fbpx
سياسةترجمات

هآرتس: عندما يدرك المصريون أنه ليس لديهم ما يخسرونه !

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

نشرت صحيفة هآرتس في 19 يونيو 2023 مقالاً للمحلل السياسي تسفي برئيل، بعنوان: “على السيسي أن يخشى اللحظة التي يقرر فيها المصريون أنه لم يعد لديهم ما يخسرونه”، حيث تساءلت الصحيفة عما إذا كان خوف السيسي من جنرالاته هو السبب وراء حرص السيسي على المبيت في قصر مختلف كل ليلة.

ينفق عبد الفتاح السيسي مليارات الدولارات على مشاريع الزهو والتفاخر بينما تعاني بلاده من أزمة اقتصادية عميقة. فهل يخاف السيسي من جنرالاته حتى إنه ينام في قصر مختلف ليلة بعد ليلة؟

وكتبوا عن ذلك في الغرب بأنه: ” يبدو أن الجيش المصري يريد صناعة المكرونة والحرب معاً”، في المقال الذي نشرته مجلة الإيكونوميست البريطانية في 13 إبريل 2023. وما أن يعرب السيسي عن رغبته في خصخصة الشركات المملوكة للدولة، بما فيها تلك المملوكة للجيش، حتى يكون رد الجيش عليه بأنه ينبغي أن ينسى ذلك.

وأوضح السيسي في المؤتمر القومي للشباب الذي عُقد في مدينة الإسكندرية الأسبوع الماضي،  أن “الأكل غالي صحيح، لكن إحنا بنبني دولة. إوعوا تزعلوا (لا تغضبوا) من اللي هاقوله: نأكل، ولا اعمل طريق زي محور المحمودية، وتبقى الدنيا صعبة شوية؟ نأكل، ولا أسيب الناس مرمية في الشوارع، ونايمة في الصفيح؟ لا، أشيل الناس من الشارع، وأسكّنهم في بشاير الخير (مساكن لنقل سكان المناطق العشوائية)، والدنيا تبقى غالية شوية”.

قد لا يعرف السيسي كم تبلغ أسعار الخضروات في السوق أو مدى ارتفاع أسعار اللحوم، وحتى عندما يتجول على دراجته الرياضية المتطورة برفقة حرسه ويلتقي “بشكل عشوائي” مع المواطنين، فإنه يسمع المديح فقط منهم، لكنه (بالتأكيد) مُدرِك للأزمة الاقتصادية العميقة التي تعيشها بلاده.

وعندما يبلغ السيسي جماهير الشعب بأنه ينوي إتاحة مساكن لسكان العشوائيات بتكلفة تزيد عن 4 مليارات دولار، أو أنه ينوي تمهيد كورنيش بمسافة ثمانية كيلومترات على ساحل الإسكندرية، فإنه يدرك جيداً أن الشعب ينظر لذلك على أنه نفقات باهظة وعبء إضافي يأتي على حساب نوعية وجودة حياتهم.

وتشمل قائمة مشاريع السيسي للتفاخر والتباهي توسعة قناة السويس بتكلفة 8 مليارات دولار، وإنشاء عاصمة إدارية جديدة بتكلفة تقدّر بـ 58 مليار دولار، وقطار فائق السرعة بتكلفة 23 مليار دولار، ومفاعل نووي لإنتاج الكهرباء بتكلفة 28 مليار دولار. ومن الوارد أن تعود بعض هذه المشاريع بالنفع على البلاد في المستقبل، لكن في غضون ذلك، فإن ديون مصر الخارجية تراكمت لتصل إلى 163 مليار دولار، ويتوقع البنك الدولي أن يصل إجمالي ديونها إلى حوالي 95% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام – أي أكثر من 260 مليار دولار.

ويحاول السيسي أن يبرر للجمهور بأنه يتعامل مع إرث صعب يتراكم منذ سنوات، لكنه لم يذكر أبداً أنه يشغل منصب الرئيس منذ حوالي تسع سنوات وحتى الآن، وأنه خلال فترة ولايته تراجع الاقتصاد ليصل إلى الحضيض. يقول السيسي إن مصر لم تتعافَ بعد من أزمة فيروس كورونا، لكنه لم يذكر أنه قبل فترة طويلة من الجائحة (كوفيد-19) اضطرت مصر للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وفي بداية العام تلقت قرضاً آخر بقيمة 3 مليارات دولار.

ويحاول السيسي طمأنة الناس بالقول، “اطمئنوا، نحن مسيطرون على الأمور. كل أزمة لها بداية ونهاية، وكنت منتبهاً في مسيرة عمري للأزمات، وأيقنت أنها جميعاً تنتهي في نهاية المطاف.” وبينما يطلب السيسي من المواطنين التحلي بالصبر، إلا أنه لا يقدم أي أفق اقتصادي (للخروج من الأزمة).

وفي شهر أبريل 2023، وصل السيسي إلى جدة بالمملكة العربية السعودية في زيارة استمرت عدة ساعات، والتقى فيها بولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وبحسب الإعلان الرسمي عن الزيارة، فقد تناولت المحادثات “مشاكل إقليمية”، لكن تقارير غير رسمية أفادت أن السيسي فشل في جهوده لإقناع الزعيم السعودي بمنح مصر المزيد من الأموال لملء خزائنها الفارغة.

وأوضح ولي العهد السعودي بالفعل في شهر يناير 2023 أنه لا ينوي تقديم منح غير مشروطة. وأوضح وزير ماليته، محمد الجدعان، في مؤتمر دافوس: “إننا نعمل مع صندوق النقد الدولي ووفقاً لقواعده”. وأكّد أن أيام المساعدات غير المشروطة قد ولّت، “إننا اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة من دون شروط، ونحن نغير ذلك. نعمل مع مؤسسات متعددة الأطراف لنقول بالفعل إننا بحاجة إلى رؤية إصلاحات”. ولا يسع مصر إلا أن تراقب مع شعور بالحسد، كيف فتح السعوديون جيوبهم لتركيا، حين أودعوا 4 مليارات دولار لديها، بينما تحاول مصر جلب المساعدة من الهند.

يتعلق النقد الاقتصادي الرئيسي الموجّه للسيسي بسيطرة الجيش بشكل احتكاري على الاقتصاد المصري. وبحسب الإصدارات الغربية، فإنه “يبدو أن الجيش المصري يريد صناعة المكرونة والحرب معاً”، المقال الذي نشرته مجلة الإيكونوميست البريطانية، في إشارة إلى سيطرة الجيش على المصانع والمشاريع المدنية. وكلما أعلن السيسي عن اهتمامه بخصخصة الشركات الحكومية، بما في ذلك شركات الجيش، يرد عليه كبار ضباط الجيش بأن عليه أن ينسى ذلك. وحتى المطلب السعودي، الذي اشترط، بحسب تقارير وسائل الإعلام العربية، تقديم المساعدة على تقليص حصة الجيش في الاقتصاد، حتى هذا المطلب فشل في تحقيق أي نتائج.

ونشرت مجلة الإيكونوميست الأسبوعية البريطانية ا أيضاً مقالاً حادّاً حول طريقة إدارة السيسي للبلاد. حيث ذكر المقال أن السيسي يخاف بشدة من جنرالاته، لدرجة أنه ينام في قصر مختلف كل ليلة. وقد ترك المقال انطباعاً قوياً في وسائل الإعلام العربية، فاقتبسوا منه كثيراً، على الرغم من أنه لم يكشف شيئاً جديداً إلى حد كبير.

وبالفعل، حذر أحد الخبراء البارزين في الشأن المصري، البروفيسور روبرت سبرينجبورج، في شهر يناير، من احتمال أن ينقلب الجيش المصري على قائده (الأعلى). “إذا كنت كرئيس للبلاد ترى أن تلك المؤسسة العسكرية العملاقة تزيد من قوتها بشكل أكبر وأكبر، فعليك أن تسأل نفسك، ماذا سيحدث إذا أبلغتك هذه المؤسسة العسكرية يوماً ما بأنها لم تعد بحاجة إليك. فعلى كُلٍ،، هذا ما حدث للرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، عندما كان السيسي نفسه أداة لتنفيذ الإطاحة به، كما يقول سبرينجبورج.

وفي بداية هذا العام، أجرى السيسي سلسلة من عمليات الإحلال في قيادة الجيش، بما في ذلك بعض الضباط الذين خدموا في مناصبهم لمدة نصف عام فقط. وبالإضافة إلى ذلك، فقد أكد أن كبار الضباط سيخدمون لفترات قصيرة نسبياُ، دون تحديد حد أدنى لمدة الخدمة. وتم تفسير هذه الخطوات في مصر على أنها “إجراء دفاعي” ضد ترسيخ مكانة ونفوذ أشخاص في الجيش، للحيلولة دون أي احتمال بتشكيلهم تهديداً للنظام.

قد يكون هذا هو جنون العظمة الذي يصيب كل زعيم استبدادي، لكن لهذه الريبة في مصر أساس تاريخي. ولذلك يحول السيسي دون إلحاق أي ضرر بالجيش من الناحية الاقتصادية، في مقابل أن يمنحه الجيش دعمه الكامل. ولكن مسألة مستقبل السيسي ستظهر على السطح فقط عندما يقرر المواطنون المصريون بأنه لم يعد لديهم المزيد ليخسروه.

 

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close