fbpx
قلم وميدان

قلم وميدان: كيف تنجح المقاومة المبدعة في مصر؟

قلم وميدان، عدد مارس 2016، د.هاني جبر:

المقاومة المبدعة وحرب اللاعنف من المصطلحات الثورية العالمية المتعارف على أنها أكبر وسائل المقاومة والمعارضة التي يمارسها الشعب ضد الاحتلال أو ضد أي نظام ظالم مستبد.

وجه حديثنا اليوم سيكون على الفئة الأقوى والأكثر عددا وهي الشعب الذي تنتمي إليه الجموع العريضة من المواطنيين داخل هذه الدولة… فدعونا نتحدث أننا كشعب لا نملك سوى العمل السلمي وحرب اللاعنف والتي أثبتت على مر التاريخ أنها الأقدر على الانتصار.. ولا شك أن اللاعنف سلاح صعب ويحتاج إلى كثير من التضحيات.. ولا شك بأن العنف يولد عنفا والدماء تنادي الدماء، فانتهاج نهج المقاومة المسلحة من قبل الشعب أمر مرفوض تماما.

وهذه السطور هي دعوة لتبني استراتيجية صحيحة ومختلفة للمقاومة والمواجهة تؤدي إلى الهدف في النهاية ولكن بطرق أخرى أكثر فاعلية وأقل دموية… فنحن نريد الحرية والديموقراطية السليمة والإنسانية الحقيقية وتحرير الشعب وبناء الدولة.. كل هذا صحيح وشرعي ومبني على قواعد الشرعية الدولية.

وتتلخص أهم الشروط الأساسية لنجاح المقاومة المبدعة..وحرب اللاعنف:

1ـ الإيمان والثقة

• الإيمان بأن النصر يأتي من عند الله تعالى وبأن الله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم…

• بداية التغيير يبدأ من نفسك.. فابدأ أنت بالتفكير والتنفيذ في وسائل المقاومة المبدعة واجعل من نفسك قائد الثورة، ولا تنتظر غيرك ليحركك؛ فلديك الكثير من الوسائل وطرق المقاومة تستطيع أن تفعلها ولا تعود بالضرر عليك من أي اتجاه.

• الثقة التامة بأننا قادرون على النصر وأن الباطل والظلم أضعف ما يكون وأن الله سبحانه وتعالى يزيد ظلم الظالم حتى يخسف به الأرض.

• الثقة والإيمان بأن القادر على التغيير هي الفئة القليلة من الشعب التي تسير على الحق وليس الأغلبية الساحقة؛ فهي تابعة تتبع من تشعر منه بالحماسة والقوة…. ليست القوة المسلحة ولكن قوة الإرادة والعزيمة.

 

2ـ البناء والتربية..

ضع في عقلك وقم بتربية نفسك علي .

فاللاعنف يقوم بالأساس علي ضبط النفس أمام العنف والظلم، وعلي اتخاذ الوسائل السلمية للمقاومة، انطلاقاً من الإيمان بعدالة القضية التي يناضل المرء من أجلها وفقاً للشرعية الدولية. فردُّ الفعل الطبيعي والأولي أن يقابل الإنسانُ العنفَ بالعنف، انطلاقاً من مبدأ “ما أُخِذَ بالقوة لا يُسترَدُّ إلا بالقوة ” و “من يزرع الريح يحصد العاصفة” ؛ ولكن عند اختلال ميزان القوة المسلحة فإن استخدام قوة أقل يؤدي إلى استقواء الجانب القوي المتفوق على الضعيف، وإلى إلحاق أكبر قدر من الخسائر في جانبه، لإضعافه وتلقينه درساً ليدرك بأنه لا يستطيع أن يهزم جيشاً جراراً مسلحاً بأحدث التقنيات الحربية من هنا يجب تحييد القوة المسلحة، واللجوء إلى قوة من نوع آخر، هي قوة الشعب، وقوة الحقيقة، وهذه القوى لا تُهزَم حتى أمام أعتى الجيوش، لأنها ببساطة تقوم بإصابة القوة المادية بالشلل .

ولكن هذه المبادئ بحاجة إلى تربية وإلى عقلية؛ ونعني بذلك تدريباً إيديولوجياً للشعب، ابتداء من القاعدة صعوداً إلى القمة، انطلاقاً بالصغار وصولاً إلى الكبار، بحيث يصبح هذا التفكير نهج حياة، وتُتَّخذ هذه الطريق خياراً استراتيجياً جذرياً وحيداً للمقاومة.

وقد تلعب في تدعيم هذا الفكرة القيمُ الدينية والأخلاقية الإيجابية في الديانات السماوية، من جهة، ودراسةُ نماذج مماثلة في المقاومة استُخدِمَت عبر التاريخ.

من جهة ثانية. بطبيعة الحال، فإن الأمر لا يمكن أن يحدث بين ليلة وضحاها، ولا يمكن التحول إليه بسرعة البرق، بل هو بحاجة إلى وقت وتمرين ومناهج دراسية ومعسكرات تدريب وتعبئة جماهيرية. ولكن يمكن على الأقل تبنِّيه من حيث المبدأ، والتوجُّه نحو تحقيق ما يمكن تحقيقه بالسرعة الممكنة.

3ـ القيادة الموهوبة الواعية ..

إن وجود قيادة ثورية موهوبة واعية من أهم أساسيات نجاح المقاومة المبدعة .. وقد منح الله ثورة مصر المباركة قائدا موهوبا ولديه وعي سياسي كبير حفظ مصر من حرب أهلية ضخمة كانت ستحدث لولا توفيق الله له وتمسكه بالسلمية المبدعة وعدم دعوة أنصاره إلي العنف والقتل … وثباته علي الحق وعدم تنازله عن حق شعبه في طرق ديمقراطية سلمية …..

وحديثنا في هذه الفقرة عن القيادة الميدانية التي يجب أن تتحلي بنفس صفات قائدها وهي الموهبة والوعي الثوري السلمي … فوجود قيادة كارزمية، تجمع حولها ذوي النوايا الحسنة وتعيد تنظيم الأمور، يمكن أن تنجح في استقطاب الكثيرين، لا بل في حشد الجماهير. فنحن بحاجة إلى غاندي مصري، أمثال الزعيم الهندي المهاتما غاندي، أو الزعيم الأمريكي الأسود القس مارتن لوثر كينغ، أو الزعيم الجنوب أفريقي نلسون مانديلا وكان لدينا الكثير من أمثال هؤلاء ولكنهم الآن داخل السجون … فلابد من ظهور جيل جديد يتبني ويعمل بنفس الروح وبروح الشباب لإنجاح المقاومة المبدعة وحرب اللاعنف ويبتكر الوسائل الجديدة لإنجاحها .

وهذه القيادة الميدانية يجب أن تكون قادرة علي :

• الحشد الميداني

• التخطيط والتركيز

• الوعي السياسي والحركي

• التفكير خارج الأطر والغير متوقع

• الإتفاق والاصطفاف والتوحد خلف أهداف موحدة

• الجذب الإعلامي و السياسي

4ـ المشاركة الشعبية..

إن سرَّ نجاح سلاح اللاعنف هو قوة الشعب وقوة الجماهير. فهي كالنار الآكلة التي لا تطفئها مياه الطوفان الغامرة. ومن هنا هناك ضرورة لتجنيد الجميع في هذا الكفاح، صغاراً وكباراً، رجالاً ونساء إن قوة الشعب تعني نزول الجميع إلى الشارع، وانتقال هذه العدوى إلى شارع العدو وصفوفه، باكتساب الأصدقاء والمناصرين، لا بل تجاوزها إلى بلدان العالم الصديقة التي تناصر قضيتنا العادلة. إن مشاركة الشعب، بكل فئاته واتجاهاته، في جميع مدنه وقراه ، ستُحدِث حالة إرباك في الجانب الآخر، وتشلُّ حركة قواته ودباباته، وتجعل من أسلحته ألعاب أطفال غير قابلة للاستخدام.

ولأهمية الحشد الشعبي لابد من التواصل الفعال والحقيقي مع المجتمع واستخدام كافة الوسائل التي تعمل علي توصيل الحقيقة للصغير قبل الكبير مع اللحمة الشعبية التي لا بد أن تتوافر وخصوصا في المطالب الحياتية والمعيشية للشعب المصري .

5ـ الوقت و الإستمرارية …

هذا العنصر ضروري جداً. فلا يكفي القيام بمظاهرة أو مسيرة أو اعتصام، ثم إعلان الإفلاس وتحديد موعد آخر بعد شهور؛ بل يجب التعبئة الجماهيرية، إلى جانب الإصرار على الثبات والاستمرارية لتحقيق الأهداف المرحلية أو الاستراتيجية أو النهائية – مع العلم بأن الأمر قد يستغرق وقتاً ويتطلب صبراً. لذا لا بدَّ أيضاً من الأفكار الإبداعية التي تعتمد على الرمزية، وعلى تنويع أساليب النضال اللاعنفي، وعلى استخدام كافة الأسلحة في ساحة المعركة. وهنا لا بدَّ من دراسة هذه التقنيات المعروفة عبر التاريخ، ومن ابتكار أخرى مناسِبة لواقعنا، تتكيَّف مع المتغيرات وتتلاءم مع تطورات الأحداث. المهم في الأمر عدم اليأس وعدم فقدان الهمة وإحياء الأمل في القلب بأن “من سار على الدرب وصل”، وبأنه “ما ضاع حقٌّ وراءه مُطالب”، وبأن الحق سينتصر في نهاية المطاف، مهما طال الانتظار. وأعتقد في هذه المجال أننا أصبحنا خبراء في الجَلَد والتحمل والصبر والانتظار!

فقد جرَّبنا عدة وسائل منذ أكثر من عامين، وانتظرنا طويلاً؛ فلماذا لا نجرب الآن هذه الوسيلة، عالمين وواثقين أنها إن لم تنفع عاجلاً في تحقيق الأهداف، فإنه لا بدَّ من انتصارها آجلاً؛ كما أننا، وإن لم نحقق كل الأهداف النهائية دفعة واحدة، سنأخذ بالقليل ونطالب بالكثير، علماً بأننا إن لم نربح كل شيء فإننا لن نخسر شيئاً: لن نخسر كرامتنا، ولن ندمِّر بيوتنا، ولن نسفك دماءنا، ولن نفقد إنسانيتنا؛ لا بل سنرفع رأسنا، ونسترجع إنسانيَّتنا، ونعيد لعدوِّنا إنسانيَّته، ونُعيدُه إلى رشده .

6ـ التواصل الخارجي ..

بالرغم من سفر الكثير من الرموز وأفراد العمل الثوري إلي الخارج ومع الجهد المبذول ولكنهم مازلوا يفتقدون إلي فكرة المقاومة المبدعة وحرب اللاعنف … والتواصل الخارجي مع جميع دول العالم وتبني فاعليات حقيقة ومؤثرة تعمل علي توعية الشعوب العالمية بالقضية المصرية و تعمل علي حدوث حراك شعبي تضامني معها يقوم بالضغط علي الحكومات العالمية للوقوف أمام ما يحدث في مصر … فمثلا لم تقم العديد من دول العالم بسحب سفرائها أو طرد السفير المصري منها احتجاجا علي استباحة القتل و الدماء لدي النظام المصري …

7ـ الاصطفاف الثوري والوحدة الثورية

علي الرغم من توحد أهداف العديد من القوي الثورية في إسقاط حكم العسكر في مصر ولكنها تخاف من إعادة الاتحاد مرة أخري …. فوحدة الصف الآن في غاية الأهمية بعد أن ذاق الجميع الحكم المستبد الظالم للعسكر وقتله لكافة الأطياف والفصائل …

8ـ وسائل الإعلام …

إذا اعتبرنا أن وسائل الإعلام الحديثة هي القوة الرابعة في العالم، إن لم تكن الأولى، وإذا أخذنا بالحسبان أنها وصلت إلى درجة عالية من الدقة والسرعة والفعالية، بحيث تصل إلى كل الشعوب، في كل أقطار العالم وفي الجهات الأربعة من الكرة الأرضية، فإنه يجب استخدامها بذكاء وحنكة.

إن هذا العنصر مهم جداً لأسباب عديدة: فصورتنا الحالية مشوهة للأسف الشديد؛ فعلى الرغم من النضال البطولي فإننا نوصف بالإرهاب؛ وعلى الرغم من عدالة قضيتنا فإن العالم لا يفهمها، لا بل لديه فكرة مغلوطة مقلوبة عنها؛ وعلي الرغم من وجود بعض القنوات المساندة لقضيتنا ضد الانقلاب العسكري ولكنها لم تصل الي درجة التنافس مع القنوات المساندة للانقلاب العسكري ؛ وبالتالي فإنها مجردة من الموضوعية لا بل تمتاز بالتحيُّز الصارخ ولا تتحدث إلي عقل المواطن البسيط بل فقط إلي عقل مؤيدي الشرعية .

لا أقول هذا من باب الدعوة والإعلان، ولا من باب تجميل الصورة أو تقديمها بطريقة مصطنعة، فلا بدَّ من خلق الصورة الجديدة المبتكَرة المبدعة، آخذين بعين الاعتبار أن الإعلام هو فن الإثارة والتنويع لتأمين عنصر الجذب. لذا لا بدَّ من تجنب التكرار والروتين. إن العالم يتعود على كل شيء – حتى على الحرب والموت – وكل شيء يصير طبيعياً بالتكرار. فقد ملَّ صور القتلي في المظاهرات، وملَّ صور اعتقال البنات والنساء، وبات يمتعض من العمليات النوعية التي تمارسها فئة معينة من الثوار… إن معركتنا معركة إعلامية بقدر ما هي معركة سياسية وشعبية؛ فلا بد من مكتب إعلامي وكفاءات متخصِّصة، بالإضافة إلى الأموال والتقنية الحديثة.

هذه المقومات الضرورية بعضها متوفر والأكثرية غير متوفرة – للأسف – في الوقت الحاضر. ولكن من الأفضل أن نبدأ الخطوة الأولى قبل فوات الأوان، لأن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة.

عدد مجلة قلم وميدان ـ مارس 2016

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close