fbpx
سياسةترجمات

دويتشه فيله: بعد 10 سنوات.. لماذا لم تنظر المحاكم مذبحة رابعة حتى الآن؟

نشرت صحيفة دويتشه فيله الألمانية 13 أغسطس 2023 مقالاً بعنوان: “بعد 10 سنوات: لماذا لم تنظر المحاكم مذبحة رابعة في مصر حتى الآن؟” لكاثرين شاير، وهي صحفية مستقلة تقيم في برلين، والتي تتساءل عن السبب وراء عدم نظر القضاء مذبحة رابعة العدوية، وهي “واحدة من أسوأ المذابح التي ارتُكبت ضد المتظاهرين في التاريخ الحديث – رغم أنها أيضاً واحدة من أكثر المذابح توثيقاً. وتتساءل الكاتبة، لماذا لا تيستخدم أحد تلك الأدلة الوفيرة المتاحة لتقديم قوات الأمن المصرية إلى العدالة؟

وقد جاء المقال على النحو التالي:

هناك الكثير من الأدلة على ما حدث في ذلك اليوم في رابعة بالقاهرة: من شهادات شهود عيان، وصور، وفيديوهات، وحتى فيلم وثائقي صدر هذا الشهر، “ذكريات مذبحة“.

لكن على الرغم من كل تلك الأدلة، يقول من شهدوا الحدث إن هناك غياب لأي عدالة حقيقية للتكفير عن المذبحة التي وقعت في ميدان رابعة العدوية في القاهرة قبل عقد من الزمن، ففي 14 أغسطس 2013، اتخذت أجهزة الأمن المصرية مواقع حول الميدان حيث كان هناك ما يقدر بنحو 85,000 من المعتصمين هناك، احتجاجاً على الوضع السياسي في البلاد.

وكان هؤلاء المتظاهرون معتصمين هناك لأنه في وقت سابق من شهر يوليو أطاح الجيش المصري بالرئيس المنتخب حديثاً، محمد مرسي، وهو الذي كان أيضاً عضواً رفيع المستوى في الحركة الإسلامية السياسية، جماعة الإخوان المسلمين. وردا على ذلك، بدأ أنصاره في التجمع وتنظيم مسيرات احتجاج في أجزاء مختلفة من البلاد.

وبحسب تقارير منظمات حقوق الإنسان، فإنه فور إخطار الحشود المتجمعة في ميدان رابعة بالفض، بدأت قوات الأمن في إطلاق النار على تلك الحشود. وعلى الرغم من اختلاف التقديرات، فإنه يُعتقد أن ما بين 600 وأكثر من 1000 شخص قد قُتلوا في ذلك اليوم.

جريمة ضد الانسانية؟

بعد مقابلة أكثر من 200 شاهد وجمع تقرير من 188 صفحة، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن الحدث على الأرجح يرقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية. ووصفت منظمات حقوقية أخرى المذبحة بأنها واحدة من أسوأ عمليات القتل الجماعي للمتظاهرين في التاريخ الحديث. وكما يقولون، فإنها أيضاً واحدة من أكثر الأعمال الوحشية الموثقة بصرياً في التاريخ الحديث.

فلماذا لم تتم محاسبة أي أحد على الإطلاق حتى الآن؟

كانت الحكومة المصرية قد وصفت، من قبل، تقارير منظمات حقوق الإنسان حول المذبحة بأنها “متحيزة”. ولكنها لم ترد على أسئلة دويتشه فيله حول ما إذا كانت هناك حاجة لمزيد من التحقيق فيها.

(بعد مذبحة رابعة، تم توجيه اتهامات إلى ما يقدر بنحو 737 شخصاً للمشاركة في الاحتجاج)
(بعد مذبحة رابعة، تم توجيه اتهامات إلى ما يقدر بنحو 737 شخصاً للمشاركة في الاحتجاج)

أجرت مصر تحقيقاتها الخاصة في المذبحة. أحد هذه التحقيقات كان من قبل لجنة تقصي الحقائق تم تشكيلها في أواخر عام 2013، وتحقيق آخر قام به المجلس القومي لحقوق الإنسان في البلاد. وقال كلا التحقيقين إن المتظاهرين في رابعة كانوا مخطئين لأن العديد منهم كانوا مسلحين، وهو أمر لا يزال شهود العيان يشككون فيه. وبالرغم من أن كليهما أقرّا بأن قوات الأمن استخدمت القوة المفرطة في عملية الفض، إلا أنهما لم يوصيا بتوجيه أي تُهَم لها.

وفي عام 2018، أقر البرلمان المصري مشروع قانون يمنح الحصانة القضائية لكبار القادة العسكريين عن أفعال ربما ارتكبوها أثناء أداء واجبهم، منذ تعليق الدستور المصري في يوليو 2013 إلى وقت انعقاد البرلمان مرة أخرى في عام 2016.

وبعد ذلك، في عام 2021، تمت الموافقة في مصر على تعديلات على بعض أحكام قانون المحكمة الدستورية العليا. وتنص هذه التعديلات على منح المحكمة الدستورية العليا سلطة الرقابةعلى قرارات المنظمات والهيئات الدولية وأحكام المحاكم وهيئات التحكيم الأجنبية المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة؛ أي أنه إذا وجدت أي محكمة دولية أو هيئة تحكيم دولية يوماً ما أن مصر مذنبة، على سبيل المثال، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وأمرت بتعويضات، فسيتم إعادة القرار إلى المحكمة الدستورية العليا. وستقرر هذه المحكمة المحلية بعد ذلك ما إذا كان الحكم صحيحاً أم لا.

وكتبت المحامية مي السعدني في منشور لها على موقع مؤسسة كارنيجي عام 2021: “هذه التعديلات تبعث برسالة واضحة إلى من هم داخل البلاد … حيث تشير إلى أن مرتكبي الانتهاكات قد يستمرون في فعل ذلك بينما يتمتعون بالحماية محلياً. وأما الرسالة التي تبعثها بالنسبة للمجتمع الدولي، فهي أن السلطات المصرية تتحدى النظام الدولي”.

السعي لتحقيق العدالة خارج مصر

ونتيجة لذلك، فقد انتقل البحث عن العدالة إلى الساحة الدولية خلال العقد الماضي. لكن حتى ذلك الحين، لم يكن قد تحقق هناك كثير من النجاح.

وقد دعت منظمات حقوق الإنسان لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان للتحقيق في المذبحة لكنها اختارت حتى الآن عدم القيام بذلك. ولم تنضم مصر بالكامل إلى المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، وهي الذراع القضائي للاتحاد الأفريقي. كما أنها ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية.

(تم وضع القناصة على أسطح المنازل حول رابعة ويبدو أن السلطات المصرية توقعت أن يموت عدد أكبر من الناس عما حدث بالفعل)
(تم وضع القناصة على أسطح المنازل حول رابعة ويبدو أن السلطات المصرية توقعت أن يموت عدد أكبر من الناس عما حدث بالفعل)

في عام 2014، طلب محامون مصريون وحزب الحرية والعدالة، الذي ينتمي إليه الرئيس مرسي، الذي كان قد أُطيح به، طلبوا من المحكمة الجنائية الدولية التحقيق في الجرائم ضد الإنسانية المزعومة في ميدان رابعة. لكن المحكمة الجنائية الدولية رفضت طلبهم، قائلة إن الذين طلبوا التحقيق ليسوا ممثلين شرعيين للحكومة المصرية.

وعندما زار محمود حجازي، وهو قائد عسكري مصري رفيع المستوى، معرضاً لتجارة الأسلحة في المملكة المتحدة في عام 2015، طلب محامون يمثلون حزب الحرية والعدالة من الشرطة البريطانية اعتقاله بسبب مزاعم التعذيب ولأنه كان “جزءاً لا يتجزأ من خطط الفض في رابعة“، لكن الشرطة رفضت الطلب بحجة أن حجازي يتمتع بحصانة دبلوماسية خاصة.

وقال روبرت سكيلبيك، مدير منظمة ريدريس، وهي منظمة حقوقية قانونية غير حكومية، مقرها لندن، وتدعم ضحايا التعذيب الذين يسعون لتحقيق العدالة: “لذا فإن الخيارات الحقيقية الوحيدة المتبقية أمامك هي التحقيقات التي تجريها مختلف هيئات الأمم المتحدة، أو الولاية القضائية العالمية.”

هل يمكن أن يساعد “القضاء العالمي” في ذلك؟

ويسمح المبدأ القانوني للولاية القضائية العالمية، في أنقى صوره، للسلطات في أي دولة بمقاضاة الأفراد الذين ارتكبوا جرائم حرب في أي دولة أخرى، بغض النظر عما إذا كانوا هم أو جرائمهم على صلة بالدولة التي تقوم بالملاحقة القضائية.

ومع ذلك، فمن الناحية العملية، غالباً ما يتم تخفيف ذلك الأمر من خلال اعتبارات مختلفة. وتشمل هذه الاعتبارات ما إذا كان هناك شهود عيان في بلد الادعاء، وما إذا كانت هناك أي فرصة للقبض على المجرمين المزعومين وأيضاً، وربما الأهم من ذلك، ما إذا كان المدّعون المحليون يريدون تولي القضية. وغالباً ما تكون هناك جوانب سياسية مرتبطة بذلك.

وقال سكيلبيك لـ دويتشه فيله: “الحقيقة هي أن الولاية القضائية العالمية في هذه القضية ستكون صعبة للغاية لأنه لا توجد إمكانية حقيقية لتسليم كبار المسؤولين من مصر”. وأضاف “ليست هناك دول كثيرة مستعدة لإجراء محاكمات غيابية” في إشارة إلى محاكمات بدون متهم يَمثُل في المحكمة.

(طالما قورنت مذبحة رابعة بمذبحة المتظاهرين في ميدان تيانانمين بالصين عام 1989)
(طالما قورنت مذبحة رابعة بمذبحة المتظاهرين في ميدان تيانانمين بالصين عام 1989)

وحتى في ألمانيا، التي وُصفت مؤخراً بأنها رائدة على مستوى العالم في استخدامها للولاية القضائية العالمية، فمن غير المرجح رفع دعوى قضائية ضد مسؤولين مصريين.

وأوضح أندرياس شولر، مدير برنامج الجرائم الدولية والمساءلة في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، ومقره برلين، أن عليك أولاً إثبات ارتكاب جريمة ضد الإنسانية، وفقاً للتعريفات القانونية. وكانت المنظمة المحرك الرئيسي وراء محاكمة ألمانيا الأخيرة لمجرمي الحرب السوريين باستخدام الولاية القضائية العالمية.

وقال شولر لـ دويتشه فيله: “على حد علمي، لا توجد محاكم أو مؤسسات أخرى توصلت إلى هذا الاستنتاج. لذا ستحتاج إلى العمل على إرسائه لأول مرة، الأمر الذي يتطلب جهداً كبيراً”.

وقد تم في ألمانيا المضي قدماً في القضية المرفوعة ضد مجرمي الحرب السوريين بسبب تضافر العوامل، بما في ذلك الشهود والأدلة والجناة، فضلاً عن الإرادة السياسية.

(في اليوم السابق للمجزرة، توجه الآلاف من أنصار الإخوان المسلمين إلى رابعة للاعتصام)

وقال شولر “لكن هذه الحالة ليست مثل الحالة السورية”. “فلم تكن هناك علاقات دبلوماسية مع الحكومة السورية. ولدى مصر الكثير من الدعم السياسي على المستوى الدولي. كما أنها ليست من الدول الموقّعة على معاهدات الأمم المتحدة ذات الصلة أو نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. لذلك لا أحد على استعداد لتولي هذه القضايا، والتي من شأنها أيضاً أن تتطلب تحقيقاً هادفاً للغاية ومجموعة معينة من العوامل لنظرها أمام القضاء”.

وأضاف ريدرس سكيلبيك: “نرى هذا طوال الوقت في العمل الحقوقي، حيث لن تتخذ دول غربية معينة موقفاً حازماً ضد دول الأخرى بسبب الوضع السياسي”.

ويعتقد شولر أيضاً أن الاهتمام الدولي قد تحول إلى دول مثل أوكرانيا أو السودان أو إيران.

ولدى عمرو مجدي، الباحث الأول في منظمة هيومن رايتس ووتش، آراء مماثلة. حيث قال لدويتشه فيله، “لقد ساهم المناخ السياسي في المنطقة في التغاضي عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر”. “ففي ذلك الوقت، كانت المنطقة بأكملها تعج بالمشاكل، بما في ذلك الحروب الأهلية في سوريا واليمن وليبيا”.

وقال مجدي إن الحكومة المصرية تمكّنت من لعب أدوار في قضايا تهم بقية العالم، “بحيث يتم التغاضي عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في مقابل اهتمام مصر بالمصالح الأوروبية، مثل مكافحة الهجرة غير النظامية والتعاون الأمني والعلاقات الاقتصادية…”

التغيرات في المواقف تجاه مصر

ومع ذلك، فقد يكون هناك بعض الأمل في تحقيق العدالة ذات يوم في قضية رابعة.

حيث صدرت كثير من القرارات القانونية التي اتخذت بشأن هذه القضية في أعقاب الانقلاب العسكري عام 2013 مباشرة. وفي ذلك الوقت، بدا أن المجتمع الدولي غير متأكد من كيفية تطور الحكومة المصرية – حيث كان للانقلاب العسكري أيضاً العديد من المؤيدين، وكانت حكومة مرسي قد واجهت احتجاجات شعبية ضده.

(قضية الولاية القضائية العالمية ضد مجرمي الحرب السوريين في ألمانيا استمرت لأكثر من ثلاث سنوات)
(قضية الولاية القضائية العالمية ضد مجرمي الحرب السوريين في ألمانيا استمرت لأكثر من ثلاث سنوات)

لكن على مدار العقد الماضي، تغيّر ذلك، وكثيراً ما تعرّضت الحكومة الحالية، بقيادة عبد الفتاح السيسي، لانتقادات بسبب سلطتها وسجلّها السيء بشكل متزايد في مجال حقوق الإنسان.

وقال سكيلبيك “هذه النقطة جيدة”. “فقد تم إجراء هذا التقاضي بتعجل كبير بعد الأحداث. وبينما كانت الأمور ساخنة، لم يكن الناس يرغبون في التصرف على الفور. وعلى أية حال، فغالباً ما يستغرق جمع الأدلة وقتاً طويلاً.”

وأشار إلى أمثلة تاريخية طويلة الأمد، مثل المحاكم الدولية التي كانت تنظر في الجرائم في رواندا وكمبوديا ويوغوسلافيا السابقة، وكذلك الحرب العالمية الثانية، مشيراً إلى أن “العدالة الدولية تستغرق وقتاً طويلاً في العادة”.

وقال “حتى المحاكمة العادية ربما تستغرق في نظر جريمة قتل إلى عامين حتى تكتمل”. “لذا فليس من المستغرب أن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً. لكن النهج طويل النفس هو الطريقة الوحيدة تماماً للقيام بذلك.”

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close