fbpx
ترجمات

ستيفن كوك: السيسي يَحْكُم بالخوف، والخوف يَحْكُمه

نشرت مجلة فورين بوليسي في 30 أغسطس 2023 مقالاً بعنوان: “السيسي يحكم بالخوف، والخوف يحكمه” لستيفن كوك، كاتب العمود في فورين بوليسي وزميل أول في زمالة إيني أنريكو ماتي لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية، حيث قال إن السيسي من خلال اتهامه جميع المنتقدين زوراً بأنهم ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين أو يتلقون تمويلاً منها، يُظهر مدى تملك الخوف منه في حقيقة الأمر.

وقد جاء المقال على النحو التالي:

يقول نشأت الديهي، مقدم برنامج “بالورقة والقلم” في التلفزيون المصري (قناة تن)، إنني أتقاضى أجراً من جماعة الإخوان المسلمين (مقابل المقالات التي تتناول الشأن المصري). في الحقيقة، لم يكن الديهي هو المصري الوحيد الذي أبدى حنقه الشديد تجاه المقال الأخير الذي نشرته لي مجلة فورين بوليسي، والذي تناول كيف دمّر الجنرال عبد الفتاح السيسي مصر. لقد صبّ أنصار السيسي على الإنترنت جام غضبهم عليّ من خلال عدد غير محدود من الاستنكارات والإهانات الشخصية على صفحتي على منصة إكس، تويتر سابقاً، على مدى أيام، مما يكشف مرة أخرى أن أي أمل في إجراء نقاش مدروس على وسائل التواصل الاجتماعي قد ضاع منذ فترة طويلة.

وهذا الادعاء، في الحقيقة، سخيف شكلاً ومضموناً. حيث ببساطة، من غير الممكن أن يدفع لي الإخوان المسلمون مقابل أي شيء بناءً على هويتي وما كتبته عنهم. فأنا لا ينطلي علي الأسلوب الذي تعمل به الجماعة ولم أفعل ذلك أبداً. فهُم، مثل غيرهم من القوى في مصر، يبرعون في محاولة الاستفادة من خطاب الإصلاح السياسي، سعياً وراء تحقيق أجندة قد تكون مناهضة للديمقراطية.

وبالإضافة إلى ذلك، فأنا في الحقيقة متشكك في السردية التي قدّمها الإخوان المسلمون في فترة ما بعد حسني مبارك مباشرة. حيث كان هناك (تقارير عن) الكثير من الخداع الانتخابي والترهيب الذي مارسته الجماعة أثناء انتخاب مرشحها محمد مرسي للرئاسة في عام 2012 أكثر مما يمكن أن يحفل أي شخص بالاعتراف به. وحتى لو كانت جماعة الإخوان المسلمين أقل قدرة على السيطرة على مفاصل الدولة (مقارنة بالعسكر)، فإنني أشك في أن مصر كانت لتصبح نموذجاً لقصة نجاح فيما يتعلق بالربيع العربي.

وبعد أن كتبت عن مصر على مدى سنوات، فقد اعتدت على هذا النوع من الأشياء الآن، وتصرفي يكون في العادة تجاهل مثل هذا الهراء. لكن تعليق الديهي (على مقال تخريب السيسي لمصر) لفت انتباهي. وذلك لأن الاتهام بأن منتقدي السيسي يعملون لحساب جماعة الإخوان المسلمين هو مؤشر على مشكلتين مترابطتين يعاني منهما الزعيم المصري وأنصاره، ولا يملكون أي إجابات لهما:

أولاً، كما كتبت في مقالي السابق، هناك تباين كبير ومتزايد بشكل ملحوظ بين ما تَعِدُ به الحكومة المصريين وواقع الحياة اليومية التي يعيشونها. وعندما يتجرأ الناس على الإشارة إلى ذلك، يتم تصنيفهم على أنهم من أنصار الإخوان المسلمين، أو يتعرضون للسجن والإيذاء الجسدي كما حدث مع عدد كبير من المصريين. وهذا الرد الشرس هو مقياس لمدى معرفة السيسي ومؤيديه ومخاوفهم من أن هناك العديد من المصريين الذين يدركون هذه الفجوة وطبيعتها المحتملة المزعزعة للاستقرار.

ثانياً، والأهم لموضوعنا هنا، هو أنه على الرغم من الجهود التي يبذلها السيسي (للقضاء على الإخوان)، فإنه يظل عاجزاً عن التخلص من التأثير الكبير والمتواصل للإخوان المسلمين على السياسة والمجتمع المصري.

وبطبيعة الحال، فحتى قبل مجيء حقبة السيسي بوقت طويل، كان من الشائع أن يقوم المسؤولون في مصر بالمراوحة بين استرضاء وقمع جماعة الإخوان المسلمين من حين لآخر. ففي أوائل الأربعينيات من القرن الماضي، استسلم رئيس الوزراء مصطفى النحاس للضغوط السياسية التي مارستها جماعة الإخوان المسلمين وقام باتخاذ إجراءات صارمة ضد تداول الكحول وبيوت الدعارة، في الوقت الذي سمح فيه للجماعة بحرية نشر الصحف المعبرة عنها. وبعد بضع سنوات، قامت حكومة جديدة بقمع جماعة الإخوان المسلمين، قبل أن تستأنف حكومة أخرى استرضاء الجماعة.

وقام جمال عبد الناصر بسجن الآلاف من قيادات وأعضاء الإخوان، وأطلق سراح بعضهم، ثم أعاد سجنهم مرة أخرى. ثم أطلق خليفته أنور السادات – الذي كان في السابق رفيقاً للإخوان – سراحهم ومنحهم الفرصة في حرية النشر والدعوة. ومع ذلك، فقد اختلفوا معه حول السلام الذي أقامه مع إسرائيل، فامتلأت السجون المصرية بالإخوان مرة أخرى.

وبعد اغتيال السادات في عام 1981، منح مبارك الجماعة الفرصة لاستئناف أنشطتها، معتقداً أن ظهور الإخوان بشكل أكبر في مجالات النشر والتعليم والمجتمع المدني من شأنه أن يجذب الدعم بعيداً عن المتطرفين الذين قاموا باغتيال السادات. ومرة أخرى بعد حوالي عقد من الزمن، قرر مبارك وضع حد لذلك وأمر الأجهزة الأمنية بقمع الجماعة وإخضاعها. وعلى امتداد هذا النمط من الترضية والمواجهة، ظلت جماعة الإخوان المسلمين لاعباً سياسياً واجتماعياً وثقافياً مُهمّاً في مصر.

وفي السنوات الأخيرة، أصبح القمع الذي يمارسه السيسي ضد جماعة الإخوان المسلمين والادعاء بأن كل منتقدي الحكومة هم أعضاء في الجماعة (أو يتلقون أموالاً منها)، أصبح أكثر وضوحاً وخطورة. وذلك لأن السيسي سعى إلى إعادة صياغة الخطاب القومي في مصر بحيث يتم استبعاد جماعة الإخوان المسلمين منه.

والمعروف أن مشاعر القومية لا تحدث هكذا بشكل عفوي. لكن يتم العمل على صياغتها واستدعائها، بناءً على مشاريع سياسية متضافرة. ومن ثمَّ فهي تخضع بشكل دوري لإعادة التفسير لتناسب احتياجات القادة السياسيين. وهذا بالضبط ما فعله السيسي لتصوير جماعة الإخوان المسلمين – التي تضرب أصولها ومكانتها ورؤيتها للعالم بجذور راسخة في التجربة المصرية – على أنها عنيفة وغريبة عن المجتمع الذي نشأت أصلاً فيه.

وبعد الانقلاب الذي أوصل السيسي إلى السلطة، وبالتوازي مع الحملة الإعلامية التي قادتها الدولة منذ ذلك الحين، والتي سعت إلى إنشاء ومواصلة مخزون من الدعم لما يسمى بـ “الثورة الثانية” في مصر، كانت هناك دوافع لتصوير جماعة الإخوان المسلمين على أنها “الطابور الخامس“. كما تم تصوير الإخوان بشكل روتيني على أنهم عملاء للقطريين و/أو الأتراك.

وفي الوقت نفسه، برّر السيسي العنف الذي استخدمه في قمع الإخوان على أساس أن الجماعة منظمة “إرهابية”، كما وصمها هو بذلك. في الماضي، كان لجماعة الإخوان المسلمين ما سُمِّى بالجهاز السري أو “كوادر مسلحة” (إبّان الاحتلال البريطاني لمصر)، ولكن تم تفكيكها وإنهاؤها تماماً منذ فترة طويلة. ومع ذلك، ولكن الحكومة المصرية دأبت على الربط بشكل مباشر بين الإخوان ومظاهر التطرف، وتشبيه الجماعة بتنظيم الدولة. وعندما يقوم المحللون السياسيون بالتشكيك في خطاب الحكومة ذلك وكذلك استخدامها للعنف في قمع المعارضة، يتم تصويرهم بشكل روتيني في الصحافة المصرية على أنهم أدوات في أيدي الإخوان المسلمين. لدرجة أنه لو تخيلنا أن هناك مائه من المراقبين الغربيين للشأن المصري في غرفة واحدة وسألنا عن الأشخاص الذين اتُهموا بالعمل لصالح الإخوان، فأنا على يقين من أن أغلبية الموجودين سيكونون من بين من تعرّضوا لمثل تلك الادعاءات.

ويعيدنا هذا إلى المشكلة الثانية التي تواجهها القيادة في مصر والتي ليس لديها إجابة عليها: يحاول السيسي إعادة كتابة الخطاب القومي في مصر، ولكن مساعيه في محاولة إبعاد الإخوان المسلمين عن تلك السردية محكوم عليها بالفشل بكل تأكيد. لقد لعب الإخوان دوراً مهماً في أهم الأحداث القومية في القرن العشرين. لقد ثاروا ضد الاحتلال البريطاني، وعلى الرغم من أنهم كانوا في البداية يميلون إلى التعامل بشكل إيجابي مع النظام الملكي في مصر، إلا أنهم عارضوا الملك فاروق طوال معظم الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن الماضي.

وكانت جماعة الإخوان المسلمين من أوائل الجماعات التي دقّت ناقوس الخطر بشأن الصهيونية والهجرة اليهودية إلى فلسطين. وفي حرب عام 1948 بين دولة إسرائيل الوليدة وجيرانها، حارب الإخوان (وإن كان ذلك بشكل محدود) ضد الإسرائيليين بالقرب من بئر السبع وبيت لحم والقدس، وقاموا بمساعدة الآلاف من الجنود والضباط المصريين الذين تقطعت بهم السبل في جيب الفالوجا – بالقرب من قطاع غزة – في المراحل الأخيرة من الصراع.

ومع ذلك، فقد كان هناك بُعد سياسي حاسم آخر لنشاط الإخوان فيما يتعلق بفلسطين. فقد كانت الجماعة، وكذلك بعض الإصلاحيين الإسلاميين الذين ظهروا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، تؤمن أن ضعف المجتمعات الإسلامية كان السبب الرئيسي وراء التدخل الأجنبي. وبقدر ما كانوا يعتبرون، هم وكثيرون غيرهم، أن الصهيونية كانت أداة للاستعمار الأوروبي، فقد كان يُنظر إلى النضال الفلسطيني ضد الإسرائيليين على أنه نفس النضال القومي الذي كان المصريون يخوضونه ضد البريطانيين.

نعم، لم يكن الإخوان وحدهم هم الفاعلون في تلك الأحداث المعقَّدة، التي امتدت لعقود. فقد كان هناك بالطبع حزب الوفد، والضباط الأحرار، ومجموعة متنوعة من الأحزاب الأخرى. ولكن مهما حاول السيسي أن يفعل، فلا يمكن أبداً إنكار الدور الذي تلعبه جماعة الإخوان المسلمين في القضايا التي كانت ولا تزال حاسمة بالنسبة للخطاب القومي في مصر.

هذه قصة مصرية قديمة، في بعض جوانبها، حيث طالما كانت هناك تساؤلات الأساسية حول ماهية المجتمع والحكم والهوية ودور البلاد في العالم وكان ذلك موضع جدل منذ فترة طويلة. ولكن لأن قادة مصر يعتمدون في الأغلب على الخوف والإكراه للحفاظ على سيطرتهم السياسية، فإنهم يصبحون دائماً عرضة للتحسّب لظهور زعماء السياسيين محتملين قد تكون لديهم إجابات على هذه التساؤلات وحول تلك القضايا.

يستطيع السيسي أن يستخدم الكثير من القوة والعنف لمواجهة معارضيه، ولذلك فإن الاتهامات التي تُوجَّه إلى شخص ما بأنه عضو في جماعة الإخوان المسلمين أو أنه يتقاضى أموالاً من الجماعة هي اتهامات شديدة للغاية. وبناءً على ذلك، فقد تم اقتياد المعارضين المصريين السلميين غير الإسلاميين إلى السجون، الأمر الذي يزيد من صعوبة وخطورة جهود الناشطين في تحقيق أهدافهم.

وفي الوقت نفسه، فإن هذا الاتهام فارغ من الأساس، بل إنه أحمق ومستهتر، وهو رد روتيني من الحكومة على أي وكل انتقاد موجَّه للجنرال ومؤيديه، الذين لا يستطيعون تقديم رد متماسك على منتقديهم. وهو أيضاً نفس الرد الذي يستخدمه القادة السياسيون عندما يشعرون بالخوف. وفي واقع الأمر، فإنه بقدر ما يحكم السيسي البلاد بالخوف، فإنه يُحْكَم أيضاً به.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close