fbpx
قلم وميدان

الطريق المسدود: تقييم السياسات الاقتصادية للجنرال السيسي (5)

العاصمة الإدارية كنمط مافيوى لإدارة موارد الدولة

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تكشف قضية العاصمة الإدارية الجديدة وما جرى فيها عن ذلك النمط المافيوى فى إدارة الموارد المتاحة للدولة وخصوصاً ما تعلق منها بالأراضي، منذ أن برز على سطح الحياة السياسية والاقتصادية فى مصر عام 2014، ما يُسمى إنشاء عاصمة إدارية جديدة، وظهور الجنرال السيسي، أمام كاميرات التليفزيون بصحبة المستثمر الإماراتي “محمد العبار” ولفيف من الوزراء والمسئولين والشيخ محمد آل مكتوم رئيس وزراء دولة الإمارات وحاكم إمارة دبى، والحديث لم ينقطع يوماً حول هذا المشروع، ومدى أولوياته فى العمل التنموي المصري، خصوصاً بعد أن أعلن على الملأ أن هذه العاصمة الجديدة سوف تتكلف مبدئياً 45 مليار دولار (أى ما يعادل 810 مليارات جنيه مصري وفقاً لأسعار الصرف بعد قرارات تغريق الجنيه فى نوفمبر 2016).

ويوماً بعد يوم، أخذت الأصوات ترتفع، ودائرة الرفض تتسع بين المواطنين والخبراء الاقتصاديين، حول جدوى وأولوية هذا المشروع، خصوصاً بعد أن انسحبت منه الشركات العالمية واحدة بعد الأخرى، بدأت بالشركة الإماراتية ومن بعدها الشركة الصينية “CSCEC، فبدا بوضوح أن المخطط المسبق بأن تتولى هذه الشركات العقارية الكبرى تمويل هذا المشروع، ومن خلال مبيعاتها تتحصل على تكاليفها ومصروفاتها وأرباحها لم يتحقق، وأن المشروع فى النهاية قد وقع على عاتق شركات مقاولات مصرية، سوف تحصل على مستحقاتها أولاً بأول من الخزينة العامة بأية صورة من الصور، وهنا وقع المحظور، فاضطر كبار المسئولين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية إلى التصريح عدة مرات فى الأسابيع الأخيرة من شهري سبتمبر وأكتوبر 2017، بأن هذه العاصمة  الإدارية الجديدة لا تمول من الموازنة العامة للدولة، وإنما من مصادر أخرى، فى محاولة لطمأنة الرأي العام المصري، الذى ارتفعت أصواته مطالبة باستثمار هذه الأموال فى بناء المصانع وتشغيل المصانع المتوقفة وهكذا.

وقد فاجأ الجنرال السيسي الرأي العام بأن أصدر القرار رقم 57 لسنة 2016 بتخصيص الأراضي الواقعة جنوب طريق القاهرة السويس اللازمة لإنشاء العاصمة الإدارية للقوات المسلحة التى تبلغ مساحتها 16 ألف فدان و645 فداناً (أى ما يعادل 700 مليون متر مربع، ونص القرار على إنشاء شركة مساهمة مصرية تتولى تنمية وإنشاء وتخطيط العاصمة الإدارية الجديدة، وتكون قيمة الأراضي من حصة القوات المسلحة فى رأسمالها، فإذا افترضنا أن نسبة البناء على هذه المساحة ستكون بنسبة 10% فقط، أى 70 مليون متر مربع، تقوم هذه الشركة الجديدة التابعة للقوات المسلحة بعمليات تقسيم وبيع الأراضي ( بمتوسط أربعة آلاف جنيه للمتر المربع )، أو تتولى هي البناء للعقارات الفاخرة (بمتوسط سعر للمتر مباني 11 ألف جنيه)، أو بناء فيلات وقصور فاخرة (بمتوسط 28.0 ألف جنية للمتر المربع)، فأي ثروات وأرباح هائلة سوف تتحقق لهذه الشركة التى نشأت من الهواء، وأين ستذهب هذه الأرباح، خاصة إذا علمنا أن المشروعات التى تقوم بها الشركات التابعة للجيش لا تسدد عنها ضرائب، وتعفى وارداتها من الرسوم الجمركية غالبا؟ 

ومن جانب آخر، إذا افترضنا – وهذا هو الصحيح فى النظم الديموقراطية والدول التى يحترم يها القانون وحقوق الشعوب – أن حق الخزانة العامة من هذه الأراضي تتمثل فى ألف جنيه للمتر المربع، فنحن هنا نتحدث عن نهب الخزانة العامة بأكثر من 70.0 مليار جنيه من مبيعات الأراضي وحدها، أما إذا كانت حصة الخزانة العامة ألفى جنيه للمتر المربع، فنحن نتحدث والحال كذلك عن 140.0 مليار جنيه ضاعت على الخزانة العامة للدولة، كان من الممكن أن تستخدم فى تطوير التعليم أو المنظومة الصحية للفقراء ومحدودي الدخل. 

وبالمقابل، فإن قيمة هذه الأراضي ومن خلال هذه الشركة اللقيطة قد انتقلت إلى  صناديق وحسابات القوات المسلحة الخاصة دون أن تتكلف جنيهاً واحداً، وزاد عليها فى هذا القرار أن عائد بيع أو استثمارات العاصمة الإدارية الجديدة يعود إلى خزانة القوات المسلحة وليس إلى الخزانة العامة للدولة عبر هذه الشركة المساهمة.

وقد ظهر المهندس علاء عبد العزيز نائب وزير الإسكان فى لقاء تليفزيوني مع الإعلامي محمد على خير فى برنامجه المصرى أفندي على شاشة فضائية “القاهرة والناس” يوم الأحد الموافق 22/10/2017، ليقول بوضوح إن تمويل العاصمة الإدارية الجديدة ليست من الموازنة العامة للدولة، وإنما من أموال هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.

وهنا أصبح النقاش أكثر انضباطاً، ويكشف ما سبق أن أكدنا عليه أكثر من مرة.. فما الحقيقة إذن؟ وهل تعد أموال هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة من الأموال العامة ومن المصادر الحكومية أم لا؟ 

وينطلق جزء كبير من مشروعات الجنرال السيسي من مدرك سياسي كامن يحمل مفهومين بهما الكثير من الالتباس، أولهما أقرب إلى مفهوم الفراعنة المصريين؛ حيث كثير من منجزات الفراعنة وتخليدهم يرتبط بالمشروعات البنائية والتشييد، سواء أكانت معابد أم مقابر أم أهرامات، ولذا شاهدنا تكراراً لمقولات من قبيل، إن العاصمة الإدارية الجديدة، ستضم أكبر مسجد فى مصر، وأضخم كنيسة فيها، وأطول برج وهكذا كثير من كلمات التضخيم والتبجيل.

ومن ناحية أخرى فإن الرجل يحمل مفهوماً مغلوطاً – كسلفه تماماً – لمعنى “المشروع القومي” والنهضوي للرئيس،  فى محاولة غير موفقة لما أُطلق عليه فى التاريخ المصرى الحديث، مشروع محمد على أو المشروع القومي لجمال عبد الناصر، وهكذا رأينا الرئيس الأسبق (حسنى مبارك)، يكرر طلبه إلى الأمريكيين فى بداية حكمه عام 1981، وفى زياراته الأولى للعاصمة الأمريكية، بأهمية مساعدته ببناء مشروع قومي، مثلما بنى الروس السد العالي لجمال عبد الناصر، وحينما لم يجد ما يفيد لدى الأمريكيين فى هذا المجال، أخذ يردد فى خطاباته العامة، وبصورة مثيرة للسخرية :” أليس مشروع مترو الأنفاق بالقاهرة الكبرى مشروعاً قومياً”..!.

ولم يدرك الرجل – ربما بفعل تواضع ثقافته السياسية وانعدام تجربته الوطنية – أن المشروع القومي الحقيقي لجمال عبد الناصر لم يكن هو بناء السد العالي برغم أهميته، بقدر ما كان تعبير السد العالي عن مرحلة عريضة فى تاريخ النهضة التعليمية المجانية، والصحية والصناعية والزراعية، وكهربة الريف فى مصر، والتحيز للفقراء، وإعادة توزيع الثروات والدخول بين مختلف الطبقات الاجتماعية، وهو ما عبر عنه شعار “تذويب الفوارق بين الطبقات”. وكان التأميم والحراسات والنظام الضريبي فى الكثير من الحالات هو المدخل والوسائل لتحقيق هذه الغايات.

وبالمقابل فإذا جاز لنا أن نصف  سياسات الرئيس أنور السادات (1971ـ 1981) بالمشروع القومي، بحكم عمق تأثيراته فى حاضر ومستقبل مصر والمنطقة العربية كلها، وربما العالم، فهي استعادة هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على مصر والمنطقة العربية، والتحالف معها لمطاردة النفوذ الروسى، وإقامة الصلح والاستسلام لإسرائيل، والخروج من العباءة العربية، والتحيز لاستعادة طبقة رجال المال والأعمال بالتعاون مع الغرب والدول العربية النفطية، وهدم  ما أسماه اشتراكية الفقر على حد تعبيره، ومعاداة مفهوم العدالة الاجتماعية باعتباره من ميراث الحقد الطبقي للفترة الناصرية والأفكار الاشتراكية الهدامة.

وقد سار على نهج خلفه الرئيس الأسبق حسنى مبارك طوال فترة حكمه (1981ـ2011)، وأضاف إليه عمليات نهب وتهريب للأموال وتشكيل كتلة عصابية أقرب إلى سلوك المافيا فى نهب وتهريب الأموال.

أما الجنرال السيسي فإن ما يمكن أن نطلق عليه مشروعه القومي، هو أقرب إلى مفهوم مقاول “هدم وردم”، أو بمعنى آخر التوسع فى الإنشاءات، التى تتكلف مئات المليارات من الجنيهات، مثل مد خمسة آلاف كيلومتر من الطرق (علما بأن مصر قد مدت طرقاً منذ عام 1975 حتى عام 2011 بأكثر من 25 ألف كيلو طرق)، وحفر تفريعة جديدة للممر الملاحي لقناة السويس (بطول 37 كيلو متر بتكلفة 35 مليار جنيه فى عام واحد)، بخلاف ستة أنفاق تحت الممر الملاحي لقناة السويس (بتكلفة 25 مليار جنيه)، والشروع فيما أسماه العاصمة الإدارية الجديدة بتكلفة 45 مليار دولار (أى حوالى 810 مليار جنيه) خلال عدة سنوات، وبعض المشروعات الأخرى مثل مدن العلمين الجديدة،  وعدة آلاف من الوحدات السكنية بأسعار اقتصادية بنظام التمليك غالباً، وهيمنة القوات المسلحة على الاقتصاد المصرى. 

حتى إن المشروع أو الفكرة الصحيحة للتوسع فى الرقعة الزراعية (ما أُطلق عليه المليون ونصف المليون فدان)، حوله إلى مشروع استثماري تديره شركة خاصة بمفهوم وآليات السوق والبيع والشراء، وليس بمفهوم التنمية وإعادة التوزيع الديموجرافى للسكان وامتصاص البطالة بين الفقراء والشباب.

ومن ثم وطوال السبع سنوات من حكم الجنرال السيسي ( 2014ـ 2021)، أهمل الرجل الملفات الإستراتيجية فى إدارة الحياة المصرية، وأهمها ملفى التعليم والصحة، تلك المنظومتان اللتان انهارتا تماماً وأصابهما الفساد طوال الأربعين عاماً الماضية، ولم يتردد فى التصريح علناً – ودون خجل – بأن التعليم يحتاج إلى جهد كبير وثلاثة عشر عاماً ومئات المليارات من الجنيهات، وكذلك الصحة، وكأن مسئوليته كرئيس للجمهورية أقسم على رعاية مصالح الشعب رعاية كاملة، لا تلزمه بإجراء واقتحام تلك الملفات الخطيرة منذ اللحظة الأولى لتوليه مسئوليته الرئاسية.

وكذلك فقد أهمل مراجعة ملف الخصخصة وما جرى فيها من عمليات نهب، وأهمل تنشيط شركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام، وبدلاً من ذلك بدأ فى طرح شركات ناجحة فى قطاع البترول (إنبى – بتروجيت)، وكذلك بنوك عامة جديدة (بنك القاهرة)،  للبورصة والخصخصة، لنبدأ دورة جديدة من السياسات الخطيرة والضارة على مستقبل هذا البلد. 

كما ذهب إلى ما لم يجرؤ أن ذهب إليه الرؤساء السابقون، سواء بالتوقيع على اتفاق القرض مع صندوق النقد الدولى عام 2016 بقيمة 12 مليار دولار على شرائح ربع سنوية، ومن قبله قرض البنك الدولى عام 2015 بقيمة 3.0 مليارات دولار، ووضع بالتالى الاقتصاد المصرى تحت الوصاية الدولية لمدة ثلاث سنوات كاملة، والتنفيذ الأكثر من حرفي لأوامر الصندوق والبنك الدولى وموظفيهما، مثل تعويم (تغريق) الجنيه المصرى، وزيادة أسعار المنتجات البترولية والكهرباء، وتخفيض عدد موظفي الجهاز الحكومى، مما أشعل نار التضخم وارتفاع الأسعار غير المسبوقة فى بيوت عشرات الملايين من المصريين الفقراء ومتوسطي الدخول.

وبالمقابل، ذهب فى مسار خطير للاقتراض من الداخل ومن الخارج بصورة غير مسبوقة فى تاريخ البلاد، فقفز الدين الخارجي من 46.0 مليار دولار فى بداية حكمه (يوليو 2014)، إلى 112.0 مليار دولار فى ديسمبر عام 2019، ثم إلى 137 مليار دولار فى سبتمبر من عام 2021

أما الدين الداخلى فقد زاد بدوره من 1.8 تريليون جنيه إلى 4.4 تريليون جنيه فى ديسمبر من عام 2019، ومن المتوقع أن يتجاوز 5.0 تريليون جنيه فى نهاية عام 2021.

والحقيقة أن الجنرال السيسي لم يعر اهتماماً جاداً بالأساس الفلسفي، الذى يقوم عليه النشاط الاقتصادي فى مصر، وأوصلها إلى ما وصلت إليه من مأزق، ونقصد به “اقتصاد السوق” الفوضوي الذى ساد فى مصر منذ عام 1974، تحت شعار تشجيع الاستثمار والمستثمرين، وجذب الاستثمار والمستثمرين، ومن هنا ظلت الدائرة الشريرة مستمرة دون أمل أو ضوء فى نهاية النفق. كما لم يحظَ مفهوم التخطيط التنموي، وإعادة توزيع الأدوار بين قطاعات النشاط الاقتصادي (القطاع العام – القطاع الخاص – القطاع التعاوني)، بأي قدر من الاهتمام.

وزاد عليها الجنرال السيسي أن ضغط على مستوى معيشة الفقراء والطبقة الوسطى بصورة غير مسبوقة كما سوف نعرض فى جداول حول تطور أسعار الكهرباء ومياه الشرب والصرف الصحي ومصروفات دراسية والتصريحات المؤلمة التى صاحبته فى كل ظهور إعلامي له مثّلت إهانات متكررة للمصريين وخاصة الفقراء منهم.. نحن إزاء رجل يكاد يكون منسلخ تماما عن البيئة المصرية والقيم المصرية.

في وصف العاصمة الإدارية.. ولمن؟

يكشف المخطط المعلن عنه رسميا بالنسبة لمشروع هذه المدينة الجديدة، عن طبيعة توجهات حكم الجنرال السيسي وتحيزاته الاجتماعية، ونمط سياساته، فى ظل أزمة اقتصادية خانقة ومركبة يعيشها الغالبية الساحقة من الشعب المصرى منذ أكثر من أربعين هاما أو يزيد 

فإذا أخذنا  بالوصف الوارد فى الإعلانات المروجة رسميا لهذا المشروع نجد الآتي :

تقع العاصمة الإدارية الجديدة على حدود مدينة بدر في المنطقة الواقعة بين طريقي القاهرة السويس، والقاهرة العين السخنة، مباشرةً بعد القاهرة الجديدة، ومدينة المستقبل ومدينتي.

ويعتبر موقع العاصمة الادارية الجديدة من أهم ما يميزها حيث تبعد حوالي 60 كم عن العين السخنة والسويس وعن مناطق وسط القاهرة، ويعتبر طريق السويس المؤدي إلى طريق جندالي 2، هو الطريق الأساسي المؤدي إلى العاصمة الجديدة  لحين الانتهاء من الطريق الأساسي، وهو طريق محمد بن زايد.

تبلغ مساحة العاصمة الإدارية الجديدة  168 ألف فدان أي ما يعادل مساحة مدينة سنغافورة ( أى ما يساوى 705.6 مليون متر مربع )، وتنقسم العاصمة الجديدة إلى عدة أحياء هي : حي حكومي، وحي دبلوماسي، وحي سكني، وحي المال والأعمال.

وتحتوي العاصمة الجديدة على حديقة مركزية كبيرة تسمى “كابيتال بارك” تبلغ مساحاتها أكثر من 1000 فدان ( أى ما يساوى 4.2 مليون متر مربع )، وطولها أكثر من 10 كم – أي ما يعادل مساحة الحديقة المركزية بنيويورك مرتين ونصف. وتم بناء النموذج الأول فقط على مساحة حوالى 7 أفدنة، وتحتوى العاصمة على نهر أخضر بطول 35 كيلو متر مرتبط بجميع أحياء وجامعات المدينة ليحاكي نهر النيل بمدينة القاهرة، ويعتبر النهر أكبر محور أخضر فى العالم كما تقول الدعاية الحكومية للمشروع، يحتوى على حدائق مركزية وترفيهية بدخول مجاني على مساحة 5 آلاف فدان.

وتضم المدينة أول مركز سيطرة وتحكم أمني وخدمات السلامة العامة عن طريق 6 آلاف كاميرا في المدينة و سيتم ربط مشروع العاصمة الجديدة بخط سكة حديد جديد مع كافة شبكات سكك الحديد في الجمهورية، كما سيتم ربط مشروع القطار الكهربائي بمدينة العاشر من رمضان وبلبيس عن طريق القطار الكهربائي.

وسوف يتم إنشاء مطار دولي بالعاصمة الإدارية على مساحة 16 كم، وسوف تحتوي المدينة على عدة خدمات أخرى مثل: مركز للمؤتمرات – مدينة طبية – مدينة رياضية – مدينة للمعارض.

ومن المشروعات الخدمية في العاصمة الإدارية الجديدة: 1ـ مسجد الفتاح العليم (هو واحد من أكبر المساجد حول العالم)، يقع المسجد على الطريق الدائري الأوسط ويسع المسجد 17 ألف شخص، وتبلغ المساحة الإجمالية للمسجد 106 فدان  ( ما يعادل 445.2 ألف متر مربع )، وطوله 3150 متر، ويبلغ عدد المآذن 4 على الطراز الفاطمي بطول 95 متر (31 دور)، ويبلغ عدد القباب: 21 قبة 

2ـ أول جامعة أجنبية في العاصمة الجديدة، حيث صدر قرار جمهوري بإنشاء مؤسسة جامعية بالعاصمة الجديدة باسم “الجامعات الكندية في مصر” ، وهي الفرع الدولي لجامعة جزيرة الأمير إدوارد الكندية، وتحتوي الجامعة على عدة خدمات مثل: ملاعب لكرة القدم وكرة السلة والتنس على الطراز الأوروبي على مساحة 30 فدان.

مستويات وأنواع العقارات بهذا المشروع:

أولا: الحي السكني منطقة خاصة بالفيلات وآخري بالتاون هاوس، ومن المقرر أن يتم بهما إقامة 4000 فيلا ومنزل مقسمين على مرحلتين، الأولى: مساحتها 10 ألاف فدان وستضم: 190 فيلا، و71 تاون هاوس للبيع، و الثانية: ومساحتها 15 ألف فدان وستضم 139 فيلا، 50 تاون هاوس.

ثانياً: حي المال والأعمال، ويضم مشروع أبراج العاصمة الجديدة الذي يشمل 20 برجا سكنيا وإداريا وتجاريا وخدميا، وتحتوى المنطقة أعلى برج في إفريقيا بارتفاع 385 متر، وتبلغ إجمالي مساحة المشروع حوالي 195 فدان.

وتتكون  كل عمارة من بدروم ودور أرضي و7 أدوار متكررة، كل دور مساحته 580 متر، و تتراوح مساحات الوحدات من 130 متر مربع إلى 180 متر مربع، و تتميز الشقق في العاصمة بحسن التوزيع الداخلي حيث تضم كل شقة ريسيبشن، و3 غرف نوم، و2 حمام، ومطبخ، وغرفة نوم بحمام مستقبل، وشرفات.

وعن أسعار هذه الشقق يبدأ  سعر المتر للشقق في العاصمة الادارية الجديدة من 4500 جنيه (أى بمتوسط يتراوح بين 585.0 ألف جنيه إلى 675.0 ألف جنيه). وقد تغيرت هذه الأسعار بعد عام من بداية تنفيذ المشروع فأصبح سعر المتر المربع مباني يتراوح بين 11.0 ألف جنيه للشقق، و28.0 ألف جنيه للفيلات، ومن ثم أصبح سعر الشقة الصغيرة يتجاوز المليون جنيه فأكثر، والفيلات والقصور تتراوح بين 15.0 مليون إلى 30.0 مليون جنيه.

وتستعد وزارة الإسكان لطرح 3 ألاف فدان للمطورين والعقاريين والمستثمرين بعد الانتهاء من تأسيس الخدمات والمرافق الأساسية بهما، وسوف يتراوح سعر المتر في تلك الأراضي ما بين 3500 جنيه إلى 5000 جنيه.

وتتولى إدارة المشروع  شركة مساهمة برأسمال يقدر بـ 6 مليارات جنيه، وتتكون الشركة من مجموعة من الإدارات الأساسية هي: جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، وهيئة المجتمعات العمرانية، وجهاز مشروعات أراضي القوات المسجلة.

ويتكون مجلس إدارة الشركة من 13 عضو، 3 من الأعضاء من ممثلي هيئة المجتمعات العمرانية، و5 أعضاء ممثلين للقوات المسلحة، و5 من ذوي الخبرة في مجال العقارات، وتشترك أربعة شركات  مقاولات كبرى على تنفيذ المشروع هم: طلعت مصطفى – المقاولون العرب – أبناء علام – كونكورد – تحالف أوراسكوم إلى جانب شركة بتروجيت للمقاولات – شركة وادى النيل – تحالف مصري إسبانى – شركة “CSCEC” الصينية وهى الشركة التى تم تصنيفها أفضل شركة بين 250 شركة مقاولات عالمية (ملحوظة: انسحبت الشركة الصينية من المشروع  ومن بعدها التحالف الإسباني).

و تخطط وزارة الإسكان لإقامة 25 ألف وحدة سكنية في الحي السكني. وتتراوح مساحات الوحدات السكنية في الحي السكني ما بين 100 متر مربع إلى 180 متر مربع.

ويتكون الحي الحكومي من 18 مبنى وزاري،  ومبنى لمؤسسة الرئاسة،  ومبنى البرلمان، ومبنى لمجلس الوزراء. وتبلغ تكلفة ترفيق أراضي الحي الحكومي والسكني 10 مليار جنيه، هذا بخلاف نفس المبنى الرئاسية فى مدينة العلمين الجارى إنشائها فى نمط من الإنفاق السفيه لم ترى مصر مثيلا له، إلا فى عهد الخديوي إسماعيل والذى أنتهى بإفلاس مصر واحتلالها. 

شروط حجز شقق العاصمة الادارية الجديدة؟

تم طرح كراسة شروط شقق العاصمة الادارية الجديدة باستمارة بيانات فقط بدون شروط لتكون متاحة لمن يستطيع سداد ثمن الوحدة السكنية، بالإضافة إلى كل من لديه وحدات فى مشروع دار مصر أو سكن مصر. وتم تحديد أسعار المتر بأنها لن تزيد عن 9 الاف جنيه لوحدات تتراوح مساحاتها بين 120 متر و180 متر،  ولكن لم يتم الإعلان عن السعر النهائي للمتر فى الوحدات السكنية من قبل لجنة التسعير فى وزارة الإسكان التى تقوم بدراسة موقف السوق بعد الارتفاعات في أسعار مواد البناء.

وتم الإعلان عن ميعاد حجز شقق العاصمة الادارية الجديدة على أن يكون في مارس 2018، وهو مقتصر على الشركات وليس الأفراد؛ حيث لا تقل المساحة المطروحة عن 20 فدان. سوف يتم نقل مقرات الوزرات الآتية إلى العاصمة الجديدة: الصحة والإسكان والتعليم العالي والتربية والتعليم والتموين والإنتاج الحربي والأوقاف والعدل، بالإضافة إلى مبنى البرلمان ومبنى مجلس الوزراء  إلى جانب مبنى رئاسة الجمهورية. ومن المخطط انتقالها بدايةً من منتصف عام 2020.

بعض الإضرار المترتبة على هذا المشروع 

ترتب على الاندفاع فى تنفيذ هذا المشروع أن زادت أسعار مواد البناء بصورة هائلة، حيث زاد طن الأسمنت فى مصر من 230 جنيها للطن عام 2003، إلى 530 جنيها للطن فى نوفمبر عام 2013، ثم قفز فى 30/9/2017 إلى 730 جنيها للطن، وفى ( عام 2018 ) قارب 800 جنيه للطن، والان يفاخر الجنرال السيسي فى أحد لقاءاته القريبة بأن سعر طن الأسمنت قد انخفض من 1300 جنيه إلى ألف جنيه فقط بعد أن أقام مصنع بنى سويف للأسمنت..!! 

وإذا تعمقنا فى الأسباب وراء ذلك نجدها كالتالي:

1ـ زيادة الطلب الهائل على الأسمنت  ومواد البناء بسبب التوسع غير المحسوب وغير المبرر فيما يسمى مشروعات السيسي الكبرى مثل العاصمة الإدارية، والطرق والكباري ومشروعات الإسكان التى غالبيتها لمن لديه قدرات مالية كبيرة.

2ـ زيادة أسعار مستلزمات الانتاج خصوصا الطاقة ( الكهرباء – المواد البترولية والغاز ) بسبب احتساب بعضها بالأسعار العالمية.
3ـ سيطرة الشركات الأجنبية على أكثر من 75% من إنتاج الأسمنت فى مصر، ورغبتها فى زيادة وتعظيم أرباحها، فلم يعد لها منافس من القطاع العام الذى جرى تدميره وبيعه قطعة، قطعة؛ وشركة، شركة للأجانب.

4ـ أما طن حديد التسليح فقد قفز من 5700 جنيه للطن فى نوفمبر عام 2013، إلى 11900 جنيه للطن فى 30/9/2017، وبالقطع فى ظل وجود تخطيط للإنتاج ورقابة – لا أقول تحكم حتى لا يغضب عبدة وثن اقتصاد السوق وآليات العرض والطلب – كان من الممكن تجنب تلك الآثار الضارة على مجمل هيكل الإنتاج والأسعار فى البلاد، فالفوضى هي قرين الفساد والتربح المغالى فيه من رجال المال والأعمال وسماسرة الأراضي. 

العاصمة الإدارية الجديدة وظاهرة المنتجعات السكنية الفاخرة 

لم يكن مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، وسياسات الجنرال عبد الفتاح السيسي فى مجال الأراضي، التى بدت واضحة وضوح الشمس منذ أن تولى الحكم رسميا فى يونيه عام 2014، سوى امتداد أكثر وضوحا وكثافة وعمقا للسياسات التى جرت طوال الأربعين عاما السابقة عليها (1980ـ 2010). 

وتكشف دراستنا حول إنفاق المصريين على المنتجعات السكنية الفاخرة Compounds  منذ عام 1980 حتى عام 2010، حقيقة الثروات التى تراكمت لدى فئات محدودة من المضاربين وسماسرة الأراضي والمقاولين (8)،  بالتعاون والتحالف مع رجال الحكم والإدارة وجنرالات المؤسستين العسكرية والأمنية، وقد أدى استخدام الأراضي المملوكة للدولة وتخصيصها بطرق لا تخلو كثيراً من فساد إلى توزيع جديد للثروات و الدخول؛ وساهمت في تعزيز دور وثقل جماعات السماسرة، والمضاربة  والمقاولين (من أمثال آل ساويرس وطلعت مصطفى وصبور وغيرهم) داخل بنية المجتمع، ومن هنا فإن إجراء هذا الحصر والإحصاء و التحليل يحقق عدة أهداف :

الأول: ما يمكن أن نطلق عليه الرفع المساحي لمكامن الثروات والأصول العقارية، وفقاً لتطور عمليات الحصر والتحليل، وبالتالي التعرف علي خرائط القوى الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.

الثاني: التعرف عن قرب على أحد مصادر الجباية الضريبية في إطار منظور أكثر استقامة للعدالة الاجتماعية  وفي الصدارة منها العدالة الضريبية. 

الثالث: التعرف على حجم الأراضي المملوكة للدولة التي خصصت لهذا النوع من الإسكان، والأسعار التي بيعت بها، ومقدار الهدر أو الضياع على الخزانة العامة بسبب التسعير المتدني لهذه الأرض.

الرابع: في ضوء هذا التحديد يمكن تقديم البدائل و السياسات التنموية الجديرة بالاتباع في المستقبل.

وكان من أبرز الاستخدامات للأراضي المنهوبة  في مصر طوال الأربعين عاماً الماضية ؛ ظاهرة بناء منتجعات سكنية compounds  شبة مغلقة ؛ ذات مستويات سكنية واجتماعية أكثر ثراءً من غيرها من التجمعات السكنية التي أقامتها الدولة المصرية للفقراء والطبقة المتوسطة ( مدن السلام – مساكن النهضة – العبور – الشروق – السادات الجديدة – المنيا الجديدة – …. إلخ ).

وقد تميزت هذه المنتجعات السكنية الجديدة بعدة خصائص ومميزات أبرزها:

1ـ أنها تكاد تكون مجتمعات مغلقة على سكانها يحيطها سور وبوابات للحراسة.

2ـ أنها وحدات سكنية راقية من حيث البناء ( فيلات – قصور – شاليهات )، تتميز بالجمال والاتساع (250 متر إلى ألف متر).

3ـ أنها ذات تكاليف بناء أعلى وأغلى من تلك الوحدات الخاصة بالمجتمعات العمرانية للفقراء ومتوسطي الدخول، حيث كانت تتراوح تكاليف البناء في المتوسط  طوال عقدي الثمانينات والتسعينات، بين ألف جنيه للمتر المربع إلى 30 ألف جنية للمتر المربع، بينما كانت للوحدات الفقيرة والمتوسطة طوال نفس  الفترة تتراوح بين 200 جنية إلى 400 جنيه للمتر مباني.

4ـ أنها تتميز بوجود مساحات فراغية وخضراء لا تقل في المتوسط عن 40% من إجمالي المساحة الكلية المخصصة للبناء، وقد تصل إلى 60%.

5ـ أنها قد حققت أرباحاً طائلة للشركات المنفذة لهذه المنتجعات السكنية (ومعظمها عربي وأجنبي  ومشترك) تقدر بعشرات المليارات من الجنيهات.

6ـ والمدهش أنه وفقاً لقوانين الضرائب السائدة؛ فإن هذه التصرفات الرأسمالية المكسبة لواقعة الربح لم تخضع لضرائب الأرباح الرأسمالية  capital gains taxes  غير المعمول بها في النظام الضريبي المصري بعد اتباع سياسات الانفتاح الاقتصادي (بدءاً من القانون رقم 43 لسنة 1974 وتعديله بالقانون رقم 32 لسنة  1977 انتهاء بقوانين حوافز الاستثمار رقم 8 لسنة 1997)، خصوصاً بعد تأسيس وتشغيل البورصة المصرية وسوق الأوراق المالية بعد عام 1992.

7ـ والأن ومع تطبيق قانون الضرائب العقارية رقم 196 لسنة 2008، وتعديلاته بالقانون رقم (117) لسنة 2014، أصبح من الضروري أن تتحمل هذه الوحدات والمنتجعات السكنية بوقع ضريبي يتناسب مع حالة الثراء التي تميز أصحابها في أطار سياسة ضريبية عادلة توازن بين المكاسب والأرباح من جهة، والعبء الضريبي المتناسب معها في سياق عدالة اجتماعية يطالب بها الشعب المصري، ويلح في تطبيقها الملايين الذين شاركوا في الثورة المصرية.

ويبقى السؤال قائماً : كم هي أعداد هذه الوحدات بالمنتجعات السكانية الفاخرة ؟ وكم تكلفت علي أصحابها ؟ وكم نستطيع أن  نحصل منها ضريبياً سواء من الشركات التي حققت الأرباح الطائلة (في صورة ضريبة علي الأرباح الرأسمالية أو ضرائب علي الدخل)، أو في صورة ضرائب عقارية سنوية تعزز من إيرادات الخزانة العامة وتسد جزءاً من العجز الضخم في الموازنة العامة للدولة؟

أنواع المنتجعات والتجمعات السكنية الفاخرة

لقد وضعنا مجموعة من المعايير للتقسيم والتمييز بين هذه الوحدات الى أنواع أربعة هي:

1ـ المنتجعات السكنية Compounds   :فتعرف بأنها تلك المجتمعات السكنية المغلقة التى تتميز برقى الوحدات داخلها، حيث تتنوع بين القصور والفيلات والتوين هاوس، والتاون هاوس، وتتوافر بداخلها كافة الخدمات، بحيث تعزلها تماما عن المجتمعات المحيطة بها، وتتفاوت المساحات للوحدة السكنية، بحيث تبدأ بحد أدنى 250 مترا مربعا 

وتصل إلى 1500 متر مربع. وقد أطلق عليها بعض الدارسين منتجعات العزلة Retreat Resort  باعتبارها تجمعات سكنية معزولة عن بقية محيطها الاجتماعي.

2ـ المنتجعات السياحية  Compound tourism :فتتميز بوجودها في المناطق الساحلية بالأساس، وتتنوع بين قرى سياحية، ومنتجعات سياحية.

ـ ويقصد بالقرى السياحية: نوع من الوحدات يتمثل في الشاليهات، والفيلات، والأستوديوهات وعدد الشاليهات بها تمثل النسبة الأكبر من عدد الوحدات.

( ب )أما المنتجع السياحي: فالوحدات بها  بين الشاليهات، والفيلات، وعمائر سكنية بها شقق مصيفيه وأستوديوهات.

(ج) أما الأستديو : فهو عبارة عن “شقة صغيرة، متوسط مساحتها  50 متر مربع تكفي لأسرة صغيرة “. وقد عرفها بعض الدارسين بأنها المواقع التي توفر الاكتفاء الذاتي، وتتوفر فيها أنشطة سياحية مختلفة وخدمات متعددة لأغراض الترفيه و الاستراحة والاستجمام.

3ـ أما التجمعات السكنية: فهى عبارة عن مجموعة من المباني السكنية (عمائر وأبراج) المتجاورة، التي تتوافر بداخلها خدمات، ولا يقتصر تواجد هذه التجمعات على المناطق السكنية الجديدة، وتتفاوت من حيث مستوى التشطيب والمساحات التي تتراوح بين 70متر مربع إلى  400 متر مربع.

4ـ وأخيرا التجمعات والمنتجعات المختلطة: فهي تشتمل على مساحة تضم نوعين من العقارات ما بين القصور والفيلات من ناحية، والمساكن العادية (أبراج ـ عمارات) من ناحية أخرى، فى تداخل ملحوظ مثلما هو الحال في مدينة الشروق، والعبور، وأكتوبر، والقاهرة الجديدة وغيرها من المدن الجديدة.

وقد استند هذا التقسيم على مجموعة من الاعتبارات أهمها: المساحة، ونوع الوحدات، وفترات الإقامة، والاستقلالية للوحدات. كما حددنا تمرحلا زمنيا time stages  لتكاليف الانتاج من ناحية، وإيرادات البيع من ناحية أخرى قائمة على التقسيم الزمني التالي :

الفترة الأولى: من عام 1980 حتى عام 1990. 

الفترة الثانية: من عام 1991 حتى عام 2000. 

الفترة الثالثة: من عام 2001 حتى عام 2011. 

الفترة الرابعة: من عام 2014 حتى عام 2022.

و يقصد  بالتمرحل الزمنى هو معيار للتقدير الحالي للوحدات السكنية، وفقاً لمتوسط أسعار الفترات الممتدة من عام 1980 وحتي عام 2010.

لقد بلغ حجم ما أنفقه المصريين على تلك الوحدات السكنية الفاخرة والشاليهات الساحلية خلال الفترات الثلاثة الأولى ( 1980ـ 2011) حوالى 415.0 مليار جنيه على  أقل تقدير ووفقا لأسعار تلك السنوات المتعاقبة (12)، أما الفترة الرابعة التى تولى فيها الجنرال السيسي الحكم، فإن الأسعار المطروحة بها تلك الوحدات وخصوصا فى عاصمته الإدارية سوف تقفز بالرقم إلى خمسة أضعاف الرقم الأول، وسوف تذهب أرباحها إلى المقاولين والسماسرة والشركة التي أنشأها الجنرال السيسي بالقرار الجمهوري رقم (57) لسنة 2016، التابعة لجهاز الخدمة الوطنية للجيش.

لقد شكلت الأراضي والمضاربة عليها أحد المصادر الكبرى لتحقيق الثروة والثراء فى مصر منذ مطلع التسعينات من القرن العشرين، سواء كان ذلك من خلال الحصول على تخصيصات للأراضي بمئات الأفدنة من هيئة التعمير والتنمية الزراعية التابعة لوزير الزراعة، أو بملايين الأمتار فى الأراضي التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة التابعة لوزير الإسكان والتعمير. ولعبت المجاملات والوساطات وشبكات المصالح الفاسدة، وقوة نفوذ بعض الشخصيات الموجودة فى الحكم، وفى الدائرة الرئاسية ذاتها دورا فى عمليات الفساد الواسعة النطاق. 

والحقيقة فإن من أوائل من دخلوا إلى هذا المجال منذ منتصف الثمانينات، كان علاء مبارك، النجل الأصغر للرئيس حسنى مبارك، ووفقا للرواية الشهيرة التى رواها وزير الإسكان الأسبق  المرحوم المهندس حسب الله الكفراوي، فقد فوجئ الرجل يوما بنجل الرئيس مبارك يدخل عليه مكتبه فى الوزارة طالبا منه الموافقة على الحصول على ألف فدان فى منطقة تقع على طريق القاهرة الإسماعيلية، وكان عدم استجابته للطلب سببا فى خروجه من التشكيل الوزاري فى أول تعديل جرى، وأتى بالدكتور محمد إبراهيم سليمان وزيرا للإسكان والتعمير والمرافق عام 1993، بعد أن جرى ضم وزارة التعمير والمرافق إلى وزارته ليصبح هو المسيطر الأكبر على مساحات شاسعة من الأراضي المصرية.

وقد انتبه الجنرال عبد الفتاح السيسي بمجرد توليه منصبه كرئيس للجمهورية فى يونيه عام 2014، إلى هذا المصدر الهائل للثروة فى مصر، وبدلا من استخدامها لتصحيح تلك الأوضاع الشاذة، واسترداد أموال الدولة من مغتصبي هذه الأراضي الذين هم من كبار رجال المال والأعمال ورجال الحكم والإدارة، والقضاة وغيرهم، حرص على أن يحصل لمؤسسة الجيش على حصتها من هذه الغنيمة الكبرى، فأصدر عشرات القرارات الجمهورية للاستيلاء على هذه الأراضي – كما عرضنا فى الصفحات السابقة – والضغط المحسوب على بعض ناهبي أراضي الدولة للحصول منهم على بعض المستحقات المالية.

هنا نعرض بعض تلك الحالات المعروفة فى نهب الأراضي، وبعض الإجراءات التى اتخذت بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، للتخفيف على الرأي العام الذى صدم بكشف مئات قضايا الفساد ونهب الأراضي، وذلك دون أن يمس جوهر عمليات الفساد، التى شاركت فيها هذه المرة مؤسسة عريقة من مؤسسات الدولة، تحت الإشراف المباشر للجنرال السيسي. 

ففى أعقاب ثورة 25 يناير عام 2011،  قامت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي – وهى جهاز الدولة المسئول عن إدارة واستغلال والتصرف فى الأراضي الصحراوية التي تخصص لأغراض الاستصلاح والاستزراع في المناطق التي تشملها خطة مشروعات استصلاح الأراضي، وفى أراضي طرح النهر وتمارس سلطات المالك فى كل ما يتعلق بشئونها – بحصر مساحات أراضي لشركات وأشخاص تبلغ نحو 26 ألف و767 فدان، تم تغيير نشاطها بطريقي مصر إسكندرية، ومصر – إسماعيلية. 

  وأكد اللواء محمد حلمي، رئيس هيئة التعمير والتنمية الزراعية بوزارة الزراعة وعضو لجنة استرداد اراضي الدولة، أن منطقة سهل الطينة بها مساحة 50 ألف فدان مقسمة إلى ثلاث مستويات، وقد أهتم صغار المزارعين بزراعة الأرض، بينما خالف كبار المزارعين بتحويل الأرض لنشاط الاستزارع السمكي. وقال في تصريح لـ ”الدستور” إن هيئة التعمير قررت سحب الأراضي من شركتين زراعيتين تعملان في شرق العوينات لم تستكمل عمليات الاستصلاح، بينما ثلاث شركات أخرى استكملت عمليات الاستصلاح.

واستعرضت اللجنة أيضا نتائج الموجة الحادية عشر لإزالة التعديات والتى أكد تقريرها قيام كافة المحافظات بتنفيذ المخطط المطلوب منها، من خلال متابعة وزارة التنمية المحلية برئاسة اللواء محمود شعراوي وتنسيق كامل بين وزارات الدفاع والداخلية وكافة المحافظات وجهات الولاية، وهو ما أسهم فى تحقيق المستهدف من الموجة خلال الفترة الماضية حيث تمت إزالة تعديات على 2 مليون و165 الف متر مربع أراضي بناء، و151 الف فدان أراضي زراعية.

وشدد رئيس اللجنة على استمرار موجة الإزالات خلال الفترة القادمة لاستكمال تنفيذ أعمال الإزالة مع قيام كل محافظة بوضع مخطط لاستخدام الأراضي التي تم استردادها فى نطاقها، سواء تخصيصها لمشروعات قومية أو خدمية أو الإعداد لعرضها فى مزادات علنية لبيعها وفقا للقانون.

 كما أعلنت الوزارة، ممثلة فى الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية، أنه تم بيع 39 قطعة بمساحة إجمالية تقدر بنحو 747 فداناً، بمبلغ 51 مليوناً و368 ألف جنيه، وذلك خلال آخر جلستين بالمزاد العلني الذى عقد بالمتحف الزراعي، والمخصص لبيع 7500 فدان ضمن أراضي مشروع تنمية سيناء بمنطقة بئر العبد، والمفتوح لأبناء جميع المحافظات.

هكذا أعيد بيع فدان الأرض بمبلغ يتراوح بين 50 ألف جنيه إلى 80.0 ألف جنيه، بينما كان جل رجال المال والأعمال ورجال الحكم والإدارة قد حصلوا على مساحات هائلة من الأراضي بسعر للفدان يتراوح بين 50.0 جنيها و 200.0 جنيها فقط لا غير في أكبر عملية نهب واستنزاف للثروة الوطنية من الأراضي.

والأن جاء من يستولى على الأراضي بمئات الآلاف من الأفدنة دون أن يسدد جنيها واحدا للخزانة العامة.

هذا المقال جزء من كتاب الدكتور عبد الخالق فاروق، الطريق المسدود ـ تقييم السياسات الاقتصادية للجنرال السيسي. وسيكون نشره علي عده أجزاء

الجزء الأول، الجزء الثاني، الجزء الثالث، الجزء الرابع

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close