fbpx
قلم وميدان

الرئيس مرسي وعقيدة الجيش المصري

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

منذ اللحظة الأولى بعد تولي الرئيس محمد مرسي رئاسة الجمهورية وتنصيبه قائداً أعلى للقوات المسلحة المصرية، اتضح نهجه العسكري وعقيدته العسكرية المستمدة من القيادات العسكرية التاريخية للجيش المصري (على سبيل المثال لا الحصر، الفريق سعد الدين الشاذلي، المشير محمد الجمسي، المشير عبد الحليم أبو غزالة، الفريق محمد فوزي، الفريق محمد صادق، ..)، والتي كانت ترى أن العدو الاستراتيجي للأمة العربية والإسلامية هو الكيان الصهيوني، وأن الصراع هو صراع عربي مع ذلك الكيان، وانه من الخطأ أن يفهم أن الصراع مع ذلك الكيان منحصراً فقط على دولة فلسطين.

ففي ذكرى احتفالات حرب أكتوبر لعام 2012م، وضح الدكتور مرسي فلسفته في التعامل مع الكيان الصهيوني، فقام ولأول مرة باستضافة عائلة الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب أكتوبر 1973م، وقلده قلادة الجمهورية وتسلمت ذلك الوسام زوجة الفريق سعد الدين الشاذلي، الذي تم التنكيل به بسبب أرائه واختلافه مع الرئيس الأسبق أنور السادات في إدارة المعارك حيث كان يري الشاذلي، أن السادات لم تكن لدية إرادة حقيقية للقيام بحرب واشتباك بشكل كامل مع الكيان الصهيوني، لتحرير الأراضي المصرية بالكامل من خلال المعارك الحربية.

الرئيس محمد مرسي يعلم طبيعة الخلاف والصراع والظلم الذي تعرض له الفريق سعد الدين الشاذلي، والذي لم يكرم طيلة السنوات الماضية مع أنه أحد قيادات حرب أكتوبر، وكان يعلم الرئيس مرسي أن الشاذلي كان له رأي ونظرة خاصة للكيان الصهيوني، عبر عنها بقوله: “من المؤكد انه ستكون هناك حروب قادمة بين العرب وإسرائيل، ويؤيد ذلك الإيمان بالله، والإيمان هو الأساس، والرؤية الإيمانية تؤيدها الرؤية الاستراتيجية والتي تقول انه لابد إن عاجلاً أو أجلاً سينتصر العرب علي إسرائيل”.[1]

وفي كلمته التي ألقاها في إستاد القاهرة في تاريخ 07 أكتوبر 2012م، أظهرت كلمات الرئيس مرسي أن إسرائيل كيان مغتصب محتل يهدد أمن المنطقة.[2]

وفي نوفمبر 2012، شن الكيان الصهيوني عدواناً على قطاع غزة، فكان رد فعل الرئيس مرسي، وتعامله مع ذلك الموقف، مختلفاً تماماً عن تعامل الأنظمة العسكرية الحاكمة سابقاً، ففي 14 نوفمبر، قامت الطائرات الإسرائيلية باغتيال قائد كتائب القسام في غزة أحمد الجعبري لتعلنها بداية حرب جديدة على غزة. واستمر العدوان منذ ذلك التاريخ وحتى مساء يوم 21 نوفمبر، بعد التوصل إلى اتفاق تهدئة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل برعاية مصرية.

قام الرئيس محمد مرسي بعد بداية الحرب وتحديداً يوم الجمعة الموافق 16 نوفمبر 2012م، بإرسال رئيس الوزراء المصري هشام قنديل لزيارة قطاع غزة، وأكد هشام قنديل خلال زيارته أن حكومته تعمل على تحقيق التهدئة في القطاع، مشيرا إلى دعم بلاده للشعب الفلسطيني الذي يعاني جراء العمليات العسكرية في قطاع غزة. وأضاف في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس حكومة حماس إسماعيل هنية أن “مصر الثورة تقف إلى جانب الفلسطينيين حتى تتحقق كافة الحقوق المشروعة”. وأكد قنديل ضرورة أن يتحد الفلسطينيون، مؤكدا أن بلاده تعمل مع الأطراف المعنية لوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.[3]

وندّد الرئيس محمد مرسي بالهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة واعتبره “عدوانا سافرا على الإنسانية” وقال إن “مصر لن تترك غزة وحدها”، وأضاف في كلمة قصيرة له عقب أدائه صلاة الجمعة يوم 16 نوفمبر 2012م، “أنا أحذر وأكرر تحذيري للمعتدين بأنه لن يكون لهم أبدا سلطان على أهل غزة”. مضيفا “إنني أقول لهم باسم الشعب المصري كله إن مصر اليوم مختلفة عن مصر أمس، وعرب اليوم مختلفون عن عرب الأمس”، وحذر الإسرائيليين من غضبة وقيادة الشعب المصري.[4]

وطلبت مصر من مجلس الجامعة العربية وقتها عقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب لبحث أحداث غزة[5]، واستدعت مصر السفير المصري في إسرائيل وقتها عاطف سالم.[6]

وفي المقابل لم يكن لوزير دفاع الجيش المصري آنذاك، عبد الفتاح السيسي، أية تصريحات بخصوص العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

وفي ذلك الأثناء قامت “تسيبي ليفني” وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة بشرح سر عداوة إسرائيل للرئيس محمد مرسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وفي محاضرة بمعهد دراسات الأمن القومي الصهيوني INSS يوم 17 نوفمبر 2012 قالت “ليفني” إن كل قائد ودولة في المنطقة يجب أن يقرروا أن يكونوا إما جزءا من معسكر التطرف والإرهاب، أو معسكر البرجماتية والاعتدال وإذا قررت دولة أو قائد دولة ما مسارا آخر فسيكون هناك ثمن لهذا المسار. وتابعت ليفني “لا أستطيع قبول فكرة أن تقول إسرائيل حسناً العالم ضدنا، أردوغان ومرسي اسلاميين ولا أمل في التغيير”. وأضافت “إنه يجب أن نتكاتف سوياً، وأن نتحد ضد هؤلاء الذين يعادوننا وأن نفعل لا شيء، أعتقد أن هذه فكرة خاطئة، وأعتقد أن هذه ليست السياسة المناسبة دولة إسرائيل”.[7]

بتلك الكلمات التي قالها الرئيس محمد مرسي أثناء حرب 2012م، على قطاع غزة توضح عقيدة الرئيس محمد مرسي لإسرائيل كونها دولة احتلال تعادي العرب، وأن الدولة المصرية لن تكن مكتوفة الأيدي في حالة القيام بأي عدوان علي الدولة الفلسطينية، وكلام ليفني يوضح أكثر نظرة إسرائيل للرئيس مرسي ونظامه في تلك الفترة، كما وصفت الرئيس مرسي بأنه “عدو”.

عقيدة الرئيس مرسي تجاه الكيان الصهيوني، دفعت ذلك الكيان إلى العمل على إسقاط نظام الرئيس مرسي لأن بقائه كان سيهدد وجود ذلك الكيان. والمتابع للسلوك الذي اتبعه الرئيس محمد مرسي تجاه الكيان الصهيوني، ومن يقرأ ما كتبه قادة الجيش المصري وقت الحروب مع إسرائيل أعوام (1948-1956-1967-1973) يراها متطابقة ومتشابهة. ولذلك عمل الكيان الصهيوني مع حلف الثورات المضادة بالمنطقة، للبحث عن بديل لنظام الرئيس محمد مرسي لسببين:

أولهم: الرئيس مرسي رئيس إسلامي وربما يسعى لتأسيس نموذج ديمقراطي ذي مرجعية إسلامية في المنطقة يحتذي به، وفي هذا تهديد مباشر لكل الأنظمة القمعية بالمنطقة، وتهديد للمصالح الأمريكية والغربية بالمنطقة.

الثاني: نظرة الرئيس مرسي لدولة الكيان واعتبارها كيان محتل، وأن مصر في حالة صراع معه، وأن الصراع هو صراع “عربي-إسرائيلي”.

وقد نحج ذلك المحور في إيجاد من يسير معهم في ذلك الاتجاه، من داخل الجيش المصري، وتغيرت عقيدة الجيش المصري نحو إسرائيل بشكل جذري مع وصول عبد الفتاح السيسي علي رأس الحكم في مصر.

ولم نعد نسمع أصواتاً داخل الجيش المصري تعارض ذلك التحول الخطير علي الدولة المصرية، صاحبة أقوي وأكبر الجيوش العربية حالياً، والتي تعمل إسرائيل على هدمه وتدميره حتى تكون هي صاحبة الكلمة الأولي في منطقة الشرق الأوسط، وأن تلك التحالفات من وجهة النظر الإسرائيلية ما هي إلا خطوات تكتيكية فقط، لتفكيك الدولة المصرية ككل.

فهل سيستمر السيسي في تقربه لإسرائيل سياسياً وعسكرياً كي يحافظ على منصبه ويُرسخ حكمه؟ أم أن هناك قيادات عسكرية داخل الجيش المصري ما زالت تسير على نهج المشير الجمسي والمشير أبو غزالة والفريق الشاذلي وترفض هذا وتعمل على إصلاح ما أفسده ويفسده السيسي في العقيدة القتالية للجيش المصري؟ [8].


الهامش
  • [1]  لقاء الفريق سعد الدين الشاذلي مع المذيع أحمد منصور في برنامج بلا حدود، تاريخ الدخول 20 مارس 2018، الرابط
  • [2] كلمة الرئيس مرسي في ذكرى أكتوبر، الرابط
  • [3] هشام قنديل يزور قطاع غزة، الحرة ، تاريخ النشر 16 نوفمبر 2012م، تاريخ الدخول 01 أبريل 2018م، الرابط
  • [4] مرسي: لن نترك غزة وحدها، جريدة الرياض، تاريخ النشر 17 نوفمبر 2012م، تاريخ الدخول 01 أبريل 2018م، الرابط
  • [5] مرسي يستنكر العدوان واجتماع عربي طارئ، الجزيرة نت، تاريخ النشر 15 نوفمبر 2012م، تاريخ الدخول 01 أبريل 2018م، الرابط
  • [6] كلاكيت تالت مرة.. مصر تسحب السفير من تل أبيب بسبب أحداث فلسطينية، اليوم السابع، تاريخ النشر 15 نوفمبر 2012م، تاريخ الدخول 01 ابريل 2018م، الرابط
  • [7]  ليفني : مرسي وأردوغان سيدفعان ثمن الخروج ببلادهم عن معسكرنا، فيديو من داخل مقر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، تاريخ الدخول 01 ابريل 2018م، الرابط
  • [8] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقال مفتاح اورد حقائق غابت عن الكثيرين جزاكم الله خيرا – لم يعد للمن القومى فى مصر الآن معنى بعد أن تغيرت عقيدة الجيش المصرى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close