fbpx
ترجماتحقوقي

فورين بوليسي: هل مصر ملجأً للسودانيين الفارين من الحرب؟

نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية في 9 مارس 2024  تقريرا بعنوان: “بالنسبة للاجئين السودانيين، تُعتبر مصر بالكاد ملجأً” لإيلا يوكس، المصورة والصحفية المستقلة التي تقيم بين إسطنبول والخرطوم، حيث تقول إنه بينما يتجه المجتمع الدولي نحو أزمات أخرى، يواجه الأشخاص الفارون من الحرب في السودان ظروفاً اقتصاديةً صعبةً في مصر.

وقد جاء التقرير على النحو التالي:

في شقة بالطابق الأعلى لمبنى سكني يطل على حي فيصل الصاخب في القاهرة، استخدم حسن، وهو لاجئ سوداني يبلغ من العمر 24 عاماً، كاميرا هاتفه لإظهار صور الندوب الموجودة على ظهر صديقه. فقبل أقل من أسبوعين، وتحديداً في منتصف شهر أكتوبر، فرّ حسن من منزله في مدينة أم درمان السودانية، هرباً من بلد دمرته الحرب منذ أن بدأ الجيش السوداني في قتال قوات الدعم السريع شبه العسكرية في شهر إبريل الماضي.

وكان حسن قد قرر المغادرة بعد أن اعتقلته قوات الدعم السريع هو وصديقه لمجرد إقامتهما بالقرب من مكان قتل فيه ثلاثة جنود من قوات الدعم السريع. (ملحوظة: تم تغيير بعض الأسماء في هذا المقال لحماية المصادر وعائلاتهم). فقد قامت قوات الدعم السريع باحتجازهما وتعذيبهما لمدة يومين إلى جانب عشرات المعتقلين الآخرين، حتى أشفق عليهما أحد الجنود وأطلق سراحهما. سلك حسن طريق التهريب إلى مصر؛ بينما بقي صديقه وراءه. وقال حسن: “بينما كانت حالته سيئة للغاية، إلا إنهم لم يكن لديهم المال اللازم للمغادرة”.

ومثل صديق حسن، ناضل العديد من المدنيين للعثور على الأموال اللازمة للفرار من السودان وسط الانهيار الاقتصادي وانتشار النهب والسطو المسلح. ومع ذلك، فإن القتال العنيف، وانهيار نظام الرعاية الصحية، والمجاعة التي تلوح في الأفق، أجبرت بالفعل أكثر من 7 ملايين شخص على البحث عن ملجأ في مواقع أكثر أماناً داخل حدود السودان وخارجها.

وحتى نهاية شهر يناير، فر حوالي 450 ألف لاجئ سوداني إلى مصر المجاورة منذ اندلاع الحرب. وعلى الرغم من أنهم آمنون في مصر، إلا أنهم يواجهون ظروفاً اقتصادية صعبة، ونقصاً في تمويل المساعدات من المنظمات الدولية، ونقص الفرص لكسب لقمة العيش والاستقرار في القاهرة. ومع تضاؤل احتمالات العودة إلى ديارهم قريباً، أصبح عدد اللاجئين السودانيين المتزايد، والذي يتجاهله المجتمع الدولي إلى حد كبير، في طي النسيان.

كانت الخرطوم، قبل اندلاع الحرب مدينة مضيفة للاجئين الفارين من البلدان المجاورة، بما في ذلك الحرب في منطقة تيجراي في إثيوبيا والتجنيد العسكري في إريتريا. والآن، أصبح حتى المدنيون العاديون معرضين لخطر كبير في العاصمة والمدن المجاورة مثل أم درمان. وقال حسن: “لقد أصبح الوضع خارج نطاق السيطرة”. “هناك مدنيون يحملون السلاح. إذا وقعت اشتباكات أثناء الليل وقُتل جنود، يعود المزيد من قواتهم في الصباح لاعتقال الأشخاص الذين يعيشون في المنطقة.

وعند وصوله إلى القاهرة، انتقل حسن إلى شقة والده الصغيرة. (حيث كان والد حسن يعيش في مصر منذ ثلاث سنوات لتلقي العلاج الطبي). ومع تدهور الوضع في السودان، انضم إليهم المزيد من أفراد الأسرة الفارين من الاضطرابات ليبقوا جميعاً تحت سقف واحد. وبحلول شهر نوفمبر، كانت الشقة المكونة من غرفتي نوم تؤوي أكثر من اثني عشر شخصاً، من بينهم اثنان من أعمام حسن الذين كانوا قد تم القبض عليهم أيضاً وتعذيبهم على يد جنود قوات الدعم السريع.

وعثر عم آخر، قاسم، على سكن مؤقت في جزء آخر من المدينة. وكان قاسم، وهو أب أعزب (خارج نطاق الزواج) يبلغ من العمر 47 عاماً، يعمل سائق سيارة أجرة في الخرطوم قبل الحرب. وقبل أربعة أشهر من فراره إلى مصر، كان قد خرج لإحضار العشاء لطفليه، البالغين من العمر 11 و 8 سنوات، وعاد إلى منزله ليجد جنود الجيش السوداني يوجهون بنادقهم نحو رأس ابنته. وقال إنه تم تقييده وتعصيب عينيه ونقله إلى سجن مؤقت، حيث كان الجنود الذين قبضوا عليه يُخضعون المعتقلين “للتعذيب الشديد، والصدمات الكهربائية، والتهديدات بالسلاح، والضرب، وحتى يحرموننا من النوم”.

قال قاسم إن الجيش احتجزه لمدة 31 يوماً في موقع احتجاز غير قانوني، وهو أحد مواقع الاحتجاز العديدة التي أقامتها القوات المتحاربة بالسودان في مدن الخرطوم وبحري وأم درمان. وقد أوردت تقارير المجموعة الشعبية لمحامي الطوارئ السودانية تفاصيل حالات القتل التعسفي والتعذيب، بما في ذلك التجويع والاعتداء الجنسي، داخل هذه المراكز.

ويعتقد قاسم أنه تم استهدافه لأنه كان عضواً في لجنة المقاومة في الحي الذي يسكن فيه، والتي هي جزء من شبكة لا مركزية من النشطاء المعارضين للديكتاتورية والحكم العسكري في السودان. وقبل الحرب، لعبت هذه اللجان دوراً محورياً في تنظيم المسيرات والاعتصامات والإضرابات في تحدٍ للحكم العسكري الزاحف. لكن قاسم قال إن المدنيين الذين ليس لديهم انتماءات سياسية والذين يكونون ببساطة “في المكان الخطأ في الوقت الخطأ” كثيرا ما كانوا يواجهون الاستجواب والتهديدات والعنف.

وبعد وقت قصير من إطلاق سراحه، تم اعتقال قاسم مرة أخرى لمدة تزيد قليلاً عن يوم، وهذه المرة من قِبل قوات الدعم السريع. وبعد ذلك، على الرغم من أنه لم يكن لديه سوى جواز سفر منتهي الصلاحية والقليل من النقود، بدأ في اتخاذ الترتيبات اللازمة لأخذ والدته وطفليه إلى خارج البلاد. وقال قاسم إنه في الليلة التي سبقت مغادرتهم، دخلت والدته في غيبوبة بسبب مرض السكري وتوفيت بعد أن أصاب صاروخ المبنى الذي يعيشون فيه. وأضاف أن “المواطنين هم ضحايا الطرفين” في تلك الحرب الدائرة في السودان.

ولم يتبق لدى العديد من اللاجئين السودانيين سوى بقايا من خبرات حياتهم السابقة والمهن التي كانوا قد اكتسبوها. غادر صلاح عبد الحي، الفنان والأستاذ المتقاعد البالغ من العمر 65 عاماً، السودان في شهر مايو مع عائلته بعد أن كان محاصراً في منزله أثناء القتال الذي اجتاح وسط الخرطوم. وفي شقة متواضعة تقع في أحد شوارع القاهرة النابضة بالحياة، روى عبد الحي كيف تمكن من إنقاذ بعض أعماله الفنية ونقلها خلال الرحلة التي استمرت خمسة أيام.

وفي أواخر شهر أكتوبر، وهو جالس بجانب ابنته وابنها البالغ من العمر 9 أشهر، قال: “لقد أخرجت بعض أعمالي الفنية من إطاراتها، ولففتها بهذا الشكل، وأحضرتها معي”. “معظم أعمالي موجودة في صالات العرض في الخرطوم، لكن قيل لي إنها كلها قد نُهبت أو أُحرقت”.

وقال: “أعمالي الفنية تدور حول الثقافة”، وهو يكشف قطع القماش ليكشف عن لوحات نابضة بالحياة. “أحاول أن أرسم عناصر من الهوية السودانية.” تصور العديد من أعمال عبد الحي نساء سودانيات محتشمات بأقمشة منقوشة مميزة تعرف بالطوب. كما أنها تتضمن مشاهد مثل المصارعة النوبية، والتواصل الاجتماعي في أكشاك الشاي، والحياة البرية في البلاد. وأضاف عبد الحي: “الطرفان اللذان يتقاتلان هناك، ليس لديهما فهم ما هو الفن، وما هي الثقافة، أو ما هي المتاحف. ويمكنهم ببساطة تدمير هذه الأشياء بسهولة”.

كما بدد الصراع كذلك آمال السودانيين الذين شاركوا في حركات المجتمع المدني التي كانت تسعى بجدِّ إلى إنشاء قيادة مدنية واستبعاد الفصائل العسكرية من السياسة بعد بدء انتقال السودان إلى الديمقراطية في عام 2019. وحتى بعد أن أطاح القادة العسكريون بالحكومة الانتقالية في أعقاب ما عُرف بـ انقلاب أكتوبر 2021، استمر النشطاء في تنظيم المظاهرات وغيرها من أعمال المقاومة السلمية حتى اندلاع الصراع الحالي.

وعندما فرّت أم دهب عمر البالغة من العمر 24 عاماً من أم درمان بمفردها في أواخر شهر مايو، شعرت أنها فقدت هويتها كطالبة وناشطة. قالت وهي تسترجع ذكرياتها في شرفة مقهى هادئة في القاهرة: “عندما بدأت الثورة وخرجنا (للاحتجاج)، كنا نحلم ببناء بلد جيد لأنفسنا، بلد آمن، بلد مستقل يمنحنا كل حرياتنا. لقد كانت حرباً ضد الأفكار القديمة وطرق التفكير القديمة”.

عندما التقينا في شهر نوفمبر، لم تكن أم دهب عمر قادرة على الاتصال بأقاربها في أرض الوطن لمدة أسبوع. وأصبحت أم درمان أحد المراكز الرئيسية للقتال حيث تحاول الفصائل المتحاربة السيطرة على طرق الإمداد إلى الخرطوم المجاورة. ثم علمت أم دهب عمر من وسائل التواصل الاجتماعي أن قوات الدعم السريع قد حاصرت الحي الذي كانت تسكن فيه، وقطعت عن سكانه الإنترنت والمياه والكهرباء.

وبسبب الحرب التي أوقفت مسيرة تعليمها، تقضي أم دهب عمر أيامها في القاهرة بحثاً عن منح دراسية حتى تتمكن من إنهاء دراستها في دراسات التنمية. وقالت: “نحن كلاجئين، لم يعد لديناأي  استقرار في حياتنا. فالمستقبل يبدو ضبابيا وغير مؤكد” بالنسبة لنا.

ومع تفاقم الأزمة، تظل المساعدات المتاحة للاجئين السودانيين غير كافية على الإطلاق. وفي السابع من شهر فبراير، وجهت الأمم المتحدة نداءً لجمع 4.1 مليار دولار لتقديم مساعدة عاجلة للمدنيين المتضررين من الصراع، بما في ذلك أولئك الذين فروا. ووسط ارتفاع معدلات التضخم في مصر، يكافح العديد من الوافدين الجدد من السودان للعثور على سكن بأسعار معقولة ويعيشون في شقق مكتظة.

وتساعد الجالية السودانية الموجودة في مصر، والتي نمت إلى ما يُقدَّر بنحو 4 ملايين نسمة قبل الحرب، في تقديم الدعم للوافدين الجدد. وفي شارع ضيق بحي بولاق بالقاهرة في شهر نوفمبر 2023 ، تجمعت نساء سودانيات في مكتب بالطابق الأرضي حيث تدير أمل رحّال بودة مبادرة “آمال من أجل المستقبل”، وهي مبادرة توفر للاجئين المجتمع والتعليم والدعم لنضالات مثل العنف المنزلي والتشرد. أطلقت بودا، وهي امرأة سودانية تبلغ من العمر 39 عاماً، البرنامج في عام 2020، بعد عامين من طلبها اللجوء في مصر.

وبعد انزلاق السودان المفاجئ إلى الصراع، علقت بودة الدراسة في المدرسة المجتمعية التابعة للمبادرة حتى تتمكن من تحويلها إلى مأوى مؤقت للاجئين. لكن بودا ومتطوعيها ما زالوا يديرون ورش عمل وبرامج ترفيهية لتعليم النساء والأطفال السودانيين مهارات مثل الحرف اليدوية ومحو الأمية الحاسوبية. ويتم تمويل المبادرة من خلال التبرعات الفردية، ويتم إحالة الأسر ذات الاحتياجات الأكبر إلى المنظمات الشريكة.

وقالت بودا إن التحدي الأكبر من التمويل الدولي هو إيجاد حلول طويلة المدى لدعم ودمج اللاجئين مع احتدام الصراع. وهي تشعر بالقلق بشكل خاص بشأن نقص فرص العمل والحصول على التعليم، فضلاً عن “الحالة العقلية السيئة للغاية” للأطفال السودانيين. وقالت: “عندما وصلوا لأول مرة، كانوا لا يزالون ينامون تحت أسرّتهم خوفاً من الصواريخ. وبعضهم لا يخرج؛ حيث يسمعون أصواتاً عالية من السيارات ويعتقدون أن هذا هو نفس ما كان يحدث في السودان”.

ومع تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان، يبدو من غير المرجح أن يعود اللاجئون في مصر إلى ديارهم في أي وقت قريب. ويواجه ثمانية عشر مليون سوداني انعدام الأمن الغذائي الحاد، حيث امتدت الأعمال العدائية الآن إلى سلة الخبز في البلاد.

وقال عبد الحي: “أريد العودة، لكن ما أسمعه من أطفالي هو أن لا أحد يفكر في العودة مرة أخرى. إنهم جميعا يفكرون في المضي قدماً في معايشة هذا الوضع.”

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close