fbpx
ترجمات

WPR: ينبغي على الولايات المتحدة تكثيف جهودها في السودان

نشرت مجلة وورلد بوليتيكس ريفيو (WPR) الأمريكية في 6 أكتوبر 2023 مقالاً بعنوان: “الولايات المتحدة في حاجة لتكثيف جهودها في السودان”، لكاميرون هدسون، كبير الباحثين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، حيث يرى هدسون أن “واشنطن كانت خاملة في دبلوماسيتها بشأن السودان، مما سمح لنفوذها بالضمور مع إعطاء الأولوية لصراعاتها مع القوى العظمى. لكن الوقت لم يَفُت بعد للتأثير على الأحداث على الأرض إذا تحركت الآن”.

وقد جاء المقال على النحو التالي:

في كلمته التي ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، حذّر الحاكم العسكري الفعلي للسودان، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، من أن الصراع الدائر في بلاده يشكل تهديداً للمنطقة وللسلام والأمن الدوليين على نطاق أوسع. إن استدعاء نفس اللغة التي يستخدمها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في تبرير التدخلات المتعددة الأطراف التي يسمح بها قد يبدو خطوة غريبة تصدر من زعيم أعلن هذا الصيف أن رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان شخص غير مرغوب فيه.

لكن ربما يدرك عبد الفتاح البرهان شيئاً غاب عن المجتمع الدولي حتى الآن أو أن المجتمع الدولي اختار تجاهله، وهو أنه: إذا لم يتم اتخاذ إجراءات منسقة قريباً لإنهاء الصراع الداخلي المدمر في السودان، فقد يؤدي ذلك إلى “بلقنة” وانهيار بلد يبلغ عدد سكانه 50 مليون نسمة والذي يقع بين البحر الأحمر وأفريقيا الوسطى.

وحتى قبل بدء القتال بين القوات المسلحة السودانية بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع شبه العسكرية التابعة لمحمد حمدان دقلو في أبريل، كان ما يقرب من ربع سكان السودان في حاجة ماسّة إلى شكل من أشكال المساعدة الدولية. وبعد ستة أشهر من الصراع، يقترب هذا الرقم الآن من 60% من السكان. ووفقاً لبرنامج الغذاء العالمي، فإن ستة ملايين شخص “على بعد خطوة واحدة من المجاعة”.

ومما يثير القلق أيضاً تزايد أعداد النازحين بسبب القتال. وقد تدفق ما يزيد قليلاً عن مليون لاجئ عبر الحدود البرية للسودان إلى دول الجوار: تشاد ومصر وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، والتي لا تكاد تتحمل كلفة دعمهم وحيث تجد المساعدات صعوبة للوصول إليهم. ومع تدمير العديد من المدن الرئيسية في السودان، أصبحت لدى البلاد الآن أكبر عدد من النازحين داخلياً في العالم، بأكثر من 7 ملايين، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة. فقد تم إغلاق ما يصل إلى 80% من البنية التحتية للرعاية الصحية في البلاد، ومع ذلك فإن دعوات الأمم المتحدة للمساعدات الإنسانية لا تزال مموَّلة بحوالي الربع فقط.

ويبدو الوضع قاتماً في ساحة المعركة. فقد دمرت حرب المدن بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع مساحات واسعة من العاصمة الخرطوم، حيث تختبئ قوات الدعم السريع خلفها وتشن هجمات على الجيش السوداني تحت غطاء البنية التحتية المدنية. وتذكّرنا الصور القادمة من الخرطوم بالمدن المدمَّرة مثل جروزني وحمص، مما لا يعطي سوى القليل من الثقة في أن الملايين الذين فروا بالفعل سيعودون من جديم.

والأسوأ من ذلك أن أياً من الطرفين في هذه الحرب لم يتمكن من اكتساب ميزة تكتيكية كافية لتوجيه ضربة قاضية للطرف الآخر وإنهاء القتال. ومع تدفق المساعدات العسكرية من الدول المجاورة، مدعومة بدعم من جهات خارجية تتراوح من مجموعة فاغنر الروسية إلى الإمارات ومصر، وصلت الأطراف إلى طريق مسدود. ومع استمرار معركتهم الضارية من أجل تحقيق التفوق، يتم تدمير المزيد من القدرة الإنتاجية للبلاد وتتضاعف الخسائر في صفوف المدنيين.

وفي الأسابيع الأخيرة، هدّد طرفا الصراع بتشكيل حكومتين متنافستين من شأنها أن تحول الانفصال الفعلي للبلاد إلى واقع صعب. ومن شأن مثل هذه النتيجة أن تجعل توفير المساعدة الإنسانية في جميع أنحاء البلاد، من دارفور إلى ساحل البحر الأحمر، أمراً شبه مستحيل، ومن شأنها أيضاً أن تخلق مناطق نفوذ جديدة يمكن للجهات الفاعلة الإقليمية وغير الحكومية استغلالها في سيناريو مشابه لما يحدث في ليبيا. ولكن بالنظر إلى مساحة السودان التي تبلغ مساحتها نحو عشرة أضعاف مساحة ليبيا، فإن انزلاق السودان إلى أحضان أمراء الحرب سيكون له عواقب أعظم.

وبالإضافة إلى إرسال المزيد من تدفقات اللاجئين إلى الدول المجاورة وعبر البحر الأحمر، فإن فراغ السلطة في السودان من شأنه أن يجذب الجهاديين والمرتزقة على حد سواء. ويمكن لدولة أمضت ما يقرب من 30 عاماً على قائمة الولايات المتحدة للإرهاب أن تستضيف مرة أخرى مجموعات من الجهاديين الجامحين من جميع أنحاء المنطقة، مما يخلق كابوساً أمنياً ستكافح واشنطن وحلفاؤها لاحتوائه.

إن الوقوف على الحياد والتفرج على ما يحدث  في السودان بينما تنزلق البلاد إلى مزيد من انهيار الدولة لم يعد خياراً ممكناً على الإطلاق. وقد فرضت واشنطن بالفعل عقوبات على مجموعة فاجنر الروسية بسبب عمليات المرتزقة التي تقوم بها في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، لكنها لم تفعل حتى الآن شيئاً لكسر شراكتها المتنامية مع قوات الدعم السريع، على الرغم من اعترافها بأنها تزود الميليشيا السودانية بصواريخ أرض جو. كما لم تتخذ واشنطن خطوات ذات معنى ضد شريكتها، الإمارات، التي زودت قوات الدعم السريع بأسلحة فتاكة من خلال جسر جوي عبر تشاد المجاورة وإلى دارفور، على الرغم من إطلاق قوات الدعم السريع لجولة أخرى من أعمال العنف والإبادة الجماعية هناك.

من جانبها، كانت واشنطن خاملة في دبلوماسيتها، مما سمح لنفوذها بالضمور مع إعطاء الأولوية للقضايا الإقليمية الأخرى وصراعات القوى العظمى. وقد حضر كل من الرئيسين السابقين جورج دبليو بوش وباراك أوباما جلسات الأمم المتحدة الخاصة بشأن السودان، وعلى مدار 20 عاماً، ساعد ثمانية مبعوثين خاصين مختلفين إلى السودان في إبقاء البلاد تحت عين واشنطن. ولكن تلك الأيام قد مضت. ومع أن السودان الآن على وشك الانهيار، فقد مرّت اجتماعات الجمعية العامة الشهر الماضي دون أي تقديم مبادرات أمريكية رفيعة المستوى. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، من غير المرجح أن يحتل السودان مكانة بارزة في مناقشات الأمن القومي التي تهيمن عليها مواجهة الحرب في أوكرانيا وردع الحرب (المحتملة) في تايوان.

لكن الوقت لم يفت بعد بالنسبة لواشنطن للتأثير على الأحداث على الأرض في السودان إذا تحركت الآن:

أولاً، ينبغي على الرئيس جو بايدن إعادة تعيين مبعوث شخصي إلى السودان يقدم تقاريره ويتحدث نيابة عنه ويتم تمكينه باستراتيجية للضغط على شركاء الولايات المتحدة الأقوياء مثل مصر والسعودية والإمارات لدعم تبني نهج موحد ينهي الصراع.

ثانياً، يمكن لواشنطن أن تستفيد بشكل أفضل من سلطة العقوبات التي أنشأتها إدارة بايدن العام الماضي ولكنها لم تستخدمها إلا نادراً، لمنع الجهات الفاعلة السياسية والعسكرية التي تلعب حالياً أدواراً رئيسية في الصراع من المشاركة في حكومة السودان بعد انتهاء الحرب. وينبغي لها أيضاً أن تخطو خطوة أبعد وتستهدف الجهات الأجنبية التي تغذي الصراع. وحتى الآن، تم استهداف ثلاثة أفراد وست شركات فقط في جولتين منفصلتين من العقوبات بسبب كل هذا الدمار الذي لحق بالبلاد.

ثالثا، يمكن للولايات المتحدة أن تزيد من دعمها للتحقيق الذي تجريه المحكمة الجنائية الدولية في الإبادة الجماعية في دارفور في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين للمساعدة في إغلاق حلقة الإفلات من العقاب التي ساعدت في زرع بذور عنف الإبادة الجماعية اليوم.

وأخيراً، يمكن لواشنطن أن تعمل على صياغة نتيجة تضمن تفكيك قوات الدعم السريع إلى الأبد، وإصلاح القوات المسلحة السودانية بشكل أساسي، وعودة حكومة مدنية إلى السلطة. وسيكون من المفيد دعم انتصار القوات المسلحة على قوات الدعم السريع على المدى القريب إذا كان ذلك يعني نقل الصراع من ساحة المعركة إلى طاولة المفاوضات.

كل هذا يتطلب تحولاً فورياً في نهج واشنطن وجهداً دبلوماسياً مستداماً ورفيع المستوى ومخلصاً مثل ذلك الذي استفاد منه السودان ذات يوم لتجنب هذا النوع من الآثار الدولية غير المباشرة التي حذر منها الحاكم العسكري للسودان.

وفي الوقت الذي يطالب المسؤولون السودانيون والشعب السوداني بالمساعدة الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة، لوقف النزيف وتجنب انهيار الدولة، فإن من مصلحة واشنطن الاستراتيجية الاستجابة لهذا النداء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close