fbpx
سياسةترجمات

تقييم سياسة ملكية الدولة في مصر: التحديات والمتطلبات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

عقد مركز مالكولم إتش كير كارنيجي للشرق الأوسط ومعهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط حلقة نقاش عامة، يوم الخميس الموافق 18 مايو 2023، شارك فيها مجموعة من خبراء الاقتصاد والسياسة الدولية المهتمين بالشأن المصري، وهم إسحاق ديوان، مدير الأبحاث في مختبر التمويل من أجل التنمية؛ وروبرت سبرينجبورج، الباحث في المعهد الإيطالي للشؤون الدولية والمدير السابق لمركز الأبحاث الأمريكي في مصر؛ وحفصة حلاوة، التي تعمل كمستشارة مستقلة في مجال التنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والقرن الأفريقي والباحثة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط؛ وكذلك يزيد صايغ، كبير الباحثين في مركز مالكولم إتش كير كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت، صاحب كتاب “مُلاك الجمهورية” الذي يعتبر مرجعاً لكل من يسعى إلى فهم الاقتصاد العسكري في مصر.

وقد أدار المناقشة تيموثي كالداس، نائب مدير معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط.

ألقت هذه الحلقة النقاشية بالغة الأهمية الضوء، وبدرجة كبيرة من العمق في التحليل والتشريح، على واقع جانب مهم من الاقتصاد المصري يتعلق بهيكل ملكية الاقتصاد المصري وأصوله، والعلاقات المتشابكة المتعلقة بذلك، وخرجت بعدد من النقاط الجوهرية شديدة الأهمية.

وقد نشر مركز كارنيجي الشرق الأوسط وكذلك معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط مقدمة مهمة قبيل انعقاد المناقشة، ومصاحبة للفيديو الكامل للندوة والذي نشر لاحقا، وقد جاءت على النحو التالي:

بعد مرور أكثر من 30 عاماً على إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي والتحول الهيكلي في عام 1991، والذي كان من المفترض أن يقوم بخصخصة جزء كبير من الاقتصاد المملوك للدولة في مصر، لا تزال التدخلات الحكومية من خلال القوانين واللوائح تستشري على نطاق واسع، لدرجة أنها تحدد بالفعل مستوى وتكوين الناتج في العديد من القطاعات الاقتصادية، حتى تلك التي يمتلك فيها القطاع الخاص حصص أغلبية. وفي يونيو 2022، كان يبدو أن الحكومة المصرية على استعداد لتغيير هذا: فقد أصدرت مسودة سياسة ملكية الدولة المصممة كخريطة طريق للدولة من أجل “التخارج” من عدد من القطاعات الاقتصادية، وتقليل دورها في بعضها، وزيادة دورها في البعض الآخر بعد.

جاء توقيت إصدار الوثيقة للتأثير على مفاوضات الحكومة بشأن الحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي، وهو الرابع الذي تحصل عليه من الصندوق منذ عام 2016. ولكن، لا القرض الأول الذي بلغ 12 مليار دولار، ولا التخفيض المصاحب لقيمة الجنيه المصري بنسبة 50% استطاعا أن يُصلحا نقاط الضعف الأساسية في الاقتصاد المصري أو يُحسّنا من وضع صادرات البلاد.

ونتيجة لذلك، عندما طلبت الحكومة المصرية قرضاً جديداً من صندوق النقد الدولي لمساعدتها في مواجهة الأزمة المالية والاقتصادية الحادة في أوائل عام 2022، طالب الصندوق بإصلاحات هيكلية من شأنها أن تمهّد مجال العمل للقطاع الخاص المحلي وتمكّن من تحقيق مكاسب في الإنتاجية والمدخرات المحلية و الفائض والاستثمار. ومنذ ذلك الحين، أكدت الحكومة المصرية على سياسة ملكية الدولة التي أصدرتها كمعيار هيكلي لبرنامج قروض صندوق النقد الدولي، وأعلنت عن الخصخصة الجزئية لعشرات من الشركات المملوكة للدولة.

ولكن، هل هذه الإجراءات كافية لمعالجة مشاكل مصر الاقتصادية؟ وهل المتحصلات التي تجمعها من بيع الأسهم في بعض الشركات المملوكة للدولة الأكثر ربحية ستعوض خسارة الإيرادات الحكومية منها؟ وهل توقعات الحكومة وصندوق النقد حول زيادة الاستثمار واقعية؟ وما مدى احتمالية التزام المستثمرين الخليجيين بضخ أموال بالقدر الذي تسعى إليه مصر؟ وما هي انعكاسات سياسة ملكية الدولة (وبرنامج قرض صندوق النقد الدولي) على الدور البارز للجيش المصري في الاقتصاد؟

المناقشة

بعد تقديم ضيوفه المشاركين معه في هذه الندوة، أشار تيموثي كالداس إلى أن هذه المناقشة تأتي في سياق خلاصات وافية عن الموضوع نشرها يزيد صايغ، الذي وصفه بأنها مرجعية لأي شخص يسعى إلى فهم الاقتصاد العسكري في مصر، مع مجموعة من الاقتصاديين في مركز كارنيجي الشرق الأوسط حول سياسة ملكية الدولة والتحديات التي تحيط بتنفيذها، وبهذا الشكل يكون المشاركون في المناقشة قد ساهموا أيضاً في تقديم هذه الخلاصات، حول الموضوع محل النقاش.

ويُذكر أن مركز كارنيجي الشرق الأوسط قد أورد هذه الخلاصات من خلال خمس مقالات نشرها على موقعه مؤخراً لمجموعة من الاقتصاديين البارزين، وذلك على النحو التالي:

1- يزيد صايغ، “سياسة ملكية الدولة والاقتصاد العسكري في مصر: فجوة عصيّة على الرأب”، (الرابط)

2- روبرت سبرينجبورج، “الاستثمار في مستقبل مصر أم بيع الأصول الوطنية؟”، (الرابط)

3- إسحاق ديوان، “هل مصر أكبر من أن تفشل أم أكبر من أن تُنقذ؟”، (الرابط)

4- عمرو عادلي، “مشكلة الاقتصاد المصري في حشد القطاع الخاص وليس مزاحمته” (الرابط)

5- حفصة حلاوة، “الاستثمار الخليجي في مصر: إرساء التوازن بين الحاجات المتبادلة” (الرابط)

في البداية، توجه كالداس بسؤاله الأول إلى إسحاق ديوان، حول التساؤلات المهمة التي أثارها الأخير في مقاله الذي نشره على موقع مركز كارنيجي الشرق الأوسط:

تيموثي كالداس: لقد أثرت في مقالك أسئلة مهمة حول مدى واقعية توقعات الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي من حيث معدلات الاستثمار من جانب توقعات الحكومة أو معدل النمو، وماذا يمكن أن يعني هذا بالنسبة لفرص السيطرة على الأزمة الاقتصادية في مصر، وما مدى القلق حول هذه التوقعات؟

إسحاق ديوان: يمكننا أن نبدأ بالتذكير بأن معدل النمو في مصر كان منخفضاً نسبياً في العقد الماضي، 3.5%، مقابل 5.5% في عام 2010، مع الأخذ في الاعتبار أن النمو ضروري جداً في مصر لخلق فرص عمل لجميع الشباب القادمين إلى السوق، والحد من الفقر، وأيضاً وبشكل متزايد لخدمة ديونها المتصاعدة. ومن الواضح بالتأكيد أثر الصدمات التي تعرض لها الاقتصاد في مصر في السنوات الأخيرة، مثل تفشي فيروس كورونا، الذي تلته حرب روسيا وأوكرانيا، ثم جهود مكافحة التضخم، لكن هناك المزيد من الأسباب الهيكلية التي كانت وراء انخفاض النمو في مصر، بالإضافة إلى حقيقة أنه في العقد الماضي تم الحفاظ على نسبة نمو أعلى بسبب اكتشافات الغاز التي من غير المحتمل أن تحدث في المستقبل من جديد.

وكان الانتعاش المؤقت للاقتصاد يعود فقط إلى إنفاق الدولة على البنية التحتية في السنوات الأخيرة، وليس على استثمار القطاع الخاص وتصديره، وكان هذا هو الحال لفترة من الوقت. ولم يحل برنامج صندوق النقد الدولي الكبير المصاحب لقرض الـ 12 مليار عام 2016 هذه المشكلة، لكنه بدلاً من ذلك أعطى ختم الموافقة على مزيد من القروض، حيث سمح لمصر بالخروج إلى السوق واقتراض أكثر من مائة مليار دولار من الخارج وأكثر بكثير داخلياً، وأدى ذلك إلى تأخير الإصلاح بدلاً من الاستثمار في زيادة الطاقة الإنتاجية للبلاد. وهذا الوضع غير قابل للاستمرار، فارتفاع الدين الخارجي لم يقابله ارتفاع في التصدير وبالتالي القدرة على خدمة هذا الدين، وعاجلاً أم آجلاً كان من المحتم أن ينهار هذا البيت من الورق، وهو ما حدث مؤخراً مع هذه السلسلة من الصدمات.

وما يحدث الآن هو تكرار لأزمة عام 2016، فليس هناك دخل كاف من العملة الصعبة لسداد قيمة الواردات، وسوق المال الذي دأبت مصر على الاعتماد عليه لم يعد متاحاً كما كان من قبل حيث أصبحوا لا يأخذون على محمل الجد تلك “المعدلات المتوقعة” للنمو، ونتيجة لذلك لا يمكن الوصول إلى سوق رأس المال، وبالتالي لا يمكن إعادة تمويل الديون المستحقة، لذا يدفع ذلك الحكومة إلى تخفيض الواردات، وهو ما يؤدي إلى تأجيج حالة الركود، وبالتالي يدفع إلى مزيد من خفض قيمة العملة، والذي بدوره يخلق التضخم ويمكن أن يؤدي لتفاقم المشاكل الاجتماعية.

وبالتالي فهناك تخوفات إذا لم تكن تلك التوقعات للنمو ذات مصداقية فسيدخل الاقتصاد في دائرة من الهبوط وأوضاع أسوأ في المرحلة القادمة. وفي ظل حديث الحكومة عن إصلاح السياسة الاقتصادية، والكفيل بجعل هذه التوقعات في واقع الأمر أكثر مصداقية، فإذا لم يتطور الإصلاح الهيكلي بسرعة بحيث يجعل معدلات النمو المتوقعة هذه أكثر واقعية، فإن مصر ستستمر في المعاناة من ضغوط السيولة الذي تعيشه في هذه المرحلة، حيث قد تحتاج مصر إلى حوالي 20 مليار دولار سنوياً. ولأن لديها اقتصاد ضخم للغاية، فعادةً ما يكون قادراً على جمع هذا القدر من المال؛ ولكن إذا لم يتم حل المشاكل المشار إليها بمرور الوقت، فمع هذا الهيكل الاقتصادي الضعيف، ستتفاقم هذه المشاكل إلى حالة الإعسار التي وصل إليها مسار لبنان.

ولذلك أصبحت كيفية إيقاف هذا الهبوط الآن أمراً محورياً؛ وخاصة ضرورة الحصول على المزيد من المحركات لهذا الاقتصاد، وزيادة معدل الاستثمار لدى القطاع الخاص، والذي انخفض إلى مستوى تاريخي في هذه المرحلة، وفي نفس الوقت تقليل التوتر الاجتماعي من خلال بعض تدابير الحماية الاجتماعية الفعّالة، وليس فقط من خلال بيع “مجوهرات العائلة”، أي الأصول العامة المربحة، والتي قد لا تكون أيضاً كافية لتدرّ الدخل المطلوب، فيبقى الحال كما هو. لذلك أعتقد أن هذا ما نتحدث عنه اليوم هو كيفية إصلاح السياسة بطريقة يمكن أن توقف النزول بشكل موثوق وتضع مصر على مسار نمو موثوق.

بعد ذلك توجه كالداس بالحديث إلى روبرت سبرينجبورج، مؤكداً في البداية أن الوضع الذي تواجهه مصر الآن مقلق:

تيموثي كالداس: ولكن على ذكر “مجوهرات العائلة” التي ذكرتها بالفعل في مقالك، فقد تحدثت عن قضية بيع الأصول العامة، وأنها ليس فقط مجرد أشياء ثمينة يتم تصفيتها، ولكن أيضاً كونها مصادر مهمة لإيرادات الدولة المصرية؛ وإذا واجهنا مشاكل في النمو في مصر، فإنه لأن مصر تنفق بالفعل نصف إيراداتها على خدمة الديون، فهل يمكنك أن تحدثنا قليلاً عن بعض الشركات التي يتم بيعها والآثار المترتبة من ذلك على إيرادات الدولة في سياق كل هذه التحديات وما يمكن أن يعنيه هذا بالنسبة للدولة المصرية في ظل معدل إنفاقها الضخم؟

روبرت سبرينجبورج: سأتناول في مقدمة موجزة جداً مسألة “مجوهرات العائلة”، وهي في الأساس عملية للمواءمة، جاءت من صندوق النقد الدولي الذي من الواضح أنه لم يكن يرغب في تخصيص أموال كبيرة في إطار قرض آخر لمصر، ولذا فقد كان الصندوق بمثابة الوسيط للتوفيق بين عدة دول خليجية من جهة ومصر على الجانب الآخر وهكذا لديك كل من المشترين المترددين والبائع المتردد، وأود أن أقول أن هذا الوضع قد يشبه بشكل كبير وضع لبنان، حيث كانت دول مجلس التعاون الخليجي تدعم العجز اللبناني لسنوات ثم قررت أخيراً أنه لم يعد يستحق، وفعلت ذلك جزئياً بسبب تغيير هيكلي في دول مجلس التعاون الخليجي، وهو أنها نوعاً ما أصبحت تتبع استراتيجية شبيهة بالاستراتيجية الإسرائيلية للقفز خارج منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فهم يطورون أنفسهم ويرون أنه يمكنهم الارتباط بالعالم أكثر من حاجتهم للارتباط بدول الشرق الأوسط، حيث لم تعد الحوافز الجيوسياسية لمستثمري دول مجلس التعاون الخليجي المحتملين كما كانت من قبل.

وعلى الجانب المصري، كان الإحجام عن البيع يرجع بشكل كبير إلى أن “مجوهرات العائلة”، أو تلك المشروعات المربحة، هي جزء مهم جداً من الاقتصاد السياسي العام لمصر، وهذا أمر اقتصادي و سياسي، من بين أمور أخرى. فبعض هذه الشركات، خاصة في القطاع المالي، هيأت ثلاثة بنوك وشركتا تأمين فرصة لمصر لتزوير الدفاتر، بحيث اقترضت هذه المؤسسات دولياً بالعملة الأجنبية ولم تظهر ديونها في الحسابات القومية لأنها مملوكة لتلك الشركات المعينة. لذلك رأينا في الأسبوع الماضي أن كلاً من وكالة فيتش ووكالة موديز قد خفضتا تصنيف ثلاثة من البنوك الرئيسية بسبب مركزها السلبي لصافي الأصول الأجنبية، مما يعني أنها تدين بعملات أكثر بكثير مما هي عليه في الواقع.

وتلك اللعبة بالتحديد مستمرة منذ سنوات، وليس فقط أنها مكنت مصر من عدم الكشف عن الحجم الحقيقي لديونها الخارجية، بل أن هذه المؤسسات المالية كانت تقدم أموالاً ضخمة للحكومة نفسها، من حيث شراء الأسهم ودعم المؤسسات المملوكة للدولة، وما يقارب ثلث إجمالي الأصول ذهب إلى قروض على الشركات، بالإضافة إلى أن شركات التأمين، مصر لتأمينات الحياة ومصر للتأمين، ما يقرب من 50% من أصولهما هي ديون سيادية لمصر، حيث بحكم ملكيتها لهذه المؤسسات المالية استطاعت الحكومة المصرية أن تخفف أعباء ديونها. وبحكم الأرباح التي تجنيها عن طريق عملها من خلال البنوك وشركات التأمين، فهي بمثابة “مجوهرات عائلية” تدفع أرباحاً فعلاً بينما في نفس الوقت تتستر على إجمالي مديونية مصر.

لذا، فلا عجب في أن تجد الحكومة مترددة في البيع، خاصة أن هناك مجالات أخرى للشركات المملوكة للدولة حساسة بالنسبة لمصر، أحدها هو قطاع السياحة، حيث تقوم الحكومة حرفياً ببيع “مجوهرات العائلة” من أشهر الفنادق في البلاد، وليست فقط أنها ذات قيمة تاريخية بل لها قيمة عقارية، وبالتالي يمكن عمل المزيد من التشييد في هذه المناطق لتوسيع حجم هذه الفنادق بشكل كبير بحيث تكون هذه أصول مربحة للغاية، وتشمل أشهر الفنادق التاريخية في البلاد، مثل أولد كتراكت، ووينتر بالاس الأقصر، ومينا هاوس. وبحسب أحد التقارير، سيتمكن المشترون من بناء فنادق جديدة على أراضٍ قيّمة مجاورة للفنادق القائمة. ولذلك تشعر مصر أنها اضطرت لبيعها تحت الضغط بأقل من قيمتها الحقيقية.

وفي ظل بدء تعافي السياحة، كان من المفترض أن تدر تلك المشروعات عائدات كبيرة، لذا فمن الواضح أن المصريين مترددون في البيع. لكن في الأسبوع الماضي فقط تم خفض تصنيف أربعة بنوك مصرية في ظل مديونيتها ونقص غطاء العملة الأجنبية، مما يوحي بأن مصر الآن محشورة في الزاوية وأنها ستجد نفسها مضطرة لتجرع العلقم؛ فالمبيعات حتى الآن كانت فقط لحصتين صغيرتين نسبياً، منها حصة في المصرية للاتصالات. ولكن المشكلة الحقيقية لم تأتي بعد، وأن القطاع المالي هو مفتاح ذلك فقط، ويبدو أننا نتحرك في هذا الاتجاه، لذا ستجد مصر نفسها مرغمة على البيع تحت الضغط من قبل الخليج، ولا يبدو أن هناك أي طريقة للتغلب على ذلك حتى الآن.

ثم وجه كالداس دفّة الحديث إلى حفصة حلاوة للحديث عن أهم أسباب إحجام الدول الخليجية عن إجراء  تقدم ملموس بخصوص هذه المبيعات، والخلافات الرئيسية بينها وبين مصر في هذا الصدد:

كالداس: على الرغم من إحجام مصر عن البيع والشك حول أنهم يتعرضون لضغوط لدرجة قد تدفعهم للمضي قدماً في هذه المبيعات في نهاية المطاف، فلدينا أيضاً مجموعة مترددة من المشترين أبرزها من دول الخليج، كما أشرتِ في مقالك بهذا الخصوص، برنامج صندوق النقد الدولي يعتمد إلى حد كبير على جذب تمويل إضافي في شكل مبيعات لأصول مصرية عامة لمشترين خليجيين وحتى الآن رأينا القليل جداً من هذه المبيعات تتحقق، هل يمكن أن تعطينا فكرة عن بعض الأسباب الرئيسية من منظور العواصم الخليجية وراء عدم تقدم هذه المبيعات، وما هي الخلافات الرئيسية بين مصر وشركائها الخليجيين؟

حفصة حلاوة: قد يتحدث الكثيرون عن حجم ونوع الأصول المصرية المعروضة للبيع، ولكن تجدر الإشارة إلى أن جميع المصالح والأصول المحتملة التي هي الآن على الأقل في إطار المفاوضات مع الدول الخليجية لم تأت ضمن القائمة الأصلية التي أصدرها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي. فهذه الشركات تمت إضافتها عبر سلسلة من الزيارات والتفاعلات والمناقشات بين الجانبين.

يُذكر أن السيسي وصل اليوم إلى السعودية لحضور قمة جامعة الدول العربية. قد يركز الكثيرون على القضايا الجيوسياسية والإقليمية حول ذلك الأمر، لكن هذه الزيارة في الحقيقة تمنح السيسي وقتاً وفرصة أخرى للانخراط مع، إن لم يكن مناشدة، حلفائه وشركائه في دول الخليج للحصول على مزيد من الدعم بشكل ملموس. وكما أشرت في المقال، حتى لا أكرر نفسي، أن الحصص المطروحة للبيع من الـ 32 شركة المملوكة للدولة (تتراوح من 10% إلى 40%) لا تكفي لجذب دول الخليج، فتلك الدول تريد التملك والإدارة والسيطرة، على نحو فعال، ليكون لديهم القدرة على التحكم في نتائج ومسارات هذه الشركات، ويريدون علامة على ذلك، انسحاباً حقيقيا من جانب الدولة من الاستثمارات يُظهر أن مصر على الطريق الصحيح، وليس مجرد محاولة للسيطرة على هذه المشكلة الحالية.

في الحقيقة تعيش مصر أزمة أسوأ بكثير من تلك التي شهدتها عام 2016، وهي مؤشر فقط على طبيعة سياسة ونوايا النظام المصري. فلنكن صريحين في ذلك، فقد تحول كثير من الشك جراء ما حدث في 2016 من جانب دول الخليج إلى إحباط حقيقي، إن لم يكن غضباً صريحاً من جانب تلك الدول. وعندما تتحدث على انفراد إلى مسؤولين وخاصة من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فإنك تجد أنهم غاضبون بشكل لا يصدق من الطريقة التي انتهينا إليها هنا وكيف انتهى الأمر بمصر إلى هذا الوضع. وأبعد من ذلك، فما نراه حقاً هو انهيار كامل للثقة بين هذه البلدان ومصر.

وحقيقة أن مصر لم يتم مطالبتها مباشرة بالإنفاق بشكل صحيح، إلا أن الحكومة يجب أن تكون حكيمة في إدارتها المالية، لتكون قادرة على تنفيذ السياسات التي كانت كفيلة بأن تجعلها أكثر ازدهاراً، وأكثر قدرة على التصرف، وأكثر نجاحاً عن واقعها الحالي بكثير. وأشخاص مثلي ومثلك، تيم (تيموثي كالداس)، عاشوا في مصر لسنوات عديدة يعرفون كيف يتم حماية المصالح السيادية، وحماية الثروة السيادية داخل القيادة في المؤسسة العسكرية. ولنكن صريحين بأن تآكل الثقة هذا قد أدى إلى قيام دول الخليج بتقديم قائمة مستحيلة من الشروط، من نفس نوع الشروط التي طُلب من مصر تنفيذها من قبل من العديد من الشركاء على مدى عدة سنوات. حيث يتم الاحتجاج بآثارها المدمرة على المواطنين إذا تم تنفيذها، فهو طريق كارثي على البلاد والمواطنين، الأغنياء والفقراء، الذين يعيشون هناك. ولذلك، فهناك حسابات سياسية كبيرة للنظام في الداخل، وهذا هو السبب في رؤية هذا التحدي الهائل من إدارة السيسي والنظام العسكري، وكذلك في هذا الانفصال التام عن الواقع في الموقف الذي يتخذه رئيس الوزراء وحكومته.

وللعودة إلى النقاط الأولية التي أثارها إسحاق عن الواقعية، فنحن نعلم والمصريون على الأرض أيضاً يعرفون، أن هذا الوضع هو قمة جبل الجليد، ولا توجد طريقة أخرى، فهناك في الأفق مزيد من التراجع عن الوضع الحالي المتدهور، حتى لو هناك تخفيض في قيمة العملة، وحتى لو حصلت مصر على مزيد من الاستثمارات، وما إلى ذلك، فمصر حقاً في مفترق طرق الآن، والسؤال هو من يتحرك أولاً (مصر أم دول الخليج، للخروج من حالة الجمود الحالية). الحقيقة هي أن على الحكومة المصرية أن تبادر بالتحرك، فلا سبيل للخروج من هذا الأمر بغير ذلك، وإذا لم يفعلوا، فإننا نتجه إلى أوضاع كارثية تماماً على الأرض.

تم وجّه كالداس دفّة الحديث إلى يزيد صايغ، للحديث عن الواقع حيال المطالبات الدولية بتخفيض دور الجيش في الاقتصاد، فهل العسكر فعلاً يبطئون من أنشطتهم الاقتصادية، أم أنهم يواصلون تنمية أعمالهم، غير مبالين بتلك المطالبات:

تيموثي كالداس: بالتأكيد تبدو الإحباطات واضحة على المسؤولين في دول الخليج، وتظهر حتى في تصريحاتهم العامة. لقد تحدثوا بشكل متزايد للصحافة عن حقيقة أنهم لن يعودوا إلى تحرير شيكات على بياض للحكومة المصرية أو غيرها، والإحباط واضح في ذلك تماماً. وبرنامج صندوق النقد الدولي حدد الكثير من التغييرات المحددة والمهمة للغاية التي يتوقعون رؤيتها في هذا البرنامج في خلال 46 شهراً، حيث يريدون أن يروا كبح النشاط الاقتصادي للقطاع العام، وقاموا بتسمية شركات مملوكة للجيش على وجه التحديد على أنها بحاجة إلى كبح جماحها. أريد أن أتحدث معك، يزيد، عن هذا الأمر، هل هناك أي مؤشر في الأشهر الستة الماضية على أن الحكومة تقوم بالفعل بمرحلة انتقالية؟ هل هناك علامات على أن الجيش يبطئ من أنشطته الاقتصادية أم أنهم يواصلون تنمية أعمالهم؟ هل يمكنك توضيح الآثار المترتبة على احتمالات عدم تنفيذ الاتفاقية، ومدى فعاليتها، حال تنفيذها، في السيطرة على الوضع؟

يزيد صايغ: تشير جميع المؤشرات التي تتبعتُها حتى الآن إلى استمرار الاستثمار العسكري ودخول خطوط إنتاج جديدة، ومصانع جديدة، بل وتمتد إلى مجالات جديدة، بما في ذلك قطاعات مهمة، من المفترض أن تتخارج الدولة منها، بموجب وثيقة سياسة ملكية الدولة. لذلك يبدو أن الجيش يتجاهل تماماً كل هذا، أو على الأقل يعتقد أنه يجب أن يستمر في العمل كالمعتاد، حتى يتم اتخاذ قرار حكومي كبير بشأن أي من هذه الأصول أو القطاعات؛ وهذا هو ما يحدث الآن.

ولكن الأمر المهم للغاية، كما أعتقد، هو أننا نرى بوضوح مساراً مستمراً لزيادة أنشطة الجيش الاقتصادية والنهم المتزايد بين مختلف فروع الجيش للانخراط في الأعمال التجارية في مصر. فخلال العام الماضي، على سبيل المثال، ومنذ أن تم وضع سياسة ملكية الدولة الجديدة لأول مرة في شكل مسودة، وعندما بدأ رئيس الوزراء مدبولي الحديث عن خريطة جديدة لعلاقات القطاع الخاص بالدولة، في ذلك الوقت تم تعيين أدميرال لهيئة تصنيع جديدة يبدو أنها ملحقة بالبحرية المصرية، وهو مؤشر على أن البحرية المصرية حصلت في تلك الأثناء على امتياز تجاري خاص بها.

وفي نفس الوقت، تم تداول تقارير تكشف عن دور هيئة حكومية لم نكد نسمع عنها من قبل، “الجهاز الوطني للإدارة والاستثمار”، الذي استحوذ على عدد من الفنادق المرموقة في السوق المصري، ويبدو أنه ذراع وزارة الدفاع. ومن الغريب أنه بالنسبة للجهاز الوطني للإدارة والاستثمار لا يوجد أي خبر في الجريدة الرسمية عن قرار إنشائه يمكن لي أو لغيري أن يطلع عليه، ولكن هذا أيضاً مؤشر على دخول الجيش في قطاع السياحة المربح بشكل واضح. وتدير القوات الجوية مشروعاً لاستصلاح الأراضي بمساحة مليوني فدان غرب الدلتا.

وأرى أن هذا يدل على أن كل فرع من فروع القوات المسلحة له نصيبه في الانخراط في النشاط الاقتصادي، ليس آخرها حصول وزارة الإنتاج الحربي على عقد إدارة حديقة الحيوان بالجيزة، فالجميع يريد دوره الخاص في ذلك. وقد بدأ هذا التوجه منذ فترة، منذ أن نشرت بحثي الموسّع حول تشريح الاقتصاد العسكري في عام 2019، حيث جادلت فيه بأن هناك بالفعل مؤشرات على ارتفاع وتيرة هذا الاقتصاد العسكري، فهناك نوع من الاندفاع الشديد من مختلف رواد الأعمال العسكريين نحو الانخراط في الاقتصاد. ولأن حساباتهم غامضة وغير شفافة وغير متاحة في العلن في واقع الأمر، ناهيك عن البرلمان ومعظم الجهات الحكومية، فهذا يعني أننا لا نستطيع أن نحكم على مدى فعاليتها.

وقد أشرت من قبل إلى الهيئات العسكرية غير المسجلة رسمياً كشركات تمارس الأعمال، وهذا مهم لأن هيئات عسكرية مثل “الهيئة الهندسية للقوات المسلحة” والأجهزة التابعة لها مثل: الأشغال العسكرية، المساحة العسكرية، المياه، والمشروعات الكبري، وما إلى ذلك، تسهم، من وجهة نظري، بالنسبة الأكبر من إجمالي الدخل العسكري، مقارنة بالشركات المسجلة رسمياً، وهي تلك الشركات التي تنخرط  في الغالب في مجالات التصنيع والزراعة، وفي بعض خدمات المقاولات والاستيراد. وتقديري أن إجمالي مبيعاتها متواضع، مقارنة بحجم الأموال التي تديرها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وغيرها من أجهزة القوات المسلحة التي تضطلع بمشاريع إنشائية تقدّر قيمتها بمبالغ ضخمة، ممولة من القطاع العام، بما في ذلك مشاريع البنية التحتية والإسكان، خاصة بالعاصمة الإدارية الجديدة، التي ربما استوعبت أكبر حصة من الدين المحلي والأجنبي حتى الآن.

وبالإشارة إلى ما ذكره روبرت (سبرينجبورج) عن البنوك، حيث يكون الدين نوعاً ما مخفياً بشكل ما، فيبدو أن هذا ما يفعله العسكر في العاصمة الإدارية الجديدة، حيث يمتلكون 51% من الشركة التي تتولّى أعمال بناء العاصمة الإدارية الجديدة. فعندما يجلبون شركات العقارات المطورين في المشروع، فهم إما يدفعونهم إلى استثمار أموالهم الخاصة، أو، حينما يضطرون إلى الاقتراض، فإن الجيش لا يوفر لهم أي أموال مقدماً، لكنه يعيد توجيههم إلى البنوك، وبالتالي فإن الجيش لم يدفع بالفعل مقابل النفقات، بقدر ما يمكننا أن نرى أن كل العاصمة الإدارية الجديدة لم تُدرّ بعد دخلاً، حيث هناك حاجة إلى إنهاء المرحلة الأولى من البنية التحتية أولاً لإتمام الإنشاءات؛ وبالتالي، فهناك حاجة إلى مزيد من الأموال، وهذا يأتي من البنوك على ما يبدو، مما يعني أن أكبر مالك للعقارات في العاصمة الإدارية الجديدة، وربما في المدن الجديدة الأخرى، هي البنوك؛ وإذا لم يؤتي هذا ثماره، فيصبح لدى البنوك الكثير من رؤوس الأموال “الميتة”.

وبالعودة إلى برنامج صندوق النقد الدولي، فقد وعدت الحكومة المصرية في مذكرتها في نوفمبر صندوق النقد الدولي بتنفيذ أو تطبيق جميع قواعد تدقيق التقارير المالية وشفافية الحوكمة وما إلى ذلك، والتي من المفترض أن تنطبق على قطاعات الدولة عبر جميع الهيئات العامة والشركات المدنية، وستطبق هذه القواعد نفسها بالكامل على الشركات العسكرية، وهذا أمر بالغ الأهمية، وهي أخبار مرحَّب بها أو على الأقل تصريحات مرحَّب بها للغاية، ولكنها تستبعد جميع الهيئات العسكرية النشطة في الاقتصاد والتي لم يتم تسجيلها رسمياً كشركات.

وكملاحظة أخيرة هنا، فإنه على سبيل المثال، عندما تقوم هيئة الإمداد والتموين بالقوات المسلحة أو بعض الإدارات العسكرية الأخرى باستيراد كميات كبيرة من الدواجن أو اللحوم المجمدة مستوردة من بلغاريا من البرازيل وأماكن أخرى لإغراق السوق بها بأسعار رخيصة، جزئياً لأنهم يريدون إبقاء الأسعار منخفضة لأسباب سياسية، وهو ما يريده السيسي أيضاً؛ ولكن بالطبع فإن ما يفعلونه هنا هو أنهم يقوضون منتجي القطاع الخاص الذين يعانون من الافتقار إلى الواردات التي يحتاجون إليها مثل العلف للحفاظ على الإنتاج وللحفاظ على أسعار منتجاتهم المحلية منخفضة بما يكفي لتحملها في السوق.  لذلك فهناك ضربة مزدوجة من حيث الأضرار التي لحقت برواد الأعمال من القطاع الخاص، ولكن هذا أيضاً مجال لا يشمله التزام الحكومة المصرية تجاه صندوق النقد الدولي.

تيموثي كالداس: القطاع الخاص يكافح بالتأكيد للتنافس مع الجيش نظراً لمجموعة المزايا المنافية لقواعد المنافسة التي رأيناها منذ عدة سنوات، ويبدو أن هناك القليل من المؤشرات على أن الجيش سيتحرك في اتجاه الامتثال الفعلي مع هذه الاتفاقية، ولديه الكثير من السبل المختلفة للتهرب منها. بالعودة إليك يا بوب (روبرت سبرينجبورج) للحديث عن أنه في حالة بيعه على الأقل على الجانب المدني لبعض مصادر الدخل الرئيسية هذه لجمع العملة الصعبة التي تتطلبها مصر، هل هناك أشياء يمكن فعلها لتقوية التمويلات الحكومية، حيث أنها تفرغ مصادر الدخل لتحسين ميزان الحساب الجاري للبلاد، هل هناك قطاعات مناسبة للاستثمار أو غيره من أشكال الدعم، وهل هناك مجالات تحسن فيها القدرة الضريبية بحيث يمكن أن تساعد في سد العجز أو على الأقل تقليله؟

روبرت سبرينجبورج: فيما يتعلق بالعجز المالي الذي هو “دين محلي” بشكل كبير، هناك مجال أوسع قليلاً فيما يتعلق بجانب الإيرادات، وكما ذكرت للتو، تيم، فإن الموقف الضريبي هو أحد المساهمين الرئيسيين في مشكلة هذا العجز المتزايد، بالنظر إلى الاعتماد الكبير على الضرائب غير المباشرة التي أقرها البنك وصندوق النقد الدولي، مثل ضريبة القيمة المضافة، حيث كانت النسبة المئوية لإجمالي الإيرادات الحكومية من خلالها في ارتفاع مطرد، في حين أن الضرائب المباشرة على أرباح الشركات والدخل والعقارات كانت تتناقص.

وبالتالي فإن العبء الضريبي غير عادل بشكل كبير ويؤدي إلى تفاقم العديد من الاتجاهات الأخرى التي تساهم في تزايد عدم المساواة والفقر في البلاد. لا يحتاج الأمر إلى ثورة للبدء في التحول إلى نظام ضريبي أكثر تقدماً، مما يجعل تقليص العجز المالي ممكناً ربما مرة أخرى، على الأقل لجذب بعض الأموال الساخنة التي هربت من البلاد بمثل هذا الحجم الكبير على مدى السنوات القليلة الماضية. من ناحية الإنفاق، لا تتمتع الحكومة بقدر كبير من الحرية، والسيسي قال بنفسه إنه سيقلل قدر الأموال التي يتم إنفاقها على بعض المشاريع (الدولارية)، والتي من المفترض أن يحقق ذلك بعض المدخرات. وتم تقليص الإنفاق على التعليم، والصحة والخدمات الاجتماعية، في الميزانية؛ وقد تم بالفعل التقليل بشدة في الإنفاق على جوانب مختلفة من أوجه الرفاهية، حيث انخفضت تدريجياً كنسبة مئوية من الميزانية ومن حيث الحصص لكل باب في تلك المخصصات؛ بجانب الاعتماد بالفعل على السياسة الضريبية لمواجهة عجز الحساب الجاري.

ولكن الأمر الأكثر صعوبة هو أن هناك مشكلة تتفاقم بحكم حقيقة أن واردات مصر تضم بنسبة عالية جداً قدراً من السلع الوسيطة، ومنها على سبيل المثال الأعلاف الحيوانية، وبالتالي فعندما تمنع استيراد السلع الوسيطة هذه كعلف الحيوانات والدواجن، فستحدث عواقب وخيمة على القطاع الإنتاجي بأكمله. وقد حدث ذلك بالفعل حيث ارتفعت أسعار اللحوم والدواجن بشكل كبير، وارتفعت أيضاً أسعار البيض بشكل كبير. وهنا دخل الجيش ليسد هذا الفراغ، ولكن هذا لا يعالج المشكلة الأساسية.

إن إحدى الطرق التي يمكنك من خلالها البدء في معالجة الخلل في الحساب الجاري هو محاولة القيام بعمل شيء لتقليل الاعتماد على السلع الوسيطة. وبمعنى آخر، أن يكون في مصر تكامل في الإنتاج بشكل أكثر فعالية. فعلى سبيل المثال، دخل المغاربة في صناعة السيارات منذ حوالي عقد من الزمان، وكان المصريون قد دخلوا في صناعة السيارات في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي؛ ولكن، كانت نسبة المدخلات المنتجة محلياً في صناعة السيارات المغربية أضعاف مثيلتها في مصر، على الرغم من هذا التاريخ الطويل لمصر والتاريخ القصير للمغرب في هذا النشاط.

وإذا كان برنامج الخصخصة قد سعى إلى معالجة هذه المشكلة، القطاعات الاقتصادية المجزأة، من خلال بيع أسهم هذه الشركات للأفراد، سواء كانوا مصريين أو غير ذلك، والذين كانوا سيشاركون بعد ذلك في توسيع شبكات الإنتاج داخل قطاعات معينة، فقد كان من الممكن أن تقطع شوطا ما في معالجة هذا الأمر. ولكن بدلا من ذلك، ما هي حقيقة برنامج الخصخصة الذي يتم تحت رعاية صندوق النقد الدولي؟ إنه ببساطة مجرد تدافع للحصول على العملات الأجنبية، وليس هناك أي شيء على الإطلاق في إطار البيع لمستثمري دول مجلس التعاون الخليجي، بأن ذلك سيعالج مشكلة قطاعات الإنتاج غير المتكاملة والاعتماد الشديد على السلع الوسيطة المستوردة.

لذلك، فإن هذا التدافع اليائس للحصول على العملات الأجنبية يجعل الأمر أكثر صعوبة من معالجة المشاكل طويلة الأجل، ولن يكون الأمر سهلاً على الإطلاق، في الوقت الذي يقع رصيد الحساب الجاري في مصر تحت تهديد خطير. لقد تم تجاوز الأمر حقل غاز ظُهر، ولن تعود طفرة الغاز الكبيرة من 2002 إلى 2008 مرة أخرى. وإذا نظرنا إلى قطاعات التصدير الأخرى، بما في ذلك الأسمدة والأسمنت، فهي تحتوي مكونات كربونية بشكل كبير في مصر، وفي غضون خمس سنوات سيفرض الاتحاد الأوروبي تعرفة جمركية على الواردات عالية الكربون، حيث تعد مصر مثالاً بارزاً فيها. لذا، فإن التوقعات طويلة الأجل لميزان الحساب الجاري هي سلبية بكل تأكيد، ما لم يتم القيام بشيء لدمج بعض القطاعات الإنتاجية في بعضها البعض؛ وكان برنامج الخصخصة الأخير فرصة للقيام بذلك، ولكن يبدو أنها قد ضاعت.

تيموثي كالداس: أيضاً لأن الصراع بالنسبة للكثير من الفاعلين الصناعيين في مصر قد تم تضخيمه من خلال النظام الجمركي المعقد، فمن الصعب جداً نقل البضائع داخل وخارج مصر بطريقة فعالة، حيث يستغرق الأمر أسابيع لتخليص الجمارك، عندما تسير الأمور على ما يرام. وبغض النظر عن ذلك، فإن الحكومة تحاول خنق الواردات، وقد ساهم ذلك أيضاً في صعوبة التوصيل بسلاسل التوريد العالمية، بالإضافة إلى فرصة زيادة وتوسيع قاعدتها الصناعية، لذا أريد، يزيد، أن تحدثنا عن بعض الأشياء التي قد تتمكن مصر من القيام بها لتحسين وضعها أو تقليل نقاط ضعفها. أردت أن أتحدث إليكم حول ما يمكن أن تفعله الجهات الفاعلة الأخرى للمساعدة في تشجيع عملية الإصلاح هذه، وذلك في ضوء التعقيد المتمثل في كيفية جعل الجيش يقلل من أنشطته الاقتصادية. كما أشرت إلى أن هناك الكثير من التحديات في إخراجهم من هذه الأنشطة، بل إن هناك أنشطة يتم توسيعها حالياً.

فهل هناك مجالات محددة يجب على صندوق النقد الدولي وشركاء مصر الدوليين الآخرين البحث عنها في إطار توقعات محاولة الهروب من التزامات الاتفاقات الحالية، وهل هناك أي معايير هيكلية محددة يمكن أن يقدمها صندوق النقد الدولي والتي يمكن أن تساعد ربما في منع محاولات التهرب تلك من الآن فصاعداً، كما يخطط البنك الدولي والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير لجلب عدة مليارات من الدولارات لتمويل مساعدة القطاع الخاص في مصر على توسيع أنشطته. فهل هناك شروط أو خطط يمكنهم تقديمها من شأنها أن تساعد في تقييد التجاوزات الاقتصادية للجيش لخلق مساحة أكبر للقطاع الخاص التنافسي في مصر؟

يزيد صايغ: أريد أن أبدأ بالقول إنني لا أريد، ولا أعتقد أنه يجب دائماً النظر إلى المشكلة على أنها كيفية إخراج الجيش من الاقتصاد تماماً وبكل بساطة. فالقيام بذلك يتطلب في الأساس جهود ضخمة من الناحية السياسية لن تحدث، والجيش الآن في مسار تصاعدي توسعي. لذلك أعتقد أنه يجب اختيار المعارك بشكل أفضل، فبدلاً من التركيز على ذلك، سأركز على ضرورة إخضاع أعمال الجيش في المجال المدني لقواعد الشفافية والمحاسبة والحوكمة، وما إلى ذلك، مثل أي فاعل مدني آخر يخضع لها في نفس المجال.

ولهذا السبب التزمت الحكومة المصرية في الواقع بفعل ذلك تماماً فيما يتعلق بالشركات العسكرية في تعهدهم الأخير لصندوق النقد الدولي. لقد قمت بنشر ورقتين في العام الماضي بهما توصيات كثيرة بهذا الخصوص، واحدة كانت موجهة إلى الحكومة المصرية بشكل أساسي والأخرى إلى صندوق النقد الدولي مباشرة. حيث اقترحت أنه بدلاً من محاولة تفكيك كل أعمال الجيش في الاقتصاد، ولا أريد أن نعتقد أن كل ما يفعله الجيش هو بالضرورة سيئ أو مضر بالاقتصاد في حد ذاته. في الحقيقة، تنبع الكثير من المشاكل الحقيقية من نهج السيسي في الاستثمار الذي تقوده الدولة، وليس كل ما يفعله الجيش تماماً، على الرغم من أن الشهية العسكرية بالطبع تعمق وتعزز ميول السيسي أيضاً.

فلديك بالفعل مجموعة من الأشياء التي تقوم بها مجموعة واحدة من الشركات: حيث أعتقد أن الجيش ينخرط في بعض الأنشطة التي قد تكون جيدة أو مشروعة؛ على سبيل المثال، في مجال الصناعات الدفاعية، والتي يمكن الاحتفاظ بها وحتى ترقيتها مع تركيز مناسب، واستثمار مناسب، وممارسة تجارية مناسبة.

والمجموعة الثانية من شركات الجيش ستحتاج إلى إعادة الهيكلة، وهنا أريد تقديم توصية أعتقد أن قبولها سيكون بنّاءً أكثر، وهو أن هناك حوالي 20 إلى 32 شركة عسكرية مختلفة مسجلة أساساً بشكل أو بآخر مثل شركات القطاع العام، وبالتالي فهي تخضع بالفعل “شكلياً” لنفس القواعد مثلها مثل بقية شركات القطاع العام. وتكون هذه الشركات في كثير من الحالات مزدوجة النشاط، فهي تقوم بالإنتاج المتعلق بالدفاع وأيضاً بالأنشطة المدنية، والتوصية الأساسية ستكون في التخلص من النشاط المدني لهذه الشركات ووضعه تحت عنوان مختلف، ربما حتى شركات مختلفة، وإنشاء حد فاصل واضح بين النشاطين: العسكري والمدني، بحيث يمكن أن يخضع هذا الجانب المدني لقواعد الإفصاح المالي والشفافية، وما إلى ذلك.

والمجموعة الثالثة من الشركات، حوالي الثلث، وهي تلك الشركات المملوكة في الغالب من قبل جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، وتتبع بالتالي وزارة الدفاع وفي كثير من الحالات غير مسجلة كشركات قطاع عام، ولم يزعج أحد أبداً نفسه بتسجيلها بشكل صحيح، وليس لديها قواعد تشغيل واضحة. وهكذا يمكن أن يتم تحويل هذه الشركات قطاع عام، ومن ثم يتم إدخالها في نفس الإطار، كما هو الحال في المجموعة الأولى، لأن معظم هذه الشركات في الواقع، مجموعة شركات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، لا تفعل شيئاً ضمن الصناعات الدفاعية، لكنها أنشطة مرتبطة تماماً بالمدنيين، ولذلك يجب وضعهم ببساطة في نفس السلة مثل باقي شركات القطاع العام المدني.

أعتقد أن هناك أشياء كثيرة من هذا النوع التي يمكن المشاركة فيها بطريقة مثمرة، ولا يتعلق الأمر بأخذ كل شيء من يد الجيش. وهذا يأخذني إلى نقطتي الأخيرة وهي أنه بينما ضغط صندوق النقد الدولي بقوة من أجل سن قانون موحد للتوريدات العامة من شأنه أن يؤثر على جميع الهيئات، والتي يجب أن يخضع لها الجيش فيما يتعلق بجميع مشاريعه وأنشطته المدنية، فإن القضية الرئيسية بالنسبة لي هي الشفافية وتدقيق دفاتر الإفصاح وما إلى ذلك. التقارير المالية هذه هي الأشياء المطلوبة عندما يتعلق الأمر بالشؤون المدنية التي ينبغي أن تكون منفتحة 100% وخاضعة للوائح العادية للدولة، بدلاً من التركيز على قضايا الملكية لتلك الشركات.

ففي حالة وجود خصخصة مرة أخرى، فلست ملتزماً أيديولوجياً بالخصخصة، ولكن إذا كان هناك ما يجب القيام به، فمن الأفضل أن يتم ذلك من خلال البورصة المصرية التي تتمتع بسمعة طيبة وستطلب إفصاحاً مالياً مناسباً، بدلاً من البيع لمستثمرين مجهولين، وحيث تتم إدارة الأصول من قبل الصندوق السيادي في مصر، مما يضع الدولة في الواقع تحت السيطرة الفعلية، وتجنب إخفاء بعض الممارسات السيئة مثل الديون المعدومة، وما إلى ذلك، التي تقوم بها هذه الشركات.

وهذا جزئياً هو السبب في أن الشركتين العسكريتين الوحيدتين اللتين تم تسجيلهما رسمياً للاكتتاب العام خلال آخر ثلاث سنوات ونصف، لم يتم شيء بخصوصهما؛ وهنا يجب أن يتساءل المرء عن سبب عدم حدوث أي شيء حتى الآن في هذا الخصوص، وأعتقد أنه بسبب الفوضى الهائلة التي يواجهونها، من حيث الدفاتر والمحاسبة الداخلية وغيرها.

تيموثي كالداس: أشاركك وجهة النظر حول أهمية تقنين أنشطة الجيش أكثر من إيقاف أنشطتهم الاقتصادية بشكل كامل. في العام الماضي أيضاً، في التوصيات التي طرحتها، كان تركيزي على الشفافية، وعلى الالتزامات الضريبية، والتأكد من أنهم يخضعون لنفس قواعد العمل بدلاً من استخدام المجندين كعمالة كما يفعل بعضهم، وأشياء من هذا القبيل. أعتقد أنها ستكون خطوة مهمة للحد من كونهم قوة خارج نطاق المنافسة في الاقتصاد وأيضاً أقل استنزافاً لموارد الدولة، كما هو الحال حالياً، وفرصة لتقديم التزاماتهم (الضرائب) للدولة لأنهم منخرطون في نطاق واسع من الأنشطة دون دفع الضرائب الواجبة بالشكل المطلوب. تواجه الدولة، كما ذكر بوب (سبرينجبورج) مشكلة خطيرة من حيث قدْر عائدات الضرائب.

في حديث لي مع خبير اقتصادي سياسي، دون ذكر اسمه لأسباب واضحة، عبرت عن شكوكي حول مدى اهتمام دول الخليج بصدق حول إذا ما كان الجيش منخرطاً في الاقتصاد من عدمه؛ وقد جادل هو بأن هذا قد لا يكون أبداً داخل نطاق اهتمامهم الرئيسي. ولكني أردت أن أسألك حفصة كيف يتم ذلك؟ ما الذي يريده الخليج لمعرفة نوع الخطوات التي يمكن أن تتخذها مصر لإعادة بناء الثقة مع شركائها من دول الخليج، حيث تحدثتِ عن أن هناك أزمة ثقة بينهم الآن، وأنهم بعد أن فعلوا كل ذلك تجاه مصر، أصيبوا بخيبة أمل كبيرة من الطريقة التي تُستخدم بها الأموال التي تم استلامها من الخليج على مدى السنوات الماضية. ما الذي يمكن أن يحدث؟ وما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها لإعادة بناء تلك الثقة؟ وما الذي قد يكون الخليج منفتحاً عليه؟ وبالإضافة إلى شراء الأصول، هل لا تزال هناك رغبة في أن يكونوا أكثر سخاءً فيما يتعلق بشروط الإقراض وآجال استحقاق الديون الحالية؟

حفصة حلاوة: أنا لا أختلف بالضرورة مع الملاحظات التي ذكرتها حول شكوك دول الخليج أو موقف دول الخليج من انخراط الجيش في الاقتصاد وحجم ذلك، فالأمر حقاً يتجاوز ذلك كله، لقد وصلنا إلى لحظة لم تعد فيها دول الخليج تعتقد أن هناك إرادة سياسية داخل هذه القيادة لتغيير أي شيء، وهذا هو سؤال وجودي أكبر بكثير من مجرد إرسال بعض المال هنا أو هناك، وقد أوضح زملائي كيف حدث هذا ووصلنا لهذا الوضع، فالكل يعلم من هو المسؤول عن توزيع الأدوار والقوة الحقيقة في البلاد هي سبب حدوث ذلك.

فعلى مدى السنوات العشر الماضية، كانت هذه حالة من محاولة اكتساب الشرعية السياسية وخشية رفض المؤسسة العسكرية لدعمك أو الإطاحة بالسلطة، فكل شيء اتجه لترسيخ تلك السلطة وإضفاء الشرعية عليها بطريقة معينة في هذا البلاد. وبالنسبة لأولئك الذين لم يمتثلوا لذلك، فقد رأينا هؤلاء الجنرالات يتعرضون لحملات تطهير وإقصاء، كونهم لم يتماهوا مع السلطة.

وليس الأمر فقط يتعلق بالجيش الذي يريد كعكته، فقد تم الاستيلاء على استثمارات القطاع الخاص والمشاريع المخصصة له، فهناك شبكة أعمق. وتلك المراسيم التي صدرت، فليس الأمر متعلقا فقط باستخدام المجندين ولكن أيضاً الإعفاءات الضريبية والمنشآت والإسكان مما جعل المؤسسة تصبح دولة داخل دولة وهذا ما نحن عليه الآن. في لقاء غير رسمي عقدته مع مصرفي مصري عندما كنت في مصر قبل ثلاثة أسابيع أو نحو ذلك، قال لي: لو أنك تريد أن تُظهر لدول الخليج أنك جاد، لا تمنحهم بنوكاً صغيرة و نسب 10 أو 20 من الأسهم، بل اعرضها كاملة عليهم.

أما بخصوص السؤال المتعلق بما يمكن للمصريين فعله أو ماذا تريد دول الخليج أو لماذا تطالب دول الخليج بهذا أو ذاك أو تختار شركاتها، أعني أن على المرء أن يسأل نفسه، كما يقول أحدهم من الإمارات، لماذا يجب على تلك الدول أن يضخوا كل هذه الأموال في البلد الذي طالبوه كثيرا بالتزامات لم يلقي لها بالاً؟ وهذه بالتأكيد هي الرسالة التي أحصل عليها من المسؤولين السعوديين الذين تحدثت إليهم بعد الاجتماع الذي عُقد في يونيو بين ولي العهد والسيسي في القاهرة، يقولون لقد طلبنا ذلك ولم يفعل شيئاً؛ لذلك نحن فعلاً وصلنا إلى نقطة نقول فيها لماذا يجب أن نساعدهم بصدق.

ومن منظور دول الخليج، إلى أي مدى تكون هذه مسألة تتعلق بالأمن القومي، والعوائد على الاستثمار، والأسباب الكامنة وراء قيامهم بما يفعلونه، لكن هناك حدود دنيا، فلن تتخلى عن مصر بهذا المعنى، لتصل للحالة اللبنانية. فالحدود التي قد تصل إليها قد تصل إلى فقدان القدرة على السداد، في ظل استمرار الافتقار إلى الإرادة السياسية من الرئاسة والنظام.

بالنسبة للدول الخليجية، الأمر لا يتعلق بمنحهم بنكاً أكبر أو بيعهم بنكاً بدلاً من آخر، أو أشياء من هذا القبيل، فالمشكلة أعمق بكثير من ذلك، وقد رأيناها من قبل، ليس فقط في لبنان، ولكننا رأيناها أيضاً في السودان قبل خمس سنوات، ورأيناها في سياقات أخرى؛ فعندما يريدون الانسحاب فإنهم ينسحبون. والمصريون لم يفهموا حقاً ما يعنيه ذلك وكيف يمكن أن يكون هذا الأمر حقيقياً بالفعل، وهذا في الحقيقة سؤال يمكن توجيهه للنظام المصري أكثر منه لأي شخص آخر.

تيموثي كالداس: أعتقد أنه من الواضح حقاً أن الخليج يعيد هيكلة العلاقة مع جميع الذين كانوا يقدمون لهم الدعم المالي، ومن ما سمعته أيضاً أن أحد الأسباب وراء ذلك هو مطالبة شعوبهم بمزيد من المساءلة عن الطريقة التي يتم بها إنفاق هذه الأموال، فالخليج في الواقع أصبح يقترض الأموال أحياناً، والآن السعودية هي أكبر مُصدر لسندات الأسواق الناشئة في العالم اليوم، وكان هناك تراجع عن بعض الامتيازات الحكومية المقدمة للمجتمع؛ ولذلك عندما يرون المليارات ذاهبة إلى مصر، ويرون الحكومة المصرية تنفق تلك الأموال بهذه الطريقة الطائشة، فالناس يريدون إجابات، يريدون أن يفهموا لماذا يجب أن تستمر تلك الأموال في التدفق لهذه الحكومة.

أعتقد أنه تم سؤالي في الماضي عن طريقة التفكير الحكومي المصري، فقلت إنهم يعتقدون أنهم أكبر من أن يفشلوا. ولكنهم قد لا يفهمون أن اعتقادهم أن مصر أكبر من أن تفشل لا يعني الاستمرار في هذا الوصول السهل إلى الائتمان. ولهذا أريد أن أتحدث معك إسحاق، فلديك معرفة أكثر بالآليات المتاحة في النظام المالي الدولي، بالنظر إلى ديون مصر. وفي مقالتك، تطرح أسئلة حقيقية حول مدى القدرة على تحمل هذا الدين، وكنت أتساءل ما الذي يمكن فعله في هذه المرحلة لجعل ديون مصر تحت السيطرة لجعلها أكثر قابلية للإدارة.

هل هناك دور يمكن أن تلعبه المؤسسات المالية الدولية في إعادة هيكلة هذا الدين و / أو هل هذا الأمر غير واقعي في ظل حقيقة أن الكثير من هذا الدين خارج نادي باريس وخارج مجموعة الدول الصناعية السبع، من قبل صندوق النقد الدولي، من قبل دول الخليج، في الصين ومدى حقيقة مخاطر التخلف عن السداد؛ هل هذه المرة مصر أكبر من أن تفشل أم أكبر من أن تُنقَذ؟

إسحاق ديوان: بعيداً عن الجدال حول مقولة “مصر أكبر من أن تفشل”، يجب أن نركز قليلاً على الشعب المصري؛ بدءاً من مسألة الديون، حيث في الواقع معظم الديون المصرية محلية، وليست خارجية، ربما 25% منها فقط ديون خارجية. إنها مشكلة دين محلي بالفعل، ومع هذا الخفض الكبير لقيمة العملة المصرية لأكثر من 50%، فقد دُمرت مدخرات الشعب المصري ومعاشاتهم بالنظر إلى القيمة الحقيقية لها بمقدار النصف للمرة الثانية في غضون عقد من الزمن، وهذه هي المأساة الحقيقية.

فإذا عمل الناس بجد وراكموا الأموال واقترضتها الحكومة واستخدمتها للاستثمار في مشاريع غير منتجة، ولا تسمح للقطاع الخاص بالانخراط في الاقتصاد والتطوير، وكل 10 سنوات يتم السطو بهذه الطريقة على المدخرات، فماذا عساه يكون الحال؟. ما يحتاجه هذا البلد ليس شيئاً معقداً للغاية، فالمخرج هو إيجاد قطاع خاص وطني ديناميكي لم يُسمح له أبداً بالنمو منذ الثمانينيات وحتى قبل ذلك. وحتى إبّان فترة السادات كان الانفتاح جزئياً وليس شاملاً.

فالدولة تريد إدارة القطاع الخاص، حيث تخشى وجود قطاع خاص مستقل، من منظور سياسي؛ لذلك، فهي تريد إدارة للقطاع الخاص يمكن التحكم فيها، سواء كان ذلك من خلال أصدقاء مبارك من قبل أو الجيش اليوم كما يعلم الجميع. إن عملية بيع الأصول المربحة ليس كافياً حتى؛ إننا نريد نموذجاً اقتصادياً جديداً، وأن يكون لدينا قطاع خاص تنافسي مستقل، يمكن أن تعمل في إطاره دول مجلس التعاون الخليجي والجيش؛ ويتم بيع الأسهم بشكل تنافسي؛ ويتم السماح بالفعل لطبقة قومية برجوازية رأسمالية للظهور.

لذا، فإني أعتقد أن الأمر أكبر بكثير من مجرد معرفة المدى القصير لتوفير العملة الصعبة اللازمة للتعامل مع الأزمة، ولكن ما إذا كان النظام قادراً على غرس بعض الثقة في السكان بمصر؛ وأعتقد أن هذه هي القضية الحقيقية المطروحة.

تيموثي كالداس: ربما يكون من الأفضل توجيه هذا السؤال إلى يزيد، حيث يسأل أحد جمهورنا عما إذا كان بإمكاننا، ذلك من الناحية الفنية، أن نقول إن الجيش يمتلك 51% من شركة العاصمة الإدارية الجديدة، نظراً لوجود جنرالات متقاعدين في مجلس الإدارة ولكنهم غير مرتبطين بوزارة الدفاع، وإذا كان الأمر كذلك، فهل نشهد نوعاً من تمدين الشركات والأصول العسكرية إذا لم تكن جزءاً من مؤسسة الجيش بشكل رسمي، ولكن تُدار وظيفياً من قبل الضباط المتقاعدين، أعتقد أنك كتبت عن هذا النوع من الغموض، فيما يتعلق بالأعمال التابعة للضباط المتقاعدين والأشياء من هذا القبيل، وربما يمكنك توضيح ذلك.

يزيد صايغ: كل ما رأيته يشير إلى أن وزارة الدفاع تمتلك 51% من شركة العاصمة الإدارية الجديدة، وليس لدي معلومات أكثر من ذلك. وأنا بصراحة لا أعتقد أن وجود عدد من الجنرالات المتقاعدين في مجلس الإدارة سيشكلون أماناً كافياً للجيش لحصته؛ وفي هذه الحالة بالذات، هذا قد لا يعني ذلك أنهم يحتفظون بحقوق الملكية بأسمائهم الشخصية، فهذا ليس في الواقع ما يحدث، على الرغم من أنه قد تكون هناك حالات أخرى مثل “الجهاز الوطني للإدارة والاستثمار” التي ذكرتها سابقاً، (ولا يوجد قرار رسمي لإنشائه نُشر في الجريدة الرسمية)، حيث يمكن أن يكون هناك شيئ له وضع قانوني غامض يتصرف نيابة عن الجيش دون أن يكون مملوكاً رسمياً له أو معترفاً به من قبل الجيش.

ومع ذلك، فيسعدني إعادة النظر فيما قلته إذا كانت هناك معلومات فعلية عن ذلك. وبالحديث عن الجيش، فهناك أحد الأسئلة الأخرى من بين أسئلة الجمهور أود الإجابة عليها، فالسؤال هو إذا خرج الجيش تماماً من الاقتصاد، فأنت تعلم تماماً ما هو التأثير الذي قد يحدث على الأسعار، هل سترتفع وما إلى ذلك، وهل سيكون هناك اضطراب كبير في السوق؟ وللإجابة على ذلك، أريد أن أؤكد مرة أخرى أنه عندما نتحدث عن الجيش، يجب أن نكون حذرين للغاية فيما ننسبه إليه من حيث التأثيرات، أو من حيث كيفية دفعه للاقتصاد، فمن المؤكد أنه اكتسب شهية خاصة به، ويدفع ويفعل الأشياء من تلقاء نفسه، ولكن معظم هذه الأمور قد تطور في سياق رئيس قادم من الجيش.

فمنذ عام 2014 طور السيسي رؤية خاصة لكيفية دفع عجلة النمو في مصر، وكيفية توليد الوظائف، وكيفية توليد الإيرادات للدولة، لذلك، فقد صاغ استراتيجية للاستثمار تقودها الدولة يدعو فيها إلى الاستثمار الخاص، ولكن تحت سيطرة الدولة بشكل كبير، ويكون الجيش بوضوح هو أداته لتنفيذ ذلك. النقطة التي أريد أن أوضحها هنا هي أنه نظراً لأن السيسي كان حريصاً جداً على القيام باستثمارات ضخمة، والقيام بهذه الأشياء في عجلة شديدة، دون تحليل مناسب للتكلفة وبدون دراسات جدوى، كما يتفاخر بذلك علناً، فما توصلنا إليه هو أن هناك الكثير من الاستثمار المهدر، أعني، في الحقيقة، من منظور اقتصادي، أو حتى من منظور لوجستي. ففي ظل الاختناقات المرورية في وسط القاهرة، هل كان الحل هو إنشاء عاصمة جديدة بالكامل ضرورياً حقاً؟ وهل كان إنشاء شبكة الطرق على هذا النطاق ضرورياً حقا في هذا الوقت؟

الأمر هو مدى حساب الأولويات في كل قرارات الاستثمار وحجم تلك الأعمال، لكن تلك الأشياء تتم على نطاق واسع دون دراسة جدوى، لذلك هناك استثمار ضخم في عدد قليل من القطاعات، مع حرمان قطاعات أخرى بالكامل من الاقتصاد، هذا هو النهج بأكمله.

لذلك، فهذا الأمر لا يخص الجيش فقط في حد ذاته، على الرغم من أن الجيش جزء من هذا، ويستفيد منه، وربما يريد الحفاظ عليه. والمشكلة ليست في مدى تأثير الجيش على الأسعار أو في توافر السلع المعروضة للجمهور، وما إلى ذلك، أو على التوازن المناسب بين العرض والطلب والسماح لقوى السوق بالعمل، والسماح للقطاع الخاص بالعمل، وجميع المشاكل الأخرى، فهناك هيئات للدولة مهمتها تنظيم التسعير وتنظيم الواردات للمواد الغذائية وما إلى ذلك.

ومرة أخرى لا يمكن تبسيط الأمر في مجرد انخراط الجيش في الاقتصاد أو خروجه منه؛ فالأمور أكبر من ذلك هنا، حول السبب وراء إدارة الاستثمار بالطريقة التي يتم بها.

تيموثي كالداس: أعتقد أن هذه نقاط حاسمة حقاً، على الرغم من أنها قد تعقد الصورة قليلاً. والآن عندي سؤال أعتقد أن يكون لدى حفصة وإسحاق اهتمام بالإجابة عليه، في ضوء تجربتهما: إلى أي مدى يمكن النظر إلى بيع الشركات المملوكة للدولة، كملكية عامة، إلى صناديق الثروة السيادية لدول أخرى، كوسيلة للخصخصة؟ أدعوكما للتعليق على ذلك، وبالطبع هناك أسئلة أخرى، لذلك إذا استغرق كل واحد منكما دقيقتين إلى ثلاث دقائق في الإجابة، فسيكون ذلك رائعاً، ربما نبدأ معكِ يا حفصة.

حفصة حلاوة: سأترك هذا السؤال لإسحاق للرد عليه، حيث يوجد سؤالان من المشاركين لفتا انتباهي: أحدهما عن إحجام دول الخليج عن الاستثمار في مصر لدعم النظام في القاهرة. والمسألة الأخرى هي موضوع الدمقرطة.

والسبب في رغبتي في معالجة هاتين المسألتين هو أنه من تنقلي في عواصم معينة في المجتمع الدولي وبين مجتمع مراكز الأبحاث والفكر في العديد من الأماكن على مدى سنوات، وجدت أن هناك تردد حقيقي في تغيير النموذج الذي نحن عالقون فيه، عندما يتعلق الأمر بمصر، في عام 2013، ومن نواح كثيرة مع الخليج نحن عالقون في عام 2018.

فهذه ليست هي نفس الأنظمة الخليجية كما كانت عندما بدأت حرب اليمن، وهذا ليس هو الزعيم السعودي نفسه كما رأيناه في 2018. فهذه الأنظمة تتغير بسرعة وتتطور بسرعة إن القيادات هناك سريعة النضج، على وجه الخصوص القيادات الشابة جداً في المملكة العربية السعودية وقطر، لذلك تتغير السياسات، ويمكن أن تتغير بين عشية وضحاها، وتتغير بشكل كبير، بحيث تكون فكرة دول الخليج هي هذا الكيان، مجلس التعاون الخليجي، الذي يتبنى نفس السياسة تجاه مصر، كونهم جميعاً متعاونين مع بعضهم البعض، لكن الواقع هو أن مصالحهم الوطنية تملي عليهم ما هو النهج الذي يتبنونه لمواجهة مشكلة ما، أو يتبنوا نهجاً مشتركاً.

وعندما تنظر إلى نظام السيسي في القاهرة، فالناس في المجتمع الدولي عالقون في عام 2013، حيث الفكرة السائدة هي الأمن الاقتصادي مقابل التحول الديمقراطي، أو الاستقرار والأمن مقابل الفوضى.

ما يجب أن نفهمه أنه مع مسألة التحول الديمقراطي بصفة عامة هو أن المصريين تخلوا عن عمد عن فرصة لتعزيز برنامج التحول الديمقراطي، ليس بسبب التهديدات والانتهاكات الأمنية الكبيرة ولكن في المقام الأول بسبب الأمن الاقتصادي. والآن، أصبحت تلك العلاقة منقسمة بشكل لا رجعة فيه، واعتباراً من الآن، ما يتعين علينا القيام به عندما ننظر إلى مصر لا يتحتم علينا الاعتقاد بأنه إذا لم يكن هناك 300,000 شخص في ميدان التحرير، فنحن لسنا إذن بصدد المضي قدماً في التحول الديمقراطي.

نحن لدينا الآن معارضة سياسية مدنية نشطة ذات صوت عالٍ، وهي تقوم بأشياء جيدة منذ خمس سنوات تقريباً، لدينا مواطنون مدنيون في هذا البلد ينشطون ويقرأون، ولدينا صحفيون يخالفون القواعد التي يتم فرضها عليهم، ويتناقشون حول مسألة أين ذهبت الأموال. لذا فإن كل هذه الأشياء هي في الحقيقة عناصر من الدمقرطة التي يجب اعتبارها عند النظر إلى مصر في عام 2023 وألا ننظر إليها من منظور عام 2013.

تيموثي كالداس: إسحاق، هل يمكنك الآن الإجابة على السؤال، التي تركته حفصة، (إلى أي مدى يمكن النظر إلى بيع الشركات المملوكة للدولة، كملكية عامة، إلى صناديق الثروة السيادية لدول أخرى، كوسيلة للخصخصة؟

إسحاق ديوان: في الحقيقة، أنا أتساءل نوعاً ما لماذا أصبحت قضية الخصخصة مركزية للغاية في هذا الأمر. فبالنظر إلى القضايا الحقيقية، فإن هذا الأمر هو موضوع ثانوي، ولكن فجأة نجد أنفسنا نتحدث فقط عن الخصخصة وبيع بعض شركات الجيش.

ما أقصد قوله أن مشكلة مصر هي مشكلة أعمق في الحقيقة، فهي كيف يمكن تنشيط المجتمع، كيف يكون لديك قطاع خاص ديناميكي تنخرط فيه الشركات الصغيرة والشركات الكبيرة، وليس الشركات الخليجية أو الشركات العسكرية فقط. إنها ليست مسألة فنية في كيفية الخصخصة؛ إنها قضية سياسية بالدرجة الأولى، إنها حول كيف يمكن أن تستيقظ القيادة السياسية للقيام بشيء ما لإصلاح الأوضاع. لذا فأنا مهتم أكثر بالحوار السياسي الجاري، وأعتقد أن هذا هو المكان الصحيح حقاً.

وكما تعلمون، عندما وجد رئيس مصري سابق، أنور السادات، أنه في وضع مشابه لهذا الوضع، ذهب إلى القدس، وكان ذلك بمثابة استراحة محارب كبيرة من تلك الأوضاع المتأزمة، ونحن في هذه اللحظة يجب أن نسأل عن “قدس” السيسي التي يمكن أن يذهب إليها، إذ عليه أن يجد له قدساً جديدة في الوقت الحالي، طريقة ما للخروج بالبلاد من هذا الوضع، وتحقيق توافق سياسي واقتراح مشروع يمكن أن يحرز تقدماً في هذا الأمر، ربما من خلال بناء تحالف جديد، ليس فيه الجيش فقط، ولكن يكون السكان الذين سيستفيدون من الإصلاح جزءاً منه، والذي من شأنه أن يقنعهم بالحلم فيقبلون تكاليف قصيرة الأجل من أجل أن يروا ضوءاً في نهاية النفق.

مثل هذا التحالف يمكنه مواجهة من يعارضون ذلك من أصحاب المصالح في الجيش وغيره، الذين لا يريدون أي تحرك في هذا الاتجاه لقصر نظرهم وخشيتهم فقدان مصالحهم الحالية، وإقناعهم أن القيام بذلك هو الأفضل لأطفالهم عن أي طريقة أخرى، أعتقد أننا في الوقت الحالي بحاجة إلى التحدث في ذلك، وليس فقط عن كيفية خصخصة عدد قليل من الشركات.

تيموثي كالداس: فيما يتعلق بالانفتاح السياسي، أخشى أن الأمور لا تزال محدودة للغاية. والحقيقة أنه حتى مع انعقاد جلسات الحوار الوطني، تم اعتقال أعضاء من الأحزاب المشاركة. والواقع المؤسف هو أنه على الرغم من الدعاية بعمل اختراقات، لا يزال هناك عدم رغبة من جانب الكثير من القيادات في المضي قدماً بشكل جوهري.

وبينما أصبح الناس أكثر جرأة بسبب اليأس من الوضع، فإننا نرى مخاطرة الناس بانتقاد الحكومة وانتقاد الظروف الاقتصادية التي يذهبون إليها أيضاً في السجن بسبب ذلك. لذلك، للأسف في الوقت الحالي على الأقل يتم خوض نضال من أجل هذا الانفتاح السياسي، لكن لم يتم تحقيق نجاح في ذلك. آمل حقاً أن يتم إحراز تقدم في هذه المسألة. أريد أن أعود إلى بوب (روبرت سبرينجبورج) لتقديم أي نقاط أخيرة يرغب في إضافتها.

روبرت سبرينجبورج: اسمحوا لي أن أضيف إلى ما قاله إسحاق للتو وما قلناه جميعاً في الحقيقة، فقد وصلنا أخيراً إلى لب الموضوع هنا، وهو أن هذه مشكلة سياسية في جوهرها؛ حيث تتجلى فيها كل هذه الأساليب الاقتصادية التي وصفناها بأنها شديدة السوء. وبما أنني أكبر شخص في الغرفة، اسمحوا لي أن أتحدث عن مدى طول هذه المشكلة السياسية التي يكمن جوهرها في دور الجيش.

بالعودة في الثمانينيات في أعقاب معاهدة السلام مع إسرائيل، نشأ السؤال حول ما يجب القيام به من جانب هذا الجيش الذي كان في أقصى حد له أكثر من 800,000 جندي، ولكن بحلول تلك المرحلة تقلّص إلى حوالي نصف مليون، وهو أمر كبير جداً بالنسبة لدولة كانت في سلام مع التهديد الوحيد لها على الإطلاق. ولكن تم حل المشكلة بالاحتجاج بأن الجيش يمكنه القيام بأشياء أخرى إلى جانب خوض الحروب، إذ يمكن أن يساعد في تطوير الاقتصاد، وقد عارض البنك ذلك قليلاً، وكذلك سفارة الولايات المتحدة، لكن تم التراجع عن ذلك شيئاً ما، ولذا كان هذا هو البذرة التي تم زرعها في ذلك الوقت، والتي أعطت الجيش دوراً شرعياً حافظ عليه بحجم كبير جداً، من خلال استهداف الموارد الوطنية بشكل مفرط ومثير للاهتمام بشكل كبير.

وجاءت النقطة الفاصلة عند محاولة نقل السلطة من مبارك إلى ابنه جمال، وفي تلك المرحلة كانت الأفكار المتداولة بيننا ممن عارضوا بشدة دور الجيش أن الرأسماليين المحسوبين على نظام مبارك، وجمال مبارك على رأسهم والمتحدث باسمهم، لم يكونوا برآء، لكنهم كانوا أفضل بكثير مما كان عليه الجيش. وهذا بالتحديد هو السبب الذي دفع السيسي والجيش للقيام بما فعلوه، للتأكد من أنه لن يكون هناك انتقال إلى حكومة مدنية.

لذلك نحن الآن لدينا هذا الفيل الضخم في الغرفة، والذي له تاريخ طويل جداً يعود بالطبع إلى عام 1952، ولكن في شكله الحالي يعود إلى منتصف الثمانينيات، والتعامل مع هذا الفيل الذي يطلق النار على الآخرين، كما تحدث عنه جورج أورويل في قصته القصيرة الشهيرة، ينطوي على صعوبة شديدة، لكن هذا هو جوهر المشكلة. وبقدر ما أود أن أتفق معك يا يزيد (يزيد صايغ) بأنه يمكننا التعامل معه بهذه الطرق المختلفة، كنوع من حرب العصابات، بدلاً من المواجهة الكبرى معه، ربما تنجح إخضاع الجيش لبعض الإصلاحات، على سبيل المثال في إجراءات الشراء والتوريدات العادية، وما إلى ذلك. لكن في الحقيقة، هناك مشكلة كبيرة في مصر، وهي الجيش، وباقي المشكلات هي في واقع الأمر توابع مترتبة على تلك المشكلة.

تيموثي كالداس: في الحقيقة، هذه اعتبارات مهمة، حيث أعتقد أن الدافع الذي يغيب عن انتباه الكثيرين هو أن الأمر لا يتعلق فقط بالموارد المالية للنظام، فالاستراتيجية الاقتصادية  التي أنشأها الجيش والسيسي والنظام فرضت نوعاً من التحكم في توزيع الثروة في مصر بطريقة لا تسمح للمحاسيب من الرأسماليين بالعودة إلى الظهور من جديد كمركز للسلطة في النظام كما كانوا من قبل في عهد مبارك في سنواته الأخيرة.

وفي هذا الصدد، نجحوا في إعادة دمجهم بشكل مشروط للعب أدوار معينة، كوكلاء للنظام فقط؛ لكن بالتأكيد ليس الدور السياسي الذي لعبوه سابقاً. وحتى حزب “مستقبل وطن” ليس لديه أي سياسات، ولو ظاهرياً، وهو حتى لا يزعم ذلك؛ في حين كان لدى الحزب الديمقراطي الوطني، زمن مبارك، سياسات، ولو كانت سيئة في بعض الأحيان، ولكن على الأقل كان لديه هذه السياسات، فقد كان منخرطاً في السياسة، وكانت هناك كوادر منه تشارك في العملية لسياسية.

أود أن أشكركم جميعاً على هذه المناقشة الهامة والرائعة وأوصي جمهورنا مرة أخرى بزيارة موقع مركز كارنيجي للشرق الأوسط لقراءة المقالات المتعلقة بهذا الموضوع، مما سيساعدك حقاً على فهم ما يحدث في مصر وإلى أين يمكن أن تسير الأمور. وبينما نرى أن التوقعات ليست واعدة للغاية، لكني آمل أن تكون هناك طريقة لتجنب حدوث كارثة أكبر.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close