fbpx
تقديرات

السياسة التركية تجاه مصر بعد فشل الانقلاب

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

أفرزت المحاولة الانقلابية الفاشلة التي وقعت في الخامس عشر من يوليو 2016 عدة متغيرات على الساحة التركية، من أبرزها أنها أعطت لأردوغان ضوءًا أخضر لاتخاذ عدة إجراءات ضد المتهمين بتدبير تلك المحاولة الفاشلة، حيث صرح قائلاً فور وصوله إلى إسطنبول خلال المؤتمر الصحفي: “هذا الانقلاب هدية ثمينة من الله لنا” (بلومبرج) باعتبار أنه سيعطيه فرصة لتطهير البلاد من الانقلابيين.

ولكن هذا الانقلاب الفاشل من المتوقع أن يكون له أصداؤه على السياسة الخارجية التركية أيضًا؛ حيث أن الأوضاع الداخلية في البلاد ستؤجل انتقادات المعارضة بضرورة تعديل مسار السياسة الخارجية الذي ظل محل انتقادها، قبل أن يعلن رئيس الوزراء بن علي يلدرم عن نية بلاده “تقليل الأعداء وتكثير الأصدقاء”. لذا فمن المتوقع أن أولويات السياسة الخارجية التركية ربما تتحول في الوقت الراهن إلى الدفاع عن سمعة البلاد أمام الاتهامات بشأن ما اعتبر انتهاكات حقوقية تقوم بها الحكومة ضد معارضيها السياسيين في الداخل، وكذلك الحديث عن أثر نية الحكومة إعادة عقوبة الإعدام في القانون التركي على فرص أنقرة في الانضمام للاتحاد الأوروبي، وكذلك تعطيل تركيا للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (فرانس 24)، بالإضافة إلى قضية تسليم فتح الله جولن لتركيا من الولايات المتحدة، وأثر رفض واشنطن لذلك على العلاقات بين البلدين، مثلما لمح بذلك وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو (ديلي صباح).

لذلك فإن أهمية العلاقات التركية المصرية ربما تتراجع في الوقت الراهن، بالرغم من وجود زخم ليس بالقليل في الأيام القليلة القادمة، قد يعطينا بعض المؤشرات عن المسار المستقبلي لتلك العلاقة بين البلدين.

أولاً: العلاقة مع مصر قبل وبعد انقلاب تركيا:

نستطيع أن نرصد عددًا من حالات الشد والجذب في العلاقة بين الجانبين المصري والتركي على مدى الأيام القليلة الماضية، منها تقاربات خجولة، وأخرى عبارة عن تصادمات واضحة، وتباين في الرؤى، بل وملفات لجأت إليها القاهرة مؤخرًا من أجل الضغط على أنقرة حتى بعد إعلان الأخيرة نيتها لتقليل الأعداء.

فقبل يوم واحد من وقوع المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، التقى وزير العمل والضمان الاجتماعي التركي سليمان صويلو بنظيره المصري محمد سعفان على هامش الاجتماع الوزاري للعمل والتوظيف لدول مجموعة العشرين الذي عقد في العاصمة الصينية بكين، وأكدت القاهرة أن اللقاء جاء بناء على طلب من الوزير التركي، الذي أبدى رغبة بلاده في “استعادة العلاقات بين القاهرة وأنقرة لمواجهة التحديات في المنطقة، مؤكدا أن البلدين بلدا الحضارات وضرورة أن تعود العلاقات قوية كما كانت”، وأن الوزير سعفان أبدى «للوزير التركي ترحيبه بالاستثمارات التركية في مصر واستعداد وزارة القوى العاملة المصرية لتوفير العمالة اللازمة لهذه المشروعات» (الشرق الأوسط).

في حين التقى القائم بأعمال السفير التركي في القاهرة “علي رضا جوناي” مع عدد من قدامى المحررين الدبلوماسيين في 25 يوليو 2016، شرح فيها ملابسات المحاولة الانقلابية الفاشلة وكذلك أكد على أن الشعبين التركي والمصري تربطهما علاقات قوية وممتدة، مؤكداً على تمنيه عودة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها (اليوم السابع).

في حين قال الإعلامي أحمد المسلماني: إن “هناك تحولا واضحا في الموقف التركي؛ لتعزيز العلاقات مع مصر، وكسر الفتور الذي اتسمت به العلاقات بين الدولتين خلال الفترة الماضية.. هذا التحول ظهر بشكل واضح في تصريحات القائم بأعمال السفير التركي بالقاهرة، والذي قال خلالها إن ما يرفعه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ليس إشارة رابعة العدوية، فالسفير التركي أكد أن أردوغان يقصد بهذه الإشارة دعائم الدولة التركية الأربعة، وهي العلم والأمة والدولة والحكومة، ويعد هذا التصريح بمثابة تحول صريح في الموقف التركي تجاه مصر” (الشروق).

وما إن وقعت المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا حتى عملت مصر على إحباط لمشروع قرار مجلس الأمن بإدانة الانقلاب، (الجزيرة)، وردت تركيا برسالة من المتحدث باسم الخارجية مفادها بأن “الانقلابيين من الطبيعي ألا يدعموا الحكومات المنتخبة ديموقراطيًا” (الأناضول)، فيما صدرت توضيحات من القاهرة يبدو أنها كانت لتخفيف حدة المواجهة بأن مصر لم تعطل المشروع ولكنها اقترحت فقط تعديلات (الحياة).

ثم صرح أردوغان في حوار مع الجزيرة قائلاً: “أن عبد الفتاح السيسي لا علاقة له بالديمقراطية، وأنه قتل الآلاف من شعبه” (الجزيرة). فيما صرح وزير الشئون الأوروبية في الحكومة التركية قائلاً: “من ينتقد تركيا الآن عليه توجيه هذه الانتقادات للسيسي الانقلابي في مصر” (تي آر تي).

بعدها تقدم النائب في البرلمان المصري مصطفى بكرى في 25 يوليو الجاري بمشروع قرار موقع منه و336 نائبا آخر، بشأن مشروع قرار يطرح على البرلمان الاعتراف رسميا بما وصفه “جريمة الإبادة الجماعية التي وقعت ضد الأرمن من قبل الإمبراطورية العثمانية”، ومناشدة الأمم المتحدة والجهات الدولية الأخرى، باتخاذ “الإجراءات القانونية الكفيلة، باعتراف المجتمع الدولي بهذه الجريمة، وما ترتب عليها من آثار” (اليوم السابع).

ثم قدم النائب البرلماني عماد محروس بياناً عاجلاً في البرلمان للحكومة، بعد الانقلاب التركي الفاشل، يطالب فيه بمنح اللجوء السياسي لرجل الدين التركي “فتح الله كولن” الذي تتهمه بلاده بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة ردا على استضافة تركيا لمعارضين مصريين (وكالة أونا)، كما طالب المسلماني باستضافة كولن في مصر أيضًا (المصري اليوم)، فيما يبدو كورقة للضغط على تركيا وكرد على استضافتها للمعارضين على أراضيها.

ثانياً: محددات العلاقة التركية المصرية:

نظرًا للتحول البراجماتي في السياسة الخارجية التركية مؤخرًا وإعلانها نيتها لاستعادة العلاقات مع كل من روسيا وإسرائيل ومصر وسوريا، فإن أنقرة يبدو أنها باتت تتسم بالواقعية فيما يتعلق بالصراعات وطبيعة الأنظمة من حولها، حيث إن كلا من النظامين المصري والسوري تدعمه قوى إقليمية ودولية، قد ترى أن البديل سيكون الجماعات الإسلامية، المعتدل منها والمتطرف، ومن ثم فإن وجود هذه الأنظمة بشكلها الحالي يعبر عن مضمون إرادة دولية وإقليمية يصعب على تركيا تحديها في الوقت الراهن نظرًا لعدة معايير تتعلق بالدولة التركية ذاتها وحدود قوتها، وكذلك بالمنظومة الإقليمية والدولية برمتها.

وفيما يتعلق بمحددات العلاقة بين الجانبين التركي والمصري، فنستطيع أن نلمس عدة اعتبارات هامة يمكن أن تؤثر بصورة كبيرة في شكل العلاقات المستقبلية بين البلدين:

1ـ مصر تمر بحالة اقتصادية صعبة لذلك فإنها بحاجة إلى ضخ أية استثمارات في اقتصادها، لا سيما وأن التجارة بين البلدين لم تتأثر بصورة كبيرة، إلا أن تركيا قادرة على مضاعفة استثماراتها في مصر، وهو ما رحب به مسئولون مصريون.

2ـ الضغوط السعودية على مصر من أجل تطبيع العلاقة مع تركيا مع تنحية الملفات الشائكة جانبا، بهدف التعاون لحل مشكلات المنطقة التي تهدد دولها بما فيها مصر وتركيا والسعودية.

3ـ اكتشافات الغاز شرق المتوسط وما يلوح من بوادر صفقة لتصدير الغاز إلى أوروبا عبر تركيا من مصر وإسرائيل، وهو ما سيساهم في إنعاش الاقتصاد المصري، حيث إن البدائل أكثر تكلفة بكثير على الدولة المصرية مقارنة بأنبوب يمتد من غاز المتوسط إلى أوروبا عبر تركيا، مما سيفيد الاقتصاد التركي بصورة كبيرة أيضًا.

4ـ تراجع حركة السياحة المصرية مما ساهم في شح العملة الأجنبية، بعد أن كانت تركيا تساهم في تنشيط السياحة سواء عبر السائحين الأتراك الذين كانوا يقدرون بأكثر من ستين ألف سائح قبل ثورة 2011، وانخفض الآن إلى 32 ألف سائح (اليوم السابع)، بالإضافة لقدرة تركيا على جذب السياح الأوروبيين وبينهم الروس إلى القاهرة حيث نقلت الشركات التركية مليوني سائح أوروبي إلى مصر في 2013 (الجزيرة).

5ـ ملف المعارضة المصرية في تركيا، والذي يشكل نقطة توتر أساسية بين الجانبين، في حين أن القاهرة ربما تفكر في استضافة فتح الله جولن كرد على أنقرة، ومن ثم محاولة الاستفادة باستثماراته التي تبلغ عدة مليارات من الدولارات، وكذلك المقايضة به في أي صفقة قادمة لتسليم المعارضين، حتى لو كان ذلك نظريًا فقط.

ثالثاً: مستقبل العلاقات التركية المصرية بعد فشل الانقلاب:

الموقف المبدئي للحكومة التركية بعد الانقلاب المصري في 2013 يجعل من الصعب على أنقرة أن تعقد علاقات طبيعية مع القاهرة، فبالرغم من التصريحات الإيجابية التي جاءت من الحكومة التركية، إلا أنها ظلت تؤكد على أن ما حدث في مصر هو انقلاب في أكثر من مناسبة وعلى لسان أكثر من مسئول، وتزايد ذلك بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، بل وتم عقد مقارنات بصورة دائمة بين الحالتين المصرية والتركية، سواء في الملفات الحقوقية أو الانتهاكات أو مواقف الدول الكبرى، مما يوحي بأن العلاقات بين الجانبين لا يمكن تطبيعها بالصورة التي كانت قبل انقلاب 2013 في مصر.

ومن ثم فإن سقف التعاون بين البلدين سيكون براجماتيا في الملفات الاقتصادية فقط، ربما حتى مع استمرار المناكفة السياسية بين البلدين ومحاولة كل طرف الاحتفاظ بأوراق ضد الآخر واستخدام أدوات القاهرة التي تسيطر عليها الأجهزة الأمنية مثل البرلمان والإعلام من أجل الرد على توجهات أنقرة واستضافتها للمعارضين وللقنوات الفضائية الناقدة للنظام المصري، فيما يشكل امتدادًا لطبيعة العلاقات في الفترة الماضية.

كما أن المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا مثلت مرحلة جديدة للنظام الحاكم في أنقرة؛ حيث إن حزب العدالة والتنمية بات يثبت أقدامه على الساحة الداخلية، ويقوم بتطهير الحكومة من معارضي الحزب الذين يُتهمون بأنهم وراء المحاولة الانقلابية الفاشلة، ومن ثم فإن الحكومة التركية ربما لا تشعر بالضغوط فيما يتعلق بملف المصالحة مع مصر في الفترة الحالية، مثلما كان يحدث في السابق بإرسال المعارضة التركية وفودًا للقاء المسئولين في القاهرة، في صورة من صور الضغط على حزب العدالة والتنمية، لكن اليوم فإن الوضع الداخلي في تركيا، بالإضافة إلى الأولويات الجديدة للسياسة التركية بعد الانقلاب في الفترة القادمة، من المتوقع ألا تضع المصالحة السياسية مع مصر على رأس أولوياتها، وربما تستمر المشاورات في الملفات الاقتصادية بين الجانبين من أجل الوصول إلى تحقيق منفعة متبادلة للطرفين.

وهنا يمكن القول أن الوقت ليس في صالح القاهرة التي تتعرض لمشكلات اقتصادية كبيرة، وبحاجة ماسة إلى ضخ استثمارات وعملة أجنبية في نظامها الاقتصادي، ليس في صورة مسكنات مثل الودائع والمساعدات الخليجية، ولكن في صورة ضخ مستمر لأهم قطاعات الاقتصاد المصري مثل السياحة وتحويلات المصريين من الخارج، بالإضافة إلى اعتمادها على إمكانية تصدير غازها المكتشف حديثًا في البحر المتوسط، بالدخول في الصفقة التركية الإسرائيلية (1).

—————————-

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close