fbpx
ترجمات

WSJ: الصراع والفساد وراء كارثة السد في ليبيا

نشرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية في 24 سبتمبر 2023 تقريراً بعنوان: “مسار طويل من الصراع والفساد يكمن خلف كارثة السد في ليبيا” لبينوا فوكون وجاريد مالسين، مراسلَي صحيفة وول ستريت جورنال في الشرق الأوسط.

وقد جاء التقرير على النحو التالي:

في عام 2003، قامت مجموعة من المهندسين السويسريين بفحص اثنين من السدود التي تم إنشاؤها على امتداد نهر في شرق ليبيا. وخلُص المهندسون إلى أن التأسيسات كانت تحت ضغط وأوصوا بتعزيزها وبناء سد ثالث لتخفيف الضغط عليها.

لم يتم إنجاز المهمة. حيث فرّت ثلاث شركات من البلاد عندما تمت الإطاحة بمعمر القذافي في عام 2011، وكان قد تم التعاقد معها لإجراء الإصلاحات اللازمة في أواخر نظام الزعيم الليبي السابق.

وبعد مرور ثلاث سنوات على تلك الأحداث، انقسمت ليبيا إلى شطرين. واختفت الأموال التي كانت قد خُصّصت لإعادة بناء السدود قبل أن يتم إنفاقها على العمل، بحسب عمليات التدقيق التي أجريت على المشروع. وفي عام 2014، استولى المتطرفون من تنظيم الدولة الإسلامية على المنطقة. وبعد بضع سنوات قليلة، بسط أحد أمراء الحرب المدعومين من روسيا سيطرته هناك، مما جعل منطقة السدود بعيدة عن متناول الحكومة المعترف بها في طرابلس.

وفي 11 سبتمبر من هذا العام، أي بعد عقدين من الإهمال، غمرت عاصفة كانت قادمة من البحر الأبيض المتوسط السدين، مما أدى إلى تدميرهما وبالتالي انهمر سيل من المياه عبر مدينة درنة، مما أدى إلى جرف أحياء بأكملها إلى البحر ومقتل أكثر من 6000 شخص.

إن تلك الخسارة الفادحة في الأرواح هي أحدث مثال على حقيقة كيف كيف يمكن أن يؤدي الفساد والإهمال إلى تأجيج موجة من الغضب العارم على الحكومات في جميع أنحاء الشرق الأوسط. كما أنه يثير تساؤلات حول كيفية قدرة البنية التحتية في المنطقة على تحمل الأحداث المناخية القاسية مثل العاصفة دانيال التي وقعت هذا الشهر، والتي يقول العلماء إنها تفاقمت بسبب القوى الناتجة عن تغير المناخ.

وقال أنس القماطي، مدير معهد الصادق للأبحاث ومقره طرابلس: “كان الإهمال بمثابة مقدمة للكارثة برمتها”. “لقد سئم الليبيون من كل ذلك. إنهم يريدون أن يروا عملية شفافة تُخضع الأفراد للمساءلة فعلياً”.

ويأتي انفجار السدين هذا الشهر في أعقاب سلسلة من الكوارث في جميع أنحاء المنطقة. حيث أدى انفجار هائل في مرفأ بيروت إلى تدمير جزء كبير من العاصمة اللبنانية. وأدت سلسلة من حرائق المستشفيات إلى مقتل العشرات من المواطنين في العراق. وفي سوريا، حيث تعاني من حرب أهلية منذ سنوات، والتي على إثرها تم تدمير جزء كبير من البنية التحتية المدنية، بينما توفي أكثر من 50 ألف شخص في تركيا بسبب الزلزال المدمر الذي ضربها في فبراير.

وتدق أجراس الإنذار الآن أيضاً بشأن استقرار المشاريع العملاقة الأخرى التي بناها القادة المستبدون خلال السنوات الماضية، بما في ذلك اثنين من السدود على نهري دجلة والفرات، والتي وقعت في شرك سنوات من الصراع مع مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، المعروف أيضاً بـ “داعش”.

وفي تلك الأثناء، تطالب حشود من الشعب الليبي في درنة، مركز الكارثة الليبية، بتحقيق العدالة وإقالة القادة المحليين مع بدء ظهور الحصيلة الكاملة للضحايا. حيث تجمع المتظاهرون أمام أحد المساجد خلال إحدى الاحتجاجات. وفي وقت لاحق، أشعلت مجموعة أصغر النار في منزل رئيس البلدية.

ويُظهر تحقيق أجرته صحيفة وول ستريت جورنال – استنادا إلى مراجعة الوثائق بما في ذلك تقارير من ديوان المحاسبة التابع للحكومة الليبية ومقابلات مع مسؤولين ليبيين والمقاولين الأجانب الذين تم تكليفهم بإصلاح السدود – وجود سلسلة طويلة من سوء الإدارة تمتد من نظام القذافي حتى يومنا هذا.

وكانت السدود على امتداد وادي درنة، التي بنتها شركة مما كان يعرف آنذاك بيوغوسلافيا عام 1978، جزءاً من خطط للقذافي بتوسيع نطاق الاقتصاد الليبي قبل أقل من عقد من وصوله إلى السلطة. وبدلاً من ذلك، دخلت البلاد فترة طويلة من العزلة الدولية، والتي لم تبدأ في الانحسار إلا بعد أن وافقت ليبيا على التخلي عن برنامج للأسلحة وتسليم المشتبه به في تفجير رحلة بان أمريكان رقم 103 فوق مدينة لوكربي باسكتلندا.

وفي غضون أيام من رفع عقوبات الأمم المتحدة في عام 2003، تلقى ميجيل ستوكي، مهندس السدود المقيم في لوزان، مكالمة هاتفية من الهيئة العامة للمياه في ليبيا لطلب المشورة بشأن السدين، وفقا لأشخاص مطلعين على الأمر. وقال البعض إن شركته الاستشارية، المسماة “ستاكي”، أوصت بتعزيز المبنيين الحاليين، وبناء مبنى ثالث وإزالة الحواجز الترابية لمواجهة الفيضانات.

واصل ستوكي تقديم المشورة للحكومة الليبية، ولكن في عام 2008، نجا رجل الأعمال السويسري بأعجوبة من الاعتقال عندما تم اعتقال هانيبال نجل القذافي في جنيف بتهمة ضرب خدمه. واعترضت ليبيا على هذا الاحتجاز، وتم في وقت لاحق اعتقال شريك ستوكي التجاري ومصادرة أعماله التجارية المتعلقة بالأسمنت في طرابلس. وبالتالي، توقف عن الذهاب إلى ليبيا. ولم تقم شركة “جرونر”، وهي شركة الخدمات الهندسية السويسرية التي اشترت أعمال شركة “ستاكر” في عام 2013، بالرد على طلب للتعليق من وول ستريت جورنال.

وفي نفس الوقت، كانت الحكومة الليبية متباطئة في تنفيذ مقترحات ستوكي. وتوقف العمل في ذلك مراراً. وأوقف سيف الإسلام، الابن الثاني للقذافي، والذي وصف نفسه بأنه إصلاحي، المدفوعات لمشاريع البنية التحتية الكبرى وسط صراع على السلطة بين أبناء الديكتاتور السابق والحكومة الليبية في ذلك الوقت، وفقا لمسؤولين ليبيين، بما في ذلك محمد علي عبد الله، الذي عمل في لجنة ليبية مكلفة في عام 2012 بتوحيد ديون البلاد بعد سقوط نظام القذافي.

وقال عبد الله إن القيادة الليبية اللاحقة ورثت أكثر من 10 مليارات دولار من الفواتير غير المدفوعة، مما يشكل ذكرى باهظة الثمن بأن محاولات القذافي لإعادة دمج البلاد في المجتمع الدولي لم تسفر سوى عن القليل من الفوائد الملموسة لليبيين العاديين.

وقال تيم إيتون، كبير الباحثين في مركز الأبحاث تشاتام هاوس ومقره لندن، والمؤلف المشارك لتقرير حديث حول تواطؤ النخبة وفشل البنية التحتية في المنطقة، “بالنظر إلى مليارات الدولارات المفترضة التي تم إنفاقها على التنمية في ليبيا بعد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما كان النظام الليبي قد عاد مرة أخرى إلى الحظيرة الدولية، ما الذي كان على الليبيين فعله حقاً لإظهار مثل هذه الأرقام؟”.

وفي الوقت نفسه، كان الوقت ينفد لإعادة تأهيل سَدّي درنة.

وتم التعاقد مع شركة أردنية، شركة الكونكورد للإنشاءات، في عام 2010 لبناء خط أنابيب متصل بالإنشاءات مقابل 1.6 مليون دينار ليبي، أو حوالي 327 ألف دولار بسعر الصرف اليوم. ولكنها لم تقم بأي عمل قط، بحسب ديوان المحاسبة التابع للحكومة الليبية.

وقال حامد جبر، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة الكونكورد، إن مشروعه لم يكن يتعلق بالسدود نفسها، وأنه تأخر بسبب اختلافات مالية مع حكومة القذافي. وأضاف: “منذ ذلك الحين لم يتقدم أي شيء”.

وتم استدعاء شركة إيطالية لتقديم تقييم آخر حول السدود، والتي خلُصت مرة أخرى إلى أن السدود بحاجة إلى تعزيز. واستأنفت شركة “آرسيل إنشاءات”، وهي شركة تركية تعاقدت في البداية لترميم سدود السدود، المشروع أخيراً في عام 2011.

وقد أكملت الشركة التركية ما يزيد قليلاً عن خُمس العمل قبل اندلاع الاضطرابات التي وقعت آنذاك – انتفاضات الربيع العربي التي أطاحت بالديكتاتورية وانتشرت بسرعة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك في ليبيا مما أدى إلى سقوط معمر القذافي ومقتله، حيث تلى ذلك سنوات من الحرب الأهلية.

وقام مثيرو الشغب بتدمير موقع عمل شركة آرسيل في سد درنة وسرقوا معداتها، مما أجبر الموظفين على الإخلاء من المكان. وقال مروان البارودي، المشرف على شركة الاستشارات الإيطالية، “كان على مهندسينا أن يهربوا للنجاة بحياتهم”. وقال إنه عاد بعد سقوط نظام القذافي لتدريب المسؤولين الليبيين على استئناف العمل في السدود. وقال: “للأسف، لم تتم استعادة الوضع الأمني أبداً”.

و في عام 2014، استولى متطرفون دينيون على درنة، وكانوا قد بايعوا تنظيم الدولة الإسلامية. وبعد أربع سنوات، حوصرت المدينة ثم استولى عليها خليفة حفتر، أمير الحرب الذي يسيطر الآن على شرق ليبيا بدعم من مجموعة فاجنر شبه العسكرية الروسية.

وعند ذلك الوقت، كانت السدود بعيدة عن متناول الحكومة المركزية في طرابلس. وقال ديوان المحاسبة الليبي إن حصار حفتر للمنشآت النفطية حرم الحكومة أيضاً من الأموال اللازمة للإصلاحات.

وفي عام 2021، اتفقت الفصائل الليبية المتنافسة على تشكيل حكومة وحدة وطنية، بعد محاولة حفتر الفاشلة للاستيلاء على طرابلس، مما وقد فتح نافذة قصيرة لتحقيق الاستقرار في منطقة السدود. ولكن مرة أخرى، لم يحدث شيء. ووفقاً لمسؤولين ليبيين، فإن وزارة المياه المكلَّفة بالإشراف على إعادة تأهيل سدود درنة أصيبت بالشلل بسبب خلاف بين الوزير ونائبه، وهو زعيم ميليشيا قام بنشر رجال مسلحين لمنع الوصول إلى مكتب الوزير.

ورد الوزير بطلب من البنك المركزي تجميد الحسابات المستخدمة عادة لمشاريع المياه، وفقاً لمراسلات اطَّلعت عليها صحيفة وول ستريت جورنال.

وحتى لو كانت الأموال متوفرة، فليس من المؤكد أن أياً منها كان سيتم توجيهها لإصلاح السدود. وأظهرت نسخة من الموازنة الحكومية لعام 2022 عدم تخصيص أي أموال في بند المشاريع التنموية لوزارة الموارد المائية.

وبعد بضعة أشهر، انقسمت حكومة الوحدة، مما جعل البلاد منقسمة مرة أخرى بين إدارتين تطالبان بالسلطة، إحداهما متحالفة مع حفتر في الشرق، والأخرى في طرابلس، معترف بها من قبل المجتمع الدولي. وفي تلك الأثناء، لم يكن انهيار سدود درنة بعيداً، حيث كان رهن عاصفة واحدة كبيرة فقط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close