fbpx
سياسةالشرق الأوسطترجمات

ذا كريدل: المصالحة المصرية الإيرانية.. بين التزام الصمت والتكهُّنات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

نشرت صحيفة ذا كريدل الأميركية، المتخصصة بأخبار المنطقة العربية وغربي آسيا، تقريراً أعده مراسل الصحيفة في القاهرة، قال فيه “إنه في خضم النشاط الدبلوماسي الإقليمي المستمر، فإن القطعة الرئيسية المفقودة في بانوراما الدبلوماسية هي التطبيع بين مصر وإيران”؛ وتساءل: “هل يمكن للبلدين تنحية خلافاتهما جانباً وإنهاء عقود من التوترات وكتابة فصل جديد في العلاقات بين غرب آسيا وشمال إفريقيا؟”. وقد جاء التقرير على النحو التالي:

وسط تصاعد الأنشطة الدبلوماسية في جميع أنحاء المنطقة، تتخذ مصر وإيران أخيراً خطوات حذرة نحو التقارب بينهما بعد أربعة وأربعين عاماً من قطع العلاقات بين البلدين. فعلى مدى عقود، اتبع البلدان مسارات متباينة في سياستهما الخارجية.

ومع ذلك، فقد أدت التطورات الأخيرة في غرب آسيا، في أعقاب المصالحات بين العديد من الدول، إلى إثارة الحديث حول انفراجة محتملة في العلاقات بين البلدين.

وتشمل هذه التطورات التقارب بين السعودية وإيران، بوساطة من بكين؛ وعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية من جديد؛ واستئناف الرياض لعلاقاتها مع دمشق، وذوبان الجليد في علاقات تركيا مع السعودية والإمارات ومصر، بالإضافة إلى بدء المحادثات المباشرة مع حكومة الحوثيين (أنصار الله) في صنعاء.

“الصمت من مصر يُعدّ موقفاً”

وقد أثار احتمال حدوث تقارب بين إيران ومصر ردود فعل مختلفة من البلدين. حيث أعربت طهران علانية، وحتى من أعلى مستويات السلطة، عن استعدادها لإصلاح العلاقات مع القاهرة.

وفي المقابل، كان صمت مصر يصمّ الآذان – بالمعنى الحرفي للكلمة. ولكن في منتصف مايو، نقلت وسائل إعلام مصرية عن مصدر قوله: “الصمت الرسمي المستمر من مصر يُعدّ موقفاً”. وهذا الصمت المستمر من قبل الحكومة المصرية يذكرنا بموقفها من تركيا.

ولكن في الحالة التركية تم كسر هذا الهدوء والصمت في نهاية المطاف عندما تصافح عبد الفتاح السيسي مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان بشكل غير متوقع في الدوحة خلال كأس العالم لكرة القدم في قطر.

وهذه اللفتة التي حدثت آنذاك بشكل مفاجئ تطرح السؤال: هل تلوح في الأفق مصافحة إيرانية مصرية؟ يبدو أن المشهد الدبلوماسي يتغير، مما يترك مجالاً للتكهنات والتفاؤل بشأن المصالحة المحتملة بين هاتين الدولتين الجيوستراتيجيتين الإقليميتين.

في 14 مايو 2023، كشف عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني فدا حسين مالكي أن المفاوضات بين إيران ومصر تجري بالفعل على أرض العراق، بهدف استعادة العلاقات بين سفارتي الدولتين وإعادة فتحهما من جديد.

لكن أهم تصريح إيراني في هذا الصدد صدر عن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي نفسه، عندما رحب بإعادة العلاقات مع مصر خلال اجتماعه في 29 مايو مع سلطان عمان هيثم بن طارق، الذي تلعب بلاده دور الوسيط الإقليمي.

وقال شادي إبراهيم الباحث في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية في جامعة إسطنبول، لصحيفة ذا كريدل، إن الخلافات بين طهران والقاهرة تختلف عن الخلافات المصرية-التركية، فالقضايا العالقة مع إيران “خارجية بالدرجة الأولى وليست داخلية، على عكس أنقرة التي تعتبرها القاهرة منافساً لها على النفوذ والثروة في المنطقة”.

وبحسب إبراهيم، لم يكن التقارب المصري-الإيراني على أجندة القاهرة في البداية بسبب هذه الأسباب الخارجية التي تعود إلى بدايات الثورة الإيرانية. ومع ذلك، فمع وتيرة إصلاح العلاقات بين عواصم الخليج العربي -التي كانت تسعى إلى عزل إيران منذ عام 1979- من جهة، وطهران من جهة أخرى، والتي تجري بسرعة فائقة، بدأت عملية المصالحة مع مصر الآن في التبلور.

تاريخ متقلب

تاريخياً، شهدت العلاقة بين مصر وإيران مراحل متعاقبة من التحالف الوثيق أحياناً والعداء الشديد في أحيان أخرى. فقد توطدت العلاقات بين الدولتين الإقليميتين في عام 1939 عندما تزوج ولي العهد الإيراني آنذاك محمد رضا بهلوي من الأميرة فوزية، ابنة الملك فؤاد الأول، ملك مصر والسودان آنذاك. ومع ذلك، فقد أدى طلاقهما اللاحق في عام 1945 إلى نشوب أزمة بين البلدين، عندما أصرّ شقيقها الملك فاروق، ملك مصر، على الطلاق ورفض عودة الأميرة فوزية إلى إيران.

ومع تحسن العلاقات بين البلدين لاحقاً، أطاحت ثورة الضباط الأحرار بالملك فاروق في يوليو 1952، ورفعت مصر راية القومية العربية والمواجهة ضد إسرائيل. وبالنظر إلى اعتراف إيران قبل الثورة بإسرائيل في عام 1960، تدهورت العلاقات مرة أخرى مع مصر وظلت مضطربة حتى وفاة الرئيس جمال عبد الناصر في عام 1970.

وتحت قيادة خليفة عبد الناصر، الرئيس أنور السادات، عادت العلاقات بين مصر وإيران. ومع ذلك، فسرعان ما أدت الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، بقيادة آية الله روح الله الخميني، إلى زعزعة التقدم في العلاقات، عندما أطاحت بالشاه الموالي للغرب والمؤيد لإسرائيل، والذي لجأ لاحقاً إلى مصر، حيث ظل بها حتى وفاته في عام 1980.

ووقفت الثورة الإيرانية في صف المواجهة ضد دولة الاحتلال الصهيوني – تماماً عندما كانت مصر تضع اللمسات الأخيرة على معاهدة كامب ديفيد للسلام مع تل أبيب. فتكررت نفس الأسباب التي دفعت عبد الناصر إلى قطع العلاقات مع إيران عام 1960 في قيام الخميني بفعل الشيء نفسه مع مصر عام 1979.

وبدأت عقود من العلاقات المجمدة بين مصر وإيران في الدفء في النهاية تزامناً مع ثورة يناير 2011 في مصر، والتي أطاحت بالرئيس حسني مبارك. وفي خطوة مهمة، زار الرئيس المصري محمد مرسي طهران في أبريل 2012، مسجّلاً أول زيارة لرئيس مصري إلى إيران منذ ثلاثة عقود.

وأعقب ذلك زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى القاهرة في فبراير 2013، وهو ما اعتُبر دلالة على بدء فصل جديد في العلاقات بين البلدين والإعلان عن إعادة فتح السفارات.

ومع ذلك، فإن الانقلاب الذي وقع لاحقاً في مصر، والذي قاده السيسي، بدعم من السعودية والإمارات ضد مرسي وحكومته في يوليو من العام 2013، أوقف تقدم العلاقات مع طهران، وإن كان ذلك بمستوى منخفض من العداء. حيث تبنت مصر، بعد ذلك، استراتيجية “لا عداء ولا صداقة”.

ما بعد كامب ديفيد

انضمت القاهرة إلى سياسة الولايات المتحدة ضد إيران منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1978. حيث قال المحلل السياسي عبد الرحمن عادل لصحيفة ذا كريدل إن أي تحولات في العلاقات بين الدولتين الإقليميتين اليوم “تأتي في سياق الاستقطاب الثنائي وتنافس القوى الإقليمية فيما بينها”.

وفي السنوات الأخيرة، تضاءلت مكانة مصر في ضوء التغيرات الإقليمية، التي حوّلت ميزان القوى لصالح ممالك الخليج العربي الغنية. حيث حوّل هذا الوضع القاهرة من “قوة فاعلة” إلى “دولة تابعة للقوى الجديدة في المنطقة”.

وخلال هذه الفترة، أدى الاستقطاب بين دول الخليج العربي وإيران – وكذلك بين دول الخليج نفسها – أدى إلى إشعال الاضطرابات والصراع. ووضعت مصر التي تعاني اقتصادياً، والتي تعتمد على سخاء دول الخليج، وضعت نفسها في موضع الحليف الموثوق به، في صراعها الجيوسياسي ضد إيران، بهدف تحقيق شعور بالتوازن، لا سيما في اليمن.

وأوضح شادي إبراهيم لصحيفة ذا كريدل أنه مع مرور الوقت، “اكتشفت هذه الدول (الخليجية) أن دور مصر كان متواضعا وأن مشاركتها كانت محدودة، خلافا للتوقعات”. ونتيجة لذلك، تم تقليص المساعدات القادمة من دول الخليج إلى مصر بشكل كبير.

أثر التطبيع السعودي الإيراني

ويتزامن صعود قوى عالمية جديدة مثل روسيا والصين مع تدهور مكانة الولايات المتحدة في غرب آسيا وتحول تركيز واشنطن إلى الحرب الروسية الأوكرانية والفناء الخلفي للصين. ثم في آذار (مارس)، حدث تطور مهم سيكون له تداعيات على العلاقات المصرية-الإيرانية.

فقد اتفقت طهران والرياض على تطبيع العلاقات بينهما في العاصمة الصينية، بكين، بعد سبع سنوات من القطيعة. وكان هذا الاختراق بمثابة ضوء أخضر لدول المنطقة بنطاقها الأوسع، بما في ذلك مصر، للانخراط في حوارات ومحادثات مع إيران. وقبل ذلك، تحديداً في أغسطس 2022، اتفقت الكويت والإمارات على استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع الجمهورية الإسلامية.

وفي فبراير من العام الماضي، أعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان فتح صفحة جديدة في علاقات إيران مع دول المنطقة، قائلاً: “يدنا ممدودة لجيراننا”، وشدد على أن “تعزيز العلاقات مع الجيران، ولا سيما الدول العربية، أولوية رئيسية في السياسة الإيرانية “.

وفي شهر مايو، أعرب أمير عبد اللهيان عن أمله في أن تستأنف طهران والقاهرة العلاقات الدبلوماسية بينهما، قائلاً: “لقد رحبنا دائماً بتطور العلاقات بين طهران والقاهرة”، مضيفاً: “رؤساء بعثاتنا الدبلوماسية – مكاتب رعاية المصالح – في طهران والقاهرة يعقدون اجتماعات جيدة بهذا الصدد. وهناك وصول جيد إلى السلطات في كلا البلدين”.

جهود الوساطة العراقية

تزعم مصادر متعددة أن العراق يستضيف محادثات بين ممثلين من إيران ومصر منذ شهر مارس، حيث يقود رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني جهود الوساطة بين البلدين، بحسب المصادر. ولكن رغم كل التكهنات الإيجابية، تقول مصادر عراقية إن الاتصالات لم تؤدِ بعد إلى تفاهمات لبدء تطبيع العلاقات. وتشير مصادر إلى أن القاهرة لا تزال غير متحمسة لتطبيع العلاقات مع إيران لأسباب لم يتم الكشف عنها بعد.

وقالت مصادر سياسية عراقية لصحيفة ذا كريدل إن السوداني يهدف إلى ترسيخ نفسه كمحاور رئيسي بين إيران والدول العربية، كما سعى سلفه مصطفى الكاظمي. ولكن عندما أبلغ الرئيس العراقي الرياض بنيته التوسط بين القاهرة وطهران، لم يُبدِ السعوديين الكثير من الحماس تجاه ذلك، بحسب تقارير.

وتؤكد المصادر أنه من غير المرجح أن تتخذ القاهرة خطوات جادة نحو تحسين العلاقات مع إيران حتى تصل العلاقة بين طهران والرياض إلى مستوى أفضل.

ومن المتوقع أن يحتاج الجنرال السيسي إلى دعم واضح من رُعاته السعوديين والإماراتيين – محمد بن سلمان ومحمد بن زايد – قبل استعادة العلاقات المصرية-الإيرانية.

وفي الوقت نفسه، تلعب سلطنة عمان أيضاً دوراً مهماً في تسهيل المفاوضات بين القاهرة وطهران. حيث كشف الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أن سلطان عمان هيثم بن طارق نقل رسالة من القاهرة لطهران عبرت فيها عن رغبتها في تحسين العلاقات مع إيران. لكن مصادر دبلوماسية عربية تشير إلى أن جهود عمان ما زالت في مهدها ولم تسفر حتى الآن عن إحراز تقدم ملموس.

مكاسب محدودة وتأثير ضئيل على إسرائيل

ويرى الباحث شادي إبراهيم أن استئناف العلاقات بين مصر وإيران قد لا تؤدي إلى أكثر من تحقيق “منفعة اقتصادية للنظام المصري وكسر العزلة المفروضة على إيران”. وعلى أي حال، فمن المرجح أن يظل هذا الانفتاح الاقتصادي المتوقع محدوداً، مع وجود مجال ضئيل للنمو والتوسع بشكل جوهري، لا سيما في ضوء الوجود الإسرائيلي على طول الحدود مع مصر.

ويتفق شادي إبراهيم وعبد الرحمن عادل على أن “التقارب المصري-الإيراني سيكون على نطاق محدود ولن يضر بأي شكل من الأشكال بالشراكة المصرية مع إسرائيل ولن يتعارض مع السياسة الأمريكية كذلك”.

وبحسب شادي، “ستستفيد إيران بشكل أكبر من هذه العلاقات”. إن تحويل العلاقات من السلبية إلى الإيجابية، حتى لو اقتصرت على قطاع السياحة الاقتصادية أو الدينية، “قد يمثل خطوة نحو دور أكبر في المستقبل في القضايا المهمة لإيران، مثل الصراع مع إسرائيل”.

لكن شادي يشير أيضاً إلى أن القاهرة تدرك ذلك جيداً، و “لن تسمح لطهران بمنافستها في الملف الفلسطيني”. وتستفيد القاهرة في هذا الصدد من موقعها الجغرافي ومن حقيقة أن الأراضي المصرية هي المنفذ الوحيد على العالم لفصائل المقاومة الفلسطينية المدعومة من إيران في غزة. ويعزز هذا الواقع موقف مصر ويضمن بقاءها لاعباً محورياً في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وإن كان يبدو سلبياً في السياق الفلسطيني.

ومع استمرار تطور الأوضاع، فإنه من غير الواضح معرفة كيف ستتطور العلاقات بين مصر وإيران وما إذا كانت ستؤدي إلى تحول أوسع في الديناميكيات الإقليمية أو ستعمل بشكل مبدئي على شكل مشاركات محدودة وبرجماتية.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close