fbpx
تقاريرترجمات

بروجيكت سنديكيت: أُكذوبة النقص العالمي في الحبوب

نشرت بروجيكت سنديكيت، وهي مؤسسة صحفية دولية غير هادفة للربح ومقرها براغ، التشيك، في 11 أغسطس 2023، مقالاً بعنوان: “خرافة النقص العالمي في الحبوب”، لجاياتي جوش، أستاذة الاقتصاد بجامعة ماساتشوستس أمهيرست، والعضو في نادي لجنة الاقتصاد التحويلي في روما، حيث ترى أن الحرب الروسية الأوكرانية ليست هي السبب في النقص في الحبوب على مستوى العالم ولكن الأسباب الحقيقية لذلك تكمن في: المضاربات المالية واستغلال الشركات.

وقد جاء المقال على النحو التالي:

لم تؤدِّ الحرب في أوكرانيا إلى النقص العالمي في القمح، خلافاً للاعتقاد السائد في ذلك. وبالنظر إلى أن الجوع العالمي قد ارتفع خلال السنوات الأخيرة، فإن الطريقة التي يمكن من خلالها معالجة أزمة الغذاء الحالية تتمثل في التركيز على أسبابها الحقيقية، وهي: المضاربة المالية واستغلال الشركات.

في السنوات الأخيرة، أدى الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية وتزايد وتيرة وشدة الفيضانات وموجات الجفاف وغير ذلك من الظواهر الجوية القاسية إلى ظهور تحذيرات من نقص في الحبوب يلوح في الأفق، مما قد يؤدي إلى كارثة محتملة على أكثر سكان العالم فقراً وأشدهم ضعفاً. وعلى الرغم من أن تغير المناخ يشكّل أكبر تهديد متوسط إلى طويل الأجل للأمن الغذائي العالمي، فإن غزو روسيا لأوكرانيا كثيراً ما يُستشهد به باعتباره السبب المباشر لأزمة الجوع الحالية. لكنه أمر مُضلل لذر الرماد في العيون.

مما لا شك فيه أن الحرب عطّلت صادرات القمح من كل من روسيا وأوكرانيا، وهما اثنان من الدول الرئيسية المنتجة للحبوب في العالم، مما أدى إلى اضطراب في العلاقات التجارية الحرجة. وبالنظر إلى أن أوكرانيا وروسيا كانتا تمثلان في السابق أكثر من ربع صادرات القمح العالمية، فقد عزا صناع السياسة والمعلّقون ارتفاع الأسعار في أوائل عام 2022 إلى حد كبير إلى نقص الإمدادات الناجم عن الصراع الروسي الأوكراني.

ولكن بينما ارتفع مؤشر أسعار القمح العالمي بنحو 23% في الأشهر التي أعقبت الغزو الروسي، بدأت الأسعار في الانخفاض في يونيو 2022. وبحلول ديسمبر، عادت الأسعار إلى مستويات ما قبل الحرب. وحتى عندما تم الاعتراف بهذا الاتجاه، فقد كان يُعزى إلى نجاح مبادرة حبوب البحر الأسود، وهي اتفاقية تدعمها الأمم المتحدة رفعت الحصار الروسي عن صادرات الحبوب الأوكرانية. وعلى العكس من ذلك، أثار قرار روسيا الأخير بالانسحاب من الاتفاق مخاوف بشأن آثاره المحتملة على تجارة الحبوب العالمية.

في الحقيقة، هذه المخاوف مضلِّلة لسببين: أولاً، ظل العرض العالمي للقمح (كل من إجمالي الإنتاج والكمية المتداولة) ثابتاً منذ بداية حرب أوكرانيا. ويشتمل نظام معلومات السوق الزراعية، الذي تديره منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، على بيانات من مجلس الحبوب الدولي لتقديم تقديرات للإمداد والاستخدام والتجارة. وقد ارتفع الإنتاج العالمي بمقدار خمسة ملايين طن بينما زاد حجم التجارة بمقدار ثلاثة ملايين طن خلال الفترة بين يوليو 2021 ويونيو 2022، وهي الفترة التي بلغت فيها أسعار القمح ذروتها. وخلال نفس الفترة، ارتفعت المخزونات بشكل طفيف (بمقدار ثلاثة ملايين طن).

وقد تجاوز إجمالي المعروض من القمح، على وجه الخصوص، (والمُعرَّف بالإنتاج بالإضافة إلى المخزون الافتتاحي) تجاوز الاستخدام بما يصل إلى 275 مليون طن. وهذا الفائض يتحدى الرواية السائدة عن النقص العالمي. وبالمثل، تشير التقديرات إلى أن العرض العالمي قد تجاوز الطلب بين يوليو 2022 ويونيو 2023، مما يشير إلى اتجاه ثابت في هذا الصدد.

ثانياً، تميل الحكومات ووسائل الإعلام إلى التأكيد على وجود نقص إقليمي معيّن مع تجاهل الزيادات في الإنتاج والتجارة في أجزاء أخرى من العالم. في الواقع، يتم إنتاج القمح على مستوى العالم، مما يعني أن النقص في منطقة ما يمكن تعويضه عن طريق زيادة الإنتاج في منطقة أخرى.

إذن، ما الذي تسبب في ارتفاع أسعار القمح؟ للإجابة على هذا السؤال، يجب أن نتبع المال. يعمل سوق الحبوب العالمي باعتباره احتكاراً للقلة، مع أكبر أربعة تجار للحبوب – آرتشر-دانيلز-ميدلاند، و بونج (التي اندمجت مؤخراً مع فيترا)، و كارجيل، و لويس دريفوس – حيث يسيطرون على أكثر من 70% من السوق وشركة جلينكور تسيطر على 10% أخرى.

في المراحل الأولى من حرب أوكرانيا، وخاصة بين مارس ويونيو 2022، حصد تجار الحبوب الأربعة الكبار أرباحاً وعائدات قياسية. وارتفعت الإيرادات السنوية لشركة كارجيل بنسبة 23% لتصل إلى 165 مليار دولار، بينما ارتفعت أرباح لويس دريفوس بنسبة 80%. وعكست هذه المكاسب ارتفاعات في الأسعار لم تتماشى مع ديناميكيات العرض والطلب في العالم الحقيقي.

وبالإضافة إلى ذلك، شهدت أسواق العقود الآجلة للحبوب موجة من النشاط بين إبريل ويونيو 2022. وزاد المستثمرون الماليون، بما في ذلك صناديق التقاعد، حصتهم من المراكز الطويلة في سوق العقود الآجلة للقمح في باريس من 23% في مايو 2018 إلى 72% في إبريل 2022. وبحسب ما ورد فقد كسبت عشرة صناديق تحوّط مدفوعة بهذا الزخم 1.9 مليار دولار من خلال الاستفادة من ارتفاع أسعار الغذاء الناجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا. وبدلاً من منع أو احتواء مثل هذه المناورات المالية، سمح المنظمون في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لهم بالاستمرار في ذلك بلا هوادة.

والمثير للدهشة أن معظم صادرات الحبوب الأوكرانية لم تصل إلى أكثر دول العالم فقراً. وبدلاً من ذلك، فقد ذهب 81% من 32.9 مليون طن متري تم تصديرها بموجب مبادرة حبوب البحر الأسود إلى دول ذات دخل المرتفع ودول ذات دخل أعلى المتوسط، ومعظمها دول أوروبية مثل إسبانيا وإيطاليا وهولندا، وكذلك الصين وتركيا. وتلقت دول منخفضة الدخل 3% من صادرات الحبوب الأوكرانية و 9% من القمح (معظمها إلى بنجلاديش). وبالنظر إلى أن الدول الأفريقية المستوردة للغذاء لم تتلق سوى جزء بسيط من هذه الصادرات، فإن المخاوف من أن يؤدي انهيار الصفقة إلى مجاعة جماعية في جميع أنحاء القارة، هذه المخاوف تبدو مبالغاً فيها إلى حد كبير.

ويبدو أن مبادرة حبوب البحر الأسود تهدف إلى تسهيل الصادرات من أوكرانيا – وهو هدف جدير بالثناء في حد ذاتها – أكثر من معالجة الجوع في العالم. وبالإضافة إلى الحصار الروسي لطرقها البحرية، تعرضت الطرق البرية لأوكرانيا للخطر بسبب قيود الاستيراد الضمنية التي فرضتها دول وسط وشرق أوروبا مثل بولندا وبلغاريا والمجر وسلوفاكيا ورومانيا، والتي تهدف إلى حماية المزارعين المحليين الذين يعانون من تداول الحبوب الأوكرانية بأسعار تنافسية. ولكن، كما أشار آخرون، تخدم مبادرة حبوب البحر الأسود في المقام الأول مصالح عمالقة الأعمال التجارية الزراعية الذين يتاجرون في الحبوب الأوكرانية والممولين الذين يدعمونها.

وفي حين ارتفع معدل الجوع العالمي في السنوات الأخيرة، إلا أن الأمر ليس بسبب نقص الحبوب. وبدلاً من ذلك، أدى انخفاض الصادرات، وتضاؤل عائدات النقد الأجنبي، وهروب رأس المال، وارتفاع تكاليف خدمة الديون إلى تقليص قدرة العديد من الدول على استيراد المواد الغذائية.

ولمواجهة هذه التحديات، فإن علينا أن نحوّل تركيزنا. فبدلاً من توزيع الحبوب على غرار الجمعيات الخيرية، يجب على صانعي السياسة في العالم التخفيف من نقاط ضعف العملات الأجنبية في البلدان الفقيرة واتخاذ تدابير لدعم زيادة الإنتاج المحلي والإقليمي للمواد الغذائية الأساسية. في الحقيقة، لا يزال بإمكاننا كسب المعركة ضد الجوع العالمي، ولكن فقط إذا أدركنا الأسباب الحقيقية لمأزقنا الحالي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close