fbpx
سياسةترجمات

بوميد: عاصمة السيسي الإدارية .. فقاعة على وشك الانفجار

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

نشرت مؤسسة بوميد (مشروع حول الديمقراطية في الشرق الأوسط) الأربعاء 7 يونيو 2023 تقريراً هاماً للباحثة سارة الطويل[1]، بعنوان “فقاعة السيسي في الصحراء: الاقتصاد السياسي للعاصمة الإدارية الجديدة في مصر”، حيث يبرز التقرير دور الجيش الرئيسي في المشروع، ويؤكد أن مشروع العاصمة الإدارية الجديدة يفتقر إلى الشفافية والمساءلة؛ ويقدم التقرير لأول مرة نظرة معمّقة في الاقتصاد السياسي الذي يقف وراء هذا المشروع المكلف للغاية.

ويؤكد التقرير أن مشروع العاصمة الإدارية الجديدة هو بمثابة “إعادة توزيع الثروة، ونقلها من الشعب إلى الجنرالات”، حتى في ظل تراكم الديون على الحكومة المدنية. وإنه “بعد عشر سنوات من استيلاء المستبد المصري عبد الفتاح السيسي على السلطة من خلال انقلاب عسكري، ووعده بتحقيق “الاستقرار والازدهار”، ساهم جنونه في الإنفاق من خلال الديون على المشاريع العملاقة، التي يتولى الجيش إدارتها، في أسوأ أزمة اقتصادية تعيشها مصر منذ عقود. ويُعتبر مشروع العاصمة الإدارية الجديدة للسيسي، الذي تبلغ تكلفته حوالي 58 مليار دولار، من أبرز مشاريع الزهو والاختيال الضخمة تلك أحد الأسباب البارزة التي تقف وراء المشاكل الاقتصادية الحالية في البلاد.”

وفيما يلي ملخصاً للتقرير أعده زاكاري وايت، مساعد التحرير المهتم بمسائل الأمن العالمي وحقوق الإنسان؛ وإيمي هوثورن، نائبة مدير بوميد للأبحاث، المهتمة بقضايا السياسة العربية، والاستبداد، والديمقراطية، ومصر، وحقوق الإنسان، وتونس، والمساعدات الخارجية الأمريكية، والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، ويتضمن الملخص خلفية بأهم المعلومات حول مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، ومدى أهمية التقرير، والتوصيات الموجّهة لحكومة الولايات المتحدة، وذلك على النحو التالي:

خلفية الموضوع

بعد عشر سنوات من استيلاء المستبد المصري عبد الفتاح السيسي على السلطة من خلال انقلاب عسكري، ووعده بتحقيق “الاستقرار والازدهار”، ساهم جنونه في الإنفاق من خلال الديون على المشاريع العملاقة، التي تتولى القوات المسلحة، شريكه في الحكم، إدارتها، في أن تعيش مصر أسوأ أزمة اقتصادية تتعرض لها منذ عقود. ويُعتبر مشروع العاصمة الإدارية الجديدة للسيسي، الذي تبلغ تكلفته حوالي 58 مليار دولار، من أبرز مشاريع الزهو والاختيال الضخمة هذه.”

إن جنون السيسي للإنفاق الذي تغذيه الديون على المشاريع العملاقة التي يقودها شريكه الحاكم، القوات المسلحة، وهو أحد الأسباب الرئيسية وراء المشاكل الاقتصادية الحالية في مصر. ومن أبرز هذه المشاريع، العاصمة الإدارية الجديدة التي ستحل محل القاهرة كمقر لنظام السيسي.

وفي الخريف الماضي، وافقت الحكومة المصرية على إبطاء المشاريع العملاقة والحد من الدور الاقتصادي للدولة – بما في ذلك نفوذ الجيش، الذي توسع دوره الاقتصادي بشكل كبير في عهد السيسي، وذلك بهدف تأمين خطة الإنقاذ الرابعة خلال سبع سنوات من صندوق النقد الدولي. ومع ذلك أصر الزعيم المصري على المضي قُدما في مشروع العاصمة الإدارية الجديدة الذي تُقدّر كُلفته بـ 58 مليار دولار. مشروع “الاختيال” هذا، المُقام في الصحراء، والذي تم الإعلان في الأصل على أنه سيستغرق خمس سنوات فقط للانتهاء منه، تأخر عن الجدول الزمني له بسنوات، وتجاوز ميزانيته بمليارات الدولارات.

ما هي العاصمة الإدارية الجديدة؟

  • العاصمة الإدارية الجديدة هي أكبر مشاريع السيسي العملاقة التي يديرها الجيش
  • تم كشف النقاب عنها في مؤتمر “مصر المستقبل” في مارس 2015 بشرم الشيخ
  • تقع على بعد حوالي 30 ميلاً شرق القاهرة؛
  • كان التصور عن العاصمة الإدارية الجديدة في الأصل أنها مشروع من ثلاث مراحل يمتد على حوالي 170,000 فدان، وأنه سيتم تنفيذه بالكامل من قبل شركة إماراتية للتطوير العقاري وبتمويل كامل من قبل المستثمرين الخليجيين.
  • لكن هذه الخطة لم تتحقق؛ وبدلاً من ذلك، جاء معظم تمويل العاصمة الإدارية الجديدة من الموارد العامة في مصر.
  • بدأ العمل في المرحلة الأولى –41,500 فدان، ما يعادل حجم واشنطن العاصمة تقريباً– في عام 2016، مع الإعلان بأن تاريخ الانتهاء سيكون في 2019-2020.
  • لكن المشروع تأخر بشكل كبير؛ فقد تم الانتهاء فقط من 60% من المرحلة الأولى.
  • تجاوزت النفقات بالفعل 45 مليار دولار حتى الآن، ومن المتوقع أن ترتفع الكُلفة الإجمالية للمرحلة الأولى البالغة 58 مليار دولار.
  • ستكون العاصمة الإدارية الجديدة “مدينة ذكية”، تعمل بنظام تحكم قيادي مركزي بشكل كامل، لتتبع جميع الأنشطة في المدينة، على غرار الصين، بما في ذلك من خلال بث مرئي (فيديو) مباشر عبر ستة آلاف كاميرا.
  • ستضم المدينة قصراً رئاسياً ضخماً ومقراً وزارياً جديداً؛ وحي دبلوماسي من المتوقع أن تنتقل إليه جميع السفارات الأجنبية؛ ومراكز تشمل الفنون الفخمة، والمؤتمرات، والرياضة؛ ومنطقة تجارية مركزية مبنية على الطراز الصيني بها “أطول برج في إفريقيا”؛ وأكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط؛ ومناطق سكنية وتجارية راقية؛ ومساحة 22 ميلا من الحدائق والمنتزهات تسمى “النهر الأخضر”؛ والكثير غير ذلك.

ما مدى أهمية التقرير؟

بينما تعكس الدور البارز للجيش بشكل كبير، فإن العاصمة الإدارية الجديدة تفتقر إلى الشفافية والمساءلة. فالمعلومات المتاحة للجمهور تأتي فقط من خلال تقارير مجزّأة، ويتم قمع أي نقد أو رفض لها ووصمه بالجهل. ولكن هذا التقرير يقدم لأول مرة نظرة معمّقة في الاقتصاد السياسي الذي يقف وراء هذا المشروع شديد الكُلفة.

ويوضح التقرير بالتفصيل كيف كان إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة بمثابة تحويل موارد الدولة إلى العسكريين المقربين من السيسي، حتى في ظل تراكم مزيد من الديون على الحكومة المدنية؛ وبعبارة أخرى: إعادة توزيع الثروة وتحويلها من الشعب إلى الجنرالات.

 النتائج

تشمل النتائج الرئيسية التي توصل إليها التقرير ما يلي:

(1) على الرغم من تأكيد السيسي مراراً وتكراراً على أن “الدولة المصرية لن تدفع فلساً واحداً” للعاصمة الإدارية الجديدة، فإن معظم الأموال التي تم إنفاقها حتى الآن جاءت بالفعل من الخزينة العامة للدولة – سواء كان ذلك في شكل مخصصات مباشرة في الموازنة، أو من خلال بيع الأراضي المملوكة للدولة (غالباً ما يكون عائدها إلى الدولة)، أو القروض المدعومة من الدولة، أو الدين الحكومي. وستجد الأجيال القادمة من المصريين نفسها مضطرة إلى سداد هذه الديون على مدى عقود قادمة.

(2) يجني المقربون من النظام فوائد هائلة من العاصمة الإدارية الجديدة. وتستفيد القوات المسلحة، قبل الجميع، من خلال اقتناص مليارات الدولارات. فبصفتها المشرف الرئيسي على المشروع، تتمتع الشركة التي يقودها الجيش بتحصيل عائدات مبيعات الأراضي والتخفيضات الكبيرة لجميع العقود تقريباً، مع إيداع الدخل الآتي من ذلك في حساباتها المصرفي الخاص، دون أي رقابة مستقلة عليها.

(3) تستفيد من ذلك أيضاً شركات البناء والتطوير العقاري التي لها علاقات وثيقة مع النظام –بعضها راسخ في السوق وبعضها جديد وغامض– من خلال العقود المربحة التي توزع عليهم دون إجراء أي مناقصات. ويتم إدماج أعضاء الأجهزة الأمنية بشكل معمّق في شبكات المحسوبية ودوائر التربح هذه، سواء كمساهمين أو مشرفين أو موردين أو وسطاء.

(4) تجني الشركات الأجنبية أيضاً أرباحاً من ذلك. فهذه الشركات متواطئة في إثقال كاهل حسابات الدولة المصرية بالديون وإعادة توجيه مواردها الشحيحة نحو مشاريع الزهو والخيلاء باهظة الثمن والتي تحظى بالأولوية على أبواب الإنفاق الاجتماعي الأساسي الأقل بريقاً. ونظراً لأن عقودهم يتم توقيعها عادةً مع كيانات يسيطر عليها الجيش، فإنهم يساهمون أيضاً في التغطية على الحسابات المصرفية لتلك الإقطاعيات العسكرية طوال الوقت. ويشمل ذلك الشركة الأمريكية “هَني ويل”، التي تم إسناد تطوير نظام المراقبة الجماعية في العاصمة الإدارية الجديدة لها.

المخاطر

بالنظر إلى غموض المشروع وتفشي المحسوبية، فإن العاصمة الإدارية الجديدة هي مغامرة محفوفة بالمخاطر بشكل لا يصدق لنظام السيسي.

  • حتى في أفضل السيناريوهات، من غير المرجح أن ترى الدولة عائداً إيجابياً على الاستثمار من الموارد العامة الهائلة التي يتم ضخها في العاصمة الإدارية الجديدة. يكاد يكون من المؤكد أن المشروع سيتراجع عن رؤيته الأصلية؛ تم بالفعل إلغاء بعض العناصر الرئيسية، مثل الإسكان الميسور التكلفة، في حين أن المساكن الراقية الوفيرة ستكافح للعثور على مشترين كافيين. في غضون ذلك، أدت مطالب السيسي بأن يتم الإسراع في استكمال عاصمته الجديدة إلى أعمال بناء رديئة وإهدار.
  • في أسوأ السيناريوهات، سوف تنفجر الفقاعة. إن العاصمة الإدارية الجديدة عُرضة بشكل فريد لمخططات احتيالية، مع إشراف متساهل ويعتمد مطورو النوافذ المنبثقة الغامضون على أموال جديدة لسداد مستثمرين سابقين. إذا توقف تدفق الأموال، فسوف ينهار المشروع بأكمله، تاركاً الكثير من المدينة التي لم تكتمل بعد في شكل رمال في الصحراء.
  • بدون تدفقات جديدة من السيولة، سينفد السيسي من سبل دعم مشروع العاصمة الإدارية الجديدة ومكافأة الموالين له. عندما يحدث ذلك، لن يقف حتى عملاؤه العسكريون إلى جانبه، ويقررون أن ولاءاتهم الانتهازية في مكان آخر أفضل.

توصيات السياسات

يثير مشروع العاصمة الإدارية الجديدة مخاوف كبيرة بشأن الإدارة الاقتصادية، والمديونية، والمحسوبية، والفساد، والمراقبة الجماعية، والاستقرار في مصر. رداً على ذلك، يوصي بوميد بأن تتخذ حكومة الولايات المتحدة الخطوات التالية:

1- إجراء مراجعة لسياسة استقرار النظام المصري وقدرته على البقاء باعتباره “شريكاً استراتيجياً” في ضوء سوء إدارة السيسي الاقتصادية، كما يتضح بوضوح من مشروع العاصمة الإدارية الجديدة.

2- تطبيق الأدوات الموضحة في استراتيجية إدارة بايدن لمكافحة الفساد، بما في ذلك:

(أ) معاقبة أي أفراد أو كيانات مصرية أو غيرهم من المتورطين في أنشطة فاسدة تتعلق بمشروع العاصمة الإدارية الجديدة.

(ب) التحقيق فيما إذا كانت أي شركة أمريكية قد انتهكت قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة في تلقي عقود العاصمة الإدارية الجديدة.

(ج) مراجعة ما إذا كان قد تم استخدام أي مساعدة خارجية أمريكية في مشروع NAC “لتعزيز هياكل السلطة الفاسدة”، وإذا كان الأمر كذلك، فقم على الفور بتقليص هذه المساعدات وتنفيذ السياسات لتجنب التوجيهات الخاطئة للمساعدات في المستقبل.

(د) العمل مع صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية الأخرى لتعزيز الشفافية وإجراءات مكافحة الفساد في إقراضها لمصر.

3- دعم والدفاع عن عمل الصحافيين المصريين ونشطاء المجتمع المدني والمبلغين الحكوميين في تحقيق الشفافية والمساءلة في العاصمة الإدارية الجديدة من خلال مبادرات مثل درع المراسلين التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وتعزيز الشفافية والمساءلة من خلال برامج التحقيقات الاستقصائية، فضلاً عن دعم وزارة الخارجية. الاتحاد العالمي لمكافحة الفساد. تقييم، تماشياً مع مبادرة ضوابط التصدير وحقوق الإنسان التي تم إطلاقها في قمة إدارة بايدن للديمقراطية لعام 2021، دور الشركات الأمريكية في العاصمة الإدارية الجديدة، ولا سيما هني ويل، في التحريض المحتمل على انتهاكات الحكومة المصرية لحقوق الإنسان من خلال توفير الكتلة تكنولوجيا المراقبة للعاصمة الجديدة.

4- اقتطاع من المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية لمصر مبلغاً يساوي تكلفة أي نقل تفويض من الحكومة المصرية لسفارة الولايات المتحدة من القاهرة إلى العاصمة الإدارية الجديدة.

5- تعزيز دعوة صندوق النقد الدولي مع السلطات المصرية لإبطاء المشاريع العملاقة وتقليص الدور الاقتصادي للجيش. معارضة الإفراج عن شرائح أخرى من تمويل صندوق النقد الدولي حتى تتخذ مصر هذه الخطوات.

6- مراجعة دور البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في تمويل العاصمة الإدارية الجديدة بشكل غير مباشر. قد ينتهك هذا التمويل ولاية البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في “تعزيز الانتقال نحو الاقتصادات الموجهة نحو السوق المفتوحة لتعزيز المبادرات الخاصة وريادة الأعمال” ولمساعدة البلدان فقط “الملتزمة بتطبيق مبادئ الديمقراطية المتعددة الأحزاب [و] التعددية”. إذا كان ذلك يمثل انتهاكاً، فيجب على الولايات المتحدة مطالبة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بتعليق دعمه حتى تمتثل مصر. بصفتها عضواً مؤسساً في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية وأكبر مساهم منفرد، فإن للولايات المتحدة مصلحة مباشرة في ضمان الاستخدام السليم لأموال البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية.

[1]  نظراً لحساسية القضايا الواردة في هذا التقرير، اختارت “بوميد” أن تشير إلى المؤلف، الباحث المتخصص في سياسات الشرق الأوسط، بالاسم المستعار، سارة الطويل.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close