والمغرب”، خاصة بالنسبة لمنتجات الخرشوف والعنب والفراولة والموالح.

والتساؤل الآن حول أثر التبادل التجاري في مستقبل العلاقة بين البلدين، وسيحاول الباحث الإجابة على هذا التساؤل من منظورين:

المنظور الأول: الأحوال التجارية لكل من مصر وإيطاليا:

بالنسبة للميزان التجاري الإيطالي:

توضح بيانات الجدول التالي تحسن أوضاع الميزانين التجاري والجاري لإيطاليا خلال الفترة من 2012 وحتى 2015، حيث تحول الميزان التجاري من عجز بحوالي -10,2 مليار يورو عام 2012 إلى فائض يقدر بحوالي 50 مليار يورو ثم 30 مليار يورو خلال عامل 2014و2015 على الترتيب، وذلك يدل على التحسن الملحوظ لأوضاع التجارة الخارجية الإيطالية خلال الفترة الأخيرة.

المصدر: قاعدة بيانات البنك المركزي الإيطالي.

بالنسبة للميزان التجاري المصري(3):

شهد العجز في الميزان التجاري ارتفاعا في العام المالي 2012/2013 ليصل إلى 30.7 مليار دولار، ثم تنامي هذا الارتفاع ليصل إلى 34.1 مليار دولار في العام المالي 2013/2014 وفي العام المالي 2014/2015 وصل إلى 38.8 مليار دولار، وذلك يرجع في الأساس لتراجع حصيلة الصادرات السلعية من 27 مليار دولار في العام المالي 2012/2013 إلى 26.1 مليار دولار في العام المالي 2013/2014، ثم إلى 22 مليار دولار في العام المالي 2014/2015، وبذلك انخفضت الصادرات بمعدل 15.5% في العام المالي 2014/2015 مقارنة بالعام المالي السابق.

وكذلك ارتفعت المدفوعات عن الواردات السلعية بنحو 0.7 مليار دولار بمعدل 1.1% لتسجل نحو 60.8 مليار دولار (مقارنة بالواردات السلعية التي بلغت 60.2، 57.7 مليار دولار للعام المالي 2013/2014 والعام المالي 2012/2013 على التوالي) نتيجة لزيادة المدفوعات عن الواردات السلعية غير البترولية بنحو 1.6 مليار دولار وتراجع المدفوعات عن الواردات البترولية بنحو 0.9 مليار دولار مقارنة بالعام المالي السابق.

المنظور الثاني: الوزن النسبي للتبادل التجاري بين البلدين إلى اجمالي التجارة الخارجية:

بلغت مقبوضات الصادرات الإيطالية حوالي 509 مليار دولار عام 2014 لذلك يمكن القول بصفة عامة أن الصادرات الإيطالية إلى مصر رقماً ليس بالكبير إلى اجمالي الصادرات الإيطالية، وإلي الفائض المحقق في الميزان التجاري، ولكن في أحوال الأزمة الاقتصادية التي تمر بها ايطاليا تتزايد الأهمية النسبية لأي حجم من الصادرات خاصة إذا كانت إلى سوق كثيفة السكان مثل السوق المصرية.

إلا أنه يجب أن نأخذ في الاعتبار أن حوالي 60% من الصادرات الايطالية للعالم وخاصة لآسيا والخليج وإيران وشرق وجنوب إفريقيا تمر عبر قناة السويس، ورغم اتفاقات النقل البحري الدولية إلا أن إيطاليا تدرك معني تعطيل أو تأخير مرور سفن بضائعها عبر القناة، والذي قد يصبح متعمداً عند قطع العلاقات التجارية (لاحظ تعدد حالات شحط الفن العابرة للقناة في الآونة الأخيرة).

كما أن الصادرات المصرية إلى ايطاليا تتزايد أهميتها النسبية لمصر في ظل التراجع المستمر لحجم الصادرات التي تعاني منه الدولة المصرية منذ الانقلاب العسكري رغم أن رقم 2مليار يورو ليس بالقليل بالنسبة للاقتصاد المصري.

وكذلك يصعب جدا علي كلتا الدولتين إيجاد أسواق بديلة لتصريف السلع في وقت قليل، نتيجة توافر البنية التحتية الايطالية في مصر الناتجة عن الخبرات المتراكمة في كيفية التوزيع والتسويق داخل السوق المصري، ونفس الكلام على السلع المصرية داخل السوق الإيطالية.

وبناءً على التحليل السابق يمكن القول إن فرضية الوقف الكلي للتبادل التجاري المصري الإيطالي مستبعدة، لأن الأضرار ستصيب كلا الطرفين الذين يعانيان من مشاكل اقتصادية كبيرة، وحتى لو تطورت الأوضاع السياسية وزاد الضغط الشعبي والبرلماني على الحكومة الإيطالية، فإن الباحث يرجح استمرار العلاقات التجارية بينهما، واللجوء إلى أشكال أخري من العقوبات قد تكون عسكرية أو غيرها، وأن أسلوب التعامل التجاري بين تركيا واسرائيل قد يتكرر في الحالة المصرية الإيطالية.

ثالثاً: السياحة الإيطالية إلى مصر:

كانت السوق الإيطالية إلى مصر هي السوق السياحي الأول لمصر وأحد أهم الأسواق خلال عامي 2008 و2009، حيث كان يصل منه حتى عام 2010 أكثر من مليون و300 ألف سائح سنوياً ثم بدأ يتراجع بعد يناير 2011، حتى تسبب في اغلاق معظم فنادق مرسى علم وبعض فنادق شرم الشيخ.

وتأتي إيطاليا، في المركز السادس (4)، من بين أكثر 10 دول في العالم، إيفادًا للسائحين إلى مصر، وفي المركز الثالث أوروبيًا، بعد دولتي ألمانيا والمملكة المتحدة، وفقا لكتاب الإحصاء السياحي السنوي، الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، والذي يشير إلى تراجع عدد السياح الوافدين إلى مصر، من 1.1 مليون وافد عام 2010 إلى 718 ألف سائح في 2012 ووصل إلى 504 آلاف سائح 2013، قبل أن يتراجع إلى 403 آلاف، عام 2014.

ثم بدأت العودة تدريجياً بنسبة لا تتعدى 30٪ من حجم الشغل في السنوات السابقة حتي أوائل عام 2015، إلى أن جاء تفجير القنصلية الإيطالية في شهر يوليو 2015 فقضى تماماً علي السياحة الإيطالية.

ورغم أن الحكومة الإيطالية لم تصدر أية تحذيرات، إلا أن الشركات الإيطالية التي تعمل في مصر وتونس أغلقت، ونظراً للخسائر التي تعرضت لها الشركات عملت حظراً داخلياً لمن يرغب السفر، حيث حملت المسافر المسئولية كاملة بعيداً عن شركات التأمين في حالة تعرضه لأي حادث، فكان من الطبيعي حدوث حالة من التخوف لدي السائح الإيطالي، إضافة إلى سوء أحوال المواطنين الطليان الاقتصادية، وتخوفهم من ركوب الطائرات لمصر خاصة بعد حادث الطائرة الروسية. اذاً فتفجير القنصلية الإيطالية، وأحداث المختطفين في ليبيا، إلى جانب إهمال هيئة تنشيط السياحة لحملات التنشيط في السوق الإيطالي، مع تداعيات أزمة ريجيني، كانت أهم أسباب تراجع السياحة الإيطالية.

ويري بعض الخبراء السياحيين أن تراجع السياحة الإيطالية إلى مصر في تلك الفترة يعود كذلك إلى التضارب والتراجع الذي وقع من الجانب المصري فيما يتعلق بسياحة الإقامة في جنوب سيناء، حيث كانت هناك ثلاث من أكبر شركات السياحة الإيطالية تعمل في هذا المجال بنشاط كبير وكان إقبال السائحين الإيطاليين كبيراً علي شراء وحدات فندقية في جنوب سيناء وشرم الشيخ، وعندما صدرت القرارات النهائية بعدم تملك الأجانب لوحداتهم المشتراة قررت تلك الشركات العملاقة وقف التعامل تدريجياً مع المقاصد المصرية وزيادة تعاملها مع المقاصد المنافسة وعلي رأسها تركيا في الصيف، وإسرائيل في الشتاء.

وفي شهر أبريل 2016 قررت جمعية السياحة الإيطالية تعليق رحلاتها إلى مصر، بسبب عدم الإعلان عن حقيقة مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني.

في هذا الإطار يجب أن نلاحظ أن الحكومة الإيطالية لم تحظر وحتى الآن السفر إلى مصر، وهذا يعني أن الحكومة الإيطالية كانت تري تقارب المصالح الاستراتيجي مع نظيرتها المصرية في العديد من الملفات، فتركت الباب السياحي مفتوحا ليغلقه الإهمال المصري، حيث المشاكل السياحية تعود في الأساس إلى سوء الإدارة وانعدام الرؤية المستقبلية من الجانب المصري.

وبناءً على التحليل السابق يمكن القول باستبعاد فرضية تأثير العلاقات السياحية المصرية الإيطالية على مستقبل العلاقات بينهما، لأن الأعداد منخفضة من الأساس، وكذلك لأن السبب أحوال مصرية داخلية، وبالتالي فالساحة لن تشكل ورقة ضغط في يد الايطاليين.

رابعاً: برنامج مبادلة الديون الإيطالية المصرية:

يمكن تعريف مبادلات الدين بأنها ” عمليات تبديل الديون كالقروض أو الأوراق المالية بعقد دين جديد“(أي عمليات مبادلة الدين بدين). أو تبديل الدين بحصص رأس مال أو تبديل الدين بالصادرات أو تبديل الدين بالعملة المحلية حتى يستخدم في مشاريع في البلد المدين. وتعرف مبادلات الدين أيضا باسم” تحويل الدين“(debt conversion)(5)

وتتعد أشكال ووسائل مبادلات الدين (debt swaps) على النحو التالي: مبادلة الدين بهبة خيرية (Debt-for-charity Swap)، ومبادلة الدين بسلع أساسية (Debt-for-commodity Swap)، أي قيام البلد المدين بسداد دينه الخارجي كله أو بعضه عينًا. ومبادلة الدين بالتنمية (Debt-for-development Swap)، وهو تمويل جزء من مشاريع التنمية في البلد المدين عن طريق مبادلة الدين المحرر بالعملة الأجنبية مقابل عملة محلية. ومبادلة الدين بحصص رأس المال (Debt-for-Equity Swap)، وهي معاملة تتم فيها مبادلة الدين القائم على اقتصاد ما بحصص من رأس مال مشروع قائم في نفس الاقتصاد. ومبادلة الدين بالطبيعة (Debt-for-Nature Swap )، وتعتبر مشابهة لمبادلة الدين بالتنمية غير أن الأموال تستخدم في مشاريع تؤدي إلى تحسين البيئة.

وتعد برامج مبادلة الديون الايطالية آلية مبتكرة لتمويل تنفيذ مشروعات تنموية فى مصر، حيث تم الانتهاء من الشريحة الأولى لبرنامج مبادلة الديون الايطالية وفى إطارها تم مبادلة 150 مليون دولار ساهمت فى تمويل 53 مشروعا تنمويا امتدت أنشطتها لتشمل أربع وعشرين محافظة. وتم توقيع الاتفاق الخاص بالشريحة الثانية مع الحكومة الإيطالية عام 2007 بمبلغ 100 مليون دولار لتمويل عدد من المشروعات التنموية وفقا لأولويات خطة التنمية المصرية (6).

وجارى العمل على الانتهاء من استخدام مبالغ الشريحة الثانية من برنامج مبادلة الديون الايطالية. كما تم بحث سبل استخدام برامج التعاون الإيطالي وتوجيهها لتلبية الاحتياجات الاساسية للمواطن خاصة الشريحة الثالثة من برنامج مبادلة الديون الايطالية والذي تم توقيع الاتفاق الخاص بها في 10 مايو 2012 بمبلغ 100 مليون دولار ليتم استخدامها في تمويل المشروعات التي تتفق مع الاولويات التنموية المصرية في قطاعات الأمن الغذائي، التعليم، الزراعة، البيئة والتراث الحضاري (7).

وفي25 يونيو 2013 اتفقت مصر مع ايطاليا على إطلاق الشريحة الثالثة من برنامج مبادله الديون التي تبلغ قيمتها 100 مليون دولار (8) وفي أبريل 2016 صرح ماركو بلاتزر مدير مكتب التعاون الإيطالي بالسفارة الايطالية بالقاهرة انه تم الانتهاء من تنفيذ الشريحة الاولى والثانية ببرنامج مبادلة الديون الايطالية بقيمة 250 مليون دولار في قطاعات الزراعة والتنمية والتعليم، وأن المكتب ينفذ حاليا الشريحة الثالثة من برنامج مبادلة المديونية الايطالية لتمويل مشروعات بالسوق المحلية (9). مما يعني توقف تنفيذ الشروع منذ عام 2013 وحتي عام 2016، وقد توقف المشروع تماماً مع سحب السفير الإيطالي من القاهرة.

عموماً يمكن النظر إلى مشروع مبادلة الديون المصرية الايطالية لمصر على أنه مشروع مهم رغم صغر مبالغه، حيث يؤسس لنقلة نوعية في كيفية سداد الديون المصرية قد تحتذي بها بعض الدول. ورغم ذلك فالمسارعة نحو إيقاف المشروع بعد سحب السفير الإيطالي له دلالة على النية نحو عدم التوغل في عقوبات مقلقة على المستوي الاقتصادي.

خلاصة:

العلاقات الاقتصادية هي امتداد للعلاقات السياسية، وإيطاليا تري في النظام المصري شريكاً أمنياً وعسكرياً وتجارياً هاماً، ورغم الضغط الشعبي والبرلماني الكبير على الحكومة الإيطالية، وضغط المعارضة الإيطالية بأزمة ريجيني، فإن مجموعة من التحديات مثل أزمة اللاجئين والمهاجرين، والتعاون الدفاعي والاستخباري خاصة في ليبيا، وأزمة الركود الاقتصادي، تجعل استخدام ورقة العلاقات الاقتصادية من الجانب الإيطالي مُستبعدة، خاصة في ظل تصريح نيكولا لاتوري، عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء ماتيو رينتسي، إن التصويت كان يهدف لزيادة الضغط على مصر للمساعدة على ظهور الحقيقة بسرعة أكبر في قضية مقتل الطالب بأن العقوبة الأخيرة، ومع تحذير نواب من أحزاب يمين الوسط من أن ذلك قد يضر بالعلاقات مع حليف في المعركة ضد الإرهاب (1).

———————————

الهوامش:

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

(1) الموقع الإلكتروني للهيئة العامة للاستعلامات

(2) إيطاليا تجمد مساعداتها لمصر، جريدة البورصة، السبت 9 أبريل 2016.

(3) د. أشرف محمد دوابه: الحصاد الاقتصادي للانقلاب العسكري، المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، مارس ١٩، ٢٠١٦.

(4) الكتاب الإحصاء السياحي السنوي، الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، 2015.

(5) د. خليل حسين: السياسات العامة، دار المنهل اللبناني، بيروت 2006، ص212-213.

(6) العربي: الانتهاء من الشريحة الأولى لبرنامج مبادلة الديون الايطالية بقيمة 150مليون دولار”، صحيفة الشروق المصرية، 28/11/2012.

(7) استكمال مشروعات مبادلة الديون بين مصر وإيطاليا بواقع ١٥٠ مليون جنيه، اليوم السابع، الأربعاء، 28 نوفمبر 2012.

(8) إطلاق الشريحة الثالثة من برنامج مبادله الديون مع إيطاليا، بوابة أخبار اليوم، الجمعة , 14 يونيو 2013.

(9) مسئول بالسفارة الايطالية: بدأنا تنفيذ الشريحة الثالثة من برنامج مبادلة المديونيات، جريدة المال، الأربعاء 06 أبريل 2016.

 

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close