fbpx
ترجمات

إيران والإمارات: النزاع على الجزر يُعقد الدبلوماسية الإقليمية

نشرت مجلة ريسبونسبل ستيتكرافت الأمريكية (فن الحُكم المسؤول)، وهي المجلة الإلكترونية لمعهد كوينسي، في  التاسع من أغسطس 2023 مقالاً بعنوان “النزاع على الجزر بين الإمارات وإيران يعقد الدبلوماسية الإقليمية”، لجورجيو كافييرو، الأستاذ  في جامعة جورج تاون، والباحث في مشروع الأمن الأمريكي، والرئيس التنفيذي لشركة جلف ستيت أنالتيكس، وهي شركة استشارية للمخاطر الجيوسياسية مقرها واشنطن العاصمة؛ قال فيه إنه على الرغم من أن النزاع بين الإمارات وإيران على جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى في مضيق هرمز يعقد الدبلوماسية الإقليمية، إلا أن مطالبات أبو ظبي بحقها في الجُزر “من غير المرجح أن تؤدي إلى مواجهة مباشرة بين البلدين”.

وجاء المقال على النحو التالي:

تصاعدت مؤخّراً حدة النزاع الإقليمي المحتدم منذ 52 عاماً بين الإمارات وإيران حول ثلاث جزر تقع بالقرب من مدخل مضيق هرمز.

وعلى خلفية توجه الإمارات ببدء تواصل حذر مع إيران في عام 2019 ثم قامت بإعادة إرسال سفيرها إلى طهران قبل عام، فمن المرجح أن تؤدي تلك التوترات المتفاقمة حول هذه الجزر – طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى – إلى تعقيد التقارب الإماراتي-الإيراني والدبلوماسية الإقليمية. ومع ذلك، فمن الواضح أن جميع الأطراف حريصة على الحيلولة دون خروج هذا التوتر عن نطاق السيطرة. ويريد كلا البلدين الحفاظ على الاستقرار في الخليج العربي.

ولكن هذا النزاع له خلفية تاريخية. حيث احتل البريطانيون الجزر خلال الفترة من عام 1908 حتى آخر نوفمبر من عام 1971، عندما قام شاه إيران آنذاك بنشر القوات البحرية لبلاده للسيطرة عليها في اليوم السابق لحصول الإمارات على استقلالها عن بريطانيا. ولطالما اعتبرت الإمارات العربية المتحدة والدول العربية الأخرى أن احتلال إيران للجزر غير قانوني، وهو ما ظلت ترفضه طهران وتعتبره مجرد “سوء فهم” من جانب الإمارات. وتعتقد إيران أن الغرب يشجع الإمارات على إثارة هذه القضية كجزء من الجهود الأوسع التي تقودها الولايات المتحدة للضغط على الجمهورية الإسلامية الإيرانية وإضعاف الموقف العسكري الإيراني في الخليج العربي.

ويؤكد المسؤولون في طهران أن الجزر كانت تابعة للإمبراطوريات الفارسية المتعاقبة، في حين يدعي نظراؤهم الإماراتيون أن التجار العرب حكموا طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى لعدة قرون قبل وصول البريطانيين إليها. والجزر الثلاث نفسها قاحلة. فطنب الكبرى وطنب الصغرى غير مأهولتين بالسكان، بينما يسكن جزيرة أبو موسى حوالي 2000 من السكان المدنيين بشكل دائم.

وفي الحقيقة، فإنه في عام 1972، كان هناك 800 من السكان الأصليين في أبو موسى، معظمهم من العرب المنحدرين من قبيلة القاسمي، لكن “عدداً قليلاً من العمال الإيرانيين غير المهرة وصلوا” إلى الجزيرة بعد استيلاء إيران عليها. وقد اشتكى السكان الإماراتيون في جزيرة أبو موسى من أن الحكومة الإيرانية قد غيّرت التركيبة السكانية للجزيرة من خلال نقل “المستوطنين” الإيرانيين إلى درجة أن عدد الإيرانيين أصبح يفوق الآن عدد المواطنين الإماراتيين والمغتربين في أبو موسى. وبحسب وسائل الإعلام في الإمارات فإن السلطات الإيرانية في أبو موسى تقوم بشكل روتيني بمضايقة الإماراتيين والمغتربين في الجزيرة لمحاولة الضغط عليهم للمغادرة.

كما تُعتبر الجزر ذات قيمة استراتيجية لكلا الجانبين بسبب موقعها بالقرب من مضيق هرمز. وأياً كانت الدولة التي تسيطر على طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، فإن بإمكانها السيطرة على الممرات البحرية الداخلة والخارجة من الخليج عبر مضيق هرمز. وخلال الحرب الإيرانية-العراقية (1980-1988)، استخدم الحرس الثوري الإسلامي جزيرة أبو موسى لشن هجمات خلال “حرب الناقلات” (1984-1988).

وبحلول عام 1992، بدأ الإيرانيون في جعل وجودهم العسكري على الجزر أكثر ديمومة. وفي ذلك الوقت، سعت أبو ظبي إلى التعامل مع هذه القضية من خلال إدخال إيران بشكل مباشر في محادثات ثنائية معها. ولكن بمحيء عام 2006، بدأت الإمارات في اتباع استراتيجية جديدة تهدف إلى تدويل النزاع. ومن خلال الاستفادة من عُزلة إيران النسبية على الساحة الدولية، حاولت أبو ظبي الحصول على دعم أكبر من الدول القوية لمطلبها.

لكن إيران ظلت متشددة في ادعاء سيادتها المطلقة على الجزيرة. وفي شهر سبتمبر من العام الماضي، قالت وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي الإماراتية ريم الهاشمي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: “لن نتهاون أبداً في التعبير عن مطالبتنا بهذه الجزر سواء من خلال المفاوضات المباشرة أو من خلال محكمة العدل الدولية، كحق مشروع لنا”.

دخول بكين وموسكو على الخط

وفي شهر ديسمبر الماضي، أصدرت الصين ومجلس التعاون الخليجي بياناً مشتركاً يدعو إلى الحاجة إلى تحقيق تسوية دبلوماسية لهذا النزاع، الأمر الذي أزعج المسؤولين في طهران الذين اعتبروا البيان تحدياً لسلامة أراضي إيران. واستدعت وزارة الخارجية الإيرانية سفير الصين في طهران للتعبير عن “استيائها الشديد”. وفي الشهر الماضي، أصدرت روسيا ومجلس التعاون الخليجي بياناً مشتركاً دعا أيضاً إلى تسوية النزاع على جزر أبو ظبي وطهران من خلال الدبلوماسية، وهي خطوة أدّت أيضاً إلى احتجاج رسمي مماثل من إيران على الرغم من العلاقات الوثيقة المتزايدة بين طهران وموسكو منذ اندلاع أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا.

وفي أوائل أغسطس، بدأ الحرس الثوري الإسلامي الإيراني مناورات عسكرية قبالة ساحل أبو موسى، على ما يبدو لإظهار استعداد البلاد للدفاع عن سيطرة طهران عليها. ونشر الحرس الثوري الإيراني الصواريخ والمُسيّرات والمركبات والطائرات والسفن لاستعراض عضلاته. ووفقاً لوسائل الإعلام الرسمية الإيرانية، فقد كشفت البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني النقاب عن سفينة قادرة على إطلاق صواريخ يبلغ مداها 372 ميلاً – وهي مسافة أكبر بكثير من صواريخ الفتح الباليستية الإيرانية وصواريخ كروز غدير المنتشرة بالفعل على الجزر.

وأثارت هذه التدريبات قلق العديد من الإماراتيين، واتهم بعضهم طهران بتقويض تحرك المنطقة نحو وقف التصعيد. وقال عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية الإماراتي، لريسبونسيبل ستيتكرافت: “أعتقد أن على الإمارات أن ترفع هذه المناورة العسكرية الاستفزازية وغير المسؤولة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لأنها تشكل تهديداً ليس فقط لأمن الخليج، ولكن أيضاً للأمن الدولي”. وأضاف: “هذا هو الوقت المناسب للذهاب إلى مجلس الأمن الدولي لأن الإمارات قد جعلت روسيا والصين تدرك الآن تماماً أنه يتعين على إيران حل هذا النزاع دبلوماسياً”.

لدى إيران ثلاثة دوافع رئيسية وراء استعراضها الأخير للقوة:

أولاً، تعمل الولايات المتحدة على تعزيز وجودها العسكري في مضيق هرمز وبالقرب منه بشكل كبير، ويبدو أن تدريبات الحرس الثوري الإيراني تهدف إلى إرسال رسالة إلى واشنطن مفادها أن إيران لن تسمح بأن تتعرض للترهيب. وقال أحمد أبودوه، الزميل المشارك في تشاتام هاوس في لندن، لمجلة ريسبونسيبل ستيتكرافت: “تريد إيران إنشاء قوة ردع ضد عمليات الانتشار العسكري الأمريكية الأخيرة في مواجهة تهديدات الحرس الثوري الإيراني في الخليج”.

ثانياً، تعرضت سياسة “التوجه شرقاً” المكثّفة التي ينتهجها الرئيس إبراهيم رئيسي لانتقادات من قبل العديد من الإيرانيين الذين يزعمون أنها قد “خلقت هذه الصورة أو ذلك التصور… بأن إيران تعتمد، إلى مستوى كبير غير مسبوق، على الصين وروسيا”، كما يقول حميد رضا عزيزي، الخبير في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين. وقال الخبير الإيراني لريسبونسيبل ستيتكرافت: “لذا، تريد إيران أيضاً أن تقول إن هذا غير صحيح. فإيران مستعدة للدفاع عن سيادتها وحقوقها الإقليمية في هذه الجزر الثلاث” رغم مواقف الصين وروسيا.

وفي مقابلة مع ريسبونسيبل ستيتكرافت، قال عبد الرسول ديفسالار من الجامعة الكاثوليكية في ميلانو إن طهران ترى أن “روسيا غير ذات صلة على الإطلاق” فيما يتعلق بوضع هذه الجزر الثلاث. وأضاف: “إن المناورة العسكرية الإيرانية هي إشارة أخرى من جديد لتأكيد ذلك. وأضاف أن الموقف الصيني مختلف إلى حد ما لأن الصين لديها نوع مختلف من النفوذ على إيران. ومع ذلك، فإن “الرد الإيراني متجانس إلى حد كبير فيما يتعلق بكل من هذين الفاعلين… فإيران لا ترى حقاً أي دور لتدخل قوى خارجية أخرى في هذه الحالة بالذات”.

ثالثاً، تبعث التدريبات برسالة واضحة إلى أبو ظبي وجيرانها العرب مفادها أنه على الرغم من التقارب الأخير بين الجانبين، والذي يعزوه الخبراء إلى حد كبير إلى حاجة طهران للتحايل على العقوبات الاقتصادية التي يفرضها الغرب وجذب الاستثمارات الأجنبية التي تشتد الحاجة إليها، فإن إيران ليس لديها أي نية لتخفيف موقفها بشأن الجزر.

وعلى الرغم من التحسن في العلاقات بين الإمارات وإيران منذ عام 2019، إلا أن هناك توترات كامنة لا تزال قائمة في العلاقات الثنائية بينهما، وكذلك في علاقات إيران مع المملكة العربية السعودية والكويت مثل نزاع حقل الدرة/آرش للغاز، على سبيل المثال. وستكون نقاط الخلاف المستمرة هذه بمثابة اختبار لتقارب طهران الأخير مع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.

وأوضح عزيزي ذلك بقوله: “فمن خلال إظهار القوة، تريد إيران التأكيد على أن … الدبلوماسية الإقليمية والرغبة في تحسين العلاقات مع الجيران لا يعني أن إيران ستتجاهل مطالباتها الإقليمية أو أنها ستكون أكثر تنازلاً بطريقة أو بأخرى حول هذه القضايا”. وأضاف: “لكن، من ناحية أخرى، هذه علامة أخرى على أن اتفاقيات التطبيع … يمكن أن تكون مجرد بداية لعملية طويلة ومعقدة. إن مصادر الخلافات والاختلافات بين إيران وجيرانها معقدة ومتعددة المستويات. وببساطة، لا يمكن لاتفاق دبلوماسي أن يزيل تلك القضايا بين عشية وضحاها”.

وتُبرز التوترات حول هذه الجزر الثلاث هشاشة العمليات الدبلوماسية الجارية في الشرق الأوسط. لكن الخبراء لا يتوقعون أن تؤدي ادعاءات إيران والإمارات حول هذه الجزر أو استعراض إيران للقوة إلى أي مواجهة مباشرة بين البلدين. وقال أبودوه إن طهران وأبو ظبي “يبدو أنهما يفصلان التقارب الدبلوماسي الثنائي عن قضية الجزر”. وأضاف: “منذ تبادل السفراء العام الماضي، تم تصميم الاتصالات المنتظمة بين الجانبين لإقامة حواجز حول النزاع على الجزر والحيلولة دون تأثيره على جوانب التحسن الأخرى في العلاقات”.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close