fbpx
ترجمات

إيكونوميست: هل يمكن لليمن أن يلتئم من جديد؟

إيكونوميست: هل يمكن لليمن أن يلتئم من جديد؟

نشرت مجلة ذي إيكونوميست البريطانية مقالاً بعنوان: “هل يمكن لليمن أن يلتئم؟”، تتناول فيه المحلة البريطانية كيف “تسعى الدولة التي مزقتها الحرب الأهلية إلى تحقيق سلام قد يكون بعيد المنال”.

وقد جاء المقال على النحو التالي:

لا تُعتبر الدول التي أصابها التفكك والتشظي شيئاً نادراً في منطقة الشرق الأوسط  – فكّر في العراق وليبيا وفلسطين وسوريا كأمثلة على ذلك – لكن دولة اليمن هي الأكثر تفككاً بينهم على الإطلاق. فبعد أن ضربتها الحرب الأهلية على مدى السنوات الثماني الماضية، أصبحت اليمن تضم مزيجاً من الفصائل المتناحرة. وفي العام الماضي، أعطى وقف إطلاق النار بين المملكة العربية السعودية، التي تدعم الحكومة اليمنية عديمة الفعالية، رغم أنها معتَرف بها دولياً، والمتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على مساحة كبيرة من الأراضي بما في ذلك العاصمة صنعاء، أعطى الأمل في تحقيق الاستقرار في البلاد، والحفاظ على وحدتها، ولو كان ذلك على الورق فحسب. وبدلاً من ذلك، فقد مكّن وقف إطلاق النار الهشّ الحوثيين من إحكام قبضتهم على المنطقة الخاضعة تحت سيطرتهم وأضعفَ من موقف القوات المحتشدة ضدهم. وبعد تحقيق درجة من التعادل في قتال السعودية والإمارات ضدهم، يبدو أن الحوثيين يستعدون لتحقيق الفوز في مساعي إقامة السلام.

وتتناحر تسعة فصائل مختلفة على الأقل على السلطة في البلاد، في الوقت الذي يدّعي فيه مجلس القيادة الرئاسي الذي أنشأته السعودية العام الماضي أنه الحكومة الشرعية في اليمن. وقد وعد السعوديون، الذين يمولونها، مؤخراً، بدفع مبلغ 1.2 مليار دولار أخرى لضمان بقائها. وبينما يدّعي مجلس القيادة الرئاسي أنه يسيطر على البلاد بأكملها، إلا أنه قد يكون الأقل تأثيراً بين جميع الفصائل اليمنية الساعية إلى السلطة. ويقتصر الأمر على مجرد جناح من القصر الرئاسي في مدينة عدن، ثاني أكبر مدن اليمن، بالقرب من الأطراف الجنوبية لليمن (انظر الخريطة). ويعيش معظم أعضاء مجلس القيادة الرئاسي في فندق ريتز كارلتون في العاصمة السعودية، الرياض، حيث من المعروف أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، يُبقي السياسيين وأفراد الأسرة المزعجين شبه محتجزين في هذا الفندق الذي يبدو مثل القفص الذهبي. وغالباً ما يكون ممثلو مجلس القيادة الرئاسي الثمانية على خلاف مع بعضهم البعض.

وكانت السعودية والإمارات قد حشدت مجموعة متنوعة من التحالفات داخل اليمن بعد أن استولى الحوثيون على صنعاء في عام 2014، للرد على ذلك. لكن في الآونة الأخيرة، اندلع خلاف بين هاتين الدولتين الكبيرتين في شبه الجزيرة العربية، مما أدى إلى انهيار تحالفهما في اليمن. حيث تدعم الإمارات انفصال الجنوب تحت ستار “المجلس الانتقالي الجنوبي” بقيادة عيدروس الزبيدي، وهو جنرال سابق، رغم أنه عضو في مجلس القيادة الرئاسي المدعوم من السعودية.

وتشجع هذه العداءات بين الدول الخليجية المشاحنات اليمنية. حيث يرفع الجنوبيون تحت قيادة الزبيدي علماً منفصلاً لهم فوق مساحة واسعة من الأرض، مما كان في السابق دولة منفصلة (اليمن الجنوبي)، حيث كانت تُعرف سابقاً باسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل أن تتحد مع الشمال في عام 1990. وقد تكون عين الإمارات، تحت حكم زعيمها الحازم محمد بن زايد آل نهيان، على الموانئ وآبار النفط في جنوب اليمن. وعلى الرغم من أنها سحبت قواتها منذ عام 2019، إلا أنها لا تزال تدعم الزبيدي عسكرياً ولديها قواعد خاصة بها على الأراضي التي تقع تحت سيطرته.

ويسعى السعوديون الآن إلى إحباط طموحات الإمارات العربية المتحدة من خلال تأجيج تطلعات الممالك والقبائل اليمنية القديمة ضد دولة الزبيدي الانفصالية المحتملة. ويأملون أيضاً في شق ممر بري بين الشمال والجنوب عبر المحيط الهندي. وفي الأسابيع الأخيرة، دعم السعوديون تشكيل “مجلس وطني” في حضرموت و”تحالف قبائل” في شبوة، على بعد أكثر من 500 كيلومتر شرق مقر الزبيدي في عدن. وتحولت تلك التوترات بالفعل إلى أعمال عنف. واشتبكت ميليشيات موالية لمجلس حضرموت في سيئون مع محتجين مؤيدين للزبيدي. ويتنافس الجانبان للسيطرة على المُكلّا وهو ميناء جنوبي آخر.

كما تهدد أجزاء أخرى من اليمن بالانفصال. ولا تزال جيوب تنظيم القاعدة كامنة في المناطق النائية من حضرموت. وترتبط محافظتا مأرب وتعز بعلاقات وثيقة مع حزب الإصلاح، وهو فصيل مقرب من جماعة الإخوان المسلمين. وخوفاً من الخسارة أمام دول الخليج الأكثر ثراءً، قد ترغب عمان، الجارة الشرقية لليمن، في ضم محافظة المهرة اليمنية المجاورة لتصبح تحت جناحها.

ويُعتبر هذا التشرذم بمثابة هبةً من السماء بالنسبة للحوثيين. فقبل عشرين عاماً، كانوا عبارة عن مجرد مجموعات من القبائل الشمالية المتمردة التي تعيش حياة قاسية وتتبع أحد فروع المذهب الشيعي، وغالباً ما كان يتحتم عليهم الاختباء في الجبال والكهوف خوفاً من السلطات في صنعاء. ولكنهم الآن يسيطرون على البلاد. وقيادتهم موحدة ومترابطة تحت غطاء ديني. وباستخدام الأسلحة والتدريب من قِبل إيران ووكيلها الشيعي اللبناني، حزب الله، تمكّنوا من الاحتفاظ بصنعاء والساحل الشمالي وصولاً إلى ميناء الحديّدة، على الرغم من سنوات من الهجمات المضادة اليمنية المدعومة من السعودية. وقد ردّوا على القصف الجوي الذي قام به السعوديون بالهجمات الصاروخية والمسيّرات التي أطلقوها في عمق المملكة العربية السعودية وحتى على دولة الإمارات. وفي مارس 2022، أجبروا الأمير محمد بن سلمان على الدعوة إلى وقف إطلاق النار.

ومنذ ذلك الحين، حاول السعوديون إعادة الحوثيين إلى صفّهم. حيث رفعوا حصارهم عن الحديّدة، وسمحوا باستئناف الرحلات الجوية إلى صنعاء وأرسلوا وفداً للتفاوض مع الحوثيين دون استشارة مجلس القيادة الرئاسي. وسمحوا لأحد قادة الحوثيين بالسفر مع أتباعه إلى المملكة لأداء فريضة الحج في مكة المكرمة. وبينما يحرم السعوديون الانفصاليين في جنوب اليمن من الأموال، فقد اقترحوا دفع رواتب إدارة الحوثيين. بل إن بعض مستشاري محمد بن سلمان اقترحوا أنه قد يشكل السعوديون تحالفاً كاملاً مع الحوثيين، بعد تقارب المملكة مع إيران في مارس الماضي.

ومع ذلك، فإن وقف إطلاق النار لم يؤد إلا إلى زيادة جرأة الحوثيين ضد السعوديين. وهم يحتفلون بانتصار أفقر دولة عربية على أغنى دولة عربية، وحتى يطالبون بدفع التعويضات. وفي الخُطب التي يلقيها زعيمهم عبد الملك الحوثي، يصور الرجل نفسه على أنه الحاكم الشرعي المستحق للأمة، أو العالم الإسلامي، بفضل أصله الذي ينحدر من نسل النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كما يدّعي. حتى إن بعض الحوثيين يحلمون باحتلال مكة والمدينة، أقدس بقاع الأرض في الإسلام، ويزعمون أنهما تاريخياً من أراضي اليمن. وعندما وصل وفد سعودي إلى صنعاء في إبريل، تعرضوا للسخرية منهم باعتبارهم معتدين، وليسوا صانعي سلام. ويقول عبد الغني الإرياني، الوسيط اليمني السابق: “لقد استسلم السعوديون لمعظم مطالب الحوثيين السخيفة ولم يحصلوا على شيء في المقابل”.

منذ وقف إطلاق النار، عزّز الحوثيون أيديولوجيتهم في أراضيهم، على سبيل المثال من خلال حظر تحصيل الفوائد، وحاولوا تمديد انتشارهم في أماكن أخرى. وما إن رفع السعوديون حصارهم عن الحديّدة حتى هاجم الحوثيون عدن وأعلنوا مقاطعة أي بضائع مستوردة من الجنوب. وفي أواخر العام الماضي هاجموا المنشآت النفطية في الجنوب. وفي الآونة الأخيرة، حشدوا قواتهم حول مدينة تعز، وهي معقل تسيطر عليه الحكومة المعترف بها دولياً والتي كانت في السابق القاعدة الصناعية لليمن.

ويخشى كثير من اليمنيين الآن من احتمال سقوط الحكومة الرسمية. وفي حين وعد السعوديون بتقديم المساعدات للحوثيين، فقد خفّضوا بشكل حاد الأموال المخصصة لحلفائهم اليمنيين. ويشكو بارا شيبان، مراقب شؤون اليمن في لندن، قائلاً: “إنهم يدفعون لرونالدو ما يقارب ما يدفعونه لـ 33 مليون يمني”، في إشارة إلى لاعب كرة القدم البرتغالي الذي اشتراه مؤخراً نادي سعودي. كما حرمت هجمات الحوثيين الجنوب من عائدات النفط والجمارك، مما أدى إلى مزيد من تآكل القاعدة الاقتصادية للحكومة. ويعادل الريال هناك حوالي ثلث قيمته في الشمال الذي يسيطر عليه الحوثيون. ويعتقد علي البخيتي، المتحدث السابق باسم الحوثيين الذي يعيش في المنفي في بريطانيا، أن اليمن قد يعود إلى الظهور من جديد كدولة واحدة، مهما كانت رغبة سكانه. ولكن، سوف يلتهمها الحوثيون جميعاً، في نهاية المطاف”.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close